البرتغال الإسلامية

البرتغال الإسلامية

محمد القاضي*

البرتغال قبل الفتح الإسلامي

كانت البرتغال قبل الفتح الإسلامي تعرف ببلاد (لوزيتانيا)، وقد خضعت للحكم الروماني منذ سنة (137 ق.م)، وطبعت بطابعهم الحضاري والديني واللغوي والمعماري، ووفرت القلاع الرومانية الأمن والنظام لجميع أنحاء البلاد، وأجبروا سكان المرتفعات على أن يستقروا في المناطق المنخفضة، وتجمع السكان خلال تلك الفترة في الولايات البرتغالية اليوم:

EMERITENSIS-BARACARENSIS- LUCENSIS.

وفي بداية القرن الخامس الميلادي، وقعت في قبضة إحدى القبائل الجرمانية (السويف) الذين صادروا بيوتات وثروات اللوزيتانيين - الرومان (LUSIO-ROMAN)، وسيطروا على الكثير من الحقول الغنية والمزارع في المنطقة (ويخبرنا المؤرخ "OROSIUS" أن السويف قد حولوا سيوفهم إلى محاريث، فزرعوا الأرض حسب شروط واتفاقات جيدة مع الفلاحين اللوزيتانيين – الرومان)(1).

لقد أنشأ السويف دولة قائمة على أسس قومية مستقلة ذات نظام ملكي وراثي، وأثروا تأثيرا حضاريا كبيرا في الشعب اللوزيتاني القديم. وهكذا تأثرت كل من الزراعة والصيد والبحرية والبناء والأسلحة والحرب والسياسة والموسيقى والفولكلور والعادات، وبقية مظاهر الحياة الأخرى بالسويف الذين امتزجوا كليا بسكان البلاد الأصليين. وفي سنة (576م) احتل البيزنطيون جنوبي البرتغال الحالية، وبعض المناطق الأخرى مثل: (ALENTEJO) ومدينة (MYRTILIS) التي كانت أحد المواقع العسكرية المهمة للسويف، وفي سنة (585م) توحدت مملكة السويف مع مملكة القوط الغربيين بعد إجراء عسكري من قبل الملك القوطي (LEOVIGILD) الذي استدعي من طرف إحدى جماعات السويف لغرض تثبيت سيطرتها على بقية الفئات. ومع هذا فقد احتفظت مملكة السويف بسلطاتها ومنظماتها القومية والدينية على الرغم من القوة المركزية لمجالس طليطلة عاصمة القوط الغربيين. وفي سنة (621م) سيطر القوط الغربيون على جنوبي البرتغال الذي كان تحت النفوذ البيزنطي(2).

البرتغال بعد الفتح الإسلامي

شكلت البرتغال جزءا من تاريخ إسبانيا الإسلامية أو الأندلس الكبرى، فقد كانت ضمن المناطق التي شملها الفتح العربي لشبه الجزيرة الإيبيرية، وذلك بعد حرب عنيفة وجهد متصل (دام أربع سنوات إلا أشهرا (بدأ الفتح في رجب 92هـ وانتهى في أوائل 96هـ) وقد فتح المسلمون خلال تلك السنوات القلائل هذه الجزيرة الضخمة من أقصى الجنوب إلى جبال البرت وشاطئ البحر في الشمال ومن مالقة وطركونة في الشرق إلى قلمرية واشبونة في الغرب، واستولوا فيها على سهول الجنوب وعلى مرتفعات قشتالة ونواحي الجوف (اكستريمادورا) القاحلة، ولم يغادروا بلدا عظيما أو حصنا مهما إلا رفعوا عليه راية الإسلام، وأدخلوه في حوزة الدولة الإسلامية الكبرى)(3).

وكان المسلمون حينما فتحوا (نواحي الغرب) سنة (716م) قد قبلوا من أهل قلمرية (صلحهم وأقروا البلد على حاله، وأقام عبد العزيز بن موسى عليه حاكما عربيا تسميه وثيقة لاتينية:

ALBOACEM IBN MAHAMAT ALHAMAR IBN TARIF""

وربما كانت صحة الاسم العربي أبا عاصم بن محمد الأحمر بن طريف في سنة (716م). وكانت المدينة إذ ذاك عامرة وبها كنيسة كبيرة فأقام خلفه ابنه (أتانا جيلدو) (ATANAGILDO) وأعقبه ابنه (قيودوس) (THEODUS)، وأقام على الأسقفية قسّاً يسمى (لوربان) (LORBAN). واستمر أمر البلد على هذا الحال من الاستقلال تحت السيادة الإسلامية العليا حتى سقطت في يد النصارى سنة (1058م)، وحول هذا البلد تكونت فيما بعد إمارة البرتغال وحلت محل ولاية لشدانية (لوزيتانيا) الرومانية، وإنما أشرنا إلى ذلك لنضع أيدينا على أوائل احتلال المسلمين للبرتغال وحكمهم إياها)(4).

وقد عرفت البرتغال في العهد الإسلامي باسم الغرب أو باسم (كور) أو مدن واقعة فيه كأشبونة (لشبونة اليوم) التي كانت جزءا من كورة (باجة) ثم أصبحت كورة مستقلة تتبعها: شنترين، وشنترة، والمعدن(5) وبلمانة، وقصر أبي دانس، وإلى الشمال منها كانت كورة قلمرية (COIMBRA اليوم) حتى نهر دوير أي أن كل أراضي البرتغال الحالية. (وكان العرب هم الذين أطلقوا اسم (برتغال) على شمال هذه المنطقة، سموها باسم المدينة الواقعة على مصب نهر دويرو في المحيط الأطلسي، وهو تعريب لاسمها اللاتيني القديم (PORTOCALE)، وقد اختصر الاسم فأصبح (PORTO) (الميناء)، بينما اصطنع البرتغاليون الاسم الذي أطلقه العرب على المنطقة الشمالية فوسعوا دلالته إلى بلادهم كلها بدلا من الاسم القديم (لوزيتانيا))(6).

ولأبي عبيد البكري نص تفصيلي ومهم للتقسيم الإداري لإسبانيا, وجعلها ستة أجزاء وخص أراضي البرتغال (اليوم) القسم الخامس (قاعدة مدينة ماردة), وأضاف إليها اثنتي عشرة مدينة ذكر منها عشرًا وهي: باجة - أكشونية – يابرة – شنترة – شنترين – الأشبونة – قلمرية - قورية – شلمنتقة = سلامنكا – صمورة(7).

ويذكر محمود علي مكي أن معظم العرب الذين نزلوا بتلك الكور الغربية ينتمون إلى قبائل زهرة وثقيف من العرب العدنانية، وإلى أوس والقبائل الحضرمية من عرب اليمن. كما ساكن هؤلاء عدد من القبائل البربرية من صنهاجة وكتامة ونفزة ومصمودة وهوارة، وقد بقي الكثير من أسماء هؤلاء ماثلا حتى اليوم في أسماء مدن البرتغال وقراها(8).

وقد ذهب (سيزار دوبلر) في بحث قيم عن (منازل البربر في الأندلس) يبحث عن أسماء المواضع الإسبانية التي يمكن ردها إلى أصل بربري واستنتج من هذه الأسماء أن البربر لا بد أن يكونوا قد سكنوها وأعطوها أسماءهم. واستطاع بذلك اكتشاف الكثير من منازل البربر مما لم يسجله المؤرخون، ونذكر منها ما يتعلق بالبرتغال الحالية وهي(9):

- نسبة إلى بربر وهران - VILLA NOVA DEOUREM

- نسبة إلى بربر تونس - TUNIS

- نسبة إلى بربر القيروان ALQUERUBIN-

- نسبة إلى بربر أرزيلا وهي أصيلا (المغرب) ARZILA -

- قرب جواردا/ نسبة إلى بني برزال (زناتة) -BARASAL

- نسبة إلى صنهاجة AZINHAGA -

- نسبة إلى كتامة COTIMOSو AL COUTIM-

إضافة إلى قصر أبي دانس الذي ينسب لبني دانس بن عوسجة (وهم بطن من قبيلة مصمودة)، وقد سميت المدينة بعد ذلك (قصر الملح)، واسمها البرتغالي الحالي هو (ALCACERDOSAL) على مقربة من قلمرية(10).

وقد أشار ليفي بروفنسال إلى أنه ربما كان الطابع البربري أظهر وأوضح اليوم في إسبانيا وجنوبي البرتغال من الطابع العربي بالمعنى الدقيق لهذا اللفظ، وذلك في كثير من ظواهر الحياة الريفية والنشاط الزراعي(11).

وعلى العموم فقد انتشر العرب والبربر في نواحي قلمرية وشنترين وإشبونة وباجة ويابرة وشلب ومرتلة وقصر ابن دانس وشنترة التي شكلت البرتغال الحالية وانصهروا مع أهلها الذين تبنوا عادات وتقاليد الفاتحين إلى حد كبير، وتكاثر عددهم، وشكلوا قوة فاعلة في المجالين السياسي والاقتصادي. على أن امتزاج هذه العناصر لم يتم دائما في سهولة ويسر، ولهذا لم تخل حياة البرتغال الإسلامية خلال القرنين الأولين من ثورات عنيفة مما أتاح الفرصة لبدء ما يسميه النصارى بحرب الاسترداد (RECONQUISTA)، فقام صاحب أشطوريش الفونسو الأول بالسيطرة على شمالي البرتغال الحالية، كما انتهز الفونسو الثاني فرصة انشغال الأمير الحكم بن هشام بقمع الثورات الداخلية، فاستولى على الأشبونة عام (182هـ/798م)، وأرسل كتابا بذلك إلى شارلمان في عاصمته (إكس لاشابل) إلا أن هذا الاستيلاء كان مؤقتا إذ لم يلبث المسلمون أن استردوها عام (193هـ/808-908م) وانتزى في الأشبونة في العام نفسه مغامر اسمه طومولوس (TUMULUS) ولكنه هزم في العام نفسه على يد هشام أحد أبناء الأمير الحكم وأعدم في قرطبة، وتمت تهدئة المنطقة كلها ما بين الأشبونة وقلمرية، على أن نهر دويرو لم يصبح حدا فعليا للنصارى قبل عهد الفونسو الثالث الذي استولى على مدينة برتقال (بورتو) عند مصب النهر عام (254هـ/868م)(12).

إمارة المروانيين بالبرتغال

تولى الخلافة عبد الرحمن الثالث (الناصر لدين الله) والأندلس تعيش فترة مضطربة بسبب الخلافات السياسية والصراعات الطائفية التي كانت قائمة بين السلطة المركزية والعناصر المكونة للمجتمع الأندلسي (العرب، البربر، المولدون) التي استغلت ضعف حكومة قرطبة، فقامت بثورات عنيفة في جهات مختلفة قادها في البداية المولدون فالبربر ثم العرب، أدت إلى ظهور دويلات مستقلة أطلق عليها: (دويلات الطوائف الأولى) نذكر منها -بالنسبة للمولدين- بني قسي أو بني موسى الذين استقلوا بمنطقة سرقسطة أو الثغر الأعلى. ثم بني مروان الجليقي، وقد استقلوا بولاية بطليوس في غرب إسبانيا (حاليا على الحدود البرتغالية). وبني حفصون الذين استقلوا بالمرتفعات الجنوبية الإسبانية الممتدة بين مدينتي رندة غربا ومالقة شرقا, وكانت قاعدتهم قلعة ببشتر(13).

ثورة عبد الرحمن بن مروان الجليقي

ثار من المولدين عبد الرحمن بن مروان الجليقي (توفي سنة 276هـ) الذي كان يدعو لعصبية المولدين على العرب بناحية ماردة من الثغر الأدنى بعد هروبه من قرطبة سنة (261هـ/ 875م) على إثر إهانة أنزلها به الوزير هاشم بن عبد العزيز, واعتصم بحصن (الحنش) قرب ماردة، ومن هناك بدأ حركة عصيان واسعة المدى عجزت الدولة القضاء عليها في حينها. يقول صاحب المقتبس: (فخرج إلى ما خرج إليه من الفساد في الأرض، والسعي للإمارة، فأدرك من ذلك حظا عظيما جسم له مكاره شديدة، وتجرثم جراثم من جهة ظاهره على أمره لما ظهر رجل من أصحابه من مولدي الغرب الدائبين في المعصية يعرف بسعدون السرنباقي، كان شبهه في الشجاعة والشر.

وكان المولدون يغلون فيه ويقولون: إنما هو السرور الباقي، فاجتمعا، وضافرا الشرك، وأحدثا في الإسلام أحداثا عظيمة، وبثا الغارات على المسلمين وصارا في القفر بين الإسلام والشرك... فعظم مقدار الخبيثَيْنِ ابن مروان وسعدون في السر. وبسطا على الرعية، وقطعا السبل، وأفسدا في الأرض، وعَلَوَا علوا كبيرا، ووطئا بغاراتهما كورة إشبيلة ولبلة وباجة وأكشونبة وما يليها، فتوسطا أعمالهما، وملكا بأكشونبة جبلا منيعا يقال له: (منت شاقر- SERRA DE MONCHIQUE )(14) وجرت منهما أمور يطول اقتصاصها)(15).

حقا فقد خاض عبد الرحمن الجليقي ومن معه حروباً كثيرة مع جيوش الإمارة الأندلدسية، واتخذوا من بطليوس عاصمة لإمارتهم فحصنوها وأعدوها للدفاع والمقاومة، وعقدوا حلفا مع الفونسو الثالث ملك ليون، وقام عبد الرحمن بدعوة أنصاره إلى مذهب ديني جديد هو خليط من تعاليم الإسلام والنصرانية واستمر على ذلك أعواما (وهو يسيطر على منطقة بطليوس، ويعيث في أنحائها فسادا، ويخرج منها للإغارة على ناحية الغرب حتى أشبونة، وجنوبا حتى باجة وأطراف أكشونبة (البرتغال)... ولما أعيا الأمير أمره، انتهى أخيرا إلى قبول شروطه في الاستقلال بحكم بطليوس وما جاورها، والإعفاء من المغارم والفروض)(16).

واستمر عبد الرحمن بن مروان الجليقي في إمارة بطليوس التي أورثها من بعده لأبنائه إلى أن أعادها الخليفة عبد الرحمن الناصر الذي توجه بنفسه لإخماد ثورة أعلنها أحد أبناء الجليقي سنة (317هـ 929م) يقول صاحب البيان المغرب: وفي سنة (317هـ) كانت غزاة الناصر إلى مدينة بطليوس لمحاربة أهلها وابن مروان المنتزي عليه فيها، فبرز لغزاته هذه يوم الخميس لعشر خلون من ربيع الأول (23 أبريل 929م), ومعه ولي عهده الحكم المستنصر بالله وابنه منذرا.

وكان احتلاله بالجيوش على مدينة بطليوس يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر، وواضعهم الحشم القتال في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم، وتقحموا عليهم داخل أرباضهم، وقتلوا منهم في ثاني احتلالهم عليهم جملة بُعِثَتْ رؤوسهم إلى قرطبة، وقطعت ثمارهم، وأحرق ما أخلوه من ديارهم خارج سورهم، وبقوا محصورين في المدينة. وأقام عليهم الناصر عشرين يوما، ثم أبقى عليهم أحمد بن إسحاق في قطيع من الجند)(17).

وتوجد بالبرتغال اليوم بلدة يطلق عليها اسم (مروان= MARVAO بالبرتغالية) وتقع في شرق البرتغال مقابلة لمدينة شنترين, وهي الآن من أعمال مدينة بورتاليجري = PORTALEGRE(18).

ثورات أخرى للمولدين

كما عرفت مناطق البرتغال ثورات أخرى قادها زعماء المولدين أيضا. وكان أخطرها ما قام به بكر بن يحيى بن بكر وعبد الملك بن أبي الجواد, وكانا من أتباع عبد الرحمن بن مروان الجليقي وأنصاره. فقد ثار الأول بشنتمرية الغرب من كورة أكشونبة وحصنها واستقل بها، وبسط سلطانه على ما حولها وتشبه بالأمراء فأنشأ له بلاطا وحكومة، وكان جوادا يأوي أبناء السبيل ويحفظ الطرق، وفي أواخر عهد الأمير عبد الله عاد إلى الطاعة(19).

كما قامت ثورات محلية أخرى في بعض القواعد والحصون ضد حكومة قرطبة قادها زعماء من البربر والعرب، ولكنها كانت قليلة في كتابة المقتبس وابن عذارى المراكشي في البيان المغرب(20).

في سنة (422هـ/1031م) سقطت الدولة الأموية، وأعلن الوزير أبو الحزم بن جهور انتهاء رسم الخلافة جملة لعدم وجود من يستحقها، وأصبح الأمر شورى بأيدي الوزراء وكبار العلماء وصفوة الزعماء. وأعقب ذلك فترة من الاضطرابات والتناحر بين أهل الأندلس أدت إلى ظهور دويلات صغيرة متنازعة، فقد استقل كل أمير بناحيته وأعلن نفسه ملكا عليها، فدخلت البلاد بذلك في عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف أو عصر الفرق كما يسميه ابن الكردبوس(21), ومن أهمها: إمارة بني جهور في قرطبة، وبني عباد في إشبيليا, وبني الأفطس في بطليوس، وبني هود في سرقسطة, وبني صمادح في المرية, وبني برزال في قرمونة وغيرها.

المرابطون ونهاية ملوك الطوائف

وبعد مرور أربعة قرون على الفتح الإسلامي، ظهر المرابطون على أرض المغرب (448هـ 541هـ/ 1056- 1147م) الذين عملوا على تركيز الإسلام ونشره بين القبائل البربرية، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. ويعتبر يوسف بن تاشفين مفخرة هذه الدولة، فقد قام بتنظيم الجيش تنظيما محكما، واستكثر من القواد الأكفاء، وقضى على الفتن الداخلية، واستطاع مواجهة جميع الصعاب التي واجهته في أثناء حرب الوحدة والتحرير، كما هب لإنقاذ الإسلام من الخطر الداهم الذي أصاب بلاد الأندلس حيث تمكن ملك قشتالة الفونسو السادس من الاستيلاء على طليطلة سنة (478هـ/1085م) وفرض الجزية على كبار ملوك الطوائف أمثال المعتمد بن عباد في إشبيليا والمتوكل بن الأفطس في بطليوس وغيرهما، وحينئذ لم ير هؤلاء بدا من الاستنجاد بيوسف بن تاشفين الذي لبى النداء، فعبر البحر بجيوشه إلى الأندلس فنزل في الجزيرة الخضراء وقام بتحصينها وما يتبعها من قواعد عسكرية أخرى على المضيق مثل جبل طارق وطريفة، ثم زحفت الجيوش نحو إشبيليا ثم بطليوس بغية لقاء العدو الذي أسرع هو الآخر بجيوشه نحو تجمعات المسلمين من المغاربة والأندلسيين، فالتقى بهم في الشمال من بطليوس عند فحص الزلاقة الذي يعرف اليوم باسم (SAGRAJAS)، وهناك دارت المعركة الفاصلة بين الفريقين في منتصف رجب سنة (479هـ/ 23/10/1086م) حيث انتصر المسلمون انتصارا باهرا. وتعتبر هذه المعركة من المعارك الحاسمة التي جرت بين المسلمين والأسبان في بلاد الأندلس, ومهدت السبيل لسيطرة المرابطين عليها فأصبحت تابعة لهم بعد القضاء على ملوك الطوائف. وكان يوسف بن تاشفين يقول في كل مجلس من مجالسه: (إنما كان غرضنا في ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلاءهم على أكثرها، وغفلة ملوكهم وإعمالهم للغزو وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة، وإنما همة أحدهم كأسٌ يشربها، وقنيةٌ تُسْمِعُه، ولَهْوٌ يقطع به أيامه، ولئن عشت لأعيدن جميع البلاد التي ملكها الروم في طول هذه الفتنة إلى المسلمين، ولأملأنها عليهم -يعني الروم- خيلا ورجالا لا عهد لهم بالدعة، ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما هَمُّ أحدِهم فرس يروضه ويسترفهه, أو سلاح يستجيده، أو صريخ يلبي دعوته...)(22).

فعلا، فقد بذل يوسف بن تاشفين مجهودا عظيما في استصلاح أحوال الأندلس، وذلك انطلاقا لما كان يمليه الموقف لاستمرار السيادة الإسلامية على هذه البلاد وتفادي وقوعها العاجل في يد العدو. ويذكر صاحب الحلل الموشية: (أقامت بلاد الأندلس في مدته سعيدة حميدة في رفاهية عيش وعلى أحسن حال، لم تزل موفورة محفوظة إلى حين وفاته -رحمه الله-... وترك الثغور المواجهة لبلاد العدو في حكم الأندلسيين لكونهم أخبر بأحوالها، وأدرى بلقاء العدو وشن الغارات مع الإحسان إليهم، فلما قربت وفاته أوصى ابنه ولي العهد بعده أبا الحسن على ثلاث وصايا أحدها: (أن يقبل من محسنِ أهلِ الأندلس ويتجاوز عن مسيئهم)(23).

واصل المرابطون الجهاد ضد النصارى في غرب الأندلس بعدما سيطروا على مملكة بطليوس التي كانت تضم مساحة شاسعة في البرتغال الحالية. فسيطروا على شلب ويابرة ولشبونة وشنترة وشنترين وتعتبر هذه الأخيرة (من أحصن المعاقل للمشركين، وأثبت المعاقل على المسلمين... أرحب المدن أمدا للعيون، وأخصبها بلدا في السنين، ولا يَرِيمها الخصب ولا يتخطاها، ولا يرومها الجذب ولا يتعاطاها، فروعها فوق الثريا شامخة وعروقها تحت الثرى راسخة، تباهي بأزهارها نجوم السماء، وتناجي بأسرارها أذن الجوزاء، مواقع القطار في سواها مغبرة مربدة، وهي زاهرة ترف أنداؤها، ومطالع الأنوار في حشاها مقشعرة مسودة، وهي ناضرة تشف أضواؤها، وكانت في الزمن الغابر أعيت على عظيم القياصر فنازلها بأكثر من القطر عددا، وحاولها بأوفر من البحر مددا، فأبت على طاعته كل الإباء، واستعصت على استطاعته أشد الاستعصاء... فأمكننا الله -تعالى- من ذروتها, وأنزل ركابها لنا عن صهوتها)(24).

أما قلمرية فقد حاصرها الأمير علي بن يوسف سنة (511هـ/1117م) حسب صاحب البيان المغرب عشرين يوما وضيق بها ثم انصرف عنها إلى إشبيليا، ومشى عبد الله بن فاطمة والمنصور بن الأفطس فقابلا أرواما في بلاد الروم ثم وردا إلى إشبيليا واستاقا غنيمة عظيمة وأسرى كثيرة وانصرف الناس إلى بلادهم(25).

ولكن صاحب الحلل الموشية يذكر أن عليَّ بن يوسف افتتح هذه المدينة ودوخ بلاد الشرك بجيوش لا تحصى، وكان أثره بها عظيما(26).

استمر جهاد المرابطين في الأندلس رغم مواجهتهم لخطر الموحدين بالمغرب، فما أكثر ما دارت المعارك والحروب بينهم وبين العدو الذي اشتد بأسه، ولا سيما في غرب الأندلس الذي تكاثرت عليه ضربات القشتاليين، ولكن انشغالهم في حروب مستمرة مع الموحدين على أرض المغرب، أدى إلى ضعف قوتهم، إضافة إلى قيام ثورات وفتن عديدة، لعل أخطرها ثورة المريدين التي قادها ابن قسي في ميرتلة (MERTOLA) بالبرتغال وثورات أخرى في يابرة وشلب وباجة وغيرها من مدن الأندلس، فانهارت دولة المرابطين، وأفل نجمها، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ المغرب والأندلس مع قيام دولة الموحدين.

البرتغال في ظل الموحدين

ظهر الموحدون في المغرب كقوة سياسية منظمة بمختلف الوسائل على قلب الحكم المرابطي، فأقاموا دولة قوية مترامية الأطراف تمتد (من طرابلس الغرب إلى سوس الأقصى من بلاد المصامدة وأكثر جزيرة الأندلس)(27). وبلغت ذروة مجدها على عهد عبد المؤمن بن علي وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور. وكانت الأندلس أيامهم تعيش حالة تمزق بين ثلاثة اتجاهات: (اتجاه يتمسك بالمرابطين ويمثله يحيى بن غانية القائد العام لقوات المرابطين بالأندلس وأخوه محمد... واتجاه ثان يدعو إلى تحرير الأندلس كلها من حكم البرابرة، ويسعى إلى إعادة وحدتها الوطنية التي كانت عليها أيام الخلافة الأموية, ونتلمس ذلك الاتجاه في تلك الثورات والانتفاضات التي انبثقت هنا وهناك في أرجاء البلاد، وقد تزعم هذا التيار أخيرا سعد بن مردنيش في شرقي الأندلس. أما الاتجاه الثالث، فهو الذي دعا إلى الاستعانة بالموحدين لتخليص البلاد من المرابطين من جهة ومن خطر النصارى من جهة ثانية)(28).

هكذا ورث الموحدون ما بقي للإسلام في الأندلس، وعليهم أن يجتهدوا كأسلافهم في الدفاع عن هذه البلاد.

كانت أول خطوة سلكها الخليفة عبد المؤمن اتجاه الأندلس هي الإسراع بإرسال الجيوش إليها والقضاء على الثوار الذين أرادوا بالأندلس الرجوع إلى عهد ملوك الطوائف، ثم قمع الأطماع النصرانية في الاستيلاء على المناطق الإسلامية.

ثورة ابن قسيِّ / ثورة المريدين بالبرتغال

كان أول الثائرين بالجنوب الغربي للأندلس (البرتغال الحالية) هو أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي (وهو رومي الأصل من بادية شلب، نشأ مشتغلا بالأعمال المخزنية، ثم تزهد -بزعمه- وباع ماله وتصدق بثمنه، وساح في البلاد، ولقي أبا العباس بن العريف في المرية قبل إشخاصه إلى مراكش، ثم انصرف إلى قريته. وأقبل على قراءة كتب أبي حامد الغزالي في الظاهر، وهو يستجلب أهل هذا الشأن محرضا على الفتنة وداعيا إلى الثورة في الباطن. ثم ادعى المهدوية منحرفة وتمويها على العامة وتسمى بالإمام)(29). وسمى أتباعه (المريدين) اتخذ شعار (التصوف) ستارا أخفى من ورائه طموحه السياسي، فتبعه كثير من زعماء غربي الأندلس مثل ابن القابلة الذي كان أوفرهم ذكاء وأعظمهم حيلة فآثره ابن قسي وألقى إليه بأسراره وآماله وأطلعه على خططه. ثم الفقيه محمد بن عمر بن المنذر زعيم شلب، وسيد راي بن وزير رائد المريدين بمدينة يابرة وزعيم ثورتها ضد المرابطين. وفي سنة (539هـ / 1144م) سيطر كما يذكر صاحب البيان المغرب (فأول من قام بدعوتهم فيها - الأندلس- أهل ميرتلة)(30).

وإن كان الخليفة عبد المؤمن قد أنكر على ابن قسي إدعاؤه الإمامة والمهدوية التي من شأنها معارضة مهدوية ابن تومرت. ويأبى هذا الأخير إلا أن يعبر البحر إلى المغرب ليتصل بالخليفة الموحدي في مدينة (سلا متبرئا من دعاويه وتائبا من مساويه في ربيع الآخر سنة 540هـ. ثم انصرف في المحرم سنة 541هـ صحبة الجيش الذي افتتح جزيرة طريف والجزيرة الخضراء، ولما فتحت شلب ترك ابن قسي عليها واليا)(31). ولكن روح التوثب والانتهازية لم تكن لتفارقه. فما كاد يسمع بثورة ابن هود الماسي في المغرب حتى خلع طاعة الموحدين وأصبح مستظهرا بأمير مرابطي، فوجد نفسه في عزلة ويأس وافتضح أمره، فارتمى في أحضان النصارى مستنجدا مستغيثا. (وداخل الطاغية ابن الريق صاحب قلمرية في إعانته وإمداده، فأظهر إجابته إلى مراده، وبعث إليه بفرس وسلاح، فأنكر ذلك أهل شلب، وفتكوا به، ونصبوا مكانه ابن المنذر الأعمى، معلنين بدعوة الموحدين، وذلك في جمادى الأولى من سنة 546هـ)(32). وبذلك طويت صفحة من أخطر الصفحات في تاريخ البرتغال الإسلامية.

قيام إمارة البرتغال بقيادة ابن الريق

تمكن الموحدون من السيطرة على جزء من أراضي البرتغال، بينما كانت المنطقة الواقعة حول حوض نهر الدويره إلى حدود جليقية والتي تضم مدن قلمرية وبازو وبراغة تؤلف ولاية صغيرة تابعة لمملكة قشتالة. وكان الفونسو السادس قد زوج ابنته غير الشرعية تيريسا (TERESA) من أحد نبلاء مقاطعة برجندية الفرنسية واسمه هنري (HENRIQUES) وقدم لهما مهرا هذه المقاطعة، ولكن على شرط تبعيتها هي وزوجها لعرش قشتالة. إلا أن تيرسا وزوجها استغلا اضطراب الأحول بعد وفاة ألفونسو بغير وريث ذكر، فعملا على الاستقلال بالإمارة الجديدة التي أطلق عليها اسم عاصمتها القديمة برتقال (PORTUGAL)، ثم قام ابنهما الفونسو إنريكي (ALFONSO HENRIQUES) (ابن الريق / الريك في المصادر الأندلسية/ 532هـ - 581/1138- 1185م) بإعلان الاستقلال الذاتي أولا حاملا لقب صاحب قلمرية (COIMBRA)، ثم لم يلبث أن استقل تماما بعد انتصاراته على المسلمين واستيلائه على شنترين ثم على لشبونة في سنة 542هـ/1147م وتزايد طموحه بعد ذلك فواصل حملاته على مدن المسلمين الواقعة في حوض وادي آنه (GUADIANA)، كما انتزع منهم قلعة يابرة (EVORA ) سنة (561هـ/ 1166م). وأعلن نفسه ملكا على البرتغال. (وحكم مملكته من ذلك الحين آمنا لا يزعجه أحد من جيرانه النصارى، منتصرا في محاربة المسلمين... وأخيرا صدر القرار البابوي المتعلق باستقلال مملكة البرتغال عن قشتالة وليون، بعد أن طال عليه الأمد، وأصدر البابا إسكندر الثالث بمقتضى مرسوم بابوي في سنة (1179م)، وفيه يمنح الفونسو أنريكي لقب الملك، وتوضع مملكة البرتغال الحرة من كل عهود الجزية تحت حماية الكرسي الرسولي... إن الفونسو إنريكي ليستحق من جميع الوجوه أن يلقب بمؤسس المملكة البرتغالية... عرف كيف يذكي الحماسة الدينية في نفوس الشعب البرتغالي وأن يغنم تأييده بإصدار دستور يحقق الحرية والعدالة لكل الطبقات، ويحيط وراثة العرش بضمانات تحول دون نشوب الحرب الأهلية، ويوطد دعائم القومية البرتغالية)(33).

إذا كانت السنوات الأخيرة من حكم الخليفة عبد المؤمن (توفي 558هـ/ 1163م) قد شهدت ولادة الدولة البرتغالية وظهورها على مسرح التاريخ، فإن ابن يوسف الخليفة الثاني لم يقف مكتوف اليدين أمام هذا الاستفزاز الذي أبداه الملك البرتغالي ابن الريق. فجهز حملة عسكرية بقيادة أخيه أبي حفص عمر وذلك سنة: (565هـ/1170م) نحو أراضي البرتغال وليون واستعاد كل ما خسره المسلمون جنوبي وادي التاجة (RIOTAJO).

وفي سنة (567هـ/1171م) حاصر الموحدون مدينة شنترين (وهي من أمنع المدائن)(34) بجيش ضخم ولكن دون جدوى فقد أرغموا على رفع الحصار بعد هزيمة فادحة، وكانت (البرتغال من بين الممالك النصرانية أشدها وطأة في غزو أراضي الموحدين، ولذا اعتزم أبو يعقوب يوسف، أن يسحق أخطر أعدائه بتفوق قواته بادئ ذي بدء، حتى إذا عم الرعب من جراء انتصاره استطاع أن يخضع الممالك الأخرى بسهولة. وكانت خطته تقضي أولا بمهاجمة مملكة البرتغال من البر والبحر، حتى ضفاف نهر دويرة، ثم الزحف من على ضفاف التاجة ودويرة إلى قلب مملكتي قشتالة وليون... وحشد لهذه الغاية قوات عظيمة، واجتمعت إليه فضلا عن الجيوش المغربية الجرارة، قوى مسلمي الأندلس. إذ بلغ عدد جنوده أكثر من ثمانية وسبعين ألف مقاتل، وكذلك اجتمع للمسلمين أسطول عظيم من سفن القتال وسفن النقل، مشحونة بالسلاح وآلات الحصار والمؤن، عند مصبي نهري الوادي الكبير ووادي آنة على أهبة لأن يؤيد البحر جهود الجيش البري ضد البرتغال)(35).

لقد توجه يوسف بن عبد المؤمن على رأس هذه الحملة إلى مدينة شنترين، فضرب الحصار عليها، وكانت خطته أن يسترجعها ثم يسترد لشبونة، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد فشلت خطته بارتباك الجيش وسوء فهم خطته، ولازم سوء الحظ المسلمين، وأصيب الخليفة بطعنة توفي بعدها كما جاء في بعض المصادر. ويذكر صاحب المعجب أن الخليفة يوسف بن عبد المؤمن قد خرج في جيش وضايق المدينة -شنترين- وأخذ في قطع ثمارها وإفساد زروعها وشن الغارات على نواحيها. إلا أن العدو كان واثقا من حصانتها وشدة منعتها، فلأها أقواتا وسلاحا، وجلل اسوارها مقاتلة معهم الدرق والقسي والحراب. فخاف المسلمون هجوم البرد وفيضان النهر فيصعب عليهم عبوره وينقطع عنهم المدد. فأشاروا على الخليفة بالرجوع إلى إشبيليا، على أن يعودوا إليها مرة أخرى. ووافقهم على ذلك. ولم ينتشر هذا القول كل الانتشار. فكان أول من قوض خباءه وأظهر الأخذ في أهبة الرحيل أبو الحسن المالقي ويدعى -خطيب الخلافة- فعبر في تلك العشية أكثر العسكر النهر، ولم يبق إلا من كان بقرب خباء أمير المؤمنين. وبات الناس يعبرون الليل كله وأمير المؤمنين لا علم له بذلك، فلما رأى الروم عبور العساكر، خرجوا منتهزين الفرصة إلى أمكنتهم في خيل كثيفة فحملوا على من يليهم من الناس، فانهزموا أمامهم، حتى بلغوا خباء الخليفة، فقتل على بابه من عيان الجند خلق كثير، أكثرهم من أعيان الأندلس، وخلص إلى أبي يعقوب فطعن تحت سرته طعنة مات منها بعد أيام يسيرة(36).

وخَلَفَهُ ابنه يعقوب المنصور (580- 595هـ /1184- 1199م) الذي جمع إلى عظمة السلطان السياسي، رسوخ العقيدة، وشدة الحرص على أحكام الشريعة وسنتها.

أما في البرتغال فقد توفي الملك ابن الريق وخلفه ابنه (سانجو الأول SANCHO-1-) الذي حكم بين (581-607هـ/1185-1211م) فرأى أن يبادر المسلمين بالهجوم، واتفق أن عددا كبيرا من المحاربين الصليبيين الإنجليز والألمان كانوا قادمين من فلسطين، فَرَسَا أسطولهم قبالة لشبونة (ولما كان الوقت متأخرا وقد دنا الشتاء، فقد استطاع سانجو ملك البرتغال أن يحملهم على الاشتراك معه في القيام بغزوة مشتركة ضد المسلمين في ولاية الغرب... وبينما أرسل سانجو إلى باجة ويابرة اللتين فقدهما في الأعوام الأخيرة واللتين لم تكن تحرسهما حاميات قوية، جيشا غزاهما واستولى عليهما، إذ سار الأسطول إلى الجنوب قبالة لسان ولاية الغرب، وأنزل جيشا إلى البر على غرة من المسلمين، وحاصر النصارى في الحال مدينة شلب، وقطعوا عنها موارد الماء، فاضطرت إلى التسليم، وعقدت مع الملك سانجو دون علم الصليبيين عهدا بالخضوع، بيد أن ذلك لم ينجها من مصيرها المروع... وقسمت الغنائم وفقا لاتفاق سابق بين الصليبيين، ولكن المدينة كانت من نصيب الملك)(37).

كان العداء بين المسلمين والنصارى مستمرا والهجمات المسيحية على الأندلس في استمرار مما دفع بالخليفة يعقوب المنصور إلى تجهيز حملة على الأندلس في ربيع الأول سنة (585هـ/ 1189م) (فارتحل عن الجزيرة الخضراء حتى نزل شنترين وشن الغارات على مدينة لشبونة وأنحائها... وانصرف إلى العدوة بثلاثة عشر ألف سبية من النساء والذرية... وفي سنة (587هـ/1191م) كتب إلى قواد الأندلس يأمرهم بغزو بلاد الغرب ويعلمهم أنه قادم عليهم في إثر كتابه، فاجتمع قواد الأندلس إلى محمد بن يوسف والي قرطبة، فخرج بهم في جيش عظيم من الموحدين والعرب والأندلس حتى نزل شلب فحاصرها, وشد عليها القتال حتى فتحها وفتح قصر أبي دانس ومدينة باجة ويابرة ورجع إلى قرطبة)(38). تكررت الحروب والمواجهات بين المسلمين والنصارى، وطلب ألفونسو الثامن ملك قشتالة من الخليفة الموحدي يعقوب المنصور الصلح لمدة خمس سنوات، إلا أنه وقبل انصرام المدة أغار على بلاد المسلمين وحكم بالسيف في رقابهم، وبلغت طلائع جنده الجزيرة الخضراء دون أن تجد أمامهم قوة رادعة. ودفعته نشوة الانتصار إلى أن يوجه رسالة إلى الخليفة الموحدي فيها من الاستهزاء ما أقض مضجع الموحدين، فكان العبور يوم 20 رجب سنة (591هـ/1195م) مخترقا قلب إسبانيا إلى أن وصل هضبات الأرك (على بعد 11 كلم من مدينة ثيودادريال)، فكانت المعركة الشهيرة التي انتصر فيها يعقوب المنصور على الإسبانيين والبرتغاليين وتسلق بعدها قمة المجد، واشتهر اسمه في الشرق والغرب.

غير أن هذا المجد ما فتئ ينذر بالانهيار وخصوصا بعد وفاة الخليفة المنصور وولاية ابنه محمد الناصر، الذي جهز هو الآخر حملاته على الممالك النصرانية في شبه الجزيرة الإيبيرية فلم يستطع الصمود فحلت به الهزيمة في المعركة المعروفة باسم (العقاب) وذلك سنة (609هـ/ 1212م). فكانت بداية الانهيار لدولة الموحدين وضياع الممالك الأندلسية (دول إسبانيا المسيحية والبرتغال).

(ويبدأ تاريخ البرتغال المسيحية على أنقاض الولايات الغربية من الأندلس منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، ولعل المقاومة العنيفة التي واجههم بها المسلمون هناك هي التي ملأت قلوب ملوك البرتغال غلا وحقدا على الإسلام، وإن كان ما ورثوه أيضا من حضارة المسلمين هو الذي جعل بلادهم تصل في مدى قصير إلى أن تصبح من أولى الدول البحرية في العالم)(39).

سقوط البرتغال ومأساة الموريسكيين

سقطت القواعد الإسلامية في البرتغال وبسقوطها انتهى الوجود العربي في غرب الأندلس. فقد احتلت براغة سنة (1040م) ثم قلمرية سنة (1064م)، ثم احتلت لشبونة سنة (1093م) ويابرة سنة (1166م) وقصر بني دانس سنة (1217م)، وشلب وجميع غربي الأندلس سنة (1249م). (وبهذا استقرت حدود البرتغال على ما هي عليه اليوم. وعند احتلال الأراضي الإسلامية، صادر البرتغاليون كل أراضي المسلمين وأملاكهم، فهاجر عدد كبير منهم، واستقر بعضهم الآخر في بلادهم كمدجنين. فلما أعلنت إسبانيا أمرها بتنصير المسلمين سنة (1499م) تبعها البرتغال سنة (1502م) فهاجر عدد منهم إلى شمال المغرب، وبقي بعضهم الآخر كمسلمين سرا في البلاد، ثم هاجر عدد كبير آخر سنة (1540م) إلى المغرب، وبقي الباقون تحت المصير نفسه الذي أصاب إخوانهم داخل الدولة الإسبانية)(40).

طورد المسلمون قتلاً وتشريداً وتنصيراً، وكان الاضطهاد الكنسي موازياً لجميع الحملات المتربصة بهم في كل مكان، واتخذت سمة الاستماتة والعنف داعية إلى وجوب إبادة المسلمين وإخراجهم من الجزيرة الإيبيرية مهما كلف الثمن، وصاحب هذا التدخل الكنسي الفصول النهائية لمأساة الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا والبرتغال. وعانى الموريسكيون خلال حقبة طويلة ألوانا من الاضطهاد المدني والديني. إلا أن المشكل الموريسكي بالبرتغال لم يحظ بالاهتمام الكافي من طرف المؤرخين كما حظي موريسكيي إسبانيا، ويعلل ذلك الباحث المغربي أحمد بوشرب إلى كون الجالية الموريسكية بالبرتغال كانت أقل عددا وخطورة من الجالية الموريسكية الإسبانية من جهة، وإلى كون أرشيفات البرتغال لا توفر مصادر توازي من ناحية الوفرة والتنوع ما تقدمه أرشيفات إسبانيا. وإذا قيل بشأن موريسكيي إسبانيا أنهم عبارة عن جالية بدون تاريخ فإن ذلك ينطبق على موريسكيي البلد المجاور نظرا لكون المعلومات والأخبار التي وصلتنا عنهم تنحصر فيما ورد بمصادر محاكم التفتيش الدينية؛ إذ لم يصلنا أدنى خبر عن أوضاع هذه الجالية خلال الفترة الممتدة ما بين ظهور المشكل الموريسكي بعد إقرار التنصير الإجباري الذي فرضه الملك (إمنويل) على مسلمي ويهود البرتغال سنة (1497م) وبداية العمل بمحاكم التفتيش سنة (1536م)، فلقد اختفت كل المصادر والوثائق الإسلامية والموريسكية المتعلقة بهذه الحقبة المهمة من تاريخ البرتغال(41).

ويرى الأستاذ بوشرب أن سكوت المصادر عن الجالية الموريسكية البرتغالية مؤسف حقا لكونه لا يحرمنا من إمكانية تتبع موقف المسيحيين منهم ومقارنته مع ما خصوا به المسيحيين المحدثين (اليهود المتنصرين) فحسب، ولكنه يحرمنا أيضا من إمكانية تتبع موقف موريسكيي البرتغال من الموريسكيين الأجانب الذين تم جلبهم من البلاد الإسلامية الإفريقية والآسيوية ومن إسبانيا، ومن ثم معرفة مدى تماسك وتآزر الجالية الإسلامية المرغمة على التنكر لدينها.

ووفرت محاكم التفتيش مادة مهمة سمحت بتسليط الأضواء على أوضاع الموريسكيين المقيمين بالبرتغال؛ إذ وصلتنا مئات من محاضر المحاكمات بعد أن ضاعت أعداد هائلة منها، كما وصلتنا عشرات من دفاتر التبليغات والاعترافات وكتب (المحامي المراقب)(42).

وإذا كان الموريسكيون محرومين من حريتهم، يعانون من سوء المعاملة ومن ظروف عيش جد قاسية - فإن أوضاعهم تأزمت أكثر بسبب ما كانوا معرضين له من رقابة يومية تحرمهم حتى من إمكانية التصرف بشكل طبعي، ولزمتهم لعبة ازدواجية الشخصية الصعبة؛ وذلك بالارتباط بقيم المجتمع البرتغالي وعقيدته من الناحية المظهرية لإبعاد الشر عن أنفسهم وبالارتباط بالإسلام سرا اعتمادا على التقية. وفعلا لم يأخذ هؤلاء اعتناقهم للمسيحية مأخذ الجد؛ إذ اعتبروا أن حفل التعميد لا يلزمهم في شيء. ولهذا استمروا في استعمال أسمائهم الإسلامية، والقيام سرا ببعض الفرائض كالصلاة والصوم والنطق بالشهادة والاستغاثة بالله وبالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبالأولياء.. مع الحرص على الظهور بمظهر المسيحيين الصادقين... ولم يكونوا يتركون أية فرصة تمر دون أن يسخروا من المسيحية وأن يؤكدوا على أفضلية الإسلام وعلى ارتباطهم به... وكان النقد موجها على الخصوص لمبدأ الثالوث، ومن ثم لصفات وألوهية عيسى، لبكارة السيدة مريم، وللقربان المقدس ودلالته، وكذلك للكنائس ورسومها ونواقيسها... إلخ)(43).

واستغل البرتغاليون باستمرار كل خلاف أو سوء فهم مع الموريسكي لتذكيره بأصله ولإهانته، ولم يكن البرتغالي في حاجة إلى مبرر للقيام بذلك. فقد ذكر (جواد راغو J.DRAGO) أمام المحكمة أن خدام سيده كانوا يستغلون كل خلاف معه (... لمناداته بالمسلم القديم، ابن المسلم، وبالكلب...) وكان لفظ (كلب) كثير الاستعمال لسب الموريسكي الذي سرعان ما جعل منه بدوره مرادفا لكلمة (برتغالي) . فلقد بلغت برتغالية بأخرى لكونها لاحظت أنها لم تتوقف عن مناداة خادمتها المغربية (بالكلبة) وذلك رغم أنها تنصرت وأصبح لها اسم مسيحي! وكان لفظ موريسكي يستعمل من طرف جل البرتغاليين استعمالا قدحيا للتأكيد على حداثة تنصر الموريسكي وعدم صدقه في ذلك. وكان عدد مهم منهم لا يستعمل إلى كلمة (مسلم) للإشارة إلى الموريسكي(44).

وتكثر بمصادر محتكم التفتيش البرتغالية الإشارات إلى المورسكيين الذين جلدهم أسيادهم أو حبسوهم أو حرموهم من الطعام لمدة معينة، أو الذين كانوا يجوبون شوارع العاصمة وهم مكبلون بالسلاسل الحديدية... وعبر أحد المورسكيين العاملين بلشبونة عن العلاقة بين العمل والأجور بما يلي: (كانوا يقضون أيامهم بالميناء والتبن وقد كسرت ضلوعهم كالحمير دون أن يوفروا من ذلك في نهاية السنة لا ريالا ولا سبتيا...)(45).

وكان يشرف على محاكم التفتيش الدينية البرتغالية في بداية الأمر أسقف مدينة سبتة الذي سرعان ما استقال بسبب غلو القضاة وبشاعة الطرق المستعملة من طرف المحكمة وقساوة الأحكام الصادرة عنها. واستمر العمل بمحاكم التفتيش إلى سنة (1821م)(46).

الحضارة الإسلامية البرتغالية

طورد العرب وانتهت مأساة المورسكيين وبقيت حضارتهم ومراكزها بارزة في البرتغال وحياة البرتغاليين ثقافة وفكرا ولغة وعمرانا، غير أن مؤرخي البرتغال (درجوا -إلا قلة منصفة منهم- على تجاهل هذه الحقبة الطويلة. والغريب أنهم يتحدثون عن بداية تاريخهم في ظلال الرومان، مع أن البرتغال بقيت تابعة للرومان ثم القوط نحو ثمانية قرون ونصف لم نسمع خلالها بشخصية واحدة لها قيمتها من الناحية الحضارية أو الثقافية، على حين أخرجت البرتغال الإسلامية مئات من الشخصيات الفذة التي تعتز بها الحضارة الإنسانية, والتي تمثل في تاريخ الفكر معالم مشرقة مجيدة)(47).

وتعتبر مدينة شلب (SILVES) أولى المدن التي فتحها المسلمون في البرتغال، وأصبحت ذات شأن كبير، فقد شهدت ازدهارا حضاريا وفكريا. وهي قاعدة كورة اكشونبة وبقبلي مدينة باجة ولها بسائط فسيحة، وبطائح عريضة. ولها غلات وجنات، يقول عنها صاحب الروض المعطار: إنها (حسنة الهيئة بديعة البناء مرتبة الأسواق, وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن, وغيرها وكلامهم بالعربية الصريحة وهم فصحاء يقولون الشعر، نبلاء خاصتهم وعامتهم. وأهل بوادي هذه البلدة في غاية من الكرم لا يجاريهم فيه أحد)(48).

وذكر ياقوت الحموي في معجمه أنه ليس بالأندلس بعد إشبيليا مثل (شلب) وأنه قل أن ترى من أهلها من لا يقول شعرا ولا يعاني الأدب، ولو مررت بالفلاح خلف فدانه وسألته عن الشعر قرض من ساعته ما اقترحت عليه وأي معنى طلبت منه(49).

عرفت المدينة أجمل أيام مجدها في عهد المعتمد بن عباد الذي كان واليا عليها من قبل أبيه المعتضد، وقد تركت في نفسه ذكريات عميقة. ولما توفي المعتضد في سنة (461هـ /1068م) وخلفه ولده المعتمد عين الشاعر ابن عمار واليا عليها فخاطبه بهذه الأبيات:

ألا حي أوطاني بشلب أبا بكــر وسلهن هل عهـد الوصال كما أدري

وسلم على قصر الشراجيب من فتى له أبدا شوق إلى ذلك القصــــر

منازل آســـاد وبيـض نواعم فناهيك من غيل وناهيك من خـدر(50).

ويقول الفتح بن خاقان عن قصر الشراجيب الذي ذكره المعتمد: (بأنه متناه في البهاء والإشراق مباه لزوراء العراق، ركضت فيه جياد راحاته, وأومضت بروق أمانيه في ساحاته، وجرى الدهر مطيعا بين بكره وروحاته, أيام لم تحل عنه تمائمه ولا خلت من أزاهير الشباب كمائمه)(51).

أما مدينة أشبونة (لشبونة: LIBOA) فقد أفاض المصنفون الجغرافيون المسلمون الحديث عن موقعها وثروتها البرية والبحرية والمعدنية. (وهي مدينة قديمة على سيف البحر تتكسر أمواجه في سورها واسمها قودية، وسورها رائق البنيان بديع الشأن، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمد من رخام مثبتة على حجارة من رخام، وهو أكبر أبوابها، ولها باب غربي أيضا يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة...وقبالتها على ضفة البحر حصن المعدن ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك، فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض)(52).

ويفرد صاحب (المغرب في حلى المغرب) فصلا في كتابه بعنوان (كتاب الرياض المصونة في حلى مملكة أشبونة), وفيه يصفها بأنها مملكة جليلة على البحر المحيط في غرب إشبيليا وشمالها. ويورد تحت هذا الفصل كتاب (الغرة الميمونة في حلى مدينة أشبونة) وينقل من كتاب الرازي ما يلي: (مدينة قديمة في غرب باجة، ولها أثرة فاضلة في طيب الثمرات وتمكن في ضروب الصيد برا وبحرا، وبزاتها الجبلية أطير البزاة وأعتقها، وفي جبالها شورة النحل، وهو العسل الخالص البياض كالسكر، ويضع في خرقة، فلا يكون له رطوبة)(53).

وعلى العموم فقد كانت لشبونة مركزا عربيا كبيرا للتجارة والملاحة، ويخبرنا الجغرافي الإدريسي عن قصة إبحار المغامرين الذين (ركبوا المحيط الأطلسي ليعرفوا ما فيه وأين انتهاؤه، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين)(54).

ويرجح أن يكونوا وصلوا إلى العالم الجديد، ولا سيما أن رحلتهم في الذهاب استغرقت شهرا بالضبط(55). وتعتبر هذه الرحلة -كما يقول أحد الباحثين البرتغاليين المحدثين- الخطوة الأولى في الاستكشافات البحرية البرتغالية منذ العصر العربي... كما أنه تسنى إحراز ما اكتشفوه في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بفضل اقتباسهم لطريقة بناء مراكب العرب التقليدية في غرب الأندلس، فعلى أساسها استطاع هنري الملاح وبحارته أن يتوصلوا إلى صناعة القوارب (CARAVELAS) وهي المراكب الصغيرة السريعة التي ساعدت على تحقيق الاستكشافات(56).

ومازال الحي الشرقي من لشبونة يحمل اسمه العربي (ALFAMA)، وهذه التسمية البرتغالية محرفة عن اسمه العربي (الحمة) الذي كانت الطبقة الأرستقراطية حتى عهد قريب تتخذ مساكنها فيه، ومازالت موجودة فيه بعض الدور التي يرجع تاريخها إلى عصر المسلمين، وهو يتميز بأزقته الضيقة الملتوية وواجهات بيوته المزخرفة بالزليج. وقد كانت بلدية العاصمة صارمة في قرارها الصادر في الثمانينات من القرن العشرين بالحفاظ على شكل الجزء القديم من المدينة كما هو، فلم تمتد يد العبث إلى المباني التقليدية بالتشويه، أو الإزالة... لأنها تتميز بالفخامة وروعة التصميم(57).

أنجبت هذه المدينة عددا من الشعراء والأدباء والفقهاء من أشهرهم أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني القذافي الذي يقول عنه ابن بسام الشنتريني أنه كان (من شعراء غربنا المشاهير، وله شعر يعرب عن أدب غزير)(58). وكان ابن مقانا قد جال أقطار الأندلس في شبابه مادحا رؤساءها، ومن أشهر قصائده تلك التي أنشدها في مدح إدريس بن يحيى بن حمود ومطلعها:

البرق لائح من أندريـــن ذرفت عيناك بالماء المعيـــــن

ولصوت الرعد زجر وحنـين ولقلبي زفـرات وأنيــــن(59).

والشاعر محمد بن سوار الأشبوني (شاعر مشهور مذكور في الذخيرة، أسره النصارى وجرت عليه محن وفداه منهم ابن عشرة كريم سلا، فله فيه أمداح كثيرة نذكر منها هذين البيتين:

أحب سلا من أجل كونك من سلا فكل سلاوي إلي حبيـــــب

لصـيرتها مصرا ونيـلك نيلهــا وكفك بطحـاها وأنت خصيب(60).

ومن أدباء أشبونة كذلك الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل القرشي الأشبوني الذي (كان يعرف عندنا بالطيطل، ممن نظم الدر المفضل لا سيما في الزهد)(61). ويبدو أن المدينة كانت مقصد الأدباء في غرب الأندلس، فابن بسام يذكر أكثر من مرة أنه ذهب إلى الأشبونة لملاقاة أدبائها والوافدين عليها، فعند الحديث عن الأديب أبي جعفر بن الدودين البلنسي يقول: (هو أحد من لقيته وشافهته، وأملى عَلِيٌّ نظمه ونثره بالأشبونة سنة سبع وسبعين وأربعمائة)(62). ويتحدث ابن بسام كذلك عن الأديب أبي عامر الأصيلي من سرقسطة فيقول: (وهبط إلى الأشبونة أيام كوني بها... وزرته ونزلت عليه في منزله أول التقائي به في لمة من أهل الأدب)(63).

ويذكر ابن بشكوال أن أبا عبد الله محمد بن يحيى بن مزاحم الأنصاري، سكن طليطلة ورحل إلى المشرق وأصله من الأشبونة، ويصفه بأنه كان نهاية في علم العربية وتوفي سنة (502 هـ)(64).

ومن فقهاء الأشبونة عبد الرحمن بن عبيد الله، وكان يروي عن الإمام مالك بن أنس(65). وأبو إسحاق إبراهيم بن هارون المصمودي، المعروف بالزاهد الأشبوني(66).

وكيف لا نقف عند مدينة شنترين (SANTAREM) الواقعة في شمال شرقي لشبونة والتي وصفها الوزير الكاتب الفتح بن خاقان حيث يقول: (شنترين قاصية أرض الإسلام، السامية الذُّرَا والأعلام، التي لا يروعها صرف، ولا يفرعها طرف؛ لأنها متوعرة المراقي، معثرة للراقي، متمكنة الرواسي والقواعد، على ضفة نهر استدار بها استدارة القلب بالساعد، قد أطلت على خمائلها إطلال العروس من منصتها، واقتطعت في الجو أكثر من حصتها)(67).

ويكفي المدينة فخرا أنها أنجبت أديبا أندلسيا كبيرا هو أبو الحسن بن بسام التغلبي الشنتريني صاحب الموسوعة المعروفة (الذخيرة في محاسن الجزيرة)، جاء في المسهب للحجاري نقلا عن ابن سعيد: (العجب أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سيبعث من شنترين - قاصية الغرب، ومحل الطعن والضرب، من ينظمها في قلائد من جيد الدهر، ويطلعها ضرائر للأنجم الزهر. ولم ينشأ بحضرة قرطبة ولا بحضرة إشبيليا ولا غيرهما من الحواضر العظام من يمتعض امتعاضه لأعلام عصره، ويجهد في جمع حسنات نظمه ونثره. وسَلَّ (الذخيرة)، فإنها تعنون عن محاسنه الغزيرة... ونثره في كتاب (الذخيرة) يدل على علو طبقته)(68).

وضع ابن بسام مصنفه التاريخي والأدبي الرائع قبل سقوط وطنه شنترين في أيدي النصارى بأعوام قلائق. وكان قد ذكر في مقدمته أنه غادرها، حيث قال: (وعلم الله -تعالى- أن هذا الكتاب، لم يصدر إلا عن صدر مكلوم الأحناء، وفكر خامد الذكاء، بين دهر متلون تلون الحرباء، لانتباذي كان من شنترين قاصية الغرب، مفلول الضرب، مروع السرب، بعد أن استنفذ الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بتواتر طوائف الروم علينا في عقر ذلك الإقليم)(69).

ويشتمل كتاب الذخيرة وفقا لتصنيف مؤلفه على أربعة أقسام خص القسم الثاني لأهل الجانب الغربي من الأندلس، وذكر أهل حضرة إشبيليا، وما اتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط الرومي، وفيه من الأخبار وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب جملة موفورة.

ومن أدباء شنترين المشهورين كذلك نذكر أبا محمد عبد الله بن سارة الشنتريني قال عنه ابن الآبار في التكملة: (سكن إشبيليا وتعيش فيها بالوراقة وتجول في بلاد الأندلس شرقا وغربا وامتدح الولاة والرؤساء وكتب لبعضهم وكان أديبا ماهرا شاعرا مفلقا مخترعا مولدا, توفي سنة 517 هـ)(70).

وابن دِحْيَةَ في المطرب: (أدبه موفور، وشعره مشهور... انتقل من بلده شنترين إلى مدينة إشبيليا، وهو أوحش حالا من الليل، وأكثر انفرادا من سهيل، فانتجع الوراقة على كساد سوقها وفساد طريقها فتركها وأنشد فيها:

أما الوِراقةُ فهي أنكد حرفــة أغصانها وثمارها الحرمــان

شبهت صاحبها بإبرة خائــط تكسو العراة وجسمها عريان().

ومن المراكز الحضارية الإسلامية في البرتغال المدينة التي سماها العرب (شنتمرية الغرب) والمعروفة اليوم باسم (فارو FARO) وتقع جنوبي البرتغال، وكان لها شأن كبير أيام العرب، مشهورة بالعنب والتين، وبينها وبين شلب ثمانية وعشرون ميلا. ومن عجائبها ما ذكره الحميري: (عين تنفجر بماء كثير يبصر ذلك الناس عيانا، فإذا قربوا منها ووقفوا عليها انقطع جريانها فلا تنبض بقطرة، فإذا تباعد الناس عنها عادت إلى حالها... ومن الغرائب ما ظهر بشنتمرية هذه في عشر الستين والخمسمائة، وذلك صبي يتواصف المحققون ممن عاين أمره أن سنه خمسة أعوام أو نحوها بلغ مبلغ الرجال وأشعر، وهذا مستفيض عندهم)(72).

وإلى هذه المدينة ينتسب أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى الأعلم الشنتمري العالم اللغوي الكبير وصاحب التصانيف الشهيرة في اللغة والأدب والنحو بلغت ستة عشر مؤلفا منها الموجود بين مطبوع ومخطوط، ومنها المفقود، ومنها ما نطمئن إلى نسبته ومنها ما نشك فيه(73). لقد كان الأعلم واسطة في نقل ثقافة الجيل الثاني وما أخذه عن شيوخه إلى أجيال لاحقة ممن تتلمذوا عليه. وقد ذكرت المصادر عبارات تدل على تعدد من أخذ عنه وحضر حلقاته العلمية بإشبيلية. جاء في الصلة: (أخذ الناس عنه كثيرا)(74). وفي الوفيات: (صارت الرحلة إليه في زمانه)(75). وفي البغية: (ورحل إليه الناس من كل وجه)(76). وفي الذخيرة: (وكان الأستاذ أبو الحجاج الأعلم يومئذ زعيم البلد وأستاذ ولد المعتمد فعول عليه في رحلته، وانقطع إليه بتفصيله وجملته، وكانت له في أثناء ذلك همة تترامى به إلى العلا...)(77) وفي فجر الإسلام: (وقد استفاد منه كثيرون من أهل الأندلس، وكانوا يرحلون إليه)(78).

وعلى العموم فقد كان واحدا من ثلاثة كان الأندلسيون يعدونهم أدباء عصرهم بلا منازع وهم: أبو مروان ابن سراج بقرطبة، والأعلم في إشبيليا، وغانم بمالقة(79).

أما مدينة يابرة (EVORA) فكانت من أهم مدن هذه المنطقة, ويصفها الحميري بأنها (كبيرة عامرة بالناس لها أسواق وقصبة، ومسجد جامع، وبها الخصب الكثير الذي لا يوجد لغيرها من كثرة الحنطة واللحم وسائر البقول والفواكه وهي أحسن البلاد بقعة وأكثرها فائدة...)(80).

وقد اشتهر من أبنائها الكاتب والشاعر الكبير أبو محمد عبد المجيد بن عبدون (العالم المستبحر في جميع الفنون)(81), ويصفه ابن بسام بأنه (سر الدهر المكتوم، وشرف فهر الحديث والقديم، لسان صدقها في الآخرين، وقمر أفقها الذي ملأ الصدور والعيون، وديوان علمها المذال والمصون، ومسترق كلمها المنثور والموزون، أعجوبة الليالي، وذروة المعالي، ذو لسان يَفْرِي ظُبَةَ السيف، وصدر يسع رحلة الشتاء والصيف، أفصح من صمت ونطق وأجمح من صلى وسبق، عول من ملوك الطوائف على رئيس بلده المتوكل، فعليه نثر دره الثمين، وباسمه جبر وشيه المصون)(82).

وتذكر المصادر التاريخية والأدبية أسماء أعلام كبار في مجالات فكرية وأدبية وفقهية تنتمي إلى مناطق برتغالية أخرى نذكر منها على سبيل المثال عبد الملك ابن صاحب الصلاة صاحب كتاب (تاريخ المن بالإمامة)(83) وهو أحد أبناء مدينة (باجةBEJA ) (أقدم مدن الأندلس بنيانا وأولها اختطاطا)(84). ومن أشهر رجالاتها كذلك الإمام القاضي أبو الوليد الباجي شارح الموطأ... وصنف في الأصول والفروع. توفي سنة (474هـ)(85).

وكذلك مدينة شنترة (CINTRA) وهي من أعمال لشبونة. وقد نسب إليها قوم من أهل العلم(86). نذكر منهم الزاهد بكار بن داود المرواني (وكان غاية في الزهد، مطرحا لنفسه ومات في جهاد العدو)(87). وميرتلة (MERTOLA) وكانت من أعمال باجة، وقد وصف ياقوت الحموي قصبتها بأنها أمنع حصون الجوف (غرب الأندلس) وهي من الأبنية القديمة، ينسب إليها الأديب الشاعر محمد بن عبد الله بن عمر ابن مندلة، صحب أبا الحجاج الأعلم كثيرا, وأخذ عن أبي محمد بن خزرج وأبي مروان بن سراج وغيرهما، كان أديبا لغويا شاعرا فصيحا، توفي سنة (533هـ)(88). وقد اتخذها ابن قسي قاعدة لدعوته كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وينتسب إليها كذلك الفقيه الزاهد أبو عمران موسى بن عمران المارتلي (له نثر ونظم في الزهد والحكم مدون مشهور. ومن نثره: كل ما يفنى ما له معنى. من خف لسانه وقدمه كثر ندمه. التغافل عن الجواب من فعل ذوي الألباب...)(89) وقال عنه ابن الزبير في صلة الصلة (أحد أفذاذ الرجال، ممن جمع الله له العلم والعمل، زاهد ورع، عابد منقطع القرين... يؤثر العزلة والفرار عن الناس والانقطاع بدينه، فكان لا يخرج من داره إلا إلى مسجده، ولا يرى لغير ذلك أصلا... توفي سنة 604هـ وقيل 603هـ)(90).

إضافة إلى مدن أخرى كان لها شأن كبير في تاريخ وحضارة الإسلام بالبرتغال مثل قلمرية (COIMBRA) وقصر أبي دانس وأبرنطيش (ABRANTES) وبراقة (BRAGA) وغيرها. كما أن الآثار العربية الإسلامية مازالت شاهدة على ما كانت تتمتع به هذه الربوع في ظل الإسلام من تقدم حضاري وتطور عمراني. ويذكر (فيلوزو) أن عدد أسماء المواقع الجغرافية العربية الأصل كبير بصورة غير اعتيادية في البرتغال، وذلك ينطبق حتى على المناطق التي خضعت للحكم العربي لفترة قصيرة، وتكثر هذه الأسماء بشكل عجيب في أقصى المناطق الجنوبية للبرتغال. لقد كانت حضارة العرب متقدمة ومتطورة أكثر من حضارة شبه الجزيرة اللاتينية المسيحية. وبطبيعة الحال، فقد تبنى السكان عادات وتقاليد الفاتحين المتحضرة إلى حد كبير خلال فترة القرون الخمسة التي خضع فيها التاريخ البرتغالي للحكم العربي(91). ويقول (الفييرا ماركيس) في كتابه: (تاريخ البرتغال/ الجزء الأول/ ص: 283) إن الفن المدجن كانت له أهمية قصوى في المعمار المدني وفي البنايات الدينية وفي قصور الملوك وعليه القوم في أواخر القرن الخامس عشر والسادس عشر من كثرة ما كانوا يضعونه من فن النقش والزخرفة على البنايات مقيدين في ذلك بقواعده التي لا يحيدون عنها، وإن قصر شنترة أحسن مثال على ما تبقى من ذلك... وإن أكبر قسط من أبراج الأسوار المقامة بجنوب مونديكو أو جنوب نهر التاجة في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر هي من إنتاج البناء المدني والخبرة العسكرية الإسلامية، ولا تخلو لشبونة من الفن المدجن المتجلي خاصة في الزخرفة بالفسيفساء، وقد شاهدت ذلك في عدة أماكن سواء منها دور السكنى الكبيرة منها أو المتواضعة، بل حتى المقاهي الشعبية ودكاكين ومتاجر في الأحياء القديمة(92).

وهناك مطبوعات قديمة ظاهرة على الأحجار تبين أسماء شوارع بعض المدن البرتغالية بمنازلها المملوءة بالدفاف التي تضفي عليها سمة من السمات الشرقية(93).

والمطلع على اللغة البرتغالية والدارس لها ولثقافتها لا يصعب عليه كشف التأثير العربي والإسلامي فيها. فهناك الكثير من الكلمات البرتغالية هي عربية أصيلة أو ذات أصول عربية وقد توصل الباحث الدكتور البرازيلي ( جواوباتيست فارجينز) في رسالته الجامعية ( الكلمات البرتغالية ذات الأصول العربية) إلى وجود ثلاثة آلاف كلمة برتغالية من أصل عربي (وقد اعتمدت في ذلك على قاموس (أوراليو) ومن نصوص برتغالية قديمة تتضمن بدورها أصولا لكلمات بالبرتغالية كالزبيب الذي يعني بالبرتغالية العزيز، وكذا السكر والسكاكير وأي مكان نمو السكر... وكلها كلمات عربية وصلت إلينا عبر التأثيرات الحضارية والتواصل الذي تعمق في مراحل معينة. وما يعد مهما ولافتاً للانتباه في هذه الدكتوراه هو توصلنا إلى حوالي ثلاثة آلاف كلمة برتغالية من أصل عربي. وقد اعتمدت في ذلك بالإضافة إلى ما ذكرته على قاموس لغوي قديم يرجع تاريخه إلى القرن السادس عشر والذي مكنني من الوقوف على أصل الكلمات ومعانيها وتطوراتها كما كنت أبحث كذلك في القاموس العربي في محاولة لمعرفة المرحلة التاريخية التي دخلت فيها الكلمة إلى البرتغالية)(94). ويكاد القانون الجنائي البرتغالي في العصور الوسطى أن يكون عربيا في مواصفاته. (ويجب أَلاَّ نستغرب من هذا الأمر لأن العرب كانوا حكاما لمدة خمسة قرون في هذه الأرض. صحيح كانت هناك مؤسسات محلية أيضا، ولكن دراسة القوانين القديمة تشير إلى أن هناك عددا لا بأس به من الموظفين البرتغاليين في العصور الوسطى كانوا يتمتعون بألقاب ومناصب عربية، ولقد كان هذا -إلى حد ما- نتيجة لاتخاذ لشبونة عاصمة للحكم الملكي المسيحي، وهي التي كانت سابقا مركزا عربيا مهما)(95). ويظهر قانون المواريث التأثير الكبير للتشريع القرآني على الحياة القديمة للسكان البرتغاليين، فحتى عام (1910م) كان يحق في البرتغال للشخص أن يتصرف بثلث ثروته فقط قبل الوفاة، أما ما تبقى من ممتلكاته -وهو الثلثان- فيحفظ للأبناء(96). كما عومل العبيد في البرتغال الإسلامية معاملة كريمة، كما هو الحال في بقية الأقطار الإسلامية. ولقد كان لتقليد الـ"ANADIGO" في برتغال العصور الوسطى أهمية عظمى، وهو يحمي المرأة المربية والمرضعة لابن سيدها، الذي هو ابنها أحيانا. وأطلق على هذه المرأة اسم (أمة) ويقوم سيدها بتكريمها وتكريم أسرتها بإهدائها قطعا من الأراضي، ويمن عليها بالحرية، وذلك طبقا للقانون الإسلامي(97). لقد ازداد البرتغاليون تمرسا بالنظافة والأخلاق تحت حكم العرب، ولم يبطل التأثير العربي في توجيههم وتدريبهم حتى بعد أن أصبحوا أرقاء بسبب انصرافهم إلى العمل والكدح... وبفضل العرب أيضا استخدم الدلو والرشاء لانتشال الماء من الآبار العميقة، واستخدموا الساقية والناعورة لسقي الزروع... وهم الذين أنشؤوا صناعة السكر في البرتغال كما أدخلوا إليها الطاحونة المائية جدة الآلة البدائية لعصر القصب والتي تعمل بقوة انحدار الماء على دولاب خشبي كبير. ولا ريب أن زراعة الزيتون ازدادت تحسنا في البرتغال بعد قدوم العرب إليها. وكان للكرمة نصيب من عناية العرب، فقد جلبوا إلى الجزيرة البرتقال والقطن ودودة القز، ومما اقتبسه البرتغاليون عن العرب ونقلوه إلى البرازيل صناعة القرميد المطلي الذي عم استعماله في المساكن والكنائس والأديرة والحمامات والمغاسل، وفي فن الطبخ نقلوا عددا من المآكل الشهية وعلى الأخص المطهية بالزيت والكثيرة الدسم(98). وعلى العموم فإن البرتغال كما يقول (سيرابراندو) رئيس جمعية المؤرخين البرتغاليين: (استفادت من انتمائها لحوض البحر المتوسط، فتأثرت بالمد والحضارة العربية، واستفادت من العلوم والمعارف العربية، فتم تطوير الإسطرلاب الذي استخدمه العرب من قبل، وكذلك كتابات العرب حول تحديد المركز المغناطيسي للأرض, والرياح, وحركة الأمواج...)(99).

****************

الحواشي

*) باحث وأكاديمي من المغرب.

1- انظر دراسة فيلوزو VELOZO عن أثر الحضارة العربية الإسلامية في البرتغال، نشرت بالإنجليزية في مجلة الجمعية التاريخية الباكستانية، عدد 1966,14م، ص53-52 ترجمه إلى العربية عبد الواحد ذنون، نشره في مجلة آفاق عربية، عدد 1, 1980م, ص39

2- المرجع نفسه, ص39.

3- انظر فجر الأندلس، حسين مؤنس, ص 118, الطبعة الأولى, القاهرة 1959م.

4- المرجع نفسه، ص509-508.

5- (المعدن) بالاصطلاح الأندلسي والمغربي بمعنى (المنجم) (الدكتور أمين توفيق الطيبي) مجلة الفصول الأربعة الليبية, عدد 19، 1979م، ص130.

6- انظر مجلة العربي الكويتية, عدد 219, 1977م, ص23 (البرتغال الإسلامية) محمود علي مكي.

7- نقلا عن فجر الأندلس, حسين مؤنس, مرجع سابق, ص543.

قورية- شلمنتقة- صمورة : CORIA- SALAMANCA- ZAMORA

8- انظر مجلة العربي, مرجع سابق, ص23.

9- نقلا عن فجر الأندلس, حسين مؤنس, مرجع سابق, ص382-381.

10- انظر ما كتبه حسين مؤنس عن قصر أبي دانس في تحقيقه لكتاب الحلة السيراء لابن الأبار, الجزء الثاني, ص272, هامش 1.

11- انظر تاريخ إسبانيا الإسلامية (بالفرنسية) الجزء الأول, الطبعة الثانية, 1950م, ص88.

12- انظر عن هذه الأحداث:

- كتاب (دولة الإسلام في الأندلس... من الفتح إلى بداية عهد الناصر) محمد عبد الله عنان, ص305/304, الطبعة الرابعة, مكتبة الخانجي, القاهرة.

- مجلة الفصول الأربعة, مرجع سابق ص111.

أما عن مدينة برتقال فقد خصص صاحب كتاب (ذكر بلاد الأندلس وفضلها وذكر أصقاعها) مادة لها فقال: »إنها مدينة أزلية من قواعد الأندلس، وكان بها جامع عظيم غَيَّره الروم حين ملكوها، وهي الآن قاعدة الملك الرومي، ولها أسوار عظيمة وأبواب ضيقة وعليها محرث عظيم وأعمال واسعة تحتوي على أكثر من ألفين (كذا) قرية وبها سبعون حصنا وبها الجوز والعنب والتين الكبير. واسم برتقال هو تعريب لفظ PORTUCALE القديم، ولفظ: PORTU/PORTO معناه الميناء. وهذه المدينة الواقعة الآن في شمال البرتغال هي التي تدعى اليوم بالبرتغالية (PORTO) ثاني مدينة في البرتغال بعد لشبونة، وتبعد عنها بنحو 340 كيلومترا. انظر هامش 584 في المقتبس لابن حيان, تحقيق محمود علي مكي, ص635/634 بيروت 1973م«.

13- انظر كتاب: (في تاريخ المغرب والأندلس) أحمد مختار العبادي, ص168.

14- السلسلة الجبلية القريبة من الساحل الجنوبي الغربي لشبة الجزيرة، وهي تمتد في شمال شلب SILVES، وباسم هذا الجبل دعيت مدينة تحمل حتى اليوم اسم MONCHIQUE وتقع شمال شلب منحرفة قليلة إلى الغرب على بعد 28 كيلومتر (انظر هامش 574 في المقتبس, ص627 مرجع سابق).

15- المقتبس لابن حيان القرطبي, تحقيق محمود علي مكي, ص344/345 بيروت 1973م.

16- انظر كتاب (دولة الإسلام في الأندلس... من الفتح إلى بداية عهد الناصر) محمد عبد الله عنان, ص306/307, مرجع سابق.

17- ابن عذارى المراكشي, الجزء الثاني, ص199-200, دار الثقافة, بيروت 1980م.

18- انظر مجلة العربي الكويتية, مرجع سابق ص23, والمقتبش ص345, مرجع سابق.

- من الأبحاث المهمة المنجزة عن المروانيين، بحث فرانسيسكو كوديرا تحت عنوان (بنو مروان أصحاب ماردة وبطليوس) في مجموعة (دراسات نقدية حول التاريخ الأندلسي). المجلد التاسع, مدريد سنة 1917م, ص1 إلى 74.

FRANCISCO CODERA: LOS BENIMERUAN DE MERIDA Y BADAJOZ, EN ESTUDIOS CRITICOS DE HISTORIA ARABE ESPANOLA- MADRID 1917/ VOL .IX.pp 1-74.

19- انظر كتاب دولة الإسلام في الأندلس من الفتح إلى بداية عهد الناصر, محمد عبد الله عنان, مرجع سابق ص330.

20- المقتبس, تحقيق إسماعيل العربي, دار الآفاق الجديدة, المغرب, 1990م, ص41 إلى 53.

البيان المغرب, الجزء الثاني, ص133 إلى 138.

21- انظر كتاب في تاريخ المغرب والأندلس, أحمد مختار العبادي, ص275, مؤسسة الثقافة الجامعية.

22- انظر المعجب, عبد الواحد المراكشي, ص241/242, تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي.

23- تحقيق سهيل زكار والأستاذ عبد القادر زمامة, ص82/83, دار الرشاد الحديثة, الطبعة الأولى 1979م.

24- انظر الرسالة التي كتبها الوزير ابن عبدون إلى الخليفة علي بن يوسف بن تاشفين يخبر فيها بفتح المدينة بقيادة يسير بن أبي بكر سنة 1111م, المعجب, ص246 إلى 249, مرجع سابق.

25- الجزء الرابع, ص64.

26- الحلل الموشية, ص86, مرجع سابق.

27- المعجب, ص337, مرجع سابق.

28- انظر كتاب (الشعر في عهد المرابطين والموحدين بالأندلس) محمد مجيد السعيد, ص26, الدار العربية للموسوعات.

29- انظر الحلة السيراء لابن الآبار, تحقيق حسين مؤنس, الجزء الثاني, ص197.

30- الجزء الرابع, ص105.

31- الحلة السيراء, الجزء الثاني, ص199, مرجع سابق.

32- المرجع نفسه, ص200.

33- انظر تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين, يوسف أشباخ, ترجمة : محمد عبد الله عنان, الجزء الثاني, ص31و 32, مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1941م.

34- انظر المعجب, للمراكشي, ص372, مرجع سابق.

35- انظر: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين, يوسف أشباخ, الجزء الثاني, ص71و72, مرجع سابق.

36- انظر المعجب, ص373-374-375, وابن أبي زرع في الأنيس المطرب بروض القرطاس, ص214 دار المنصور للطباعة والوراقة, الرباط- 1973م, يوسف أشباخ، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين, ص73 مرجع سابق, تاريخ ابن خلدون, الجزء السادس, ص241.

37- انظر تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين, يوسف أشباخ, الجزء الثاني, ص79و 80, مرجع سابق.

38- انظر الأنيس المطرب بروض القرطاس, لابن أبي زرع, ص218و 219, مرجع سابق.

39- انظر مجلة العربي, عدد 219, فبراير 1977م, ص27, مرجع سابق.

40- انظر كتاب الأمة, عدد 31, ص44, الصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم: جذورها ومسارها, علي المنتصر الكتاني.

41- انظر مجلة المناهل المغربية, عدد 24, 1982م, ص354و 355, الجالية الموريسكية المقيمة بالبرتغال, وهي دراسة مهمة اعتمدتُ عليها كثيراً في هذا الباب.

42- المرجع نفسه, ص357.

43- المرجع نفسه, ص376و 379.

44- المرجع نفسه, ص368.

45- المرجع نفسه, ص374.

46- انظر مجلة المناهل, عدد 21, 1981م, ص299, محضر محاكمة امرأة مغربية من لدن محاكم التفتيش البرتغالية 1559م, ترجمة وتعليق أحمد بوشرب.

47- انظر مجلة العربي, ص27, مرجع سابق.

48- مرجع سابق, ص342.

49- معجم البلدان, الجزء الثالث, ص357-358, دار إحياء التراث العربي, بيروت.

50- انظر القصيدة في ديوان المعتمد بن عباد, 135, رقم 39.

51- قلائد العقيان, ص33, مطبعة التقدم العلمية, القاهرة.

52- انظر الروض المعطار, ص61, مرجع سابق.

53- الجزء الأول, ص411, تحقيق شوقي ضيف, دار المعارف, طبعة ثالثة, 1978م, مرجع سابق. ويذكر لسان الدين بن الخطيب في مقدمة الإحاطة, الجزء الأول, ص83, أنه في تأليفه عن تاريخ وأعلام بلده غرناطة إنما يحتذي حذو الكثيرين ممن سبقوه في التأليف عن أوطانهم، ويذكر أبا بكر بن محمد بن إدريس الفرابي العالوسي صاحب كتاب, الدرة المكنونة في أخبار أشبونة.

54- الروض المعطار, ص61, مرجع سابق.

55- انظر ما كتبه عبد الرحمن حجي في (أندلسيات) ص150 عباس الجيراري في مجلة المناهل, عدد 12, ص62.

56- انظر مجلة: آفاق عربية, عدد 1/1980م, ص41, أثر الحضارة الإسلامية على البرتغال, ف.ج فيلوزو ترجمة عبد الواحد ذنون, مرجع سابق.

57- انظر مجلة المناهل, عدد 112, ص62, مرجع سابق, ومجلة العربي, عدد: ديسمبر 1987م, ص79 (البرتغال مملكة الشمس الغاربة) محمود عبد الوهاب.

58- الذخيرة, القسم الثاني, المجلد الثاني, ص786 تحقيق إحسان عباس, ليبيا, تونس 1978م.

59- انظر القصيدة في (المغرب في حلى المغرب) الجزء الأول, ص413و 414, مرجع سابق.

60- المرجع نفسه, ص411- 412.

61- ابن بسام, الذخيرة, 2/2, ص797.

62- المرجع نفسه, 3/2, ص703.

63- المرجع نفسه, 3/2, ص862.

64- الصلة, الجزء الأول, ص532, تحقيق عزت العطار الحسيني, القاهرة 1955م.

65- الحميدي, جذوة المقتبس, ص257, تحقيق محمد بن تاويت الطنجي, القاهرة 1952م.

66- نقلا عن مجلة المناهل, عدد 12, ص62, مرجع سابق.

67- انظر: المطرب من أشعار أهل المغرب, ابن دحية, ص23, تحقيق إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي, دار العلم للجميع, 1955م.

68- نقلا عن (المغرب في حلى المغرب) لابن سعيد, الجزء الأول, ص417و 418, مرجع سابق.

69- مقدمة القسم الأول, المجلد الأول, ص8, مرجع سابق.

70- التكملة, ص462، طبعة مصر, 1955م.

71- المطرب, ص78, مرجع سابق.

72- الروض المعطار, ص347, مرجع سابق.

73- انظر مقدمة محقق كتاب, النكت في تفسير كتاب سيبويه، وتبيين الخفي من لفظه وشرح أبياته وغريبه, رشيد بلحبيب, الجزء الأول, ص24, مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- 1999م.

74- ابن بشكوال, الجزء الثاني, ص643, تصحيح عزة العطار الحسيني, سلسلة من تراث الأندلس - 1354هـ.

75- ابن خلكان, الجزء السابع, ص281, تحقيق إحسان عباس, دار صادر, بيروت.

76- السيوطي, الجزء الثاني, ص356, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار الفكر, الطبعة الثانية, 1979م.

77- ابن بسام, القسم الثاني, المجلد الأول, ص47, مرجع سابق.

78- أحمد أمين, الجزء الثالث, ص91, دار الكتاب العربي لبنان, 1969م.

79- انظر بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس, للضبي الجزء, ص241, طبعة مدريد 1884م.

80- الروض المعطار, ص616.

81- ابن دحية في المطرب, ص27.

82- الذخيرة, القسم الثاني, المجلد الثاني, ص668/669.

83- تحقيق عبد الهادي التازي, دار الأندلس, بيروت 1964م.

84- الروض المعطار, الحميري, ص75, مرجع سابق.

85- المرجع نفسه, ص75.

86- ياقوت الحموي, معجم البلدان, الجزء الثالث, ص367.

87- المغرب في حلى المغرب, الجزء الأول, ص415, مرجع سابق.

88- ياقوت الحموي, معجم البلدان, الجزء الخامس, ص242.

89- المغرب في حلى المغرب, الجزء الأول, ص406 وانظر كذلك (الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة) لابن سعيد ( الترجمة الخامسة) ص135 و 136 و 137, تحقيق إبراهيم الأبياري, دار المعارف الطبعة الثالثة, 1977م.

90- القسم الثالث, ص52/53 تحقيق عبد السلام الهراس والشيخ سعيد أعراب, مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1993م.

91- مجلة آفاق عربية, ص40, مرجع سابق.

92- انظر كتاب محمد قشتليو, تأثير الفن العربي المدجن في حياة الأسبان ص54/55 مطبعة سبارطيل, طنجة 1989م.

93- انظر كتاب (المدن الإسبانية المسلمة) ليوبولد تورس بالباس, ترجمه عن الإسبانية: إليودورودي لا بنيا, ص598, مطبوعات مركز الملك فيصل بالرياض, السعودية, الطبعة الأولى 2003م ( الدفة وتسمى في البرتغال ADUFA ) وعي تعني بوابة أولوحا خشيا.

94- انظر حوارا معه في مجلة (الأنباء) المغربية, عدد 15/14, غشت 2000م, ص46/47, أدجرته نعيمة الحاجي.

95- مجلة آفاق عربية, ص40, مرجع سابق.

96- المرجع نفسه، ص41.

97- المرجع نفسه، ص41.

98- انظر دراسة المؤرخ البرازيلي جلبر توفريدي عن: (أثر الحضارة العربية في البرازيل) في مجلة (المعرفة) السورية، عدد: الخامس, السنة الثانية, يوليوز 1963م, ص7و 8 و 11, ترجم الدراسة موسى كريم.

99- انظر مجلة العربي, عدد349, ديسمبر 1987م, ص82, البرتغال مملكة الشمس الغاربة, مرجع سابق.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=481

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك