"حوار الأديان".. دليل إرشادي للدعاة والأئمة
"حوار الأديان".. دليل إرشادي للدعاة والأئمة
حمدي عبد العزيز**
غلاف الكتاب
تدعو الأصول المنزلة -القرآن والسنة- إلى التسامح مع أتباع الأديان المخالفة، وكان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يتسم بالرحمة والرفق معهم حتى أنه حزن عندما هزم الروم المسيحيون من الإمبراطورية الفارسية.
وعندما هاجر إلى المدينة كتب "الوثيقة" من أجل أن يعيش المسلمون واليهود وقبائل المدينة في سلام، وفي هذا السياق يشير المفكر إسماعيل الفاروقي في كتابه (الإسلام) "1984" أنها اعتبرت اليهود أمة مع المؤمنين وهو نفس ما حدث للمسيحيين ثم للهندوس والبوذيين بعد الفتوحات الإسلامية حيث ضمن الإسلام لهم حقوقهم وحرياتهم الدينية.
وفي الوقت الراهن يسعى بعض الأئمة والدعاة والأكاديميين من المسلمين لاستئناف الحوار والتعايش مع أتباع الأديان الأخرى وخصوصا في المجتمعات المتعددة الأديان أو التي يكون فيها المسلمون أقلية ولكنهم يواجهون "شبهات" غير دقيقة – ستوردها السطور القادمة.
والكتاب الذي بين أيدينا لناشطين مسلمين في حوار الأديان هما: البروفسور محمد شفيق الباحث الزائر للدراسات الدينية والإسلامية بمركز حوار الأديان بكلية ناذاريث- روشستر في نيويورك، والبروفسور محمد أبو نمر الباحث بمركز السلام الدولي وتسوية النزاعات بالجامعة الأمريكية بواشنطن.
يسعى إلى البحث عن نقاط سوء الفهم والشبهات المثارة حول الحوار الديني، وتقديم تجارب الحوار في إطاره الواقعي بحثًا عن تعزيز التفاهم والتعايش السلمي وبناء الجسور بين أهل الديانات المختلفة في المجتمع الواحد.
وبالتالي يدخل هذا الكتاب في نطاق أدبيات إسلامية جديدة تركز على حوار الأديان على اعتبار أن معظم الأدبيات التي قدمها التراث الإسلامي اختلط فيها مفهوم حوار الأديان بمقارنة الأديان أي بالجدل الديني والمذهبي بين الأديان أو بين المذاهب الدينية المختلفة.
مستويات الحوار
يوجد نمطان للحوار الديني أولهما: الحوار داخل الدين الواحد intra faith dialogue، والثاني: الحوار بين الأديان interfaith dialogue، ويلاحظ الكتاب وجود تجارب عديدة ومثمرة للأخير وخفوت صوت الثاني!.
ولا يسعى الحوار بين الأديان إلى البحث عن دين جديد أو القضاء على أصول الإسلام وعقيدته بل إلى خلق أجواء من التعايش والسلام داخل المجتمع، ويمكن للأئمة والدعاة أن يعملوا في هذا الاتجاه من خلال تعلم الإنصات والتسامح مع الاختلافات من جهة، والعمل معا في مشروعات إنسانية وخيرية لجميع الناس من جهة أخرى.
ويحتج بعض المسلمين بآيات قرآنية لرفض الحوار مع اليهود والمسيحيين كقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ
الكتاب: حوار الأديان..........دليل إرشادي للمسلمين
المؤلفان: د. محمد شفيق – د. محمد أبو نمر
الناشر: واشنطن- معهد الفكر الإسلامي – واشنطن
تاريخ النشر: 2007م
الْهُدَى} ويتناسون أن سياقها جاء في إطار تحويل القبلة، وأن النبي الكريم ظل على علاقته الطيبة معهم، ولم يطلب منه الله عز وجل قطع هذه العلاقات.
ويحتج آخرون بالآية الكريمة: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، رغم أنها تعني أن الإسلام دين الحق وعلى المسلمين أن يبذلوا وسعهم في الدعوة إليه، ولن يحدث ذلك سوى بعد خلق الأجواء المناسبة، وتخفيف حدة المقاومة من الآخرين، وهذا ما فعله النبي الكريم عندما أبرم صلح الحديبية مع مشركي مكة ليتفرغ إلى دعوة القبائل في الجزيرة العربية.
ويحتج البعض بالآية الكريمة: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}، في حين أنه من الأولى أن ينخرط المسلمون في أنشطة متبادلة لتوضيح حقيقة الإسلام لهؤلاء، والنبي الكريم نفسه جلس مع أهل الأديان ليس لاتباع أهوائهم أو الإساءة لهم، وإنما من أجل التعايش والتعاون.
والسؤال الآن هو: هل عندما نتحاور مع اليهود والنصارى سنكون معهم يوم القيامة؟! ويجيب المؤلفان بالقول: إن الحوار لا يتعلق بالحب والموالاة، وإنما لخلق الاحترام المتبادل وتمهيد الطريق أمام مجتمع متعايش وسلمي؛ وهو ما يعني أن حوار الأديان ليس من أجل خلق دين جديد أو طمس الدين، وإنما لبناء الجسور وتعزيز التفاهم والتعايش المشترك.
إرشادات مهمة للحوار
إن الاختلافات بين الناس داخل الدين الواحد أو بين الأديان المختلفة تعد أمرا طبيعيا ولا يمكن إنكارها، والمهم أن نتعايش معا ولا نترك خلافتنا تزداد مثل أحد الأئمة الذي دعاه زملاؤه لتشكيل مجلس لدراسة المشكلات بين المسلمين أنفسهم ولكنه رفض قائلا: "لا! لا نحتاج ذلك"، وكانت النتيجة أن الخلافات زادت وانقسم المسلمون بطريقة أكبر.
وعموما يجد الأئمة والدعاة أن الحوار داخل الدين الواحد أصعب من الحوار بين الأديان، وهم في الحقيقة لم يتلقوا تدريبا مناسبا على قواعد ومهارات الحوار رغم علمهم بأن القرآن الكريم يقر بالاختلاف في الآراء بين أتباع الدين الواحد وبينهم وبين الأديان الأخرى.
ويشير الكتاب إلى مبادئ مهمة للحوار الديني وضعها البروفسور ليونارد سويدلر -قسم الدين بجامعة تمبل- وهي:
- هدف الحوار هو التعلم وزيادة الفهم.
- يجب أن ينخرط أتباع دين معين في حوار مع أصحاب الديانات الأخرى.
- أن يكون المشاركون أمناء ومخلصين ولديهم رغبة في التعلم والاحترام والمتبادل.
- لا نقارن أفكارنا بممارسات شركائنا في الحوار ولكن نقارن أفكارنا بأفكارهم وممارساتنا بممارساتهم.
- كل شريك في الحوار له الحق في التعريف بدينه ومعتقداته ويمكن للآخرين فقط أن يصفوا ماذا تعني لهم من الخارج.
- يجب أن ينصت المتحاورون لبعضهم بصدق وانفتاح.
- الحوار يحدث فقط بين متساويين فلا تعامل الآخرين باستعلاء.
- الحوار يجب أن يجرى في أجواء من الثقة المتبادلة.
- الأطراف المتحاورون يجب أن يعبروا عن جوهر وتقاليد دينهم.
- الأشخاص الذين يدخلون الحوار يجب أن يجربوا كيف تؤثر عليهم التقاليد الدينية الأخرى.
ويرصد المؤلفان أشكالا محددة لحوار الأديان هي:
- حوار الأديان: بين أتباع الأديان المختلفة من أجل تنظيم أنشطة مختلفة مثل التبادل الثقافي والمظاهرات السياسية والمساعدات الإنسانية والعمل الخيري... إلخ.
- حوار الأديان بين القادة الدينيين: ويهدف إلى البحث عن حلول للانقسامات المتزايدة بين الناس ويركز القادة من خلاله على التفاهم الديني والتبادل الاجتماعي.
- حوار الأديان حول العقائد: ويحدث في المعتاد بين الأكاديميين حول العقائد المقارنة، ومن الرواد في ذلك الدكتور إسماعيل الفاروقي الذي شارك في حوار مشابه نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين.
- الحوار الروحي: ويسمى أيضا حوار الخبرة الدينية حيث يساهم المشاركون بخبراتهم من أجل الآخرين.
ونظرا لمشاركاتهما المتعددة في حوار الأديان يضع المؤلفان في الفصل الأخير من الكتاب مبادئ مهمة للمشاركين المسلمين الراغبين في الدخول في حوار داخل الدين الواحد أو حوار بين الأديان منها:
1. كن على خلق وابتعد عن الخلاف واقتد بالنبي الكريم الذي مدحه ربه تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
2. تحدث بطريقة لينة وهادئة؛ فقد أمر الله تعالى موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا!.
3. اكظم غيظك وتسامح؛ فالقرآن الكريم يدعو إلى كظم الغيظ والعفو عن الناس والله يحب المحسنين.
4. اصبر في تعاملك مع غيرك؛ فالله يحب أيضا الصابرين.
5. ابتسم بهدوء؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
6. أصغ لمن يتحدث وإن كانت امرأة يجب أن تعرف أن غض البصر ليس موقفا عنصريا ضدها!.
7. أعط الآخرين فرصة لكي يعبروا عن رأيهم بحرية.
8. كن مستعدا دائما وتطوع في العمل الجماعي من أجل المرضى والمحتاجين والفرقاء من البشر.
خلاصة
لا يسعى هذا الكتاب إلى التركيز على القاعدة الأخلاقية للأديان، من خلال القول بوجود قيم أخلاقية مشتركة بين الأديان، كما أنه لا يبحث عن نقاط الاتفاق والتلاقي بين الأديان عبر إبراز المشترك بين العقائد والشرائع، ولكنه يركز على ضرورة العمل المدني والاجتماعي للمسلمين ونشطائهم في الغرب.
وفي هذا الإطار يرد المؤلفان على عدد مهم من الشبهات التي تحول دون إجراء الحوار الديني، سواء داخل الدين الواحد أو بين الأديان المختلفة، ويضعان مبادئ للحوار الناجح وهو ما يمكن أن يساعد المثقفين والنشطاء في المجتمعات الأهلية في العالم الإسلامي من خلال عمل حوارات يبحث فيها أصحاب الانتماءات الدينية المختلفة طرق مواجهة التحديات المختلفة التي تواجه دولهم ومجتمعاتهم.
** صحفي وباحث مصري. المصدر: وسطية أون لاي
المصدر:
http://wasatiaonline.net/news/details.php?data_id=374