ثقافه السلام

د.صبري محمد خليل

 

مفهوم السلام فى الفلسفه الغربيه

ا/فى الفلسفه اليونانيه

السوفسطائيه:

ذهب السوفسطائيون إلي أن هناك قانون طبيعي يحكم سلوك الناس، وهو السعي للذة والابتعاد عن الألم، أي إشباع الغرائز ،ويرون أن الأخلاق تتعارض مع هذا القانون الطبيعي، وهي من وضع الضعفاء الذين لا يستطيعون إشباع غرائزهم بالقوة. وبالتالي فان العلاقة الأساسية بين البشر هي علاقة صراع لإشباع الغرائز تحكمه القوه لا الأخلاق.

هيرقليطس:

جعل هيرقليطس العلاقة الأساسية بين المجتمعات علاقة صراع وعبر عن هذا بقوله (أن الحرب هي أبو الأشياء). وقد استند في هذا إلي مفهوم الجدل  الذي مضمونه أن التغيير يتم من خلال صراع المتناقضات وجعل هذا الجدل قانونا كليا للوجود.

الرواقية:أما الرواقية فإنها فسرت العلاقة بين البشر استنادا إلي فكره قانون العقل الكلىالذى لا يمكن خرقه، وبالتالي فان الجميع متساوون أمام هذا القانون ،والأساس في العلاقة بين الناس هي السلام لا الحرب .

ب/فى الفلسفه الحديثه:

هيجل:

ينطلق هيجل في تصوره للصراع والمشاركة (وبالتالي للحرب والسلام) من المثالية الجدلية، المثالية تعنى عنده أن الفكر المطلق هو الوجود الأول، أما الأشياء والظواهر المادية فهي مجرد تجسيد له، فالمثالية هي الأولوية للفكر على المادة، ولكنها مثالية جدلية، أي أن هذا الفكر المطلق يتطور من خلال الجدل أولاً والمادة تتبعه إلي حيث هو متطور، والجدل هو التطور من خلال صراع المتناقضات عبر ثلاث لحظات: الدعوى ونقيض الدعوى وجامع الدعوى ونقيضها.

وهذا التطور الجدلي يصعد من الفرد إلي الأسرة إلي المجتمع إلي الدولة التي هي أرقى تجسيد للفكر المطلق بناءا على هذا جعل هيجل العلاقة الأساسية بين الدول هي علاقة صراع وحرب.

 ماركس:

أما ماركس فيستند في تصوره للحرب والسلام إلي المادية الجدلية فقد كان ماركس تلميذ هيجل، غير أنه أنكر وجود الفكر المطلق وكان يؤمن بأن المادة هي الوجود الأول، أما الأفكار فهي تجسيد لها، فجعل المادة تتطور  إلي حيث هي متطورة. أما المادية التاريخية فهي محصلة تطبيق المادية الجدلية على التاريخ ومضمونها أنه داخل المجتمع يتطور أسلوب الإنتاج (البنية التحتية) بفعل التناقض بين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج بصورة صراع طبقي بين الذين يعبرون عن الأولى والذين يعبرون عن الثانية وعندما نصل إلي الطفرة يكون المولود الجديد لأسلوب الإنتاج مولود من رحم أسلوب الإنتاج السابق وهكذا. كل هذا التطور في (البنية التحتية) ينعكس على البنية الفوقية وهي القانون والأخلاق والدين والفن.

بناءا على هذه لم يخالف ماركس هيجل في اعتباره أن العلاقة  الأساسية بين الناس هي علاقة صراع لكنه جعله صراع بين طبقات لا بين دول كما جعله تعبير عن التناقض في أسلوب الإنتاج بين من يعبرون عن أدوات الإنتاج ومن يعبرون عن علاقات الإنتاج لا تعبير عن التناقض في الفكر المطلق كما عند هيجل .

نيتشه:

انطلق نيتشه من مفاهيم أراده القوه والإنسان الكامل (أو السوبرمان) وأخلاق السادة والعبيد ليحي التصور السوفسطائى القائل بأحقية القوى في السيادة على الضعيف وبالتالي جعل العلاقة بين الناس علاقة صراع.

كانط:

 أما كانط فهو من أهم الفلاسفة الذين دعوا إلي السلام ووضع مشروع للسلام الدائم بين الأمم استنادا إلي مفاهيم العقل المشترك والاعتقاد بالإله وخلود النفس وحرية الإرادة.

ج/ الفلسفة المعاصرة:

سارتر:

استخدم سارتر المنهج الظاهراتي (كما أسسه هوسرل) في دراسة الوجود كما في مؤلفه الوجود والعدم 1942م وباقي مؤلفاته التي تمثل المرحلة الوجودية عنده.

في هذه المرحلة ونسبه لأنه انطلق من الوجود الفردي الذي حوله إلي وجود مطلق فانه جعل العلاقة بين الإنسان والآخرين هي علاقة صراع لا علاقة مشاركة وقد عبر عن هذا بقوله( الآخرون هم الجحيم) لان الآخر عندما ينظر إلي فانه يحيلنا من ذات إلي موضوع.

غير أنه من خلال تطوره الفكري توصل إلي الكشف عن منهج جدل الإنسان في كتابه (نقد العقل الجدلي) 1960م حيث رفض فيه إسناد الجدل إلي الفكر أو المادة، وأسنده للإنسان حيث التناقض بين الموضوعية التي يمثلها الوسط أي جملة الظروف المادية والاقتصادية والحضارية والذاتية التي هي المشروع وهو بالتعريف السلبي هو رفض الوسط. والرفض هنا لا يفيد معنى التدمير وإنما يفيد معنى التغيير، والمعنى الإيجابي هو ما يحتاج إليه الإنسان، والإنسان عندما يحتاج فإنه يتجه بالضرورة إلي …… وهذا الاتجاه إلي هو فعل قيمته فيما سيحدثه من تغيير، والتغيير ينصب على الإنتاج لأن الإنتاج هو الطريق إلي إشباع حاجة الإنسان، ولابد أن يكون الإنتاج في مستوى أقل من الحاجة وإلا انقضى المشروع وبالتالي وجود الإنسان ومن هنا تنشأ فكرة الندرة و من فكرة الندرة تنبثق فكرة الصراع فالأشياء المنتجة عندما تكون نادرة ينشب الصراع بين بني الإنسان. الصراع هو إذاً هو محصلة الوسط  والمشروع الوسط موضوعي والمشروع ذاتي. والتداخل بينهما يمنع كل من الذاتية والموضوعية من أن تكون مطلقة، ويتبع ذلك السؤال: أين مكان الموضوعية من الذاتية؟ ويجيب سارتر بأن الذاتية هي حد وسط بين الذاتية والموضوعية لحظتين من لحظات الموضوعية. ولهذا يكون وظيفة الذات تغيير موضوعية قائمة من أجل تأسيس موضوعية جديدة. وهذا التأسيس إبداع، ومن ثم يمكن القول أن التاريخ هو الإبداع البشري(1).

وهكذا فإن سارتر استطاع أن يكشف الجدل كقانون نوعي يضبط حركة الإنسان (لا المادة كما ترى المادية أو كما ترى المثالية).لكن سارتر  لم يستطيع في مرحلته الثانية  أن يلغى التركيز على علاقة الصراع في تفسير علاقة الفرد بالآخرين حيث استند إلي مفهومي الندرة والصراع تحت ضغط الحضارة الغربية الفردية التي ينتمي إليها.

(1) د. مراد وهبه، سارتر مفكراً وإنساناً، مجموعة مقالات/ مقالة بعنوان سارتر بين الوجود، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م، صـ56- 57.

مفهوم السلام فى الفكر الاسلامى

ا/الأسس العقائدية للتصور الاسلامى للسلام

التصور الاسلامى للسلام يستند إلى مفهومي التوحيد والاستخلاف القرآنيين.

فمضمون مفهوم التوحيد(توحيد الالوهيه) أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة لكل وجود سواه ، كما ينفرد بكونه مصدر القيم –المثل العليا-المطلقة.

و السلام صفة ألوهية( هو الله لا اله إلا هو الملك القدوس السلام)(23: الحشر).وبالتالي فان مضمون توحيد الالوهيه هنا أن الله تعالى ينفرد بكونه مصدر السلام كقيمه مطلقه.

و هذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:

تكويني: يتمثل في عالم الشهادة والسنن الإلهية التي تضبط حركته، فالسلام(المشاركة) هي سنه إلهية تضبط العلاقة بين الناس.

تكليفي: يتمثل في القواعد المطلقة التي جاء بها الوحي والتي ينبغي التزامها في العلاقة بين الناس كقوله تعالى( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)(61: الأنفال)

أما مفهوم الاستخلاف فمضمونه إظهار الإنسان لربوبيه الله تعالى وألوهيته في الأرض، بالعبادة والعبودية على المستوى الصفاتى، بإظهار صفات الله تعالى في الأرض على وجه الاختيار. ومضمونه هنا إظهار الإنسان لصفة الألوهية (السلام) في الأرض وهو ما يكون بالآتي:

توحيد الألوهية: على الوجه السابق بيانه.

العبادة: للعبادة معنى خاص ومعنى عام ،ومضمون الأخير اتخاذ الله تعالى غاية مطلقه واتخاذ صفات ألوهيته مثل عليا -قيم-مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في الأرض ( اى في واقعه المحدود زمانا ومكانا)دون أن تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي لها، ولا يكون ذلك بإلغاء تصور الإنسان للمثل العليا- القيم- المحدودة زمانا ومكانا بل تحديدها باتخاذ مقتضى صفات الالوهيه ضوابط موضوعيه مطلقه لها.

ومضمونها هنا اتخاذ صفة الألوهية (السلام)، مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض (أي في واقعه المحدود زماناً ومكاناً). يقول ابن تيميه( أن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يحمد الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة) (ابن تيميه، الصفديه، ج 2، ص 338)

(يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة).

(فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السلم فما جعل الله عليهم من سبيلا)(90: النساء).

  ب/ عند الفقهاء

فعلاقه المسلمين بغيرهم هي:علاقة حرب (أو دار حرب) في حالة الاعتداء على ديار المسلمين أو فتنة المسلمين عن دينهم وعلاقة سلم مع الأمم( أو دار عهد). مادامت لم تعتد على ديار المسلمين أو تفتنهم عن دينهم .

غير أن بعض الفقهاء بنوا  اجتهادهم في تفسير علاقة المسلمين بغير المسلمين على واقعهم وهو واقع الدولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل لا واقع اكتمال تكوين الأمم وانتهاء طور القبيلة وما أفرزه من الدولة ثابتة الحدود والشعب الواحد، يقول محمد الغزالي “إن مبدأ المعاملة بالمثل كان وراء أحكام فقهية وصفت بأنها شرعية والواقع أنها لم تقم اعتماداً على نص، وإنما على القصاص مما ينزل بالمسلمين”(1)

وقال الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء بعض الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم: ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت وقد قرر الكثيرون منهم أن الصلح لا يقع إلا مؤقتاً إذ ما كان يرى إلا ما أيدته الوقائع المستمرة “ثم يقول “والحق أن أقوال الفقهاء لا تعتبر وحدها حجة في الإسلام ولا حجة عليه إلا بمقدار قربها من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والوقائع الزمنية لا تحكم على القرآن بل القرآن هو الحاكم عليها([1]).

ويدل على هذا أن هناك علماء خالفوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، فنجد ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر “وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” وفي السنة عن النبي (ص) أنه مر على إمرأة مقتولة في بعض مغازية قد وقف الناس عليها فقال “ما كانت هذه لتقاتل”، وقال لحدهم: الحق خالداً فقل له  لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً “وفيها أيضاً عنه (ص) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة. وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى “والفتنة أشد من القتل”، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم يكن كفره إلا على نفسه[2]

(2) محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام “الدار القومية، القاهرة، 1384م، ص78-79

د/أسباب مشروعية القتال في الإسلام:

إن الإسلام أوجب القتال في حالتين الأولى مرتبطة بواجب نصرة المسلمين غير الخاضعين لولايتها السياسية في الدين ودعوة الناس للإسلام يقتضي قتالها لغير المسلمين في حالة إكراههم على الردة عن دينهم وفتنته عنه ” وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”. وهذا يعني عدم إكراه المسلمين على ترك  دينهم والدخول في الإسلام إذ أن هذا يعني إسناد صفة الهداية لغير الله فهو شرك في الربوبية نهي عنه الإسلام ” إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” (القصص: 56)، ومن هنا كانت قاعدة حرية الاعتقاد في الإسلام “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” (البقرة: 56).وعلى هذا فإن قتال المسلمين كان لإقرار حرية الاعتقاد في الأرض سواء، بعدم إكراه المسلمين على الردة عن دينهم أو عدم إكراه غير المسلمين ترك دينهم والدخول في الإسلام وهذا الأمر واضح في آية القتال  عند الحديث عن البيع والصلوات مع المساجد ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير إلا أن يقولوا ربنا الله، ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثرا”، إخراج المسلمين من ديارهم وإقرار حق الأمم في تقرير مصيرها إن الإسلام دعا للارتقاء إلى طور الأمة الذي تميز بالاستقرار على أرض معينة (ديار) وهنا نجد أن الإسلام أوجب القتال في حالة إخراج المسلمين من ديارهم ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير إلا أن يقولوا ربنا الله” لا ينهاكم الله عن الذين لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم” (الممتحنة: 8) وهذا يعني عدم إخراج غير المسلمين من ديارهم، كما يدل عليه النهي عن الاعتداء “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” (البقرة: 190) وعلى هذا فإن قتال المسلمين لإقرار حق الأمم في تقرير مصيرها في لغة عصرنا.

الاصل فى الاسلام السلام لاالحرب

فالأصل إذا في التصور الإسلامي هو السلام (المشاركة)، أما الحرب(الصراع) فهو فرع .بعبارة أخرى فان المشاركة هي السنة الإلهية التي تضبط العلاقة بين الناس إذا لما كانت حركه الإنسان تتم عبر خطوات هي المشكلة (تناقض بين واقع وغاية) فالحل (محاولة حل هذا التناقض في ذهن الإنسان) فالعمل (محاولة حل التناقض في الواقع) فإن حركه تطور المجتمع  قائمه على المشاركة أي تبادل العلم بمشكلة مشتركة ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة وأساليب تحقيقها ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمشكلة. أما الصراع فهو عقبه أمام هذا التطور وغاية هذا التطور إلغاءه،ومصدره أن كل سنه إلهية (كالمشاركة) قائمه على السببية (تحقق المسبب بتوافر السبب وانتفاء المسبب بانتفاء السبب) وبالتالي فانه بتعطل المشاركة يظهر الصراع بين الذين يريدون تغيير الواقع لتحقيق غايات معينه والذين يقفون عقبه في سبيل هذا التغيير أو بين الذين يريدون تغيير المحدود تجاه المطلق والذين يريدون الاقتصار على المحدود.

وقد عبر القران عن المشاركة بمصطلحات التأليف(إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا (13: آل عمران) والتعاون( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائده)و الموالاة(المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة)

كما عبر عن الصراع بالعداوة ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة)والعدوان(ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)

ج/تقويم لمذهب الصراع كأصل في الفكر الإسلامي:

وفى إطار الفكر الإسلامي نجد أن هناك من يرى أن الإسلام جعل الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو الصراع والحرب لا المشاركة والسلام  أي أن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً)، وغزو العالم لنشر الدعوة   إلى هذا ذهب سيد قطب في تفسير سورة التوبة “إن السورة بهذه الاعتبارات ذات أهمية خاصة في بيان طبيعة المنهج الحركي للإسلام ومراحله وخطواته حيث تراجع الأحكام النهائية التي تضمنتها مع الأحكام المرحلية التي جاءت في السور قبلها وهذه المراجعة تكشف مدى مرونة ذلك المنهج، وعن حسمه كذلك” فيرى أن السورة تتضمن “تحديداً للعلاقة بين المعسكر الإسلامي والمشركين عامة في شبه الجزيرة العربية” في المقطع الأول منها كما أن المقطع الثاني “تضمن تحديداً للعلاقات النهائية كذلك بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب عامة….، وعن انحراف أهل الكتاب عن دين  الله الصحيح عقيدة وسلوكاً بما يجعلهم في اعتبار الإسلام ليسوا على دين الله الذي أنزله لهم والذي به صاروا أهل الكتاب”. (1).

كما ذهب تقي الدين النبهاني إلى ذلك في قوله “إن قول رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله يدل دلالة واضحة على أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام.

واستند أصحاب مذهب قتال المسلمين إطلاقاً إلى القول بأن آية السيف ناسخة لكل الآيات التي تدعو للسلم وهي الآيات:”فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد” (التوبة: 5).”وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” (التوبة: 29).غير أن هذه الآيات لا تفيد قتال غير المسلمين إطلاقاً، وبالتالي تنسخ الآيات الداعية للسلم، بت هي مقيدة بالحالات التي أباح الإسلام فيها قتال غير المسلمين التي أوضحناها وهي إخراج المسلمين من ديارهم أو إكراههم على الردة على دينهم يقو الشيخ محمد الغزالي “يشيع بين المفسرين أن آية السيف نسخت ما جاء قبلها.

(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج10، ص1564.

وجد ما يسمى آية السيف، وإنما هناك جملة من الآيات في معاملة خصوم الإسلام أو في مقاتلتهم أحياناً لأسباب لا يختلف المشرعون قديماً وحديثاً على وجاهتها وعلى أنها لا تنافي الحرية الدينية في أرقى المجتمعات(1) ويقول ” إن الاضطراب الفكري انتقل إلى نصوص الكتاب والسنة فإذا بتيار الفوضى يلغي باسم النسخ نحو 120 آية قرآنية، ويعوج بمفهوم آيات أخرى ويخرج الإسلام للناس في صورة دميمة.(2) ويرى الشيخ رشيد رضا “أن آية السيف تتراوح الآية الخامسة من سورة التوبة الداعية إلى قتال المشركين كافة كيفما يقاتلون المسلمين كافة، وإنها غير ناسخة لغيرها من الآيات ويستشهد بما قاله السيوطي من أن أياً من الآيتين ليس ناسخاً لغيرها من الآيات التي تتناول علاقة المسلمين بالمشركين ولكن لكل منها حكماً يسري في ظرف معين، ويرى أن الدعوة إلى مقاتلة المشركين هو رد على مبادأة المشركين القتال، وأن المقصود بالآيتين مشركي جزيرة العرب وليس مشركي الأرض، أما الآية 29 الخاصة بأهل الكتاب فإن نزولها جاء تمهيداً للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ فضلاً عن أن المقصود بها ليس أهل الكتاب ولكن فريقاً منهم له شروط أربعة معينة ذكرتها الآية الكريمة (3). وهنا نتناول تفسير كل آية على حده.

قال تعالى ” فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد”. يقول محمد الغزالي “سبب البراءة من عهدهم والدعوة إلى قتالهم ليس كونهم مشركين لكن كونهم معتدين وناكثين بعهودهم وهؤلاء على وجه الخصوص من نزل فيهم قوله تعالى “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم …. (التوبة: 5)

(1) محمد الغزالي، جهاد الدعوه، ص101.

(2) المرجع السابق، ص24.

(3) رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص255

يضيف ” يأتي عقل مفسر فيقول أن المقصود بهذه الآية كل كافر على وجه الأرض أساء أم أحسن، وفي أمر غدر ظلم أم أنصف، ثم يطلق على الآية المحددة آية السيف، ويلغي بها مائة آية في العرض الهادي والجدال الحسن والوعظ البليغ(1) قال تعالى “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى تعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” يقول الشيخ رشيد رضا “قاتلوا – هذا الفريق من أهل الكتاب – عند وجودها يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك”قول الشيخ عبد المتعال الصعيدي ” هذه الآية واردة فيمن قاتل المسلمين من الروم ويهود الحجاز(3 قال تعالى “وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة” (التوبة: 36).

يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي “المراد بهم مشركي العرب جميعاً لا قريش وحدهم لأنهم كانوا قد انضموا إلى قريش(2) يقول الشيخ الغزالي يقول: سمعت من يحتج بالآية وقاتلوا المشركين كافة” فقلت له ألا تكملها؟ أليس بعدها .. كما يقاتلونكم كافة.فأين في الآية الدعوة إلى الهجوم وإعمال السيف في الناس(3).

قوله تعالى “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله” يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي ” المراد فتنة المسلمين من دينهم وإكراههم على الارتداد عنه والمراد بالدين كله لله: كون الجزاء كله له وحده في الدنيا والآخرة حتى لا يكون لغيره حق الجزاء يفتن الناس عن دينهم … فالدين الجزاء لا الدين الإسلام.(4).

(1) محمد الغزالي،المرجع السابق، ص189.

(2) مرجع السابق، ص76.

(3)محمد الغزالي، جهاد الدعوة، ص87.

(4) عبد المتعال الصعيدي، حرية الفكر في الإسلام، ص75.

دور الفلسفة في إقرار ثقافة السلام

للفلسفة دورا كبيرا في إثراء ثقافة السلام وهو الدور الذي يتضح من خلال تحليل خصائص المنهج الفلسفي.

  • الشك المنهجي (النسبي):

يقوم المنهج الفلسفي على الشك المنهجي أو النسبي وهو شك مؤقت ووسيلة لا غاية في ذاته إذ غايته الوصول إلي اليقين أي أن مضمونه المنهجي عدم التسليم بصحة حل معين للمشكلة إلا بعد التحقق من كونه صحيح

والشك المنهجي يختلف عن كل من الشك المذهبي والنزعة القطعية.. فالشك المذهبي أو المطلق دائم وغاية في ذاته أي أن مضمونه المنهجي قائم على أنه لا تتوافر للإنسان إمكانية حل أي مشكلة..أما النزعة القطعية فتقوم على التسليم بصحة حل معين دون التحقق من كونه صادق أم كاذب

فكل من الشك المطلق والنزعة القطعية اللذان (هما من خصائص التفكير الأسطوري) يحولان دون المشاركة لأنهما يكرسان للقبول المطلق لفكره ما وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى بينما الشك النسبي يمكن أن يدعم المشاركة واخذ ما تحقق من صحته بصرف النظر عن مصدره.

  • العقلانية:

   ويتصف المنهج الفلسفي بالعقلانية. أي استخدام ملكة الإدراك (المجرد) كوسيلة للمعرفة إذ الفلسفة هي محاولة إدراك الحلول الصحيحة للمشاكل الكلية المجردة.

فالعقل كملكه إنسانيه مشتركه يمكن أن يمهد لثقافة السلام  أما التفكير غير العقلاني (كالإفراط في العاطفة مثلا) فيقود في الغالب  إلي تحويل الانتماء القبلي أو الشعوبي أو القومي من انتماء إلي جزء من كل، إلي انتماء إلي كل قائم بذاته ومستقل عن غيره. أي من انتماء إلي وجود محدود إلي انتماء إلي وجود مطلق يلغى كل وجود لسواه من المجتمعات

  • المنطقية:

ويتصل بالخصوصية السابقة أن المنهج الفلسفي يستند إلي المنطق بما هو القوانين (السنن الإلهية) التي تضبط حركة الفكر الإنساني ذلك أن الفلسفة لكي تصل إلي حلول صحيحة لمشاكلها يجب أن يستند إلي القوانين أو السنن الإلهية التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان وحركة الفكر.: 82)). فعلم المنطق باعتباره قوانين تحكم  فكر الإنسان من حيث هو إنسان بصرف النظر عن ثقافته أو حضارته أو جنسه إذا يمكن أن يمهد  لالتقاء الناس على ما هو مشترك بينهم.

  • النقدية:

والمنهج الفلسفي قائم على الموقف الرافض لكل من القبول المطلق والرفض المطلق والذي يرى أن كل الآراء (بما هي اجتهادات إنسانية) تتضمن قدراً من الصواب والخطأ وبالتالي نأخذ ما تراه صواباً ونرفض ما نراه خطأ.

و الروح النقدية يمكن أن تؤدى إلى إثراء ثقافة السلام لأنها تجاوز لكل من موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق للآخر ولان معيار الأخذ أو الرفض هنا هو الصواب أو الخطأ لا كون المصدر هو الآخر

نتائج وتوصيات

يمكن ترجمه الدراسة النظرية السابقة إلي توصيات عمليه لدور الفلسفة فى تقرير ثقافة السلام.

  • تعميم تدريس الفلسفة في كافة مؤسسات التعليم باعتبارها أداة للمشاركة والتواصل.
  • تجاوز موقفي القبول المطلق والرفض المطلق للآخر إلى الموقف النقدي الذي لا يجعل معيار الأخذ أو الرفض هو مصدر الأفكار( الأنا أو الآخر) بل  الصواب والخطأ.
  • إبراز القيم الحضارية الإسلامية الايجابية التي تدعو السلام والمشاركة ومحاربه القيم السلبية التي تدعو الحرب والصراع (كالتطرف والتكفير)  الناتجة عن عهود التخلف الحضاري.
  • البحث عن نقاط الالتقاء والمشترك الإنساني دون إلغاء ما هو خاص.
  • دراسة الثقافة السودانية وإبراز جوانبها الايجابية التي تكرس للمشاركة والسلام ونقد جوانبها  السلبية التي تكرس للصراع والحرب.

المراجع

(1)  د. مراد وهبه، سارتر مفكراً وإنساناً، مجموعة مقالات/ مقالة بعنوان سارتر  بين الوجود والعدم، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م.

(2)  محمد إسماعيل إبراهيم، قاموس الأسماء والأعلام القرآنية، دار الفكر العربي.

(3)  البستاني، محيط المحيط الجزء الأول.

(4)  د. عصمت سيف الدولة، الأسس، دار الوحدة، بيروت، 1965م، ج1،.

(5)  سيد قطب، في ظلال القرآن، ج10.

(6)  محمد الغزالي، جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج، الجزائر، 1980.

(7)  محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام “الدار القومية، القاهرة، 1384م.

المصدر: https://drsabrikhalil.wordpress.com/2011/06/30/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك