لماذا لم يصل أدبنا العربي إلى العالمية؟

 

قامت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بعض‭ ‬المراكز‭ ‬الوطنية‭ ‬بترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬بعض‭ ‬الكتَّاب‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬انتباه‭ ‬العرب‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬للخروج‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭.

فالغرب‭ ‬وإن‭ ‬قام‭ ‬ببعض‭ ‬الترجمات،‭ ‬فذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الفضول‭ ‬الثقافي‭ ‬ومعرفة‭ ‬الآخر.. ‬ولعله‭ ‬يترجم‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬فقط. ‬ويهتم‭ ‬بنوعية‭ ‬معينة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الكتابات.. ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الحديث،‭ ‬ما‭ ‬يضاهي‭ ‬انبهاره‭ ‬بألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وأعطت‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬دفعاً‭ ‬جديداً. ‬وبعده‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬تلته،‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الكتاب‭ ‬الأوروبي. ‬لأن‭ ‬كثيراً‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬العربية‭ ‬تُترجم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬لدارسي‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وليس‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بقراءتها. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيضطلع‭ ‬بمهمة‭ ‬الخروج‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭ ‬وإعطائه‭ ‬فرصته‭ ‬الحقيقية‭.‬

وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يشتكي‭ ‬الكتَّاب‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الناشرين‭ ‬الأجانب‭ ‬قائلين‭ ‬إن‭ ‬ناشري‭ ‬الأدب‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬لإعطاء‭ ‬ومنح‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬الناشر‭ ‬العربي،‭ ‬مستعد‭ ‬لمنح‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي‭ ‬فرصته‭ ‬الحقيقيّة،‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬عالمياً؟

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هل‭ ‬المترجم‭ ‬وحده‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بهذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬الفردية‭ ‬أبداً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬الآن،‭ ‬فجل‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬ترجمت‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬إنما‭ ‬يعود‭ ‬الفضل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬بعض‭ ‬المترجمين‭ ‬الفردية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الكتَّاب‭ ‬أنفسهم‭ ‬أحياناً،‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬العلاقات‭ ‬الخاصة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك. ‬في‭ ‬حين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتعهد‭ ‬بها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬وأن‭ ‬تتوحّد‭ ‬جهود‭ ‬مراكز‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬للتنسيق‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬لوضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للترجمة‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬التعريف‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬والخروج‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حدوده‭ ‬الضيقة‭ ‬إلى‭ ‬الأفق‭ ‬الأوسع‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً‭.‬

لأن‭ ‬المترجم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سلطة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تترجم،‭ ‬فهناك‭ ‬جهات‭ ‬عديدة‭ ‬تتدخل‭ ‬لتكون‭ ‬ترجمة‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬ممكنة. ‬إذ‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬فرضنا،‭ ‬جدلاً،‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬قد‭ ‬قام‭ ‬بترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬ما،‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬قائماً: ‬من‭ ‬سينشر‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب؟‭ ‬وإذا‭ ‬نشر،‭ ‬كيف‭ ‬سنروِّجه؟

إن‭ ‬معظم‭ ‬المترجمين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يتجهون‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬إلى‭ ‬الترجمات‭ ‬الإدارية‭ ‬والعلمية‭ ‬والسياسية‭ ‬وغيرها،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬عكس‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬من‭ ‬الترجمة. ‬وهذا‭ ‬حسب‭ ‬شهادة‭ ‬بعض‭ ‬المترجمين‭ ‬المحترفين‭ ‬وواقعهم‭ ‬الراهن‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬لا‭ ‬تضمن‭ ‬شهرة‭ ‬العمل‭ ‬المترجم‭ ‬خارج‭ ‬موطنه‭ ‬الأصلي. ‬ففي‭ ‬غياب‭ ‬التناول‭ ‬النقدي‭ ‬والمجهود‭ ‬الإعلامي‭ ‬والترويج‭ ‬الجاد‭ ‬والتوزيع‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التعريف‭ ‬بالعمل،‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬الكتاب‭ ‬المترجم‭ ‬أي‭ ‬اهتمام،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يسعون‭ ‬للتعريف‭ ‬بكتّابهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬الغربية‭ ‬تعزف‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬أعمال‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭.‬

لقد‭ ‬وصلت‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬مثلاً‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬رفيع،‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بأي‭ ‬مستوى‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولديها‭ ‬كثير‭ ‬لتقدمه،‭ ‬مثل‭ ‬أدب‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتَّاب،‭ ‬انبهر‭ ‬بهم‭ ‬العالم‭ ‬واعترف‭ ‬بهم‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

ولكن،‭ ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬ترجمة‭ ‬للأدب‭ ‬العربي‭ ‬قوية‭ ‬وفاعلة‭ ‬وقادرة‭ ‬بأن‭ ‬تخرج‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬العالمية؟‭ ‬وتلبي‭ ‬طموح‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬عالمياً؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬عهدنا‭ ‬بالترجمة،‭ ‬كحركة‭ ‬قوية‭ ‬ونشطة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تمازج‭ ‬وتلاقح‭ ‬الحضارات‭ ‬وتفاعلها‭ ‬وإثرائها،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المأمون‭.‬

فبحسب‭ ‬إحصاءات‭ ‬اليونيسكو‭ ‬لبداية‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬تترجم‭ ‬إسبانيا‭ ‬مثلاً‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬900‭ ‬كتاب‭ ‬سنوياً‭ ‬لكل‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬سكانها،‭ ‬ويترجم‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بكامله‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬سنوياً‭ ‬لنفس‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬سكانه. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الواحد‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬عربي‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬ترجمته‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية‭.‬

أخيراً‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬لأدب‭ ‬غير‭ ‬مقروء‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬أصلاً؟

يطبع‭ ‬أدباؤه‭ ‬ألف‭ ‬نسخه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ديوان‭ ‬شعر‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬وينتظرون‭ ‬سنوات‭ ‬عشر‭ ‬لتوزيعها؟

أعتقد‭ ‬بصدق‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التحرك‭ ‬سريعاً‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الدوائر‭ ‬المغلقة‭ ‬التي‭ ‬تتحرك‭ ‬فيها‭.

المصدر: http://qafilah.com/ar/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D9%8A...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك