صور الشعراء بكلماتهم
أحمد العلاونة
إذا كان الرسام يجسِّد صوره بالخطوط والألوان، فإن الشاعر يرسم صوره بالكلمات. فالشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت. وهناك شعراء كثيرون، رسموا في شعرهم صوراً تدل عليهم. صور جمعت بين العلم والطرافة والأدب والشعر. أما العلم فلأن أبيات الشاعر تعطي فكرة عن قدرته على التصوير، وما يدور في خلده من أفكار, تدلّ الصورة على صاحبها، ولا تدل على أحد سواه. وقد يعبّر الشاعر عن أفكاره ورؤاه من خلال شعره. وأما الطرافة فلأن أكثر ما يذكره الشعراء في هذا الباب طريف ظريف، يبعث على إبعاد السأم والكلل والملل. وأما أنه أدب، فلأن الشعر والأدب لا يفترقان بعضهما عن بعض. الكاتب الأردني أحمد العلاونة، يتصيَّد هذه الصور التي رسمها الشعراء بكلماتهم ويقدِّمها في هذه المقالة.
دأب بعض الشعراء والمؤلفين في بعض دواوينهم ومؤلفاتهم على إثبات صور لهم. وتحت صورهم بيت أو بيتان أو أبيات من شعرهم، تدور على أن الأجسام تفنى وتبقى الصور، كما تعكس أحوالهم النفسية والجسدية ونظرتهم إلى الحياة، كأنْ يذكروا غربتهم، أو يفخروا بأنفسهم أو عروبتهم أو مؤلفاتهم، موقنين بأن ما يبقى هو الذكر للمؤلف، لأن الذكر للإنسان عمر ثانٍ.
ولعل أقدم شعر قيل في موضوع وصف الصورة قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي وحتى قبل اختراع المرآة (كما ذكر الأستاذ نور الدين صمود لأستاذنا إبراهيم شبوح)، هو هجاء الحطيئة لنفسه إذ أراد يوماً أن يقول هجاءً فلم يجد مَن يهجوه، وكان ماراً في الطريق فرأى صورته في بركة ماء، فهجا نفسه قائلاً:
أرى ليَ وجهًا شوّهَ اللهُ خلـْقـَهُ
فقـُبِّحَ من وجهٍ وقـُبِّح حاملهْ
ومن مقاصد الشعراء التي طرقوها، أن الأجسام تفنى وتبقى الصور، كقول الشاعر بولس غانم (1897-1966م) في ثنايا المختارات من شعره (الوفاء) وهو مقرون بالوفاء لأسرته وأهله:
تركتُ لكم قلبي وروحي وصورتي
وذكراً جميلاً ظلّ مقترناً باسمي
ولو كنت حيّاً خالداً لَوهبتُكم
إلى أبدِ الآبادِ مع صورتي جسمي
فحسْبُكُمُ روحي ترفُّ عليكمُ
لكي تحفظوا ما بينكم صلةَ الرحم
وقول الشاعر السعودي أحمد العربي (1905-1999م) في صدر أعماله الشعرية والنثرية:
هذه صورتي سجلٌ صغيرٌ
لحياتي يُتلى على الأعقاب
فهي اليوم رمز جدّة نفسي
وهي بعدَ المشيب ذكرى الشباب
وهي بعد الممات ذكرى حياتي
رُبَّ ذكرى أوفتْ على الأحقاب
وكتب أسعد الخوري الفغالي (1894-1937م) على صورته:
يا ناظـــري في حيـــاتي بالرسم سلم علي
فالذكــــــــر بعد ممـــــاتي يرد روحي إلي
ومثله قول نجيب إبراهيم طراد (1859-1911م) الذي يقول إن صورته على الورق أطول عمراً من عمره مهما طالت مسافته:
ينوب عني رسمي حين يحجُبني
عن العيون ستارُ اللحدِ والغسقِ
فإنّ عمري وإن طالت مسافتُه
في الأرض أقصرُ من عمري على الورق
السيرة في الصورة
أو أن الشاعر يخاطب القارئ أن سيرته سيقرؤها في صورته، كقول الشاعر جميل الزهاوي (1863-1936م):
إذا نظـــــرتَ صــــــــــــورتي تقرأُ فيها سيرتي
حتــى كــأنّ ســـــــيرتـــــــــــي مكتوبةٌ في صورتي
أو أن الشاعر يخاطب القارئ بأن سيرته متمثلة في شعره الذي قاله على مدى سنوات عمره، كقول العوضي الوكيل (1915-1976م):
هذا الذي قد ظلّ يحيا معي
طولَ الثلاثين إلى الأربع
أشعارُهُ من نفسه صورةٌ
في مَزهد منه وفي مَطمع
وقول الشاعر حسين بيهم (1833-1881):
إن غاب شخص أحبتي عن ناظري
فهمُ بقلبي والشمائل صورتي
أو غبت عنهم فالرجا من ودهم
أن ينظروا عند التشوق صورتي
ودوّن داود قسطنطين الخوري (1860-1939م) تحت صورة له:تفنى الجسومُ ورسمُها:
يفنى على مرّ الزمن
فابررْ فليس يدومُ إلا
اللهُ والذكرُ الحسن
وكتب إبراهيم الحوراني (1844-1916م) بذيل صورته:
رسمٌ يمثّلني لكل مشاهد
أبقيتُه ليدومَ ذكري في البشر
لكنّه أثرٌ يزولُ فما على
أرض البلى عينٌ تدومُ ولا أثر
وخطّ غريغوريوس الرابع (1859-1928م) تحت صورته:
وددتُ بقائي بين أهلي وإنما
رماني زماني بالبعاد من الصغر
فقلتُ لهم إنْ تُمنعَ العينُ عنهمُ
أعوّضهم رغماً عن العين بالأثر
وقال الشاعر محمد توفيق خاكي (1880-1960م) تحت صورته التي أثبتها في صدر ديوانه (خواطر في الحياة):
يا عزلةَ الناس فيك العلمُ إيناسي
فيك اطلاعي على درسي وكُرّاسي
هذا كتابي شفيعي للجفاء وذا
رسمي يجدّدُ عهدَ الودّ بالناس
فما حييتُ فحبل الودّ متصلٌ
وإن فنيتُ فذا التذكار للناسي
وكتب الشاعر عبدالله العلي الزامل (1915-1986م) خمسة أبيات تحت صورته التي وضعها في صدر ديوانه:
إذا نظرتَ إلى رسمي فقل كرماً
يا واسعَ الجود رب البيت والحرمِ
اغفر لصاحبه يا رب إنّ لنا
فيك الرجاءَ فكم أوليتَ من نِعَمِ
فالمرء يفنى ويفنى ذكرُه أبداً
والخيرُ يبقى بما أسداه من قِدَمِ
وكتب الأديب الشاعر عبدالكريم الجهيمان (1912-2011م) تحت صورته التي أثبتها في أول كتاب ألفه أبيات يشير فيها إلى أن الرسم يمثّل جسمه ولا يمثل روحه:
رسمٌ يمثّل جسمي في مباذله
ويغفل الروح لم يرسم لها أثرا
فليت ما كان مستوراً بدا علناً
وليت ما كان يبدو عاد مستترا
ففي فؤادي من الأيام تجربة
إن شئتها عجراً أو شئتها بجرا
وسوف يصمد رسمي في بساطته
على حوادث هذا الدهر منتصرا
ومن مآرب الشعراء التذكير بالموت والعظة، كما كتب أنيس سلوم (1862-1931م) بذيل صورته:
ما أنتَ في دُنياك غيرَ مسافرٍ
فتزوّد التقوى بعيشٍ طاهر
واذكرْ نهايةَ كلِّ حيّ واتّعظْ
فالموتُ أبلغُ واعظٍ للذاكر
ومنها الشكوى والتشاؤم، كقول الشاعر أحمد الصافي النجفي (1898-1977م) تحت صورته التي جعلها في فاتحة «رباعيات الخيام» التي عرّبها:
أخيّامُ قد أرسلتَ روحكَ هادياً
لروحيَ في إتقانِ هذي التراجم
فإني تلميذٌ لروحك في الأسى
أمارسُهُ من قبل حلّ التمائم
لئن نلتَ من بعد التشاؤم لذةً
فما نلتُ من دُنيايَ غير التشاؤم
وقول زكي مبارك (1890-1952م) تحت صورته التي أثبتها في صدر كتابه «الأخلاق عند الغزالي»:
لم يغدُ رســـمي ضئيلاً كالبدر عند المحاق
إلا لأن الليـــــــــــــــالـــــــــــــــيَ وما لها من خَلاق
صــــــيّرنني فـــــي بلادي غَضنفراً في وَثاق
أما صالح طه (1860-1907م) فيرى أن الرسوم لا تدرك غايته، وأن البلاغة سرت في جسمه ورأت علامتها في سرائره:
شمسُ البلاغةِ ما سَرتْ في سائري
إلا رأتْ أبراجَها بسرائري
من أين للأرسامِ تُدرك غايتي
هَيهات غايتها برسم ظواهري
أو أن يتنبأ بموته، كالبيتين اللذين كتبهما عبدالقادر رشيد الناصري (1920-1962م) تحت صورته في أول ديوانه «الناصريات»:
ما لي أحسُّ دبيبَ الموتِ في جسدي
ووخزةُ الألم القتّال في بصري
ما لي أحسُّ الشتاءَ الجَهم في خَلَدي
إذا غفوتُ وصبحُ الثلج مُنتظري
ومثله ما كتبه محمد تيمور (1892-1921م) تحت صورته في كتابه «وميض الروح» وهو في العقد الثالث من عمره، وكأنه يتنبأ بموته، فيقول:
هيئوا لي في باطن الأرض قبراً
ودعوني أنامُ تحتَ التراب
في ظلامِ القبورِ راحةُ نفسي
ومن النور شقوتي وعذابي
وادفنوا في التراب ديوانَ شعري
فوقَ قلبي المملوءِ بالأوصاب
وكتـــب الشـــاعر أســـعد رستم (1878 – 1969م) تحت صورته في الصفحة الأولى من ديوانه بيتــين ذاكراً أنه تقاســــم الفضــــل مع الشـــمــس في رســــم صورته:
ما الفضلُ للشمس في رسمي على ورقٍ
وإنما الفضلُ فيه بيننا انْقَسَمَا
فالشمسُ إذ(طبعت رسمي) هنا فأنا
دفعتُ (بالطبع رسماً) للذي رَسَمَا
وكتب أبو الفضل الوليد (إلياس عبدالله طعمة / 1886-1941م) تحت صورته في فاتحة ديوانه:
كتبتُ عهوداً من دمي ومِدادي
لكلِّ كريمٍ يستحقُّ وِدادي
وما كانَ رسمي حاجباً لحقيقتي
وفي نظراتي من خُفُوقِ فؤادي
أما عبدالحكيم عابدين (1914-1977م) فأثبت ثلاثة أبياتٍ أوضح فيها أن القرآن الكريم مقصده، وبه اعتداده، فقال:
أفأرهبُ العدوانَ من أيامي
وأخافُ صَولَتها وأَنتَ أمامي
حسبي اعتداداً للحوادث أنّني
في ظلّك الوافي تَخِذْتُ مُقامي
إنْ لمْ يكُ القرآن أسَّ بنائِنا
هانَتْ دعائُمنا على الهدّام
وكان سليم الحنفي (1890-1940م) أهدى صورته إلى أحد أصدقائه، فكتب عليها بيتين يذكّر صديقه بأنه باقٍ على الود لا تثنيه تقلبات الدهر:
أُقدّمُ تمثالي إليكم هديةً
يُذكّرُكم أنّي مُقيمٌ على العهد
فلا الدهرُ يُثنيني ولا الضرُّ والأسى
وإنّي على ما تعلمون من الوِدِّ
وكتب فليكس فارس (1882-1939م) تحت رسم له بيتين بيّن فيهما أن الخلود في هذه الدنيا وهم، وأنه لن يبقى إلا المبادئ الحسنة الخالدة:
هو وَهْمُ الخُلودِ يَطلبُهُ ال
ناسُ اختلاساً في عاصفاتِ الحياة
ليس يبقى غيرُ المبادي فهذا
رسمُ ميتٍ يُهدى إلى أموات
وكتب الشاعر التونسي أحمد خير الدين (1906-1967م) على صورته:
ولمّا شاقَني حُبي إليك
ولَظّتْ مُهجتي نارُ البعاد
بعثتُ (بصورتي) لتنوبَ عني
وتشرحَ ما يكنّ لكم فؤادي
ولما زاره عبدالسلام علي نور، المصور الكاريكاتوري المبدع ومندوب مجلة المستمع العربي للإذاعة البريطانية، أخذ له صورة نشرت في المجلة، وطلب منه أن يكتب شيئاً تحت الصورة، فكتب هذين البيتين:
من (خيالي) ترى خوالجَ نفسي
قد تجلّت بفضل ريشة (نور)
أنتَ في صفحةٍ تصوّر ذاتي
وأنا قد رسمتُكم في ضميري
ولا يخلو إثبات الصور من طرافة ومعانٍ مبتكرة، كقول جورج صيدح (1893-1978م) قصيدة جعل عنوانها: رسمي، هدية المهاجر إلى أنسبائه في الوطن:
قف حيث أنتَ من الكهولة والصّبا
فالعمرُ لو ملَكَ الوقوفَ لما أبى
عهدان يلتقيان فيكَ كما التقى
رأدُ الضحية بالأصيل على الرُّبى
إنّي لأعجبُ للشبابِ ورسمِهِ
عَجَبي لظلٍ دام من نورٍ خَبا
وكتب الشاعر السعودي إبراهيم فودة تحت صورته الأبيات التالية بعنوان: صورتي (الأعمال الكاملة 1: 58).
هذه صورتي تُعَـبّر عني
بحديث يكاد ينسابُ منـِّي
في أقاسيم جبهتي ورُؤى القلـ
بِ، وسيمى وجهي ونظرةِ عيني
أثـَرٌ مـن ملامح الفكر بادٍ
وبريقٌ يشعُّ عن ذات نفسي
وأيضاً أثبت ندرة حداد (1881-1950م) في صورته في أول ديوانه (أوراق الخريف) وكتب في آخره:
كم تمنــــــــينـــا صـــــــــــغاراً أن نُرى يوماً كِبارا
ثم صُـــــــــــــرنــــــا نتمــــــنى اليوم لو عُدنا صغارا
هي الدنيــــــــا كيفـــــما دا رتْ عليها المرءُ دارا
وكما سُـــــــنّ لنــــــا نحيــــا ولم نُعطَ الخِيارا
وكتب محمد يحيى الهاشمي (1898-1973م) تحت صورته في أول ديوان (المثاني):
ظهرتْ صورةٌ له من تراب
واختفتْ صورةٌ له في تراب
ورأى البَرَّ ذَرَّة من هباء
ورأى البحرَ قطرةً من سراب
وقال عيسى إسكندر المعلوف (1869-1956م):
إن رســــمي سرُّ جسـمي وفعالي سرُّ نفسي
بفــعالي وصـــفُ حــــالي وبرسمي ذِكْرُ رَمْسي
أما الشاعر العراقي محمد حيدر (ت 1991) فقد خاطب من طلب صورته شاكياً إليه كبر أنفه:
أيّهـا الطــــــــــالبُ رَسْـمي ناظراً فيه لوصفي
كلما أثبــــــــتّ حســــــــــــــــناً قال أنفي أنا أنفي
وقد يكون ما كتب تحت الصور للفخر، كقول أحمد شوقي (1868-1932م) في صدر ديوانه في مقتبل عمره:
شعراءَ الأنام مهلاً رويداً
إن في مصر شاعراً لا يُجَارى
حاملاً في الصبا لواءَ القوافي
مُسْتَرقّاً لِمُلْكه الأشعارا
وأيضاً قول مصطفى صادق الرافعي (1880-1937م) في صدر ديوانه:
ارسموا شخصَ الوفا
ثمّ انظروا من بعدُ رسمي
لو يسمّى في الأنام الحبُّ
ما اختار سوى اسمي
وقد يكون ما أثبته الشاعر للشكر، كقول رياض عبدالله يوركي حلاق (1940) صاحب مجلة الضاد بعد تكريمه:
إني أنا الضادُ التي كرّمتم
فعلى فمي لكم جزيلُ ثنائي
هذا وسامٌ فوق صدر الأم قد
زانته تكريماً يدُ الأبناء
وقول فيليب طرازي (1863-1956م) في صدر الجزء الأول من كتابه الخطير «تاريخ الصحافة العربية» المطبوع عام 1913:
يا معشرَ الصحبِ ذا رسمٌ به اقترنت
رسومُكم وبها قد صار مُزْدانا
فتلك آثارنُا أضحتْ تضمُّ معاً
رُغماً عن الدهر في ذا السِفْر إخوانا
ومن مراد الشعراء أيضاً التمثّل بالأخلاق، والاستشهاد بتجارب الحياة، كقول محمد صالح بحر العلوم (1908-1992م) تحت صورته التي أثبتها في صدر ديوانه:
صوّرت نفسي بنفسي وهي عالقةٌ
بالخير والخيرُ يُجريها بأنفاسي
فما اهتديتُ لشيء أستعينُ به
على الطغاة سوى الإيمانِ بالناسِ
وقول طاهر الطناحي (1901-1967) تحت صورته:
بائسٌ خانهُ الزمانُ فأمسى
يصحب اليأسَ مستطير الجنان
أكل الدهرُ مالَه وبنيه
ورماه لطارئ الحَدَثان
وكتب إلياس أبو شبكة (1903-1947م) على صورته:
اجرحِ القلبَ واسقِ شعرك منه
فدمُ القلبِ خمرةُ الأقلام
رُبّ جرح قد صار ينبوعَ شعرٍ
تلتقي عنده النفوسُ الظوامي
الصور المُثنّاة والجماعية
كانت صور تلتقط لأحد الشعراء مع أحد أصدقائه، أو مع بعضهم، فيكتب عليها بيتين أو عدة أبيات. ومما وقفت عليه قول الشاعر الكبير إبراهيم طوقان (1905-1941م) على ظهر صورة له مع صديقه إبراهيم مطر، وكانا زميلين في مدرسة المطران بالقدس، وكتب: نظم هذه الأبيات قلب مملوءٌ بالإخلاص والمحبة الطاهرة:
لَعَمْرُكَ إنْ جار الزمانُ وفرّقا
وهذا زمانٌ غدرُه ليس يُتّقى
فيا رسمُ كنْ ضدّ الزمانِ وغدرِهِ
بِضمّكَ جسمَيْنا فإنَّ لك البَقا
كلانا صديقٌ والفؤادان واحدٌ
ولو كان دَينٌ عن أخيه تفرّقا
وأُدعى كما يُدعى وأشقى شقاءَهُ
ويشقى شقائي إنْ ألمّ بيَ الشَّقا
ستجمعُنا هذي الوُرَيقةُ إن قضتْ
علينا النوى في الأرض أنْ نتفرّّقا
وقال جورج صيدح (1893-1978م) بعد أن ظهرت صورته مع صورة رياض عبدالله حلاق معاً في مجلة الضاد، بعددها المزدوج أيلول وتشرين الأول 1965:
أتتَني الضُاد حاليةً برسمٍ
يَتيهُ به السوادُ على البياض
فجدّد لي خيالك أنسَ يومٍ
يساوي كلّ أيامي المواضي
وعاد شتاءُ لبنانَ ربيعاً
يرشّ القطرَ عطراً في الرياض
سألت: أما لهذا الطيب مثلٌ؟
فأرخ: طِيْبُ ذِكرِ أبي رياض
وجملة طيب ذكرى أبي رياض (21-920-13-1011) تشير بحساب الجمل إلى العام 1965 تاريخ كتابة الأبيات.
وكتب علال الفاسي (1910-1974م) على ظهر صورة مع بعض الأحبة:
رسومُ الأحبّة ذِكرى لهم
وذِكرُ الأحبّة عهدٌ صحيحْ
وها قد عقدنا على وُدِّّنا
برسم عهودٍ تُؤاسي الجريحْ
وكتب أحمد الصافي النجفي (1898-1977م) بيتين تحت صورة له جمعته مع جعفر الخليلي صاحب كتاب (هكذا عرفتهم) طالباً فيهما من الخليلي أن يذكر عهد اللقاء، فقال:
انظرْ لرسمي واذكرْ
به عهود التلاقي
لو فاه يوماً لأَبدَى
إليكَ فَرطَ اشتياقي
ولإبراهيم اليازجي في صورة أصحاب ثلاثة وقد تصوروا في صورة واحدة، وسألوه أن يُكتب شيءٌ على الصورة، فكتب (ديوان العقد 125):
نسوق إلى حِماك مثال قوم
ملكت قلوبهم مُلك اليدين
أذابهم هواك فلم يزالوا
بحكم الشوق رسماً بعد عين
وإن أنكرتَ دعواهم فكلٌ
يؤيّد مدّعاه بشاهدين
وكتب شبلي الملاط (1876-1961م) تحت صورته بيتين يخاطب فيهما أولاده بأن يحفظوا رسمه، وأنه لان في بعض مواقفه من أجلهم، بعد أن قضى زمناً لم يلن فيه لأحد:
أقول لأطفالي احفظوا رسمَ والدٍ
يكاد إليكم شوقُهُ يسحق القلبا
قضى زمناً ما لان للدهر جنبُهُ
ولولاكم ما لانَ في موقفٍ جنباً
وكتب الشاعر والأديب خليل مردم بك (1895-1959م) على صورة قدمها لإبراهيم حلمي العمر البغدادي:
يا مزمعَ السّيرِ بُلِّغتَ المُنى مهلاً
يؤدِّ حقاً من التوديع قلبان
زوّدتْك الروحُ ذكرى الوُدِّ إذ أزَفت
ساعاتُ سَيرِك فاقبلْ رسمَ جثماني
وقول فهد العسكر(1917-1951م) في ديوانه:
أنا إنْ مِتُّ أفيكم يا شبابُ
شاعرٌ يرثي شبابَ العسكر
بائساً مثلي عضّته الذئابُ
فغدا من همّه في سقر
ويدعو عبدالرحمن بن قاسم المعاودة (1911-1996م) للصدق تحت صورته في صدر ديوانه(دوحة البلابل):
إنْ أصْدُقِ القولَ فالأقوامُ تَنْظُرُني
شزراً وتضحكُ لي إنْ قُلتُهُ كَذِبا
فلا أبالي وعينُ اللهِ تَرْمُقُني
بالعطف إنْ رضيَ المخلوقُ أو غَضِبا
وقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي ثلاث ثنائيات صدّر بها أبو القاسم الشابي ديوانه، وكتبها تحت صورته، في التاسع من رجب 1346هـ (قبل وفاته بنحو ست سنوات).
لئن حجب الموت عن ناظري
شـَفوفَ الحياة ومركومَها
وأسكتَ في النفس صوت السما
ءِ المغرّدُ فيها وهـَيْنومَها
* * *
ونفـَّرَ عن قلبيَ المستنيم
عروسَ الأماني اللعوبَ الكَعابْ
وشرَّدَ سرب الأغاني العِذاب
إلى حيث تأسَى الأغاني العِذابْ
«فظِلُّ حياتي» سيلبثُ مَصْـ
ـدَرَ ذِكرى تـَرِفُّ بصدر الحياة
وموئلَ سِرْبٍ شريدٍ قـَصِيٍّ
نفتـْه الليالي لِغابِ الصُّماتْ…