اللّغة والقصديّة

عزمي العفّاس

 

مقدّمة:

تُعتبر اللّغة مؤسّسة اجتماعيّة بما هي عمليّة تواضع بين البشر أساسا، هدفها الرّئيس هو عمليّة التّواصل وتسهيله، وربّما اللّغة هي أكثر الأنظمة الرّمزيّة استعمالا بين البشر في عمليّة التّواصل. فاللّغة كغيرها من المؤسّسات كالمؤسّسات الدّينيّة والمؤسّسات الاجتماعيّة والمؤسّسات السّياسيّة وغيرها، إلّا أنّها -إن شئنا القول- الأهمّ وذلك يعود إلى كون المؤسّسات الأخرى جميعها تحتاج اللّغة كي تستمرّ، بينما اللّغة لا ترتكز في وجودها على وجودهم، وبالتّالي فهي مستمرّة باستمرار البشر. فاللّغة إذن لا توجد خارج المجتمع، هي منهُ وهي فيه، فالفردُ يستعملها بصفة دائمة، وهي مرتبطة بعمليّة التّفكير فلا يمكن عزلها عنها، فنحن في نهاية المطاف عندما نتحدّث مع أنفسنا (باطنيّا) أثناء التّفكير فنحنُ نستعمل اللّغة، مهما كان التّفسير المتعلّق بهذا الصّوت الدّاخليّ سواء أمن منحى دينيّ أو من منحى علميّ، ما يهمّنا في هذا هو أنّ اللّغة والتّفكير وجهان لعملية واحدة وبالتّالي فعمليّة القول في حدّ ذاتها عمليّة تفكير. ونحنُ لا نفكّر إلّا في إطار موضوع، وفي موضوع (موضوع تفكير)، وللتّعبير عن ذلك نحنُ نستعمل اللّغة: هي وسيلة للتّعبير عن الأفكار والمشاعر والموضوعات والأشياء وغيرها.

وباعتبار أنّ اللّغة هي وسيلة تواصل فهي تقوم أساسا على سوء الفهم فـ”[…] عدم الفهم وسوء الفهم هما من الأشكال العاديّة جدّا في عمليّة التّواصل البشريّ”[1]. إنّ هذه العمليّة إذن ترتبط أساسا بقضيّة المعنى، فكيف نُوصِلُ المعنى إلى الآخر في إطار عمليّة التّواصل باعتبار اللّغة اجتماعيّة أساسا؟ في نهاية المطاف فإنّ كلّ قول هو عمليّة إيصال معنى متواجد في الذّهن، فإذا اعتبرنا أنّ المعنى بكلّيّته يوجد في ذهن المتكلّم في مستوى أوّل، فإنّه بمجرّد خروج الصّوت يكون قد فقد نسبة أخرى من المعنى، وحين يصل إلى ذهن المتلقّي فإنّه يفقد نسبة أكثر من المعنى، وهو ما قد يسبّب سوء الفهم. وربّما هذا هو ما يجعلنا نتحدّث عن كون اللّغة قائمة أساسا على سوء الفهم، وهو ما قد يستوجب عمليّة تحليل للخطاب تداوليّا ما يعني أنّنا نحاول ألّا نأخذ اللّغة من زاوية كونها لغة فقط (بنيويّا فقط) فهي ليست مجرّد تراكيبَ وألفاظ، بل هي تحمل أكثر هذا من دلالة وسياق بمختلف عناصره من خلفيّة ومقام ومخاطَب ومخاطِب وزمان ومكان إلى آخره. ومن بين المفاهيم الّتي يمكن الحديث عنها في هذا الإطار هو مفهوم “القصديّة” (Intentionality)، وهو مفهوم فلسفيّ أساسا ربّما انتقل إلى اللّسانيّات، وربّما من أبرز المفكّرين الّذين عملوا على هذا المفهوم هو جون سيرل (John Searle) الّذي يعتبر أنّ القصديّة هي إحدى سمات العقل الثّلاث، وهي “سمة العقل الّتي توجّه الحالات العقليّة أو تتعلّق بها حالات عقليّة أو تشير، أو تهدف إليها في العالم”[2]. إنّنا بهذا سوف نحاول أن نبحث أنّ كلّ عمليّة قول هي في نهاية المطاف تقصد شيئا بعينه، وسنحاول أن نبحث في هذا المفهوم عند جون سيرل بالأساس، من حيث مستوياتها ومن حيث أنواعها ومن حيث اتّجاهاتها، ثمّ سوف نحاول النّظر كيف ينظر هذا المفكّر إلى علاقة اللّغة بالواقع، أو كيف نعبّر عن هذا الواقع، باعتبارنا في نهاية المطاف في إطار عمليّة التّواصل نبحث عن التّعبير عن شيء مهما كانت درجة جوّانيتهِ فهو موجود في الخارج، أو في عالم الأعيان إن شئنا.

مفهوم القصديّة:

ربّما يمكننا العودة في تعريف القصديّة في مرحلة أولى إلى هوسرل (Husserl) الفيلسوف الألماني الّذي يذهب إلى كون القصديّة هي “سمة فكرة أو تجربة الّتي توجد من خلال وعي بـ أو حول موضوع معيّن”[3].  فنحن بالنّسبة إلى هوسرل إذن يجب أن نمتلك موضوعا للوعي، وبذلك فإدراكنا هو إدراك لشيء وبالتّالي فنحنُ لا ندرك في هذه الحال إلّا من خلال المعايشة المباشرة وهو ما يذهب إليه من خلال القول بالتّجربة في تعريف القصديّة، فلا يمكن أن تحصل تجربة أمر مّا خارج هذا العالم في نهاية المطاف، سواء كان ذلك جسديّا أم ذهنيّا، وهو ما سنعبّر عنهُ فيما بعد (نعبّر عن التّجربة) من خلال الرّغبة في الوصول إلى قصديّة معيّنة يخلقها الذّهن.

ويذهب جون سيرل إلى تعريف القصديّة بكونها “سمة العديد من الحالات العقليّة والأحداث الموجّهة نحو أو حول أو من مواضيع في العالم”[4]. ويربط سيرل مفهوم القصديّة بسمة أخرى للعقل هي سمة الشّعور حيث أنّه لا يمكننا أن نفهم القصديّة إلّا من خلال هذه السّمة الثّانية حيث أنّ عمليّة الشّعور هي جوهريّة في بقاء البشر، فالشّعور هو الّذي يسمح لنا بالاحتكاك بالعالم ومن هنا نستطيع أن نعود إلى مفهوم التّجربة مرّة ثانية وهو ما ارتبط بالمفهوم الّذي نحن بصدد دراسته في تعريف هوسرل له. ويذهب سيرل إلى أنّ القصديّة تربط حالات الفرد الذّهنيّة ببقيّة العالم، أي بالواقع أو بالعالم الواقعيّ، وهي تشمل مجموعة من الحالات الشّعوريّة من قبيل:

-الاعتقادات والرّغبات.

-المقاصد والإدراكات.

-ضروب الحبّ والكره.

-المخاوف والآمال.

وبالتّالي يمكننا القول إنّ كلّ هذه الحالات الشّعوريّة إنّما هي حالات ذهنيّة قد تتشكّل داخل الذّهن البشريّ وإن كان مأتاها هو الخارج، أو فلنقل العالم الواقعيّ، وبذلك فإنّ هذه الصّور الذّهنيّ سوف تجد تشكّلها من خلال اللّغة لمحاولة التّعبير عنها والوصول إليها هي تحديدا دون غيرها في كلّ مرّة يحاول المخاطب أن يصل إلى الآخر. فهنا سيحاول المتكلّم استعمال بنى تركيبيّة معيّنة في محاولة منه لتحديد الدّلالة الّتي يريد إيصالها أثناء عمليّة التّعبير، إلّا أنّه في الوقت ذاته يحاول أن يصل إلى مقصد معيّن. فالنّشاط اللّغويّ عند الإنسان إذن يرتبط بالنّشاط النّفسيّ، باعتبار أنّ ما نتحدّث عنهُ يرتبط بما هو ذهنيّ عرفانيّ بدرجة أولى. إلّا أنّ جون سيرل في هذا الإطار يذهب إلى كوننا نرى العالم الواقعيّ أو الخارجيّ كما هو لا وفق نماذج دماغيّة لا ترينا الأشياء كما هي كما يذهب غيره، وبالتّالي فنحن من خلال عمليّة استعمال اللّغة نعبّر عنها كما هي وذلك ما يظهر من خلال كتابي المفكّر “العقل واللّغة والمجتمع” و”رؤية الأشياء كما هي”.

إذن اللّغة ترتبط أساسا من خلال ما ذكرناه بالمعنى، بمقاصد المتكلّم، وبكون القصديّة سمة من سمات العقل، فربّما لو لم تكن هناك مقاصد بالنّسبة للكائنات البشريّة فقد لا نتحدّث عن وجود لغة، لأنّنا نستعملها في نهاية المطاف لمحاولة الوصول إلى هذا المقصد. وبالنّسبة إلى جون سيرل فإنّ المقاصد لا تكون صادقة أو كاذبة بالمعنى الحرفيّ، أي أنّ القصديّة لا تخضع إلى شروط الماصدق، ولكنّها في مقابل ذلك تخضع إلى شروط إشباع، فشروط الإشباع تكون كعمليّة تورية على مجموعة من الشّروط الأخرى الّتي لا يمكن أن تكون مرتبطة بالمشاعر والمقاصد أو الرّغبات على سبيل المثال.

القصديّة والتّواصل:

يتحدّث جون سيرل عن أنواع للقصديّة وعن مستويات هي في نهاية المطاف مرتبطة بعضها ببعض. فهو في كتابه “العقل واللّغة والمجتمع” يذهب إلى أنّ كلّ معنى لغويّ هو مستمدّ قصديّا، ويوجد نوعان من القصديّة:

-الأولى داخليّة وهي مستمدّة من الملاحظ.

-الثّانية مستمدّة وهي تعتمد على الملاحظ.

من خلال هذا يمكننا أن نجد تقسيما ثنائيا هو وجود عالم داخليّ ووجود عالم خارجيّ، فكأنّنا من خلال مفهوم القصديّة نقوم بتقسيم العالم إلى مجموعة من العوالم، أو ربّما هنا قد نتحدّث كما يذهب إلى ذلك الفلاسفة المسلمون إلى الوجود في الأعيان والوجود في الأذهان. وهو الأمر الّذي قد يحدّد اتّجاهات القصديّة ويقسّمها إلى ثلاث: الأولى من الواقع إلى الذّهن، والثّاني من الذّهن إلى الواقع، والثّالث محايد. أمّا الأوّل فربّما يمكن ربطه أكثر بالرّغبات، أمّا الثّاني فقد يكون أكثر في الأفكار، أمّا الثّالث فقد يرتبط أكثر بالمشاعر كالشّكر والتّهنئة فليس فيها محاولة توفيق بين الفعل والكلام كما أنّه لا يمكن تغيير ما هنّأت به أو ما اعتذرت عليه أو غيرهما.

وبالتّالي فإنّنا أثناء عمليّة تحليلنا للخطاب لا يمكن ألّا نقف على مفهوم القصديّة وفهم عمّا يعبّر المقول باعتباره مطيّتنا نحوَ فهم المقاصد الّتي يرمي إليها المتكلّم، سواء للتّعبير عن رغبات أو عن مشاعر أو عن “حياديّة” إن شئنا. فالجمل هي محاولة تبليغ وتوصيل مقاصد المتكلّم (هي محاولة لأنّه بالإمكان الحديث عن عجز اللّغة)، نحن لا يمكننا أن نتحدّث عن صدق أو كذب قصديّة مّا ولكن في مقابل ذلك هي تتعلّق بالفعل في حدّ ذاته، أو هي ربّما لغويّا ترتبط بالأفعال الإنجازيّة كما يذهب إلى ذلك أوستين بما قد تحمله هذه الأفعال من شروط إشباع. عمليّة الإنجاز هذه عادة تكون متعلّقة بالفعل (action) بما هي تجسيد للقصديّة، وهو ما يجعل سيرل يذهب إلى كون ماهيّة القصديّة هي الطّريقة الخاصّة الّتي يمتلكها العقل لربطنا بالعالم، وبالتّالي فنحنُ نعبّر عنها بطريقة أو بأخرى كما هي، و”يتمّ إشباع الحالة القصديّة إذا كان العالم هو الطّريقة الّتي تمثّلها الحالة القصديّة كوجود”[5]. وعمليّة الإشباع هذه تتحقّق في إطار عمليّة تناغم بين المحتوى الخبريّ وهنا نتحدّث عن الملفوظ الّذي تمّ استعماله للتّعبير عن الحالة القصديّة، وبين الواقع الممثّل.

القصديّة والواقع: بين اللّغة والذّهن والواقع:

إنّ أوّل ما أشرنا إليه هو كون اللّغة مؤسّسة اجتماعيّة، وبالتّالي فنحن لا نتحدّث عن اللّغة إلّا في إطار المجتمع أو في إطار وجودها فيه. وربّما اختلفت الفرضيّات حول العلاقة بين الواقع والذّهن واللّغة كمثال على ذلك نظريّة النّسبيّة اللّغويّة مع وورف (Benjamin Lee Whorf) الّذي يذهب إلى كون الواقع هو تمثيل للّغة في محاولة منه للقطع مع الميْز بين الثّقافات في فترة تميّزت بعمليّة مفاضلة بينها. في إطارنا هذا خصوصا مع بحثنا عن مفهوم القصديّة أساسا عند جون سيرل، فإنّنا سوف نحاول أن نعرض نبذة عن تصوّر الفيلسوف لهذه القضيّة.

يرى سيرل أنّ الموجودات في العالم هي موجودة كما هي مستقلّة عن الآخرين، ليسَ بمعنى أنّها لا تتفاعل مع بعضها ولكن بمعنى أنّ الجميع ينظر إليها كما هي لا كما يتخيّلها في ذهنه. بطريقة أخرى ليسَ الذّهنُ هو الّذي يخلق الواقع وإنّما الواقع موجود والذّهنُ ينظر إليه كما هو، وهو ما يخالف فرضيّات أخرى حاول سيرل دحضها في كتابه “رؤية الأشياء كما هي”. إنّ هذا الواقع هو الّذي يتحرّك فيه الإنسان، وهو إن شئنا موضوع درس، وهو الّذي يعبّر عليه الإنسان من خلال اللّغة. والكائن البشريّ أساسا هو كائن علائقيّ وبالتّالي فوجوده لا يكون دون الآخر، وهو ما يحقّق عمليّة التّواصل خاصّة من خلال اللّغة باعتبارها الأبرز في هذه العمليّة، ولذلك فإنّنا نحتاج إلى محدّدات لتفسير العالم الخارجيّ، أو الجانب الاجتماعيّ في اللّغة. ولذلك هنا فإن جون سيرل يتحدّث عن قصديّة جمعيّة. هذا الأمر سوف يحيلنا ضرورة إلى كون المتكلّم هو منشدّ ضرورة إلى خلفيّة ثقافيّة معيّنة، حيثُ أنّ الثّقافة والمجتمع قد تحدّد أحيانا القصديّة، أو نحن من خلال ثقافة المتكلّم والمجتمع الّذي هو فيه بإمكاننا الولوج إلى قصديّة المتكلّم باعتبار فردا من ذلك المجتمع. هذا الأمر يتيح القول إنّ القصديّة قد تكون فرديّة وقد تكون جمعيّة، وهو في إطار كون الكلام باعتباره تعبيرا عن القصديّة هو سلوك فرديّ ربّما، ولكنّه ظاهرة اجتماعيّة تُتَناولُ بالدّرس أيضا. وفي هذا دور كبير للّغة، فهي ليست عمليّة تعبير فقط، ولكنّها إلى ذلك عمليّة خلق أيضا، فنحنُ نخلق الواقع الاجتماعيّ من خلال الأفعال على سبيل المثال، حيثُ اللّغة فعل. وربّما في هذا يعود سيرل إلى نظريّة الأفعال الكلاميّة لأوستين وهو ما أحالنا في مقالنا هذا إلى الأفعال الإنجازيّة وعلاقتها بعمليّة إشباع الحالة القصديّة.

وبالتّالي فإنّه بالنّسبة إلى جون سيرل نحنُ نعبّر على الواقع كما هو من خلال اللّغة، بل اللّغة هي عمليّة خلق لهذا الواقع، أو هي عمليّة تأثير فيه، إذ “ترتبط اللّغة بالواقع بفضل المعنى، لكنّ المعنى هو خاصّيّة تحوّل المنطوقات المجرّدة إلى أفعال تمريريّة. والأفعال التّمريريّة ذات معنى بدلالة خاصّة جدّا للكلمة، وهذا النّمط من المعنويّة هو الّذي يمكّن اللّغة من الارتباط بالواقع”[6]، بما الفعل التّمريريّ يمثّل أصغر وحدة مكتملة في الاتّصال اللّغويّ. فبالنّسبة للأصوات الّتي ينتجها الإنسان أثناء التّكلّم من جهة نظر فيزيائيّة بحتة أو من جهة نظر بيولوجيّة بحتة هي لا تختلف عن الأصوات الّتي تنتجها الحيوانات، فما يجعلنا نميز الإنسان عن الحيوان هو المعنى. هذا الأمر هو ما يجعل من وسائل تحليل الخطاب النّظر في قصديّة المتكلّم لأنّه خطاب في نهاية المطاف ذو معنى، فلا قصديّة دون معنى، فالمعنى عند سيرل هو قصديّة مشتقّة، وحدود المعنى هي حدود القصديّة.

خاتمة:

حاولنا من خلال هذه الورقات البحث عن مفهوم القصديّة وعلاقته باللّغة وبالواقع وذلك من خلال جون سيرل أساسا كنموذج، اعتمادا بدرجة أولى على كتابه “العقل واللّغة والمجتمع”. فالقصديّة أصبحت من المفاهيم الأساسيّة في اللّسانيّات التّداوليّة وفي عمليّة تحليل الخطاب، حيثُ أنّها هي الّتي تحملُ المعنى حسب جون سيرل، أو هي المعنى ذاته. والمعنى هو ما يبحث عن تحديده الإنسان والوصول إليه، بل ربّما إنّ دراسة اللّغة في جلّها هي عمليّة بحث عن المعنى من خلال النّظر في مستوياتها العديدة المتعدّدة.

واللّغة ترتبط ارتباطا وثيقا بالواقع والمجتمع، وإن كانت ملكة ذهنيّة. وهو الأمر الّذي قادنا إلى البحث عن العلاقة بين هذه الثّلاثيّة المذكورة وإن كنّا قد اقتصرنا على ما يذهب إليه سيرل، لأنّنا نجد فرضيّات أخرى قد تنفي وجود الواقع بل هو ما يتحدّد من خلال الذّهن واللّغة، وفرضيّات أخرى تذهب إلى أنّنا في استعمالنا اللّغة إنّما نحن نعبّر عمّا نراه فقط وليسَ الموجود فعلا حيثُ أنّ الصّورة الواقعيّة ترتسم في الذّهن لتخلق صورة ذهنيّة هي نتاج الواقع الموجود كما هو لكنّها في الوقت ذاته هي تحمع مجموعة من العناصر الموجودة في العقل البشريّ، فلا يمكننا أن نلغي مفهوم التّجربة أو أن نلغي الجانب النّفسيّ للفرد في رؤيته للأشياء، فهو ربّما لا يراها كما هي، بل هو يعبّر عمّا رآه. فإذا كانت القصديّة كسمة عقليّة ترتبط بالشّعور (باعتباره الآخر سمة عقليّة) فلا يمكننا الحديث عن واقع محض، فالإنسان يعبّر عمّا يرى وعمّا يشعر وفي ذلك نحن لا نستطيع القيام بعمليّة فصل بين هذين الأمرين، فنحنُ نفكّر بكلّيتنا في العالم، وبالتّالي فإنّه لا يمكن التّعبير عن جزء دون الآخر إذ أنّ العقل البشريّ لا يفصل المواضيع بعضها عن البعض. فالمقاصد إذن هي نابعة ممّا هو داخليّ وممّا هو خارجيّ ولا يمكن فصل عالم الأعيان عن عالم الأذهان.

******

[1]سيلفيان أورو وجاك ديشان وجمال كولوغلي: فلسفة اللّغة، ترجمة بسّام بركة، الصّفحة 69.

[2](سيرل) جون: العقل واللّغة والمجتمع، ترجمة سعيد الغانمي، الصّفحة 102.

[3]David Woodruff Smith and Ronald McIntyre : Husserl and Intentionality, page xii (introduction).

[4](Searle) John : Intentionality, p1.

[5]سيرل: مرجع سابق، الصّفحة 156.

[6]نفسه، الصّفحة 205.

******

قائمة المصادر والمراجع:

-المراجع العربيّة:

+الكتب:

-(سيرل) جون: العقل واللّغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعيّ، ترجمة: سعيد الغانمي، منشورات الاختلاف، 2006، الطّبعة الأولى.

+المقالات:

-(بن زحّاف) يوسف: “مفهوم القصديّة في اللّسانيّات التّداوليّة”، مجلّة الدّراسات الثّقافيّة واللّغويّة والفنّيّة، العدد الثّاني عشر، المجلّد 3، مارس 2020.

+المراجع الأجنبيّة:

-David Woodruff Smith and Ronald McIntyre : Husserl and Intentionality A Study Of Mind, Meaning and Language, D. Reidel Publishing Company.

-(Searle) John : Intentionality An Essay In The Philosophy Of Mind, Cambridge University Press.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك