حوار الحضارات على ضوء الخطاب الإسلامي

د. علي بن ابراهيم الناجم

 

إن حوار ا لحضارات او التعارف بين البشر،يستند الى اساس موضوعي يتمثل في وحدة النوع البشري (كلكم لآدم وآدم من تراب) فالعقلاء من الحكماء المصنفين والعلماء المؤلفين هم اكثر من يجسد هذه الوحدة، غير ان وحدة النوع البشري التي يقوم عليها الحوار بين الحضارات هي في الواقع وحدة في اطار التنوع.

 

فاذا كانت وحدة التنوع البشري تفرض قبول التفاعل الحضاري فان التنوع يفترض رفض التقليد الاعمى، والاقتباس غير المشروط، ولذلك فان احترام التنوع يعني بالضرورة ان تقوم العلاقات بين الحضارات المختلفة على العدل والمساواة قال عليه الصلاة والسلام:(الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) فالعدل هو اساس الكون وبه قوامه، واذا كان السعي من اجل اشاعة العدل وجعله اساسا للعلاقات بين الامم يحتم النضال ضد الظلم الذي يحيق ببعض الشعوب فهو يتطلب في الوقت نفسه تجنب المغالاة والافراط في التعصب، ولا سيما في التعصب الديني والقومي، والانفتاح على انصار العدل في كل مكان من العالم.

 

ان اطلاق حوار الحضارات في عالمنا العربي والاسلامي هو اعتراض على هيمنة الحضارة الواحدة، ولكن يجب الا يكون الاعتراض على القيم الانسانية المشتركة المتأصلة في صلب كل حضارات العالم، حتى لا يساء لها، وينبغي ان تحتوي الدعوة الى حوار الحضارات على الدفاع عن هذه القيم الانسانية المشتركة.

 

ولابد ان يكون موضوع الحوار موضوعا توجيهيا يترجم الاهداف من حوار الحضارات، وأول هذه الاهداف توضيح حقيقة موقف حضارتنا من الآخر، وهو موقف قائم على اساس (يستمعون القول فيتبعون احسنه) وعدم الغاء الآخر :(انا او إياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) ودعوته الى المشتركات:(الى كلمة سواء بيننا وبينكم) وهكذا توضيح موقف الحضارة المهيمنة القائمة على اساس الاستعلاء والتفوق العنصري والتمييز العرقي، وتنازع البقاء وبقاء الاقوى.

 

أولويات الحوار:

 

ذكرنا ان مسألة توضيح حقيقة الموقف الاسلامي من الرأي الآخر ضرورة هامة من ضروريات الحوار الحضاري، خاصة في ظل الظروف الداخلية التي اعطت صورة غير صحيحة عن الاسلام نتيجة بعض التصرفات المتطرفة، حتى شاع سلاح التكفير والتفسيق والالغاء والاسقاط، وهذا كله نتيجة غياب ثقافة ادب الحوار، ونتيجة غياب التربية الاسلامية الصحيحة للسلوك والعقل على اساس الحجة والبرهان، والدليل والموعظة الحسنة والمناقشة بالتي هي أحسن.

 

من هنا فالاعداد لحوار الحضارات يتجه الى كشف حقيقة تراثنا الفكري وهي عملية هامة تربوية لنا في الداخل، كما انها ضرورية لتصحيح الصورة في الخارج.

 

وفي مسيرة الاعداد لهذا الحوار جدير بنا ان نستعرض تاريخنا لدن التطبيق العملي للحضارة الاسلامية في موقفها من الاديان الاخرى، ومن افكار الآخرين، ففي هذا الاستعراض سنرى الاتجاه العام للمجتمعات الاسلامية ينحو منحى التعايش السلمي مع الاديان على اساس من احترام الانسان وتكريمه، والانفتاح على افكار الآخرين وترجمنا واخذ المفيد منها، ومنحى اتاحة الفرصة للتيارات والمدارس المختلفة لأن تعبر عن رأيها بحرية في مختلف شؤون المعرفة الدينية والدنيوية.

 

ومن اولويات الحوار الحضاري دفع الحوار في اتجاه معرفة (الانسان) فهذه المعرفة ضرورية للوقوف على مدى جدوى الحوار، اذ لو كان الانسان حلقة متطورة من السلاحف والديدان، والقرود وكانت الحياة قائمة على اساس تنازع البقاء، وصراع المصالح المادية، فالعلاقة تقوم على اساس الظفر والناب، والحوار بالسلاح لا بالفكر واللسان، فالحوار انما يقوم بين البشر على خلفية الايمان بالجانب المعنوي السامي في الانسان فنزعة (الطين) وحدها لا تؤدي الى تعايش سلمي بل تدفع الى صراع مصلحي محموم، والسلام والتعايش والتفاهم والحوار مقولات تتحقق في ظل نفخة روح رب العالمين في هذا الموجود البشري بالتعبير القرآني.

 

فالدعوة الى الحوار هي دعوة الى الاعتراف بالجانب الروحي من الانسان، وتقوية الحوار لا تتحقق الا بتقوية الجانب السامي من الانسان.. وهذا توجه يدعم دور الدين في المجتمعات الانسانية، ويركز على رسالات الانبياء التي تجمع على تربية الجانبين المادي والروحي من الانسان كشرط لازم لتكامله وسموه وتحقيق اهدافه على ظهر الارض.

 

والحضارات وراءها طاقة روحية، ويرى كثير من المفكرين ان الدين اساس وجود اية حضارة انسانية، ولذلك (الحضارة) تقوم على اساس انساني روحي، والصراع المصلحي المادي بعيد عن هذا الاساس بل هو انحراف عن طريق بناة الحضارة الاوائل، وهو من امارات السقوط والتدهور، ولذلك فان حوار الحضارات يتحمل مسؤولية الكشف عن حقيقة ارتباط الحضارة بالدين وبالطاقة الروحية التي يبعثها الدين في المجتمع، كما يتحمل مسؤولية تقديم فهم واضح وموضوعي للحضارة وللعلاقات بين المجتمعات المتحضرة.

 

نمط الحوار:

 

فالحوار كما يحدده الاسلام مفهوم شامل بدايته التعايش، وغايته التعارف، فالثاني حوار تام، والأول حوار ناقص، والحوار الناقص الذي يمكن ان يعد بداية للحوار بمفهومه الشامل، هو حوار التعايش بين البشر، الذين لم يدركوا بعد وحدتهم الاصلية في الاخوة الآدمية، ومن اجل تحقيق شروط هذا الادراك بكل وسائل الجهاد التي يعد الحوار احد سبلها لكونه بداية الدعوة الى الحق.

 

والحوار التام الذي يمكن ان يعد غاية للحوار بمفهومه الشامل هو حوار التعارف بين البشر الذين ادركوا وحدتهم الاصلية في الاخوة الآدمية المتعالية على الاشكال الحضارية، ومن اجل تعميق هذه الاخوة بكل وسائل الجهاد الذي يعد الحوار سبيله الرئيسة لكونه عين التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وبذلك يتبين ان الحوار بمفهومه الشامل يتألف من بداية وغاية، يربط بينهما قابلية البداية للتطور بفضل الوصول الى الغاية عندما يوجد من يسعى الى القيام بواجب الرسالة الهادية.

 

الحوار التام:

 

هو الذي يصل بين مجالي التعامل البشري النظري والعملي وصلا يطابق بينهما مطابقة دالة على الحقيقة، وهو لا يحصل في اتم صوره الا بين المؤمنين وفيه يكون طلب الحقيقة في المجال النظري مستندا الى ما يمكن تسميته بالجهاد الاجماعي او التواصي بالحق من اجل معرفة الحقيقة والقيم بكل اصنافها، ويكون العمل بها في المجال العملي مستندا الى ما يمكن تسميته الاجتهاد الاجتماعي، او التواصي بالصبر من اجل العمل بالقيم بجميع اصنافها لتحقيقها وذلك انه يمكن ان نرضي بالحد الادنى عندما يكون الحوار بين الملل المختلفة لتحقيق ادنى درجات الحوار، وخاصة في المجال النظري بين النخب الفكرية والعملية، لكنا لا يمكن ان نقنع بغير اقصى درجاته بين المؤمنين وخاصة في المجال العملي بين الناس جميعا، وذلك هو اسمى درجات الحوار، انه التواصل الحواري الذي يقصد الكشف عن الحقيقة لتحقيق المصادفة بين المتحاورين، ولنسمه حوارا شهوديا، وذلك ان هذا الحوار لا يدعي العلم المحيط بكل اصناف المعرفة، وقد حدد القرآن الكريم مبدأه واساسه فاطلق عليه الايمان، وشرحه بكونه التواصي بالحق المصحوب بالعمل الصالح الذي شرحه بكونه التواصي بالصبر شرطين في الاستثناء من الخسر، او الرد الى اسفل سافلين، اعني الاستثناء من تحريف الفطرة التي أتى الاسلام لارجاعها الى سلامتها بتحقيق شرطية اي: التواصي بالحق والتواصي بالصبر، لذلك كان من الضروري ان يكون الاسلام الدين الخاتم اذ هو قد بلغ الكلية المطلقة التي تتجاوز الاقوام الى الانسانية، بل وتتجاوز الانسانية الى كل المخلوقات حيها وجامدها.

 

ان الحوار التام من وجهة نظر الاسلام: هو التعارف الذي يشترط الابقاء على طلب الحقيقة والعمل بها، ومن ثم فلابد من تحقيق شروطها المادية والروحية، ويعني ذلك انه لابد من التنافس المادي مع الحضارات الاخرى بقصد غير قصد اصحابها لكون ذلك امرا ضروريا لحماية قيم الحضارة الاسلامية، ولابد من التنافس الروحي معها بقصد غير قصد اصحابها للتبشير بهذه القيم تبشيرا يعتمد على النموذج الذي نقدمه اولا، وعلى تحقيق شروط الامر والنهي المسموعين اخيرا، لذلك فان رفض الصراع باسم الحوار بين الحضارات، الصراع الضروري للتدافع من اجل تحقيق القيم، يعد هروبا من وجوب التنافسين المادي والروحي بينها في مستوى الادوات والوسائل، حماية للغايات التي تمثلها قيمها، ودلالة على فضل هذه القيم، فالتدافع ضرورية لتحقيق القيم.. لذلك فالأمة التي تخلو من الحوار التام في ما بين ابنائها لا يمكن لها ان تصمد في الحوار الناقص مع غيرها، ومن باب اولى فهي اعجز من ان تصل الى الحوار التام معه.

المصدر: http://www.alyaum.com/article/1130305

ونكمل الان بالحوار الناقص ومضامين اخرى تتعلق بهذا الموضوع فما الحوار الناقص؟

 

هو الذي يفصل بين مجالي التعامل البشري النظري والعملي فصلا يزيل التطابق بينهما (وتلك هي علامة الزيف او النفاق) ويكون عادة بين غير المؤمنين، انه التواصل الحواري الذي يقصد التعمية عن الحقيقة لتحقيق المخادعة بين المتحاورين ولنسمه حوارا جحوديا، وهو قد يصبح مطلق الجحود اذا لم يكن بداية مشدودة الى الغاية، فيصبح بداية بلا غاية، ذلك ان هذا الحوار يدعي العلم المحيط بكل اصناف المعرفة، فلا يحق للمؤمنين استعماله بهذا الاطلاق حتى مع الاعداء لتنافي اخلاق الغدر مع الايمان فالمكر المباح بل حتى المكر الواجب في الحروب مع الاعداء لا يكون غادرا ومخادعا لكونه يستهدف الحيلولة دونهما ولولا ذلك لما نسبه الله الى نفسه (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

 

لذلك كانت الحضارة الاسلامية حضارة تضع قوانين انسانية للتعايش بين الملل، وللعلاقات الدولية حتى في حالة الحرب، وبذلك يتضح ان جوهر الدعوة الدينية السليمة من التحريف عامة والرسالة الاسلامية خاصة يتمثل في الحوار المتواصل بين كل ابناء ادم لتحقيق رسالة الاستخلاف، لذلك كان الاسلام دعوة دائمة للحوار مع اهل الاديان الاخرى من منطلق البحث المشترك عن الحقيقة للعمل بها وارجاء الفصل المطلق بينهم الى يوم الدين.. فالمطلوب ليس حوارا بين الحضارات بل حوارا بين البشر لتجاوز ما تتنافى به الحضارات سعيا الى تحقيق الاخوة الانسانية ذلك ان الحوار الحقيقي لا يجري بين الحضارات ولا ضمنها بل هو حوار بين البشر يتوسط مافي الحضارات من صور الى التجاوز الذاتي نحو ما يتعالى عليها لذلك فقد اعتبر القرآن الكريم التعدد الحضاري والعقدي مقصودا ومرادا لكونه شرطا واجب التدافع من اجل الامتحان لمعرفة من يعمل بالتواصيين.

 

لكن الحوار التام الذي هو واقع بين المؤمنين يمكن ان يصبح مثالا اعلى للحوار بين الملل المختلفة عندما تصبح غايتها طلب الحقيقة والعمل بها مثل المؤمنين التواصي بالحق والتواصي بالصبر، كما ان الحوار الناقص الذي هو واقع بين الملل المختلفة يمكن ان يصبح مثالا ادنى بين المؤمنين عندما يحيدون عن طلب الحقيقة مثل غير المؤمنين.

 

ولما كان ضربا الحوار قابلين للحصول في الملة الواحدة، اذ قد ينحط حوار التعارف الى مجرد حوار للتعايش عندما يبتعد طرفا الحوار المؤمنين عن التواصيين او بين الملل المختلفة اذ قد يسمو حوار التعايش الى مستوى حوار التعارف عندما يقترب طرفا الحوار غير المؤمنين من التواصيين بات من الجواب ان نعتبر الضربين درجتين من مفهوم اشمل للحوار يكون حوار التعايش بدايته وحوار التعارف غايته والحوار بهذا المعنى الاشمل هو عينة جوهر الدعوة الدينية بدرجاتها المختلفة التي اكتملت في الرسالة الخاتمة لذلك كانت الدعوة الاسلامية الاداة التي تحرر الانسان من الرد الى اسفل سافلين لتحقيق الاستثناء منه اعني العودة الى التقويم الاحسن الذي تمثله الفطرة الانسانية اساس الاخوة او وحدة البنوة لادم التي هي مناط اجتباء الله للانسان نفيا لنظرية الشعب المختار بما في ذلك درجته الدنيا وخلاصة القول ان للحوار مدلولين:

 

1 ـ جحودي ناقص لكون الحقيقة والعمل بها فيه ليسا مطلوبين لذاتيهما بل هما من اجل الباطل والعمل به.

 

2 ـ وشهودي تام لكون الحقيقة والعمل بها فيه مطلوبين لذاتهما وليسا من اجل الباطل والعمل به.

 

فاما الناقص هو حوار المخادعة وهو الحوار الجامع بين متناقضين هما مصادقة الذات لمخادعة الغير تسليما بالتنافي المطلق بين البشر بمقتضى رد الافق الكلي الى الافق الجمعي في الموقف الجحودي.

 

واما التام فهو حوار المصادقة المتحرر من الجمع بين متناقضين مصادقة الذات لمصادقة الغير ايمانا بالاخوة الانسانية في الموقف الشهودي.

 

اخطار الحوار:

 

لا ريب ان اية عملية اجتماعية كبرى تنطوي على ما يساوي حجمها من الاخطار اذا لم يكن لدى القائمين عليها تصور واضح للماضي والحاضر والمستقبل ولم تكن لديهم آلية واضحة لتنفيذ هذه الاخطار تكمن بالدرجة الاولى في دخول عناصر لا يروق لها هذه الحالة الحوارية المتعقلة الانسانية لان مصالحها تقتضي الاستعلاء والهيمنة والبطش وتقتضي دفع الاخر الى الاحساس بالدونية والانقياد.

 

لو اخليت الساحة للشعوب لدخلت مع بعضها في حوار يستهدف تحقيق مصالحها الانسانية ولحلت مشاكلها عن طريق التعارف والتفاهم ولكن القوى المتجبرة ترفض الندية في الحوار وتسعى لدفع الاخرين الى تعميق الاحساس بالهزيمة النفسية ولا جدوى للحوار اذا كان احد اطرافها مهزوما نفسيا.

 

من هنا لابد من ابعاد المهزومين عن ساحة الحوار كما لابد من بذل جهود علمية وثقافية مكثفة لاستجلاء فضل الحضارة الاسلامية على البشرية وما يمكن ان يقدمه المشروع الاسلامي لانقاذ البشرية من مآسيها وويلاتها المعاصرة.

 

ان العالم اليوم يواجه مسألة العولمة، والعولمة تشق طريقها من غير ارادتنا، والعولمة تحت شعار توحيد الثقافات تستهدف ازالة التنوع الثقافي والعولمة وان اتخذت مظهرا اقتصاديا فهي ذات جانب ثقافي اهم بكثير واذا حققت اهدافها في النهاية فسيكون لها ابعاد مرعبة ولو فرض ما يسمى بالتوحيد الثقافي لم يبق ثمة مجال للحوار ذلك ان شرط الحوار هو قبول التعددية قبول حق الاختلاف والحرية والتعقل.

 

فالحوار يعني الوصول الى ادراك مشترك عن طريق تبادل المعاني والافكار لذلك فان اي تيار واية مؤسسة ترفض هذه الشروط فانها تعمد الى سد طريق الحوار.

 

اذا فالحوار طريق ملىء بالتعرجات ولا يمكن الحصول على نتائجه بسرعة وثمة موضوعات مختلفة مثل الدين، الاسرة، مكانة المرأة، البيئة الطبيعية، وهي من المسائل التي تدخل في حيز الحوار، وعلى هذا الصعيد لابد من تعيين الاولويات وتشخيص الاخطار والتهديدات المشتركة والتوصل الى الاليات المشتركة باعتبارها من المراحل المختلفة لحوار الحضارات.

 

اسئلة تتطلب الاجابة

 

بقي ان اقول ان طريق حوار الحضارات ليس بواضح المعالم فالمنعطفات فيه كثيرة والاسئلة المطروحة ضمن مساره كثيرة ايضا. ولعل كثرة الاسئلة تعود الى حداثة التجربة فالتاريخ مفعم بصور الصراع والغلبة والاستيلاء، ولم يسجل لنا التاريخ تجربة عن دخول الامم في حوار حضاري اللهم الا ما كان بعيدا عن علاقات المؤسسات الحاكمة ومنها صور علاقات التفاعل بين الشعوب الاسلامية وبين شعوب ما يسمى بطريق الحرير الذي يبدأ من حلب مارا بانطاكية الى بلاد ما وراء النهر.. ولعل اول سؤال يطرح في مسار حوار الحضارات، هو ما معنى الحضارة؟

 

فالمصطلحات الرائجة في في هذا الحقل مثل المدنية والثقافة والحضارة غير محددة في كل اللغات وللحضارة وحدها تعاريف كثيرة جدا واذا اكتفينا بما تلقيه كلمة حضارة في الاذهان وهو (تقدم المجتمع البشري) فهل تقدم المجتمعات البشرية في الحقول المادية حضارة؟ هناك من يرفض ذلك ولعل المنطق القرآني ايضا يرفض ذلك فالبناء المادي مرفوض اذا لم يكن قائما على اساس معايير انسانية، او على معايير التقوى بالتعبير القرآني (اتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، واذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله واطيعون) الشعراء 128 ـ 131.

 

فالقوة المادية تكون سبب البطش والتجبر اذا لم تكن مقرونة بقيم انسانية ذات رصيد ديني وهذا مشهود في التاريخ وفي حياتنا الراهنة. والمجتمع المتحضر وفق هذا المفهوم هو المجتمع القائم على اساس قيم انسانية ذات رصيد يوفر لها الديمومة والبقاء والثبات والموضوعية وليس ثمة رصيد في هذا المجال سوى الدين.

 

والسؤال الاخر المطروح في هذا المجال عن آليات التنفيذ، كيف نبدأ؟ ومن اين نبدأ؟ ومن يحاور من؟ وكيف نبني اساس لاستمرار هذا الحوار؟

 

وبعد فالسؤال الاهم عن جدوى هذا الحوار فهو جاد حتما على صعيد الشعوب كي يفهم بعضها بعضا ولكي (تتعارف) بالتعبير القرآني ولكن هل هو جاد على صعيد القوى التي لا تفكر الا بمصالحها المادية؟ ثم هل تستطيع الشعوب ان تتخلص في تفكيرها وقرارها من هيمنة القوى المتجبرة؟

 

هل مسيرة التاريخ تتجه نحو سيطرة الشعوب على مقدراتها؟ واخذها بزمام الامور وبلوغها مستوى من النضج الفكري والعقلي والعاطفي يؤهلها لاحلال علاقات حوار بدل العلاقات القائمة اليوم على اساس البطش؟

 

هذه الاسئلة وغيرها تستطيع ان تكون محور بحث ودراسة ضمن اطار حوار الحضارات. اخلص الى القول: ان طرح مسألة حوار الحضارات في الامم المتحدة والمصادقة على المشروع في اعلى المستويات التنفيذية الممكنة وعدم طرحها في مؤسسة تابعة كاليونسكو يدل على تعدد الجوانب في اهمية المشروع ولابد ان تشق النظرية طريقها في الساحات السياسية والاقتصادية والثقافية.

المصدر: http://www.alyaum.com/article/1130478

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك