كارهو الإسلام في ألمانيا والغرب...حجج شعبوية وتنبؤات عبثية
عمران فيروز
ترجمة: يوسف حجازي
الكتاب الألماني "خوف على الغرب" عن المتنبئين بزوال الغرب على أيدي المسلمين
كارهو الإسلام في ألمانيا والغرب...حجج شعبوية وتنبؤات عبثية
في كتابه "خوفٌ على الغرب" يجيب الصحفي دانيال باكس الذي يعمل في صحيفة تاتس الألمانية بالتفصيل على السؤال: لماذا على أوروبا عدم الخوف من المسلمين بل من أعداء الإسلام؟. عمران فيروز قرأ الكتاب ويطلع موقع قنطرة على محتواه.
دعا الهولندي الشعبوي اليميني خيرت فيلدرز ذات مرةٍ إلى حظر القرآن، حيث شبَّهه بكتاب أدولف هتلر "كفاحي". أما هاينس كريستيان-شتراخه رئيس حزب الأحرار النمساوي الذي يمكن وصفه من دون قيدٍ أو شرطٍ باليميني المتطرِّف فيحب التلويح بصليبٍ في يده عند تحذيره من "أسلمة الغرب". بينما تدَّعي مارين لوبان -الشخصيَّة اللامعة في حزب الجبهة الوطنيَّة اليميني- أنها تدافع عن الحريَّة والديمقراطيَّة، في حين أنها تحرِّض باستمرارٍ هي ورفاقها في الحزب على الأقليَّة المسلمة في البلاد، وتطالب من بين أمورٍ أخرى بوجوب تقديم لحم الخنزير في جميع المقاصف المدرسيَّة.
يضع دانيال باكس الذي يكتب في صحيفة تاتس هذه الشخصيات محط الأنظار في كتابه "خوفٌ على الغرب" الذي جاء في 288 صفحة؛ بينما لا يقتصر اهتمامه على الشخصيات الرمزيَّة لليمين الأوروبي فقط، إنما يسلط الأضواء أيضًا على مؤيديه الألمان وملقنيه وشهود متورطين فيه.
بدءًا بتيلو زاراتسين وصولاً إلى حامد عبد الصمد
المقصود هنا على وجه التحديد تيلو زاراتسين الذي لا يزال يقدم نفسه في مقابلاته الأخيرة بوصفه باحثًا يجادل برصانة في علم الجينات الوراثيَّة، وهاينتس بوشكوفسكي الذي سرعان ما تبددت إشاعَته لجو الذعر بخصوص "المنطقة الإشكاليَّة" نويكولن لدى قراءة التجارب الوافرة للمسلمين واليهود في نويكولن، وأليس شفارتسر - أشهر عدوة للحجاب في جمهوريَّة ألمانيا الاتحاديَّة، التي تنافق في الكثير من الأحيان في خضم "محاربتها للأسلمة" أناسًا لا يمتون للحركة النسويَّة بصلة مثل التبشيريين. والجدير بالذكر هنا حقيقة أنَّ الكاتب دانيال باكس لا "يُحاسِب" بأية طريقة هؤلاء الأشخاص المشار إليهم، بل يبيِّن بموضوعيَّة أنَّ حججهم الشعبويَّة ليست سوى ضروبٍ من العبث.
تحليل وافر المعرفة والتفاصيل عن الحركات الشعبويَّة اليمينيَّة والحركات المعادية للإسلام: "لا يُغفِل باكس أحدًا في ألمانيا - من حامد عبد الصمد، الذي تروق له الكتابة عن "الفاشيَّة الإسلاميَّة" ويضرب عند قيامه بذلك بكل المعايير العلميَّة عرض الحائط، إلى نجلا كيليك التي جلست ذات مرةٍ إلى جانب زاراتسين أثناء تقديمه كتابه والتي تبدي ما عدا ذلك انزعاجها في صفحات الأدب والفن من أي برج صغير من شأنه أن يتّخذ شكل المئذنة".
ينطبق هذا أيضًا على عتاة الوسط المعاديَّ للإسلام، الذين لا يعتمدهم زاراتسين وشركاه وحسب، بل أيضًا محرضو مدوَّنة الكراهيَّة "بوليتكلي انكورِّكت" وغيرهم من دُعاة الكراهيَّة. لا يُغفِل باكس أحدًا - من حامد عبد الصمد، الذي تروق له الكتابة عن "الفاشيَّة الإسلاميَّة" ويضرب عند قيامه بذلك بكل المعايير العلميَّة عرض الحائط، إلى نجلا كيليك التي جلست ذات مرةٍ إلى جانب زاراتسين أثناء تقديمه كتابه والتي تبدي ما عدا ذلك انزعاجها في صفحات الأدب والفن من أي برج صغير من شأنه أن يتّخذ شكل المئذنة.
كما يجري إلقاء نظرةٍ ناقدةٍ على أوساط كارهي الإسلام على المستوى الدولي. تلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد أيان هيرسي علي التي نشأت في الصومال، والتي تعيش منذ فترةٍ من الزمن في الولايات المتحدة الأمريكيَّة ويلتف حولها هناك دعاة الحرب من المحافظين الجدد، وكذلك ما يسمى بـ "الملحدين الجدد" الذين يتبعون الفيلسوف والباحث في علوم الجهاز العصبي سام هاريس، الذي يرى الخطر بشكلٍ أو بآخر كامنًا في جميع الأديان، إلا أنَّه يعتبر الإسلام خطيرًا على نحو خاص ولذلك يدعو -كما تفعل أيان هيرسي علي- إلى ممارسة سياسة الضرب بيدٍ من حديدٍ في الشرق الأوسط، إضافةً إلى التعذيب في غوانتانامو، والهجمات بطائرات بدون طيار، وتقديم الدعم السياسي للمستبدين من أمثال الدكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي.
وسائل الإعلام وحريَّة التعبير
تؤجج جهات فاعلة أخرى نار العداء للإسلام في ألمانيا وتختلق صورةَ "بِلاَدِ الغَرْب"، المصطلح المشحون أيديولوجيًا وبروح صراع الحضارات، من هذه الجهات كبريات وسائل الإعلام التي كانت تصب الزيت على النار على مدى سنوات عديدة من خلال نفخها المصطنع لما يسمَّى "شرطة الشريعة" في مدينة فوبرتال، بينما لم تعِر الكثير من الاهتمام لقضايا أكثر خطورة بكثير، مثل إرهاب الجماعة النازيَّة السريَّة أو القتل الجماعي الذي ارتكبه أندرس بهرنغ بريفيك في جزيرة أوتويا النرويجيَّة، لأنها لا تتلاءم مع رؤيتها المبسَّطة لوجود نقيضَينِ أبيض وأسود. ولا يقتصر هذا على الصحف التي تعتمد على الإثارة مثل بيلد، بل يشمل أيضًا صحيفة دي فيلت أكبر صحف دار شبرينغر للنشر أو غيرها من وسائل الإعلام المعروفة مثل فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ أو مجلة شبيغل. وينسحب الأمر نفسه على عددٍ كبيرٍ من البرامج الحواريَّة على شاشات التلفزيون العام.
دانيال باكس، ولد سنة 1970 ودرس الصحافة والعلوم الإسلاميَّة في برلين وهو يُقدِّر التنوُّع القائم في هذه المدينة. يعمل باكس منذ خمسة عشر عامًا صحافيًا لدى صحيفة تاتس ويكتب في قضايا الهجرة والاندماج والإسلام.
النقد مُحِق إلى أبعد حدٍّ، فعندما يحمل الكتاب الأخير الذي نشره المعادي للإسلام أودو أولفكوتي نفس عنوان أحد أعداد مجلة شبيغل قبل بضع سنوات: "ألمانيا مكة - الأسلمة الصامتة" – يكون مسار الأمور خاطئًا على أقل تقدير. يبيِّن دانيال باكس وهو على حق أنَّ الكثير من وسائل الإعلام تفكر في المقام الأوَّل بأحجام مبيعاتها وبنسب مشاهدة قنواتها؛ أما الأضرار التي تسببها بذلك للمجتمع فلا تـُعار لها أهميَّة.
تمثل قضيَّة حريَّة التعبير منذ الهجوم على أسرة تحرير "شارلي إيبدو" على وجه الخصوص، موضوعًا مركزيًا في الكتاب. ويجري إيضاح سبب عدم ضرورة أنْ تكون شارلي لكي تؤيد هذا الحق الأساسي. ذلك لأنه بعد شارلي إيبدو أيضًا اتضح النفاق مرةً أخرى وكذلك الازدواجيَّة في المعايير. بدأ هذا مع المسيرة الاحتجاجيَّة المنسّقة إعلاميًا لنخبة سياسيَّة لا تضع بذاتها أهميَّة لحريَّة التعبير، إلى مكاتب تحرير شارلي إيبدو، حيث رُفضت رسوم معادية للساميَّة بوضوح، في حين كان التعامل عكس ذلك مع الرسوم المعادية للإسلام والرسوم العنصريَّة.
آفاق المشهد
يصعب حاليًا تقدير المشهد المستقبلي في "بلاد الغرب". فقد أثار جو الذعر المشاع إعلاميًّا وهيمنة قوى اليمين الأوروبي صورةَ عدوٍ وهميٍ لا يمكن إزالتها بسرعة. وجهات النظر المتوافقة مع بيغيدا ليست موجودة لدى قوى أقصى اليمين وحسب، بل أدركت وسط المجتمع أيضًا. الإسلاموفوبيا ورهاب الإسلام أو العنصريَّة إزاء المسلمين، مصطلحات تعني كلها في الأساس نفس الظاهرة، ولم تعُد موجودة في الشارع فقط، بل نجدها أيضًا في المؤسسات السياسيَّة. تجلَّى هذا على سبيل المثال بوضوح قبل بضعة أشهر في النمسا، حيث صدر قانون الإسلام الجديد المثير للجدل جدًا، والذي يبيِّن عدم المساواة في معاملة الأديان في البلاد، والذي ينظر إليه ساسة ألمان قياديون بعين الرضا وطموح التقليد.
رغم ذلك لا يجري إدراك دور الأقليَّة المسلمة الضعيف، بل الحديث باستمرار عن "زوال الغرب" المفترض. حتى وإنْ كانت الأرقام والحقائق تتحدث بلغة مختلفة تمامًا، سوف يبقى المسلمون بشكلٍ واضحٍ أقليَّةً في أوروبا في العقود المقبلة، يطرح المرء أحيانًا على نفسه السؤال المريب، أليس من الأفضل ربما أن تزول تركيبة بلاد الغرب الأيديولوجيَّة في أوروبا تحترق فيها المساجد بازدياد مطَّرد.