اليهود ـ أمة المغضوب عليهم ـ متى ننتصر عليهم ؟
اليهود ـ أمة المغضوب عليهم ـ متى ننتصر عليهم ؟
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اليهود ـ أمة المغضوب عليهم ـ متى ننتصر عليهم ؟
يقول رب العزة سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ).
عباد الله, إن من يتأمل التاريخ وفي أحوال الأمم وأخلاقها ومعاملاتها، يجد أن أسوأ الأمم خُلقاً وأشرها معاملة أمة اليهود، تلك الأمة الغضبية الملعونة, أمة الكذب والطغيان, والفسوق والعصيان, والكفر والإلحاد، أمة ممقوتة لدى الناس لفظاظة قلوبهم وشدة حقدهم وحسدهم، ولعظم بغيهم وطغيانهم، أهل طبيعة وحشية وهمجية لا يباريهم فيها أحد، كلما أحسوا بقوة ونفوذ وتمكن وقدرة هجموا على من يعادونه هجوم السبُع على فريسته، لا يرقبون في أحد إلّاً ولا ذمة ولا يعرفون ميثاقا ولا عهداً, ولا يُعرف في الأمم جميعها أمة أقسى قلوبا وأغلظ أفئدة من هذه الأمة، قد التصق بهم الإجرام والظلم والعدوان والجور والبهتان من قديم الزمان، يقول الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً), ويقول تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
ومن قسوة قلوب هؤلاء أنهم قتلوا بعض أنبياء الله الذين جاءوا يحملون إليهم الهدى والصلاح والسعادة والفلاح، قال الله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ), وقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً), وهذه القسوة التي وصمهم الله بها في القرآن، ملازمة لهم على مر الأجيال والعصور إلى زماننا هذا.
وقد دأب اليهود من قديم الزمان على الغدر والخيانة ونقض العهود والوعود، قال تعالى: (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون).
عباد الله, إن عداء اليهود للإسلام عداء قديم منذ فجر الإسلام الأول، وعداؤهم وحقدهم على أهله معروف لدى الخاص والعام في قديم الزمان وحديثه، لأن الإسلام عرّى حالهم وكشف أمرهم وفضح مخازيهم وأظهر قبائحهم وشنائعهم، فبات أمرهم معلنا بعد أن كان سراً, وبادياً لكل أحد بعد أن كان خفيا.
وجاءت آيات القرآن الكريم آية تلو الأخرى معرية أمر هؤلاء, مجلية حقيقة أمرهم, كاشفة مكرهم وكيدهم وخداعهم، وصدق الله إذ يقول: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين).
إن الإسلام يدعو إلى الإيمان والتوحيد والطاعة والإخلاص، واليهود يدعون إلى الكفر والإلحاد والتكذيب والإعراض.
إن الإسلام يدعو إلى مثل عليا وقيم رفيعة وإلى الرحمة والخير والإحسان، بينما اليهود يدعون إلى القسوة والإجرام والوحشية والعدوان والظلم والبهتان.
الإسلام يدعو إلى الحياء والسَّتر والحشمة والعفاف. واليهود يدعون إلى الرذيلة والفساد والمنكر والبغي.
الإسلام يحفظ الحق ويحترم المواثيق ويحرم الظلم، واليهود لا يعرفون حقاً ولا يحفظون عهداً ولا ميثاقاً, ولا يتركون الظلم والعدوان.
الإسلام يحرم قتل النفس بغير حق ويحرم السرقة والزنى، واليهود يستبيحون سفك دماء غير اليهود وسرقة أموالهم وانتهاك أعراضهم.
ثم هم مع هذا الكفر العظيم والبهتان المبين ورغم كل هذا الضلال الذي هم فيه يدعون لأنفسهم الجنة، ويدعون أنهم أفضل خلق الله وأنهم شعبه المختار وأنهم أبناء الله وأحباؤه، (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ), (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ).
فإنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم شعب الله المختار وأن أرواحهم متميزة عن بقية أرواح البشر بأنها جزء من الله، وأنه لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض، ولما نزلت الأمطار ولا وجدت الخيرات.
ويعتقدون فيمن سواهم أنهم أشبه بالحمير، وأن الله خلقهم على صورة الإنسان ليكونوا لائقين لخدمتهم، ألا شاهت وجوه الأخسرين، ولعنه الله على المجرمين.
ولما عرضت عليهم التوراة وهي كلام الله ووحيه وتنزيله رفضوها، وامتنعوا من أن يقبلوها، فأمر الله جبريل عليه السلام أن يقلع جبلاً من أصله من الأرض على قدرهم ثم رفعه فوق رؤوسهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم، فقبلوها كُرهاً، قال الله تعالى: (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ولما دعاهم موسى عليه السلام إلى الإيمان بالله ووحيه، امتنعوا من ذلك وقالوا: لا نؤمنُ حتى نرى الله جهرة بأعيننا، فأنزل الله ناراً من السماء فقتلهم بها بسبب ذنوبهم، ثم أحياهم من بعد موتهم لعلهم يشكرون، قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ومن مخازيهم أنهم اتخذوا العجل معبودا لهم من دون الله مع أنهم قد شاهدوا ما أحل الله بالمشركين من العقوبة الأليمة والأخذة الرابية، ونبيهم حي بينهم لم يمت، وقد شاهدوا بأعينهم صانع العجل يصنعه ويصوغه ويصليه النار، ويدقه بالمطرقة ويسطو عليه بالمبرد، ويقلبه بيديه ظهراً لبطن، ومع ذلك كله عبدوه من دون الله، ولم يكتفوا بذلك حتى جعلوه إله لموسى عليه السلام زوراً وبهتاً (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) يقول الله تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فهم مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله لديهم مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إله غير الله، ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة, وقد أنجاهم الله من فرعون وظلمه، وفرق بهم البحر، وأراهم الآيات والعجائب ونصرهم وآواهم، فلما دعاهم نبيهم إلى القتال، امتنعوا من ذلك وقالوا: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).
عباد الله, ومن شنائع هذه الأمة الغضبية أيضاً أنهم قيل لهم وهم مع نبيهم والوحي ينزل عليه من الله: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) ـ والقرية بيت المقدس ـ فأمروا أن يدخلوا على هذه الهيئة من التذلل والخضوع لله، فأبوا إلا العناد والكبر فدخلوا من الباب على أدبارهم يرجعون إليه القهقرى، وقالوا: حنطة أي حبة من شعير، قال الله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ).
ومن مخازيهم أنهم نسبوا إلى الله تعالى ما لا يليق، ووصفوه بما يتنزه عنه سبحانه، ومن ذلك قولهم: إن الله لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام تعب واستراح في اليوم السابع، فأنزل الله في تكذيبهم قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) أي من تعب.
ومن ذلك قولهم: إن الله فقير ونحن أغنياء، فأنزل الله قوله: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ). وقالوا أيضا: (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ).
ومن مخازيهم أنهم كانوا يقتلون الأنبياء الذين لا تنال الهداية إلا على أيديهم، ويتخذون أحبارهم أربابا من دون الله، ورموا نبي الله عيسى وأمه بالعظائم وادعوا أنهم قتلوه.
ومما ينبغي أن نعلمه هنا أن اليهود من بعد محاولتهم قتل المسيح عليه السلام وصيانة الله له من ذلك، وأمرهم لا يزال في سَفال ونقص إلى أن قطّعهم الله في الأرض أمماً ومزقهم كل ممزق وسلبهم عزهم وملكهم، فلم يقم لهم بعد ذلك ملك إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فكفروا به وكذبوه فأتم الله عليهم غضبه، ودمرهم غاية التدمير، وألزمهم ذلاً وصغارا لا يرفع عنهم إلى أن ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان فيستأصل شأفتهم, ويقتل بقيتهم، ويطهر الأرض منهم ومن عباد الصليب.
عباد الله, هذا بعض ما جاء في القرآن الكريم من حال هذه الأمة الغضبية الملعونة، ليعرف المسلمون شيئاً من تاريخ هذه الأمة الأسود وحياتهم المظلمةِ المليئة بالكفر والعدوان والظلم والبهتان، وأنهم لا تؤمن بوائقهم, ولا تنتهي جرائمهم, ولا يتركون البغي والعدوان، وليعرف المسلم قدر نعمة الله عليه بهذا الدين الحنيف، وما من الله عليه من نعمة العلم والإيمان. فلله الحمد أولا وآخرا.
أما سبيل الانتصار على هؤلاء المجرمين المعتدين فهذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية إن شاء الله
عباد الله, أيها الإخوة الكرام, ها قد عرفنا أن اليهود هم شر الطوائف والأمم, وأخبث وأرذل الناس منذ القدم, وأنهم يحملون أحط وأسفل الأخلاق والقيم, وهذا أمر معلوم أصلاً عند كل عاقل, ومسلم به عند كل عالم وجاهل, فإذا كان الأمر كذلك يا عباد الله, فكيف تغلبوا علينا وسامونا سوء العذاب, وها هم يفتكون بنا صباح مساء, ويذيقوننا سائر صنوف الذل والهوان, و وألوان الأسى والحسرة, ونحن خير أمة أخرجت للناس, ونحن أمة لا إله إلا الله, ونحن أمة محمد بن عبد الله, ونحن ربنا واحد, وقرآننا واحد, ونبينا واحد, وقبلتنا واحدة, وديننا واحد؟ أتدرون كيف يا عباد الله؟ لأن أغلب هذه العبارات السابقة لدينا ـ ومع الأسف أقولها ولا أبرىء نفسي المقصرة المذنبة ـ أغلبَ هذه العبارات السابقة لدينا مفرغة, وقوالبُ لفظية جوفاء, لم نملأها بالعمل الصحيح الجادِّ الذي تتطلبه وتقتضيه, وإنني في هذه العجالة القصيرة أجمل أسباب النصر والهزيمة لدينا معاشر المسلمين في أربع آيات فقط من كتاب ربنا تبارك وتعالى, أكثرنا يقرؤها ولا يتدبرها, وأغلبنا يتلو مبناها ولا يدري معناها, ولا فحواها, فضلاً عن العمل بمقتضاها.
فأرعوني سمعكم وقلوبكم أيها المؤمنون يا رعاكم الله.
الآية الأولى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [محمد : 7]
قال القرطبي رحمه الله: "أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار نظيره ( ولينصرن الله من ينصره )".اهـ فهذا وعد من الله تعالى أننا إذا نصرنا دينه, ونصرنا نبيه فإنه ناصرنا, والله لا يخلف وعده, ونصر دينه سبحانه بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, بالتزام الكتاب والسنة, والسير على خطى أسلافنا الذين نصروا هذا الدين حق النصر, وقاموا به حق القيام. عباد الله, فليحاسب كل منا نفسه المقصرة هل نصرنا الله حقاً, وهل نصرنا دينه صدقاً؟ ويجد الجواب لديه.
الآية الثانية: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) [الأنفال : 60]
قال الألوسي رحمه الله: " أي أعدوا لقتال الكفار من كل ما يُتقوى به في الحرب كائناً ما كان, وأطلق عليه القوة مبالغة وإنما ذكر هذا لأنه لم يكن لهم في بدر استعداد تام, فنُبِّهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان".اهـ
وقال ابن الجوزي رحمه الله: " المراد بالقوة أربعة اقوال: أحدها أنها الرمي, والثاني ذكور الخيل, والثالث السلاح, والرابع أنه كل ما يتقوى به على حرب العدو من آلة الجهاد".اهـ
قلت: والإعداد إعدادان: إعداد معنوي إيماني شرعي, وإعداد مادي سلاحي كوني, ودونهما لا يوجد نصر, وكما يقال: خرط القتاد.
الآية الثالثة: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال:46]
قال الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء, ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتضعفوا وتجبنوا. عن ابن إسحق قال: لا تختلفوا فيتفرق أمركم (وتذهب ريحكم) فيذهب حدكم (واصبروا إن الله مع الصابرين) أي : إني معكم إذا فعلتم ذلك. وقال ابن زيد: الفشل: الضعف عن جهاد العدو والانكسار لهم فذلك الفشل".اهـ
اسمعوا هذا الكلام يا عباد الله وانظروا إلى حال المسلمين كم هم مختلفون ومتفككون ومتناحرون, فرقاً وطوائفَ وأحزاباً كل ح## بما لديهم فرحون, فلتعلم هذه الأمة أنه لا نصر لها ولا عز ولا غلبة ولا هيبة ولا سلطان في الأرض, إلا إذا توحدت على كلمة سواء, على التوحيد, على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة, لا بفهم زيد ولا عمرو, حينئذ تكون قد حازت القوتين المادية والإيمانية اللتين لا يكون النصر إلا بهما, وإلا فلا تتعنَّ, كما قال صلى الله عليه وسلم: (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
الآية الرابعة: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور : 55]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله وأكرمه.
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق, فلم شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم, وأطَّد جزيرة العرب ومهَّدها, وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه ففتحوا طرفا منها, وقتلوا خلقاً من أهلها, وجيشاً آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام, وثالثاً صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر, ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها وتوفاه الله عز وجل واختار له ما عنده من الكرامة.
ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق فقام بالأمر بعده قياما تاما لم يدر الفَلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله, وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس, وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته وقصر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام وانحدر إلى القسطنطينية وأنفق أموالهما في سبيل الله كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة.
ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان وجُبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ويبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله فنسأل الله الإيمان به وبرسوله والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا. وقوله: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) الاية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه: (أتعرف الحيرة ؟ قال : لم أعرفها ولكن قد سمعت بها قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز قلت: كسرى بن هرمز؟ قال نعم كسرى بن هرمز وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد). قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد, ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز, والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها".اهـ
عباد الله, يجب أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة والفئة المخذولة وتسلطهم على المسلمين، إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عزهم وفلاحهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). فلا بد من عودة صادقة وأوبة حميدة إلى الله جل وعلا، فيها تصحيح للإيمان، وصلة بالرحمن، وحفاظ على الطاعة والإحسان، وبعد وحذر من الفسوق والعصيان، لينال المؤمنون بذلك العز والتمكين والنصر والتأييد.
فيا إلهنا إليك المشتكى وأنت حسبنا، يا من يجيب المضطر إذا دعاه, ويجبر الكسير إذا ناداه, ويفرج هم المهموم إذا ذل له ورجاه, إلهنا لقد تفاقم من اليهود الطغيان وتزايد السطو والإجرام، وعظم الجبروت والعدوان. إلهنا يا من النصر والعز منه يستمنح، يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تفتح، يا مزلزل عروش الظالمين، يا قاصم ظهور الجبارين، يا مبطل كيد المجرمين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم اقصم ظهورهم, وجنب المسلمين شرورهم, اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم انصر عبادك المؤمنين المستضعفين في كل مكان, اللهم انصرهم في فلسطين ولبنان, اللهم كن لهم ولا تكن عليهم فإنه لا حول لهم ولا قوة إلا بك, اللهم إنهم مرضى فاشفهم, اللهم إنهم جياع فأطعمهم, اللهم إنهم عراة فاكسهم, اللهم إنهم عطاش فاروهم, يا ذا الجلال والإكرام, ويا ذا الطول والإنعام رضاك نرجو وبرحمتك نستغيث.
المصدر:
forum.jsoftj.com/t158590.html