في الصفحة 48 من كتابه: (المسيحيّة: عقيدة الإيمان ومعرفة غنوصيّة تحيى) يقول جورج هارت: « إنّ المعرفة هي عتبة الحبّ والطّريق إليه. دون معرفة لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الحبّ»،[1] إنّ هذا القول يكشف بالملموس أنّ الحبّ صنو المعرفة، فإذا كانت المعرفة فهما وإدراكا للآخر، والحبّ تواد وتعلّق بالآخر، فإنّ الوصول إلى مرتبة حبّ الآخر يحصل من خلال معرفة الآخر، ومن ثمّة لا يمكن للمرء أن يحبّ الغير ما لم يعرفه حقّ المعرفة، ولقد صدق سقراط حينما قال بأنّ كلّ ما يعرفه هو أنّه لا يعرف شيئا، ولذلك فهامش الجهل يفوق بكثير هامش المعرفة، فكيف للإنسان الّذي لا يعرف ذاته أن يعرف الغير المختلف عنه فكريا ودينيا وعرقيا ولونيا… وهذا ما يحصل في موضوع الأقلّيات الدينيّة وغير الدينيّة بالعالمين العربيّ والمغاربيّ، ففي ظلّ خطاب الكراهيّة المنتشر عبر وسائل الإعلام، توضع متاريس وحدود بين البشر، الشّيء الّذي يحول دون فهم الآخر على حقيقته، بل أكثر من ذلك تفهمه واحترامه.
يستهدف خطاب الكراهيّة على وجه الخصوص الأقلّيات الدينيّة وغير الدينيّة جاعلا منها شمّاعة يعزى إليها جميع ضروب الإخفاق الحضاريّ والتّقني والعلميّ، مع العلم أنّ الأقلّيات كانت دوما حاضرة بأفكارها ودياناتها المختلفة عبر التّاريخ، لأنّ الاختلاف هو ديدن البشر، فمادام الإنسان مقياسا لكلّ شيء كما قال بروتاغوراس، فلا يمكن أن يتّفق البشر على كلّ شيء، بل إنّهم مختلفون في كلّ شيء، فإذا اتّفقوا على شيء، فإنّ هذا الاتّفاق ما هو إلإّ العاصفة الّتي تنذر بالاختلاف، فلو رجعت إلى معجم روبير الصّغير، أجد أنّ الاختلاف يرتبط بالاحترام،[2] لكن من النّاحية الواقعيّة لا يفضي الاختلاف دائما إلى الاحترام، بل من اللاّزم أن يكون هناك اعتراف بالاختلاف وإلّا سوف يفضي هذا الأخير إلى الحرب والصّراع.
يذكر الأنثروبولوجي المغربي عمر بوم بعض المتون المخطوطة لجانب من الأعراف التّقليديّة الّتي جمعها بالأحواز المجاورة لأقا وبمنطقة سوس، والتّي تتحدّث عن الأقليّة اليهوديّة وأقليّة الحراطين: (يعامل اليهودي كعار الجماعة، فهو ضيف يحمى، فهو كالفقير الّذي لا قدرة له على السّب والمواجهة)،[3] ويتّضح من خلال هذا القول أنّ اليهودي في منطقة أقا ينظر إليه كعار أي كعيب وهو كلّ ما يعيّر به من فعل أو قول أو يلزم منه سبّة، إنهّ عيب الجماعة، إلاّ أنهّ ضيف يحمى من طرف الأكثريّة المسلمة ويعامل معاملة الفقير الّذي يفتقد للقدرة على السّب والمواجهة، والأمر كذلك بالنسبة للحرطاني، ويقول عمر بوم: (وأمّا شهادة الذّمي والحراطين، فإنّها غير جائزة داخل البلد)،[4] ومن ثمّة فالمسيحي واليهودي والحرطاني لا يجوز لهم جميعا الشّهادة في المجتمع المسلم، ولذلك فالاختلاف يفضي إلى الإقصاء وليس إلى الاحترام.
يبرز جليا بأنّ القبول بالاختلاف ظلّ مسألة مرفوضة من لدن الأكثريّة، وهنا لا أساير الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في طرحه، لقد اعتبر أنّ هجرات البولونيين والإيطاليين والإسبانيين والمسلمين في القرنين 19 و20 خلقت نموذجا للتّوافق الجيّد في المجتمعات التّعدديّة،[5] ماذا يمكن القول بخصوص حادثة النّقيب اليهوديّ درايفوس عام 1894 والّذي اتّهم بأنه جاسوس أرسل ملفات سريّة إلى ألمانيا الّتي كانت لديها علاقات متشنجة مع فرنسا بعد ضمّ الامبراطوريّة الألمانيّة لإقليمي الألزاس واللورين عام 1871؟ أين هو هذا التّوافق الّذي تكلّم عنه بول ريكور؟ وفي السّياق نفسه يمكن إدراج أحداث نيس سنة 2016 الّتي قام بها محمد لحويج بوهلال، إذ كان يقوم بقيادة شاحنة ودهس حشدا من النّاس كانوا يحتفلون بيوم الباستيل في منتزه الإنجليز، إنّ هذين المثالين يوضّحان كيف أنّ الأقليّة يمكن أن تهدّد الأكثريّة لدواع تتعلّق بالتّهميش والكراهيّة، أو تكون ضحيّة للأكثريّة.
أمّا في السّياق المغربيّ، فنجد الكثير من الأقلّيات مثل البهائيين والأحمديين والشيعة والمسيحيين والملحدين، وفي هذا الإطار لقد كشف التّقرير الدولي بشأن الحريّات الدينيّة لعام 2016 أنّ الدستور المغربي يضمن حريّة الفكر والرّأي والتّجمع، إلاّ أنّ السّلطات المغربيّة اعتقلت العديد من المسيحيين المغاربة وقامت باستجوابهم حول قضايا تتعلّق بمعتقداتهم واتّصالهم بالمسيحيين في العالم، وحاكمت العديد منهم بسبب تناولهم أطعمة ومشروبات خلال رمضان. وأفاد التّقرير أيضا أنّ هذه السّلطات كانت تضغط على المتنصرين المغاربة لكي ينبذوا دينهم، إضافة إلى ذلك أفاد التّقرير أنّ الشّيعة المغاربة والبهائيين محرومون من تأسيس جمعيات خاصّة بهم، ولذلك يمارسون شعائرهم بتكتم كبير، ويمنع الكثير من الملحدين المغاربة من الإفطار علنا خلال رمضان.
بيّن التّقرير المذكور أنّ عدد المسيحيين المغاربة يصل إلى 40 ألف نسمة، ويتوزّعون بين الروم الكاثوليك والبروتستانت وينتشرون بين الرّباط و الدّار البيضاء وطنجة،[6] ومن جملة الغايات الّتي يسعى إليها المغاربة المسيحيون احترامهم كمواطنين مغاربة، ويقول النّاشط الفايسبوكي محمد سعيد: « تسميّة الأبناء يرتضيها أولياؤهم، يجب أن تكون اختياريّة (…) والزّواج ينبغي أن يكون مدنيا أو كنسيا»،[7] وانطلاقا من هذا القول يدعو النّاشط المسيحي المغربي محمد سعيد السّلطات المغربيّة إلى تمكين المغاربة المسيحيين من تسمية أبنائهم أسماء مسيحيّة مثل لوقا وأغسطين ويوحنا، لا أن تفرض هذه السّلطات أسماء معيّنة، كما يدعو محمد سعيد أيضا إلى جعل الزّواج إمّا مدنيا أو كنسيا، أي وفق القانون المدنيّ أو وفق التّشريع الكنسيّ، ولذلك يلحّ محمد سعيد على تجاوز التّشريع الإسلاميّ، وعدم فرض هذا التّشريع على المغاربة المسيحيين، لأنّهم ليسوا معنيين بالتّشريع الإسلاميّ.
وفي الاتّجاه نفسه، يقول القسّ مصطفى[8] بأنّ المسيحيين المغاربة يتعرّضون للتّخويف والرّعب، ولا يمكنهم الإفصاح عن معتقداتهم الدينيّة لعدّة أسباب قانونيّة واجتماعيّة، وعلى الرّغم من ذلك يجتمع مصطفى و10 من معتنقي المسيحيّة في شقّة لأداء الصلوات والتّرانيم بشكل سريّ، ومن بين هؤلاء كان القسّ رشيد الّذي اعتنق المسيحيّة عام 2004 وصار قسّا بروتستانتيا، وقد أسّس بعد ذلك تنسيقيّة المسيحيين المغاربة، ويقول في الصّدد: « بقيت المضايقات محصورة في الجيران والأقارب، الوضع تحسن من النّاحية الأمنيّة بالمقارنة مع السّابق، الاعتقالات انعدمت تقريبا»،[9] يصرّح القسّ رشيد بأنّ المضايقات انحصرت فيما هو اجتماعي أي يمكن اختصارها في الجيران والأقارب، بينما لم يعد الأمن المغربي يعتقلهم لأسباب تتعلّق باعتناقهم للمسيحيّة، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ الحقّ في التّبشير ممنوع بالمغرب، ففي أبريل عام 2018 أوقفت السّلطات المغربيّة مغربيا بتهمة حيازة الإنجيل، كما أوقفت آسيويين بتهمة نشر الديانة المسيحيّة وعملت على نقلهم إلى بلدانهم، وقبل ذلك في سنة 2010 تمّ تفكيك شبكة تبشيريّة ضخمة، ونجم عن ذلك اعتقال ثمانين شخصا وترحيلهم إلى بلدانهم، ويعزى هذا التّرحيل إلى جمعيّة قرية الأمل الّتي هدفت إلى مساعدة الأطفال الأيتام المتخلّى عنهم، وفي الوقت نفسه عملت على تنصيرهم.[10]
**********
[1] جورج هارت، المسيحية عقيدة الإيمان ومعرفة غنوصية تحيى تحول طبيعة الإيمان وكشف التقليد عن أسطورة آدم وحواء ومعنى الخلاص، ت توفيق محفوظ، دار آفاق، ط 1 (2011)، ص 48.
[2] .Le Petit Robert micro, p 370
[3] عمر بوم، يهود المغرب وحديث الذاكرة، ت خالد بن الصغير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط2 (2017)، ص 85.
[4] المرجع نفسه، ص 85.
[5] بول ريكور، الانتقاد والاعتقاد، ت حسن العمراني، دار توبقال، ط 1 (2011)، ص 53.
[6] يمكن الرجوع إلى هذا التقرير:
https://ma.usembassy.gov/wp-content/uploads/sites/153/MOROCCO-2016-RELIGIOUS-FREEDOM-REPORT-ARA-FINAL.pdf
[7] يمكن الرجوع إلى هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=0OloZzD-OsI
[8] قس مغربي من مواليد مدينة أكادير المغربية، وهو حفيد رجل دين مغربي مسلم، وكان ناشطا في الحركة الإسلامية، سرعان ما اعتنق المسيحية عام 1994م، وكان ينشر فيديوات سرية وبعد ذلك خرج إلى العلن معبرا عن اعتقاداته الدينية، وتعرض بسبب ذلك إلى الاضطهاد من الأهل والأقارب وطرد من العمل.
[9] يمكن الرجوع إلى هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=0OloZzD-OsI
[10] يمكن العودة إلى هذا الرابط:
https://alkhaleejonline.net/%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9
من النّاحية القانونيّة، يتابع الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي كلّ من مسّ من اعتقاد المغاربة المسلمين الّذين يتّبعون المذهب السّني المالكي الأشعري، ويقول هذا الفصل: « من استعمل العنف أو التّهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة مّا أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستّة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم»، ويتبدّى من خلال هذا النّص القانونيّ أنّ استعمال العنف أو التّهديد بغية إكراه شخص مّا على مباشرة عبادة مّا أو اعتناق دين معيّن، أو منعه من ذلك تترتب عنه عقوبة ماديّة تتجلّى في السّجن والغرامة الماليّة، فالسّجن يصل إلى ثلاث سنوات، بينما الغرامة تصل إلى 500 درهم، ومن ثمّة يدرج هذا الفصل من القانون الجنائيّ التّبشير في خانة زعزعة عقيدة مسلم، أي في خانة التّهديد أو استعمال العنف، فهذا الأخير لا يتجلّى فيما هو مادي فحسب، بل يتجلّى أيضا فيما هو رمزي ومعنوي، إنّ الطّفل أو الفقير أو المريض يسهل استغلاله وممارسة العنف الرمزيّ عليه من خلال آليّة التّبشير، إذ يسهل إدخاله في دين معيّن، ولذلك فشرط الاقتدار أو التّمكن ضروري للخروج من دين أو الدخول إليه.
بيد أنّ السّؤال الّذي يفرض نفسه في هذه الحالة: لماذا يتمّ الحديث عن زعزعة عقيدة مسلم سوى في الحالة الإسلاميّة ؟ أليس هناك رجال دين مسلمون يشيطنون أتباع الديانات الأخرى؟ ولماذا لا يتمّ الكلام عن هذا الموضوع؟ في فيديو مبثوث على اليوتوب يكفّر الشّيخ النّهاري المسيحيين المغاربة ويحرمهم من دخول الجنّة ويستند في ذلك على الآيّة 85 من سورة آل عمران: « ومن يبتغ غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين»،[1]وتبيّن هذه الآية أنّ من يريد دينا غير الإسلام كالمسيحيّة أو اليهوديّة، فلن يقبل منه يوم القيامة أي يوم البعث والنّشور، فالله لن يقبل غير الإسلام، بمعنى أنّ المسيحيين لن يدخلوا الجنّة وفق الآية القرآنيّة كما أوّلها الشيخ النّهاري، وهذا التّأويل الّذي أتى به الشّيخ النّهاري يتنافى مع مضمون الفصل 220 من القانون الجنائيّ الّذي يدعو إلى عدم زعزعة عقيدة مسلم، ولكن يبدو أنّ الزّعزعة هذه لا يعنى به المغربي المسيحي، لأنّه ببساطة ينتمي إلى الأقليّة المغربيّة المسيحيّة، ولذلك يخدم الفصل المذكور الأغلبيّة المسلمة ذات المذهب المالكيّ الأشعريّ، وهذا يبيّن بالملموس كيف أنّ المواطنة المغربيّة مهزوزة، إذ مازال من الجانب القانونيّ تمييز بين المواطنين، بمعنى أنّه تعطى الأولويّة للمغربيّ المسلم الأسبقيّة بالمقارنة مع باقي المغاربة من أديان أخرى.
ويعاني المغاربة المسيحيون من تضييق كبير على مستوى الزّواج والدّفن والعبادة والتّعليم، ويحكي مسيحي مغربي عن العراقيل الّتي وقفت أمامه في سبيل الزّواج من مسيحيّة مغربيّة: «إلتجأنا للسّلطات باش نحصلو على عقد الزّواج، المقدّم واعدني وقالي جيب ليا جوج الشّهودة، وأجي باش نمضي لك، مشيت أنا، وجبت جوج الشّهودة عادي (…) لقيتو مع القايد، وشي ربعين دقيقة وحنا كنتساينو في السّفلي، وهو الطبق الثّاني مع القايد كيتكلمو، هبط قلت لو هذه الورقة اللّي قلت لي جيبها، باقي لي غير تمضيها ونمشي بحالي، كنتفاجأ وكيقولو لي لا أنا أنا غادي نتغذى، فقط إمضاء بسيط قالي غادي نتغذى (…) السّلطات كضغط عليهم بأنّهم يتبعو أو تفرض عليهم بأنّه يتجوجو عن طريق الإسلام، حنا مقبليش هذيك الأوراق، ونت رتديت عن الإسلام، حنا مغنخليوكش تكمل هاذ الزّواج، ومستقبليا غادي يتحرم من أوراق أخرى من غير هذه الورقة»،[2] يظهر من خلال هذا التّصريح أنّ السّلطات المغربيّة تضع عراقيل شتّى أمام المغربي المسيحيّ، فحتّى الزّواج على الطّريقة الإسلاميّة ممنوع بتهمة اعتناق المسيحيّة، فهذا المسيحي الّذي ينحدر من الشّمال المغربيّ أجبر على الانتظار والمعاناة، فإذا بالمقدم يرفض الإمضاء له مدعيا أنّه يريد الذّهاب إلى المنزل لتناول الغداء، أمّا الحديث عن الزّواج على الطّريقة المسيحيّة، فإنّه مغيب تماما، وبالتّالي إنّ حريّة المعتقد لا يمكن لمسها واقعيا.
ومن النّاحية الاجتماعيّة، يعترف هذا المسيحي: « الأسرة دالي أنا عارفاني أنّني مسيحي، ولكن الأسرة دال الزوجة دالي معرفهاش، ومقدراش أنّها يعرفوها، لأنّ ناسها متحفظين، عكس الوالدين دالي الدين دالك ونت قاد به معندهم حتّى شي علاقة بيا واش كتخرج من الإسلام ولا غادي تدخل ليه، وهاذي ثلاث سنوات استمريت في الأفكار دالي وفي النّشر في مواقع التواصل الاجتماعي بأنّني مسيحي ومعندي علاقة بالإسلام، وهاد الشّي زعج السّلطات والمقدم مبغاش يعطيني الوراق (…) بحال اللّي بالعربيّة أنا اللّي كنفلاشي عقول النّاس والمقدم دار علي بحث هاد عام»،[3] يقول هذا المسيحي أنّ أسرته تعرف أنّه مسيحي، لكنّ أسرة زوجته لا تعرف أنّها مسيحيّة، لأنّها متحفظة، في حين أسرته ليست متحفظة، بل سمحت له باعتناق المسيحيّة أو اعتناق أي دين، فهو حرّ في دينه، إلّا أنّ نشاطه على وسائل التّواصل الاجتماعيّ أزعج السّلطات المغربيّة، فرفضت هذه الأخيرة منحه أوراق الزّواج وجعله موضوعا للمراقبة والمتابعة بتهمة أنّه «كيفلاشي عقول النّاس» أي أنّه يشطب قناعات النّاس الإسلاميّة ويحوّلهم إلى مسيحيين، الشّيء الّذي دفعه إلى التّوجه إلى الرّباط بحثا عن اعتراف مسيحي بهذا الزّواج.
وفي الوقت الّذي رفضت فيه السّلطات المغربيّة منح أوراق الزّواج للمغربي المسيحيّ، تمّ تنظيم حفل رمزي بالرّباط حضره الكثير من المسيحيين بالمغرب، لقد أتوا من البيضاء ومن مناطق أخرى، وانتاب هذا المسيحي شعور غامر بعد إضفاء الشرعيّة على هذا الزّواج الّذي عرقلته السّلطات المغربيّة ووقفت حائلا دون نجاحه.[4]
وعلى ذكر التّعليم، يصرّح المسيحي المغربي بأنّ تدريس التربية الإسلاميّة للمسيحيين المغاربة من عدمه مسألة صعبة، ويقول في هذا الإطار: « الإنسان خلق حرّ ومن حقو يختار الدين اللّي بغا، ماشي حنا خلقنا مسلمين وغادي نبقا مسلمين أو لا حنا خلقنا مسيحيين ونبقاو مسيحيين، ولا حنا تخلقنا يهود وغادي نبقاو يهود، الإنسان حرّ يقدر يصبح ملحد، يمكن يصبح مسيحي، يمكن يصبح مسلم، وفي الإسلام كاين الشيعي والسّني واش شفتي ولا كيفاش»، واضح من خلال هذا الكلام أنّ المسيحي المغربي المذكور يدعو إلى تدريس خاصّ بالمسيحيين المغاربة بشكل متكتم، إنّه ينطلق من شرط الحريّة الطبيعيّة لكي يؤكّد على الحقّ في الاختيار، فالإنسان لم يخلق على دين معين، لقد أتى إلى هذا العالم صفحة بيضاء، وبعد ذلك يختار الدين الّذي يشاء بمحض إرادته، بل داخل الدين نفسه هناك مذاهب وفرق وشيع مختلفة، ومن ثمّة لا ينبغي إلزام النّاس بأيّ الدين على مستوى التّربية والتّكوين.[5]
أمّا من الجانب النّفسيّ، فيقول المسيحي المغربي أنّه يشعر بالظّلمات قبل اعتناق المسيحيّة، وأنّه الآن يشعر بالأمان، والكلام نفسه زكّته زوجته، إذ تقول أنّها «لقات راسها»، وأنّها حرّة «في نفسها»، وتجد مساعدة من لدن إخوانها المسيحيين وأخواتها المسيحيات وخاصّة حينما يتعلّق الأمر بالشّغل وإيجاد عمل والمساعدات الماليّة، ولذلك تضيف أنّها لم تجد نفسها وسط مجتمع مسلم يخنق حريّة المرأة،[6] ومن ثمّة اختارت طريق المسيح، وفي الوقت نفسه اختارت طريق زوجها الّذي أحبته وأحبّها. [7]
إضافة إلى كلّ ما ذكرت سابقا، يطالب المسيحيون المغاربة بدفن موتاهم على الطّريقة المسيحيّة، بمعنى أن يدفن المسيحي حسب الطّقوس المسيحيّة الكنسيّة، إذ يتمّ غسل جسد الميت كاملا وإلباسه قبل الدّفن أفضل الملابس وتعطره بالرّوائح الطيّبة، وفي الغالب تتكفّل العائلة بذلك، أو رجل الدّين، ثمّ تتمّ الصّلاة عليه وطلب الغفران على روحه، وتعتبر هذه الصلوات وضوء رمزي للجسم المتوفى، وبعد نهاية الصّلاة يرشّ الكاهن الماء المقدّس على التابوت.
*******
[1] الآيّة 85، سورة آل عمران.
[2] يمكن الرّجوع إلى هذا الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=w2RnsYCXboE
[3] الرّابط نفسه.
[4] الرّابط نفسه.
[5] الرّابط نفسه.
[6] تعتقد هذه السّيدة أن المسيحيّة مع حريّة المرأة، إلاّ أنّ هذه الحريّة من مكتسبات الثورة العلمانيّة الّتي عرفتها أوروبا في القرنين 17 و18، وقد جاء في الإنجيل : «لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنّه ليس مأذونا لهنّ أن يتكلمنّ بل يخضعنّ كما يقول النّاموس أيضا(35) ولكن إن كنّ يردنّ أن يتعلمنّ شيئا فليسألنّ رجالهنّ في البيت لأنّه قبيح بالنّساء أن يتكلمنّ في كنيسة» كورنثوس : العدد 14 ـ 34.
[7] الرّابط نفسه.
المصدر: https://www.alawan.org/2019/09/02/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7-2/