مفهوم المواطنة في المنظور الإسلامي

مفهوم المواطنة في المنظور الإسلامي

وهبة الزحيلي*

المواطنة في الماضي: لم تكن المواطنة تثير نقاشاً أو جدلاً في التاريخ الإسلامي الماضي، في مراحله المختلفة، وأدواره التي عاش فيها المسلمون مع غيرهم، عيشة هانئة مستقرة، قائمة على الاعتراف بالذات، سواء في ديار المسلمين غيرهم، لوضوح الاعتبارات الإسلامية في معاملة المسلمين لغيرهم، والتزام معاييرها وتطبيق مقتضياتها، لأن المسلم سواء أكان حاكماً أم شخصاً عادياً يتميز بالتزامه الدقيق بشريعة الإسلام في القضايا الحساسة، ولرغبة المسلمين في تقديم أنموذج طيب عن رسالة الإسلام، ونشر دعوته في الآفاق الداخلية والخارجية، ليكون التعامل طريقاً جذَّاباً لقبول عقيدة الإسلام ومناهجه وشرائعه كلها.

المواطنة في عصرنا: أما اليوم في عصرنا الحاضر فقد أصبحت المواطنة من أهم المشكلات المثيرة للجدل والبحث، في بلاد المسلمين أو في غيرها، بإيحاءات المفاهيم الغربية، وتعقيد المسائل، وإرباك الموقف الإسلامي دولاً وشعوباً، وكثرة السكان وقلة الموارد.

هذا مع العلم بأن الإسلام هو أول شرعة كبرى دعا إلى الوحدة الإنسانية الشاملة ليعيش الناس في تفاهم ومودة وتعاون وأمن واستقرار، في نصوص كثيرة، منها قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ..﴾(1)، وقول النبي e: «أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى»(2).

الوطني والمواطن: وهناك فرق بين الوطني والمواطن، الأول هو الذي يكون من السكان الأصليين في الدولة، بأن ولد ونشأ وتربى في إقليم دولة معينة. وأما المواطن فهو الذي تجنَّس بجنسية دولة معينة، وصار من رعاياها أو شعبها.

مفهوم المواطنة: وأما المواطنة في المفهوم المعاصر أو الدولة الديمقراطية: فهي انتماء الإنسان إلى دولة إقليمية معينة. فهي تتطلب وجود دولة بالمعنى الحديث، ووجود وطن ذي أنشطة وفعالية أو إقليم محدد، وعلاقة اجتماعية بين الفرد والدولة، والتزام بالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، ومشاركة في الحقوق والواجبات، واحترام نظام الدولة وعلاقته بالحاكم على المستوى الدستوري والقانوني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فيعبر المواطن في الدولة عن رأيه ومصالحة بحرية في مظلة ضمانات مقررة.

أسس المواطنة: وهذا يتطلب توافر أساسين للمواطنة، الأول: الحرية وعدم استبداد الحاكم، والثاني: توافر المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرف. ولا يتوافر هذان الأساسان إلا بوجود نظام سياسي لخدمة الديمقراطية التي هي حكم الشعب بالشعب وللشعب، ونظام قانوني لمعرفة حقوق الإنسان المواطن وواجباته، ونظام اجتماعي يعتمد على حب الوطن، ومعرفة حقوق الوطن، والسلوك العملي المعبِّر عن احترام حقوق الوطن على أبنائه، كالدفاع عنه وعن المواطنين وحقوقهم وعن حقوق الدولة.

الإسلام والديمقراطية العلمانية: وهذه الأصول الضرورية للمواطنة تبتعد عن وجود تصادم أو تعارض بين المفهوم الغربي للمواطن والمفهوم الإسلامي له، فلا يكون هناك إشكالية بين الإسلام باعتباره شريعة ونظاماً أو قانوناً، في ديار الإسلام وغيره، وبين النظام الديمقراطي الغربي، ولو كان علمانياً في بلد غير إسلامي، لأن العلمانية لا تعني في حقيقتها معاداة الدين أو محاربة الأخلاق والقيم العليا، وإنما تعني ضرورة وجود ما يسمى بالوحدة الوطنية في القضايا العامة بين جميع المواطنين. وما قد نشاهده من تصرفات جانحة أو شاذة لبعض العلمانيين، فهو سوء تطبيق وتشويه لمبدأ الوحدة الوطنية، لأن الإسلام يتعايش مع جميع الأديان والنِّحل والمذاهب في مظلة احترام قواعد النظام العام والآداب والعقائد والسلوكيات الخاصة لأتباع كل دين أو مذهب. ومن سوء فهم العلمانية أنها تؤدي أحياناً إلى الإلحاد ومعاداة الدين.

خصائص المواطنة: إن المواطنة في الإسلام مفهوم سياسي مدني، وفي غيره مفهوم ديني كمفهوم الأخوة في الإسلام. لذا حققت المواطنة في الإسلام توازناً في المجتمع على الرغم من التنوع العرقي والديني والثقافي، بينما سارت المواطنة في المجتمعات الأخرى نحو الصراع العرقي والديني والثقافي، والغرب في قمة هذه الصراعات، لأنه جعل المواطنة ذات اتجاه عنصري كما عبرت عنه الحربان العالميتان في القرن العشرين.

ولا تتعارض المواطنة في الإسلام مع الولاء للأمة الإسلامية ووحدتها، لأن المواطنة مفهوم إنساني لا عنصري في المنظور الإسلامي، وهو يشمل جميع المسلمين.

أما المعادون للفكر الإسلامي من القوميين ودعاة الوطنية الضيقة فقد حوّلوا المواطنة إلى عصبية مصادمة للإسلام، وأثاروا مشكلة الأقليات غير المسلمة في بعض المجتمعات الإسلامية، فعارضوا تطبيق شريعة الإسلام، بذريعة التفريق بين أبناء الوطن الواحد.

والمواطنة في الإسلام تستوعب جميع المواطنين في دياره، دون إهدار حقوق الأقليات غير المسلِمة، أو المسلمة، من غير إثارة للنعرات القومية الطورانية والكردية والبربرية والعربية ونحوها.

المواطنة في المنظور الإسلامي تضمن لجميع المواطنين حقوقهم المتمثلة بحقوق الإنسان لقيامها على قاعدة التسامح، فهي تحترم الواقع وليست مجرد شعارات، وهي أداة بناء واستقرار، لا وسيلة تهديم وتفريق وزرع مشكلات كما هو الشائع في الغرب، إنها مفهوم يعتمد أساساً على الحرية والمساواة.

وأساليب المواطنة الإسلامية هي الدعوة الجادة والحازمة إلى الألفة والوفاق وإشاعة الأمن والوئام انطلاقاً من الآية القرآنية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.. ﴾(3).

وهي تتناغم مع وجود مجتمع التعدد في الأديان والثقافات والعنصريات والأعراق، فلا مانع ولا خوف من ظاهرة المواطنة أو دعوة الإسلام العامة سواء في خارج الدولة الإسلامية لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ..﴾(4) وآية ﴿شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ وآيـة: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾(5) وهذا إقرار بتعدد الأمم،أم في داخل الدولة الإسلامية، لعدم التمييز بين المواطنين، وإذابة الفوارق العنصرية والمذهبية والطبقية والدينية والمذهبية، والتزام مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، والنظرة الإنسانية للوحدة الإنسانية، والدعوة إلى الاندماج الكامل والعدل الشامل، في إطار وحدة الأمة، وضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والمصالح الكبرى.

فكان لابد من ضرورة العناية بفكرة المواطنة بالمفهوم الإسلامي، لتجاوز المشكلات والقضاء على التنوعات الثقافية والتعددات الدينية والعرقية ونحوها.

تأصيل فكرة المواطنة بالمفهوم الإسلامي: إن التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة ينبع مما يأتي:

1- "وحدة الأصل الإنساني أو النزعة الفطرية الإنسانية: فكل الناس سواء في أصلهم وجنسهم وميولهم الفطرية التي تقتضي التمسك بالمواطنة وحب الوطن، حتى إنه جعل الإخراج من الوطن معادلاً لقتل النفس، بصريح قوله - تعالى -: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ..﴾(6) فالتمسك بالوطن أو الانتماء الوطني غريزة أو نزعة إنسانية أو فطرة مستكنة في النفس الإنسانية، قال الخليفة عمر t: " لولا حب الأوطان لخرب بلد السوء " أي إن الوطنية ملازمة للإنسان، حتى ولو كان البلد فقيراً وأهله أشراراً.

وحينما أمر الله -تعالى- نبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، تأمل في مكة ونظر إليها وقال: "والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت" فأنزل الله -تعالى- مطمئناً له: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾(7).

وجعل القرآن الكريم الدفاع عن الوطن جهاداً في سبيل الله -تعالى-، فقال -سبحانه-: ﴿وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ.. ﴾(8) وهذا دليل على أن الغيرة على الوطن النابعة عن حبه، تدفع الإنسان إلى الاستماتة في سبيل الدفاع عن وطنه، وهذا مشروع، كالجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى.

2- وحدة المصالح المشتركة والآمال والآلام: إن الوطن وعاء المواطنة، فمصالحه واحدة، وآماله بجعله عزيزاً كريماً وسيداً محصناً منيعاً هي واحدة، والآلام والمضار التي قد تجعله معرَّضاً للمخاطر مشتركة، كل ذلك يدفع المواطن إلى الالتقاء مع بقية المواطنين على خطة واحدة، وعمل واحد، سواء بالتحرر من الدخيل المحتل، أو ببنائه على أسس وقواعد قوية تحميه من كل ألوان العدوان والتخلف وصونه من الأزمات والانتكاسات، لأن الخير للجميع، والسوء أو الشر يعمُّ الجميع، وهذا يدفع المواطنين إلى الوقوف صفاً واحداً، والتعاون يداً واحدة لرفع كيان الوطن، وصون عزته وكرامته، مما يجعل الوطن الذي هو وعاء المواطنة حقاً عاماً لاستيطان جميع المواطنين.

3- المفهوم العام للمواطنة: من المعلوم أن المسلم كالسمك في الماء لا وطن له، فجميع البلاد التي تسودها الشريعة الإسلامية، وتطبق أحكام الإسلام هي وطن المسلم. والتوفيق بين الانتماء للوطن والانتماء للأمة في التصور الإسلامي سهل واضح، لأن الإسلام وضع منهجاً واضحاً للدفاع عن الوجود الوطني بالبدء بأهل الدار أو الوطن الصغير، ثم الانتقال إلى الجوار، ثم الأقرب فالأقرب حتى يعم جميع البلدان والأقطار في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً.

كما أن الميل للوطن بالمعنى الإقليمي الضيق لا يمنع من الميل للأمة المتحدة في أفكارها وعقيدتها، فالمواطنون في الوطن الضيق شركاء في المغانم والمغارم، وهي الدائرة الأولى، ثم تتسع الدائرة من أجل تحقيق وحدة المسلمين وقوتهم وصون عزتهم وكرامتهم، لتشمل جميع الأمة الإسلامية، وهذا يتطلب التعاون الدائم.

وحلقات التعاون يؤازر بعضها بعضاً، فلا تصان الحياة الاجتماعية إلا بخطوط دفاع متلاحقة، الواحد يتلو الآخر، وينصبُّ الخير في النهاية في مصلحة الجميع.

والإيمان بأركان وأصول واحدة، والاتحاد في تطبيق أركان الإسلام الواحدة يجعل الأخوة الإسلامية صمَّام أمان أقوى وأمنع، وهي أيضاً تفيد أهل الوطن الضيق من تطلع الأعداء إليه، فلا يكون الإخاء الإسلامي العام بين جميع المسلمين متصادماً مع الشعور الخاص بين أبناء الوطن الصغير، فكلاهما يساند الآخر.

إن الأمة الإسلامية القائمة على بنية المجتمع المتعدد المذاهب والأعراق والغايات في أي قطر إسلامي تؤمن بعقيدة واحدة، وتظللها شريعة واحدة، وتربطها أخوة واحدة، كما قال-تعالى-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(9).

فهي أمة واحدة خالدة على مدى التاريخ، لا تفرقها المصالح الصغيرة، ولا تفكك رابطتها الجامعة القضايا الجانبية، فكان المصطلح الإسلامي هو التعبير بالأمة الواحدة، وليس بالشعب الواحد.

وتكون المواطنة في الإسلام في أصل مفهومها أوسع من الحدود الجغرافية الإقليمية الضيقة للوطن الإسلامي، ويكون كل فرد مسلم أو معاهد مواطناً، لأنه عضو من الأمة الإسلامية، له كل الحقوق، وعليه كل الواجبات.

المثال أو الأنموذج الأول للمواطنة- صحيفة المدينة:

كان الاتجاه الإسلامي منذ عهد النبوة سبَّاقاً لإعلان مبدأ المواطنة قبل ظهور مفهوم الدولة الإقليمية المعاصرة منذ معاهدة وستفاليا سنة 1856م، ثم بلورة النظام الدولي الحديث في ميثاق فرانسيسكو والاتفاق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول(ديسمبر) 1948.

ويتمثل هذا السبق الوهاج في الوثيقة المشهورة تاريخياً وفي السيرة النبوية وهي صحيفة المدينة التي أبرمها النبي e بعد هجرته إلى المدينة المنورة وبعد ثلاث عشرة سنة من البعثة النبوية سنة 622م. وقد أبرزت هذه الوثيقة المهمة جداً أمرين:

الأول: ميلاد الدولة الإسلامية في الوطن الجديد.

الثاني: صهر المجتمع المدني في أمة واحدة على الرغم من التنوع الثقافي والعقدي(المسلمون واليهود والوثنيون الذين لم يؤمنوا من الأوس والخزرج) والتنوع العرقي(المهاجرون من مكة وهم من قبائل عدنانية، والأنصار وهم قبائل قحطانية، واليهود وهم قبائل سامية).

بنود الصحيفة أو الوثيقة المحققة للمواطنة، وهي التي تسمى في عصرنا "دستور الدولة":

أبرم النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان عمره 53 سنة في السنة الأولى من الهجرة النبوية سنة 13 من البعثة التي يوافقها عام 622م وثيقة أو معاهدة بين المسلمين وطوائف المدينة، وهي الوثيقة السياسية الأولى، والمشتملة على 47 بنداً أو فقرة، ونصها وأختار منها ما يأتي(10):

هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم وجاهد معهم:

1- أنهم أمة واحدة من دون الناس.

2- وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.

3- وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم؟

4- وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ(يهلك) إلا نفسه وأهل بيته.

5- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

6- وأن على اليهود نفقتهم، وأن على المسلمين نفقتهم.

7- وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.

8- وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

9- وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.

10- وأن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف.

11- وأن ليهود بني ثَعْلبة مثل ما ليهود بني عوف.

12- وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.

13- وأن جَفْنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.

14- وأن لبني الشُّطَيْبة مثل ما ليهود بني عوف، وأن البِرَّ دون الإثم.

15- وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.

16- وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.

17- وأن بينهم النصحَ والنصيحة والبر دون الإثم.

18- وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه.

19- وأن النصر للمظلوم.

20- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

21- وأنه ما كان بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله.

22- وأنه لا تُجَار قريش ولا من نصرها.

23- وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.

تضمنت هذه الوثيقة الدستورية قضايا المواطنة وحقوق المواطنين وواجباتهم، مع الاتفاق على إنشاء تحالف عسكري بين جميع طوائف المدينة ضد الأعداء، ومنع أي تعاون مع المشركين ضد المسلمين.

فالبند الأول: يقرر مبدأ الوحدة الوطنية بين جميع المواطنين وأن طوائف المدينة هم رعايا الدولة أو شعب الدولة في المفهوم المعاصر، أو بيان مكوِّنات مفهوم الأمة.

والبند الثاني: يَحْظُر تعاون أهل المدينة مع مشركي قريش في مكة، سواء في حماية النفوس أو صيانة الأموال، أو الاقتصاد العام.

والبند الثالث: يعلن ضرورة مناصرة اليهود وحقهم على المؤمنين ضد من عاداهم.

والبند الرابع: إعلان للوحدة الوطنية بين المؤمنين واليهود في إطار العدل، دون الظلم والاعتداء، فيتحمل الظالم مغبَّة ظلمه.

والبند الخامس: تقرير مبدأ المساواة بين المسلمين واليهود في مؤازرة الدولة اقتصادياً في حال محاربتهم مع الأعداء، ووجوب الموالاة والنصرة في الحرب.

والبند السادس: توزيع الأعباء الاقتصادية على كل من المسلمين واليهود.

والبنود من 7 – 15 – وهي في أصل الوثيقة من 26 – 35- أوضحت مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وتسع قبائل يهودية، متضامنة مع يهود بني عوف.

والبندان 16 – 17 تحديد أولويات المناصرة بين أهل الصحيفة وبين أعدائهم الذين يحاربونهم، وهذا مفهوم عسكري دفاعي، مع بيان ضرورة التعاون في إبداء الرأي والنصيحة والمشاورة، وهذا مفهوم أساسي اجتماعي للمواطنة.

والبند 18 بيان وتأصيل مبدأ المسؤولية الشخصية أو الفردية، فكل إنسان مسؤول عن تصرفاته الخاصة وسلوكه الجنائي، وهو من مفاخر الإسلام لقولـه -تعالى-: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(11)، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾(12)، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(13).

والبند 19 توضيح أصول التقاضي ومفاهيم القضاء والأحكام.

والبند 20 تحديد نطاق مفهوم المواطنة الجغرافي.

والبند 21 بيان المرجعية في أحوال فض المنازعات أو التنازع القانوني وهو كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله، أي إن الحاكمية لله ورسوله، لأن الشريعة الإسلامية ذات نطاق إقليمي.

والبند 22 تقرير قطع علاقات التعاون العسكري مع قريش وحلفائها.

والبند 23 بيان عام في وجوب الدفاع عن المدينة(يثرب) وأن النصر يكون في حال الحق والعدل، لا في حال الظلم والإثم، فلا تعطي المواطنة حق البراءة أو الامتياز، لأن الإسلام يناصر الحق لا الباطل.

وهذا يعني أن جميع المواطنين يعاملون على أساس واضح من المساواة، فليس هناك مواطنون من الدرجة الأولى، وآخرون من الدرجة الثانية أو الثالثة، فالجميع سواسية أمام القانون، ولا يعفى أحد من طائلة النظام أو القانون الجنائي وغيره من القوانين الدستورية والإدارية والدولية.

إن هذه الوثيقة مثل أعلى يمثل شرف المواطنة وتقرير حقوق المواطنين على أساس واضح من المساواة وتحمل المسؤوليات دون منح بعضهم شيئاً من الامتيازات، على عكس ما كان مقرراً في الأمم غير الإسلامية في الماضي من إعطاء امتيازات لبعض المواطنين وهو ما يُعمَل به أحياناً في دساتير بعض الدول المعاصرة صراحة، أو عرفاً أو تواطؤاً سرياً.

1- الولاء والإخلاص للدولة والوطن، وحب الأرض والآخرين الذين يعيشون مع المسلمين، ويتعرضون معهم لكل إساءة وخطر، ويستفيدون جميعاً من مغانمه، مما يجعل الوطن خيراً ومتعة للجميع، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾(14).

أما الولاء للأعداء فهو خسارة محققة، ولا يجلب إلا الشر والسوء والوبال، لذا نهى الله -تعالى- عن موالاة الأعداء، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ..﴾(15).

وقال U: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾(16).

ومن يتحالف مع الأعداء ويتناصر معهم على حساب مقتضيات دولته ومصلحة أمته ووطنه، فهو خائن خيانة عظمى، مفرط في حقوق بلاده، وكل خائن يعيش أبد الدهر سقيم الوجدان،ساقط الاعتبار، يلفظه التاريخ، وهو يستحق النبذ والطرد والعقاب، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(17) وفي آية: أخرى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾(18)، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾(19).

2- الدفاع عن الوطن: وهذا واجب مقدس، لأن الوطن للجميع، والخير والشر يعم الجميع، وهذا الدفاع يتطلب التضحية بالنفس والمال وأغلى شيء في الوجود، ولابد من أجل ذلك أن يكون القادر على حمل السلاح فداء للجماعة، فيسجل له التاريخ صفحة مشرِّفة، وإذا تعرض للأذى أو الموت فهو في عداد الخالدين. قال الله U في شـأن الشـهداء ومكانتهم: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾(20).

وإن بذل الدماء رخيصة في سبيل الحفاظ على الوطن يحفظ حرمة الوطن والبلاد، ويصون عزته وكرامته، ويبقيه حقاً خالداً لأهله، أما عملاء الأعداء فهم ساقطو الاعتبار.

والمقاومة للعدو إما بالنفس، أو بالمال، أو باللسان(الحرب الإعلامية) لقوله e: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "(21).

وإذا تخلى المواطن عن واجب الدفاع وجب عليه دفع الفدية أو الضريبة المسماة في القرآن الكريم بالجزية وهي دينار واحد في العام، فإذا جاهد أو عجز عنها سقطت عنه وعن أمثاله.

3- احترام نظام الدولة ودستورها: لأن ذلك يحقق الأمن الاجتماعي، وممارسة الحريات، ويحفظ نظام التعامل، ويؤدي إلى انتعاش الاقتصاد ورخاء الأمة، ويمنع الفوضى، ويقمع الجريمة، ويستأصل الفساد بقدر الإمكان، ويزيل كل ظواهر التخلف والدمار والتخريب.

هذا بالإضافة إلى التزام المواطن بواجباته الدينية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والصحية والثقافية، فيعبد ربه بإخلاص، لأن العبادة تهذِّب النفس وتطهر القلب من أمراضه، وتحبِّب الخير، وتمنع الشر، وعليه صون أسرته وتربية أولاده وتعليمهم وغرس فضيلة الأخلاق في نفوسهم ومنها حبّ الخير، وحب الآخرين، وجلب المنفعة لهم ودفع الشر عنهم.

وعلى المواطن واجب رعاية العهد والميثاق وبيعة الحاكم، وصون مصلحة الأمة العليا، وإشاعة الأمن، وتنمية الاقتصاد الزراعي والصناعي والتجاري وغيرها من الموارد العامة، وتنمية الثقافة، وتحصيل العلم، وتقدم العلوم ولا سيما في عصرنا العلوم التقنية، والحفاظ على البيئة وأموال الآخرين وحقوقهم المادية والمعنوية، ومحاربة الفساد والانحلال الخلقي، وتحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي، ومحاربة كل ألوان الضرر بالنفس من مسكرات ومخدرات وغير ذلك مما يحقق تقدم الوطن وإعلاء شأنه، وجعله في طليعة الأوطان، وعلى هذا فإن الشريعة الإسلامية كغيرها من قوانين العالم المعاصر شريعة إقليمية، تطبق على جميع رعاياها، وكذلك نظامها الأساسي(أي الدستور).

وأما حقوق المواطن في الدولة الإسلامية: فهي أكثر بكثير من الواجبات وهي تشبه إلى حد كبير الحقوق الأساسية والتبعية للمواطن في المواثيق الدولية لاتفاقها مع مقاصد الشريعة:

1- حق الحياة وكسب المال أو حق الملكية الخاصة: الحق في حفظ النفس الإنسانية والملكية مقصد أساسـي من مقاصد الشريعة، فيحرم الاعتداء على كل إنسـان في الوطن، مسـلماً كان أو غير مسلم(22)، مواطناً أم وافداً، لأن حرمة الدماء عظيمة في الإسلام، إلا بجرم جنائي مرتكب، كالقصاص أو الحد، حفاظاً على الأمن والاستقرار. قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً..﴾ أي وغير مؤمن، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(23)، وقال -تعالى- أيضاً: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(24).

ولم نجد كالإسلام ديناً جعل قتل النفس بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياء النفس بمثابة إحياء الناس جميعاً، والمال أيضاً قرين الروح.

وفي خطبة الوداع التي هي ميثاق عام ودائم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا "(25).

وتكون دماء غير المسلمين وأعراضهم وأموالهم مثل المسلمين، فلا يجوز الاعتداء عليها، وهذا هو المطبق في السنة النبوية والمقرر عبر التاريخ، روى المحدّثون أن مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة(العهد) فرفع ذلك إلى رسول الله e، فقال: "أنا أحق من أوفى بذمته" ثم أمر به، فقُتل(26). وسار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج، ولا سيما من حيث الواقع في عهد عمر وعلي رضي الله عنهما.

أما الجهاد فهو شريعة استثنائية لرد العدوان، كبقية أنظمة الحرب المشروعة قديماً وحديثاً، وحالاته ما يأتي:

1"- رد الاعتداء: لقوله -تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(27).

2"- نصرة المستضعفين: لقوله U: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ..﴾(28).

3"- مصادرة حرية الدعوة أو قتل الدعاة، أو فتنة المسلم عن دينه، لقوله -تعالىٍ-: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾(29).

والأمان في ديار الإسلام يشمل المسلمين والمعاهدين على الدوام أو المستأمنين الداخلين إلى بلادنا بأمان، لقوله -تعالى-: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾(30).

2- حق الكرامة الإنسانية: كرَّم الله تعالى كل إنسان مسلم أو غير مسلم، لأنه صنع الله وخليقته، كما قال تعالى واصفاً الإنسان: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(31) وأبان الحق تعالى تكريمه للجنس البشري في قرآنه، فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(32).

ومن مظاهر التكريم الإلهي أَمْرُ الله -تعالى- بسجود جميع الملائكة لأبينا آدم u، كما في آية: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾(33).

وهذا وأمثاله في القرآن الكريم يدل على وجوب احترام النفس الإنسانية مطلقاً في الحياة وبعد الممات. وقد عرفنا سابقاً أن الإسلام دعا إلى الوحدة الإنسانية في آية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾(34) وأوجب الله -تعالى- لقاء القبائل والشعوب للتعارف لا للتناكر أو التنازع والصراع، في آية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..﴾(35) وأيدته خطبة حجة الوداع: "يا أيهل الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد.. "(36).

وألزم القرآن المسلمين في مجادلة غير المسلمين بأن يكون الجدال بالحسنى في قوله -تعالى-: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾(37).

ولم يجز القرآن سبَّ آلهة المشركين الوثنيين ومنعاً من المنازعة وإثارة المشكلات، وتأجيج الصراعات في آية: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ..﴾(38).

ومن وقائع تكريم الإنسان أن النبي e قام عند مرور جنازة يهودي، فقيل له: إنها جنازة يهودي! فقال: أليست نفساً(39)؟!

ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يمر بجيفة ميت إلا أمر بدفنها، تكريماً للإنسان. واقتص عمر بن الخطاب من ابن عمرو بن العاص وأبيه، لضرب الأول قبطياً بالسوط لأنه سبقه، قائلاً: أنا ابن الأكرمين، ثم ضرب صلعة الأب والي مصر، لأن الابن استغل نفوذ أبيه، قائلاً للقبطي: دونك الدِّرة، فاضرب بها ابن الأكرمين، ثم قال عمر: أجِلْها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه. ثم قال لعمرو: يا عمرو، متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً(40)؟!

وكان من أرفع الأمثلة والآداب في القرآن الكريم في احترام الرأي الآخر، ودعوة أصحابه للتأمل والتفكير في معرفة الحق ومنهاجه، وفي الإلزام بأدب الحوار، حفاظاً على كرامة الناس، هو ما سجله القرآن في آية: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾(41).

قال الزمخشري: وهذا من الكلام المنصف الذي كلُّ من سمعه مَوَالٍ أو منافٍ قال لمن خُوطب به: قد أنصفك صاحبك... ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق مني ومنك، وإن أحدنا لكاذب(42).

3- الحرية الدينية وغيرها: منع الإسلام من إكراه أحد على الدخول في الإسلام، فقال -تعالى-: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..﴾(43). وخاطب الله نبيه مانعاً له باعتباره قائد الأمة- وخطابه خطاب لجميع أفراد الأمة- من ممارسة أي ضغط أو إكراه على تغيير الدين، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(44).

وذلك لأن الهداية وانشراح الصدر بالإسلام بتوفيق الله تعالى، لما علم الله من استعداد كل نفس لقبول الحق ونبذ الباطل، فقال سبحانه: ﴿.. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ..﴾(45).

ولم يقتصر القرآن الكريم في تقرير الحرية على حرية العقيدة، بل عمَّ الإسلام في منهاجه السياسي جميع أنواع الحريات، مثل حرية النقد والاعتراض، وحرية التنقل، وحرية العمل، وحرية الممارسة للشعائر الدينية، دون إخلال بقواعد النظام العام، قال الإمام علي t: وإنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا(46). وقال الفقهاء في حق أهل الذمة المعاهدين: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

وقد نصت جميع معاهدات المسلمين مع غير المسلمين، على إقرارهم في ممارسة شؤون دينهم، دون اعتراض ولا مضايقة، والاعتراف بحريتهم، مثل كتاب النبي e لنصارى نجران الذين أنزلهم في المسجد النبوي حين جاؤوا ضيوفاً عليه، وجاء في هذا الكتاب:

".. ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيَعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغيّر أسقفُّ من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، وليس عليه دنية، ولا دم جاهلية، ولا يخسّرون ولا يعسّرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النَّصَف غير ظالمين ولا مظلومين.. "(47).

ومثل ذلك العهدة العمرية بين عمر t وأهل المقدس بالجابية من الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم بعد فتحها، وصلح خالد بن الوليد لأهل الحيرة(48)، ولأهل حمص، وصلح عمرو بن العاص مع المقوقس وأقباط مصر.

ومن حق غير المسلمين في ديار الإسلام الاحتكام لدينهم في قضايا الأسرة من زواج وفسخ أو طلاق. ولا عقاب عليهم فيما يعتقدون حله كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ومن الأمثلة الرفيعة أيضاً: نزول تسع آيات في شأن حقوق الإنسان وتبرئة يهودي من تهمة السرقة لدرع والتي ارتكبها طعمة بن أبيرق من جار لـه هو قتادة النعمان، وأراد هو وعشيرته إلصاق التهمة بسرقة الدرع بيهودي اسمه زيد بن السمين(49)، وهذه الآيات هي:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾(50).

وإنْ تحاكم المعاهدون إلينا، فلهم حرية التقاضي إلى المحاكم الإسلامية، ويجب الحكم لهم بالحق والعدل، كما قال -تعالى-:

﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(51).

4- حق العدل: أوجب الإسلام الحكم بين الناس بالحق والإنصاف والعدل، دون محاباة أو تحيز، أو ميل لمسلم على حساب معاهد أو على العكس، لأن الإسلام دين الحق والعدل، وبالعدل قامت السموات والأرض، والعدل أساس الملك، قال الله -تعالى-: ﴿اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(52).

ولا يصح بحال من الأحوال أن يحيد القاضي المسلم عن قاعدة العدل، حتى مع الأعداء، قال الله -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(53). ومن وقائع المحاكمة العادلة: ما حدث بين الإمام علي ويهودي في ملكية درع أمام القاضي شريح حيث لم تكتمل عناصر الإثبات، لأن شريحاً رفض قبول شهادة الحسن لأبيه علي، ثم قضى بأن الدرع لليهودي، فقال: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه!! أشهد أن هذا الدين على الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين، سقطت منك ليلاً(54).

ومن أمثلة العدل مع غير المسلمين: ما قضى به الخليفة عمر بن عبد العزيز لمعاهد من أهل حمص في اغتصاب العباس بن الوليد بن عبد الملك أرضاً للمعاهد، أقطعها الوليد للعباس، فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتّبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، قم: فاردد يا عباس ضيعته، فردها عليه(55). وكذلك حكم عمر بن عبد العزيز على القائد قتيبة بن مسلم الباهلي بأن يخرج من إقليم سمرقند مع الجيش بعدد دخوله إليه من غير إنذار حربي، فآمن كثير من أهل سمرقند بالإسلام(56).

والذي يؤكد هذا المنهج القرآني والسلوك العملي ما ثبت في السنة النبوية من توجيهات حاسمة في شأن الالتزام بقاعدة العدل، منها ما أخرجه أبو داود والبيهقي عن النبي e حيث قال: " ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجة يوم القيامة".

5- حق المساواة: غير المسلمين المعاهدين لهم حقوق متساوية مع المسلمين في الوظائف العامة إلا ما اقتضته ظروف ذات طبيعة خاصة تعبر عن اتجاه الأغلبية، كرئاسة الدولة أو ذات حساسية مفرطة كقيادة الجيش، كما هو الشأن المتعارف عليه في بقية دول العالم المعاصر.

وفيما عدا ذلك فهم يتمتعون بحق المساواة في الحقوق والواجبات سواء في الحماية التامة والمحافظة عليهم من أي اعتداء، أو حق الحياة، والحرية الدينية، وممارسة الشعائر الخاصة، وغيرها من أنواع الحريات، والمساواة أمام القانون، والتمتع بجنسية الدولة، مع حريتهم في استعمال لغاتهم الخاصة بهم، وترك الحق لهم في عدم الاندماج مع سائر المسلمين، وحريتهم في تطبيق أحكامهم الخاصة في قضايا الأسرة من زواج وطلاق وغير لك.

قال ابن عابدين: فإن قبلوا الجزية(وهي ضريبة دفاع بمقدار دينار واحد على الشخص القادر) فلهم ما لنا، وعليهم ما علينا من الإنصاف(المعاملة بالعدل والقسط) والانتصاف(الأخذ بالعدل) أي أنه يجب لهم علينا، ويجب لنا عليهم لو تعرضنا لدمائهم وأموالهم، أو تعرضوا لدمائنا وأموالنا ما يجب لبعضنا على بعض عند التعرض(57).

وقال الماوردي: ويلزم لهم ببذل الجزية حقان: أحدهما- الكشف عنهم، والثاني- الحماية لهم، ليكونوا بالكف آمنين، وبالحماية محروسين، روى نافع عن ابن عمر قال: كان آخر ما تكلم به النبي e أن قال: احفظوني في ذمتي(58)

ومن أمثلة مساواة المعاهدين بالمسلمين ما قرره فقهاء آخرون حيث قالوا: "إن أصل الحرب إذا أسرو أهل الذمة من دار الإسلام لا يملكونهم لأنهم أحرار"(59).

وأساس هذه الحقوق: سنة الرسول e العملية، كما جاء في كتاب الذمة(العهد) لقبيلة ثقيف في الطائف: "وإن طعن طاعن على ثقيف، أو ظلمهم ظالم، فإنه لا يطاع فيهم في مال ولا نفس، وإن الرسول ينصرهم على من ظلمهم،والمؤمنون ومن كرهوا أن يلج عليهم من الناس، فإنه لا يلج عليهم، وإن السوق والبيع بأفنية البيوت(60)، وإنه لا يؤمّر عليهم إلا بعضهم على بعض، على بني مالك أميرهم، وعلى الأحلاف أميرهم"(61). وهذا قريب الشبه من بعض أنظمة الحكم الذاتي المعروف الآن.

أما الدفاع عنهم ضد أي اعتداء على أنفسهم وأموالهم، فهو حكم مجمع عليه(62). روى جويرية بن قدامة قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: "أوصيكم بذمة(عهد) الله، فإنه ذمة نبيكم، ورزق عيالكم"(63).

وفي رواية البخاري: كان فيما تكلم به عمر بن الخطاب t عند وفاته: "أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله e أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتَل من ورائهم، ولا يكلفوا فوق طاقتهم"(64).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي e قال: من قتل معاهداً بغير حق لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً(65).

والمنع أحياناً من تولي المعاهد وظيفة عامة كمنع أي مسلم، حسبما تقتضي المصلحة العامة، وبتقدير ولي الأمر الحاكم(رئيس الدولة ومؤسساته الدستورية) أو التقنين.

وقد جعل عمر بن الخطاب رجال دواوينه من الروم النصارى. وجرى الخليفتان الآخران (عثمان وعلي) وملوك بني أمية من بعده على ذلك، إلى أن نقل الدواوين عبد الملك بن مروان من الرومية إلى العربية. وعمل العباسيون وغيرهم من ملوك المسلمين في نوط أعمال الدولة واليهود والنصارى والصابئين ومنها الأعمال الطبية والعلمية التطبيقية، ومن ذلك جعل الدولة العثمانية أكثر سفرائها ووكلائها في بلاد الأجانب من النصارى(66).

يتضح من هذا أن المعاهدين المقيمين بصفة الدوام في الديار الإسلامية ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية كما يزعم بعض المستشرقين الحاقدين، وإنما هم من درجة واحدة.

ويتبين أيضاً أن عقود المعاهدات مع غير المسلمين في بلاد الإسلام ليست ذات صلة أو شبه بما يسمى اليوم بالاستعمار، لأن النظام الإسلامي يقوم على أساس من الحرية والمساواة والإنسانية، أما الاستعمار فيقوم على سلب الحرية واستباحة كل ما يملك المغلوب وما ينتج(67).

ونبراس هذه المعاملة لغير المسلمين هو قول الله تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(68).

ويلاحظ أن المستشرق المستر «سكوت» الذي عاصر الشيخ محمد عبده زعم أنه لم يكن الذمي متمتعاً بالحرية التي يتمتع بها المسلم بخصوص مسكنه وملبسه وطرق معيشته(69).

ويرد عليه بما سبق بيانه بأن الذمي يمارس كافة الحقوق على قدم المساواة مع المسلم، وأما بعض الملحوظات الشكلية في اللباس أو السلام بتحية الإسلام المعروفة وليس بتحيتهم وأعرافهم، فاقتضتها ظروف خاصة، واعتبارات مؤقتة، وأحوال عرفية في بعض الأزمان الماضية.

قال فقهاء الحنفية: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، ما جاز للمسلم أن يفعله في ملكه جاز لهم، وما لم يجز للمسلم لم يجز لهم(70).

وقد تبين مما سبق أن أهل العهد يخضعون لقضاء الدولة العام، ويطبق عليهم القانون الإسلامي، فيما عدا بعض الاستثناءات كالعقائد والأحوال الشخصية(71). وذلك لأن المرجعية القانونية إنما هي لقانون الأغلبية، فالشريعة الإسلامية إقليمية التطبيق لا شخصية، والذميون يعتبرون مواطنين كاملي المواطنة، لا رعايا في القضايا السياسية ومنها الجنسية الإسلامية(72).

6 – حق الرعاية: يجب على الدولة الإسلامية حماية غير المسلمين في أراضيها من أي عدو خارج، لأن لهم من حق الدفاع عنهم مما يؤذيهم ما للمسلمين كما تقدم بيانه.

من أمثلة ذلك: أن أبا عبيدة بن الجراح – كما ذكر أبو يوسف في كتاب الخراج(73) –صالح أهل الشام على دفع الجزية عند الفتح الإسلامي لبلاد الشام، فلما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين لهم، وحسن السيرة فيهم، صاروا أشدّاء على عدو المسلمين، وعوناً للمسلمين على أعدائهم، فكانوا يتجسسون الأخبار عن الروم وعن ملكهم.

ولما اشتد خطر الروم على المسلمين أمر أبو عبيدة برد الجزية والخراج على النصارى في حمص وغيرها، فردوا عليهم الأموال التي جبوها منهم، فقالوا: "ردكم الله علينا، ونصركم عليهم، فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً، وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئاً". وتكرر هذا الفرح من أهالي حمص وغيرهم بزوال حكم الصليبيين.

ولو أسر بعض المعاهدين من الأعداء، وجب على المسلمين فكاك أسراهم، ومن أمثلة ذلك: حينما تغلّب التتار على بلاد الشام، ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ليكلم «قطلو شا» في إطلاق الأسرى، فوافق القائد التتري على إطلاق أسرى المسلمين، دون أسرى أهل الذمة، فقال ابن تيمية: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملّة، فلما رأى إصراره وتشدده، أطلقهم له(74).

وهذا مستمد من وصايا النبي e ووصايا خلفائه الراشدين بأهل الذمة كما تقدم، ومن مقتضيات ذلك: كف الأذى والظلم والاعتداء عليهم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله "(75).

وقال أيضاً: "من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"(76)، " ألا من ظلم معاهداً، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة"(77).

أي إن رعاية غير المسلم وحمايته من أي أذى واجب أساسي على الدولة المسلمة، قال القرافي: "إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم، لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا -حراستنا- وذمة الله تعالى وذمة رسوله e، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم، ولو بكلمة سوء، أو غيبة فر عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذيّة، أو أعان على ذلك، فقد ضيَّع ذمة الله -تعالى- وذمة رسوله e وذمة الإسلام"(78).

7- حق احترام الخصوصيات:

المسلمون عملاً بتوجيهات دينهم وشريعتهم في مظلة قاعدة «أمرنا بتركهم وما يدينون» يعاملون غيرهم معاملة سامية، فيتركون لهم في ديار الإسلام الحرية في معتقداتهم وديانتهم ومعاملاتهم، فلا يحجرون عليهم شيئاً منها، ويحترمون حقوقهم في شؤون العقيدة وممارسة طقوس الشعائر الدينية من صلوات وقداسات وغيرها، ويكون لهم الحق في تناول ما يعتقدون إباحته من قليل المسكرات، وأكل لحوم الخنزير، والفرح في أعيادهم ومقدساتهم، وتشييع جنائزهم وتعازيهم وغيرها من المناسبات،وتبادل التهاني فيها. ولا يكلّفون بشيء غير ما أبرم معهم من معاهدات واتفاقيات.

وهم أحرار في ترميم كنائسهم وبنائها بقدر الحاجة، وكل ذلك في حدود ما تسمح به الأنظمة وقواعد النظام العام والآداب المقررة في مختلف القوانين المعاصرة، فليس لهم المساس بشيء من قواعد الإسلام ومقدساته من قرآن أو سنة نبوية وعقيدة وعبادة وأخلاق، ومسلّمات تاريخية، وليس لهم شيء من السبّ والشتم والتهكم أو السخرية، أو إثارة الفتنة الدينية، أو الطعن بقيم الإسلام وتاريخه وحضارته، أو الاعتداء على الأعراض والكرامات.

8- حق التعلم والتعليم: لغير المسلمين الحق في تعلم شؤون دينهم وتاريخهم، وتعليم الناشئة في المدارس والمنازل والكنائس وغيرها، لأن الإسلام رغّب في تلقي العلوم والمعارف، وإغناء الثقافات، وتقدم الحضارة والنهضة والمدنيات، وغير ذلك من كل ما هو نافع ومفيد للمجتمع، لأن مردود ذلك يعم الأمة ويسهم في تجاوز كل أوضاع التخلف، ويحقق العزة ويصون الكرامة ويدفع الشرور والتعديات الداخلية والخارجية.

ولا مانع من الحوار البنَّاء الهادئ والهادف والجدال بالحسنى مع غير المسلمين، دون تأجيج الفتنة، أو إيجاد الصراعات، أو غرس بذور الحقد والتعصب والكراهية، أو ممالأة الأعداء والتعاطف معهم على حساب كرامة الوطن، قال الله -تعالى-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ..﴾(79).

بل إن القرآن الكريم نص صراحة على قضية الحوار مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فقال -تعالى-: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(80).

وبدهي أنه ليس لهم الترويج للإلحاد والزندقة والتحلل من ظاهرة التدين أو الطعن بشيء من أصول الدين والوحي الإلهي، وذلك كشأن المسلمين أنفسهم، لأن هذا لا يعد تعليماً مفيداً، وإنما هو تهديم وتفريق وإثارة مشكلات.

وعليهم أيضاً الحفاظ على متطلبات الوحدة الوطنية لإشاعة الأمن وتحقيق الاستقرار، لأن تقدم الأمة مرهون بتوفير الثقة والطمأنينة والترفع عن العصبيات والتكتلات الضارة والمسيئة لوحدة المشاعر وحفظ مصلحة الأمة والوطن.

9- حسن المعاملة: إن توفير حسن النية وبناء جسور الثقة يتطلب العمل على إيجاد جسور مشتركة بين المسلمين وغيرهم، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ويكون من المصلحة المشتركة البر والإحسان من الطرفين، من زيارات ودية، وتبادل الهبات والهدايا، وتقديم تحية لطيفة بما هو متناسب مع الأعراف والعادات الاجتماعية، وزيارة المرضى، والتهنئة بعيد لا يمس أصول العقيدة، والتعاطف في المصائب والأحزان والتعازي فهو من البر والإحسان، وفي ذلك من الفائدة الحيوية لإيجاد بيئة راسخة من الثقة في المعاملات وتقديم الخير المشترك للأمة والوطن.

ومنطلق هذا هو الآيتان القرآنيتان المذكورتان سابقاً وهما: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾(81).

وهذا تقرير لقاعدتين اجتماعيتين مهمتين جداً، وهما إشاعة البر والمودة والإحسان وعمل الخير والثقة، وشجب كل مظاهر التعاون مع الأعداء ومناصرتهم أو الاستنصار بهم.

والبر خطوة إيجابية زائدة على فضيلة المعاملة الحسنة، ولقد كان النبي e يعود مرضى أهل الكتاب ويحسن إليهم، ويتبادل الإعارة معهم، ويمارس التجارة مع تجارتهم، ويستقبلهم وينزلهم ضيوفاً في مسجده، كما فعل مع وفد نصارى نجران ووفد نصارى الحبشة.

وما أجمل وأوضح ما قرره بعض علماء الإسلام القدامى حين حدّد المقصود من البر، فقال القرافي:

"هو الرفق بضعيفهم، وسدّ خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم، على سبيل التلطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته، لطفاً منّا بهم، لا خوفاً ولا طمعاً، والدعاء لهم بالهداية، وأن يُجعَلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم، إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم.. إلخ"(82).

واستمر هذا التوجه في العمل الدائم على مدى التاريخ وأصبح منهجاً عاماً ومعمولاً به بين الخلفاء والولاة المسلمين وعامة المؤمنين، سواء في بلاد المشرق أم في بلاد المغرب، حيث عامل المسلمون اليهود في إبّان التصفية والطرد من الأندلس معاملة كريمة من الحماية والصون ومنع إلحاق الضرر والأذى بهم. قال أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام في شأن الذميين: "لقد سكنوا إلى الحكم الإسلامي وادعين مستبشرين، كما استمر الحكام المسلمون على عادتهم القديمة من التسامح وسعة الصدر لأهل الملل الأخرى".

ومن المعلوم أن الإسلام من أجل حماية مبدأ المواطنة يرفض ثقافة الكراهية والعنصرية، ويربِّي المسلمين على حب الخير للآخرين.

10- الضمان أو التكافل الاجتماعي: كان غير المسلمين في الديار الإسلامية مشمولين بالرعاية الطبية والتكافل الاجتماعي وإعانة الفقراء والمحتاجين، وفرض عطاء دائم لهم، سواء كانوا كبار السن أو عاجزين عن العمل، أو التعطل وعدم توافر الكسب المشروع.

وهذه أمثلة من التاريخ تدل من الناحية العملية على رعاية هذا المبدأ بالنسبة لغير المسلمين، منها ما يأتي:

- قصة عمر وشيخ نصراني: مرَّ عمر بن الخطاب t بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب المساجد بسبب الجزية والحاجة والسنّ، فقال: ما أنصفناك، كنا أخذنا منك الجزية في شيبتك ثم ضيعناك في كِبَرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه(83). أي نظرائه، واستدل بآية مصارف الزكاة وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ..﴾(84).

والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب.

- قصة خالد وأهل الحيرة: جاء في كتاب الصلح بين خالد بن الوليد t وأهل الحيرة في العراق: "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه بتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقام بدار الهجرة، ودار الإسلام"(85).

- قصة عمر بن عبد العزيز وعامله على البصرة: كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطاة على البصرة قائلاً: "وانظر مَنْ قِبَلك من أهل الذمة مَنْ كبرت سنه، وضعفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، فأجْرِ عليه من بيت المسلمين ما يصلحه"(86).

هذه طائفة من حقوق غير المسلمين في البلاد الإسلامية سجَّلها لنا التاريخ في أبهى صورة وأسمى نموذج، وهي مستمدة من القرآن والسنة النبوية والتاريخ الإسلامي، وهي أنواع واضحة من حقوق الإنسان في الإسلام.

الأقليات في العالم:

ما زلنا نلحظ المفارقة الواضحة بين أحوال الأقليات في العالم الإسلامي، والأقليات في غير بلاد المسلمين.

فالأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي في المشارق والمغارب جزء من الأمة الإسلامية، يتمتعون بشرف المواطنة، وبالجنسية الإسلامية وما يترتب عليها من حقوق أصيلة، وهم مواطنون متساوون مع المسلمين مع اختلاف التسميات، فالزكاة فريضة على المسلمين لتسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي مفروضة على خمسة أنواع من الأموال: النقود، والأموال التجارية، والزروع والثمار، والأنعام، والكنوز والمعادن الثمينة. وهي تزيد عن(20 %) من الدخل، ونسبة زكاة النقود(2.50 %) وأما ما يسمى الجزية فهي إن شئت أن تسميها زكاة أو صدقة أو ضريبة، كما فرضت على نصارى بني تغلب من العرب الذين أبوا الجزية وقبلوا بمبدأ الصدقة، أو تسميتها جزية أي جزاء وبدلاً عن المشاركة في الحروب، وهي في الأصل دينار في السنة على القادرين على الكسب، واليوم يدفع غير المسلمين في نظام الدول المعاصرة ضرائب كالمسلمين تزيد بكثير عن الدينار الواحد.

أما الأقليات المسلمة الذين يتوزعون في أنحاء العالم الشرقي والغربي وهم يزيدون عن ستمائة مليون نسمة، فلا يتمتعون بحقوق المواطنة الصحيحة، ويعاملون معاملة غير كريمة، وهم وإن كانوا يتمتمتعون إلى حد كبير بالحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، فهم محرومون من تطبيق الشريعة الإسلامية في قضايا الأسرة على أنفسهم من الناحية القانونية، وليست لهم معاملة متساوية مع غيرهم في قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع من الناحية الواقعية.

ويعامَل المسلمون في الأحداث الحساسة العامة في بلاد غير المسلمين معاملة سيئة سواء في نظام الحكم، أم في ممارسة مختلف أنواع حقوق الإنسان، والأمثلة كثيرة، سواء في القرون الوسطى أو القرون المعاصرة، فهناك مآسٍ وجراح ومعاملة سيئة مستمرة حتى عصرنا الحاضر. وما هناك من حملات وهجمات وحشية وتصرفات وسلوكيات نابية أو فجة، وهذه أمثلة معروفة:

- الرسوم الكاريكاتورية المستهزئة بنبي الإسلام بتاريخ 30/ 9/ 2005م، وتبعتها أغلب الصحف الغربية، وبعض الصحف العربية بحسن نية أو سوء نية، مع تبرير ذلك بأن الأمر يتعلق بحرية التعبير التي لا تتدخل فيها الحكومة أو حرية الصحافة في صحف أخرى.

- وكذلك محاولة إخراج تمثيلية تسيء للسيد المسيح، علماً بأننا نحن نحترم جميع الرسل.

- بعض المعلومات الكاذبة والمغلوطة عن الإسلام ونبيه في مقررات الدراسة في المدارس الغربية، وعرضها في كتبهم « إسلاماً » من اختراعهم.

- قيام إذاعة في قبرص مهمتها الطعن المستمر في الإسلام وتشويه معالمه.

- تخصيص برامج إعلامية غربية تصف جميع المسلمين بالإرهابيين زوراً وبهتاناً ومغالطة.

- ارتكاب الجرائم الجنائية المحظورة في العراق، سواء بإلقاء قنابل النابالم، أو القنابل العنقودية، والقنابل الذرية المحضورة، واستعمال وسائل الحرب البكترولوجية والحيوية والكيمياوية المحرّمة دولياً.

- الحفريات تحت المسجد الأقصى التي تجعله في خطر محقق.

- هدم مسجد وكنيسة وحوزة علمية في يوم واحد في العراق.

هذه بعض الأمثلة التي تعاني منها الأقليات الإسلامية في ديار غير المسلمين، فأين التوجه إلى تحقيق الاستقرار العالمي والأمن وتصفية الإرهاب من العالم، واحترام مبدأ المواطنة؟!

المرجعية في ظل المواطنة في بلاد الإسلام:

إن قضية المرجعية في العالم تحددها القوانين النافذة، وغالب هذه القوانين ومنها الشريعة الإسلامية إقليمية التطبيق، لا شخصيته بحسب جنسية الإنسان، مع وجود استثناءات نخدم مبدأ المواطنة كما تقدم.

أما في ظل الإسلام في دلالاته الواضحة، فالنظرة لغير المسلمين نظرة إيجابية وذات أفق بعيد، لأن الإسلام دين الرحمة العامة بالعالمين، وتطبيقه لا يسيء إلى أحد من غير المسلمين، ومبادئه -كما تقدم- تقوم على إرساء معالم الحق والعدل والإحسان في المعاملة والمساواة.

ومن أهم المعارف الضرورية العلم بأن علاج ما قد يثور من مشكلات في مظلة الإسلام هو:

أولاً- الحوار الثقافي والحضاري الجادّ والهادف والقائم على احترام الثقافات الأخرى المحلية واحترام رأي الآخرين.

وثانياً- اعتماد قاعدة التسامح في الإسلام، فهو الذي يوفر الأمن والاستقرار، ويمنع كل ألوان التعصب والكراهية والحقد ضد الآخرين.

وثالثاً- التزام الحفاظ على مقوّمات السلم والأمن والوسطية والاعتدال، ونبذ التطرف والغلو والإفراط لاستئصال ما يشوِّه عقول الآخرين من زرع أفكار مغلوطة، وتصورات وهمية، ولمواجهة عصابات التطرف والغلو، ومكافحة الإرهاب، واجتثاث جذور الإرهاب الدولي في فلسطين وبقية دول العرب والإسلام.

ورابعاً- الدعوة الدائمة إلى احترام أصول العلاقات الدولية السلمية القائمة على حب الخير، والتعايش الودي المشترك، وإنهاء التوترات والنزاعات المسلحة، والتدخل المسلح في شؤون الآخرين، وقمع العدوان، ومحاربة الاحتلال، ومقاومة المعتدين ونهب ثروات المسلمين.

وكل ذلك لا يتم من جانب واحد لإرساء معالم المواطنة أو الوطنية، بل على الآخرين غير المسلمين التحاكم إلى هذه القواعد الأربع المتقدمة، لتصفية ما يعكر مفهوم المواطنة المسؤولة، واحترام الحقوق والواجبات، سواء في بلاد المسلمين وبلاد غير المسلمين، وعليهم أيضاً فهم الإسلام الصحيح ونبذ الفهم أو الفكر المشوة عن الإسلام. وعلى الجميع الإصغاء لكلمة الحق والعدل والمساواة والتزام مبادئ الأخلاق الكريمة، والاحتكام لنداء الضمير والوجدان من جميع الأطراف والأشخاص والجماعات والدول، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

*************************

الهوامش:

*) فقيه ومفكر من سوريا.
1- سورة النساء آية:1.

2- سيرة ابن هشام شرح مسلم للنووي، 11/167، وكتب السنة النبوية.

3- سورة الحجرات آية: 13.

4- سورة الروم، آية:22.

5- سورة النحل، آية:92.

6- سورة النساء, آية:66.

7- سورة القصص، آية:85.

8- سورة آل عمران، آية:167.

9- سورة الحجرات، آية:10.

10- راجع مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، ص15 وما بعدها، التلخيص الحبير لابن حجر: 4/37، السنن الكبرى للبيهقي: 8/105، سيرة ابن هشام: 1/501 – 504، الأموال لأبي عبيد: 1/166، 260.

11- سورة الأنعام، آية:164.

12- سورة الطور آية: 21.

13– سورة المدثر آية: 38.

14- سورة الأنبياء آية: 105-106.

15- سورة الممتحنة آية: 1.

16- سورة المائدة آية: 51.

17- سورة الأنفال آية: 27.

18- سورة الأنفال آية: 58.

19- سورة يوسف آية: 52.

20- سورة آل عمران آية: 169-170.

21- أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم.

22- من المعلوم أن مقاصد الشريعة خمسة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

23- سورة النساء آية: 92-93.

24- سورة المائدة آية: 32.

25- صحيح البخاري: 2/191.

26- رواه الدار قطني في سننه: 3/135.

27- سورة البقرة آية: 190.

28- سورة النساء آية: 75.

29- سورة الحج آية: 39.

30- سورة التوبة آية: 6.

31- سورة التين آية: 4.

32- سورة الإسراء آية: 70.

33- سورة طه آية: 116.

34- سورة النساء آية: 1.

35- سورة الحجرات آية: 13.

36- مسند أحمد: 12/ 226.

37- سورة العنكبوت آية: 46.

38- سورة الأنعام آية: 108.

39- صحيح البخاري: 2/87.

40- أخبار عمر للمرحوم علي الطنطاوي: ص155 وما بعدها.

41- سورة سبأ آية: 24.

42- الكشاف: 3/289.

43- سورة البقرة آية: 256.

44- سورة يونس آية: 99.

45- سورة الأنفال آية: 63.

46- نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية: 3/381.

47- الخراج لأبي يوسف: ص72، فتوح البلدان: ص72.

48- الخراج، المرجع السابق: ص143.

49- أسباب النزول للواحدي: ص210 وما بعدها.

50- سورة النساء 105.

51- سورة المائدة آية: 42.

52- سورة النساء آية: 58.

53- سورة المائد آية: 8.

54- أخبار القضاة لوكيع: 2/200.

55- أخبار دمشق لابن عساكر: 45/ 358.

56- الكامل لابن الأثير، طليدن: 5/44 وفتوح البلدان للبلاذري.

57- حاشية ابن عابدين (رد المحتار على الدر المختار) 3/307.

58- الأحكام السلطانية للماوردي: ص138.

59- فتاوى الوالوجي، 2/ق 376 ب.

60- أي الحرية الاقتصادية.

61- الأموال لأبي عبيد: ص191.

62- اختلاف الفقهاء للطبري: ص241.

63- القسطلاني شرح البخاري، 5/225.

64- القسطلاني 5/ 225.

65- العيني شرح البخاري 15/ 86، المرجع السابق ص226.

66- تفسير المنار للشيخ رشيد رضا: 4/ 81 – 74.

67- الرسالة الخالدة للأستاذ عبد الرحمن عزام: ص108.

68- سورة الممتحنة آية: 8-9.

69- الإسلام ومستر سكوت للشيخ محمد عبده: ص30.

70- الفتاوى الخيرية 1/ 92.

71- المدخل للفقه الإسلامي د: محمد سلام مدكور: ص379.

72- آثار الحرب في الفقه الإسلامي – دراسة مقارنة للباحث: ص708 – 709.

73- الخراج ص149 – 150، فتوح البلدان، البلاذري: ص143.

74- غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، أ.د. يوسف القرضاوي: ص10.

75- رواه الخطيب، وعلي القادري في الأسرار المرفوعة، ويظهر أنه ضعيف.

76- كنز العمال رقم 10913، أخرجه الخطيب عن ابن مسعود لكنه لم يثبت في الظاهر، فاعتبره بعضهم موضوعاً ولا أصل له.

77- أخرجه البيهقي وغيره كما تقدم.

78- الفرق التاسع عشر من كتاب الفروق: 3/14 وما بعدها.

79- سورة النحل آية: 125.

80- سورة العنكبوت آية: 46.

81- سورة الممتحنة آية: 8-9.

82- الفروق: 3/15 قالe: «استوصوا بأهل الذمة خيراً ».

83- الخراج لأبي يوسف: ص126، منتخب كنز العمال من مسند أحمد: 2/309.

84- سورة التوبة آية: 60.

85- المرجع السابق: ص144.

86- الأموال لأبي عبيد: ص57.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=324

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك