مذبحة دير ياسين بشهادات مرتكبيها

 

مذبحة دير ياسين في قرية دير ياسين، التي تقع غربي القدس في 9 نيسان/ أبريل عام 1948 على يد الجماعتين الصهيونيتين: أرجون وشتيرن. أي بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين. وراح ضحية هذه المذبحة أعداد كبيرة من السكان لهذه القرية من الأطفال، وكبار السن والنساء والشباب.

الواقع أن عدد من ذهب ضحية هذه المذبحة مختلف عليه، إذ تذكر المصادر العربية والفلسطينية أن ما بين 250 إلى 360 ضحية تم قتلها، بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 109 قتلى. كانت مذبحة دير ياسين عاملاً مهمّاً في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين.

حرب الطرق

ولعلّها الشعرة التي قسمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948. وأضافت المذبحة حِقداً إضافياً على الحقد الموجود أصلاً بين العرب والإسرائيليين. فقد تنامت الكراهية والأحقاد بين الفلسطينيين واليهود في عام 1948، واشتعلت الأحقاد بعد قرار بريطانيا سحب قواتها من فلسطين مما ترك حالة من عدم الاستقرار في فلسطين.

لقد اشتعلت الصراعات المسلحة بين العرب واليهود بحلول ربيع 1948 عندما قام جيش التحرير العربي والمؤلّف من الفلسطينيين ومتطوعين من مختلف البلدان العربية على تشكيل هجمات على الطرق الرابطة بين المستوطنات اليهودية وقد سمّيت تلك الحرب بحرب الطرق، حيث أحرز العرب تقدّماً في قطع الطريق الرئيسي بين مدينة تل أبيب وغرب القدس مما ترك 16% من جُل اليهود في فلسطين في حالة حصار.

هنا قرر اليهود تشكيل هجوم مضاد للهجوم العربي على الطرقات الرئيسية فقامت عصابة شتيرن والأرجون بالهجوم على قرية دير ياسين على اعتبار أن القرية صغيرة ومن الممكن السيطرة عليها مما سيعمل على رفع الروح المعنوية اليهودية بعد خيبة أمل اليهود من التقدم العربي على الطرق الرئيسية اليهودية.

عصابة شتيرن والأرجون

يذكر كارل صباغ في كتابه (فلسطين: تاريخ شخصي) بعض الحقائق عن قرية دير ياسين في تلك المرحلة التاريخية فيقول: “قرية دير ياسين من القرى الصغيرة على أطراف القدس ولم يكن لها أي شأن في حركة المقاومة ضد اليهود، حتى أن كبراء القرية رفضوا طلب المتطوعين العرب بالاستعانة برجال القرية لمحاربة اليهود، كما منعوهم من استخدام القرية لمهاجمة قاعدة يهودية قربها، فرد المتطوعون العرب بقتل رؤوس الماشية فيها. بل إنها وقعت على اتفاق للالتزام بالسلم وعدم العدوان مع جيرانهم من اليهود.

فما الذي كان يلزمهم فعله ليثبتوا لليهود صدق نواياهم في الرغبة بالسلم والأمن؟ كان الحكم في نهاية المطاف يشير إلى أنهم عرب، يعيشون في أرض أرادها اليهود لأنفسهم”.

هنا قامت عناصر من منظمتي (الأرجون وشتيرن) بشن هجوم على قرية دير ياسين قرابة الساعة الثالثة فجراً، وتوقع المهاجمون أن يفزع الأهالي من الهجوم ويبادروا إلى الفرار من القرية. وهو السبب الرئيسي من الهجوم، كي يتسنّى لليهود الاستيلاء على القرية.

انقضّ المهاجمون اليهود تسبقهم سيارة مصفّحة على القرية وفوجيء المهاجمون بنيران القرويين التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود 4 من القتلى و32 جرحى. طلب بعد ذلك المهاجمون المساعدة من قيادة الهاجاناه في القدس وجاءت التعزيزات، وتمكّن المهاجمون من استعادة جرحاهم وفتح الأعيرة النارية على القرويين دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة.

حرب إعلامية عربية يهودية

ولم تكتف العناصر اليهودية المسلحة من إراقة الدماء في القرية، بل أخذوا عدداً من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين وتم انتهاك جميع المواثيق والأعراف الدولية حيث جرت أبشع أنواع التعذيب.

لقد روى مراسل صحفي عاصر المذبحة: “إنه شئ تأنف الوحوش نفسها ارتكابه لقد اتو بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثم انتهوا منها وبدأو تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها في النار”. واتفق الكثير من الصحفيين الذين تمكّنوا من تغطية مذبحة دير ياسين أن عدد القتلى وصل إلى 254 من القرويين.

ومذبحة دير ياسين تُعدّ من الأحداث القليلة التي تلتقي فيها الرغبة العربية واليهودية على الارتفاع في عدد القتلى فمن الجانب العربي، ارتفاع عدد القتلى سيؤثر في النظرة الإنجليزية لليهود تأثيراً سلبيا ومن الجانب اليهودي، سيقوم العدد الكبير لقتلى المذبحة على إخافة القرى العربية الأخرى ويعمل على تهجيرها طوعاً بدون جهد يهودي.

النتيجة تزايدت الحرب الإعلامية العربية اليهودية بعد مذبحة دير ياسين وتزايدت الهجرة الفلسطينية إلى البلدان العربية المجاورة نتيجة الرعب الذي دبّ في نفوس الفلسطينيين من أحداث المذبحة، وعملت بشاعة المذبحة على تأليب الرأي العام العربي وتشكيل الجيش الذي خاض حرب الـ 1948.

“ليحي” “إيتسيل” و “هاغانا”

سيظل شهر نيسان/ أبريل، شاهدًا على حجم الجرائم، التي ارتكبتها قوات الاحتلال، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، في رام الله ونابلس ومخيم جنين، وكافة المدن الفلسطينية.. كما سيظل شاهدًا على مدى إرهاب وعنف العصابات الصهيونية، التي لم تتورع عن هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، بعد أن عجزت عن المواجهة في ساحات القتال، فتكبدت عشرات القتلى والجرحى، بالرغم من قلة عدد المقاومين وعتادهم، مقارنة بما تمتلكه هذه العصابات المهاجمة من طائرات ودبابات وصواريخ وغيرها.

ويبقى أنه بعد مذبحة دير ياسين، استوطن اليهود القرية وفي عام 1980 أعاد اليهود البناء في القرية فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء مقاتلين الإرجون الذين نفّذوا المذبحة.

سبق وأثار ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية حول مجزرة “دير ياسين” موجة غضب شديدة لدى الكثيرين وذلك لفظاعة التنكيل والتعامل مع جثث من سقط في تلك المجزرة المروعة. الجديد في التفاصيل التي أوردتها الصحيفة هو أن المعلومات جاءت على لسان بعض مرتكبي المجزرة، وذلك في مقابلة خاصة أجرتها قبل سنوات المخرجة الإسرائيلية، نيتع شوشاني، التي سعت إلى القيام بتحقيق تاريخي حول المجزرة.

وأشارت هآرتس إلى أن مخرجة العمل الوثائقي، عملت على جمع إفادات عدد من الأشخاص الذين عايشوا “دير ياسين”، بالإضافة إلى وثائق من الأرشيف الرسمي في نفس الشأن تمكنت من الحصول عليها رغم معارضة إسرائيل حكومة وقضاء، بحجة أن من شأن ذلك أن “يمس بعلاقات الدولة الخارجية وبشرف الموتى”.

الواقع أن الشهادات الإسرائيلية الجديدة، حول فظائع مجزرة دير ياسين التي ارتكبتها عصابات “ليحي” و”إيتسيل” و”هاغانا”، تم الكشف عنها في إطار تصوير فيلم عن المجزرة للمخرجة الإسرائيلية. إحدى الشهادات الموثقة كانت على لسان شخص يدعى بن تسون كوهن، من عصابة “إيتسيل”، قال فيها: “لو كان هناك 3 أو 4 مذابح على غرار ما حصل في دير ياسين، لما تبقى عربي واحد في البلاد، مؤكدًا أن هؤلاء اللاجئين (الفلسطينيين) في لبنان والأردن وسوريا ذهبوا إلى هنالك بسبب أحدهم. يوجد يهودي واحد يمكنه أن يقول: بسببي. أنا قدت دير ياسين”.

طمس آثار المجزرة

لقد عرض الفيلم رسالة عثر عليها في أرشيف عصابة “ليحي” لأحد مقاتليها كتب فيها أن المنظمة نفذت “يوم الجمعة الماضي، بالتعاون مع (إيتسل)، عملية احتلال ضخمة لقرية عربية على طريق القدس -تل أبيب- دير ياسين.. لقد قتلت في القرية العربية مسلحًا أطلق النار علي، وفتاتين عمرهما نحو 16 إلى 17 عامًا ساعدتا مطلق النار. أوقفتهما إلى الحائط وأطلقت عليهما رشقتين”.

ووصف عضو ليحي أعمال السلب والنهب التي نفذها هو ورفاقه قائلا: “صادرنا الكثير من المال والمجوهرات التي وقعت في أيدينا… كانت هذه عملية هائلة حقا، وليس صدفة أن اليسار يشهر بنا مرة أخرى”.

يروي مشارك آخر في الجريمة شهادته والذي كان في حينه ضابط استخبارات في عصابة “هاغانا”، مردخاي جيحون أن “ذلك كان إحساسًا واضحًا بالقتل.. كان يصعب تفسيره بأنه تم في ظل الدفاع عن النفس. انطباعي كان أنه يتجه بقدر أكبر نحو المذبحة أكثر من أي شيء آخر”.

وفي رواية أخرى أكدها يائير تسبان، أحد أعضاء عصابة “جدناع” السابقين، قائلًا إنه تم إرساله مع رفاقه لدفن جثث قتلى المجزرة على عجل، “كانت هناك خشية من أن يصل الصليب الأحمر في أي لحظة.. كان ينبغي طمس الآثار لأن نشر الصور والشهادات عما يحصل في القرية كان من شأنه أن يضر جداً بصورة حربنا التحريرية.. رأيت عددًا كبيرًا من الجثث.

لا أذكر أني رأيت جثة رجل مقاتل.. أتذكر أساسًا نساء وشيوخًا” وينفي تسبان في روايته للمأساة، ادعاءات بعض المشاركين في المذبحة بأن القتلى أُصيبوا في تبادل إطلاق نار، مؤكدًا أنه رأى الناس وقد أُطلقت عليهم النار في ظهورهم، موضحًا أن “شيخًا وامرأة يجلسان في زاوية الغرفة ووجههما على الحائط وإصابتهما من الخلف”.

قفازات من حرير

وصف أحد مرتكبي المذبحة كيفية هروب الفلسطينيين من منازلهم بسببها، قائلًا “لم نكن هناك بقفازات من حرير، بل دخلنا منزلًا إثر منزل، نلقي مادة متفجرة والسكان يهربون، تفجير يتلوه آخر، وفي غضون بضع ساعات لم يعد نصف القرية موجودًا”.

وقدم وصفًا قاسيًا عن حرق جثث القتلى بعد احتلال القرية، حيث أخذ الجنود الإسرائيليون القتلى الفلسطينيين، وجعلوهم في كومة واحدة، ثم أحرقوهم وبدت الرائحة الكريهة! وأكدت مخرجة الفيلم شوشاني، أنها حاولت الحصول على صور تاريخية عن المذبحة، إلا أنها اكتشفت أعدم وجود أي صور لـ”دير ياسين” منشورة، وأن كل ما استطاعت الحصول عليه بعد تقديمها طلب إلى الجيش الإسرائيلي، فقط صور لمقاتلين شاركوا في المذبحة، دون أي صورة لقتلى الفلسطينيين.

وقالت شوشاني إنها أثناء عملية البحث عن الصور، تعرفت إلى ضابط استخبارات كان في الهاغانا وقت المجزرة، يدعى شرغا بيلد، الذي روى لها أنه تم إرساله إلى دير ياسين لتوثيق ما حصل، قائلا: “عندما وصلت إلى القرية، كان أول شيء صادفته شجرة كبيرة محترقة علق عليها شاب عربي.. ربطوه وأحرقوه مع الشجرة. لقد صورت هذا”. وأكد بيلد أنه وثق صورًا لعشرات القتلى الآخرين الذين تم تجميعهم في محجر قرب القرية، مشيرًا إلى أنه سلم جميع الصور لمسؤوليه ولم يشاهدها بعد ذلك.

المصدر: https://islamonline.net/25119

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك