الفكرة، سرور أو سموم؟

 

أمل محمد المجاهد

    نسير في هذه الحياة ونحن نحمل كثيرا من الشبكات والخلايا والمخزونات التي كونتها البيئة من حولنا في الصغر. نسير ونتوقف، ننظر ونتطلع، نترقب ونأمل، نخاف ونأمن هكذا هي حياتنا. نرسم فقرات حياتنا بفكرة تخطر على عقل، فتصبح خاطرة ننقلها، وبعدها نوقن بها في عقلنا الباطن.

وفي طبيعة الحال فهي تحمل مسارين إما مشعاً أو مظلماً. الفكرة إما أن تكون منجية لصاحبها أو مهلكة له، إما أن ترتفع به إلى أعالي الجبال أو تهوي به إلى درك الشقاء. فالفكرة تصنع الأعاجيب فلها برمجة عجيبة في دقائق الجسد والعقل.

في الحقيقة، بعض ما تمليه لنا عقولنا من أفكار نصدقه في العقل الباطن فنرسم السيناريو لهذا الاعتقاد الذي هو في الحقيقة حديث نفس، فيصبح سلوك لنا في الخارج لا نتحكم به إلا بإصلاح أو افراغ ما حشي به العقل الباطن من أفكار.

قد يصعب علينا تصديق أن الفكرة أو الخاطرة الخفية التي تدور بالذهن تصنع الأعاجيب، فقد رفعت أقواما وحطت آخرين. وفي ذلك قال بلاتو: (أجداد كل سلوكياتنا هي الفكرة وبها نتقدم وبها نتأخر، وبها نسعد وبها نشقى)، فالعظماء والناجحون وصلوا الى القمة من خلال فكرة.

يقول الدكتور إبراهيم الفقي في كتابه "قوة الفكر" خلال الحرب العالمية الثانية أراد هتلر أن يعاقب ثلاثة من جنوده لأنهم لم ينفذوا الأوامر كما ينبغي، فطلب من المختصين أن يستخدموا عقابا نفسيا، فوضعوا كل واحد منهم في غرفة صغيرة بمفرده، وتركوا المياه تتساقط قطرة قطرة، وأخبروا كل واحد منهم أنه تنفس صنفا من الغازات السامة، وأنه لن يبقى على قيد الحياة أكثر من ست ساعات، بالرغم من أنه لم يحدث أي شيء من ذلك، وبعد ثلاث ساعات وجدوا اثنين قد فارقوا الحياة فعلا، والثالث على وشك الموت.

وهذا بلا شك دليل على أن العقل والجسد كل منهما يؤثر في الآخر ولصيقان بعضهما ببعض من حيث قوة المفعول. وهم في الحقيقة كانوا في مكان آمن كحال الحرس لكن الإيحاء النفسي كان له الأثر في تدمير عقولهم وتخيل سكرات الموت مع كل قطرة ماء!

الناجح - مثلك - لا بد أن يدرك أن الفكر يؤثر في كل شيء يملكه الإنسان ابتداء من الأحاسيس والشعور وانتهاء بالنتيجة كسلوك يمارسه الشخص. فلو كنت تعتقد أنك مصاب بمرض معين فسيرسل المخ الإشارات للأعضاء الداخلية والخارجية فستشعر بأعراض هذا المرض كاملة كما أنك مصاب فعلا! وغيرها من الأفكار التي تدور في خلدنا إما لتبني النجاح والانضمام في ركب الناجحين أو احتواء الفشل والقفز في ركابهم.

اضف الى ذلك، أن الفكر له ارتباط قوي بالنفس، فإذا كان تصورك عن نفسك ايجابيا فبذلك ترسل إشارات تزيد من ثقتك بنفسك وقدرتك على التحمل، التعايش، التفوق والنجاح والعكس صحيح.

فإذا صححت ما بداخل نفسك من أفكار واعتقادات حول نفسك وسلمت أفكارك الداخلية فهناك عامل خارجي قد يؤثر في تفكيرك، فنقح محيط مملكتك من بعض الأشخاص الذين يتقنون تكميم الأفواه وإحباط الطموحات بقناعاتهم المتدهورة، فقزموا الفكرة وخنقوا الحلم ونفضوا التفاؤل والأمل من حولك.

فانفض ما تبقى من سهامهم على أدبارهم وامض في طريق الحياة كرسام يعبث في فرشاة الألوان على صفحة بيضاء ليخرج لنا لوحة تحمل من رونق التعبير وجمال الصورة شيء كثير.

http://www.alriyadh.com/1081750

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك