دور المثقّف في المجتمع: الجامعيّون زمن حكم بن علي (1987-2011) نموذجاً

عادل بن يوسف

 

لا تكتب التاريخ شِعْرًا، فالسّلاح هو المؤرّخ

والمؤرّخ لا يُصَابُ برعشة الحُمّى إذا سَمّى ضحاياه !

محمود درويش



مقدمة:

لا يخلو الحراك الثوري عبر التاريخ (لا سيّما خلال الفترتين الحديثة والمعاصرة) في جميع دول العالم من حضور للفئات المثقّفة ولا سيّما النخب، التي غالبا ما تكون طرفا فاعلا فيه. فالمثقّفون بمختلف أصنافهم من مفكّرين وجامعيّين وأساتذة – باحثين وإطارات سامية وطلبة وخرّيجي جامعات وغيرهم…، هم دوما و“بالفطرة” (إن صحّ التعبير) في صدارة التحركات الاحتجاجية ضد النظام الحاكم. ولم تشذّ تونس عن هذه القاعدة. فعلى امتداد العقود الثلاثة من الحكم البورقيبي (بين 1957 و1987) كان المثقّفون التونسيّون بمختلف مكوّناتهم وفصائلهم في مقدمة منتقدي النظام والمحتجّين ضد سياسته الرسمية في جميع المجالات والميادين. ولم يقتصر الأمر على الشأن الداخلي، بل كانوا كذلك في مقدمة المشاركين في أغلب التحرّكات الإقليميّة والدوليّة للتنديد بالحروب والهجمات الامبرياليّة على الوطن والمنطقة والأمّة العربيّة عامة أو لمساندة حركات التحرّر في جميع أنحاء العالم. وقد كلّف هذا الدور الكثير منهم متاعب وويلات: اعتداء بالعنف، إيقاف، تعذيب، تحقيقات، محاكمات، تتبّعات عدليّة، طرد من الوظيفة العمومية وتجريد من الحقوق المدنيّة…، وغيرها من أشكال التنكيل والعقاب التي طالتهم. غير أنّ المتأمّل في الساحة التونسيّة منذ وصول زين العابدين بن علي إلى سدّة الحكم بعد الانقلاب الطبّي الشهير فجر السابع من نوفمبر 1987، يلاحظ تقلّص الدور النضالي والطلائعي للمثقّفين التونسييّن على امتداد 23 سنة من حكم بن علي.

وتأكيدا لذلك ومباشرة بعد سقوط نظام بن علي إثر ثورة الحرّية والكرامة، صرّح المناضل والوزير السابق الأستاذ أحمد بن صالح بما يلي: “لقد أهدت ثورة الشباب التونسي هؤلاء المتطاوِسِينَ حريّة لم يحلموا بها ولم يناضلوا من أجلها. لقد كانوا يعيشون في أبراج عاجية وترفٍ فكريّ ويعالجون القضايا التي تشغل المجتمعات التي استعمرتنا تماهيا مع ما يفعل أسيادهم هناك، عملا بمقولة بن خلدون: – إنّ المغلوب مولع دائما بالإقتداء بالغالب -… (2)

لِفَهْمِ المسألة والإحاطة بجميع جوانبها، من الضروري في اعتقادنا الإجابة عن إشكاليّتين رئيسيّتين:

– إلى أيّ مدى ينطبق هذا التصريح لمناضل وطني سابق ورجل دولة بامتياز، على المثقّفين التونسيّين وتحديدا على الجامعيّين منهم، من أساتذة وباحثين وأكاديميّين من درجات ورتب مختلفة وفي سائر الاختصاصات زمن حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ؟

– من يتحمّل مسؤولية تقصير المثقّفين في الاضطلاع بأدوارهم الطلائعية صلب المجتمع التونسي: هل هم الجامعيّون أنفسهم بدرجة أولى، أم هو النظام الحاكم برمّته ومختلف مؤسّساته وأجهزته بدرجة ثانية أم أنّ المسؤوليّة مشتركة بين الطرفين ؟

قبل التطرّق إلى وضع المثقّفين في ظلّ نظام بن علي وأشكال تعامل هذا الأخير معهم ثمّ تجاوب هؤلاء مع نظامه وتفاعلهم معه، جدير بنا القيام بعرض تاريخي بغاية إبراز الدور الذي اضطلع به المثقّفون التونسيّون عموما والجامعيّون خاصة، من أساتذة وباحثين بمختلف رتبهم واختصاصاتهم – رغم قلّتهم – (سواء كانوا من خرّيجي الجامعات التقليديّة على غرار الزيتونة والأزهر… أو الجامعات العصريّة وفي مقدمتها جامعة السّربون ثمّ الجامعة التونسيّة إثر انبعاثها في سنة 1958…)، وذلك قبل وصول زين العابدين بن علي إلى سدّة الحكم في سنة 1987، أي بعبارة أخرى كامل الفترة الاستعماريّة ثمّ العقود الثلاثة من الحكم البورقيبي.

وقبل الخوض في كل هذه المسائل، من الضروري في اعتقادنا التعريف بالمثقّف والمثقّفين أولا ثمّ التطرّق (ولو بإيجاز) إلى الأدوار التي اضطلع بها المثقّفون التونسيّون إبّان الفترة الاستعمارية ثمّ استعراض مكانة وأدوار هؤلاء وفي مقدمتهم الجامعيّون على امتداد فترة الحكم البورقيبي (بحكم ارتفاع عددهم تدريجيا منذ سنة 1956).

وليست الغاية من هذه الدراسة التشهير بالجامعيّين الذين تعاملوا بشكل أو بآخر مع نظام بن علي والتشكيك في قدراتهم العلمية والفكريّة أو المسّ من أشخاصهم وخدش أعراضهم، لأنّ أخلاقيّات مهنة المؤرّخ تمنعنا من القيام بذلك، بقدر ما نصبو إلى إنجاز دراسة تاريخية موضوعية وموثّقة تقدّم للقرّاء لوحة عن حضور هؤلاء في مواقع القرار داخل منظومة سياسية استمرّت طيلة 23 سنة كاملة من تاريخ تونس، كانوا بشكل أو بآخر طرفا فاعلا فيها. لذلك سنكتفي بذكر المناصب أو الخطط التي شغلوها وفي أقصى الحالات سنلجأ اضطرارا إلى ذكر الحرف الأوّل من الاسم واللقب لهؤلاء المثقّفين أو الجامعيّين.

أولا: دور المثقّف والجامعي في المجتمع ورصد لأدوار المثقّفين والجامعيّين في تونس قبل 1987:

1) دور المثقّف والجامعي في المجتمع:

أ) دور المثقّف:

قبل التعريف بالمثقّف والجامعي تحديدا ودوره في المجتمع، من الضروري حسب رأينا طرح بعض الأسئلة الهامة، لعلّ أبرزها: علاقة المثقّف بمحيطه من مجتمع وسلطة سياسية وتيّارات فكرية وإيديولوجية ومؤسّسات بجميع أصنافها…، وغيرها ؟ هل هو ذاك المحترف معرفيا المرتبط بالسلطة والمؤسّسات الرسميّة وغير الرسميّة، أم المستقلّ عن كل مؤسّسة ؟ هل هو مقيّد أم حرّ في جميع كتاباته ومواقفه ورؤاه… ؟

للإجابة عن كل هذه الأسئلة لا يوجد في اعتقادنا من تعريف للمثقّف وعلاقته بالسلطة أفضل من تعريف المفكّر الإيطالي”أنطونيو غرامشي “Antonio Gramsci” الذي كان أوّل من ميّز بين المثقّف الشمولي والمثقّف العضوي منذ عشرينات القرن العشرين.

فالمثقّف العضوي حسب غرامشي هو ذاك “… المثقّف المرتبط بطبقة معيّنة، حيث يقوم بتنظيم وظيفتها الاقتصادية، بهدف تحقيق قبول وإجماع الطبقات الأخرى، وذلك من خلال عملهم في مختلف الهيئات الثقافية والإعلامية كالمدارس والجامعات وأجهزة النشر وغيرها.(3) وفي هذا كلّه تبرز وظيفة العُضْوِيِّينَ”Les Organiques“باعتبارهم”اسمنتًا“يربط البنية الفوقيّة والتحتيّة للمجتمع. ومن هذا المنطلق، فإنّ غرامشي يُعدّ مؤسّسا لمفهوم” الهيمنة على الثقافة كوسيلة للإبقاء على الحكم في المجتمع الرأسمالي “(4).

أمّا في القرن الواحد والعشرين فإنّ كتابات إدوارد سعيد تُعدّ أفضل ما كُتب حول علاقة المثقّف بالسلطة الحاكمة. فقد تناول هذا المفكر والمنظّر الفلسطيني في كتابه”المثقّف والسلطة“(5)، مسألة”القول في المثقّف“وحاول من خلاله رسم صورته ودوره وحدود القول به.

في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي وسمه بعنوان”صُوَرُ تمثيل المثقّف“، حدّد إدوارد سعيد المثقّف بتعريفين يتّسمان”بالتعارض الأساسي“حول المسألة، وهما من أشهر تعريفات القرن العشرين: الأوّل للمناضل الايطالي الماركسي والصّحفي والفيلسوف السياسي”أنطونيو غرامشي“حيث يقول:”…إنّ جميع النّاس مفكّرون…“ويضيف:”… ولكن وظيفة المثقّف أو المفكّر في المجتمع لا يقوم بها كلّ النّاس…“(6). وهنا يحاول غرامشي إبراز من يقوم بوظيفة المثقّف فيقسّم هذه الفئة إلى قسمين:”المثقّف التّقليدي“و”المثقّف العضوي“. يضمّ الصنف الأول: الكهنة، المعلّمون والإداريّون… الذين – حسب غرامشي– يقومون بنفس وظيفة التفكير يوما بعد يوم وعاما بعد عام وجيلا بعد جيل، بمعنى أنّ وظيفة التفكير غير متجدّدة. أمّا الصنف الثّاني، أي”المثقّفون المنسِّقُون“، فيرى أنّهم مرتبطون ارتباطا مباشرا بالطّبقات التي تستخدم المثقّفين في تنظيم مصالحها واكتساب مزيدا من السّلطة. وهنا يطوّر غرامشي مفهوم”التحويليّة “Le Transformisme” أو “الخطّ التحويلي” La ligne transformiste“(7)، وهو المسار الذي تضعه السلطة في حيز العمل من أجل”تحويل“المثقّفين إلى”مذيعين وناشرين لأيديولوجيتها ومحقّقين لمشروعيّة ممارستها الاجتماعية والسياسية وقبول وتبنّي الفئات الاجتماعية مشروعها الاجتماعي…“. وبذلك يشكّل المثقّفون الجهاز الايديولوجي للدولة !

أمّا التّعريف الثّاني، وهو التّعريف الأشهر، الذي وضعه الفيلسوف والمفكّر الفرنسي”جوليان بِندَا “Julien Benda” (1867-1956) في كتابه “خيانة المثقّفين” الصّادر سنة 1927، فيُعدّ هجوما لاذعا على المثقّفين، إذ يعتبر بِندَا المثقّفين “…عُصبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة من ذوي القُدرات أو المواهب الفائقة والأخلاق الرّفيعة…” (8). ويضيف أنّهم – أي المثقّفين – يشكّلون “طبقة العلماء والمتعلّمين البالغي النّدرة نظرا لما ينادون به ويدافعون عنه من قضايا الحقّ والعدل(9) في هذا الفصل يبيّن إدوارد سعيد قلقه من خطر اختفاء صورة المثقّف التي – حسب رأيه – أصبحت تقتصر على المهنيّين فقط، لأنّه لا يمكن اختزال صورة المثقّف بحيث تصبح صورة ذلك” المهني مجهول الهويّة، أي مجرّد فرد كفء ينتمي إلى طبقة ما ويُمَارسُ عمله فحسب “، بل يرى إدوارد سعيد أنّ حقيقة المثقّف الأساسيّة هي كونه فريدا”يتمتّع بموهبة خاصّة “يستطيع من خلالها حمل رسالة ما أو تمثيل وجهة نظر معيّنة، فلسفة ما، أو موقف ما. واعتبارا لما تقدّم فإنّ المثقّف يكون ذاك الموهوب الذي يقوم علنا” بطرح أسئلة محرجة “ويصعب على الحكومات أو الشّركات استقطابه لأنّه لو تمكّنت هذه الأخيرة من استقطابه، فإنّه يفقد بُعده النّقدي ويَخُونُ نصّه الإبداعي. كما يجب على المثقّف مواجهة كلّ أنواع التّنميط والجمود لأنّ المثقّف عموما لديه الفرصة كي يكون عكس التيّار(10).

وإجمالا فإنّ المثقّف الحقّ، هو ذاك الذي يمثّل صوت المسكوت عنه وكلّ أمر وُضع طيّ النسيان كـ”التجاهل“و”الإخفاء“و”التعتيم“… وهو بذلك لا يمثّل أحدا، بل يمثّل مبادئ كونيّة مشتركة لا تَنَازُلَ عنها، فهو نبض الجماهير وهو الذي” لا يقبل أبدا بأنصَافِ حلول أو أنصَافِ الحقيقة (11) وهو الشّخص الذي يواجه القوّة بخطاب الحقّ ويصرّ على أنّ وظيفته هي أن يُجبر نفسه ومريديه بالحقيقة. وهو “المقاوم” الذي يقاوم بفكره ونشاطه هيمنة السّلطة السّائدة بمختلف أنماطها الماديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة التي تحتكر البنية الفوقيّة للمجتمع والشأن السياسي. وإذا كان هذا دور المثقّف، لنا أن نتساءل عن دور الجامعة والجامعيّين في المجتمع ؟

ب) دور الجامعي:

منذ نشأتها في العصر الوسيط شكّلت الجامعة الشريان النابض للبلدان والمجتمعات التي ظهرت بها. ففي رحابها توجد وتنشأ أهمّ شريحة في المجتمع متألّفة من أساتذة وباحثين وطلبة وخرّيجين…، يمثّلون محطّ آماله وتطلّعاته. وفي منابرها ومدرّجاتها تُطرح أهمّ القضايا وتُرسم طرق المستقبل ومفاتيح النجاح والإبداع وكيفيّة النهوض بالمجتمع في شتّى الميادين والمجالات. كما للنخب الجامعيّة قدرة فائقة في التأثير على حركيّة المجتمع ورصد أولويّاته.(12)

ومن الطبيعي أن يكون للأجيال الوافدة على الجامعات حدّ أدنى من الوعي السياسي والمعرفة بأحوال الأنظمة ومَكَامِنَ القوّة والضّعف فيها والتعرّف على عناصر القوة المحرّكة للمجتمع والمؤثّرة في رخائه وتطوّره ومعرفة التيارات الفكرية الهدّامة له حتى يتمّ تجنّبها عن وعي ومعرفة. ووفقا لذلك، من الضروري، إن لم نقل من الواجب أن يعقد الجامعيّون في مختلف الاختصاصات، اللقاءات والندوات والمؤتمرات العلميّة بغاية تعريف زملائهم وطلبتهم والجمهور الواسع بواجباتهم تجاه مجتمعهم وبيئتهم. لكن ينبغي أن يكون العمل الجامعي بعيدا عن الشعارات الجوفاء الفارغة والمناسبات الآنية المرتجلة وعديمة النفع المستقبلي، بل المهمّ هو العمل الجماعي للتوصّل إلى نظريات إبداعية تحلّ مشاكل البلاد وتعرّف المجتمع على أعدائه الحقيقيّين وتفضح مخطّطاتهم الرامية إلى تخريب البلاد والعباد. وفي استحالة عقد مثل هذه الندوات والمؤتمرات لأسباب مختلفة، يستوجب على الجامعيّين كتابة كل ما يرونه ضروريا لبلادهم وشعبهم في مقالات ودراسات ومؤلّفات…، يتمّ نشرها وإيصالها (في حالة استحالة ذلك)، بشتى الطرق والوسائل إلى القرّاء والمتعطشين للنهوض بالشأن العام. وبفضل هذه الأعمال والمنشورات، تمتلك الأجيال شيئا من القدرة على التحليل السياسي النافع لبلادها ولمستقبلها بحيث يصبح للمجتمع حد أدنى من الوعي بالمخاطر المحدقة به ويدرك الأمور الصالحة به وخاصّة القدرة على تصوّر الحلول السليمة للمشاكل والمعضلات التي تحلّ ببلادهم من حين لآخر(13).

كما أنّ الوعي السياسي لدى الجامعيّين يُؤهّلهم إلى معرفة خُدع المنافقين وخططهم وألاعيبهم البشعة المؤدية بالبلاد الى الدكتاتورية والفساد والدمار والزوال. وبفضل هذا الوعي والمعرفة والعمل على تجسيمهما على أرض الواقع لا يتسنّى للحكّام وكبار المسؤولين المنافقين أن يمرّروا ألاعيبهم عن طريق الدعاية والديماغوجيا والوعود الفارغة التي يرمي أصحابها إلى السيطرة على المجتمع وعلى ثروات البلاد وطاقاتها وخيراتها الطبيعيّة والبشرية…

أمّا في الدول النامية، فإضافة إلى الأدوار سالفة الذكر، من أوكد واجبات الجامعات الوطنية، هو تكوين نخب وقادة وعناصر فاعلة في المجتمع تستفيد من الماضي والحاضر للبناء المتين في جميع الميادين وشقّ طريق المستقبل بثبات. (14)

وعلى ضوء ما تقدّم لنا أن نتساءل: هل تمكّنت الجامعة التونسية منذ إحداثها في سنة 1958 من القيام بهذا الدور الريادي والنبيل وخدمة قضايا البلاد والمجتمع التونِسيَيْنِ؟

2) دور طلائعي للمثقّفين والجامعيّين التونسيّين قبل 1987:

أ) خلال الفترة الاستعماريّة:

إنّ المتأمّل في تاريخ تونس المعاصر يلاحظ أنّ الكثير من المثقّفين التونسيّين، سواء الذين تلقّوا تعليما تقليديا مثل التعليم الزيتوني، أو الذين تلقوا تعليما عصريا، قد اضطلعوا بأدوار رئيسية، بل طلائعيّة في النضال الوطني ضد الاستعمار وذلك في عديد المواقع والقطاعات الحسّاسة التي كان لها تأثير مباشر على العمل السياسي والنقابي والفكري وفي مقدمتها: قطاع التعليم والصحّة والجمعيّات والنوادي الرياضيّة والكشفيّة والشبابية والثقافية… فقد ساهم أغلبهم في توعية الشعب التونسي بحقوقه وتوجيهه التوجيه السليم وتأطيره وقيادة نضالاته السياسية والنقابية والفكريّة – الجمعيّاتيّة ضد المستعمر الفرنسي إلى غاية انتزاع البلاد لاستقلالها السياسي في سنة 1956.

ولا يتّسع المجال هنا للتطرّق إلى جميع الأدوار التي اضطلع بها هؤلاء المثقّفين على الصعيد الوطني في جميع المجالات نظرا لكثرتها. لذا سنكتفي بالتطرّق إلى الميدان السياسي وذلك بذكر أبرزهم وأكثرهم حضورا على الساحة السياسية على غرار كل من: البشير صفر وعلي بوشوشة والأخوين محمّد وعلي باش حامبة ومحمّد النعمان ومحمود الماطري والأخوين محمِّد والحبيب بورقيبة والطاهر صفر والبحري ڤيڤة وسليمان بن سليمان وعلي البلهوان ومحمد النافع…، وغيرهم من خرّيجي الجامعات الفرنسيّة وكلّ من: الشيخ عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحدّاد ومحي الدين القليبي وأحمد الصافي وعلي جراد والفاضل بن عاشور…، وغيرهم من خريّجي الجامعة الزيتونيّة. أمّا القضايا السياسية الوطنية التي خاضها هؤلاء فتأتي في مقدمتها: إضرابات سنة 1910 لطلبة جامع الزيتونة، انتفاضة الزلاّج سنة 1911، أحداث الترامواي سنة 1912…، وغيرها من المحطّات النضالية التي اضطلع أعضاء حركة الشباب التونسي بدور هام في تأطيرها وقيادتها. وتلي كل هذه الأحداث أزمة 5 أفريل 1922 ومظاهرات العشرينات ونضالات جامعة عموم العملة التونسية (بين 1924 و1925)…، التي كان للشيوعيين ولبعض قادة الحزب الدستوري دور بارز فيها. وكان لخرّيجي الجامعات الفرنسية دور هام في بعث الحزب الدستوري الجديد في 2 مارس 1934 ثمّ في قيادة نضالات التونسيّين السياسية والنقابية والجمعيّاتيّة، إلى جانب عديد القوى الوطنية الأخرى من سياسيّين ونقابيّين ورجال فكر… وغيرهم، في أكثر من محطّة نضالية: إبّان أحداث 9 أفريل 1938 وطيلة الحرب العالمية الثانية ثمّ بين 1945 واندلاع الكفاح المسلّح في سنة 1952…، وغيرها من المحطّات النضاليّة إلى غاية انتزاع الاستقلال الداخلي في 31 جويلية ثمّ الاستقلال التام في 20 مارس 1956. (15)

وعموما، سواء عبر فصيلها التقليدي الذي تبنّى المشروع الإصلاحي في إطار الحفاظ على الثقافة العربية الاسلامية بمختلف مرجعياتها وتعبيراتها المشرقيّة والمغاربيّة والوطنية…، أو فصيلها العصري الذي تبنى الفكر الحداثي الأوروبي ومناهجه وطرقه في جميع الميادين والمجالات، فإنّ النخبة المثقّفة التونسية وعلى غرار نظيراتها في جلّ المستعمرات ومن بينها الجزائر والمغرب…، قد اضطلعت بأدوار هامة طيلة الفترة الاستعمارية قصد الخروج من التخلّف واللحاق بركب الحضارة الغربية المتقدمة والتحرّر من ربقة الاستعمار… فكانت بمثابة “الاسمنت” الذي ربط القوى الاجتماعية بالتعبيرات الايديولوجية والثقافية وتشكيل ما يسمّيه غرامشي بـ “الرجل –الكتلة”L’homme- masse“أو”الكتلة التاريخيّة“التي تسيّر المجتمع وتضمن تطوّره ومساره في مرحلة تاريخية محدّدة(16). فهل سيتواصل هذا الدور بعد الاستقلال ؟

ب) خلال فترة الحكم البورقيبي (1956-1987): 

منذ مطلع الاستقلال واصلت النخبة التونسية بمختلف فروعها وأصنافها، تقليدية كانت أم عصريّة القيام بنفس الدور الطلائعي الذي اضطلعت به خلال الفترة الاستعمارية وذلك عبر المساهمة الفعّالة في بناء الدولة الوطنيّة الحديثة وتعصير الإدارة وتحديث المجتمع أولا، ثمّ المساهمة في تجديد الثقافة والفكر التونِسيَيْنِ… وذلك طيلة العقود الثلاثة من الحكم البورقيبي (1957-1987). ويأتي في مقدمة هؤلاء: الأساتذة المدرّسون – الباحثون بمختلف رتبهم وأصنافهم، الذين رغم السعي الدؤوب لبورقيبة في استقطاب الجامعة واحتواء الجامعيّين وإدماجهم في المنظومة الرسمية كعناصر هيمنة بالمفهوم الغرامشي أو”موالين“و”طيّعين“لإرادته وحزبه الحاكم، لا سيّما بداية من سنة 1963 (أي بعد فشل المحاولة الانقلابية لسنة 1962)، فقد استطاع أغلبهم الحفاظ على”استقلاليّة“و”حياد“الجامعة التونسية و”استقلاليّتهم“عن الدولة والحزب والوفاء لقناعاتهم الفكرية – العلمية وخاصة السياسية والإيديولوجية بالتعبير عن مواقفهم ورُؤاهم عبر النشاط والنضال في عديد المنابر والتنظيمات النقابية والسياسية داخل تونس وخارجها، تارة في السرّ وتارة أخرى في العلن، وهو ما كلّفهم متاعب وتضحيات جسام في الكثير من المحطّات النضاليّة على غرار محاكمات مجموعة”آفاق“والبعثيّين في سنتي 1968 و1969 و”العامل التونسي“في السبعينات والاسلاميّين بين سنتي 1981 و1987 والنقابيّين والنشطاء السياسيّين إثر الإضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل في سنة 1978 وانتفاضة الخبز في جانفي 1984 وفي سنة 1985…، وغيرها من المحطّات النضاليّة الأخرى.

وفي خاتمة هذه اللوحة التاريخيّة، جدير بنا أن نتساءل عن طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين المثقّفين التونسيّين وتحديدا الجامعيّين منهم والنظام الحاكم إثر وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة في 7 نوفمبر 1987 ؟

ثانيا: الجامعيّون وبن علي: من الارتياح فالانطواء والمعارضة، إلى الاستقطاب و”الاحتواء“والتوظيف : قراءة في العوامل والأشكال:

1) عوامل تقارب عديدة:

قدّم عديد الباحثين المهتمين بسوسيولجيا الثقافة والمثقّفين في تونس وفي العالم العربي قراءات مختلفة لدوافع تعامل المثقّفين وفي مقدمتهم الجامعيّون مع الأنظمة الدكتاتورية وفي مقدمتها نظام بن علي وأجهزته(17). وكانت القراءات المقدّمة لهذه الظاهرة متباينة، يمكن حصرها في ثلاث قراءات رئيسية وهي على التوالي:

أ) الأوضاع الصّعبة للبلاد:

كان لمحاولة قلب النظام أو ما يعرف بأحداث قفصة في 27 جانفي 1980 تبعات وخيمة على الدولة حيث ألقت بظلالها على جميع القطاعات والميادين. وقد ازدادت الأوضاع تأزما نتيجة الظرفية الدولية غير الملائمة. لذا تواصلت متاعب حكومة محمّد مزالي على مستوى اقتصادي واجتماعي رغم بوادر الانفراج السياسي منذ قدومه في أفريل 1980 والإفراج عن المساجين السياسيّين والنقابيّين والإسلاميين واليساريّين القابعين في سجون بورقيبة منذ بداية السبعينات مرورا بأحداث 26 جانفي 1978 الدموية وانفتاحه على الجامعة والجامعيّين باتخاذ العديد منهم كمستشارين له في أكثر من ميدان وتنظيمه لأول انتخابات تشريعية تعددية في سنة 1981، زوّرت نتائجها للأسف. لكن ذلك لم يحل دون اندلاع أزمة جديدة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وذلك إثر طرد العقيد معمّر القذافي لآلاف التونسيين من ليبيا (حوالي 35.000 عامل في صائفة 1985). كما شهد شهر أكتوبر من نفس العام غارة جوية إسرائيلية على مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية المقيمة في تونس منذ سنة 1982…

وفي عام 1986 بلغت الأزمة الاقتصادية أوجها وألقت بظلالها على الشارع بتنامي الاضرابات العمالية والمسيرات الاحتجاجية لليساريّين المنتظمين في أحزاب غير معترف بها على غرار”حزب العمّال الشيوعي التونسي“والقوميّين…، وخاصّة على الجامعة بعودة الصّراع بين الاسلاميّين – الذين تحاور معهم مزالي واعترف ضمنيا بمنظمتهم الطلابية”الاتحاد العام التونسي للطلبة“في سنة 1985 – من جهة واليساريّين من جهة أخرى… ونتيجة لكل ما تقدّم أقِيلَ محمّد مزالي وحوكم غيابيا وعُوّض بالاقتصادي رشيد صفر وأجبرت الدولة على اتباع برنامج الإصلاح الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي والقاضي بالتخفيض من قيمة الدينار والحد من النفقات الاجتماعية وتحرير السوق وخَوْصَصَةِ المؤسّسات العمومية… وهو ما كانت له تأثيرات سلبية على المجتمع وتحديدا على الشرائح الاجتماعية الوسطى والضعيفة.

وكان من نتائج كل هذه التحوّلات، صعود نجم زين العابدين بن علي وزير الداخلية منذ أفريل1986 (بعد عودته من سفارة تونس بفرصوفيا بإذن من مزالي نفسه)، في وقت تغيرت فيه المجموعة المحيطة ببورقيبة بعد طلاقه من زوجته وإبعاده لابنه وبعض مستشاريه القدماء وتنامي تأثير ابنة أخته سعيدة ساسي -المقرّبة من بن علي- على خالها. فبدأت”حرب الكتل“داخل قصر قرطاج لخلافة بورقيبة الذي أنهكه المرض والشيخوخة. في هذا الظرف المتأزّم، استطاع بن علي بسط يده على الأجهزة الأمنية ليجد نفسه في موقع الرجل القوي و”رجل المرحلة“في ظل تصاعد الصدام مع حركة الاتجاه الإسلامي وتنامي ظاهرة العنف المنظّم من طرف الاسلاميّين: قيامهم بتفجير بعض النزل السياحية بكل من سوسة والمنستير في صائفة 1987 واعتدائهم على عديد الأئمة في بعض جهات البلاد…، وما تلاها من إيقافات وتنكيل وسجن ومحاكمات… كانت آخرها محاكمة سبتمبر 1987. ولم تقتصر الأزمة على الشارع، بل كان لها امتداد في الجامعة التي تحوّلت إلى ساحة للفوضى والعنف في ظلّ ضعف الدولة وتراجع مناخ الحرّية والإبداع في صفوف الأكاديميّين بدعوى”مقاومة“ظاهرة التطرّف الديني.

وفي 2 أكتوبر 1987 عُيِّنَ بن علي وزيرا أوّل وأمينا عاما للحزب مع إبقائه على رأس الداخلية. وبموجب الصلاحيات التي يخوّلها له الدستور وبالتعاون مع فريق طبّي والفرقة الخاصة بجهاز الحرس الوطني وتنسيق مع أطراف خارجية، أقدم فجر 7 نوفمبر 1987على الانقلاب على بورقيبة والانقضاض على الحكم الذي استطاع بطرق مختلفة احتكاره لمدة 23 سنة كما سنبيّنه لاحقا.

ب) ضعف قوى المعارضة وتنامي المدّ الديني:

نظرا لتكوينه العسكري ومحدوديّة علاقاته بالمثقّفين والنخب عامة، لا سيّما الجامعيّين منهم، فقد سعى هذا الجنرال “نصف الأمّي” جاهدا إلى استقطاب صفوة المجتمع إلى صفّه قصد الاستفادة من كفاءتها وخبرتها في إدارة البلاد ومختلف دواليب الحكم والدولة. فببيانه “المُطمئن” الذي صاغه مساعده، الهادي البكوش مدير الحزب الاشتراكي الدستوري آنذاك، وبإفراجه عن جلّ المساجين السياسيّين والنقابيّين ومساجين الرأي…، نجح بن علي في استقطاب غالبية قوى المعارضة من اسلاميّين ونقابيّين وحقوقيّين ويساريّين…، ومهّد إلى حد كبير لدخول جانب هام من هؤلاء، إن لم نقل غالبيتهم في “دين الله أفواجا” بمصادقتهم على “الميثاق الوطني” الذي أمضت عليه ستة أحزاب سياسية وممثّلو ومكونات المجتمع المدني بتونس يوم 7 نوفمبر 1988، باستثناء حزب العمّال الشيوعي التونسي غير المعترف به آنذاك(17).

ولم تقتصر عمليّات الاستقطاب و“الاحتواء” تلك على الجامعيّين المنتمين للحزب الاشتراكي الدستوري، بل خطّط لاستقطابهم في التجمّع الدستوري الديمقراطي النسخة الجديدة للحزب الاشتراكي الدستوري والمحدث في 28 فيفري 1988.

ونذكر في مقدمة هؤلاء كل من الأساتذة: ع. ب.ض و ب.ت. وص.ش و ع.ع و ع.هـ…، بل امتدّت كذلك إلى الكثير من المعارضين للنظام البورقيبي من رموز اليسار التونسي وعديد المستقلّين من بين عشرات الحقوقيّين والنقابيّين، و“الرابطيّين”…، وغيرهم في اختصاصات وقطاعات مختلفة من رجال قانون وخبراء اقتصاد وماليّة وأساتذة جامعيّين في الطب والعلوم الصحيحة والآداب والعلوم الانسانية والصحافة وعلوم الأخبار وكتّاب ومفكّرين وحملة أقلام حرّة… على غرار كل من: م. ش وأ. س وس. ز وح. ب. س وي. ع وت. ب وع. ت(18)… وإن لم يتحصّل الأستاذ المرحوم م. ش على بطاقة انخراطه بالتجمّح الدستوري الديمقراطي (وفقا ما أكّده لمقرّبيه وما جاء في كتابه الصادر بعد وفاته)، فإنّ بقيّة الجامعيّين أصبحوا من أبرز رموز حزب بن علي وقياديه !

لقد كان انقلاب 1987 بمثابة “حبّة مسكّنة” للغليان الاجتماعي الذي ميّز الشارع التونسي منذ منتصف السبعينات. كما كانت النخبة السياسية بمختلف حساسيّاتها وانتماءاتها الايديولوجية والفكرية مهيأة لقبول بديل عن النظام البورقيبي الحاكم منذ سنة 1957.

وعلى حدّ قول بعض المختصّين فإنّ “بن علي (رجل الدولة العميقة بامتياز)… قد وجد طبقة سياسية مِطْوَاعَة من إسلاميّين ويساريّين وقوميّين ودستوريّين لتكديس الصلاحيّات والسلطات حوله…”(19).. كما ساعدته الظرفيّة الدولية وخاصّة الأوضاع بالدول المجاورة على تنفيذ مشروعه السياسي والقيام بكل ما في وسعه لإرساء أسس المنظومة السياسية الجديدة لحكمه دون معارضة قويّة. وتأكيدا لذلك نقرأ في نفس المصدر السابق ما يلي: “… لمّا شارفت الثمانينات على نهايتها، نظر من حوله في المشهد السياسي فوجد أنّ اليساريّين (البعض) دخلوا في فصول سنّ اليأس بانهيار التجربة السوفياتية. أمّا الإسلاميّون فكانوا على طرف النقيض يتحسّسون قوّتهم ويحلمون ببلوغ مقاليد السلطة عبر الصناديق أو عبر الانقلاب. كان الجار الجزائري يعيش تجربة إسلامية دموية أقنعت بن علي بأنّه لا يمكنه أن يظل في مكانه آمنا إلاّ باستعمال الحلول الاجتثاثيّة مع الاسلاميين. الردع البوليسي لم يكن كافيا بمفرده وهو الذي لم يَأْلُ جهدا في استخدامه. لقد كان يحتاج إلى دعاية مجتمعيّة واسعة تمكّنه من دفع شعبي لمواصلة مهمّته علاوة على دفع خارجي”. ولبلوغ هدفه ومواصلة مهمته بدعم خارجي يضيف قائلا: “هنا استنجد بن علي بخصوم الأمس، كانت مرارة الهزيمة الأيديولوجية قد جعلت قسطا كبيرا من اليساريّين ينخرطون في هذه اللعبة دون شروط. بعضهم هضمتهم مَعِدَةَ البيروقراطية بسهولة، وقد أخذوا بذلك جزاءهم في منظومة الامتيازات الحزبية والنقابية. والبعض الآخر دخل المعترك بتحفيزات على أنّه يخوض معركة وجود فاصلة… (20).

وعلى ضوء كل ذلك” تطوّع عدد كبير من اليساريّين لتأثيث التعددية الصورية التي حاول أن يستمدّ منها بن علي شرعيّته. فكانت أسماء كثيرة مثل م. ح، وع. ت وإ. ب. ل وم. ب. ش…، تلعب هذه الأدوار، وقد كانوا دائما يبرّرون هذا الانخراط في اللعبة السياسية لبن علي بالتكتيك السياسي حين يخاطبون قواعدهم الحزبيّة، وبمقتضيات المصلحة الوطنية حين يتوجّهون لوسائل الإعلام. كما كان البعض من اليساريّين أدوات بن علي لتقويض منظمات المجتمع المدني من الداخل. وكافأ بن علي اليساريّين والليبراليين “الموالين” بجائزة لم تخطر على بال بتعيين الأستاذين م. ح وم. م داخل مجلس المستشارين إثر إحداثه سنة 2002. كما وضع منذ سنة 1990 الأستاذ م. ش (سليل حركة آفاق وجامعة باريس) على رأس وزارة التربية والتعليم العالي. كما عيّن الجامعي ع.ب.هـ سفيرا لتونس لدى منظمة اليونسكو بباريس (بين 1992 و1996) ثمّ وزيرا للثقافة (بين 1996 و 2004) فوزيرا للخارجية (2004-2005) ورئيسا للمجلس الأعلى للاتصال، المؤسّسة الاستشارية العليا في مجال الإعلام والاتصال منذ سنة 2008 في أعقاب تجربة قصيرة كمستشار لدى مركز الدراسات الإستراتيجية في أبو ظبي (بين 2006 و2008)، وغيرهم كثيرون.وفي ذات السياق وظّف عديد الجامعييّن في أكثر من اختصاص لمشروع خطّة “تجفيف المنابع”، التي انطلقت في قطاع التربية والتعليم منذ سنة 1990 مع الأستاذ م.ش وتواصلت بأشكال مختلفة في وزارات وقطاعات حيوية أخرى كوزارة الشباب والرياضة ووزارة شؤون المرأة والأسرة ووزارة الشؤون الدينية ومؤسّستي الأمن والجيش…، إلى غاية سقوط النظام في 14 جانفي 2011(21).

وبقطع النظر عن الانتماء السياسي والإيديولوجي لصاحب هذه الدراسة، فإنّه لا يمكن في اعتقادنا تعميم استنتاجاته ومواقفه على جميع اليساريّين وتحديدا الجامعيّين منهم بسبب موقفه المتحامل على اليسار التونسي، لأنّ أسلوب بن علي وطرق ووسائل عمله الخادعة لم تكن لتنطلِي على جميعهم، إذ اعتبر الكثير منهم “المعركة خاسرة” منذ بداياتها نظرا لماضي الرجل الدموي: تورّطه في أحداث قفصة في 27 جانفي 1980 وجرائمه في حقّ النقابيّين في 26 جانفي 1978 وفي حقّ الاسلاميّين في 1981، 1986 و1987…، زمن إشرافه على الإدارة العامة للأمن العمومي فكتابة الدولة للداخلية ثمّ وزارة الداخلية نفسها في أواخر الحكم البورقيبي وخاصّة تورّطه مع جهاز المخابرات الاسرائيلية لتصفية رموز وقادة منظمة التحرير الفلسطينية بتونس: أبو جهاد “خليل الوزير” في 16 أفريل 1988 وأبو إيّاد “صالح خلف” في 14 جانفي 1991 بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة… وغيرها من الملفات والقضايا والممارسات التي تورّط فيها بن علي في المؤسّستين العسكرية والأمنية والتي لم يتمّ الكشف عن خفاياها وملابساتها إلى حد الآن. ويمكن ذكر من بين هؤلاء كل من الأستاذة: المرحوم نور الدين بن خضر والمرحوم محمّد بن جنّات والمرحوم أحمد بن عثمان الرداوي وعفيف الأخضر وحمّة الهمّامي وراضية النصراوي وأحمد نجيب الشابي والهاشمي الطرودي وجنيدي عبد الجوّاد وعبد الجليل البدوي…، والقائمة تطول.

ج) انتشار ثقافة الخوف في صفوف التونسيّين:

يرى الباحث السوري في الشؤون الاستراتيجية، الأستاذ عبد الله تركماني أنّ الخوف هو ثقافة في المجتمعات العربية(22، ومن نافل القول أنّ أسباب انتشار هذه الثقافة في صفوف المثقفين التونسيّين ومن بينهم الجامعيّون عديدة، يمكن حصرها في عاملين رئيسيَيْنِ هما:

* الموروث الثقافي والنظام التربوي والأبوي: غالبا ما يتمّ تأصيل جذور الخوف في الموروث الثقافي، في مكونات الثقافة العربية وثقافة السلطة وهيمنة منهج النقل على منهج العقل وتسويغ الواقع والدفاع عن فقهاء الرأي الواحد واستبعاد الآراء البديلة. لقد اعتاد المربّون والآباء على اختراع رعب ما، أو فزع ما، يخيفون به الصغار أو التلاميذ بـ“الفزّاعات” المعروفة، وهي كثيرة: الشرطي، الجنّي، المراقب العام، الجندرمي، المستعمِر، الأب، الحرمان من شيء مرغوب…، ظنا منهم أنّ ذلك سوف يضبط سلوك الصغار. وهكذا، فإنّ ثقافتنا العربية قد انطوت على “ثقافة الخوف” من سلطات مخيفة، واحتلال إيديولوجيات غيبية للضمير والعقل، وشحّ مصادر المعلومات المستقلة، والرقابة على الإعلام، وقمع حرية التعبير، ونظم حكم تسلطية قائمة على الولاء(23).

* الرقابة:

ويقسّمها صاحب الدراسة إلى قسمين، أولهما، يتمثل في الرقابة الرسمية،‏ وهي الأشكال التي تجسدها ممارسات الأجهزة الرقابية للدولة في مجالاتها المتعددة‏.‏ وثانيهما، رقابة غير رسمية، تقوم بها المجموعات الموازية للدولة المدنية‏،‏ والمناهضة لها في الوقت نفسه‏.‏ وأغلبها رقابة دينية تمارسها مجموعات متنوعة تدّعي حرصها على القيم الدينية. وكلها لا تخلو من التعصب والتطرف، الذي يجعل من أي اختلاف بدعة وضلالة،‏ ومن كل اجتهاد نوعا من الكفر‏،‏ ومن كل إبداع إلحادا يستحق صاحبه العقاب الرادع(24).‏

وبالنسبة لحالتنا هذه ولكل الاعتبارات المذكورة آنفا، أصبحت الرقابة داخل تونس زمن حكم بن علي في كتابات وتصريحات وتدخّلات ومواقف…، المثقفين – وفي مقدمتهم الجامعيّون -، لا سيّما في الفضاء العام، “رقابة ذاتية، و”شبه آليّة“في الغالب. وإذا ما استثنينا المثقفين والجامعيّين المقيمين خارج أرض الوطن الذين كانوا ينشطون بكامل الحرّية وتحرّروا من الرقابة المفروضة عليهم، لم تكن بتونس سوى مجموعة قليلة من المثقّفين والجامعيّين المعارضين والناشطين الحقوقيّين الذين وجدوا في عديد المنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية وفي مقدمتها: بعض النقابات التابعة ل”الاتحاد العام التونسي للشغل“و”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و“النادي الثقافي الطاهر الحداد” و“جمعية النساء الديمقراطيات” و“منظمة العفو الدولية” ومقرّات ومنابر بعض الأحزاب المعارضة غير “الكرتونية” أو “الديكوريّة”…، متنفّسا لهم للإفلات من كل أشكال الرقابة !وعموما يمكن القول وكما ذهب إلى ذلك الأستاذ الهادي التيمومي، لم يكن نضال المعارضين ضد بن علي وفي مقدمتهم المثقّفون مُتناسبا مع درجة استبداد نظامه(25).

وقد أرجع الأستاذ التيمومي ذلك إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها الحصيلة الاقتصادية شبه المرضية لنظام بن علي وثانيهما خوفهم من انزلاق تونس إلى حرب أهليّة بين الإسلاميّين والحداثيّين على غرار الجزائر خلال العشرية السوداء (1991-2001). أمّا السّبب الثالث فيكمنُ في الخصائص “الثقافويّة” الموجودة في داخل أغلب التونسيّين مثل عدم الاهتمام بالسياسة وقبول الخضوع لأيّ سلطة سياسيّة، مهما كانت عملا بالموروث القديم: “تونس لمن حَكَمَ” بشرط أن يُوفّر لهم الخبز والأمن(26). وبعد نجاحه في تحقيق هذا “الإجماع” حول برنامجه وشخصه، ولضمان بقائه أكثر ما يمكن وبأريحيّة في سدّة الحكم بقصر قرطاج، كان من الطبيعي أن يكافئ بن علي جميع “المتردّدين” و“المنطوين” على أنفسهم و“المعارضين له” في السابق من مختلف الفئات والشرائح المهنية والتيارات السياسية والإيديولوجية والفكرية وفي مقدمتهم الجامعيّون وأن يحكم الاستفادة من خبرتهم في مختلف الميادين. لكن قبل ذلك لا بدّ من تركيع الهيكل والإطار الذي يحتضن ويؤمّ هؤلاء، أي الجامعة.

2) تركيع الجامعة:

منذ أواخر الثمانينات، خطّط بن علي بالتعاون مع عديد الجامعيّين لتركيع الجامعة باسم “تحييد الجامعة” عن الصراعات السياسية والأيديولوجية ومحاربة “الخطر الأصولي الإسلامي”. وتنفيذا لذلك قام بمنع نشاط “الاتحاد العام التونسي للطلبة” المنظمة الطلابية التابعة لحركة الاتجاه الإسلامي آنذاك بملاحقة مناضليها وإيقافهم ومحاكمتهم. كما عمل على بثّ الفرقة في المنظمة الوطنية الطلابية العريقة ذات القيادة اليسارية، “الاتحاد العام لطلبة تونس” والتضييق على نشاطها ومتابعة جميع قيادييها وسط صمت من وزير التربية والتعليم العالي آنذاك، الوجه الحقوقي واليساري الراديكالي في الستينات، وأستاذ القانون، الأستاذ محمّد الشرفي.

وبغاية السيطرة على الجامعة، صاغ بن علي برنامجا رسميا انخرطت فيه دواليب وأجهزة كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والحزب الحاكم، تمّ بموجبه تغليب “منظمة طلبة التجمّع” من الطلاّب الانتهازيّين والمتربّصين بجني المكاسب والذين تجمّعوا سنة 1988 وتمكنوا من السيطرة على بعض المجالس العلميّة المنتخبة للجامعات، ليحصلوا في سنة 2009 على نسبة 92.27 % من مقاعد ممثلي الطلبة في تلك المجالس. فما هي الطرق والوسائل التي استخدمها لبلوغ غايته تلك ؟

3) طرق ووسائل استقطاب عديدة والهدف واحد:

للوصول إلى مبتغاه وتحقيق أهدافه، استخدم زين العابدين بن علي كل الطّرق والوسائل المتاحة له والأخطر من ذلك فقد مسّت ظاهرة الولاء للحاكم عبر بثّ روح التكسّب والاستكانة والمحسوبية و“الوصوليّة”… بكل الطرق، هيئة التعليم في الجامعات التونسيّة الذين أصبحوا يعرضون خدماتهم على النظام سعيا للحصول على ترقيات إدارية وتسميات في مناصب ووظائف عليا في أجهزة الحزب والدولة في الداخل والخارج ومنح سفر وتعيينات على رأس قسم أو مؤسّسة جامعية أو ترخيص ببعث وحدة بحث أو مخبر علمي وعديد الامتيازات والحوافز الأدبية والماليّة: مكتب وسكرتيرة بالوزارة – سيارة بستائر ولوحة منجمية تحمل رقم 18 – سفرات إلى الخارج لتمثيل المؤسّسة التي يدرّس بها أو الوزارة – دعوة لحضور الاحتفال بيوم العلم أو باليوم الوطني للثقافة بالقصر الرئاسي بقرطاج…، وغيرها كثير.

وفي المقابل قام بن علي – عبر مستشاريه ووزرائه المتعاقبين على وزارة التعليم العالي – بتوظيف جميع هذه الخدمات المسداة لحشد الجامعيّين في صفّه بحثا عن دعم معنوي من الجامعة والجامعيّين لشرعيّة بالداخل أو لتلميع صورته بالخارج.

وكمؤشر دالّ على ذلك في الحملة التي نظمت سنة 2010 لمناشدة بن علي للترشّح للانتخابات الرئاسيّة لسنة 2014، أتى الأساتذة الجامعيّون في الرتبة الأولى قبل كلّ الفئات المهنيّة الأخرى وذاك بـ 277 مناشدا، أي بنسبة 15.59% من مجموع المناشدين كما سنبيّنه مفصّلا لاحقا ! وعلىصعيد آخر نجح بن علي في “توريط” الكثير من اليساريّين من خيرة الكفاءات التونسية في المجال ين الفني والإعلامي في منظومة امتيازات قِيل وكُتب عنها الكثير بعد ثورة الحرّية والكرامة، كان من بينهم جامعيّون كُثر.

أ) في الميدان الإعلامي:

لم يكتفِ بن علي بصُحفيّي “الواجهة الأمامية”، بل استعان بالبعض من أساتذتهم اللامعين من خيرة أساتذة معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتعيينهم كمستشارين له أو على رأس بعض الصّحف الحزبية ورؤساء ومديري دواوين وهياكل ومؤسّسات رسمية حزبية وإدارية وإعلامية وتربوية وجامعية بتونس وخارجها.

ورغم مآخذنا على الكتاب الأسود الصادر في نوفمبر 2013 ودوافع وظروف وخلفيّات نشره للعموم، فقد تضمّن قائمة تضمّنت تسعين إعلاميّا، قرابة العشرين منهم من الجامعيّين(27)، سنقتصر على ذكر ثمانية منهم فحسب، ممّن أشرفوا على إدارة مؤسّسات إعلامية رسمية، وعدم ذكر البقيّة ممّن تعاونوا بأشكال مختلفة مع النظام:

الاسم واللقب الصفة الخطة أو الوظيفة المسندة إليه والفترة

– ع.ح.ه(28) درّس بصفة عرضية بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. رئيس مدير عام لمؤسّسة الإذاعة والتلفزة واتحاد إذاعات الدول العربية – كاتب دولة مكلّف بالشؤون المغاربية والعربية والإفريقية (منذ 11 سبتمبر 2008).

– ر.م(29) أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. مدير ديوان وزير التعليم العالي (2005-2011).

– م.ح أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. مدير معهد الصّحافة وعلوم الأخبار (2002-2009).

– ف.ه(30) أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. مدير جريدة الحرّية – مدير وكالة الاتصال الخارجي – مدير مؤسّسة الإذاعة والتلفزة – كاتب دولة.

– أ.ح أستاذ الحضارة بكليّة الآداب والعلوم الانسانية بسوسة مدير جريدة الحرّية – مؤسّس وأوّل مدير لإذاعة تونس الثقافية (من ماي 2006 إلى غاية أوت 2007).

– ع.ج.ب. (31) أستاذ التاريخ المعاصر مدير جريدة الصّحافة.

– م.م(32) أستاذ اللغة والآداب الفرنسية مدير جريدة لابراس ومدير الإذاعات الوطنية.

– م.ف.ش أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. مدير مؤسّسة التلفزة الوطنية (من 30 جوان 2009 إلى 24 ديسمبر 2010).

– م.ع أستاذ التاريخ المعاصر مدير متحف التربية

وفي المقابل، لم يتورّع بن علي عن التنكيل بالبعض من أساتذة المعهد الأعلى للصّحافة وعلوم الأخبار من “الشرفاء” الذين ظلّوا يحاربونه بالقلم داخل تونس وخارجها على غرار الأستاذين العربي شويخة(33) وكمال العبيدي(34)…والقائمة تطول. ولنا أن نتساءل: كيف كانت حصيلة تلك السياسة والأساليب التي استخدمها بن علي تجاه “خُصومه” من المعارضين الشرسين لنظام الحكم وفي مقدمتهم اليساريّون ؟

يرى صاحب الدراسة سالفة الذكر أنّ بن علي استفاد من هذه السياسة الناعمة تجاه اليساريّين التائبين أيّما استفادة وذلك “بأنْ وَضَعَ لمعظمهم نياشين يعلّقها ‘ العهد الجديد’ على صدورهم تماما، كما فعل ببرهان بسيّس أو النوري بوزيد أو المنصف المزغنّي أو علي العبيدي أو الصغيّر أولاد أحمد… بكلمة أخرى، أصبحت النخبة اليسارية في تونس تَمَظْهُرًا آخر للدولة العميقة، خاصة أنّ فئة منهم اتخذوا الاتحاد ملجأ سياسيا في ظل تعددية كاذبة، وفي مقرّ الاتحاد يستقرّ جزء لا بأس به من الدولة العميقة…” (35). ونتيجة لتلك السياسة تحوّل معظم المثقّفين بمختلف حساسياتهم السياسية (من وجهة نظر صاحب هذه الدراسة) إلى “أعوان طيّعين” لبن علي ولنظامه.

لكن، يقيننا وخلافا لما ذهب إليه هذا الأخير في تحليله، إذا ما نجح بن علي في “تأمين” اليساريّين و“توريطهم” (على حد قوله)، فإنّه لا يمكن سحب هذه النتيجة وهذا النجاح على جميع اليساريّين والتقدميّين، فقد بقيت فئة لا يستهان بها، لا سيّما من الجامعيّين خارج هذه الدائرة ولم يتردّد العديد منهم في انتقاد زملائهم ومن ورائهم منظومة بن علي السياسية في المجالس الخاصة والعامة، لا سيّما في المنابر العلمية والأكاديمية المنتظمة في تونس وخاصة في الخارج، كما سنبيّنه لاحقا.ولم يكتف بن علي بـ “تطويع” و“ترويض” العديد من الجامعيّين المعارضين لنظام بورقيبة وجلبهم إلى صفّه، بل سعى جاهدا منذ مطلع التسعينات إلى استخدام كفاءاتهم العلمية والمعرفية في برامجه المستقبلية للبقاء أكثر ما يمكن في الحكم.

ب) تحويل بن علي عديد الجامعيّين إلى أعوان “طيّعين” في خدمة برامجه السياسية المستقبليّة: 

نظرا لحاجته الملحّة لرجال قانون في حملاته الانتخابية، والتشريعية والرئاسيّة الخمس لسنوات 1989 و1994 و1999 و2004 و2009 وبدرجة أقلّ الانتخابات البلدية، قام بن علي بـ “تطعيم” ودعم المجموعة الأولى من المثقفين والجامعيّين – وفي مقدمتهم وزير بورقيبة السابق، الأستاذ ع.ب.ض –، ممّن هلّلوا لوصوله إلى الحكم وإطاحته بنظام بورقيبة بمجموعة تقدمية – يسارية الأيديولوجيا والانتماء السياسي، سرعان ما اندمجت مع المنظومة الجديدة وتنكّرت لماضيها الناصع ونضالاتها السابقة ضد النظام البورقيبي خلال “سنوات الجمر”. بل أكثر من ذلك، سرعان ما أصبح البعض من المجموعة الجديدة “العقل المدبّر” لنظام بن علي و“دينامو” آلة حكمه والقلب النابض لجهاز رقابته. فكان بعضهم وراء تنقيح دستور البلاد مرارا وتكرارا على مقاس “حاكم قرطاج”، وكذلك وراء تكريس تبعيّة السلطتين القضائيّة والتشريعيّة للسلطة التنفيذيّة والقيام بعديد التجاوزات والخروقات لفائدة “سيّدة قرطاج” الأولى وأصهار بن علي وأقاربه وبطانته تمهيدا لانتقال الحكم لهم بعد تداول أنباء عن إصابة المخلوع بسرطان البروستات في سنة 2009. ويأتي في مقدمة هؤلاء خيرة أساتذة الجامعة التونسية في مجالي القانون الدستوري وعلم الاجتماع على غرار الأساتذة ع.ب.ض و ز.م و أ.ب.ع و أ.ع ….، ليصبحوا “أبواق دعاية” لنظام بن علي في الداخل والخارج.

وفي هذا الإطار كشف الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ومدير ديوان الرئيس محمّد المنصف المرزوقي، الأستاذ الجامعي عدنان منصر في الجزء الأول من “الكتاب الأسود” عن وجود مجموعة من الأساتذة الجامعيّين عملوا على تلميع صورة نظام المخلوع مقابل مبلغ زهيد (حوالي 200 دينارا شهريا) دون الكشف عن أسمائهم. لكنه وعد بالكشف عن أسمائهم كاملة في الجزء الثاني من الكتاب الأسود، الذي – وفق تصريحه – سيقع طبعه قريبا(36). وبقطع النظر عن كل ما قيل حول دوافع إصدار الكتاب الأسود ومصداقيّة العمليّة من عدمها ومدى صحّة المعلومات الواردة به…، فإنّ وجود عدد هام من الجامعيّين في هذا الكتاب وعرضهم لخدماتهم على بن علي ونظامه مقابل “فُتَاتِ” ومبالغ زهيدة تعتبر بمختلف المقاييس “معرّة” للجامعيّين والجامعة التونسية عموما في مطلع القرن الواحد والعشرين !

ج) توظيف الجامعيّين في الحياة الثقافية:

لا يوجد بلد في العالم يهيمن فيه الجامعيون على الحياة الثقافية، خصوصا في مجالها الأدبي والفكري مثلما هو الحال في تونس. فهم على رأس اللجان الخاصة بالجوائز الصغيرة والكبيرة، وهم المنظّمون للندوات والمهرجانات والمشرفون عليها والمستفيدون منها ماديا. وهم الذين يرأسون الوفود الثقافية الرسمية إلى الخارج، وهم الذين يمنحون شهادات الاستحسان لهذا الشاعر أو لهذا الكاتب أو لهذا الناقد أو ذاك… لذا كان العديد من هؤلاء يركضون وراء الجامعيّين الموجودين على رأس هذه الهياكل الثقافية حتى اللهاث وإليهم يتقربون ويتودّدون طمعا في الحصول على رضاهم والفوز بمباركتهم، إذ بدونهم يُهْمَلُونَ ويُهَمَّشُونَ، بل ويعاقبون(37)!

وشعورا منهم بنفوذهم وسطوتهم، أصبح الجامعيّون يتصرّفون وكأنّ الكتّاب والشعراء والنقّاد طلبة في أقسام اللغة العربية في الكليات التي يدرّسون فيها. كما أنهم يتعاملون مع وزارة الثقافة كما لو أنها ملك خاصّ بهم وحدهم فيها يسرحون ويمرحون مثلما يحبون ويشتهون وبأحكامهم يحكمون، فلا يستطيع أن يفلت من قبضتهم أحد إلا من تمكن من التحليق بعيدا عن عالمهم الضيّق القاتم(38)

وللتأكّد ممّا ذكرنا، يكفي أن نعود إلى الندوات والنشاطات الثقافية والفكرية التي شهدتها تونس خلال السنوات القليلة الماضية. ففي تلك التي انتظمت بمناسبة مئوية كل من الشابي وعلي الدوعاجي ومصطفى خريّف والمسعدي وغيرهم…، كان الجامعيّون مهيمنين بامتياز، فهمّشوا من لا ينتمي إلى محيطهم وأقصوا من لا يستسيغ خطابهم الأكاديمي “المحنّط” الذي كانوا يكرّرونه في كل المناسبات تقريبا مع بعض التعديلات الطفيفة(39).

ففي الندوات التي خصّصت للمسعدي في مئويته، حرص الأستاذ م.ط، المشرف على فعاليّاتها، على دعوة طلبته القدماء على الطريقة الماسونية، مبعدا عنها كل المبدعين الذين يرتبطون بعلاقة متينة وحميميّة من غير الجامعيّين مع صاحب “حدّث أبو هريرة قال”. وهذا ما فعله في الندوة الكبيرة التي انتظمت في بيت الحكمة والتي كانت هزيلة ومملّة وكئيبة كما لو أنها جنازة جديدة للمسعدي عقب مرور ستة أعوام على رحيله. وهذا ما حدا بالأستاذ م.ط إلى الدعوة بحصر منح الجوائز الخاصة بالرواية إلا لمن يكتبونها من الجامعيّين. وهذا يفسّر حصول أغلب طلبة وأصدقاء م. ط والمقرّبين منه على جائزة “كومار” على سبيل المثال لا الحصر. وبالنسبة لجائزة أبي القاسم الشابي في دوراتها الخاصة بالرواية، فلم تُمنح إلاّ لتونسي واحد هو الراحل رضوان الكوني. أمّا في بقية دوراتها فقد كانت من نصيب كتّاب مشارقة. وهذا أمر متعمّد أيضا.

كما حصل نفس الشيء في مهرجان القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية سنة 2009 الذي أسندت مهمّة الإشراف عليه إلى الجامعي والباحث الأكاديمي في اللغة والحضارة العربية وابن القيروان، الأستاذ م.ك. وقيل الكثير آنذاك على منابر الصحف ومواقع النات حول التجاوزات على مستوى التصرّف في الميزانية المخصّصة لهذه التظاهرة الدولية الكبرى. أمّا مدير مركز البحوث والدراسات حول الحضارات والأديان المقارنة بسوسة والأستاذ بكلية الآداب بسوسة، م. ب.هـ، الذي حاضر بقصر قرطاج عشيّة يوم 06 سبتمبر 2010 حول “منزلة الشباب في الإسلام” بمناسبة ختم الحديث النبوي وإحياء ليلة القدر(40). ومن الجامعيّات من تطوّعت لكتابة خطب سيّدة تونس الأولى جزاء تعيينها مديرة لمؤسّسة تعليم عالي في سنة 2003 ثمّ مديرة للمكتبة الوطنية التي استقالت من إدارتها في 14 جوان 2011، نتيجة كثرة الانتقادات التي تعرّضت لها بعد 14 جانفي 2011 ! 

ولم تشذّ الموسيقى والمهرجانات الموسيقية عن هذه القاعدة. فقد احتكر عدد قليل من الجامعيّين الموالين للنظام المناصب الإدارية كمديرين ومديري أقسام بالمؤسّسات التي لا تخضع للانتخاب ورؤساء للمهرجانات الوطنية والدولية ورؤساء لجان تحكيم… فعلى سبيل المثال يمكن ذكر كل من: م. ز.ع، الذي أدار المعهد العالي للموسيقى بتونس والمعهد العالي للموسيقى بسوسة وأسندت له مهمّة الإشراف على مدينة الثقافة بالعاصمة، التي لعديد الأسباب لم تكتمل أشغالها إلى غاية اليوم. ويكفي أن نقرأ ما كتبه عن بن علي في الصّحف الوطنية وفي مقدمتها جريدة “لا براس” اليوميّة، لنفهم سرّ هذا التواصل ! يُضاف إلى ذلك مساهمة بعض الجامعيّين في التلاعب بنتائج المناظرات الوطنية التي كان يجتازها سنويا عشرات الآلاف من حاملي الشهادات العليا، وفي مقدمتها مناظرة “الكاباس” أو مناظرة انتداب الأساتذة والمعلّمين في التعليم الثانوي والابتدائي ومناظرة “الكابا”C.A.P.A“الخاصّة بمهنة المحاماة و مناظرة القضاء، وذلك قبل إحداث المعهد الأعلى للمحاماة و المعهد الأعلى للقضاء لتكوين المحامين والقضاة…

د) الجامعيّون على رأس المناصب والوظائف الإدارية والدبلوماسية السامية:

لا نحتاج لمجهود كبير لحصر عدد الجامعيّين على رأس المؤسّسات الجامعية ومراكز البحث العلمي غير المنتخبة التي كانت تتمّ بموجب قرارات تعيين صادرة عن وزراء التعليم العالي والتربية القومية والفلاحة والصحّة العمومية…، لأنّ قاعدة الانتماء والولاء للحزب الحاكم أمران مفروغ منهما. لكن ما يُلفت الانتباه هو أنّ عمليات الاستقطاب للمناصب والخطط العليا في الإدارة التونسية قد استهدفت عشرات، إن لم نقل مئات الجامعيّين وأسالت لعاب الكثيرين منهم. ومن بين هذه الخطط يمكن أن نذكر: الولاّة (ويأتي في مقدمتهم الأستاذ ع.ش، أستاذ الكيمياء بالمدرسة القومية للمهندسين بقابس، الذي عُيّن واليا على المنستير – من 5 فيفري 1988 إلى غاية 25 جويلية 1995 – وكانت مهمّته الأساسية حراسة الرئيس بورقيبة في سجنه الأخير)، والكتّاب العامين للجان التنسيق الحزبي، الأمناء العامّين والأمناء العامين المساعدون للتجمّع الدستوري الديمقراطي، القناصل والسفراء، وعلى رأس المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية…، وغيرها من الخطط والمناصب العليا بتونس وبالخارج.

وبما أنّ قائمة الجامعيّين الذين عيّنوا في مثل هذه المناصب على امتداد 23 سنة طويلة ولا حصر لها، فإنّنا سنكتفي بالبعض منهم على سبيل الذكر لا الحصر:

الاسم واللقب الصفة/الرتبة الخطّة أو الوظيفة المسندة إليه

– ن.د أستاذ تعليم عال. مدير ديوان وزير التعليم العالي/ مدير عام للتعليم العالي.

-م.م أستاذ تعليم عال. مدير المركز الوطني للترجمة.

– م.ز أستاذ. مدير الوكالة الوطنية للاتصال الخارجي.

– ع..ب.ح أستاذ تعليم عال. مدير المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة).

– ح.ب.ع أستاذ تعليم عال. وزير تربية/سفير/رئيس المنظمة التونسية للتربية والأسرة/منسّق عام للبرنامج الوطني لتعليم الكبار.

– ص.ق أستاذ تعليم عال. رئيس جامعة/كاتب دولة/وزير/سفير.

هـ) الجامعيّون في مقدمة المحاضرين حول”عبقريّة“بن علي و مزايا نظامه:

عديدون هم الجامعيّون الذين حاضروا حول شخصيّة بن علي وعبقريّته الفذّة وفضائل العهد الجديد على تونس والتونسيّين… في المناسبات الوطنية كالاحتفال بالأعياد والمحطات الوطنية البارزة في تاريخ تونس: عيد الاستقلال في 20 مارس 1956، ذكرى أحداث 9 أفريل 1938، ذكرى صدور مجلّة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956، ذكرى الجلاء عن بنزرت في 15 أكتوبر 1963…، والاحتفال بالمناسبات الدولية وفي مقدمتها صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 وخاصّة بمناسبة الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية كل خمس سنوات.

استطاع النظام استقطاب أحد أساطين الفلسفة في الجامعة التونسية، الأستاذ م.م الذي أسندت له دار الترجمة وتحوّل إلى محاضر بامتياز حول شخصيّة الرئيس بن علي، قبيل وإبّان حملاته الانتخابية الرئاسية. لم يشذّ عدد من الجامعيّين داخل البلاد عن نموذج الأستاذ م.م حيث تحوّل بعضهم إلى محاضرين في دُور التجمّع ودُور الثقافة… أو إلى محاضرين، إمّا للتنديد بالاسلاميّين والأصوليّة أو بالعنف والتطرّف الديني والإرهاب في أعقاب أحداث باب سويقة وسليمان…، أو للتعريف ببرامج التجمّع وبن علي في الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية في 2004 و 2009 ومنسّقين رسميّين بين رئاسة الجمهورية و الولايات الراجعين إليها بالنظر في الانتخابية الرئاسية أو بمناسبة إحياء يوم العلم أو يوم الثقافة…، وغيرها من التظاهرات والاحتفالات الكبرى. ولا يمكننا إحصاء كلّ الجامعيّين الذين تطوّعوا أو شاركوا من قريب أو بعيد في مثل هذه المناسبات نظرا لضيق المجال، لكن الأكيد أنهم كانوا بالعشرات، إن لم نقل بالمئات، لذا سنكتفي بذكر البعض منهم – رغم احترامنا الفائق لهم ولكفاءاتهم العالية في مجال اختصصاهم -، وهم الأساتذة: ع.ش و م.ك و ح.ف…، بجهة الساحل والأستاذ ح.ب بجهة الشمال الغربي وغيرهم كثيرون ! 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نورد مقتطفات من المحاضرة التي ألقاها الدكتور م.م بالقصر الرئاسي بقرطاج أمام الرئيس المخلوع يوم 10 ديسمبر 2004 بمناسبة احتفال تونس بالذكرى 56 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

حملت المحاضرة عنوان:” حقوق الانسان والأخلاقيات “. وبعد مقدمة نظرية انتقل المحاضر إلى ما يعتبره البعض إدانة له بعد 14 جانفي 2011 قائلا:

”… ولكن اعتزاز تونس بعناصر هويّتها الخالدة، تلك التي تطاول بها الكونية التأسيسية لكل تشريع، قد دفعها إلى إثراء هذه المرجعية العامة والمشتركة بأنفس ما لديها من القيم الذاتية الراسخة في صميم كيانها الروحي لذلك فإن تعديل الدستور الذي استَفْتَيْتُمْ فيه الشّعب يا سيادة الرئيس في ماي 2002 قد أضاف إلى مبادئ الاخلاقية الكونية العامة أنّ الدولة التونسية تعمل على ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح بين الأفراد والفئات والأجيال “(41).

وكما هو ملاحظ فإنّ الاستفتاء الشعبي – كما يسمّيه الدكتور م.م – والذي تمّ على إثره تنقيح الدستور في فصله الخامس، نصّ فيما نصّ، على تشريع مدتين نيابيتين جديدتين للرئيس وحمايته هو وعائلته من كل مساءلة وقد ندّدت بهذا التنقيح للدستور عديد الأحزاب المعارضة وعدد كبير من الحقوقيّين المقيمين خارج تونس ويضيف الدكتور م.م في ذات السياق:

” إنّ المقاربة التونسية لمبادئ حقوق الإنسان التي قامت على أساس كونيّة هذه المبادئ وشموليتها وترابطها والتي ترفض التمييز بين تلك الحقوق، إنما تتفاعل بنفس الروح مع مبادئ الأخلاقيات (…). فلعلّ في ذلك بعض ما يشير إليه العنوان الذي اخترتموه لبرنامجكم الانتخابي‘ تونس الغد’ فشكرا يا سيادة الرئيس.“(42).

كما جاء في نفس المحاضرة:” … سيادة الرئيس الموقّر إنّ المرجعيّة التي تحدّد أخلاقية التشريع في تونس تتسم بجملة من الخاصيات جمعت شمول الرؤية إلى أصالة المنهل وحداثة التوجه وانسجام العناصر. فلا شك أنّ ديننا الإسلامي الحنيف بما يحتويه من القيم الكونية المعلية من شأن النفس الإنسانية يمثّل إحدى هذه المرجعيات التي ما انفك العهد الجديد يستلهمها في نسق الأخلاقيات التي يؤسّس عليها تشريعاته… ”(43)

ويواصل المحاضر قائلا: “… ولكن بذلك اضطلع العهد الجديد اضطلاع الانجاز والفعل بعد أن أدرك أنّ معنى الحرّية ليس استقلالا عن الطغيان الأجنبي إلاّ ليكون لتوّه تحرّرا من قيود الضرورة والفقر ومن غمامات التعصّب والدغمائية وأنّ تحقيق كرامة الإنسان في كل مجالات وجوده رهين رؤية شمولية ناجعة لا تريد رفع الحرج بإقرار حقوق صوريّة اسمية فإنّ الحقّ الحقيقي قدرة جماعية على ممارسة الحقّ ومغادرة لِدَرْكِ الضرورة التي تحوّل الحقوق إلى إمكانات جوفاء. لقد وضع العهد الجديد في صياغته لمشروعه عناصر رؤية منسجمة ائتلفت من تلك الرؤى المتعاقبة وصهرتها ضمن تصور حريص على الحاضر متلّفت صوب المستقبل غير زاهد في الماضي…” (44).

بكلّ هذا المديح تواطأ السيّد م.م الحاكم بأمره في قسم الفلسفة بالجامعة التونسية مع نظام الاستبداد وساهم في مغالطة الرأي العام الداخلي والدولي حول واقع حقوق الإنسان في تونس في عهد المخلوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-قُدّمت هذه الورقة في أشغال الندوة الدولية التي نظّمها المعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الانسانية بتونس خلال يومي 12 و 13 أفريل 2013 بعنوان: “الثقافة والالتزام”. وقد تولى الزميل خميّس العرفاوي الإعداد لها ثمّ التنسيق وجمع الورقات ونشرها. لكنّ مديرة المعهد وبحجّة “وجود خطأ مطبعيّ فادح” قامت بحجب الكتاب بعد صدوره و تسلّم البعض من المتدخلين لنسخهم. وفي يوم الاثنين 25 جانفي 2016 دعت إلى عقد مجلس علمي للمؤسّسة تولى اتخاذ قرار بحجب الكتاب ومحاكمة الورقات الواردة به وفي مقدمتهم هذه الورقة رغم حضور المديرة لأشغال الندوة واطلاعها على مضمون الكتاب الذي بقي على مكتب الكاتب العام للمؤسّسة أكثر من سنة قبل أن تقوم بإرساله إلى المطبعة والتأشير على سحبه. وهكذا عادت “محاكم تفتيش” والرقابة على الحرّيات الأكاديمية إلى الانتصاب في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 لتصادر كتابات أصحاب الأقلام الحرّة غير المتماهين مع أفكار وقناعات زملائهم القائمين على شؤون الجامعة ببلادنا !

2-تصريح ورد في مقال سالم أبي لبابة، “النخبة” التونسية نكبة حقيقيّة على الديمقراطيّة، نُشِرَ على موقع الفجر نيوز ليوم 02 أوت 2012. 3-أنطونيو غرامشي، قضايا الماديّة التاريخيّة، ترجمة وتحقيق فوّاز طرابلسي (عن الفرنسيّة)، دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1971.

4-المرجع السابق.

5- إدوارد سعيد، المثقّف والسلطة، نيو يورك، 1994. (بالانجليزية): ترجمة محمّد عناني، دار رؤية للنشر و التوزيع، القاهرة، 2006، صفحة 205.

6- أنطونيو غرامشي، دفاتر السّجن، نيورك، 1971، 483 صفحة (بالانجليزيّة)، ترجمة عادل غنيم، دار المستقبل العربي، القاهرة 1994:

7-Albert Gauvin, Gramsci, in, tel quel, 19 avril 2012.

8-Julien Benda, La Trahison des clercs, Éditions Grasset, Paris, 1927. Ouvrage réédité en 1946 avec une longue préface de l’auteur. Cf., la dernière édition : Les Éditions Grasset, 2003, 334 pages.

9-المرجع السابق، ص 51.

10 Jonathan Mason, Interculutral Studies and the Personalisation of «the other», Cross-cultural dialogue, Tunisia 2010.

11- المرجع السابق.

12 إبراهيم بيضون، الجامعيّون وضرورة الوعي السياسي، موقع اسلام تايمز، 28 جانفي 2012.

13 المرجع السابق.

14 المرجع نفسه.

15 لمزيد التفاصيل حول دور النخبة التونسية طيلة الفترة الاستعمارية، انظر أطروحتنا: النخبة العصرية التونسية: طلبة الجامعات الفرنسية (1880-1956)، منشورات كليّة الآداب والعلوم الانسانية بسوسة و دار الميزان للنشر، سوسة 2006، (طبعة مخفّفة) 826 صفحة.

16 عمّار بلحسن، أنتلجنسيا أم مثقّفون في الجزائر ؟، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1986، ص 178.

17نشير إلى أنّ الأستاذ الهادي التيمومي يستعمل عبارة “الاستبداد الناعم” لوصف دكتاتورية بن علي في كتابه: خدعة الاستبداد الناعم في تونس، 23 سنة من حكم بن علي، دار محمّد علي الحامي للنشر، صفاقس 2012، 249 صفحة. وقد حصل مؤلفه هذا على جائزة “المدينة” المسداة من قبل مجمع بولينا لسنة 2012.

18 تمّ إمضاء وثيقة “الميثاق الوطني” يوم 7 نوفمبر 1988 في حفل “بهيج” انتظم بالقصر الرئاسي بقرطاج من قبل الأحزاب المعترف بها رسمياً آنذاك وهي: الحزب الشيوعي التونسي، حركة الديمقراطيّين الاشتراكيّين، حزب الوحدة الشعبية، التجمّع الاشتراكي التقدمي، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، والحزب الاجتماعي للتقدّم “، و نقابيون، وممثلو حركة الاتجاه الاسلامي من جهة، وعبد الرحيم الزاوري، الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم من جهة ثانية. وبقطع النظر عن الأفكار الواردة في نص الميثاق الوطني فهو يندرج في نطاق مفاهمات بين الأطراف الممضية تهدف إلى تشريع الانقلاب ومنح بن علي صكّ على بياض لتكريس الحكم الفردي مقابل الحصول على بعض المغانم.

19 ع.ت: من مواليد قفصة في 30 مارس 1943، سياسي تونسي ومؤسّس الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وأمينه العام فيما بين 1988 و 2003. ينتمي إلى عائلة وطنية إذ أن والده هو المناضل الوطني والنقابي أحمد التليلي. نشط في فترة شبابه في اليسار الطالبي بفرنسا حيث أسّس منظمة راديكالية تسمى”تونس الحمراء“، فأطرد من فرنسا إبان أحداث ماي 1968. تقرّب في بداية الثمانينات من السلطة التي كانت تسعى إلى إيجاد قيادة بديلة للاتحاد العام التونسي للشغل، كما ربطته في ذلك الوقت علاقة جيّدة بالزعيم الليبي معمّر القذافي. سمّي على رأس عدد من المؤسّسات الحكومية الكبرى، أولها الديوان الوطني للزيت وآخرها ديوان الطيران المدني، قبل أن تتمّ إقالته في 21 أوت 2003. انتمى إلى حزب التجمّع الحاكم، حيث أصبح عضوا في لجنته المركزية إلى سنة 1988. وبإيعاز من بن علي تفرّغ لتأسيس حزب”الاتحاد الديمقراطي الوحدوي“المعارض الذي حصل على تأشيرة العمل القانوني، بعد أيام من تقديم مطلب في ذلك. وفي سنة 1999 ترشح للانتخابات الرئاسية ليحصل على 0.23 % من جملة أصوات الناخبين مقابل 0.31% لمحمّد بلحاج عمر (مرشّح حزب الوحدة الشعبية) و 99.46 % للرئيس زين العابدين بن علي. وفي 3 جوان 2003، انتحرت زوجته سلوى التليلي بإلقاء نفسها من الطابق الأول لمطار تونس قرطاج الدولي مباشرة بعد مغادرتها لمكتبه. وفي 28 أوت 2003 تعرّض إلى اعتداء عنيف في منطقة المنزه. وقد أكّد التليلي أنّ أعوانا لوزارة الداخلية يقفون وراءه. وإثر هذا الاعتداء تمّ سجنه بتهمة الفساد لتنتهي مسيرته السياسية. وفي سنة 2004 حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عشر سنوات وخطيّة ماليّة بـ 42.7 مليون دينار (أي ما بين 30 و 35 مليون دولار أمريكي). وفي جويلية 2004 وجانفي 2008 شنّ إضرابين عن الطعام احتجاجا على ظروف اعتقاله.

20هانيبال فرحات، الثورة الخفيفة… الدولة العميقة وضع اليد على تونس بقفازات يسارية (الجزء 3)، موقع باب بنات الالكتروني، بتاريخ 27 أوت 2013.

21 المرجع السابق.

22 لمعرفة أهداف هذه الخطة، ملامحها وآلياتها ونتائجها…، انظر: فتحي نصري، تونس :” خطّة تجفيف المنابع” و الحصاد الـمرّ،مجلّة نواة الالكترونية، 08 جانفي 2007.

23 المرجع نفسه.

24 المرجع نفسه.

25المرجع نفسه.

26 الهادي التيمومي، خدعة الاستبداد الناعم في تونس، 23 سنة من حكم بن علي، مرجع مذكور.

27 المرجع السابق.

28 لمزيد التفاصيل حول الإعلاميّين والإعلام زمن بن علي، انظر: جماعي، صحافيّون تونسيّون في مواجهة الدكتاتورية ثلاث وعشرون سنة من القمع والتضليل، تونس 2013. منظومة الدعاية تحت حكم بن علي: الكتاب الأسود، تونس 2013، ص ص 73-118.

29 ع.ح.هـ: ولد في 17 ماى 1954 بالقيروان. متحصّل على الأستاذية في اللغة والآداب الفرنسية وعلى ديبلوم في الأدب المقارن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس. بدأ حياته المهنية سنة 1976 صحفيّا بوكالة تونس إفريقيا للأنباء وتحمّل مسؤوليات في مصالح تحريرها. من مؤلفاته: الشباب في فكر بن علي، (بالاشتراك مع سالم اللبّان و محمّد الهادي عيسى…)، التجمّع الدستوري الديمقراطي، سنباكت، تونس 2003، 186 صفحة. وشغل خطة رئيس مدير عام للإذاعة والتلفزة واتحاد اذاعات الدول العربية. عيّنه زين العابدين بن علي في 11 سبتمبر 2008 كاتب دولة مكلّف بالشؤون المغاربية والعربية والإفريقية.

30 ر.م: أستاذ جامعي متحصّل على شهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من جامعة السربون. اضطلع بخطط سامية في مجال تخصّصه. عضو في العديد من الهياكل الوطنية والدولية في مجال الاعلام والاتصال وله العديد من البحوث والمؤلفات في هذا الميدان من أهمّها كتاب: مجتمع المعلومات والتنمية: أيّة علاقة ؟، مركز النشر الجامعي، تونس 2006، 692 صفحة.

31ف.هـ: من مواليد سنة 1944 زاول دراسته العليا بجامعة السربون حيث تحصّل على الأستاذية في الآداب والحضارة الفرنسية ثمّ الدكتوراه في علوم الاتصال بجامعة باريس 2. شغل خطّة أستاذ مساعد بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار منذ سنة 1974. شغل منصب مدير عام لمؤسّسة الإذاعة والتلفزة (بين 1988 و 1989) ثمّ مدير جريدة الحرّية ومدير وكالة الاتصال الخارجي (بين 1989 و 1991) فكاتب دولة لدى الوزير الأول مكلّف بالإعلام منذ أوت 1991 فمدير ثانية لمؤسّسة الإذاعة والتلفزة برتبة وزير (بين 1997 و 2000) وأخيرا سفيرا لتونس ببيروت (بين 2000 و 2002). ومنذ ديسمبر 2002 التحق بالقطاع الخاصّ كمدير لمجلس إدارة”أوراسكوم تونزيانا“ثمّ لمجلس إدارة”قناة نسمة“منذ ماي 2008 وإلى غاية اليوم.

32ع.ب.ق: من مواليد سنة 1956 بالقيروان، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية منذ سنة 1990. تولّى لمدّة ثلاث سنوات إدارة المعهد العالي لتكوين المعلّمين بسبيطلة (2004-2007) وإدارة جريدة الصّحافة اليومية ورئاسة تحريرها من 2007 إلى جويلية .2010 مجال اختصاصه تاريخ تونس السياسي والاجتماعي أثناء الحكم البورقيبي (19561987-) وتاريخ اليسار التونسي. وله دراسات جامعية و مقالات و إصدارات في الموضوع من أهمّها:” من تاريخ اليسار التونسي: حركة آفاق “… و خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي كانت له مشاركة متميّزة في جلّ الملتقيات والمنابر السياسية التي كانت تنظمها مؤسّسة التلفزة أو الاذاعة الوطنيَّتَيْنِ باسم”ممثّل عن المجتمع المدني“. وفي جميع مداخلاته، لم يتردّد في الدفاع عن بن علي و”خياراته الصائبة“… وحاليا يشغل خطّة باحث بمعهد تاريخ تونس المعاصر (المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية سابقا) بجامعة منوبة. نشر بعد 14 جانفي 2011 عدّة دراسات متماهية مع الثورة من بينها:” المجلس القومي التأسيسي التونسي، الولادة العسيرة لدستور جوان 1959 “. و” فصول من تاريخ اليسار التونسي “و” النظام البورقيبي: الصعود والانحدار “.

33م.م: ولد في 24 مارس 1950 بمدينة صيادة من ولاية المنستير وهو متحصل على الإجازة في اللغة والآداب الفرنسية من جامعة تونس سنة 1976 وعلى شهادة التعمق في البحث من جامعة بوردو سنة 1980 وعلى دكتوراه المرحلة الثالثة من جامعة باريس 3. بدأ مسيرته المهنية كمعلّم فأستاذ في المعاهد الثانوية ثم أستاذ محاضر في اللغة والآداب والحضارة الفرنسية والفرنكوفونية. عين: أول مدير للمعهد العالي للغات المطبقة في الأعمال والسياحة بالمكنين قبل أن يصبح مديرا لقناة 21 التلفزية وهي الخطة التي شغلها الى حين تسميته رئيسا مديرا عاما لمؤسسة الإذاعة الوطنية في اكتوبر 2007. وهو خرّيج الاكاديمية السياسية للتجمع وناشط به. عُيّن منسقا للحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس زين العابدين بن علي في ولاية المنستير سنة 1999.

34 العربي شويخة: من مواليد 13 ديسمبر 1952 بتونس العاصمة. أستاذ الإعلام والاتصال بمعهد الصّحافة وعلوم الأخبار بتونس وعضو سابق بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. تعرّض إلى عديد المضايقات من قبل نظام بن علي من أهمها تعطيل ملفّ تأهيله الجامعي إلى رتبة أستاذ محاضر بمعهد الصحافة من قبل زملائه المحسوبين على نظام بن علي، الأمر الذي اضطرّه إلى القيام بتأهيله الجامعي في فرنسا. عُيّن بعد ثورة الحرية والكرامة في 27 فيفري 2011 عضوا بالهيئة الوطنية المستقلّة لإصلاح الإعلام والاتصال ثمّ عضوا باللجنة المستقلة للانتخابات التي أشرفت على انتخابات 23 أكتوبر 2011.

35كمال العبيدي: من مواليد 04 جوان 1949 بمدينة بُوحْجَرْ (بالساحل التونسي). متحصّل على الأستاذية في الصحافة من معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس في سنة 1975 وعلى الأستاذية في اللغة والآداب الانجليزية من كلية الآداب والعلوم الانسانية بتونس في سنة 1976 وعلى شهادة الدراسات المعمقة في علوم الاتصال من جامعة باريس 2. التحق منذ سنة 1978 بوكالة تونس إفريقيا للأنباء. لكن سرعان ما تمّ تجميد نشاطه بسبب رفضه المشاركة في الحملة الإعلامية الرسمية ضد الاتحاد العام التونسي للشغل إثر أحداث 26 جانفي 1978 ليتمّ طرده نهائيا من الوكالة في سنة 1981 (بعد ثلاث سنوات من العمل بها) بحجّة عدم كفاءته خلال فترة التربّص. وقد اضطرّه ذلك إلى العمل كصحفي حرّ بعديد الصّحف الخاصة. وفي سنة 1994 مُنع من ممارسة مهنته كمراسل لجريدة”لا كروا “La Croix” الفرنسية و “الوكالة الدوليّة للصحافة”U.I.P“بسبب معاداته لنظام 7 نوفمبر. وبين 1995 و1996 ترأس فرع تونس لمنظمة العفو الدولية ودافع من داخلها على العديد من الصحفيّين والناشطين الحقوقيّين التونسيّين المعارضين لبن علي. نتيجة المضايقات التي تعرّض لها، اضطرّ إلى مغادرة البلاد للاستقرار بالقاهرة حيث عُيّن ممثلا للهيئة الدولية لحماية الصحفيّين”C.P.J“بإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي سنة 2005 عُيّن مستشارا لهذه المنظّمة بواشنطن بالولايات المتحدة إلى غاية نهاية سنة 2010. و إثر عودته إلى تونس بعد ثورة الحرية والكرامة عُيّن في 27 فيفري2011 رئيسا للهيئة الوطنية المستقلّة لإصلاح الإعلام والاتصال.

36 المرجع نفسه.

37 عدنان منصر: نسخة ثانية من الكتاب الأسود تكشف أسماء أساتذة جامعيّين، جريدة أخبار الجمهورية ليوم الثلاثاء 03 ديسمبر 2013.

38 الضاوي خوالديّة، تونس وعواصف الحرّية: حصائد الاغتراب والتغريب.. نخب تونسية!، موقع منتديات التاريخ الالكتروني، ديسمبر 2011.

39المرجع السابق.

40 المرجع نفسه.

41 انظر نصّ المحاضرة في الصّحف الصادرة يوم 07 سبتمبر 2010 والتسجيل الكامل بالصورة والصوت لها على مواقع النات.

42 انظر النصّ الكامل للمحاضرة في الصّحف اليوميّة الصادرة يوم 11 ديسمبر 2004.

43 العربي السنوسي، محمّد محجوب على رأس بيت الحكمة المآخذ… وأسباب الإدانة، جريدة الصّحافة ليوم 16 أفريل 2011.

44المرجع السابق.

المصدر: https://www.alawan.org/2016/01/27/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك