مسلمو سيراليون في مواجهة المخططات التنصيرية

 
تقع سيراليون في غرب أفريقيا ويحدها من الغرب والشمال غينيا ومن الشرق ليبيريا ومن الجنوب المحيط الأطلنطي وترجع تسمية سيراليون Sierraleane إلى اسم المنطقة التي وصل إليها البرتغاليون عام 1461 حيث تعنى جبل الأسد حيث Leane أسد و Sierra اسم جبل.

ومن أشهر القبائل في فريتون الكريول Creoles (الرقيق المحرر) والتمن Temne والمندى Mende وليمبا Limba وكرو Kru ولوكو Loko وماندينكا والفولا Fula والسوس Susu وقبائل أخرى([1]).

وظلت سيراليون في الفترة الأولى تحت الحكم البرتغالي. وبدأ البريطانيون عملهم بها في القرن الثامن عشر حيث اختيرت عام 1787 مقراً للرقيق المحرر الذى يمكن إنقاذه من سفن الرقيق وأصبحت فريتون مستعمرة بريطانية عام 1808 وأصبحت محمية بريطانية في عام 1896([2]).

وترجع أهمية سيراليون الاقتصادية بسبب كمية الماس التي بها وكذلك بأن لها أهم ميناء في غرب أفريقيا فريتون Freetown([3]). ويرجع نشاط الإنجليز في منطقة سيراليون في القرن السادس عشر حيث وصلت السفن الإنجليزية في منطقة سيراليون على الساحل في انتظار وصول الرقيق. وفى القرن السابع عشر أسس الإنجليز قلعة في المنطقة الساحلية لحماية سفنهم وتزويدها بحاجاتها([4]).

ويرتبط استعمار بريطانيا لسيراليون بعودة الرقيق المحرر إليها حيث أنه عندما زار الدكتور هنرى سميثمان Henry Smeathman المنطقة وكتب للحكومة البريطانية يدعوها لوضع يدها عليها موضحاً المزايا لهذه المنطقة الساحلية، فقامت الحكومة البريطانية باختيار فريتون المستعمرة التي يسكنها الزنوج في الوقت الذي وافق فيه البرلمان الإنجليزي عام 1803 على قرار إلغاء تجارة الرقيق وتحريمها، ونجحت حركة إلغاء الرقيق التي قادها وليم ويلبرفورس William Wilberforce  في إرسال بريطانيا للرقيق إلى أفريقيا وقامت بهذه المهمة شركة سيراليون البريطانية وظلت الشركة تدير هذه المنطقة حتى عام 1807. ثم صارت سيراليون إحدى مستعمرات التاج البريطاني Crown Colony وعينت الحكومة البريطانية حاكماً عاماً لحكم المستعمرة، وفى عام 1895 عقدت إنجلترا وفرنسا اتفاقاً فيما بينهما حددت بمقتضاه حدود سيراليون وفى نفس العام أعلنت الحماية على سيراليون ولقد لاقت بريطانيا مقاومة عنيدة من الوطنيين إلى أن تحررت عام 1961([5]).

لقد تنافس المسلمون والمسيحيون فى سيراليون من أجل جذب السكان ولم يكن الإسلام وحده فى مسرح سيراليون حيث تركز الإسلام([6]) فى الشمال أما الجنوب فتقدمت فيه المسيحية عن الإسلام([7]). ولا يزال الإسلام أسرع عقيدة تنمو حتى فى مناطق عمل الإرساليات التبشيرية، ومن أشهر الطرق الإسلامية التي قامت بنشر الإسلام فى شمال سيراليون الطريقة الأحمدية نسبة إلى أحمد الباكستاني التي وصلت سيراليون عام 1939 من باكستان([8]).

بعد الحرب العالمية الثانية انتشر الإسلام سريعاً في الوقت الذي كانت الإرساليات التبشيرية المسيحية فى أقوى مرحلة لها ولقد انتشر الإسلام فى العديد من المراكز والمدن فى الشمال فى سيراليون وبالأخص قبائل الفولا أو المادينجو Fullah or Madingo في الوقت الذي كان يحتار الأفريقي بين الانضمام إلى كنيسة أو مذهب معين فإنه ترتقي مكانته الاجتماعية بانضمامه إلى عالم الإسلام الواسع ولم يحارب الإسلام بعض المعتقدات والعادات الأفريقية مثل تعدد الزوجات([9]).

فشلت المسيحية والإرساليات التنصيرية في المقاطعات الإسلامية حيث أن الإسلام كان لديه الوقت لتثبيت نفسه فيها وبسبب عدم تشجيع الحكومات الاستعمارية فى انتشار النشاط التبشيري المسيحي فى المناطق الإسلامية، الإسلام بوصفه ديناً عالمياً لا يعطى فقط مكانه الاجتماعية ولكنه يعطى مكانة ثقافية وهذا ما كتبه ترمنجام Trimingham  فى كتابه الإسلام العام Popular Islam فيما يخص المعتقدات الإسلامية والدين الإسلامي([10]).

ويقول شارلى. ر. تيبر عن الإسلام “إن الإسلام هو أكثر من عقيدة دينية إنه نظام متكامل للحياة والدين فالإسلام يدمج كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أسس الإيمان والاقتناع والالتزام بقبول الله وبالاستسلام كلية لإرادته”([11]).

على أية حال فإن المسلمين رفضوا التعليم الغربي الذي قدمته الإرساليات التنصيرية سواء فى شمال سيراليون أو في شرق جامبيا. فكان التركيز على الجنوب سواء في سيراليون والغرب في جامبيا وترتب على ذلك وجود فارق كبير بين الشمال والجنوب فى سيراليون والشرق والغرب فى جامبيا، حيث الاختلاف فى التعليم وكذلك فى الديانة مما كان له العديد من الآثار السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية على كل من سيراليون وجامبيا.

ويقول جورج كمبل عن الفرق بين التعليم التبشيري والتعليم الإسلامي أنه إذا أردنا أن نتتبع حركة التطور في ظل الحكم البريطاني علينا أولاً أن نتتبع مدارس المسلمين التي كانت منتشرة فى كل من غرب أفريقيا، وهي مدارس نشأت فى مراكز القوافل التجارية فى جنوب الصحراء فى وقت مبكر فى القرن الحادي عشر([12]).

وعن أسباب رفض المسلمين للتعليم الغربي والتنصير، فقد وجدوا أن إدخال التعليم الغربي سوف يدمر المدارس القرآنية وهى أساس نظام التعليم الإسلامي، ورأى آخرون أنها سوف تؤدي إلى خفض المستوى الخلقي وتدمير الإسلام لأن المسلمين سوف يختلطون بانتظام مع غير المسلمين، ويرى آخرون أن التعليم الغربي والتبشير سوف يؤدي إلى إهمال التراث المحلي الإفريقي وحرف السكان الوطنيين، بالإضافة إلى انعدام المحتوى خلقي فى التعليم الغربي.

واعترض عدد من المسلمين في غرب إفريقيا البريطانية على استخدام اللغة الإنجليزية كوسيلة للتعليم وعلى حضور البنات للتعليم بعد سن الثانية عشرة وبحسب رأى البعض أن تعليم النساء يجعلهن يحتلون وظائف هي تقليديًا من أعمال الرجال([13]).

 


([1]) Samneh Lamin: The Crown and Turban Muslims and West Africa Pluralism. U.S.A., 1997. P. 175.
([2]) رأفت الشيخ: مرجع سابق ص ص 236، 132. 
([3]) Campell Alxander: Empire in Africa. London, 1944. P. 20.
([4])  شوقى الجمل: مرجع سابق. ص 353.
([5])  المصدر نفسه. ص 555.
([6]) Luke Fashole Edward, & Others: Op. Cit. P. 19.
([7]) Trimingham Spencer: Op. Cit. P. 22.
([8]) Kaplan Iriving, & Others: Op. Cit. P. 131.
([9]) Kaplan Iriving, & Others: Op. Cit. P. 131.
([10]) Herskovits Melvill J.: Op. Cit. P. 196.
([11]) شارلى. ر. تيبر: الظرفية والتحول والتأصيل: التنصير خطة لغزو العالم الإسلامى: مرجع سابق. ص192.
([12]) جورج كمبل: مرجع سابق. ص63.
([13])  Clark Peter P.: Op. Cit. P. 244.

المصدر: https://islamonline.net/26876

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك