حوار الحضارات من منظور علماء الاجتماع في إيران

غسان حمدان

 

بعد انهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، دخل العالم في فضاءٍ جديد، وتغيرت معادلات القوة والعلاقات السياسية بين البلدان. كما انتهى عالم ثنائي الأقطاب، وباتت أمريكا القوة العظمى الوحيدة المسيطرة على العلاقات السياسية في العالم دون منازع، تحتاج إلى تنظيرات جديدة.

وقد طرح بعض الاستراتيجيين والساسة المعتبرين عدة نظريات جديدة، جرى نشرها بوسائل الإعلام. نشير إلى أهم هذه النظريات: «النظام العالمي الجديد»، «نهاية التاريخ، والنصر النهائي الليبرالي الديمقراطي» و «صدام الحضارات». ووضعت هذه الأفكار بسرعة تحت مجهر التدقيق، والتمحيص في المحافل العلمية، والسياسية والثقافية في أنحاء العالم كافة.

وقد سعى طارحو هذه النظريات باعتبارها نظريات علمية، لكن العلماء والمفكرين المستقلين في العالم، وبالأخص في العالم الثالث عدّوها امتداداً لمصالح الولايات المتحدة، وتهديداً للسلام، والأمن العالمي، وتحذيراً لبلدان العالم الثالث.

أنتجت التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي انتشرت منذ بداية الألفية الثالثة، ميلاً واضحاً في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني العربي والإسلامي نحو تطوير نظرية حوار الحضارات، وكان للفكر الإيراني في هذا المضمار أهمية كبيرة لما أصبحت تتمتع به إيران في منظومة العلاقات الدولية الراهنة، غير أن هذا الفكر على أهميته لم يتضح بوصفه رؤية متكاملة يستقطب المفكرين في تيار واحد وفلسفة واحدة، ولا يزال حتى الآن مشتتاً في اتجاهاته، متعدداً في أهدافه، وغاياته التي يسعى إليها.

ومع هذا عندما أطلق محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق مشروع حوار الحضارات على صعيد الدولي، حظي مشروعه بحفاوة بالغة من قبل منظمة الأمم المتحدة لما يندرج فيه من قيم عليا من قبيل: السلام، الحرية، والمساواة، والسعادة لجميع البشر في العالم. وبعد خطابه التاريخي في جلسة الألفية الثالثة في المجمع العمومي، قامت منظمة الأمم المتحدة بتسمية عام 2001 عام «حوار الحضارات».

بعد مدة وجيزة من إعلام عام 2001 عام حوار الحضارات، وفي حين أضاء قبساً من الأمل للمجتمعات بأن المشكلات الموجودة بين البلدان، والحضارات سوف يجري حلها عن طريق تبادل الآراء وفي ظل الحوار، حدثت واقعة 11 من أيلول في نيويورك، وباتت بداية لمجموعة من القرارات، والإجراءات العنيفة في العالم، من جملتها سحق مشروع الحوار بين الشرق والغرب بذريعة الحرب على الإرهاب .



إن مفهوم «صدام الحضارات» إيديولوجية جازمة، ومطلقة، تقسم العالم إلى صديق وعدو، وقريب وبعيد، وفي النهاية تؤدي للعداوة، ونشوء الصراعات بين البلدان والحضارات. وبالطبع نعلم أن هذه الصراعات بسبب السلطة الغربية، وقوتها سوف تؤول للإضرار بالبلدان الصغيرة، ودول المنطقة.

لكن مفهوم «حوار الحضارات والثقافات» بعكس ما سبق لا يقسم العالم إلى صديق وعدو، ويرى أن جميع الشعوب هي صاحبة حق واستقلال سياسي، ويريد السلام، والسعادة والديمقراطية والمجتمع المدني (Civil Society) للشعوب كلها، ويدعو الحكومات للتعايش السلمي، والمشاركة في بناء حياة البشر.

من وجهة نظر علم الاجتماع لتحليل الأوضاع والظواهر، نحن بحاجة للتنظير. فبدون النظرية، وامتلاك الاستراتيجية الكلية، لا يمكن رسم مسار الحركة للوضع الموجود. لذلك فإنه بعد انتهاء الحرب الباردة قام المفكرون بصياغة المفاهيم، والتنظير ليظهروا نمط الرؤية، وكيفية التحرك، والسياسات الكلية للحكام والسياسيين. ونحن نعتقد أن طرح "حوار الحضارات" يمكن أن يلعب هذا الدور على صعيد العلاقات الدولية، والعلاقات السليمة بين شعوب العالم. 

ولعل البعض يعتقد أن طرح موضوع «حوار الحضارات» اليوم لا محل له من الإعراب. لكن لا توجد حتى الآن نظرية أخرى أو مشروع يستطيع أن يحل مسار الأمور بشكل جيد ويعطي حلولاً مناسبة وواعدة. وإذا جرى قبول هذا المشروع من قبل السياسيين المؤثرين في العالم، يُرجى أن تهدي البشرية بالسلام، والحياة المسالمة.

حيث إن مشروع «حوار الحضارات» ما زال حديث العهد، ويحتاج للإصلاح، والترميم في مواجهة الأسئلة المطروحة، والإشكاليات المثارة حوله؛ لذلك يهدف هذا البحث لعرض آراء عدد من العلماء الإيرانيين في هذا المجال، ليقوم الباحثون الآخرون والمفكرون، والمتصدون للأمور الثقافية، والعلوم الاجتماعية، والسياسية بتحليل أعمق لعوامل القوة والضعف هذه، ليساعدوا في تطوير رؤية متكاملة لمفهوم الحوار وتكميلها، تمهيداً للأرضية المناسبة لتقديمها كنظرية علمية، أو تقديم أيّ نظرية أخرى لمعالجة الأزمة الراهنة.

هل يمكن عد "حوار الحضارات" نظرية علمية؟

في العلوم الإنسانية عندما يجد أحد العلماء علاقة بين ظاهرتين أو أكثر، أو عندما يعرض تحليلاً عن وضع ظاهرةٍ ما يربطها بمجموعة من الدلائل، والشواهد الحقيقية، ويقولون؛ إنه قدم "فرضية". وعندما تشاهد هذه الفرضية ضمن التيار الحقيقي لأمور الحياة البشرية، وتؤيد صحتها بشكل عملي على يد مجموعة كبيرة من العارفين وإذا لم يشاهد موارد نقض مهمة تتبدل تلك الفرضية إلى نظرية علمية. وبالطبع فإن عدد النظريات التي تنطبق عليها هذه الحالة قليلة جداً، إلاّ إذا لم يجرالاعتناء بموارد النقض، ونتعامل معها بتسامح.



يقول عالم الاجتماع الإيراني د. حسين سليمي في هذا الصدد: «الحقيقة أن حوار الحضارات قبل أن تكون نظرية علمية، هي مفهوم وتوصية سياسية وثقافية، ودولية، ولقد قدم هذا المفهوم السيد خاتمي في مواقف عدة، ومحاضرات مختلفة. لكن لا يمكن حتى الآن اعتبارها تحتوي على خصائص "نظرية علمية"»(1). وفي الحقيقة أن حوار الحضارات هو مؤشر لرؤية جديدة، وسياسية حديثة قدمها السيد خاتمي أمام المؤشرات الأخرى لصراع الحضارات، والنظام الأحادي الغربي، وعدم الاهتمام بحقوق الشعوب. لكن هذا المشروع يشتمل على عدة فرضيات نظرية محدودة، وهي:

1) القبول بمفهوم "الثقافة" و"الحضارة" كعوامل أساسية، ومحدِّدة في العالم الفعلي.

2) القبول بالتنوع، والتغاير، والتمايز الموجود بين الحضارات، والثقافات. يعني علينا أن نقبل وجود ثقافات، وحضارات متنوعة في العالم. بالطبع يجب تحديد التعريف الدقيق للثقافة، والحضارة، وأن يحد، أيضاً خصائصهما في العالم، وعددها.

3) القبول بنموذج أسلوب المصالحة، والتفاهم مكان النموذج التعارضي. بمعنى أنه يوجد ثقافات مختلفة، لكن مغايرتها لا يعني صراعها، ونزاعها؛ بل علاقاتها يمكن أن تكون مبنية على الحوار، والتفاهم.

ومن ناحية تطابق الفرضيات مع الحقائق، مع أننا لا نريد هنا أن نطيل الحديث، لكن يمكن القول: إن نظريات "نهاية التاريخ"، "صراع الحضارات" و"العولمة"، المنافسون الأقوى لمشروع "حوار الحضارات"، برغم امتلاكها لبعض الشواهد المثبتة، لكنها تمتلك موارد نقض مهمة (عدم تطبيق النظرية مع الواقع) على المستوى العالمي أيضاً. بحيث شكك الكثير من العلماء في الغرب، والشرق بصحتها. ومن جهة أخرى لم يستطع أحد إلى الآن أن يعد حوار الحضارات أمراً غير حقيقي، وغير قابل للتحقيق، ويدلل على ذلك ببراهين علمية، وعملية قاطعة.

وبعكس ذلك هناك شواهد، وبراهين غير قابلة للإنكار في العصور الماضية، والعصور الحالية تشير إلى أن تفعيل هذا المشروع عملياً يبدو ممكناً، ومفيداً. وإن التطرق لهذا الموضوع يحتاج لمقال آخر. نشير كمثال على ذلك أنه هناك نماذج في عصرنا هذا من العناصر الثقافية، والحضارية، مثل: الفن، والآداب، واللغة و... تنتقل، وتتبادل يداً بيد على المستوى العالمي، وبين الشعوب أيضاً. وإثر تعرف الشعوب إلى الثقافات الأخرى سوف نشهد أنواعاً من التقاليد، والاتباع الفكري، والعقائدي، والسلوك العملي للأفراد بالنسبة لبلاد أخرى. يستفيد الشرقيون، والمسلمون من بعض المظاهر الثقافية، والحضارية الغربية، وفي الغرب أيضاً توجد اتجاهات قوية بين الأفراد بالنسبة للمظاهر الثقافية، والحضارية للشرق والإسلام.

على أي حال، ليس خافياً على أحد أن الوجهة البارزة للغرب هي الصناعة، والتكنولوجيا، ويتجلى في الشرق الإنسانية، والدين، والأخلاق، والعائلة و... بشكل أكبر. ذلك ما نحتاج إليه، وهذا ما يحتاجونه؛ فَلِمَ لا نتعامل مع بعضنا لطي مسار التكامل، وإعلاء مقام الإنسان، وإيصال البشر للسعادة والرفاه؟



ضرورات الحوار

- لقد عرض عالم الاجتماع د. علي أصغر صباغ پور احتياجات الحوار، وضروراته بالصورة التالية:

« 1) الاحتياجات الحضارية: كل حضارة تحتاج إلى التعامل مع البيئات التي تحيط بها لأجل بقائها، وتفاعلها... وفي هذه الحالة يبدو أن النظرة الدينامية (Dynamic) إلى جانب النظرة الساكنة (Static ) تساعدنا على تقوية الحضارة الخاصة بنا. ففي النظرة الساكنة نعد أن الحضارة بمثابة بناء، ونظام ميكانيكي كحد أعلى، في حين أننا في الحالة الدينامية يبدو كعضو حيّ، ونظام مفتوح له حيات، ووجود حيّ، وعنده القابلية للنمو. وفي عالمنا اليوم تتعلق دينامية الحضارات، وبقائها بارتباطها ببعضها البعض.

2) الاحتياجات الدولية: إن كل حكومة، ونظام سياسي يجران وراءهما جذورهما الحضارية. وإن نظرة الحكومات للسلام العالمي، والدبلوماسية والحرب و... يتأثر بالمضامين الفكرية، والثقافية والحركية للحكومات. و يتيح حوار الحضارات هذه الفرصة للحكومات بأن تعرض خلاصة حضارتها للأخرى ليصلوا إلى ميثاق عالمي، ولتنخفض الحوادث المرة، وغير المستساغة التي حصلت في الماضي (كالحروب) إلى حدها الأدنى لتصل الشعوب إلى حالة من الثبات، والاستقرار في قالب من السلام العالمي.

3) مجموعة الاحتياجات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية : لا بد لكل بلد من أجل الوصول إلى المصالح الوطنية (National interests) من تحقيق صيانة الذات (Self preservation)، والاستقلال (Independence)، ووحدة الأرض (Territorial integrity)، الأمن القومي (National Security) والأوضاع الاقتصادية الجيدة (Well – Being Economic). وقد تساعد فكرة حوار الحضارات في الوصول إلى المصالح الوطنية، وما يليها عبر عمليات معقدة تارة، و واضحة وجلية تارة أخرى»(2).

- وقد أشار عالم الاجتماع د. مسعود چلبي لهذه الضروريات:

« أولاً ؛ الإرث السلبي للحداثة، مثل: تلوث البيئة، وازدياد عدد السكان، و تبديد المنابع التي لا تعوض (ليس لها بديل)، والحوادث الدولية، و وجود أسلحة الدمار الشامل، كلها ترسم المصير المشترك (أو الحظ المشترك) لجميع ساكني هذه الكرة الترابية، بصرف النظر عن المکان والجنسية، واللغة، والدين. إن الحظ المشترك الذي حصل عن طريق الإرث السلبي للحداثة على المستوى العالمي يتطلب بالضرورة تحركاً مشتركاً على المستوى العالمي أيضاً. ولا يتيسر ذلك إلاّ بالتعاون، والتعاضد، والحوار الدولي.

ثانياً ؛ إن عولمة الاقتصاد المتفاقمة، وازدياد عملية الارتباط المتقابل للحكومات، والشعوب بالنسبة لبعضها البعض – مع أن هذا الارتباط غير متقارن – أدى إلى عدم بقاءأي أحد مصاناً من رد الفعل المتسلسل، والدوري في النظام العالمي. ويمكن القول: إن ازدياد الحظ المشترك، وازدياد التعقيدات في النظام العالمي، وازدياد التعلق المقابل، وازدياد الفوضى العالمية، وفي الوقت نفسه انهزام الإيديولوجيات المختلفة في القرن العشرين، هيأ الأرضية المناسبة للحوار بين الثقافات. كما أنه ازداد الإمكان العلمي لهذه الحوارات من الناحية الفنية»(3).

يقول خاتمي في قسم من خطابه في الجلسة الخاصة لحوارالحضارات في منظمة الأمم المتحدة: « يبدو أنه حان الوقت لرواية ديكارت – فاوست للحضارة الغربية، أن تصيخ السمع لروايات النطاقات الفكرية، والثقافية البشرية الأخرى. إن تخريب الطبيعة اللامتناهي الناتج عن النظرة المريضة للطبيعة في القرون الأخيرة هددت حياة النوع البشري، ولو لم يكن هناك أي دليل فلسفي، واجتماعي، وسياسي وإنساني لضرورة الحوار إلاّ هذا الوضع المؤسف بين الإنسان، والطبيعة للزم الأمر أن يضع مفكرو ومصلحو العالم جميعهم وأصدقاء الإنسان مسألة الحوار على رأس جميع أعمالهم »(4).

فوائد الحوار

لقد قال خاتمي في جزء من حديثه في لقائه مع قادة المنظمات، والمراكز الإسلامية في أمريكا، عام 2000 : « إن نتيجة الاقتراح الذي نقدمه، هو نوع من الديمقراطية الدولية. بمعنى أن عالماً يستند إلى نظام ديمقراطي. الشعوب والمواطنون جميعاً لديهم حقوق متساوية، ويشاركون بآرائهم، وينتخبون الحكومة ويراقبونها؛ لو أدير حوار الحضارات كما يجب فسوف ينتج عنها نوع من ديمقراطية الدولية، أعضاؤه الديمقراطية والشعوب، والحكومات؛ بمعنى الحقوق المتساوية للحكومات، والشعوب بالنسبة لبعضها البعض، وإزالة التمييز». (5)

يقول د. إبراهيم يزدي (استاذ جامعي ووزير الخارجية الإيرانية سابقاً): « إن الحوار يزيل جدران المخاوف الحقيقية الناتجة عن التجارب التاريخية أو الذهنية الوهمية. عندما تنهار المخاوف سوف يمهد الطريق لتوزيع الثقافات، وتلاقحها الطبيعي. وفي تلك الحالة سوف تؤثر كل ثقافة في الثقافات الأخرى بحسب محتوياتها، وفاعليتها، وعلو درجاتها. وعندئذٍ لو اعتقد أحد بفيضان الإسلام في مقابل الثقافات الأخرى فسوف يحصل ذلك الأمر المهم تلقائياً... إن نظرية حوار الحضارات تستطيع، وينبغي عليها أن تؤدي دوراً مؤثراً، ومفيداً في مواجهة الخوف الوهمي من الإسلام، وتخفف من الخطر الحقيقي، والتشنجات ضد المسلمين أو تنفيها على الإطلاق. علينا أن نقبل أن الإسلام والمسلمين يطويان مساراً حرجاً تاريخياً هذه الأيام. إن إطلاق نظرة عابرة على وضع المسلمين في شتى أنحاء العالم يشير بوضوح أنه لا يوجد بلاد مسلمة نامية، وماليزيا هي وحدها البلد الإسلامي القابع على شُرُف التنمية تواجهه مشكلات صعبة جداً. في هذا الزمن الحسّاس تحتاج هذه البلدان إلى السلام والهدوء نظراً لما تمتلكه من منابع عظيمة طبيعية، وإنسانية في هذه البلاد، وبلدان الشرق الأقصى. إن أي نوع من العنف والصراع سوف يمنع النمو، والتنمية الطبيعية لهذه البلدان» (6). وهو يستمر كلامه في هذا الشأن ويعتقد بأن المسلمين اليوم بحاجة ماسة للسلام الحقيقي: « لو قبلنا أن بلدان العالم الثالث بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص محتاجون في هذا الزمن إلى إعادة بناء، وإعادة نظر، وتجديد سياسي، واجتماعي، واقتصادي، وثقافي، ولذلك ينبغي القبول بأن أي نوع من الصراعات والعنف– وخاصة ما يأتي من الخارج– سوف يؤدي إلى توقف الحركة الاعتيادية، والطبيعية للتغيرات، والتحولات. نحن بحاجة للسلام لكن ليس السلام المسلح. وعلى البلدان في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية أعم من المسلمين، وغير المسلمين ألا يقبلوا بفرض السلام المسلح عليهم. لقد استنزف السلام المسلح اقتصاد الاتحاد السوفييتي. إن القراءة الجديدة لرسالة صلح الحديبية بين النبي ومعارضيه تبدو ضرورية. يستطيع حوار الحضارات إضافة لما قيل أن يكون ترياقاً للخوف من الإسلام، والسلام المسلح المفروض»(7).

إحدى الفوائد الأخرى لحوار الحضارات، بالإضافة إلى التعرف إلى الثقافات، والحضارات الأخرى، هو الإدراك الأفضل لحضارتنا. وهذه هي النقطة التي أشار إليها خاتمي في محاضرته في الجلسة الخاصة لحوار الحضارات في منظمة الأمم المتحدة: «أحد المكاسب الأخرى للحوار بين الثقافات، والحضارات ليس التعرف إلى الثقافة، والحضارة الأخرى – وهو نتاج طبيعي – بل التعرف على ثقافتنا وحضارتنا. ينبغي أن نبتعد عن أنفسنا قليلاً لكي نراها بشكل أفضل »(8). 

أهداف الحوار

الأهداف التي يمكن النظر إليها من خلال تيار الحوار بين الثقافات والحضارات تظهر من خلال الأبحاث التي قدمت سابقاً يعني الضرورات، والفوائد. لكن يمكن أيضاً تصنيف الأهداف لحوارالحضارات المستقاة من أبحاث المفكرين الإيرانيين على هذا النحو:

1) الإدراك المتقابل، والتعرف إلى آراء باقي الأقوام، وأفكارهم، والتأثير فى الآخرين.

2) معرفة الذات بشكل أفضل، وإعادة بناء الذات والهوية.

3) معرفة المشكلات المختلفة على المستوى العالمي، وحلها.

4) المشاركة في تحديد مصير البشر، والمواجهة المشتركة للأخطار التي تهدد البشرية من جراء تأثيرات الأبعاد المختلفة للحداثة، والصناعة، والتكنولوجيا.

5) تقليل المنازعات، والصراعات الدولية، وإلغائها (الحوار وراء الطاولات بدلاً من القتال في الساحات).

6) إزالة سوء الظن، والشبهات، والخوف المتوهم الناشئ عن عدم الإدراك الحقيقي لبعضنا البعض، و سوء التفاهم و...

7) تأمين السلام، والأمن، والتفاهم، والهدوء على المستوى العالمي.

و في النتيجة يمكن تحديد الهدف الأصلي كما يلي: إحلال نموذج جديد مبني على الأخلاق، والثقافة، والتعاون في العلاقات الدولية مكان العلاقات العدائية و نظام السلطة العالمية. ويقول خاتمي في هذا الصدد: « يواجه اقتراح "حوار الحضارات" أسئلة كثيرة نظرية، وعلمية. أنا لا أريد أن أقلل من أهمية التساؤلات الأساسية حول الحضارة، والثقافة، والانشغالات الفكرية، والعلمية في هذا المجال. لكنني أريد أن أصرح بأن الهدف الأصلي لإيران من اقتراح "حوار الحضارات" في الحقيقة هو تقديم نموذج جديد في العلاقات الدولية. يتضح هذا الكلام عند مقارنته مع باقي النماذج الأخرى المطروحة في العصر الحديث التي باتت أساس العلاقات الدولية. ويمكننا أن ندلل على الحاجة إلى المشروع الجديد، بعد توجيه الانتقادات الأصلية التي تُخِل في بنية النموذج السابق. إننا من دون أخذ العبر من الماضي السياسي للعالم وبدون البحث، والتمحيص في أسباب بروز المآسي العظمى في العالم في القرن العشرين، وخلاصة الأمر من دون نقد النموذج الحاكم على العلاقات الدولية المستندة على حوار القوة، وتقديس، وتفخيم السلطات، لن نستطيع أن ندعو الحكومات، وشعوب العالم لنموذج حوار الحضارات، والثقافات. إذا نظرنا إلى نموذج حوار الحضارات، والثقافات من وجهة النظر الأخلاقية نراها في الحقيقة ترك الإرادة المتعلقة بالقوة، والتمسك، والسعي نحو الإرادة المتعلقة بالعشق، والمحبة. وهكذا سوف تكون النتيجة النهائية لحوار الحضارات ليس تحاوراً فقط بل المحبة، والمودة أيضاً » (9).

أرضيات، و شروط الحوار

للقيام بحوار مفيد يلزم وجود شروط وأرضيات مسبقة نشير إليها اختصاراً:

ألف: الأرضيات المسبقة:

د.محمد منصور نژاد، باحث اجتماعي يعتقد بضرورة الأرضيات التالية:

«1- وضوح الهدف لطرفي الحوار.

2- القبول بمساواة موقف الطرفين.

3- معرفة الطرفين للموضوع، وأبعاد الحوار وشروطه.

4- وضوح قواعد الحوار، والقبول بها ( كالقبول بحجية العقل، ووجود حسن النية، ومراعاة الأخلاق و...).

5- الإيمان بالكثرة الحضارية.

6- الإيمان بفائدة الحوار»(10).

يمكن أيضاً الإشارة إلى الفرضيات التي يطرحها الباحث الاجتماعي، أردشير سنايي، وهي:

«1- مساواة الطرفين في النقد، وقبول الموضوعات.

2- إدراك هوية أي حضارة، وخصائصها.

3- اتخاذ أسلوب حيادي بالنسبة للاختلافات، والاستناد إلى المشتركات.

4- حاكمية العقلانية، واتباع الأسلوب المنطقي.



5- تحديد لغة الحوار، والموافقة عليها.

6-أن تكون البيئة الخارجية والعملية مناسبة (الابتعاد عن التسلط والإرهاب و... »(11) ب: شروط الحوار:

يذكر العلماء الذين بحثوا في هذا الموضوع الكثير منها، نذكر خلاصة عنها:

يطرح العالم الاجتماعي و السياسي د. سعيد حجاريان شروط التالية:

«1- أن يتمكن الطرفان من التحدث بشكل حر، ومريح، ودون أي مانع.

2- أن لا ينوي أي من الطرفين السيطرة على الحوار.

3- امتلاك الطرفين لمنطق مشترك، ولغة مشتركة للحوار.

4- الاستناد إلى القيم، والإرث المشترك.

5- أن يقللوا من الوسائط.

6- في البداية، التنسيق داخل الحضارة الواحدة، ومن ثم الانتقال للتنسيق بين الحضارات»(12).

وفي هذا المجال ذكر البعض شروطاً أخرى للقيام بالحوار، لكن كثرتها يؤدي إلى التردد في إمكان إجراء الحوار. لكن الموافقين على مشروع "حوار الحضارات" يعدون أن الشرط الأساس للحوار هو القبول بالحقوق المتساوية للطرفين. ويظنون أن الشروط الأخرى ليست مشكلة في حال القبول بهذا الشرط.

يقول خاتمي: « بالطبع للحوار ضوابط، وشروط، أول شرط هو القبول بمساواة جميع الشعوب؛ ليس لأن الشعوب التي تمتلك دخلاً غير صافٍ ومرتفعاً، وإنتاجهم الصناعي وإمكاناتهم الفنية كثيرة، بسبب قوتها، فلها حق أكبر. يجب حذف هذه الأمور من الساحة الدولية، ليصبح صدام الحوارات، حوار الحضارات»(13). 

أطراف الحوار، وأبعاده

يعد بعض المنظرين أن طرفي الحوار هما العلماء المثقفون، والفنانون حصراً. ويمنعون انضمام جميع الأفراد أو المنظمات الرسمية، والحكومية. في حين أن أفراداً آخرين يعدون الحوار في جميع المجالات لازماً ومفيداً. يقول د. إبراهيم يزدي:



«هذا الحوار يستطيع أن يحمل أبعاداً متنوعة. من الممكن أن يقوم على مستوى الحكومات؛ لأن الثقافة، والحضارات الفعلية تتجلى في أغلب الحكومات الوطنية، لكن هذا الحوار يمكن أن يحصل بين مستوى أوسع بين العلماء يتعلق بالثقافات المختلفة. يمكن أن تتسع هذه المداولات ليصبح حواراً، ويصل لمستوى العالمي، أو أن يبقى في مستوى تخصصي ـ جامعي. يمكن أن يكون على شاكلة حوار بين ممثلي ثقافتين حول موضوع أو عدة موضوعات، أو أن تكون تحت إشراف منظمات دولية، مثل منظمة الأمم المتحدة، وبشكل متعدد الجوانب حول مسائل ما وراء الحدود، كالحفاظ على البيئة، والبيئة الخضراء، أوالتساهل والتسامح الديني»(14).

أما إذا جرى الحوار على مستوى الثقافات والحضارات، فإن العلماء للثقافات وحدهم يستطيعون أن يمارسوا دوراً في ذلك. وإذا كان الحوار بين حضارتي الغرب، والإسلام، فالمتنورون الدينيون هم الخيار الأنسب لتمثيل الثقافة الإسلامية.

يقول خاتمي: « حوارالحضارات يمكن تحققه بشكلين:

الف) تأثير وتأثر مصاديق الثقافات والحضارات المختلفة بالنسبة لبعضها إثر عوامل متنوعة على طول الزمان، يمكن التعبير عنه بحوار الحضارات، والثقافات، ومن الواضح أن هذا النوع من الحوار لا يسبقه قرار، ومعرفة، وليس اختيارياً وإرادياً، بل هو محكوم بالحوادث الاجتماعية أو الأوضاع الإقليمية، والتاريخية.

ب) الشكل الآخر للحوار بين الحضارات هو الحوار بين ممثلي تلك الحضارات، أمثال العلماء والفنانين، والفلاسفة. وفي هذه الحالة، الحوار: هو نشاط مبني على الإدراك، والقرار، ولا يكون مقهوراً للعوامل التاريخية أو الجغرافية. إن عدم الحوار في الأسس، والتطرق للظواهر، والبنى الفوقية لا يطور عمل الحوار، لأن الأمور الظاهرية التي توصف عادة بالأمور "الواقعية"، "الضرورية" و"العاجزة"، إذا لم تكن مستندة إلى التوافق أو الإدراك الدقيق للمحاورين في الموضوعات الأساسية على الأقل، عادة ما تنجر بهم إلى توسعة رقعة سوء التفاهم بينهم... أما العالم المحكوم اليوم بالأحكام السياسية، والعسكرية، والاقتصادية هو عالم يُقضى في النهاية لتخريب البيئة المستمرة، والتخريب غير المتناهي للساحات المعنوية – الفنية، والشاعرية للإنسان. ولأجل التغلب على هذه الأزمة لا تكفي أفكار الفلاسفة، ولغة العلماء، ومساعي المصلحين الاجتماعيين. ذلك هو الفنان، والشاعر الذي يستطيع بقدرته السحرية أن يَسْتَلَّ الحياة أو جزءاً منها من قبضة الموت ويجعل استمرارالحياة، والطبيعة، والإنسان ممكناً... وبالإضافة للتجارب الفنية، والشاعرية، يبدو العرفان واحداً من اللغات اللطيفة، والعميقة، والعالمية، والعمومية أيضاً» (15).

أما في مسألة "موضوعات الحوار"، قد اقترح عالم الاجتماع، د.مسعود چلبي عناوين الموضوعات التالية، كنموذج حول الحوار:

ألف) في بعد الحوار الاقتصادي:

«1- البحث الآراء وتبادلها حول الحفاظ على البيئة، وإحياء البيئة في العالم.



2- الحوار حول دور الشركات متعددة الجنسيات ومكانتها وكيفية تحديد صلاحياتها، والرقابة الدولية عليها.

3- البحث، والحوار حول طرق مواجهة الفقر المزمن على المستوى الدولي.

4- الحوار حول أنسنة الاقتصاد، وأساليب تحسين أربعة أنواع من الخيرات الاقتصادية، وهي: الخير الفردي، الخير الجماعي (المؤسساتي)، الخير العمومي، والخير الإنساني، في مستويات مختلفة: المستوى الوطني، و المحلي، و المناطقي، وما وراء الحدود.

ب) في بُعد الحوار السياسي:

1- البحث، والحوار بشأن الحقوق الرفاهية للإنسان.

2- البحث، والحوار حول حقوق السياسية للإنسان.

3- البحث، والحوار حول حقوق المواطنة، وحقوق العالمية.

ج) في بعد الحوار الاجتماعي: 

1- البحث، والحوار حول واجبات الإنسان تجاه الإنسان.

2- البحث، والحوار بالنسبة لواجبات الحكومات تجاه البشر.

3- البحث، والحوار حول واجبات البشر تجاه المجتمعات الإنسانية.

4- البحث، والحوار حول الموضوعات الأخلاقية المتنوعة.

د) في بُعد الحوار الثقافي: 

1- البحث، والحوار حول إعادة صياغة العلوم، والمعارف المحلية في مختلف نواحي الحياة، وأسلوب جذبها، ودمجها في العلوم العالمية.

2- الحوار، وتبادل الفنون السبعة.

3- الحوار، وتبادل التجارب العرفانية، والدينية.

4- البحث، والحوار الفلسفي»(16).



مشكلات الحوار، وموانعه

الحقيقة هي أن المشكلات، والموانع التي تواجه حوار الحضارات، والثقافات تبدو كثيرة في بادىء الأمر، بحيث إذا قام شخص ما بعدّها لانصرف عن أمر الحوار. لهذا السبب فإن أغلب من يعارض مشروع الحوار يعده غير ممكن بسبب المشكلات الموجودة. بالطبع تبدو بعض المشكلات المطروحة لا حل لها أو أنها أصبحت تاريخية إثر مرور وقت طويل عليها، ويحتاج حلها إلى زمن طويل.

مع هذا فإن أصحاب الإرادات الحديدية الذين يقومون باتخاذ قرارات صعبة للقيام بأعمال تاريخية، وصانعة للتاريخ، رغم اعترافهم بالمشكلات والموانع ليسوا يائسين بالنسبة لإزالتها، ويعتقدون أن مزايا نجاح هذا المشروع عظيمة جداً بحيث يهيئون أنفسهم لبذل ما لديهم لتحقيق هذا الأمر.

هنا نشير إلى المشكلات، والموانع المطروحة باختصار، من وجهة نظر صباغ پور، من حيث النوع، تُقسم الموانع إلى موانع إنسانية، و موانع بنيوية، وموانع فنية.

الموانع الإنسانية: مثل اختلاف الطرفين في التصورات الذهنية، والإدراكية، والقدرة على التعبير، وتفسير الظواهر، والموضوعات، وأسلوب الحكم، ونسبة العلم والمعلومات.

ولأجل الاحتراز من النتائج الحاصلة عن هذه الاختلافات سوف تضطر كل حضارة للاعتراف بالحضارة المقابلة لها بشكل رسمي، وأن تبحث بدقة بمعتقداتها، وأسسها بشكل جيد وأن تخفف من العصبيات الحضارية، وألا تبحث عن الحق المطلق عندها، و عندالحضارة المقابلة.

الموانع البنيوية: يجب إدراك أنه في العقود الماضية قد تحاور، وتناقش المفكرون، وعلماء الحضارات المتنوعة بعضهم مع بعض دائماً. لكن التأسيس للحوار (Institutionalization)، هو ما يلزم لكل فعل ارتباطي مؤثر، ونافذ. ينبغي أن تؤسس المؤسسات الخاصة بحوار الحضارات بشكل تستطيع ضمن تهيئتها للأرضية المشتركة، والشروط المساوية أن تمنع أي نوع من تحميل الآراء السياسية، وتدخلات الأقطاب العالمية في عملية الحوار، والدبلوماسية الأحادية.

الموانع الفنية: يتعلق قسم من الموانع بمحتوى الحوار، والقسم الآخر بطرفي الحوار. إن اختيار الموضوعات غير المفيدة وغير المؤثرة، وانخفاض مستوى الحوار الحضاري إلى الحوار السياسي مكان الحوار الفكري، و تقديم السياسيين على المفكرين، و مقاومة حضارة ما في قبال حضارات مجاورة، جميعها تقود عملية الحوار نحو الفشل(17).

أما من حيث مستوى الموانع، والمشكلات، وإحاطتها، يشير چلبی إلى مايلي :

«1) على المستوى العالمي: وجودعلاقات دولية غيرندية تملك خصال التسلط، والاستغلال، وهي المانع الأساس للحوار الثقافي. ومسؤولية ذلك تعود إلى البلدان النامية الفعلية.

2) على المستوى الوطني: وجود بعض الحكومات الاستبدادية.

3) على المستوى الثقافي: القومية الثقافية، والتوجه القومي الخاص.

4) ينشأ هذا العامل من تركيب العوامل السابقة بمعنى عدم الثقة اللازمة، وعدم قبول الثقة اللازمة في الحوار، كما أن عدم الثقة اللازمة هي حصيلة تاريخية للاستعمار، والاستبداد، والتمركز القومي (Ethnocentrism) (التحيز العنصري) »(18).

هنا يمكن الإشارة إلى موانع الحوار بين الحضارة الإسلامية، والغربية بشكل خاص:

1.الإعلان المسبق عن وجود تعارض ذاتي بين حضارة الغرب، والإسلام.

2.الإعلان المسبق بأن الحضارة الإسلامية لا تعترف بالحرية، والديمقراطية وحق الانتخاب.

3.الإيمان بأن علاقة حضارة الغرب والحضارة الإسلامية هي علاقة الثقافة العظمى مع الثقافة الدنيا. 

4.عدم وجود انسجام، وتعاون لازم بين البلدان المسلمة، بحيث يشارك في الحوار بالنيابة عنها مؤسسة ثقافية. وهذه المشكلة ذاتها موجودة في الغرب أيضاً. 

5.وجود قراءات، وتفاسير مختلفة عن الإسلام. وبالشكل نفسه تعاني الحضارة الغربية أيضاً من عدم التنسيق، والاختلافات، والتفرق في داخلها.

ويشير خاتمي في قسم آخر من محاضرته في الجلسة الخاصة لحوار الحضارات في منظمة الأمم المتحدة لمانع آخر: « أحد أكبر المشكلات التي تعيق حوار الثقافات عندما تكون لغة أحد أطراف الحوار علمانيةً بشدة – والمقصود من العلمانية هنا معناها العام، والواسع الذي يشمل أي نوع من إنكار الأفكار الغيبية، والتجارب الشهودية، والاعتقاد بالغيب- والآخر يريد أن يكون وفيّاً لأمانة الساحة المقدسة، والمعنوية للإنسان. هذا الحوار ليس من المستحيلات؛ لأن الإنسان أكبر، وأوسع من لغته الذاتية، وللسبب نفسه يعني التفوق الوجودي لحقيقة الإنسان على اللسان يمكن التعلق بالحوار»(19).

المواقف المختلفة تجاه حوار الثقافات، والحضارات

لقد عرضنا من خلال الموضوعات المذكورة أعلاه، وجهات نظر بعض المفكرين الإيرانيين حول مسألة حوار الحضارات، حيث تجلت مواقفهم إلى حد ما. هنا نطرح باختصار آراء عدد أخر منهم، من المتخصصين في العلوم الإنسانية. وقد جرى اختيار هؤلاء الأشخاص كنموذج من تيارات المختلفة : معارضين، مؤيدين و مؤيدين بشروط.



بشكل عام، يرى المؤيدون أن الحوار هو الحل الوحيد أو أحد الحلول الأساسية، والمهمة للمشكلات العالمية، أو يعدونه لازماً لتقوية الثقافة، والحضارة الذاتية واستمرارها، أو للحد من تسلط الثقافة الغربية. حتى ولو تعددت المشكلات والموانع السياسية.

أما المعارضون يرون عدم إمكان الحوار في الأوضاع الفعلية غير الندية، وعدم فائدة ذلك الأمر، أو عدم تهيئة الشروط اللازمة للحوار، وهذا هو السبب في معارضتهم. ويوجد أشخاص أيضاً يرون أن الحوار لازم لكن بشرط أن تهيئ الأرضية المناسبة له.

ألف) التيار المعارض: يسعى العالم السياسي د. مهرداد مير عرب من خلال عرضه لأسئلة معينة أن يثبت وجود نواقص في مفهوم حوار الحضارات تجعله غير ممكن التحقق.

السؤال الأول: ما هي الحضارات التي عرفناها؟ لأن مفردة الحضارة ما يزال تعريفها غير دقيق. وليس للحضارات حدود معينة، وكانت ممتزجة ببعضها على طول التاريخ. ولا يوجد لدينا اليوم حضارة نقية خالصة. وكل تمدن تموضع في بلاد شتى. وهي ذات أنظمة سياسية متنوعة مع اتجاهات مختلفة، والبعض منها معارض. وبالإضافة إلى ذلك مع فرض أنه يمكن تحديد الحضارات، لكن يبقى السؤال التالي: من هم القائمون على هذا الحوار؟ هل كل عناصر مجموعة الحضارة A مع كل عناصر مجموعة الحضارة B ؟ أم ممثلين عن كل منهما؟ وفي هذا الحال، من هو ممثل الحضارة الإسلامية في هذا الحوار؟ هل المفكرون في حضارةٍ ما لهم قراءة واحدة عن حضارتهم، وعلاقتها بسائر الحضارات ؟ وكيف للحوار أن يؤمن مصالح الوحدات الأخرى دون امتلاكه للقدرة الكافية؟

« وإذا تركنا كل هذه الموضوعات، فإن مفهومي "الحضارة" (civilizatiom) و"التطور" (Development) مفهومان متلازمان، وأصولاً كانت تميز المجتمعات المتحضرة عن المجتمعات غير المتحضرة في العصور الغابرة من خلال نسبة تطورها في العلوم، والفنون، والثقافة، والأدب، والمؤسسات، والعلاقات الاجتماعية، والاستخدام العقلاني للطبيعة. وإذا كان التطور هو المؤشر المحدد للحضارات في العصر الفعلي، يمكن ألا نستطيع الاستفادة بشكل جيد من المفهوم التقليدي للحضارة الناظر للمفهوم التقليدي للتطور. إن العالم يواجه "الحضارات العظمى" مع التطور، والتقدم الملاحظ للبشر في مجال العلوم، والفنون و... حيث يتم التوجه لتكامل الارتباطات الخاصة بـ"التنمية العالمية" بدل جرِّ التطورات الماضية. وعلى هذا الفرض يبدو من الصعب العثور على "الحضارات العظمى" التي تجلس إلى طاولة الحوار، وفي هذا الفرض لا نعد "نحن" في هذا العالم "حضارة عظمى"»(20).

المصدر: http://aafaqcenter.com/index.php/post/1171

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك