حول التواصل الثقافي

عبدالله حامد حمد

 

يتم التواصل بين الأفراد على مستويين، وهما مستوى داخل الثقافة نفسها ومستوى عبر الثقافات. أما التواصل ضمن الثقافة الواحدة فذو مواصفات معيَّنة أهمها أن هؤلاء الأفراد يتفاعلون وسط رموز لغوية وثقافية واحدة. ولا يتطلب هذا النوع كثيراً من الجهد والتيقظ الشعوري، فهو يتم ضمن إطار ثقافي معرفي واحد. ومع هذا كله يتخلل هذا النوع من التواصل أحياناً حصول سوء تفاهم مهم لأسباب لغوية أو نفسية أو سياقية معينة. غير أنه يمكن التعامل معها بصورة سريعة ومناسبة لإصلاح الخلل التواصلي.

أما التواصل عبر الثقافات، فهو تواصل بين أفراد ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين ويستخدمون إحدى لغتي هاتين الثقافتين، مثل اللغة العربية ليتواصل بها الألماني الذي تعلمها كلغة أجنبية مع العربي، أو اللغة الإنجليزية ليتواصل بها العربي الذي تعلمها كلغة أجنبية مع البريطاني. إن هذا التواصل ليس سهلاً على الإطلاق كما يظنه الكثير. فالمسألة ليست استخدام رموز مثل كلمات وجمل لاستيفاء الغرض المطلوب. بل هو أكثر من ذلك، إنه عملية تفاعلية معقَّدة تتطلب التيقظ الشعوري وتطال المستويات النفسية والاجتماعية والثقافية واللغوية.

من الواضح، على سبيل المثال، أن التكرار في ثقافتنا العربية الإسلامية أمر مقبول خلال التواصل مع الآخرين ضمن هذه الثقافة وهو أمر طبيعي. غير أن استخدام هذا الأسلوب، أي التكرار، للتواصل عبر الثقافات يبدو أمراً غير مقبول، وخاصة عند التواصل مع الأوروبيين. مثال ذلك ما حصل مع كاتب هذه المقالة عندما ذهب إلى أمريكا لمواصلة الدراسات العليا. فمع انتهاء الفصل الدراسي الأول توجَّه إلى إدارة التسجيل في الجامعة ليستفسر عن درجاته في المقررات التي سجل فيها في ذلك الفصل. وفيما يلي وصف للحوار الذي جرى بين الطالب وموظفة الاستقبال:
– الطالب: لو سمحت أريد أن أعرف درجاتي لهذا الفصل.
– الموظفة: أنا آسفة. إن النتائج غير متوفرة الآن وعليك الانتظار إلى حين إعدادها.
– الطالب: ولكنني أريد معرفتها لأنني على وشك التقديم لبعثة دراسية.
– الموظفة: قلت لك إن الدرجات غير متوفرة ولا أقدر أن أعطيك أي شيء الآن.
– الطالب: ولكن إذا كان بالإمكان الحصول عليها بأي شكل كان لتسهيل التقدم لتلك البعثة الدراسية.
– الموظفة: لقد قلت لك إن النتائج غير متوفرة وإذا لم تقبل هذا الجواب فسأضطر للاتصال بشرطة الجامعة.
– الطالب: شكراً ( مغادراً).
أيقظ هذا الحوار الطالب أخيراً من غفلته وأدرك الهوة الكبيرة التي تفصله عن الموظفة.
إن التعثر في التواصل عبر الثقافات يكون مرده بالدرجة الأولى سبب ثقافي / اجتماعي. فقد تجد أمراً مقبولاً في ثقافة معيَّنة لكنه لا يكون مقبولاً في ثقافة أخرى. أما السبب اللغوي فهو فشل المتكلم في استخدام الكلمة أو العبارة الصحيحة للتعبير عن المعنى الذي يرغب في إيصاله إلى المستمع من الثقافة الأخرى.

المصدر: http://qafilah.com/ar/%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B1%D8%B3...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك