التصنيف المعقول لطبقات العقول !!

العقُول الكَبيرَة تُنَاقش الأفكَار والعقُول الصَّغيرة تُنَاقش الأشخَاص

أحمد عبد الرحمن العرفج
 
لَا مَفرّ لَنَا مِن الاستعَانَة بالصِّين، سَوَاء عَلى مُستوَى البَضَائع والمَنتوجَات، أَو عَلَى صَعيد الأمثَال والمَقولات، فالصِّين هي مولد الحَضَارَات، ومَنبع الإبدَاعَات، ولَا عَجَب حِين نَجد أَنَّ التُّرَاث العَربي يَدعم ذَلك، حِين قَالوا: «اطلبُوا العِلْم ولَو في الصِّين»..!


هُنَاك مَثَل صِيني، يَستشهد بِه دَائماً خُبرَاء تَطوير الذَّات، لأَنَّه يَختصر كَثيراً مِن الكَلَام، بَل يَختَصر العَديد مِن الصَّفحَات، بَل والمُجلَّدَات.. يَقول المَثَل الصِّيني الذي نَحنُ بصَدَد الكِتَابة عَنه: (العقُول الصَّغيرة تُنَاقش الأشخَاص.. والعقُول المُتوسِّطَة تُناقش الأشيَاء.. والعقُول الكَبيرَة تُنَاقش الأفكَار)..!


بَعد هَذا دَعونَا نُفَكْفِك المَثَل -كَمَا هو تَعبير المُفكِّر «جاك دريدا»-، أَو نَقرأه بضَغينة -كَما هو تَعريف المُفكِّر «جيل ديلوز»-: حِين تَدخُل مَجَالس النَّاس وتَغشَى مُلتقيَاتهم، تَجد أنَّهم يَتحدَّثون عَن الأشخَاص، فيَقولون: (فُلانٌ غَني، وفُلانٌ مَعه السيّارة الفُلانية، وفُلانٌ حَصَل عَلى تَرقية مُؤخَّراً).. وإذَا كَان هَذا الاجتمَاع نِسَائيًّا، سيَقُلْن: (فُلانةٌ خُطبت، وفُلانةٌ طُلِّقت، وفُلانةٌ سَافرت بَعد أَن رُزقت بمَولود).. وهَذا هو عَالَم العقُول الصَّغيرَة، التي تَدور حَول الأشخَاص، كَمَا جَاء في المَثَل الصِّيني..!


أمَّا أَصحَاب العقُول المُتوسِّطة التي تُنَاقش الأشيَاء، فتَسمعهم -مَثلاً- يَتحدَّثون عَن مَحلَّات الفُول الجَيّدة، وأَحدَث أَنوَاع الأَجهِزَة الذَّكية، والمُقَارنة بَين هَذا المُنتج أَو ذَاك.. وهَذه الفِئَة مُحبَّبة إلَيَّ، خَاصَّة في عَالَم الفُول، لذَلك أَعتَبر نَفسي مِن ذَوي العقُول المُتوسِّطة، ولَا أَعتَبر نَفسي -بأَي حَالٍ مِن الأحوَال- مِن ذَوي العقُول الصَّغيرة ولَا الكَبيرَة..!


أمَّا الفِئة الثَّالِثَة -غَريبَة عَن مُجتمعنَا- وهي فِئة أصحَاب العقُول الكَبيرة، أُولَئك الذين يُحبّون الصُّدَاع، ويَبحثون عَن صِرَاع الأفكَار، حَيثُ يَتحدَّثون في مَجالسِهم؛ عَن قِيَم الخَير والحَقّ والجَمَال، وأَسئلة الكون الكُبرَى، ووَحدة الوجُود، ومَا بَعد المَوت، والأفكَار ومَدى انسيابيّتها، والبيئَة وانكسَارَاتها..!


حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!


بَقي أَنْ أَطلُب مِن القَارِئات والقُرَّاء؛ بأنْ يَقرؤوا هَذه الكِتَابة بتَمعُّن، ليُحدِّدوا بأنفسِهم أَي الطَّبقَات الفِكريّة أقرَب إليهم؟.. وهَذا هو المُهمّ، بَل المَطلوب؛ العِنَايَة بمِثل هَذه الطَّبقية، لأنَّها طَبقيّة نَافِعَة غَير مُضرّة، وصِحيّة ومُفيدَة..!!
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك