أزمة فكر.. ومستقبل!

أمجد المنيف
من السهل جدا أن تتشدق بقضايا الفكر، وترمي بالأمور الشائكة عليها، وتتهم الثقافة - أو المثقف - بالقصور، ولكن التحدي أن تنتقد وتعمل على الإصلاح، أن تكون جزءا من التغيير، أن تصنع بيئة في منصة نوعية قادرة على استيعاب المرحلة، وتكون الأرضية لبناء الآراء والرؤية، وفق منهجيات حقيقية، وعمل مستدام.
كما هو الوضع أعلاه، تعمل مؤسسة الفكر العربي منذ سنوات، حيث أخذت على عاتقها الهمّ الآني والمستقبلي، وبعمل جاد بلا ضجيج، يعتمد على التأثير التراكمي لا المباشر، مركزة على القضايا الحساسة التي تشغل المنطقة، وهذا ما يظهر بشكل مباشر من خلال عنوان "مؤتمر 14"، الذي انتهت أعماله في القاهرة قبل أيام، "التكامل العربي.. تحديات وآفاق"، والذي طرق كثيرا من القضايا المحورية، التي تشغل المرحلة، وهذه بعضها:
ورشة "التكامل الأمني": حيث "ناقشت سؤالين أساسيين هما " كيف يمكن بناء نموذج للأمن العربي لمواجهة التطرف والإرهاب والتدخلات الخارجية، ومخاطر حرب الشبكات والحروب الفضائية؟"
والسؤال الثاني" كيف نوفق بين مبدأ السيادة الوطنية والتكامل العربي الأمني؟"
ورشة "التكامل الاقتصادي": أعطت "ورشة العمل الخاصة بها إجابات لكيفية مساهمة الحكومات العربية والقطاع الخاص وصناديق التنمية العربية في رسم استراتيجيات لتأهيل الطاقات البشرية وإعادة الإعمار، وكذلك إمكانية أن يكون التكامل العربي داعما لاقتصادات المعرفة في الدول العربية."
في الحقيقة، هذا جزء من كل، ولمحة من مشهد فكري واسع، تنوعت فيه المواقف والتعليقات، بشفافية عالية، وعندما نقول (بشفافية) فنحن نعني هذه الكلمة، التي تنعكس بوضوح عبر منتجات المؤسسة من كتب ومنشورات وأبحاث وغيرها.
الملفت في نسخة المؤتمر الأخيرة، والتي أعتبرها بادرة وفية، لرجل وفي لبلاده، هو تكريم عميد الدبلوماسيين العرب، الأمير الراحل سعود الفيصل، ولعل أفضل ما يختصر المشهد ما قاله عمرو موسى عنه: "إنه شارك في وضع أسسٍ لمواقف عربية لا تزال حتى الآن واردة، ولو نُفذ بعض منها لكانت حال العرب غير الحال".
حول المؤتمر ومؤسسته، هناك الكثير ليكتب، والعديد من الكتب لتلخص، لكن المساحة لا تسمح، ولعل القادم من المقالات يستوعب بعضا جديدا منه..
وأفضل ما أختم به مقالتي، من دهاليز المؤتمر، ما قاله عدلي منصور الرئيس المصري السابق ورئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر، عندما كرم بجائزة "مسيرة عطاء"، بالتشارك مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بدولة الإمارات، الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، عندما قال: "الوطن العربي يحتاج إلى ربيع آخر.. ربيع الحضارة.. يحتاج إلى ثورة حضارية يأخذنا فيها العقل إلى الموقع اللائق بنا بين الأمم.. نحتاج إلى مشروع حضاري يستقيم بالعقل والروح. محاوﻻت التقسيم، ملايين النازحين واللاجئين، وقوى الشر التي تعمل ضد الدين والدنيا، لا يجب أن تثنينا عن صناعة الأمل". والسلام