الواقع الدولي، الأولوية ليست للشرائع، والشعوب رقاب يقصلها منطق القوة ولهاث المصالح: العراق نموذجاً

هند عروب

تقديم:

تسعى أحكام القانون الدولي إلى تحقيق التناسق بين سلوكات الدول، وإقرار فكرة التعايش والتعاون بين أعضاء "المنتظم الدولي"، بدل التطاحن والتصارع، وتبلورت الجهود من خلال مبدأ حظر اللجوء إلى القوة وعقلنة هذا الاستعمال حتى في الحالات التي شرعها الميثاق الذي حث الدول على الالتجاء إلى الآليات السلمية أو الخيار السلمي لفض النزاعات، كما فرضت سلسلة من الجزاءات القمعية لردع أي خرق لنصوص الميثاق أو تهديد للسلم والأمن الدوليين، وكل هذه المساعي تبذل لتفادي الحروب وآثارها على الشعوب والدول وحتى البيئة.

إلا أن عملية إعداد السلام والحفاظ عليه تتم بالطرائق والكيفيات التي تضمن للقوى الكبرى المتحكمة في مصير العالم تأمين مصالحها وأهدافها. فلقد شهد الحقل الدولي في عقد التسعينات، أي في ظل النظام الدولي الجديد، نماذج جزاءات حصدت الشعوب وكل ما تتأسس عليه حياتها، لا لشيء إلا لتعرض المصلحة الغربية على أرضها للتهديد كما حدث بالعراق، أي انفجار التسعينات أو "تشرنوبيل الخليج"، المبيد لشعب العراق، والمؤدي بحضارته إلى العصر ما قبل صناعي.

يكتب جيف سيمونز في مقدمة كتابه التنكيل بالعراق: العقوبات والقانون والعدالة، عن أطفال العراق أو البراءة المحتضرة: "أم شابة واقفة تنظر إلى طفلها الراقد بلا حراك على ملاءة متسخة، وهو أضعف من أن يفعل شيئا سوى البكاء، وقد انتفخت بطنه، وأصبحت بحجم بطيخة كبيرة.. كان طفلا عمره أربعة أشهر.. والذباب يدخل في فمه وعينيه ويخرج منها.. هذا الطفل العراقي الصغير يموت بسبب الجوع.. إنه واحد من ملايين ماتوا أو هم يحتضرون الآن..).

وما سنفعله، الآن، هو أننا سنشرع في بحث ما هو آت، هل يلتزم فعلا بمبدأ حظر توظيف القوة في العلاقات الدولية؟ وما هي الحالات التي شرع فيها الميثاق وأجاز استخدام خيار القوة؟ أي متى تقر الأمم المتحدة بالقوة كآلية لحل نزاع ما؟ ثم على ما ينص القانون الدولي الإنساني في هذا المجال؟ وماذا عن آليتي الحصار والعقوبات الاقتصادية كنص وكترجمة؟ وكيف شرعنت هاتين الآليتين إضافة إلى سلاح القوة، وشعار الاستثناء الإنساني لإبادة العراق؟ وما هي آثار هذه الازدواجية العقابية على البشر، المنشآت، البيئة؟ وأخيرا بعض خفايا جريمة استعمال اليورانيوم المنضب.

المحور الأول:

ما نص عليه الميثاق الأممي والمبادئ الإنسانية حول مبدأ حظر استخدام القوة بين أعضاء المنظومة الدولية

أولا: مبدأ تحريم اللجوء إلى القوة لتسوية المنازعات:

1 – المبدأ من 1907 إلى 1945:

تم الإعلان عن عدم مشروعية اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية عام 1907، إبان المصادقة على اتفاقية "لاهاي رقم اثنين"، المعروفة أيضا باسم Drago-porter

 

[1]. وقد نصت الاتفاقية على منع استخدام القوة لاسترجاع الديون المستحقة على الدول شريطة قبول الجهة المدينة خيار التحكيم.

ويأتي عهد عصبة الأمم، المصاحب بمعاهدات باريس عام 1919، للتأكيد على ضرورة التزام الدول بواجب تشجيع مسألتي التعاون والتعايش الآمن، ثم فض النزاعات عن طريق التحكيم، أو عرضها على الأجهزة القضائية المختصة أو على مجلس العصبة، وفي حالتي عدم تمكن المجلس من إصدار قرار في ستة أشهر، أو عدم إصدار الهيئة التحكيمية قرارا في الأجل المعقول، حق للأطراف المتنازعة حينها، استخدام خيار الحرب. إلا أن العصبة حرمت الحرب العدوانية، واعتبرتها من قبيل الحروب غير المشروعة Les guerres illicites ، وسمحت باللجوء إلى الحرب فقط في حالة الدفاع، أو من أجل نزاع سبق وأن عرض على مجلس العصبة، ولم يصدر في شأنه قرار، وكذا لردع دولة، لم تنصع إلى القرار الصادر عن الأجهزة المختصة، والحرب في هذه الحالات تعتبر حربا مشروعة Les guerres licites.

إن تقييد مسألة اللجوء إلى الحرب بدل التحريم الكلي لهذا الخيار عد نقصا في نظام العصبة. وسدّاً لهذه الثغرات ثم الاتفاق على معاهدة نبذ الحرب، المعروفة بميثاق Briand-Kellog[2]، بتاريخ 27/8/1928 والذي أعلن فيه لأول مرة عن الجانب الوقائي لمبدأ الأمن الجماعي، إذ حرم اللجوء إلى الحرب كوسيلة لحل المنازعات، باستثناء الحروب ذات الدوافع الشرعية. إلا أن هذه المعاهدة لم تحقق الجانب العلاجي لمبدأ الأمن الجماعي، ولم تقرر المسؤولية التضامنية لكل أطرافها عن أي عدوان، كما أنها لم تضع ما يجزى به كل مخل بنصوصها، باستثناء ما ورد في مقدمة المعاهدة: "إن الدولة التي تسعى لتنمية مصالحها القومية، عن طريق الرجوع إلى الحرب يجب حرمانها من مزايا الانتفاع بهذه المعاهدة"[3].

2 – المبدأ والميثاق الأممي:

سعت الأمم المتحدة بميثاقها، بعد ميلادها عام 1945، إلى تحريم فكرة استعمال القوة في العلاقات الدولية، إضافة إلى تحريم الالتجاء إلى الحرب، وفرضت بالنص على الدول المتنازعة اللجوء إلى الخيار السلمي لحل المنازعات بشكل لا يتهدد الأمن والسلم الدوليين. كما منح الميثاق الأممي حق التدخل لمجلس الأمن، ومكنه من آليات إجبار الدول على احترام أحكام الميثاق، ومجازات الدول المشنة للحرب، والمخلة بتعهداتها في الميثاق الذي نصت ديباجته على أن الأمن والسلم والتعاون مهام ينبغي توحيد الجهود من أجل تحقيقها وحمايتها. ونذكر بعض العبارات الواردة بهذا الصدد في الديباجة: "نحن شعوب الأمم المتحدة، قد آلينا على أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معا في سلام وحسن الجوار.. أن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي.. ألا نستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة"[4]. إضافة إلى الديباجة نجد الفقرة الرابعة من المادة الثانية، التي تنص بشكل صريح على حظر استعمال القوة بالصياغة التالية: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة"[5].

ويستنبط من هذه المادة أن تحريم استعمال القوة وحتى التهديد باستعمالها هو تحريم قائم بنص، وكل أنواع الحروب محظورة، ما عدا تلك التي تلجأ إليها الدولة للدفاع عن نفسها أو مواجهة اعتداء وقع عليها، وحسبما تتضمنه المادة 51 من الفصل السابع الخاص بالأعمال المتخذة في حالات تهديد السلم، ووقوع العدوان، تقول المادة: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذ اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين"[6]. ومن هنا تثار مسألة مدى تحريم القوة في العلاقات الدولية.

ثانيا: مدى تحريم اللجوء إلى خيار القوة في العلاقات الدولية:

يثير المحللون في هذا الإطار[7] صيغة الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق السالف ذكرها. إذ يناقشون أسلوبها الشمولي، لعدم إدانتها القوة بالمفهوم العسكري فقط، بل إدانة جميع الوسائل الضاغطة كالضغوطات الاقتصادية، وهذا الطابع الشمولي صادقت عليه الجمعية العامة من خلال القرار 2625 الصادر يوم 24 أكتوبر 1970، المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا للميثاق، وأيضا من خلال تبنيها لتعريف العدوان كما دونته اللجنة الخاصة بذلك.

وقد صرح الميثاق بوجود ثلاث حالات، يعد فيها الالتجاء إلى القوة عملا مشروعا.

+ نصت المادة 107 على جواز القيام بعمل ضد الدول المعادية خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن هذه المادة سقطت بعدم الاستعمال.

+ لدينا أيضا المادة 51 التي تخول بشكل فردي أو جماعي مشروعية الدفاع عن النفس، ويعرف القرار رقم 3314 الصادر عن الجمعية العامة عام 1974، العدوان بأنه "استعمال القوة العسكرية من طرف دولة ضد سيادة دولة أخرى، وضد وحدة أراضيها واستقلالها السياسي أو على نحو يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة"[8]، ويلاحظ على هذا التعريف اقتصاره على ربط العدوان بالقوة العسكرية، دون تدوين دور الإكراه الاقتصادي في خلق الصراع، إلا أنه يقر بفكرة العدوان المباشرة.

+ لمنظمة الأمم المتحدة الصلاحيات الكاملة لاتخاذ إجراءات قسرية وفقا للفصل السابع كما حدث في أزمة الخليج.

ويستمد اللجوء الشرعي في العلاقات الدولية لاستعمال القوة من خلال عدة عناصر كالأعمال الانتقامية، الدفاع عن السلم والتدخل الإنساني. ومبدأ التدخل هذا هو الذي يشجع الدول المهيمنة على التطاول على مبادئ السيادة الوطنية، بالرغم من كون سياسة التدخل محظورة في القانون الدولي بغض النظر عن مبرراتها وجوهرها وماهيتها، "فالتدخل محظور بسبب جوهره وليس بسبب الشكل الذي يتخذه ما دام مبدأ التدخل مبدأ مطلقا"[9].

– متى تلتجئ الأمم المتحدة إلى استخدام القوة؟

قبل الحديث عن متى ترتكن الأمم المتحدة إلى القوة، لا بد من الإشارة إلى أن جهودها لنزع السلاح[10] تجسدت من خلال تشكيل لجان خاصة[11] بنزع وتنظيم السلاح، كما أبرمت في هذا الشأن اتفاقات دولية[12] عدة تسعى إلى عقلنة وتقنين اللهاث نحو الدمار[13]، وبما أن المجال يضيق عن التوسع في هذه النقطة نكتفي بتحليل متى وكيف تستخدم الأمم المتحدة القوة.

نصت المادة 24، الفقرة 1 من الميثاق الأممي على ما هو آت[14]: "رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعا وفعالا، يتعهد أعضاء هاته الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات".

وتنفيذا لهذه الأهداف، وحسب ما ورد في المادة 25، "يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق".

نستنتج من خلال المادتين 24 و25 أن المجلس هو المضطلع بمهمة تقرير اللجوء إلى القوة بعد أن "يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة"، وذلك حسب المادة 40.

ووفقا للمادة 39 فإن المجلس لا يقرر إلا في حالة (وجود حالات تهديد السلم أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان". كما يحق لمجلس الأمن اتخاذ التدابير المناسبة كاستعمال الإكراه بعد تقريره لحالات تهديد السلم، فتبعا لمقتضيات المادة 41 "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الديبلوماسية". ومسموح لمجلس الأمن استخدام القوة العسكرية الجوية والبحرية والبرية لحفظ السلم والأمن الدوليين وخاصة إذا ارتأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لم تتثبت فعاليتها، وذلك حسب المادة 42: "إذا رأى المجلس أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41، لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز أن يتخذ بطريق القوات البحرية والجوية والبرية، من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال، المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية، أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة".

بالرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة أوجب الالتجاء إلى الطرائق السلمية لحل المنازعات الدولية، وحصر اعتماد خيار القوة، إلا أن الواقع الدولي الرازح تحت رحمة محتكري القوة، يموج في اتجاه مناقض تماما لمثالية النظم المتفق عليها دوليا.

ثالثا: على ما ينص القانون الدولي الإنساني في هذا المجال؟

يتألف القانون الدولي من مجموع القواعد الدولية المتوخاة خصوصا التخفيف من آثار المنازعات المسلحة على الأشخاص والممتلكات. وقد تم التنصيص على هذه القواعد ضمن معاهدات واتفاقيات دولية يمكن تصنيفها إلى أربع مجموعات:

ـ اتفاقيات من أجل ضحايا الحرب.

ـ اتفاقيات لحظر و/أو تقييد استخدام بعض أنواع الأسلحة.

ـ اتفاقيات بشأن القضاء الدولي المتعلقة بقمع جرائم الحرب.

ـ اتفاقيات من أجل حماية بعض الممتلكات.

وتستجيب جميع هذه الاتفاقيات لانشغالات إنسانية خاصة في حالات النزاع المسلح، منها ما يطيق أثناء النزاعات المسلحة الدولية فيما تطبق أخرى في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية[15].

وتتلخص الرسالة الأساسية للقانون الدولي الإنساني في منع الاعتداء على الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال الحربية من جهة، ومن جهة أخرى منع استعمال أسلحة لا تميز بين المحاربين والمدنيين وكذا الأسلحة والأساليب المسببة للفواجع والمآسي الإنسانية.

تشير المادة 35 من البروتوكول الأول لعام 1977، الملحق باتفاقيات جنيف عام 1949، إلى ما هو آت: "إن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود"، وهكذا يمنع ما يلي:

ـ الأسلحة التي لا تميز بين الأهداف العسكرية وغير العسكرية، وبين المقاتلين والأشخاص المحميين. وتعتبر معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد التي تم اعتمادها مؤخرا تعبيرا واضحا لهذا المنع.

ـ الأسلحة أو القذائف أو أي مواد أخرى من شأنها خلق أضرار بليغة للمحاربين الخصوم، والتي يمكن تجنبها أيضا إذا أمكن بلوغ الهدف بأضرار أقل.

ـ القذائف الخفيفة والقابلة للاشتعال والرصاص الانشطاري أو ذلك الذي ينفجر داخل الجسم البشري (رصاص دمدم) والسموم والأسلحة السامة.

ـ الأسلحة التي يكون مفعولها الرئيسي الإصابة بشظايا، لا يمكن الكشف عنها في الجسم البشري بواسطة الأشعة السينية.

ـ الشراك الخداعية والأسلحة الحارقة.

ـ الأسلحة الملحقة لأضرار بالغة وواسعة الانتشار، وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية.

*بعض الاتفاقيات الموقعة بشأن حظر أو تقييد استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة، في إطار القانون الدولي الإنساني ونعرضها في صيغة جدول[16]: (الصفحة التالية)

بالرغم من الجهود الدولية المكثفة الساعية إلى تحجيم دور القوة في العلاقات الدولية، إلا أن واقع الأحداث، كشف ويكشف رزوح المنظومة الدولية لمنطق القوة والمصالح، في تسوية نزاعاتها بدل الارتكان إلى الطرائق السلمية. ولعل حرب الخليج الثانية أبرز شاهد على هذا التناقض، بين خطاب يطوح بشعارات حفظ السلم والأمن الدوليين وممارسة ترفع بدورها نسب ضحايا خرق مبدأ تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية.

المعاهدة

مضمونها

 

تاريخ ومكان توقيعها

+ البروتوكول المتعلق بالشظايا التي لا يمكن الكشف عنها (البروتوكول الأول)

+ يمنع استعمال الأسلحة التي تتسبب في إصابات بواسطة شظايا لا يمكن الكشف عنها بواسطة الأشعة السينية.

+ جنيف، 10/10/1980

+ بروتوكول بشأن حظر استخدام الألغام والشراك الخداعية وأنواع أخرى من العتاد الحربي، أو الحد من استخدامها البروتوكول الثاني)

+ يمنع استخدام الألغام والشراك الخداعية، وأنواع أخرى من العتاد الحربي ضد السكان المدنيين، ويقيد استعمالها، ضد بعض الأهداف العسكرية. وبمقتضى التعديل الذي أجري على البروتوكول، اتسع نطاق الحظر المفروض على هذه الأسلحة، كما أصبح يشمل النزاعات الداخلية.

+ جنيف

+ 10/10/1980، وعدل في 3/5/1996.

+ بروتوكول بشأن أسلحة الليزر المسببة للعمى (البروتوكول الرابع)

+ يمنع استخدام أسلحة الليزر المسببة للعمى.

+ جنيف 13/10/1995.

+ اتفاقية حظر إعداد وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية، وتنظيم تدميرها.

+ تحظر الأسلحة الكيماوية.

+ باريس 13/1/1993.

 

فكيف تم خرق هذا المبدأ في حرب الخليج؟ وما هي الحجج القانونية التي استند إليها لتغليف هذا الاعتداء على الشرعية الدولية، والكرامة الإنسانية؟ وأي دور للأمم المتحدة ومجلس الأمن وأمريكا في توقيع الجزاءات المفروضة على العراق؟ وما هي الآثار التي أفرزتها كل من الحرب وسياستي العقوبات الاقتصادية والحصار بالعراق، أرضا وشعبا؟

المحور الثاني

الجنون المشرعن: تحرير منطق القوة وحصار الشعوب: العراق نموذجا

أولا: كيف قنن الخرق المبيد؟

1 – اعتماد الآليات غير العسكرية:

أ-العقوبات الاقتصادية: في 6/8/1990، تم تبني القرار 661[17]، ليفرض بأسلوب لم يسبق له مثيل، نظاما عقابيا، أقل ما يوصف به أنه مدمر ومتشدد وشامل لجميع مناحي الحياة البشرية.

تضمنت ديباجة القرار إشارة لا محل لها من الإعراب، تتعلق بحق الدفاع عن النفس طبقا للمادة 51 من الميثاق: "وإذا يؤكد الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا، ردا على الهجوم المسلح الذي قام به العراق ضد الكويت وفقا للمادة 51 من الميثاق". إن هذه الإشارة أقحمت عمدا لتوفير الغطاء القانوني لانتشار قوات أمريكية في المنطقة بحجة الوقوف بوجه أي تهديد محتمل من جانب العراق، وتوفير الأرضية لقرار لاحق يسمح بشن حرب ضد العراق.

لقد تم تحديد الحظر الاقتصادي الوارد في المادة 41 لإجراء للدفاع الشرعي الجماعي، وعد هذا العمل تفسيرا جديدا للمادة 51 التي تنص فعلا على أن الدفاع الشرعي الجماعي تتخذه الدول الأعضاء ثم تبلغه إلى مجلس الأمن. لكن ما لا يجوز في هذه الصورة هو الاستناد إلى كل من الدفاع الشرعي والجزاءات في لحظة واحدة لاختلاف الصيغة القانونية لهما والظروف التي تسوغ كلا منهما، الأمر الذي يؤكد أنه خلط متعمد وفبركة قانونية لتغطية التدفق العسكري الأجنبي وقتئذ بالمنطقة[18].

وجدير بالملاحظة أيضا أن الولايات المتحدة اتخذت قبل تبني هذا القرار إجراءات عقابية أخرى ضد العراق ما بين 2 و9 غشت 1990، نذكر منها تجميد الأصول العراقية الموجودة على أساس أمرين تنفيذيين، وهذين الأمرين لم يشملا فقط المصالح العراقية في الولايات المتحدة، وإنما تلك المصالح التي لدى فروع الشركات الأمريكية في الخارج[19].

ب-الحصار: فرض مجلس الأمن بعد 19 يوما من تبني القرار 661 "حصارا بحريا"، لزيادة فاعلية نظام العقوبات، وذلك بتنيه في 25 غشت 1990، القرار رقم 665[20]، وبعد مرور شهر على ذلك عمد المجلس إلى تشديد الحصار بالقرار 670 في 25 شتنبر 1990، الذي تقرر بموجبه تطبيق القرار 661 على جميع وسائل النقل بما فيها الطائرات.

وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية سعيا حثيثا إلى إقامة حصار بحري وتوسيعه ليغدو جويا كذلك، علما أن الحصار هو من قبيل الإجراءات الحربية التي تتطلب تخويلا محددا، بموجب المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة، بيد أن هذا الهدف توصل إليه بعد ممارسة ضغوط أمريكية مكثفة داخل مجلس الأمن، وفي العواصم. وتم تجاوز هذا المانع القانوني بالتضليل عبر اللجوء إلى مفهوم "المنع" والبند الرئيسي في القرار 665 هو: "يدعو الدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت والتي تنشر قوات بحرية في المنطقة إلى أن تتخذ من التدابير ما يتناسب مع الظروف المحددة وحسب الضرورة، في إطار سلطة مجلس الأمن لإيقاف جميع عمليات الشحن البحري القادمة والخارجة بغية تفتيش حمولاتها ووجهاتها والتحقق منها ولضمان التطبيق الصارم للأحكام المتعلقة بهذا الشحن والتي نص عليها القرار 661"[21].

أوضحت الصياغة هنا أن القوة لم تكن محظورة، "تلك التدابير.. حسب الضرورة"[22]، ومحددو هذه الضرورة هم ضباط البحرية الأمريكية والبريطانية، وليس الأمم المتحدة التي وفرت التخويل الشرعي لتحويل مفهوم "الضرورة" إلى "القوة"، وعليه لم يعد لها أي دور كما أن مجلس الأمن تنصل من مسؤولياته، فاسحا المجال للعربدة الأمريكية والبريطانية، حائلا دون انتهاج الطرائق السلمية لتسوية الأزمة.

2 – الخيار العسكري: القرار 678:[23]

لجأ مجلس الأمن إلى الخيار العسكري في أقل من أربعة أشهر من فرض العقوبات الاقتصادية وثلاثة أشهر من إحكام هذه العقوبات عن طريق فرض الحصار الجوي والبحري، ويرى بعض المحللين أن اللجوء إلى هذا الخيار بعد فترة وجيزة كهذه يعكس رغبة في دفع الأمور دفعا في اتجاه الحل العسكري. فجميع القرارات التي سبقت قرار الحرب 678، لم تنسجم من جهة مع التطبيق القانوني الصحيح لبنود الميثاق الأممي، ومن جهة أخرى تم تبنيها بشكل متسارع انطلاقا منذ البداية من الفصل السابع من الميثاق، المتعلق بالأعمال المتخذة في حالة العدوان والإخلال بالأمن، والذي بموجبه تصبح القرارات إلزامية. وقد ربطت القرارات فيما بينها بشكل مادي تمهيدا للهدف الذي سعى إليه القرار 678.

في 29/11/1990، تشن القوات المتحالفة الدولية الحرب على العراق، استنادا إلى ما نص عليه القرار 678 من استخدام جميع الوسائل اللازمة لتنفيذ القرارات المفروضة على العراق. ولقد أثار هذا القرار جدلا واسعا في أوساط المحللين ورجالات القانون الدولي سواء من حيث الشكل أو الجوهر، إذ يرى البعض أن جوهر القرار ينضوي تحت لواء ممارسة حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، في حين تعتقد فئة أخرى أنه يتعلق بتنفيذ تدابير القمع من قبيل مجلس الأمن، ويرتئي آخرون أن هذا القرار يستند إلى فكرة التخويل التي يمنحها مجلس الأمن لبعض الدول لممارسة القوة ضد طرف معين، وبالتالي يمكن اعتبار ما يتم بموجب التخويل عمل من أعمال الأمم المتحدة.

إن منطوق القرار 678 يوحي بأنه أقرب إلى المادة 51 في التطبيق من المادة 42 ضمن مجالات تطبيقه، وصيغة القرار خولت للولايات الأمريكية اتخاذ الوسائل المؤدية إلى سحب القوات العراقية ضمن الترخيص الممنوح للدول الأعضاء، وهذا أمر جائز بموجب المادة 48، الفقرة 1، التي تخول لعضو أو أعضاء تنفيذ الجزاءات لصلاحيتهم للقيام بالمهمة، لكن هذا الترخيص يجب أن يكون صريحا وهو الأمر الغائب في القرار.

ويلاحظ أيضا على القرار 678 استخدامه لعبارة كل الوسائل، وأباح استخدام آليات لجنة الأركان العسكرية، وليست اللجنة نفسها، ومعلوم أن مجلس الأمن أثناء صياغته لهذا القرار وقرارات أخرى اعتمد الإيهام والعموم وعدم الوضوح في العبارات حتى يتسنى للقوات المتحالفة تفسيرها وفقا لغائياتها.

وقد تعرض هذا القرار إلى انتقادات عديدة، أبرزها نقد "جون كويجلي" الذي نشر في مجلة كورنيل عام 1992. استخلص كويجلي أن هذا القرار يعد تجاوزا من مجلس الأمن لسلطاته الموكلة له بمقتضى بنود الميثاق، إضافة إلى أن الهجمة العسكرية الشرسة على العراق تتجاوز بكثير هدف إخراجه من الكويت.

وفيما يلي نذكر بعض النقاط التي انتقد من خلالها "جون كويجلي" القرار[24]:

+ تضمن القرار استخدام الوسائل الضرورية، وأن أقصاها هو استخدام القوة ولم يكن المجلس بحاجة للوصول إلى الحد الأقصى بالرغم من تأكيد العديد من أعضاء مجلس الأمن على ضرورة استنفاذ الجهود الديبلوماسية قبل نهاية المهلة لتجنب الحرب كالاتحاد السوفيتي وماليزيا وفلندا..، هذا بالإضافة إلى أن الحظر الاقتصادي كان كافيا، ولم يكن هناك داع لاستخدام القوة قبل استنفاذ الوسائل الديبلوماسية، الشيء الذي انتهك الترخيص المتضمن في القرار.

+ زعمت الإدارة الأمريكية أن القرار 678 قد سمح بالعمل العسكري لإزالة القدرة العسكرية العراقية قصد استعادة السلم والأمن الدوليين بالمنطقة، وأكد شراح القرار أن هذا الأخير لم يرخص بتحطيم القدرة العسكرية العراقية، بل هو هدف أمريكي صرف.

+ يعد العمل الأمريكي العسكري ضد العراق عدوانا يتجاوز متطلبات القرار 678، وعليه لا يمكن أن يكون هذا القرار أساسا قانونيا لهذا العمل.

3 – الاستثناء أو مساحيق المحرقة:

لجأ مجلس الأمن إلى آلية "الاستثناء الإنساني"، محدثا إجراء الحظر الانتقائي من اختلال اعتماد قرار "النفط مقابل الغذاء"[25]، انطلاقا من القرار 706 الصادر في 15/8/1991، الذي يضم تمويل التوزيع المباشر، ثم القرار 712 بتاريخ 19/2/1991، و778 بتاريخ 2/10/1992، وهذه القرارات تسعى جميعها إلى إقامة وضع جديد وهو التدخل الإنساني المالي الذي يخول للجماعة الدولية حق التصرف في الرصيد الوطني العراقي، ونهب ثروات البلاد تحت غطاء إنساني.

لكن العراق رفض كل هذه القرارات، إلى أن تبنى مجلس الأمن القرار 986 أو النفط مقابل الغذاء بتاريخ 14/4/1995، وقد سمح القرار للعراق، رهنا بشروط عدة، بيع ما قيمته مليارين من الدولارات الأمريكية (مليار دولار أمريكي كل ثلاثة أشهر)، لتمويل مشتريات البضائع الإنسانية بالإضافة إلى النشاطات المختلفة للأمم المتحدة. وفي 6/2/1996، بدأت محادثات مع الأمانة للأمم المتحدة حول تنفيذ صيغة النفط مقابل الغذاء بما ينسجم مع القرار 986. وقد توجت هذه المفاوضات بمذكرة التفاهم الموقعة في 20 ماي 1996، التي بموجبها تم الاتفاق على قواعد وإجراءات خاصة بشراء وتوزيع الغذاء والدواء والحاجات الإنسانية الأساسية الأخرى لشعب العراق.

حتى تاريخ فبراير 2001، مرت مذكرة التفاهم بتسع مراحل[26]، بعد أن مضى على تنفيذها أربع سنوات منذ التوقيع عليها. إلا أن أسباب جمة حالت دون تحقيق هذا البرنامج لأهدافه الإنسانية. فقد أفرغت مذكرة التفاهم من محتواها الإنساني، بسبب الطبيعة المعقدة لإجراءات المذكرة عينها، والتدخل الأمريكي البريطاني. فالإنسانية بالعراق مشتد نزيفها.

وإيقافا لهذا النزيف اقترحت الولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا مشروعا تمويهيا جديدا، يضم مقترحا عقابيا خبيثا اصطلح عليه "العقوبات الذكية؟!" بيونيو 2001، وتدعي أمريكا أن مشروعها، مسعاه تخفيف المعاناة الإنسانية بالعراق، بينما حقيقته، حسب رياض القيسي "نظام عقوبات محكم، صمم ليحل محل السابق بتأسيس جديد. فأين هي وعود الأمم المتحدة برفع الحظر ووقف قراراته، ما دام العراق نفذ كل التزاماته".

وهذه العقوبات الخبيثة هي كلام مموه من الناحية الفنية، إذ لا يتضمن أي حرية للاستيراد والتصدير وإيداع الأموال بالخارج. فلو أخذنا على سبيل المثال فلاحا ينتج قمحه بأمواله، يأتي موسم الحصاد فيجني ثمار ما حصد من أرباح، ويرغب الفلاح في إيداع أمواله بالبنك، لكي يحقق ذلك، عليه أن يحصل على موافقة البنك، هذا الأخير يصبح المتحكم في مشتريات الفلاح وذويه من حاجيات ومستلزمات، بمعنى أن البنك يغدو المسيطر على عملتي الإيداع والشراء (ما يجب شراؤه وقيمته).

يكتب عموما جيف سيمونز عن الاستثناء الإنساني في تجربة العراق: "لم يعد في وسع واشنطن تجاهل مطالب الإنسانية.. لذلك احتاج الاستراتيجيون الأمريكيون غطاءا لاستمرار الإبادة الجماعية.. والبرنامج يبدو تخفيفا لا نتيجة عملية حقيقية له وينبغي إرغام العراقيين على الموت بالمعدل نفسه مع خلق انطباع بأنه أصبح هناك دور للشفقة الأمريكية".

4 – مجلس الأمن، سلطات ووظائف لدعم منطق القوة والإرهاب:

تقول أولبرايت بكل عنجهية: "نحن الدولة التي تفتقر إليها كل الأمم، لأنه بفضل علونا نستطيع أن نرى أبعد من الآخرين".

هذه العبارة يمحو شكلها ومضمونها المفاهيم والقيم المتعارف عليها، والتي سعت الإنسانية جاهدة إلى تحقيقها من خلال آليات وضعت خصيصا لهذه الغاية كمجلس الأمن، إلا أن الواقع أثبت أن هذا الأخير غدا مطبخا للقوى العظمى[27]، تعد في إطاره وصفات الموت المغلفة بالقوانين.

ولعل ما حدث بالعراق يؤكد إعادة توضيح وتحديد وظائف وسلطات مجلس الأمن في إطار ضوابط قانونية خاضعة للقانون الدولي.

فعلى مدى عشر سنوات، أبقى مجلس الأمن دون سابقة على الحظر الأكثر شمولية في تاريخ العقوبات، منتهكا بذلك واجباته الإجرائية والتزاماته بتخفيف أو رفع العقوبات بشكل متكافئ مع سجل التنفيذ من قبل العراق، وبهذا الإخلال يخرق المجلس أهم مبادئ الميثاق الأممي، المتمثلة في "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة وقيمة الإنسان" من جهة، ومن جهة أخرى يضرب بواجباته الجوهرية عرض الحائط، أي إبداء العناية وتوفير الحماية للفئات الهشة المتمتعة بحماية خاصة بموجب القوانين الدولية، من نساء وأطفال وشيوخ ومرضى..

كما أن فرض حظر شامل تسبب في انهيار اقتصادي تام ووفاة مئات الآلاف من المدنيين، يعد انتهاكا لمبدأ التمييز بين المحاربين والمدنيين الذي نص عليه البروتوكول الأول لعام 1977 باتفاقيات جنيف (المواد 52-53 و54-56). ويرى أحد المحللين الدوليين أن "هذا النظام الذي يستند اسميا على بنود قرارات مجلس الأمن المعنية، قد تطور إلى أداة للإبادة الجماعية، تديرها بشكل مشترك البيروقراطيات الرسمية في بلدان معينة ولجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة".

إن مجلس الأمن قد أهمل الطبيعة الملحة للبحث عن تسوية سلمية للوضع، وأنه بدلا من ذلك سعى منذ البدء إلى فرض الإجراءات العقابية وخوض الحرب، إذ لم يكن المجلس محصنا من اتباع المسالك النتنة للمعايير المزدوجة. ففي الوقت الذي ركز فيه مجلس الأمن على نزع أسلحة العراق، لم يول اهتماما لحد الآن بتطبيق الفقرة 14 من القرار 687، التي تدعو إلى تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل.

وبالرغم من كونه جهازا سياسيا، فإن سلطة مجلس الأمن وفق الفصل السابع من الميثاق ليست حرة وبلا حدود قانونية.

ثانيا: آثار العاصفة والثعلب، وحظر الحليب:

"إنه بلد اقتصاده مدمر.. ولا سيما بسبب استمرار العقوبات.. التي شلت فعليا الاقتصاد كله، وأدت إلى عوز مستمر وجوع مزمن ونقص في التغذية مستوطن وبطالة متفشية ومعاناة واسعة الانتشار.. ويعيش أغلب السكان العراقيين في ظروف يرثى لها إلى أقصى الحدود، وهم منشغلون بصراع من أجل البقاء.. وتتكشف مأساة إنسانية خطيرة.. ويستمر تدهور الوضع الغذائي للسكان بمعدل مخيف.. ويتناول عدد كبير من العراقيين حاليا كمية من الغذاء تقل عما يتناوله السكان في الأقطار الإفريقية التي تحل بها الكوارث"[28].

1 – تركة آلية القوة على الناس، المنشآت والبيئة:

تقدر كمية المتفجرات التي ألقيت على العراق بما يعادل سبعة أضعاف قنبلة هيروشيما الذرية[29]. وقد استخدمت قوات التحالف وبالدرجة الأولى الولايات المتحدة، تشكيلة واسعة مدمرة من الأسلحة في حرب الخليج، جزء منها غير مجرب، كما استخدم بشكل مكثف لقذائف اليورانيوم المستنفذ لقدرتها على تدمير المذرعات والدفاعات الأخرى، وتشير إحدى الإحصائيات إلى أن الدبابات الأمريكية قد أطلقت ما بين 5000 إلى 6000 قذيفة يورانيوم منضب، في حين ألقيت من الجو عشرات الآلاف من هذه الأسلحة.

وليس هناك أدنى شك في أن المدنيين كانوا مستهدفين، فجميعا نذكر "محرقة العامرية" في 13 فبراير 1991، التي لا يعرف على وجه التأكيد عدد المدنيين الذين قتلوا في ملجأ العامرية، ليلة القصف، فالسجل الذي دونت فيه أسماءهم، حرق هو الآخر ولم يعد له أثر. عثر بعد المجزرة على أحد عشر شخصا قذف بهم خارج الملجأ وبعد ساعات عدة مرعبة، استخرجت من البناية البقايا السوداء المشوهة لأربعمائة وثلاثة أشخاص،وقدر أن مئات منهم قد احترقوا وتبخروا، ولم تعد ثمة وسيلة لتحديد هويتهم أو حتى عددهم. ومعلوم أنه قبل 13 فبراير أي ليلة المجزرة وقع أكثر من 1500 شخصا[30].

هنا، لا بد من استذكار المادة 52 من البروتوكول الأول الملحق عام 1977، لميثاق جنيف 1949:

1)لا تكون الأهداف المدنية أهداف هجوم أو انتقام.

2)تقتصر الهجمات على الأهداف العسكرية وحدها.

3)في حالة الشك، إن كان الهدف مخصص عادة للأغراض المدنية.. يستعمل في الخدمة الفعالة العمل العسكري، وينبغي الافتراض أنه لا يستعمل على ذلك النحو.

سنثبت بعض الفظائع الناجمة عن خرق هذه المادة، وعن استخدام القوة وسلاحي الغذاء والصحة، وآثارها على المنشآت والناس والبيئة.

أ-المدنيون:

لا تقدر أي من التخمينات الكثيرة –سواء العراقية أو الأمريكية أو البريطانية وحتى الصليب الأحمر، وغيرهم- العدد الحقيقي لضحايا الحرب، وحتى تلك المحاولات الأمريكية الرامية إلى تقليص النسبة، تؤكد مصرع وإصابة عشرات الآلاف.

وقد حاولت بيث أوزبورن دابونت، الخبيرة السكانية في مكتب إحصاء السكان الأمريكي، إظهار التقديرات القريبة من الحقيقة، وعليه سعت الحكومة الأمريكية إلى طردها، لولا تدخل محاميي اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، فأعادوها إلى منصبها. تقول دابونت: "أرادوا منع إعلان الأرقام لأنني حللتها لأبين أن عدد القتلى حسب تقديراتي يتعدى 157 ألف عراقي قتلوا في الحرب والأحداث التي أعقبتها مباشرة.. يبدو أن الأرقام كانت بلا ريب محرجة سياسيا"[31].

مهما كانت الأرقام، فالأكيد أن ما حدث بالعراق كان كارثة مريعة "الحرق وتقطيع الأوصال والموت اختناقا ودفن الأحياء وتمزيق الأجساد والتسبب في الإصابة بالعمى وغير ذلك"، إذ استخدمت آليات القتل المعروفة المتوقعة وغير المتوقعة، كإطلاق الغبار المشع من قذائف اليورانيوم الناضب بكميات كبيرة، حيث يسبب عجز الكلية والسرطان وأمراض أخرى.

بعد أن فاقم الهجوم العسكري الآثار المبكرة للحصار، واجه الشعب العراقي أزمة بقاء ذات أبعاد مروعة، إذ انهارت نظم المياه والصحة وشح الغذاء، ولم يعوض ما نفذ بالمستشفيات من تجهيزات. فقد كشف تقرير أعده فريق من المحامين واختصاصيي الصحة العامة من هارفرد صدر في أكتوبر 1991، أن وفيات الأطفال دون سن الخامسة في العراق قد تضاعفت خمس مرات تقريبا منذ حرب الخليج، وأن زهاء مليون طفل يعانون سوء التغذية، وأن ما يصل إلى 100 ألف طفل يواجهون الموت جوعا. واستنادا إلى نفس التقرير، فإن الأطفال يشبهون الناجين من قنبلة هيروشيما، ويتصفون بالخمول ويفتقرون إلى الإحساس. علق الدكتور ماغن راوندالن، مدير برنامج بحوث الأطفال في مركز علم نفس الأزمات في جامعة بيرغن بالنرويج، إن الأطفال يشبهون "الأموات الأحياء"، و"فقدوا مشاعرهم كافة، وهم لا يتمتعون بحياتهم".

ب-المنشآت:

يحظر ميثاق جنيف الهجمات العسكرية على المدنيين والأهداف المدنية أيضا، إلا أن قوات التحالف لم تلتزم بهذا الحظر، كما لم تلتزم بغيره، بل شنت هجوما هائلا على أهداف مدنية كثيرة.

في المرحلة الأولى من الأزمة، حدد المخططون العسكريون الأمريكيون 57 موقعا في العراق بوصفها أهدافا استراتيجية، ولكن أثناء الحرب، حدد زهاء 700 هدف. وهنا تقرر المصادر الأمريكية أن الأهداف المحددة تجاوزت متطلبات الضرورة العسكرية، فالأهداف الرئيسية الحقيقية تكمن في تدمير الشعب العراقي، حتى يزيد اعتماد العراق على المساعدات الخارجية، ولا سيما من الولايات المتحدة عقب الحرب. يقول المخططون إن مراميهم تمثلت في "تدمير منشآت مهمة أو إحداث أضرار فيها، بحيث لا تستطيع بغداد تعميرها بلا مساعدة أجنبية"، أي تحويل البلد إلى عصر ما قبل الصناعة، فكما صرح جيمس بيكر في يناير 1991 "سيحول العراق إلى دولة متأخرة وضعيفة".

نذكر من بين هذه المنشآت:

ـ محطات توليد الطاقة الكهربائية، ونظم نقل القدرة الكهربائية.

ـ منشآت تصفية المياه، والخزانات ونظم توزيع المياه.

ـ الجامعات والكليات.

ـ المستوصفات.

ـ أمكنة العبادة.

ـ المواقع الأثرية.

ـ معامل تصنيع الغذاء، ومخازن الغذاء، ومنشآت توزيع الغذاء، ومعامل الحليب المجفف، ومعامل المشروبات.

ـ مواقع الري.

ـ منشآت تلقيح الحيوانات.

ـ آبار النفط، ونظم ضخ النفط وأنابيب النفط، ومصافي النفط ومنشآت خزنه.

ج – البيئة:

أدت حرب الخليج الثانية، فضلا عن العقوبات الاقتصادية الشاملة، إلى تحويل جزء كبير من العراق إلى بيئة ملوثة ونشيطة إشعاعيا، وقد علق بول روجرز، محلل الشؤون الدفاعية في كلية دراسات السلام بجامعة برادفورد، أنه تم تجهيز جنود البحرية والأسطول البحري بأسلحة نووية تكتيكية.

إن استعمال الأسلحة النووية مدان على نطاق واسع، ليس بسبب القوة التدميرية الهائلة لهذه الأسلحة فحسب، لأنه بسبب مخاطر التلوث الإشعاعي في الأجيال القادمة أيضا. وقد أدان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "32/84" بتاريخ يناير 1977 أسلحة الدمار الشامل، المعروفة بأنها "الأسلحة الذرية المتفجرة وأسلحة المواد المشعة والأسلحة الكيميائية والبيولوجية المميتة، وأية أسلحة تطور في المستقبل، ولها خصائص مماثلة في التأثير التدميري للقنبلة الذرية أو الأسلحة الأخرى المذكورة أعلاه).

كما يدين القرار ذخيرة اليورانيوم الناضب بوصفه "سلاحا من مادة مشعة". وبالرغم من ذلك فقد خلفت قوات التحالف ما لا يقل عن أربعين طنا من اليورانيوم الناضب في ميادين معارك حرب الخليج استنادا إلى تقرير وضعته سلطة الطاقة الذرية البريطانية[32]. ويشير التقرير إلى وجود ما يكفي من اليورانيوم الناضب في الكويت، وجنوبي العراق، ليسبب ما يحتمل أن يصل إلى نصف مليون وفاة. ويعلق التقرير "إنها كارثة كبرى"، ويستمر "إن اليورانيوم الناضب سينتشر في أحجام وكميات مختلفة تتراوح من ذرات الغبار إلى القطع والطلقات الكاملة الحارقة، وليس من الحكمة أن يبقى الناس قريبين من كميات كبيرة من اليورانيوم الناضب فترات طويلة، وهذا يثير قلق السكان المحليين، كما أن نسب التلوث العالقة بالعجلات والتربة، تعد خطرا حتى على فرق التطهير". بالرغم من القلق القائم حيال هذه القضية، إلا أنه لا تبذل جهود –حتى اللازمة منها- للمعالجة.

وفيما يلي نعرض جدولا يتضمن بعض المنشآت ومحطات الطاقة التي تعرضت للقصف مع الأضرار البيئية المصاحبة لها[33]: (الصفحة التالية)

2 – آثار اعتماد سلاحي الغذاء والصحة:

يرى رامسي كلارك، أن "الحصار جريمة ضد الإنسانية، وسلاح للتدمير الشامل.. إنه يهاجم تلك الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع.. الرضع والأطفال والمصابين بأمراض مزمنة والمسنون والحالات الطبية الطارئة".

بينما يعبر الرئيس وود رو ويلسون بصيغة أخرى عن العقوبات الاقتصادية، إذ يقول: "كلا، ليس الحرب، بل شيء آخر أكثر هولا من الحرب. طبقوا هذا العلاج الاقتصادي السلمي الصامت القاتل، ولن تعود هناك حاجة إلى القوة. المقاطعة هي البديل عن الحرب).

إن السيطرة على الغذاء تمنح القوة المطلقة، إمنع الناس من الأكل بضعة أسابيع ولن يثيروا لك متاعب بعد ذلك. تحتفل الولايات الأمريكية المتحدة بهذه الحقيقة، وذلك بالتنكيل بالشعب العراقي، ومنع الحليب عن أطفاله. لقد بين مراقبون وباحثون كثر ازدياد انتشار سوء التغذية في العراق نتيجة العقوبات، يقول هوسكنز: "إن نظام الحصص التموينية الغذائية الحكومي، الذي يزود الأسر العراقية بسلة غذاء الحد الأدنى، التي لا تستطيع أن توفر أكثر من ثلث

الحاجات اليومية من الطاقة والبروتين، كما تفتقر إلى عدد من الأملاح والفيتامينات خصوصا الحديد وفيتامين A وC كذلك ينقصها البروتين الحيواني، نظام غذائي عماده الحبوب يكون مفتقرا إلى (اللايسين)، وهو الحامض الأميني الضروري للنمو".

 

 

اسم المؤسسة أو محطة توليد الطاقة (م.ط)

المكان

تاريخ القصف

الأضرار البيئية

ـ ملا عبد الله (م.ط)

جنوب كركوك

25/1/1991

ـ احتراق 3 ملايين لتر من النفط الخام

ـ تازة (م.ط)

صلاح الدين

17/1/1991

ـ احتراق 3 ملايين لتر من زيت الغاز

ـ الهارثة (م.ط)

تعرضت هذه المحطة لقصف متكرر.

البصرة

17/1/1991

17/2/1991

13/2/1991

22/2/1991

24/2/1991

28/2/1991

ـ تسرب 17 مليون لتر نفط خام إلى النهر.

ـ تسرب 160 ألف لتر كيروسين إلى النهر

ـ تسرب 76 ألف لتر من زيت المحولات إلى النهر.

ـ تسرب 150 ألف لتر من زيت المحولات.. ..

ـ تسرب 150 ألف طن من حامض الكلوريك.

ـ تسرب 164 طنا من هيدرو كسيد الصوديوم.

ـالزجاج/السيراميك (منشأة)

الأنبار/الرمادي

21/1/1991

ـ تسرب 427 ألف لتر من الغاز السائل إلى النهر.

ـ الإسمنت العراقية (منشأة)

الأنبار/القائم وكربلاء

2/2/1991

ـ احتراق 32 مليون لتر من الزيت الثقيل.

ـ المنشأة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية.

صلاح الدين/ سامراء

17/1/1991

ـ احتراق 2,6 مليون لتر من زيت الغاز.

ـ المنشأة العامة لصناعة السكر

ميسان

22/2/1991

ـ تسرب مليون لتر من زيت الغاز إلى التربة.

 

ومنذ عام 1993 ازداد الوضع سوءا بالنسبة لأغلبية السكان[34]، إذ تفشت أمراض سوء التغذية، الكساح وتضخم الدرقية وفقر الدم والضوى أو الهزال التدريجي، والكواشيوكو (هزال نقص البروتين). وفي مارس-أبريل 1991، أجرى خبراء الصحة في فريق "سلاح الخليج"، تقييمات مفصلة بأربعة عشر مدينة عراقية، ووجدوا أن عدم تيسر الماء النظيف قد أدى إلى أوبئة المعدة والأمعاء وموت آلاف الأشخاص.

وفي الوقت نفسه تضاءلت قدرة العراق الزراعية من نواح عدة، كالشحة المتزايدة في البذور والأسمدة التي حظر استيرادها، كما أن المواد الكيماوية لمكافحة الآفات الزراعية لم تعد متوافرة. وكان العراق قد اشترى ما ببين 1989/1990 حوالي 59 ألف طن من مبيدات الآفات الزراعية مقابل 500 طن عامي 1991/1992. واستهدفت قاذفات "قوات الاحتلال" عمدا معمل أبو غريب لبذور البطاطا، ومنع الحظر بعدئذ استيراد البذور والأسمدة كافة، ويعني هذا أن مناطق كاملة من الأراضي الزراعية العراقية قد ماتت.

بعض المواد التي رفضت لجنة العقوبات إرسالها إلى العراق[35]:

 

-       غذاء الأطفال

-       الأرز

-       ملابس الأطفال

-       الأحذية

-       أشرطة الأحذية

-       مواد تكفين

-       كتب مدرسية

-       غراء

-       معدات الأعمال اليدوية المدرسية

-       كرات التنس

-       أقلام الرصاص

-       البطانيات

-       الصابون

-       المناشف الصحية

-       ورق التواليت

-        معجون وفرش الأسنان

-        الشامبو

-        أنابيب مطاطية

-        صفائح بي في سي

-        مواد كيميائية لتعقيم المياه

-        محاقن وشاش طبيين

-        مجلات طبية

-        مستين (عقار لمعالجة السرطان)

-        منظم دقات القلب

-        أفلام ومعدات أشعة X

-        أنابيب أنفية للمعدة

-        أدوية للصرع

-        محقنات أوردة

-        قفازات جراحية

-        أدوات جراحية

سماعات الأطباء

شاشات تخطيط القلب

سيارات إسعاف

معدات ديلزة

نايلون لتنقية الدقيق

لباد صوفي للعزل الحراري

مواد تضاف للكونكريت

شحنات غرانيت

جميع مواد البناء الأخرى

صفائح فولاذية

معدات معامل النسيج

مبيدات آفات زراعية

ملابس الكبار

بولستير والحريليك

ضمادات

 

3 – اليورانيوم، وحشية المعركة، وجريمة ما بعد المعركة[36]:

يقول البروفسور فرانك بارنبي: "إن استنشاق ذرات اليورانيوم المنضب سيبقى في الرئتين فترة طويلة، ولما كان اليورانيوم معدنا ثقيلا، أي سما يعقد حساب احتمالات السرطان. لذا ينبغي حظر استخدامه، لأن المشكلة الأساسية هي سميته الكيماوية القاتلة".

بالرغم من المساعي الأنجلو أمريكية لكتم روائح الجثث والتربة والهواء الملوثين باليورانيوم، إلا أن أصواتا فاضحة تحمل جنسية هؤلاء المجرمين، تكشف ما يرمي الأمريكيون والبريطانيون التستر عليه.

أ-ما يقوله الخبراء عن مخاطر استخدام اليورانيوم المنضب:

ـ ريموند بريستو، ضابط سابق في الجيش البريطاني: "لقد رأيتها بعيني، ليست دعاية جوفاء، بل وحشية وعار، وجريمة ضد الإنسانية، إضافة إلى تأثير العقوبات على شعب العراق، لماذا؟!".

يضيف: "لقد أبديت عدم ممانعتي من الاختبار لأنني لم أكن قريبا من الانفجارات.. كنت على بعد 20 كيلومترا من الحدود داخل السعودية، لم أغادر السعودية أبدا ولم أدخل العراق ولا الكويت، إلا أن الاختبار أثبت وجود اليورانيوم المنضب في داخلي، وهذا يعني أن التلوث ربما أتاني عن طريق الرياح.. وكان في داخلي أكثر من مائة ضعف مستوى الإشعاع الذي لا ينبغي تجازوه في عام".

ـ البروفسور سيغارث-هورست غونثر، مرشح جائزة نوبل للسلام/ألمانيا: "تصيبك أمراض تشبه الأيدز، الفشل الكلوي، سرطان الدم، الأنيميا الحادة، الأورام الخبيثة، التشوهات الخلقية الوراثية، الإجهاض، والولادة السابقة لأوانها للإنسان والحيوان".

ـ العالم البريطاني كريستوفر بسبي: "عهد إلينا بتنظيف ما فعلته النيران الصديقة بعرباتنا وجنودنا، تحركنا من السعودية إلى العراق والكويت، الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تصف ما رأيناه حين وجدنا القتلى والمعدات الأمريكية المدمر هي.. يا إلهي!!!".

ب – المسؤولون الأمريكيون يكذبون:

أخفت الولايات المتحدة وحلفائها استخدام اليورانيوم وبالتالي مخاطره ونتائجه.

ـ د.آساف ديوراكوفيتش/عقيد سابق في الجيش الأمريكي: "إنهم "القادة الأمريكان"، لم يحذروا جنودهم، ولم يحذروا قادة الوحدات، لقد كنت عقيدا –أيام حرب الخليج- في الجيش الأمريكي، في القطاع الطبي، وكنت قائدا لوحدة طبية رقم (531) التابعة للمستشفى الميداني رقم (92)، وكنت أستاذا لأجيال من ضباط الجيش في القوات البحرية والجوية والمشاة، في مجال التأثيرات الطبية للإشعاع، لم يخبرني أحد باحتمال استخدام أسلحة مشعة، ولا بالمخاطر التي قد تنتج عنها".

ـ دان فاهي: "يوضح تقرير صدر عن الجيش الأمريكي في يوليو 1990، أن اليورانيوم المنضب أكثر فاعلية من التنكستون، لكن استخدامه يؤدي إلى مشاكل صحية وبيئية بين الجنود والمدنيين على حد سواء".

ومن المثير للجدل أن هذا التقرير صدر قبل العدوان على العراق بستة أشهر. إذ تقرر تكوين حركة تطالب بحظر استخدام اليورانيوم، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، بسبب التعتيم الرسمي الأمريكي على الجنود الأمريكان وجنود الحلفاء.

ث – أمريكا وبريطانيا.. بين التعتيم والتهديد:

ـ دوك روكه: "بكل تأكيد تلقيت تهديدات مباشرة من مسؤولين عسكريين أمريكيين لوقف نشاطاتي للحصول على رعاية طبية وحماية للبيئة.. ولمجرد هذا النشاط فقدت وظيفتي".

"في كل مرة تداهم الشرطة منزلي وتقلبه رأسا على عقب، وتعرض زميلي روبت روبن، هو الآخر، للتهديد..، قام موظفون في البحرية الأمريكية بجره من سيارته، وأوسعوه ضربا. فقد كانت لديه وثائق مصورة دامغة تكشف مخاطر اليورانيوم المنضب.

كما انقطع رزق العالم الأمريكي ديور أكوفيتش، في الولايات المتحدة وضاعت عينات بحوثه في البريد، وهاجر للعمل خارج الولايات المتحدة".

ـ البروفسور الألماني سيغفارث غونثر: "لقد تعرضت إلى محاولة اغتيال أمام منزلي في يناير 1993، بعد ذلك أوقفوا راتبي التقاعدي، وحرموني من حقي في الضمان الاجتماعي، وفي ماي 1994، دعيت إلى كوالالمبور لإلقاء محاضرة، ولدى عودتي هاجمني شخصان، واستوليا على حقيبتي، وبها مستندات وأبحاث عن اليورانيوم المنضب ومجموعة من الشرائح المصورة.

وفي يونيو 1995، اعتقلتني الشرطة الألمانية بتهمة تعريض حياة الشعب الألماني لخطر الإشعاع، لجلبي من العراق بقايا قذيفة، واضطررت إلى دفع غرامة قدرها 3000 مارك".

إذا لم يكن لدى الأمريكيين والبريطانيين ما يخشونه، فلماذا يتعقبون إذن كل باحث عن حقيقة استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب أو يدلي بشهادة، أو يقدم بحثا علميا أو يجمع الأدلة عن هذه الجريمة؟ إذا لم تكن هذه التهديدات إرهاب دولة، فكيف يصفه لنا الدستوران الأمريكي والبريطاني وشعاراتهما، الإنسانية والديمقراطية وحماية الأمن والسلم الدوليين؟

 

خلاصة: لا يمكن الاختلاف حول كون أزمة الخليج مظهر من مظاهر انحراف الشرعية الدولية في عهد النظام الدولي الجديد، ونموذجا صارخا لتقزم دور الأمم المتحدة وفعالية القوانين الدولية، وتفريغ أو تجويف الميثاق الأممي من محتوياته، فالعراق كان مسرحا تجريبيا للجزاءات القمعية العسكرية والقمعية غير العسكرية، إذ نكل بالعراق شعبا وأرضا، بواسطة رزنامة القرارات التي استصدرها مجلس الأمن بإيعاز وتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والتي لا تستند إلا إلى شريعة المنفعة والقوة.

برر هذا المنحى المتشدد الإجرامي في توقيع العقوبات على العراق، بنفس تبرير الذئب الذي إلتهم الشاة لأنها لوثت مياه النهر، فاستراتيجيو واشنطن يوقنون من مدى أهمية ونجاعة مواصلة خنق أغنى مناطق الطاقة في العالم، والإبقاء على العراق في قفصه حسب تعبير أحدهم، وذلك بابتكار آليات جمة لعل آخرها ما يصطلح عليه بالعقوبات الذكية/المتذاكية، الخبيثة في واقع الأمر، لكن المميز في هذا الذكاء التضليلي أنه سيغدو السحر المنقلب على الساحر، فالشعب العراقي تجاوز سيكولوجيا الحصار القائم إجرائيا.

يسجل جيف سيمونز خجله من حكومته البريطانية: "وما أزال أشعر بالعار المتسم بالعجز إزاء ما حكمت به علي حكومتي والمتواطئون معها في الإبادة الجماعية، أولئك المشلولون نفسيا ومن ينقلون الشعور بالذنب، وأظن هذا يكفي". وأعتقد أيضا أن هذا يكفي الآن فقط لأنه "مسلسل طويل سيشغل على الأقل جيلا من أدنى كوكبنا إلى أقصاه، وسيتطلب كثيرا من التسامح والتفاهم لتمكين أجيال القرن الحادي والعشرين من البقاء في سلام واحترام وكرامة"[37].

ـــــــــــــــــــــــــــــ


[1] - تحمل هذه الاتفاقية اسم الوزير الأرجنتيني "Drago"، الذي اقترحها بعد غزو ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا لفتنزويلا عام 1902، لأجل استرداد ديونها.

[2] - ينسب هذا الميثاق لوزير خارجية فرنسا "Briand"، ونظيره الأمريكي "Kellog".

[3] - د.عبد القادر القادري، القانون الدولي العام، الجزء 2، مكتبة دار السلام، ص285-286.

[4] - ميثاق الأمم المتحدة.

[5] - ميثاق الأمم المتحدة.

[6] - ميثاق الأمم المتحدة.

[7] - انظر بحثنا لنيل الإجازة "العقوبات والحصار بين القانون الدولي والمصالح السياسية، نماذج العالم العربي: العراق –ليبيا-السودان"، كلية الرباط-أكدال/2000.

[8] - د.القادري، مرجع سابق.

[9] - يعد مبدأ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول، من القواعد الأساسية في القانون الدولي، والتي منبعها السوابق الدولية والعلاقات الاتفاقية بين الدول، وفي أحكام المحاكم الدولية كحكم م.ع.د، في قضية الأنشطة العسكرية بنكاراكوا بين هذه الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية الصادر في 27/6/1986. وتسجل وقائع وطبيعة العلاقات الدولية القائمة على منطق القوة خرقا سافرا لهذا المبدأ.

[10] - ورد في المادة 26 من الميثاق: "رغبة في إقامة السلم والأمن الدوليين وتوطيدهما بأقل تحويل لموارد العالم الإنسانية والاقتصادية إلى ناحية التسليح، ويكون مجلس الأمن مسؤولا بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار إليها في م.47 عن وضع خطط عرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع منهاج ينظم التسليح".

[11] - تشكلت في هذا الصدد عدة لجان كـ: لجنة الطاقة الذرية، لجنة نزع السلاح، اللجنة الفرعية التابعة للأمم المتحدة، لجنة العشرة، لجنة الثماني عشر، مؤتمر نزع السلاح.

[12] - أبرمت في هذا الشأن اتفاقيات عديدة منها ما تعلق بأنواع الأسلحة وأبرز المحادثات في هذا الإطار، اتفاقيتا "سالت" أو محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية و"ستارت" الخاصة بخفض الأسلحة الاستراتيجية. وهناك اتفاقيات حظرت تسليح بعض المجالات أي المجالات منزوعة السلاح كتحريم استخدام الأسلحة بالقمر والأجرام السماوية بموجب معاهدات 1967 و1979.

[13] - لعل آخر هذا اللهاث، برنامج الذرع المضاد للصواريخ، الذي قدمته و.م.أ في حلة استراتيجية أمن دفاعية جديدة.

[14] - بحثنا، المشار إليه سابقا.

[15] - احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه، عن الاتحاد البرلماني الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، دليل رقم 1، 1999.

[16] - احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه، عن الاتحاد البرلماني الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، دليل رقم 1، 1999.

[17] - مضمون القرار 661: *يفرض إجراءات حظر شامل على العراق. *يقرر تشكيل لجنة للإشراف على تنفيذ القرار، تضم جميع أعضاء مجلس الأمن.

[18] - بحثنا لنيل دبلوم الإجازة، مشار إليه سالفا.

[19] - العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق في الحوار مع الأمين العام للأمم المتحدة، نيويورك، 26-27 فبراير 2001.

[20] - مضمون القرار 665: تشديد إجراءات فرض الحصار الاقتصادي (إيقاف وتفتيش جميع عمليات الشحن البحري) على العراق.

[21] - العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق، مشار إليه.

[22] - بحثنا، مرجع سابق.

[23] - مضمون القرار 678: يؤذن للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت باستخدام جميع الوسائل اللازمة لتنفيذ القرار 660، وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة ما لم ينفذ العراق ما طلب منه بموجب أحكام القرارات المذكورة لغاية 15 يناير 1991.

[24] - د.عبد الله الأشعل، الأمم المتحدة والعالم العربي: ، دار شمس المعرفة للطبع والنشر والتوزيع، 1994.

[25] - مضامين القرارات: -)986: يسمح للعراق بتصدير كمية من نفطه بما قيمته ملياري دولار خلال 180 يوما وذلك لشراء غذاء وأدوية وحاجات إنسانية. –)706: يتصل بشروط البيع المحدد للنفط العراقي والمنتجات النفطية. –)712: يتصل بإقرار الحد الأعلى البالغ 1,6 مليار دولار للبيع المحدد للنفط العراقي وباعتماد آلية تنفيذ القرار 706 ذات العلاقة. –)778: يقرر استخدام الأموال العراقية المتأتية من بيع النفط والمنتجات النفطية والمجمدة في البنوك الأجنبية للصرف على عمليات الأمم المتحدة في العراق مثل نفقات اللجنة الخاصة.

[26] - العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق، مرجع سابق.

[27] - نرى في عمليات تطويع ولولبة المعاني وآليات الالتفاف السميولوجي التي تصاغ بها القرارات، ما نعتقد أنه الوصف الأقرب لما يحدث. وهو مجرد اجتهاد يمكن الرد عليه.

[28] - منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة برنامج الغذاء العالمي، التحذير الخاص رقم 237، في يوليوز 1993.

[29] - العرض الذي قدمه الوفد العراقي، مشار إليه.

[30] - جيف سيمونز، التنكيل بالعراق: العقوبات والقانون والعدالة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة 2، ديسمبر 1998، ص37 و44.

[31] - جيف سيمونز، نفس المرجع السابق.

[32]  - Nick cohen, (Radioactive waste left in Gulf by Allies) Independent on Sunday, london, 10 november 1991.

[33] - جيف سيمونز، مرجع سابق، ص53 و150.

[34] - تقرير شامل عما نفذه العراق من قرارات مجلس الأمن الدولي وآثار الحصار الظالم على الشعب العراقي معاشيا وصحيا وبيئيا وثقافيا.

[35] - جيف سيمونز، مرجع سابق.

[36] - جرائم الحرب الأمريكية ضد العراق والعرب وشعوب العالم.. حقائق دامغة/نشرة دورية توثيقية تعنى بعرض الحقائق وتفسيرها بصورة موضوعية لطبيعة الحالات الإجرامية التي ارتكبتها الو.م.أ و G.B (2001

www.Middle-east-online.com/news Iraq.Nov-2000/depleted uranium-confe.

www.Aljazeera.News/europe.2001/1/15   www.Aljazeera.News/europe.2001/1/3

www.Aljazeera.News/europe.2001/1/1

[37] - مقتطف من رسالة د.المهدي المنجرة إلى السيد إدغار بيزاني مدير معهد العالم العربي بباريس (23/2/1991)، عن كتابه، الحرب الحضارية الأولى: مستقبل الماضي وماضي المستقبل، منشورات عيون المقالات، مطبقة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط.1، 1991.

المصدر: http://www.aljabriabed.net/n46_05hind.htm

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك