حوار الأديان مفهومه شروطه ومبادئه!

د. محمد محمود شعيتاني

 

يعدّ مفهوم «حوار الأديان» مفهوماً قديماً، ربما قِدم الأديان نفسها، ولكنه اكتسب زخماً أكبر في العقود الأخيرة، أما «حوار الحضارات» فهو جديد نسبياً، وربما جاء الاهتمام الواسع به في عقد التسعينيات رداً على أطروحة «صامويل هننتغتون» صدام الحضارات وما أثارته من جدل.

 

والتعاون بين الأديان في المحافظة على سلامة البيئة، وفي محاربة الأمراض الخطيرة، وفي القضاء على التفرقة العنصرية، وفي رفع الظلم عن الشعوب والطوائف والفئات التي تتعرّض للاضطهاد، هو مجال واسع للتعايش بين المؤمنين.

 

كذلك ينبغي أن يشمل التعايش بين الأديان العمل المشترك لمحاربة الإلحاد، والانحلال الخلقي، وتفكك الأسرة، وانحراف الأطفال، ومقاومة كلّ الآفات والأوبئة التي تتهدّد سلامة كيان الفرد والجماعة، وتضرّ بالحياة الإنسانية.

 

ويجب أن يتسع مفهوم التعايش بين الأديان للقضاء على أسباب التوتر واضطراب حبل الأمن والسلام وعدم الاستقرار في أنحاء عديدة من العالم، مثل فلسطين، والبوسنة والهرسك، وإقليم كوسوفو، وكشمير، والفيليبين ولبنان وسورية وفي مناطق كثيرة في أفريقيا وآسيا، فيكون العمل في هذا النطاق تعايشاً نافعاً ومُجدياً وذا تأثير في حياة الناس وواقعهم المعيشي. وبذلك يصير التعايش بين الأديان وسيلة فعّالة لدعم جهود المجتمع من أجل السلام وإقامة العلاقات السليمة بين الشعوب والأمم في ظلّ سيادة القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان، وإقرار الحريات المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية.

 

وينبغي أن يتجه التعايش بين الأديان نحو إنصاف المظلومين والمقهورين في الأرض جميعاً من دون استثناء، وإلزام كلّ من يمارس الظلم والقهر والإرهاب على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد والجماعات، باحترام أحكام القانون الدولي، والانصياع إلى تعاليم الأديان السماوية. ولا يجوز أن يخرج التعايش بين الأديان من نطاق اهتماماته، في محاربة الظلم والعدوان والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، تحت أية دعوى من الدعاوى، أو مهادنة الجهة التي ترتكب هذه الجرائم بحجة عدم الخوض في المسائل السياسية، فمن أهداف التعايش بين الأديان، العمل على إقرار مبادئ الحق والعدل واحترام كرامة الإنسان من حيث هو إنسان وكفى. فهذه المبادئ والتعاليم هي القاسم المشترك بين جميع الأديان.

 

ويجب أن يكون التعايش بين الأديان دعماً للجهود الخيّرة التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل التعايش الحضاري والثقافي بين الأمم والشعوب، وأن يكون قوة دفع لهذه الجهود نحو تطويرها، وإغنائها، وتعميمها وحتى يكون التعايش بين الأديان في خدمة السلام العادل، يجب أن تتحرّر الأطراف المشاركة فيه، من كلّ القيود والضغوط والارتباطات التي تتعارض ومبادئ هذا التعايش وأهدافه.

 

إنّ التعايش بين الأديان، الذي هو في الوقت نفسه تعايش بين الثقافات والحضارات، إن لم يكن الهدف منه خدمة الأهداف السامية التي يسعى إليها الإنسان، ضاع المعنى الإيجابي منه، وصار إلى الدعاية واللجاجة، أقرب منه إلى الصدق والتأثير في حياة الإنسان المعاصر. ومن أجل ذلك، يتوجب علينا نحن المسلمين، أن ندقق في الأغراض والمرامي التي تنطوي عليها الدعوات التي تصدر عن بعض الأطراف إلى الحوار مع الأديان والثقافات والحضارات، والتي تدعونا إلى التعايش مع أهل هذه الأديان والمنظومات العقائدية، حتى لا نكون ضحية للغش الثقافي والديني، الذي هو أشدّ خطراً وأقوى أثراً وأسوأ عاقبة، من الغشّ التجاري والصناعي.

 

إننا، ومن واقع تقديرنا للمخاطر التي تتهدّد البشرية في هذه المرحلة من التاريخ، نؤمن بأنّ التعايش مع الأديان بصفة خاصة، ضرورة من الضرورات التي يفرضها الحفاظ على سلامة الكيان الإنساني، ويُمليها الحرصُ المشترك على البقاء الحرّ الكريم فوق هذا الكوكب.

 

ولا شك في أنّ التعايش بين الأديان، سيكون أشدّ إلحاحاً في المستقبل القريب، لما يبدو لنا من مؤشّرات في الأفق تؤكد جميعها على أنّ القرن الحادي والعشرين، سيعرف أزمات شديدة الوطأة على المستوى السياسي والاقتصادي، وعلى الصعيدين الحضاري والثقافي معاً. وفي مثل هذا المناخ، تتضاعف أهمية رسالة الأديان السماوية، وتتعاظم مسؤولية المؤمنين في الدفع بالتعايش بين الأديان نحو الاتجاه الصحيح، عملاً بالتوجيه الرباني في قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون .

 

فهذه الآية هي القاعدة الذهبية للتعايش بين الأديان، لأنها تدعو إلى إفراد الله بالعبودية، وإلى عدم الإشراك به، وإلى رفض الطغيان والجبروت.

 

الحوار بين الحضارات ضرورة مؤكدة من ضرورات استكمال شروط الحياة الإنسانية الكريمة في ظل السلام العادل والاحترام المتبادل والتطبيق النزيه لقواعد القانون الدولي، والحوار يؤكد الحق في الاختلاف والمغايرة والتعددية، داخل إطار وحدة المجتمع الإنساني، ويضمن الدفاع عن حقوق الإنسان التي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية والمبادرات الإنسانية.

 

الحوار بين الحضارات وسيلة فعّالة للقضاء على التمييز العنصري والاستعلاء العرقي والتطرّف الديني، وهو العنصر الأكثر قوة في إقرار مبادئ المساواة الكاملة بين الشعوب والأمم في الحقوق والواجبات جميعاً.

 

الحوار بين الحضارات، يساهم بدرجة كبيرة، في التقارب بين الشعوب والأمم، وفي إزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل ومن الأفكار المسبقة القائمة على أسس غير صحيحة التي تختزنها الذاكرة الجماعية لثقافة شعب من الشعوب عن ثقافة شعب آخر، ما يجعل من مواصلة الحوار وتوسيع دائرته وتعزيز التعايش، رسالة النخب الفكرية والكفاءات الثقافية توجيه الحوار بين الحضارات إلى الاهتمام والعلمية، ومسؤولية المهتمّين بالمصير الإنساني، كلّ من الموقع الذي يشغله، بالموضوعات التي تشغل الإنسانية وتؤرق ضميرها، وإلى إيجاد حلول وتسويات مستلهمة من روح الحضارات والثقافات، بحيث يستهدف الحوار في المقام الأول، دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أراضيها ومقدّساتها واسترجاع أراضيها المحتلة، ومناهضة روح الهيمنة وفرض نظام العولمة ذي المنزع الفكري والثقافي الواحد على المجتمع الدولي قسراً ضدّ إرادة الحكومات والشعوب، ومنع العدوان بكلّ أشكاله على الشعوب الطامحة إلى الحرية والانعتاق، وأن يكون الحوار بين الحضارات على جميع مستوياته، وسيلة للوقوف ضدّ حرمان الشعوب من حقوقها التي أكدتها المواثيق الدولية وكفلتها الشرائع السماوية وضمنتها المبادئ الإنسانية، وأن يكون عاملاً فعّالاً في التوعية بأهمية قضايا التنمية المستدامة ودورها في تطور الحياة الإنسانية ونشر قيم العدل والمساواة والتعايش بين شعوب العالم.

 

إنّ قيام الحوار بين الحضارات والثقافات على قاعدة الاحترام المتبادل بين المنتسبين إلى هذه الثقافات والمنتمين إلى هذه الحضارات جميعاً، يحمي مبادئ الحق والعدل والإنصاف، ويكون دافعاً مساعداً لمساعي المجتمع الدولي من أجل تعميق التسامح واستتباب الأمن والسلام والتعايش الثقافي والحضاري الشامل بين البشر.

 

الحوار بين الديانات هو اللقاءات بين أهل الديانات السماوية من أجل العمل على نشر الأمن والسلم في العالم والبحث عن أساليب نبذ العنف والحرب ومكافحة الفقر وحماية البيئة وصيانة كرامة الإنسان.

 

يعتمد حوار الأديان على جملة من الشروط والمبادئ نذكر منها:

 

شروط الحوار بين الديانات: الإيمان بمبادئ الدين وأهدافه، العلم الواسع بقضايا الدين والدنيا، الاستقلال في التفكير والرغبة في الوصول إلى الحق والاعتراف به.

 

مبادئ الحوار بين الديانات: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، نبذ العنف والتعصب وكراهية الآخر، اعتماد العقل والبرهنة والإقناع والدعوة إلى نقاط التلاقي والتعايش، وقد يتم الحوار بين الأديان بثلاثة أساليب: حوارات فردية، حوارات جماعية، حوارات بالمراسلة.

 

المصدر: https://www.al-binaa.com/archives/article/20226

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك