ثنائيات زائفة: "العلمانيون" و "الإسلاميون" في ترك

ثنائيات زائفة: "العلمانيون" و "الإسلاميون" في ترك
بقلـم نورا أونار

اسطنبول – عندما رشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أحد أعضائه للرئاسة خرج ملايين المحتجين إلى الشوارع. شكلت هذه التظاهرات آخر النشاطات ضمن دراما بدأت عندما تبنى الآباء المؤسسون في تركيا، إضافة إلى التزامهم بإدخال الديمقراطية إلى تركيا في النهاية، وجهة النظر الأوروبية التي كانت سائدة يومها بأن الإسلام هو مصدر للتخلُّف. ولكن رغم إجراءات تطهير المجال العام من الإسلام، أثبت الإسلام قدرته ومرونته كملاذ عقائدي وثقافي. ومنذ بداية عهد تعدد الأحزاب، تحدى الإسلام السياسي بمختلف أشكاله وطبقاته التيار العام للدولة.

ويدّعي حزب العدالة والتنمية، مناقشاً باسم الحريات الأكثر اتساعاً، أن بإمكانه تقريب تركيا من حل معضلة تركيا التأسيسية المتمثلة في التوفيق بين العلمانية والديمقراطية والإسلام. ويمثل الحزب بشكل خاص المسلمين المتدينين الذين يرغبون بممارسة الدين والالتزام به دون مواجهة الإذلال أو اللوم والانتقاد. ويستشهد جهابذة حزب العدالة والتنمية، المهتمين بمحاولة تجريم الزنا وإدخال مصنفات "الحلال"، بدراسات تظهر أن جزءاً صغيراً فقط من أنصار الحزب يفضلون دولة إسلامية. كما اقتُرح أيضاً أن أفضل تأمين ضد التقليديين من أتباع الحزب والعناصر المتطرفة على مستوى القاعدة هو تمكين قيادة معتدلة.

إلا أن العديدين ما زالوا غير مقتنعين. ويضم الشكاكون الغرماء السياسيين الذين يسعون إلى الاستفادة من التظاهرات المضادة لحزب العدالة والتنمية واستثمارها قبيل الانتخابات المقبلة. العديدون قلقون من تركيز السلطة البرلمانية وفي رئاسة الوزراء وفي الرئاسة بأيدي حزب واحد. وهناك العديد من النساء اللواتي يخفن من أنه حتى حزب عدالة وتنمية صادق ومخلص، يمثل تركيا أكثر محافظة قد تُسلب النساء فيها ما حصلن عليه من سلطة وتمكين. كما أعربت طائفة العلويين، وهي طائفة كبيرة من المسلمين من غير السنة، كذلك عن قلقها.

وتعكس شعارات متضاربة طغت أصداؤها على جو المظاهرات مدى الشك والتشاؤم السائدين. بعضهم هتف: "لا للشريعة، لا للانقلاب، نعم للديمقراطية"، مشيرين إلى مذكرة قدمها الجيش تلمّح إلى إمكانية تدخله إذا لم يفعل حزب العدالة والتنمية المزيد للحفاظ على التقاليد العلمانية للدولة. كما كشف عديدون آخرون شعارات مضادة للاتحاد الأوروبي ومضادة للولايات المتحدة، مجذَّرة في عدم الموافقة على الإصلاحات التي اتخذت للدفع باتجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

ثم هناك البعد الطبقي. فقد شكلت الطبقات الوسطى والعليا في المدن، بعاداتها وأساليب حياتها الغربية، ومنذ فترة طويلة، النخبة الحاكمة. في السنوات الأخيرة تعرض هذا الموقف لتحديات من قبل مهاجرين محافظين اجتماعياً إلى المدن أصبحوا أصحاب أعمال ابتكاريين ومفكرين وسياسيين. هؤلاء يطالبون، مثلهم مثل أي طبقة وسطى صاعدة، بصوت في الحكم. ويرحب المعلقون من أنصار حزب العدالة والتنمية بدينامية هؤلاء ويناقشون بأن المظاهرات الأخيرة تعكس هستيريا نظام قديم متداع آخذ بالزوال.

إلا أن الوضع هو أقرب إلى الجمود، حيث يسيطر حزب العدالة والتنمية على أكبر قدر من الأصوات الانتخابية، ولكنها ليست بأي حال من الأحوال الغالبية، إضافة إلى حصة متزايدة في الاقتصاد، بينما تبقى النخبة القديمة مستكينة في القطاع الخاص والبيروقراطية والقضاء والجيش. وهذا يعني أن القبول المتبادل هو السبيل المنطقي الوحيد للتصرف. ويتعين على النخبة القديمة أن تعترف بأن القادمين الجدد يديرون الدولة بشكل جيد من نواح عدة، تتراوح بين الشؤون البلدية إلى المستوى الوطني. كما يتوجب على أنصار حزب العدالة والتنمية أن يفهموا أنه لا يمكن التغاضي عن مخاوف ومطالب مجموعات معتبرة من أفراد الشعب.

الصراعات الطبقية وحول الهوية تحجب بشكل ملفت للنظر المصالح الحقيقية المتلاقية. فالأنماط الاستهلاكية للمعسكرين تعكس بعضها بعضاً، وكلا الطرفين زاد استهلاكه بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، والفضل يعود إلى الإصلاحات التي وضعها تكنوقراطيون ينتمون إلى صندوق النقد الدولي حافظ حزب العدالة والتنمية عليهم. الاستثمارات الخارجية حلّقت عالياً، واكتسبت تركيا مصداقية مفادها أن رأس المال الأجنبي لا يتأثر على ما يبدو بالتوترات التي جرت مؤخراً. ولكن هذه المكتسبات لا يمكن ضمانها إلا من خلال دعم الديمقراطية التركية وتقويتها، فهنا أيضاً تحجب الأزمة القائمة الأرضية المشتركة. فهناك إجماع واسع النطاق بأن العناصر غير التحررية لدستور عام 1980 يجب أن تذهب. وبغض النظر عن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتفق معظم الأتراك أن المؤسسات التي تعمل على حماية الاستقرار السياسي والاقتصادي هي في مصلحة الجميع.

لماذا الاستقطاب إذن بوجود حوافز كهذه من أجل التعاون؟ الإجابة هي انعدام التواصل. يتوجب على القيادة السياسية والمنظمات على مستوى القاعدة على الجانبين بناء الجسور. يجب أن تركز المعادلة في المدى القصير على تجنب الكارثة الجماعية. يتوجب على العسكريين القيام بأقصى ما يستطيعونه لوقف المزيد من التدخل العسكري الذي يعني كارثة اقتصادية وسياسية.

ويتوجب أن يكون التركيز على المديين المتوسط والبعيد على رعاية الثقة التي هي المادة اللاصقة لرأس المال الاجتماعي. قد تكون إحدى الخطوات، ببساطة إدراك أن الطرفين يرنوان في الواقع لضمان حرية العمل حسب ضمائرهم. إدراك هذه الرغبة المشتركة والاعتراف بها قد يجعل التفاوض ممكناً، في الوقت المناسب، على صفقة اجتماعية، تسمح لكل طرف أن يفعل ذلك دون الاصطدام بالآخر.

هناك صعوبات فلسفية وعملية حقيقية في عملية التوفيق بين العلمانية الديمقراطية والتدّين الإسلامي. ولكن إذا استطاع أحد تحقيق ذلك فهم الأتراك.

###

* نورا أونار هي باحثة مشاركة في مركز الدراسات الأوروبية بكلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد. تقوم خدمةCommon Groundالإخبارية بتوزيع هذا المقال الذي يمكن الحصول عليه من الموقع الإلكتروني www.commongroundnews.org.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=21239&lan=ar&sp=1

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك