الشرق والغرب: المحددات والمؤثرات

الشرق والغرب: المحددات والمؤثرات

علي بن ابراهيم الحمد النملة

التمهيـد:

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله, رسول الله, وآله ومن والاه, وبعد؛

فتتعرّض العلاقات بين الشرق والغرب إلى قدر كبير من الشّدِّ والجذب الفكري والديني, منذُ قرون, وقد دارت مساجلات فكرية طاحنة حولها, ونشأت مدارس فكرية وتخصُّصات أكاديمية, وظهر على الساحة مفكرون من الجانبين, نذروا حياتهم وفكرهم لإعمال النظر في هذه العلاقات, نشأةً وتطوُّرًا وتجاذُبًا بين عوامل التقارب والتعايش, أو الفرقة والعزلة والصراع.

ويوظَّفُ النقاش حول هذه العلاقات بحسب الرغبة في الالتقاء, أو تعميق الفجوة بين الشرق والغرب. وقد أسهمت عدةُ محدِّدات في هذا التوَجُّه أو ذاك. ويأتي هذا الكتاب في محاولة لرصد هذه المحدِّدات, التي أثَّرت في وجود شكلٍ من أشكال الحوار بين هذين المفهومين. 

وقد وصلتْ إلى سبعةَ عشرَ محدِّدا من محدِّدات العلاقة, بدئًا بالجغرافيا (الجهويَّة), من حيث النظرةُ إلى الجهة, ثم ما تعلَّق بالجهة,وكان فيها محاولة لتحديد مصطلحي الشرق والغرب, مع التوكيد على الاصطلاح الإجرائي, الذي قصد بالشرق الثقافة والفكر, النابعين من العربِ والمسلمين, وقصد بالغرب الثقافةَ والفكر النابعين من الغربيين بمعتقداتهم الغالبة, من حيث تطبيقُها على أرض الواقع الغربي, دون النظر إلى الجهة أو الجغرافيا, ثم عرَّجتْ على بقية المحدِّدات الأخرى, وتوسَّعتْ في بعضها دون بعض, كالاستشراق والاستغراب والتنصير والحوار, بحسب الشعور في الرغبة في التوسُّع لأهمية هذه المحدِّدات, التي جرى فيها توسُّعٌ ملحوظ.

ويحمل هذا الكتاب عنوان: الشَّرق والغرب: محدِّداتُ العلاقاتِ ومؤَثِّراتُها؛ ذلك أنه ينبغي أن ينظر إليها على أنها محاولة لرصد عدد من العوامل, سواء في الماضي او الحاضر, وكان لها أثرٌ  في تحديد العلاقة, فهي إذًا محدِّداتٌ ومؤثِّراتٌ في آنٍ واحد.

ولا يهدُف هذا الكتاب إلى اعتبار هذه المحدِّدات والمؤثِّرات من المسلَّمات, بل هي طروحات خاضعةٌ للنقاش والحوار العلمي من قِبل المتخصِّصين والمهتمِّين في دراسة العلاقات بين الشرق والغرب, ولذا سيلاحظ القارئ والقارئة تكرار بعض الأفكار, بحسب دواعي استجلابها, عند مناسبة ذلك داخل المحدِّد نفسه.

وقد جرت المحاولة إلى ترتيب المحدِّدات بحسب تجانسها منطقيًّا, وجُمع بين الاستشراق والاستغراب والتغريب والاغتراب, والإرهاب والحروب واليهودية والتنصير, والحقوق والعرقية, والعلمنة والعولمة والإعلام. وانتهت بالمحدِّد السابع عشر: الحوار, الذي اتضح فيه تداخُل الأفكار مع المحدِّدات الأخرى, وبالتالي تكرار التعرض للمؤيِّدات, التي سبق التطرُّق لها في محدِّدات سابقة.

وكان القصد من تأخير هذا المحدِّد التوكيد على أنه مهما قامت بين الشرق والغرب من مؤثِّرات سلبيةٍ في الماضي والحاضر, إلا أن عوامل الالتقاء والتفاهم والتعايش تفوق تلك المؤثِّرات التي توحي بخلاف ذلك. ولذا جاء النقاش في هذا المحدِّد من أطولِ المحدِّدات, إن لم يكُن أطوَلَها.

وقد ينظر إلى هذه المحدِّدات على أنها مؤثِّرات, أكثر من كونها محدِّدات, إلا أنَّ الأولى جعلها محدِّدات، على اعتبار أنها تحدد العلاقة, أكثر من كونها تؤثر بها, لاسيما أنها صاحبت ظهور الإسلام, واستمرت معه حتى يومنا هذا, فهي في واقعها تغطي الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر وربما المستقبل.

وقد عمِد الطرح هنا إلى الموضوعية في النقاش, والهدوء في العرض, دون اللجوء إلى أسلوب عاطفي, هجوميٍّ أو دفاعيٍّ, قد يصل أحيانًا إلى تعمية الحقيقة. إلا أن الباحث في الشأن العلاقي بين الشرق والغرب, مهما حرص على أن يبدو موضوعيًا, فإن الانتماء الثقافي, وربما الجهوي, والهوية والدين, قد تطلُّ برأسها في سياق الطرح والنقاش, ولذا فإن المهم هنا ليس الحياد العلمي, بالمعنى الصارم للمفهوم, وإنما الشفافية في الطروحات, حتى لا يختلطَ الذاتي بالموضوعي, فتختلط الأوراق.

وقد جاءت هذه الوقفات في قسمين رئيسيين؛ كان القسم الأول معنيًا بالمقدِّمات, التي سُمِّيت المنطلقات. وكان القسم الثاني معنيًا بالمحدِّدات, التي عبَّرتْ عن وجهات نظرٍ, مستقاة من الرغبة في إبراز الانتماء الثقافي الواضح فيها. ولذا فقد كثُر فيها الاستشهادُ بالآيات الكريمة, والأحاديث الشريفة, ما وُجدتْ لذلك مناسبة, دون تعمُّد المبالغة في ذلك.

ولا بد من كلمة شكر وتقدير, لكل من أسهموا معي في إخراج هذا الكتاب, منذ أن كانت أفكارًا مشتتةً, في بطون الصحف. وأخص بالشكر رؤساء تحرير الصحف, التي احتضنت هذا الطرح, كما أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لأخي العزيز الأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الحمد المزيني, أستاذ الحضارة الإسلامية, بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الذي تفضَّل بقراءة هذا الكتاب, ووضع بعض اللمسات عليه, في الموضوع والشكل. وكذلك أخي العزيز الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين, المستشار لوزير الشؤون الاجتماعية, الذي تفضَّل كذلك بقراءة  هذا الكتاب, وسجَّل عليه ملحوظاته, التي أثرته, وكان لها أثر في الصياغة النهائية. وللصديق العزيز الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الهزاع فضلٌ في المتابعة والإسهام في تصميم الغلاف الخارجي للكتاب.

 

علي بن إبراهيم الحمد النملة

الرياض شعبان 1425هـ/أكتوبر 2004م

 

القِسْمُ الأَوَّلُ:

المُنْطَلَقَاتُ

المنطلق الأول: الاهتمام

يزداد الاهتمام اليوم بالإسلام والمسلمين من قِبَل أولئك الذين لا يدينون بالإسلام, وليسوا من المسلمين. وليس هذا الاهتمام جديدًا على الإسلام والمسلمين، فقد اهتم به الآخرون منذ بعثة محمد e, فالإسلام يأتي بديلاً لجميع الأنظمة القائمة التي تريد أن تهييء للإنسان حياة طيبة، ولكنها, في نظر المسلمين, تقصُر دون ذلك؛ لأنها لا تملك القدرة على وضع النظام المتكامل, الذي يهيئ للإنسان حياةً طيبةً في الدنيا والآخرة.

وزيادة الاهتمام بالإسلام والمسلمين اليوم ناتجة عن سببين رئيسيين في نظري؛ أولهما هذه العودة الصادقة, ويسميها بعض المتابعين بالصحوة, إلى الإسلام في المجتمعات المسلمة, والجاليات المسلمة المغترِبة في المجتمعات غير المسلمة.

والمسلمون اليوم، وبفضل الله تعالى, موجودون في جميع المجتمعات، وكانوا موجودين من قبل، ولكنهم لم يكونوا يعلنون عن إسلامهم، بل إن منهم من نسي الإسلام في تلك المجتمعات غير المسلمة, فوصل بهم الأمر إلى الانسلاخ من الهوية الإسلامية.

وحيث وجد الفراغ الروحي لديهم بحثوا عن جوانب التعلُّق بالله تعالى, من خلال العقائد الموجودة في المجتمعات التي يعيشون فيها.

هذا مع عدم إغفال ما ترتب على هذه العودة من تطورات في فهم الإسلام, خرجت به في حالات عن الفهم الصحيح, مما ترتب عليه نشوء حالات من الغلو (التطرف) برزت آثارها محليًا وعالميًا.

والسبب الثاني الرئيسي لزيادة الاهتمام بالإسلام أنه مع العودة إلى الإسلام من المسلمين بدأ انحسار العقائد الأخرى لدى الغير,([1]) التي كانت تشغل الساحة العالمية كالشيوعية مثلاً، فعندما انقشعت الشيوعية عاد معتنقوها إلى خلفياتهم السابقة, قبل سبعين سنة مضت، فالنصارى بدأوا يتلمَّسون نصرانيتهم من جديد، والمسلمون وجدوا في العودة إلى الإسلام بديلاً للتوجه الشيوعي أو الاشتراكي, الذي فُرض على معظمهم بالقوة, حتى وصل بعضهم إلى الاقتناع به خيارًا وحيدًا للحياة.([2])

ومع هذا التفرغ لوحظ أن الذي يمكن أن يملأ هذا الفراغ هو الإسلام، ولذا كان لا بد من زيادة الاهتمام بالإسلام والمسلمين، ليس بالضرورة رغبة في التعرف عليه لتبنِّيه, ولكن الذي يبدو هو محاولات تجنُّبه والحد من انتشاره وعدم حلوله بديلاً للأنظمة المنتعشة والقائمة الآن.

ومن المؤسف أن الإسلام في المجتمعات غير المسلمة يقدِّم علميًا وثقافيًا من خلال مجموعة من مراكز الدراسات الإسلامية أو العربية، وبعض هذه المراكز تقوم على خلفية معادية للإسلام، فهي تصوِّر الإسلام بالصورة التي صوَّرها فيها طلائع أرباب هذه المراكز قبل أكثر من ثمان مئة سنة مضت,([3]) لاسيما مع انتهاء الحروب الصليبية, وعودة الصليبيين إلى ديارهم.

ولا يُعتقدُ أن المراكز الإسلامية التي يديرها مسلمون قد وفِّقت, إلى الآن, في تقديم الإسلام بصورته الواضحة لغير المسلمين على المستوى الذي تقدمه لهم مراكز الدراسات الإسلامية الاستشراقية لأسباب متعددة، من أهمها قلة العلماء في المراكز الإسلامية وقلة الإمكانات من الأموال والكتب وبالتالي المعلومات, التي تقدم الإسلام بصورته الواضحة.

ومع أن المراكز الإسلامية, التي أقامتها الجاليات المسلمة المغتربة, ذات طابع دعوي, فإنها تقتصر في أغلب الأحيان على دعوة المسلمين أنفسهم، وإن كانت, أحيانًا, تمدُّ خدماتها لدعوة غير المسلمين.

ويحاول الدعاة والعلماء, الآن, في المجتمعات المسلمة على نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام إلى المجتمعات غير المسلمة، كما أنهم يحاولون, كذلك, توضيحَ الإسلام الصحيح للمسلمين العائدين إلى الإسلام, مثل حرصهم على تقديمه لغير المسلمين.

وليست هذه الوقفات بصدد طرح أوليات العمل الإسلامي في الخارج, بقدر ما أريد التوكيد علىأن هذا الاهتمام المتزايد بالإسلام والمسلمين اليوم يفرض على المسلمين نمطًا مختلفًا من التعامل مع الغير في الجوانب العلمية والدَّعوية, يستوجب الحرص المتواصل, من قِبل المعنيين بشأن العلاقات بين الشرق والغرب, أو العالم الإسلامي والغير, على العمل على تقديم الإسلام بصورته الصحيحة, بدلاً من أن يُتركَ المجال لتلك الفئات التي أخطأت في فهم الإسلام, ونقلت هذا الخطأ في الفهم إلى الغير, فتراكمت الأخطاء, وخسر الجميع.



 

 

المنطلق الثاني: الحَقَائِق

هناك عدة حقائــق تحكم العلاقة بين المسلمين والغرب، وليس كما يقال عادة بين الإسلام والغرب. ولابد من وضع هذه الحقائــق في الحسبان عند اعتبار هذه العلاقـــة. ومن هذه الحقائق تلك التي ذكرها المؤلف هادي المدِّرسي، في كتابه: لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب.([4]) ومجمل هذه الحقائق يتلخص في الآتي:

1 - الحقيقة الأولى: أن ذاكرة المسلمين تحتفظ بصور سلبية حول تعامل الغير معهم، ذلك أن العالم الإسلامي قد تعرَّض، ولا يزال يتعرَّض، لهجمات غير مسوَّغةٍ, من قبل أرباب الديانات الأخرى وأتباعهــــا.

2 - الحقيقة الثانية: أن معظم أقطار العالم الإسلامي قد تعرَّضت للاحتلال "الاستعمار" العسكري المباشر، وجثمت على المجتمع المسلم ردحًا من الزمان، تخطى في بعض الجهات مئات السنين، وترك آثارًا, لا تزال المجتمعات المسلمة تعاني منها.

3 - الحقيقة الثالثة: أن هناك تمييزًا ضد المسلمين, قائمًا على سوء فهم العالم الإسلامي, مبنيًا على استقاء المعلومات من علماء غربيين مستشرقين, لم يكونوا في مجملهم منصفين للمسلمين، ولقد ذكر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون  عن المسلمين أنه: "ليس هنالك من شعب له صورة سلبية عند الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي".([5]) فيكبرَّ ما يتعرض له الغربيون من بعض المسلمين, ويُصغَّر ما يتعرض له المسلمون من بعض الغربيين.

4 - الحقيقة الرابعة: أن هناك خلطًا بين المسلمين وبعض الحكومات التي لا تمثِّلُ بالضرورة المسلمين فيها. وحتَّى تتأكَّد الصورة أكثر وضوحًا, فإن هذا ينطبق على الحكومات الشيوعية التي فُرضت على شعوبٍ مسلمةٍ, ومثل هذا يقال عن أولئك الذين سعوا إلى تبنِّي الشيوعية, أو العلمانية, بديلاً عن الإسلام.

أفرزت هذه الحقائق الأربع تنميطَ العالم الإسلامي إلى أنه عالم يتعطش للحروب، وبالتالي يدعو الإسلامٌ أتباعه إلى العنف والإرهاب, بالمفهوم الغربي للإرهاب, القائم على الترويع وأخذ الأبرياء بأخطاء المذنبين.

كما أفرزت هذه الحقائق اعتبار المسلمين قوة جيوسياسية موحَّدة متزايدة من حيث السكَّانُ والثرواتُ، إذ يؤلف المسلمون الأكثرية في ستين (60) دولة, ويتجاوز نمو المسلمين 15% من حيث تحوُّل الناس إليه (الهداية)، ومن حيث التكاثر، ويحتضن العالم الإسلامي 66% من نفط العالم، و37% من الغاز,([6]) ونسبًا عالية من الثروات الطبيعية الأخرى, كالفوسفات مثلاً.

وبالتالي ظهرت الدعوة إلى تجزئة العالم الإسلامي, وتفتيته, ومنعه من الوحدة، بل وإثارة المشكلات, لتُضْرَب دولُ العالم الإسلامي بعضها ببعضها، فيُدعَم الطرفان, بطرق مباشرة أو غير مباشرة, كما حدث بين العراق وإيران, ثم بين العراق والكويت.

ومن الدعم غير المباشر, كذلك, زيادة حدة التوترات في العالم الإسلامي في المجال الثقافي والفكري، ثم تأييد حركة الحداثة لمواجهة الحركات الإسلامية,([7]) التي تسمى بالأصولية، وضرب هؤلاء بأولئك.([8]) وكذلك تأييد الحركات الانفصالية, للأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي, كما هو حاصلٌ في جنوب السودان, وشرق تيمور في إندونيسيا. وربما قيل إن هذه الحقائق الأربع لم تنطلق من واقعية في التطبيق, وبالتالي فإنها غير صحيحة. ويذكر هادي المدّرسي أن عدم واقعيتها, وعدم صحتها نابع من عدة وجهات:

أولها: أنها تستند إلى مبدأ استعماري قديم هو: فَرِّق تَسُد.

وثانيها: أن الإسلام يقف بأتباعه وجهًا واحدًا لأي عدو خارجي, مهما كانت المحاولات لتمزيقه إلى طوائف وقوميات وأعراق.

وثالثها: أن هناك انبعاثًا جديدًا في العالم الإسلامي, سمي بالصحوة، وهناك من يتحفظ على هذه التسمية، والإسلام ليس دينًا منفصلاً عن الحياة, كما هو الحال في الأديان الأخرى، وأن الإسلام نفسَه بالمسلمين هو الذي يأتي في "مقدمة الأسباب المحورية التي أدت إلى انهيار الشيوعية في العالم الشيوعي نفسه".

 



 

 

المنطلق الثالث: المسلمات

تنطلق هذه المسلَّمات الآتية من خلال عدد من النقاط, التي يمكن أن ينظر إليها على أنها كذلك, أو على أقل تقدير, ينبغي أن ينظر إليها على أنها الأرضية, التي تمهِّد لهذه المسلَّمات, على ألا ينظر إليها على أنها موجِّهات, بقدر ما هي تحديد للهويَّة, التي تنطلق منها. ويمكن النظر إلى هذه المسلمات من خلال الآتي:

أولاً: أن الحديث عن الإسلام وعلاقته بالثقافات الأخرى, السابقة والقائمة واللاحقة, حديث طويل ومتفرع, ويخضع للرأي في كثير من الأحوال, إلا أن ضابطه دائما, ومن وجهة نظرنا نحن المسلمين, مبدأُ الولاء والبراء([9]) من جهة, والتعامل المطلوب والتفاعل المتوقع من جهة ثانية.

ثانيًا: لم تعد كلمة الغرب توحي بالجهة المقابلة للشرق, ولكنها أضحت مدلولا اصطلاحيا, يعني ثقافةً وفكرًا, بغض النظر عن الجهة, وأمسى هذا الفكر الغربي والثقافة الغربية تعني المناقضة للإسلام, مما يدعو إلى اتخاذ موقف من هذه الثقافة والفكر.

ثالثًا: أن الموقف المُتَّخذ تجاه الغرب قد يكون على أنواع ثلاثة:

فالنوع الأول: هو الذي يلفظ الغرب, بكل ما توحيه الكلمة من فكر وثقافة مستعلية, بل وأعراق تزعم الفوقيَّة.

والنوع الثاني: هو ذلك الموقف الذي يتقرَّب إلى الغرب, ويحاول تطويع الإسلام له, لا تطويعَه للإسلام, ويعتذر للغرب, إذا كان في الإسلام ما لا يتفق مع الثقافة الغربية والفكر الغربي.

والنوع الثالث: هو ذلك الموقف الذي يرى أن الغرب ساحة مفتوحة, متعطشة إلى الاستقرار الروحي والذهني والاجتماعي, وأن الفرصة مواتية لتقديم هذا الاستقرار بأنواعه من خلال الإسلام.

رابعًا: أن الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه القوة القادمة, أو العدو القادم, وهو على ما يبدو يخشى هذه القوة القادمة, لما يعتقد من أنها ستؤثر مباشرة على معطيات الحضارة الغربية, وستعيد الشعوب والحضارات, إلى الوراء, وما يتبع ذلك من خسران للتجربة الديمقراطية الغربية, في المنزل والمكتب والمدينة والمقاطعة والولاية والدولة.

خامسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق, الإسلام هنا, يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدَّد, قامت على تشويه الإسلام, ناتج عن موقف المسلمين في الحروب الصليبية, وعدم سماحهم للحملات بالنجاح على حساب المسلمين.

سادسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق, المسلمين هنا, يقوم أيضا على فكرة التنصير, وأن الشرق ينبغي أن يكون غربًا في المفهوم الديني كذلك, وأنه في سبيل إنقاذ الشرق من أي شر لابد أن يتحول الشرق إلى عالم نصراني.

سابعًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق, البلاد الإسلامية هنا, يقوم كذلك على خلفية استعمارية, كانت في يوم من الأيام هي المسيطرة على الشرق, حينما كان الشرق نائمًا, لا يملك قدرات بشرية, تفكِّر وتقود وتعمل.

ثامنًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق, البلاد الأخرى هنا, يقوم أيضا على نظرة عرقيِّة, مفادها تفوُّق الأعراق الأوروبية, من آرية وغيرها, على الأعراق الأخرى, بل والأجناس الأخرى, كالساميَّة, فيما يتعلق بالعرب من المسلمين, وهذه النظرة وما قبلها أملت على الغرب الشعور بالفوقية والسمو على الأجناس الأخرى.

تاسعًا:أن الشرق الآن, والعالم الإسلامي منه بخاصة, يعيش حالةً من النهوض نسميها بالصحوة, أو نسميها بالعودة إلى الدين, مما يجعل نوع العلاقة مع الغرب يأخذ شكلا آخر, هو أقرب إلى الأشكال التي قامت عليها العلاقة, قبل الحملات الصليبية التسع, وأثناءها, وبعدها قليلا.

عاشرًا: أننا لا نزال, حقيقة, في حوار ذاتي حول العلاقة مع الغرب, من منطلق الأنواع الثلاثة التي ذُكرت من قبلُ في ثالثًا, ويعتمد الأمر عندنا على فهم الشرق, وفهم الغرب في آن واحد, مما يوحى بالتخصصية هنا.

من هذه النقاط العشر السابقة ينطلق النقاش حول المُحَدِّدات, في معالجة العلاقة بين الشرق والغرب, من وجهة نظر فردية, سوف تسعى إلى أن تقف عند كل فقرة من الفقرات, أو النقاط, أو المُحَدِّدات, وتناقشها مناقشة تعبِّر عن ذاتية المناقِش, مما يجعلها نفسَها قابلة للنقاش, ومن باب أولى قابلة للأخذ والردِّ.



 

 

المنطلق الرابع: التسويغ

يصعب على المرء أن يمر في هذا الظرف المؤلم, المتمثِّل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وتداعياتها,  دون أن تظهر علامات الاستنكار, المكتوبة, أو المذاعة حوله. والذين يقرأون بعض الكتابات الغربية في الصحافة الغربية يقرأون عجبًا من القول, إذ جُنِّدت أقلامٌ للتعليق على الحدث/النتيجة, الذي تضررت منه الحضارة اليوم, وأعادت التفكير في هذا التقدم المادي الذي بدت عليه الهشاشة، لاسيما أنه تقدمٌ قام على حساب الُمثُل والمعطيات الروحية للأمم.

ولقد قيل كثيرًا من قبل إن هذه الحضارة التي نعيشها اليوم إنما تؤكد على البعد المادي للحياة، وكانت هناك دعوات, ولا تزال, إلى الالتفات إلى البعد الروحي للحياة مع هذا الالتفات للبعد المادي.

ومن الصعب على المرء  أن يقف موقفًا ذاتيًا, غيرَ موضوعي, حول هذا الظرف المؤلم الذي يمرُّ به العالم الإسلامي خاصة، ويمر به العالم عامة، فمهما قيل على المستوى الرسمي، إلا أن الطرح الإعلامي, والسلوكيات الشعبية في أوروبا وأمريكا, ثم في أستراليا وما جاورها, حمَّلت الإسلامَ مسؤوليةَ ما حدث، وهذا يذكّر بالدعوة الملحِّة إلى أن تصرفات المسلم, أيًّا كان هذا المسلم, ليست دائمًا هي حجة على الإسلام، بل إن الإسلام نفسَه هو الحجةُ على تصرفات المسلمين وسلوكياتهم.

ومع بساطة هذا الطرح إلا أنه لم يؤخذ في الحسبان عند النظر والتحليل إلى الأحداث التخريبية, التي يُزعم أنها قامت بسبب من أفراد ينتمون للإسلام. يقول عبدالوهاب المؤدب: "ليس الإسلامُ أصلَ الداء الذي أقصد تناولَه, فأولئك الذين اعتنقوا الإسلام عملوا على إبدال حتى بنية الحضارة, فليس الإسلامُ بالتالي هو أصلَ المصيبة, بل المصيبة هي ما فعله المسلمون أنفسُهم بالإسلام".([10])

وتعلو المرء الدهشة من أخوة غير متخصصين في علوم الشرع, ينبرون على المنابر وفي وسائل الإعلام, بجرأة غير مسبوقة في طرح آرائهم واعتقاداتهم, حول موقف من المواقف، أو حادثة من الحوادث، ويجعلون من هذه الآراء أحكامًا شرعية صريحة قاطعة، في الوقت الذي لا نجد فيه لهم حظًا من العلم الشرعي، وإن كانوا نوابغَ في تخصصات علمية أخرى.

ومرة أخرى لا يراد من هذا الحجْر على الآراء والأفكار، لأنه قد يفهم ذلك من هذا الطرح.

          ولقد سمعت أستاذاَ في الفلسفة في جامعة عربية، ومن خلال قناة فضائية ينفي تمامًا استمرارية الجهاد، وأنه شعيرةٌ انتهت بانتهاء انتشار الإسلام، ولم يعد هناك جهادٌ إلا ما يتداول من بقاء الجهاد الأكبر, جهاد النفس.

أما الجهاد بمفهوم القتال ونشر الدين والدفاع عن الأرض والمقدسات من منطلقات شرعية واضحة فهو عند هذا الأستاذ قد انتهى.

وفي مثل هذه الأقوال فتِّش عن المستشرقين, وأثرهم على المفكرين المسلمين. فهم الذين روَّجوا لتعطيل الجهاد بمفهوم القتال؛ لأنه كان, ولا يزال, الوسيلةَ التي يخشاها المستعمرون, الذين احتلوا بلادًا كثيرة, من بينها معظم بلاد المسلمين، فظهرت الأقوال, التي بُنيت عليها فرق, داخل المسلمين, تدعو إلى تعطيل الجهاد. والدخول في هذا الموضوع يستدعي سياحة فكرية تطول، ولعل الفرصة تتاح لمواصلة طرح هذا الموضوع بقدرٍ عالٍٍ من الموضوعية المنشودة.



 

 

المنطلق الخامس: الجِغرافيا

انطلق الحديث عن البُعد الجغرافي في القرن التاسع عشر, عندما كتب نورمان دانييل كتابًا أعطاه هذا العنوان: الإسلام والغرب. ([11])

ولقد كُتَب الكثير عن الشرق والغرب, من كتب ومقالات ومحاضرات، ولا يزال الموضــــوع يزداد حيويــــةً, بزيادة الحوار بين الشرق والغرب، أو بين المسلمين والغرب على وجه التحديد، مهما أخذ الحوار من أشكال، كان من آخرها ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية (نيو يورك وواشنطون), في الثلــث الأخير من السنـــة الميلادية 2001م, (11/9/2001م)، الموافق 23/6/1422هـ.

وسعيًا إلى استبعاد البعد الجغرافي في هذا النقاش, نجد أنه يعيش الآن في الغرب ما يزيد على سبعة وخمسين مليون وست مئة وخمسين ألف (57.650.000) مسلم ومسلمة، لهم منشآتهم التي يؤدون فيها عباداتهم, وأوجه نشاطهم, ومنها آلاف المساجد, التي تقدَّر بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأكثر من ستة آلاف (6000) مسجد،([12]) وفي فرنســــا حوالي ثلاثــة آلاف وخمس مئة (3.500) مسجد، منها مئة وعشرة (110) مساجد في باريس الكبرى، هذا عدا عن المدارس الرسمية والخاصة، والمقابر والمجازر والمحلات التجارية والنوادي, والمكتبات.

واعترفت بعض الدول الغربية بالدين الإسلامي، وكونِه في دول أخرى يكوِّن الدين الثاني في الدولة، كما في بلجيكا, ودخل المسلمون المعترك السياسي, في الحكومات المحلية والمجالس البلدية، كما في فرنسا, مما يوحي ذلك كله أن هناك تأثيرًا للمسلمين في الغرب يفوق حادثة عارضة، مهما كانت آثارها السلبية التي خلَّفتها، وكانت قد حُسِبت على المسلمين بعامتهم. وهذا يدل على مزيد من التنامي للإسلام في الغرب.

وفي ضوء هذا التنامي المستمر للإسلام, بفعل التأثير الطيب, والممارسة الجادة للإسلام من قبل أهله, وترسيخ مفهوم القدوة, ينتشر الإسلام في الغرب, كما انتشر من قبل في الشرق, وفي جنوب العالم القديم.

ومما يُطرح الآن في الإعلام أن حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م,  قد كان لها أثرها السلبي على انتشار الإسلام في الغرب، وهذا هو التوجه السائد عند طرح هذا الموضوع، والتوجه غير السائد هو أن الحادثة مهما كانت قوَّتها، ومهما كان وقعها, إلا أنه لا ينتظر لها أن تؤثر سلبًا.

ومما ذُكِرَ في هذا المجال ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس، وكان يعمل عملاً علميًا في الولايات المتحدة الأمريكية، في خطبة له في المركز الإسلامي بواشنطن العاصمة، إذ خطب في أحد أيام الجمعة خطبة, مؤداها ومنطلقها قوله تبارك وتعالى, في حديث الإفك, في سورة النور: {... لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }[الآية 11 من سورة النور].

وليس هذا تقليلاً من آثار ما حدث، ولكنه حدث على أي الأحوال، ولا تزال ظروفه التي حدث بها موضع جدل وحوار.([13])

ويظهر أن هذا الجدل والحوار سيدوم طويلاً، سينتج عنه تعضيدٍ لحركة الاستشراق, التي مرَّ عليها حين من الدهر كانت فيه راكدة، فجاءت الأحداث لتعيد لهذه الظاهرة شيئًا من حيويتها وبريقها, الذي كانت عليه, بما في ذلك تركيزُها على الظاهرات الاجتماعية, واتخاذ الأنثروبولوجيا مرتعًا خصبًا لها,([14]) بدلاً من الاهتمام بشؤون الإسلام الأخرى, التي سبق تغطيتها من قبل المستشرقين الأوائل, الذين لم يكونوا جميعًا بالضرورة إيجابيّين مع القضايا الإسلامية،([15]) وستثري المكتبة العالمية، ومنها العربية والإسلامية، بالمزيد من الكتب, التي ستتحدث عن الإسلام والمسلمين، وبيان الموقف الإسلامي من الأحداث القائمة التي تلت حادث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الكبير.

وسيكون هناك طرح من المدرسة اليهودية/الصهيونية في الاستشراق, في محاولة لبيان أنَّ هذا هو الإسلام، وستكون هناك ردود فعل من المتلقين, من غير اليهود, الذين سبروا اليهودية/الصهيونية، وقد تعرفوا على موقفهم من العرب والمسلمين.

القسم الثاني:

المُحَدِّدات



 

 

المُحَدِّد الأوَّل: الجِهويَّة (1)

في القسم الأوَّل من هذا الكتاب جرى التوكيد على إغفـــال الجغرافيـــا, أو الجهة, عند مناقشة مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب، ذلك أن نعت الطرفين بصورة قابلة للمقارنة يؤيد هذا الإغفال، وهما طرفان, في ظاهرهما, غير متقابلين, فالغرب جهة، والشرق, في هذا الاستخدام الاصطلاحي, يمثِّل دينًا لا يعترف بالجهات, من حيث التأثير. ولعل من أسباب التوكيد على الإسلام في مقابل الغرب الإيعاز الفعلي بأن الغرب فكرٌ وثقافة، وبالتــالي الابتعاد عن المقابل الجغرافي، وهو الشرق. والحديث لا ينصبُّ على الغـــرب في مقابل الشرق، بل على الإسلام الدين, في مقابل الغرب الفكر والثقافة والتوَجَّه.

والابتعاد عن الشرق, الجهة والثقافة والفكر, مقصود أيضًا بالتوكيد على الإسلام، لأن مدار الحديث هو المقابلة بين الإسلام, لكونه اليوم متركزًا أكثر في الشرق, بالنسبة للغرب، ولكون الشرق أيضًا مليء بالثقافات والملل والنحل الأخرى, غير الإسلام.

ويؤيد هذا التوزيع زعم بعض مفكري الغرب، وهو الشاعر روديارد كيبلنج بمقولته المشهورة أن الشرق شرق والغرب غرب، وهو يعني بهذا أنهما لا يمكن أن يلتقيا، فسيظل الشرق شرقًا, بمعطياته الفكريَّة والثقافيَّة والحضاريَّة، وسيظل الغرب غربًا, بمعطياته الفكريَّة والثقافيَّة والحضاريَّة. ([16])

وهذا الادعاء يزعم أن الشرق قد أدى دوره ي الحياة، ثم تنازل للغرب, الذي يقود اليوم مسيرة الحضارة. وبقي الشرق على ما هو عليه، ماضيًا وتاريخًا، مجالاً للدراسة والسياحة, والهروب من الغرب في رحلات استجمام, وتعرُّفٍ على التراث واطلاعٍ على الآثار، ثم يعود الغرب ليواصلَ البناء, بعد أن قضى مدة من الراحة.

ثم ينهل الشرق من الغرب, عندما يهاجر الشرقيون, هجراتٍ دائمةً, أو مؤقتة, إلى الغرب فينصهرون فيه، ويتمثَّلون معطياته, متنازلين عن ماضيهم وعراقتهم, إلا في مجالات العروض في مناسبات شعبية, يكون فيها لباسٌ شعبي, أو أكلات شعبية, أو رقصات شعبية, وغناء شعبي، وكأنَّ الشرقَ لم يكن يجيد سوى هذه المظاهر, التي لا تعبِّر عنه، وإن كانت قد أضحت جزءًا من تراثه. وهــــذا التوَجُّه هو جزء من حملة التغريب([17]) التي هي مُحَدِّد آتٍ من هذه المُحَدِّدات.([18])

ثم يأتي التوكيد على عدم الخوض في الشرق في مقابل الغرب، ذلك أن الحديث عن الشرق/الإسلام والغرب أثبت النزوع إلى المقارنة دون النظر إلى الجهة، فالإسلام اليوم قد سرى في الغرب، وأمسى هناك مسلمون كثيرون في عددهم، مهمُّون في تأثيرهم، فانتشرت المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس والمؤسسات الأخرى التجارية والثقافية.

ولا تزال المساجد تقام على شكل قوي, مدعوم من بعض الدول الإسلامية في عواصم الغرب، ولا يزال المغتربون المسلمون في الغرب يحرصون على إقامة مؤسساتها الدينية والعلمية، بدعم من المسلمين في الشرق، ودون دعم منه كذلك, في حالات لا يستهان بها.

ثم قامت المؤسسات السياسية للجاليات المسلمة المغتربة, وخاضت غمار التأثير السياسي, من خلال قيام مفهوم الدهلزة([19]) العربية والإسلامية، وأضحى هناك نوَّابٌ مسلمون, وعُمَدٌ مسلمون للمدن الصغيرة والكبيرة، وافتتحت بعض البرلمانات دوراتها بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وحصلت حالات اعتذار من جهاتٌ تجارية أو ثقافية عند حدوث إهانة ضدَّ الإسلام والمسلمين, في دعاية أو إعلان أو منتج ثقافي، وذلك بفضل تأثير الدهلزة العربية الإسلامية.

ولم تلاقِ هذه الأساليب ترحيبًا من بعض المسلمين أنفسهم, في البدء لأسباب مختلفة. وعندما ظهر تأثيرها الإيجابي, بدأ الاعتراف بها على استحياء. وهي على أي حال تسير, الآن, سيرًا حسنًا، تؤيدها وتدعمها في تلك الجهود البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في البلاد الغربية, التي لا يخفى تأثيرها, كلَّما وفِّقت إلى رجال واعين مدركين, يتمتعون بمصداقيةٍ وبثقةٍ عاليةٍ بمبادئهم ومثلهم وسلوكيَّاتهم.

والحق أن البعثات الدبلوماسية قد سبقت مفهوم الدهلزة المنظمة، باتباع هذا الأسلوب من قبل، فكأنها هي التي مهدت الطريق إلى القبول، ولا يُلتفتُ إلى تلك الممارسات غير المسؤولة من بعض رجال البعثات, الذين أرادوا التنصُّل من هويتهم, والالتصاق بالغرب, أولئك التغريبيون الذين لم ينالوا الاحترام والتقدير من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية في الغرب، لأنهم أخلُّوا بمهماتهم, التي جاءوا من أجلها.

ودخول المسلمين في الوسط الغربي إنما هو امتداد لانتشار الإسلام في العالم. وإبراز المسلمين الإسلامَ إبرازًا موضوعيًا إنما هو شكل من أشكال الدعوة, يسهم في التقليص من المُحَدِّدات السلبية في العلاقة بين الشرق والغرب، ويبرز الإسلام للغرب بالصورة التي لم يعتدْ الغرب عليها، مما كان سببًا في نفوره من الإسلام, الذي صوره له الآخرون بصور بشعة غير حضارية متخلِّفة, إلى آخر هذه الأوصاف, التي لا يراها الغربيون في المسلمين المقيمين بينهم.

وقد أثبت الإسلام في الزمان الماضي, وفي الوقت الحاضر, بطلان نظرية الشاعر روديارد كيبلنج في أن الشرق شرق والغرب غرب، فأمكن للمسلمين أن يعيشوا في الغرب, ويتعايشوا مع أهله, مع احتفاظهم الكامل بهويتهم, وتأثيرهم إيجابًا على أهل الغرب، الأمر الذي فرض احترام الغربيين للمسلمين, ومراعاة مشاعرهم في المناســـبات الدينـــية, كالصلاة والصيــــام والعيديـــن والزواج ونحوهـــا.

وهــــذا يثبـــت, موضوعيًا, أن الغرب ليس كلُّه متحاملاً على الإسلام والمسلمين، وأن الخير باقٍ في الناس, حتى لو قام بينهم اختلاف في المنطلقات، هذا مع عدم إغفال النصوص الشرعية الصريحة "المحكمة", التي تؤكد على عدم الاتفاق مع الخلفية الثقافية الغربية, القائمة على مرتكزات نصرانية ويهودية من مثل قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الآية 120من سورة البقرة], وقوله تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ...}[الآية 82 من سورة المائدة]. 

ولا تأتي هذه الحروف لتتناسى هذه الآيات ومدلولاتها, في سبيل التقريب بين الشرق والغرب، بل إنها تُحذِّر من ذلك, حتى لو كان الزمانُ زمانَ معايشةٍ وتطبيع وحوار، إلا أن هذا كله لا يأتي على حساب ما نؤمن به, ونعتقده جازمين, من استمرار هذه المواقف المبدئية من اليهود والنصارى, على تبايُنٍ في درجات الاختلاف.

ومن هنا، ومن واقع هذا التأثير الإيجابي داخل الغرب نفسه, ندرك حكمة من حكم الله تعالى, في إغفال الجهوية لهذا الدين، وبالتالي تستمر مسؤولية المسلمين في كل مكان من هذا الكون في نشر الإسلام, بالوسائل المناسبة والمقبولة والمؤثرة، وقبل ذلك تمَثُّل المسلمين إسلامَهم في أنفسهم وفي مجتمعهم، وذلك ليبدأوا بالوسيلة, التي اثبتت جدارتها وجدواها, عندما يكونون قدوةً للآخرين في سلوكياتهم وتعاملهم مع بعضهم ومع غيرهم.



 

 

المُحَدِّد الأوَّل: الجهوية (2)

جرت الإشارة فـي الوقفة السابقة من هذا المُحَدِّد إلى أن الغرب لم يَعُدْ تلك الجهة الجغرافية, التي تقع شمال البحر الأبيض المتوسط وغربه الشمالي، أي أن الغرب اليوم مفهوم ليس محصورًا على أوروبا وأمريكا، بل الغرب يعني أفكارًا وثقافاتٍ وأنماطَ حياة, إذا ما ذُكرت بمصاحبة كلمة الإسلام أُريد بها ما يناقض الإسلام ويتعارض معه، بل ربما يراد بها أكثر من ذلك, إذا ما نظرنا للتحديات التي يواجهها المسلمون من مفهوم الغرب.

ومن المهم فهمُ الغرب بهذا المفهوم, لمصلحةٍ تكمن في عدم الرغبة في حصر الإسلام بالشرق, في مقابل كلمة الغرب، والإسلام اليوم في كل مكان، بما في ذلك الغرب الجغرافي، بل إنه هناك في نمو مطّرد, يشهد عليه الإقبال المتزايد من الغربيين ذكورًا وإناثًا, بمختلف خلفياتهم العرقية والعنصرية. ولم يكن الإسلام يومًا محصورًا بالمكان، ولن يكون كذلك.

وعليه فإن الحديث عن الغرب قد يُقصد من ورائه الحديث عن أولئك الذين يتبنَّون الفكرة الغربية في النظر إلى الإسلام، وإن كان الناظرون إليه في أقصى الشرق، بل إن كان الناظرون إليه في الوسط, حيث يتركز المسلمون العرب في الجزء الغربي من قارة آسيا, والجزء الشمالي من قارة أفريقيا, دون التحديد الدقيق لهذه الأجزاء.

ومن ناحية أخرى لا يعني الغرب, جغرافيًا, مناهضة الإسلام، فليس كل الغربييِّـن يضمـرون العداء للإسلام والمسلمين، بل إن فيهم المتعطِّشين إلى الحق, متى ما وُفّق أهله إلى تقديمه, تقديمًا صحيحًا سليمًا, من حيث المضمونُ وأسلوبُ التقديم، ولذا فلا أصل لنظرة البعض في رفض كل ما هو غربي, وافتراض أنه يضمر للإسلام والمسلمين العداء.

وهذه النظرة لا تمنع من أن يكون المرء كيّسًا فطنًا بعيدًا عن السذاجة, بحيث يميز من خلال الممارسات, والأفعال, دون الدخول في النيَّات، ودون طرح الانطباعة المسـبَّقة القائمة على النمطية في النظرة إلى الغرب.

وإذا كان الغرب قد نظر إلى الإسلام والمسلمين بنمطية مؤداها سلبي، فليس من الحكمة ولا من الدعوة أن ينظر المسلمون إلى الغرب هذه النظرة, القائمة على رد الفعل, {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِِزْرَ أُخْرَى}[من الآية 18 من سورة فاطر].

وليس الهدفُ المجابهة والتصدِّي, بقدر ما يكون الهدف المواجهة والعمل على إقناع الغير بعصمة ما نملك, رغبةً في إقباله عليه لا رغبةً, بالضرورة, في التغلّب عليه، ولذا فإن النظرة إلى الغرب ينبغي أن تؤكد على أنه أرض خصبة للدعوة, على أنه بحاجة إليها من ناحية.

  وينبغي التوكيد على أن هناك من يتزعّم السعيَ إلى تقليص رقعة الإسلام، ومن ثم تقليص عدد المسلمين, بالوسائل المباشرة أو بالوسائط المبطَّنة, باسم التنمية, والحفاظ على سلامة الجنس البشري، وما إلى ذلك من الشعارات, التي قد يبدو من ظاهرها الرحمة، وكأن الإنسان أرحمُ من الله تعالى بعباده، وكأنهم هم الذين يقسِمون رحمة الله تعالى على البشر. {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الآية 32 من سورة الزخرف].

وأولئك هم النخبة الدينية, أو السياسية, أو الثقافية, أو الرأسمالية, أو الاستعمارية, التي لا تحب أن ترى الإسلام منتشرًا؛ لأنها تدرك أنه سيحول دون تحقيق رغبات خاصة, فردية أو طائفية أو حزبية أو طبقية، وسيجعل الناس سواسيةً؛ لأنه سينظر إلى الإنسان على أنه إنسان مجرد من أي وصف لاحقٍ لإنسانيته، فهو برئ من العنصرية والإقليمية والطبقية والعرقية، وهذا التجرد يتعارض مع بعض السياقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الغرب، ولذا فهي ترفض الإسلام.

 



 

 

المُحَدِّد الثاني: الإرهاب (1)

من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب هذه الظاهرة العالمية, التي تعارف الناس عليها, واختاروا لها مصطلح الإرهاب, المقابل السريع للمصطلح الأجنبي Terrorism, الذي كان الأولى أن ينظر إليه على أنه أقربُ إلى العنف منه إلى الإرهاب، ويمكن الادعاء أن الذين تصدُّوا للمصطلح الأجنبي, وأعطوه المقابل العربي الإرهاب لم يكونوا دقيقين في الترجمة، لا سيما أن إشاعة هذا المصطلح العربي قامت على أكتاف الإعلام, الذي روَّج لهذا المصطلح, دون النظر إلى الدقَّة في النقل عن المقابل الأجنبي.

وهذا الاعتراض نابعٌ من أن المفهومَ الإسلامي للإرهاب يختلف تمامًا, في المؤدى عن المفهوم الشائع الآن، ذلك أن المسلمين مطالَبون بإعداد ما استطاعوا من قوة وعتاد ليرهبوا فيه عدوَّ الله وعدوَّهم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الآية 60 من سورة الأنفال]. والمعلوم, لدى علماء الأمة المعتبرين, أنه ليس المقصود هنا أن هذا الدين يدعو إلى الإرهاب, بهذا المفهوم المتداول إعلاميًا, ذلك أن الإسلام لا يقرُّ هذا الإرهاب بحال من الأحوال، وقد فهم المسلمون الإرهابَ على أنه استخدام العنف في التدمير والهدم والترويع والتعرُّض للأبرياء, دون التفريق بين المستهدَف وغير المستهدَف، بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ والشجر والبِيَع والكنائس والمنشآت المدنية والمنازل.

ويكفي, لإثبات أصالة هذا المنهج, العودة إلى وصايا أبي بكر الصديق, خليفة رسول الله e, فيما سنَّه لقوَّاده في الغزوات التي انطلقت من المدينة المنوَّرة, وما يسنُّه وإخوته من الخلفاء الراشدين y هو من سنة المصطفى e: "... فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ",([20]) وكذا وصية خليفة خليفة رسول الله e عمرَ بنِ الخطاب t إلى الفاتحين من القيادات العسكرية الإسلامية، فلا إرهاب في ذلك, بالمفهوم الجديد, المتداول حاليًا, للإرهاب، فلا عنف ولا ترويع ولا هدم، ولا تعذيب ولا اغتصاب، ولا اجتياح، ولا إهانة للمعابد, ومؤسسات المجتمع المدني كافةً.

هذا في حالة المواجهة الحربية, التي تكون في أوج الرغبة في النصر واختصار الطريق إليه، ولكن ليس على حساب كرامة الإنسان, والحفاظ على الضرورات الخمس, التي أمر الله بحفظها له في كل الأحوال، النفس والمال والدين والنسل والعقل. وهي التي, كما يقول الشاطبي,: "لا بدَّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا, بحيث إذا فقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة, بل على فساد وتهارج وفوت حياة. وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين".([21]) وهي التي, كما يقول الرازي: "تتضمّن حفظ مقصود من المقاصد الخمسة, وهي حفظ النفس والمال والنسب والدين والعقل, التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها".([22])

أما في حالة السلْم فالوضع أدقُّ وأوضحُ منه في حالة الحرب، فليس هناك ما يبرر الترويع والعنف في أي حال.([23])

ومنــــذ أن وقعت أحداث الحادي عشـــر من شهر أيلول/سبتمبر من سنة 2001م (26/6/1422هـ) والطروحات تترى حول موضوع لم يتفق عليه بعد, من حيث المفهوم, وإن اتفق عليه ــ تقريبًا ــ من حيث اللفظ لمصطلح الإرهاب، مع أن بعض الكتَّاب المسلمين لا يزالون مترددين في قبول المصطلح، كما مرَّ بيانه في الوقفة السابقة, ذلك لأنه مصطلح أخف وطأةً من المفهوم الذي يحمله, فهو اسم لم يوافق مسماه, ولفظ لم يطابق معناه، كما أنه ورد في القرآن الكريم المنزّل من خالق عظيم، مما يعني أن له معنىً ومفهومًا, غير المفهوم الذي يطلق المصطلح عليه، فإرعاب الناس وقتل الأبرياء وترويع الآمنين، كل هذا أكثر من مجرد إرهاب.

وعلى أي حال يبدو أن المصطلح قد طغى على هذا المفهوم، بحيث أصبح أي نشاط غير عادي داخلاً في هذا المفهوم.([24])

وإذا ما سلَّمنا, جدلاً, بالمصطلح, بالمفهوم الحديث لهذه الكلمة الإرهاب, فإن علينا أن نتخلى عن المفهوم الشرعي للإرهاب، ولذا كان لزامًا علينا دائمًا أن تُحَدَّد هذه الكلمة بمُحَدِّدات, تنقلها عن المفهوم الشرعي.

وكان الأولى أن نبحث عن المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي, الذي لن يكون, بحال, الإرهاب، بل ربما العنف, أو أي مصطلح عربي, ذي دلالة تخريبية ترويعية عنيفة. وربما اصطلحنا على ما نص عليه القرآن الكريم من الإعداد للقوة على أنه للترهيب, خروجًا من إشكالية المصطلح, مع أنه حين ينقل إلى لغات أخرى يخشى ألاّ يلتفت إلى ذلك السعي إلى التفريق, بين المفهوم الشرعي والمفهوم الإعلامي.

ولقد اقترن التخريب لدى الغرب بالمسلمين، لاسيَّما في الوقت الراهن. وأضحت أي عملية تخريبية, مقرونةً بالعرب المسلمين، بِغَضِّ النظر عن الوجهة الجغرافية, التي حدث بها التخريب, وقام بها العنف.([25])

ولأن العالم أصبح اليوم عالة على الإعلام الغربي في ترسيخ المفهومات، فإن الإعلام الغربي استطاع أن يُبعد النظر التركيز والأضواء, عن التخريب الصادر عن الأمم الأخرى، لاسيَّما الأمم المنحدرة عن الأصول الأوروبية، كما يحصل في الأمريكيتين، وكما حصل من اليهود في فلسطين المحتلة.([26])

بل إن الإعلام الغربي قد استطاع أن يتناسى العمليات الترويعية التخريبية التي قام بها أفراد غربيون في عقر دارهم، وقامت ضد رؤساء الدول، كمحاولة اغتيال رونالد ريغان, الرئيس الجمهوري للولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات الميلادية، أو ضد الشعوب، كتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما، بولاية أوكلاهوما، أو ضد المنشآت الحكومية والحيوية في الغرب نفسه, أو مدارس الأطفال، مما يؤكد, دائمًا, على أن الإرهاب لا يحمل هوية, ولا يمكن أن يعزى إلى ثقافة بعينها.

بل إن مؤثرات آنية, في حساب التاريخ, قد تكون مسؤولة عن ترسُّخ الإرهاب في جهة, أكثر من ترسُّخه في جهات أخرى من العالم، بل إن التركيز الإعلامي, وحساسية الموقع قد يكون لها أثر في التركيز الجهوي على العمليات الإرهابية, من خلال إرهاب الأفراد من جهة, وإرهاب التنظيمات أو الجماعات من جهة أخرى, وإرهاب الدولة من جهة ثالثة,([27]) كما أنه يتناسى أولئك المرتزقة من الغربيين, الذين عاثوا في الأرض فسادًا.([28])

وليس هذا تسويغًا لقيام تخريب عربي، ولكن النسبة بين الفعلين غير قابلة للمقارنة. وإذا درسنا بعض أسباب هذه العمليات التخريبية العربية نرى أنها انبعثت عندما قدَّم الغرب التسهيلات والوعود والدعم, لقيام دولة يهودية في قلب الأمَّة, تخلُّصًا من عُقدٍ أوروبية, على حساب شعب آخر, ونصره, ظالمًا لا مظلومًا، وسعى إلى ترسيخه بكل ما أوتي من قوة مادية ومعنوية، وليس هذا, مع هذا, أيضًا مسوِّغًا لقيام العمليات التخريبية العربية، وإنما هو تتبُّع للبواعث والأسباب.

وليس العربُ, وبالتالي المسلمون, تخريبيين، ولا دينهم ولا ثقافتهم المستمدة من الدين, ولا آدابهم, تدعو إلى الترويع الإرهاب, كما هو المفهوم الغربي للإرهاب،([29]) وليسوا كذلك متعطشين إلى الدماء، وليسوا همجيين متوحشين، وكل هذه وغيرها اتهامات, ليست جديدة على الإسلام, ولا على المسلمين، بل إنها جزء من تلك الحملة, التي يهمها ألا يكون هناك تقارب بين الشرق/المسلمين والغرب، رغبة في حماية الغربيين من الإسلام، ورغبة في الحدِّ من انتشار الإسلام في الغرب, وفي غير الغرب. ([30])

وهي حملةٌ قديمةٌ, تتجدَّد, وتتضافر فيها جهود مختلفة, من تنصير واستشراق, واستعمار, وعلمانية،([31]) وأعانت عليها حركات محليَّة داخل المجتمع المسلم, قامت بأعمال لا تتفق مع التوجه الإسلامي, في الحكم على الأحداث والتعامل معها، فكانت القابليَّة لذلك, وكانت هذه الحركات, وبعض الجماعات, أرضًا خصبةً للتدليل على أن الإسلام والعرب ميَّالون إلى التخريب والترويع والهدم.

وفي الوقت الذي ننحو فيه باللائمة على الغرب في تشويه الإسلام, نجد أنفسنا نعين على هذا التشويه, بسبب سوء فهم بعضنا نحن للإسلام, وبالتالي سوء تطبيقنا له على المستوى السياسي, وعلى مستوى العلاقات الدولية, على الخصوص، ثم على المستويات الأخرى الفكرية والاجتماعية والسلوكية والمظهرية، مما أدى إلى اتهامنا واتهام ديننا واتهام علمائنا بالاهتمام بالأحوال الشخصية، والبعد عن الواقع وفقه الواقع.([32])

وعليه فإنـــه في هذا المُحَدِّد من مُحَدِّدات العلاقـــة بين الشرق والغرب يظهر أن المسؤوليـــةَ مشتركةٌ بين الطرفين, دون تغليـــب طرف على الآخر، ذلك أنه عندما وفِّق مَن قَبلَنا في تقديم الإســـلام, كانت النتيجة قبولـَــه من الغير, والإقبال عليه.

وممن وفِّق في تقديم الإسلام تقديمًا مناسبًا أولئك التجار المسلمون, الذين لم يذهبوا قصـــدًا للدعوة، ولكنهم كانوا قدوة استطاعوا بها نشر الإسلام.

وهذا يضاعف من مســـؤولية المسلمين, من الدعاة وغيرهم, وعلى مختلف الصُّعُد, في حمل الإسلام إلى الغير, بصورته التي ينبغي أن يُحمل عليها، عندها يمكن ضمان تقبُّل غير المسلمين له, وتخليصه من تلك الشبهات, التي أثيرت حوله وحول معتنقيه، ومنها شُبَه التخريب والترويع والهدم، أي شُبهة الإرهاب بالمفهوم "الإعلامي" للإرهاب، وهذه مسؤولية عظيمة.



 

 

المُحَدِّد الثاني: الإرهاب (2)

وحيث كان هناك ضخٌ مكثفٌ على ربط الإرهاب، بهذا المفهوم، بالمسلمين فقد أضحى أي نشاط يقوم به المسلمون داخلاً في هذا المفهوم,([33]) حتى لقد تطرَّف من تطرَّف بوصف المترددين على المساجد، أو التمسُّك ببعض المظاهر الخارجية للسمت الإسلامي, يهذا الوصف, وكأنه يراد أن يقلع المسلمون عن عبادات ومعاملات هي من صلب الدين, ومن ذلك الدعوة إلى الله تعالى بين المسلمين وبين غير المسلمين، حتى لقد كتب من كتب أنه رغم ما مر على العالم من عمليات إرهابية, لا تزال فئات من المسلمين تمارس الدعوة, بين المسلمين في الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق, الذين غُيبِّوا عن الدين أكثر من سبعين سنة، فما بالكم بالدعوة بين غير المسلمين.

هذه الكتابات نفسها لم تتنَّبه إلى ما تقوم به الحملات التنصيرية في المجتمع المسلم، وهي مدعومة دعمًا مباشرًا من الدول، لما تقدمه هذه الحملات من توطئة لأطماع سياسية واقتصادية.

ولعل الكُتَّاب لم يتنبَّهوا إلى مئات المليارات من الدولارات التي تنفق على هذه الحملات، إذ بلغت الميزانية للعام 1424هـ/2003م مئتين وثلاثة مليارات (203.000.000.000) دولار، كما أعلنته النشرة الدولية للإرساليات التنصيرية في طبعة جديدة منشورة، وتناقلته المجلات المعنية بهذا النشاط.([34])

ولعلَّ من واجبات الكاتب المهتم بهذا الوضع أن يدعو, في طرحه, للاعتدال والوسطية والسماحة, التي جاء بها هذا الدين, وأن ينبَّه إلى ما تعيشه بعض الجماعات, من غلو وتنطُّع وتشدُّد وتزمُّت, لا يُنكَر.

ولابد أن يُكشَف ذلك كله من علماء الأمة ومفكريها، قبل كُتَّابها ذوي الأعمدة الراتبة في الصحافة، تلك التي تعتمد في معظمها على تقارير استخباراتيَّة, حتى لقد أضحى ما يكتبُ هؤلاء شبْهَ مسلَّم به, حتى إذا كان يمس الثوابت، ويزعزع الجذور.

وهناك أسماء ظهرت في هذا المجال، وكان لها تأثير واضح على المتلقِّين، منهم مثلاً من يكتب في أعمدة الصحافة, منهم من يحاضر في المنتديات الثقافية والفكرية والأدبية, فيسمع لقولهم، بل ويقدَّمون على أولئك الذين هم أقرب منهم إلى الصواب والعلم الشرعي الصحيح.([35])

ولا يتوقَّع، في ضوء الأحداث القائمة، أن تتوقف الدعوة إلى الله تعالى، فهي ماضية، كانت من قبل, وستستمر بإذن الله من بعد، ويمكن الحديث فيها عن مسألة التطويع والتكييف ومراعاة الزمان والمكان, وكل ما له علاقة بالوسائل.

والمجال مفتوح, وإن لم يرغب بعض المعنيين المباشرين في مجال الدعوة بصفتهم الشخصية. وليس الصفة الرسمية، إذ لا يملك أحدٌ أن يمنع أحدًا من أن يطرح رؤاه في هذا المجال، من حيث الوسائل والسياسات والأهداف والإجراءات، إلا أنه من حيث المفهوم, فإن ذلك مكفول بقيام هذا الدين وانتشاره بين الناس.

يقول عماد الدِّين خليل: "إن الإسلام بوسطيته العقدية, وتركيبه المتوازن, الذي يلمُّ ويناغم بين سائر الثنائيات التي مزقت الحياة البشرية, لهو الحل الوحيد لمستقبل الإنسان, إذا أريد لهذا المستقبل أن يتشكل بعيدًا عن الممرات الضيّقة والطرق المسدودة للحضارة الغربية وللمذاهب الوضعية المعاصرة على السواء".([36])

وعدد المسلمين أكثر بكثير من أن يحسب عليهم تصرفات أشخاص معدودين, أساءوا إلى أنفسهم, وأساءوا إلى غيرهم, بما قاموا به من ترويع للناس, ونشر الرعب بينهم، فهم مسؤولون عن فعلتهم:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِِزْرَ أُخْرَى}[من الآية 18 من سورة فاطر].

وعدم الاتفاق معهم في الأسلوب والوسيلة لا يصل إلى أن تتعطل شعائر إسلامية, اعتذارًا للغير، أو تلبية غير مباشرة لطلبات أو رغبات, كانت في الماضي قائمة، وهي الآن تتجدد، ولم تعد غريبة على المجتمع المسلم.

يُقال هذا في الوقت الذي تظهر فيه رغبة في بعض التنازلات من قِبل كُتّاب عرب مسلمين؛ لأنهم ربما لم يكونوا متحمسين لمجال الدعوة, بل ويعتذرون للغير عنها, وعن القائمين عليها.

برز هذا واضحًا, حينما تقرر إغلاق مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, الذي قام لترسيخ مفهوم الحوار الحضاري, وربما أنه لم يُرضِ بعض الأطراف, وربما وربما، فلا اعتذار, فتقرر إغلاقه، لاسيَّما أنه يحمل اسم رمز عربي, له جهوده في مجال رأب الصدع العربي, ولَمِّ الشمل, ونشر الخير.

والمطلوب الوصول إليه هو ألا يُستغلَّ موقفٌ, لم يكن في مصلحة المسلمين, ليكون مجالاً لبعض الكُتَّاب لتقويض أصول الدين، والحطِّ من قدر القائمين عليه من الولاة والعلماء والدعاة والمنتمين إليه, انتماءً في حمل الهم, على درجات متفاوتة من ثقل هذا الهمّ المحمول، ولئلاَّ نعين غيرنا علينا, بحسن نية, أو نحو ذلك، وألا يتحوَّل بعضُنا إلى معاول هدم, دون إدراك لذلك إدراكًا واضحًا، لاسيَّما مع توفُّر إمكانية صنع القابلية للوصول إلى هذا الموقف، وذلك من خلال ممارسة ما يمكن أن يسمّى بالإرهاب الثقافي,([37]) بحيث يأتي زمان نجد أنفسنا، أو أولادنا، أو أحفادنا، قد انقدنا إلى تيارات, تصبُّ في النهاية في تحجيم ما نحن عليه، بتقديم البديل, الذي لا يتوقَّع له الفلاح, مهما بدا كذلك للوهلة الأولى.

ثم إن المسؤولية لا تغفل أثر هؤلاء الولاة والعلماء والدعاة, في مواصلة الجهد, بعزم وجزم, في تقديم هذا الدين, بالصورة التي جاء عليها, وبلَّغها بها سيِّد الأوَّلين والآخرين محمَّد بن عبدالله ــ عليه الصلاة والسلام ــ وصحبه الكرام ــ عليهم رضوان الله تعالى ــ, دون اللجوء إلى الزيادة في ذلك، إذ إن الزيادة في ذلك كالنقص فيه، بل ربما أكَّد علماؤنا أن الزيادة فيه أشدُّ من النقص منه. ونحن في زمن أحوجُ ما نكون فيه إلى التركيز على سماحة هذا الدين, واعتداله, ووسطيته.



 

 

المُحَدِّد الثالث: الحقوق.

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب النظر إلى الحقوق والواجبات، والإسلام قد رسخ مفهوم الحقوق في توكيده على الضرورات الخمس: النفس والعرض والمال والدين والنسل،([38]) وانبثقت من هذه الضرورات الخمس ضرورات فرعية, تقوم عليها الضرورات الأصليَّة، وبالتالي فإن الإسلام نظر إلى الحرية, على سبيل المثال, من منطلق ربَّاني مُحَدِّد غير مطلق، وهو يؤمن بحرية الفكرِ, وحرية الرأي, وحرية السلوك, وحرية التصرف في الممتلكات، كل ذلك في حدودٍ إنما قامت لتضمن عدم إساءة مفهوم الحرية, بحيث لا تجرح شعور الآخرين, أو تؤثر على المصلحة العامة.

وعندما انتفض الغرب, وبدأ النهضة, أوجد المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية, التي تُعنى بالنظر في تصريف شؤون الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ثم بدأ بعد ذلك بوضع الأنظمة والقوانين, التي صاغها من منطلقاته, ومن منطقه وعقليته, دون النظر, بالضرورة, إلى المنطلقات الأخرى, أو العقليات الأخرى، ثم صاغ هذه الأنظمة والقوانين على شكل اتفاقيات دولية, ترعاها مؤسساتٌ ومنظماتٌ دولية, مثل هيئة الأمم المتحدة, ومجلس الأمن، وطالبت الدولَ الأعضاءَ في هذه المنظمات بالمصادقة عليها، وبالتالي تطبيقها في مجتمعاتها.

ومن هنا برز الإشكال لدى كثير من الدول الإسلامية، إن لم يكن لديها كلِّها، ذلك أنه وجدت موادُّ وفقراتٌ تتعارض, صراحةً, مع المفهوم الإسلامي لحقٍّ من الحقوق، فكان أن تحفظت بعضُ الدول على هذه المواد، وامتنعت دولٌ أخرى عن التوقيع على الاتفاقيات, بله والمصادقة عليها. ومن ذلك حقوق الإنسان, وحقوق المرأة, وحقوق الطفل.

ومن الحقوق والواجبات التي افترق فيها النظام الإسلامي عن الغرب, حق الحياة لكل إنسان يتماشى في سلوكياته مع السمت العام، فإذا خالف هذا السمتُ العام المبني على مفهوم إسلامي للسمت فقد حقه في الحرية أو الحياة, بحسب المخالفة التي تبدر عنه، فإما أن يُقتل, أو يُحجز سجينًا, أو يُنْفى من المجتمع المسلم, أو يُجلد أو تُقطع يده، والقتل يكون بالسيف أو الرجم، ولا يشنق الإنسان, ولا يعذب بالكرسي الكهربائي، ولا يْسمَّم, عقوبةً واضحةً يشهدها طائفة من المؤمنين, وتُعلن على الملأ, في وسائل إعلام العصر, الذي تقام فيه الحدود.

ولا ينظر الإسلام إلى الزنى على أنه حقٌ لأي شخص, ذكرًا كان أم أنثى، رضيَ أم لم يرضَ، ذلك أن الزنى مرضٌ اجتماعي, له عواقبه التي تؤثر على بناء المجتمع, بتفشي الأمراض, واختلاط الأنساب، ولذا فليس في الإسلام صداقاتٌ بين الجنسين, كالموجود في الغرب، وليس فيه خليلاتٌ, معلناتٌ أو غير معلناتٍ.

ولا يُعطي الإسلامُ الإنسانَ الحقَ في شرب الخمور, وتعاطي المخدرات, مهما كانت الدوافع.

 وعلى أي حال فالإسلام واضح في مسألة حماية المجتمع من العبث، وذلك من خلال الحزم في إقامة الحدود الشرعية, متى ما ثبتت التهمة على المدعى عليه, بالوسائل الشرعية لثبوت التهمة، دون تدخل أي وسيلة من وسائل بشرية, تقهر المدعى عليه على الاعتراف، ودون تدخل أي وسيلة من وسائل بشرية, تبرىء المدعى عليه, ولو أن التهمة قد لصقت به. ولذا فإن مفهومات الحرية الشخصية وحقوق الإنسان في الإسلام مختلفة عنها في الأنظمة الوضعية الأخرى.

وهكذا يطول النقاش في هذا المجال ويحتاج إلى أولئك المتخصصين في القضاء والقانون, لإبداء الفروقات بين النظامين/القانونين.

هذا الاختلاف الجوهري قد ينظر إليه على أنه يحدَُّ من قيام علاقات قوية بين الشرق والغرب, ما لم يتنازل الغربُ عن الشعور بأن قوانينه هي الصالحة, ونظم غيره من الأمم الأخرى غير معتبرة، رغم أن واضعي الاتفاقيات الدولية, في مسائل تتعلق بالإنسان, بدأوا يدركون شيئًا من هذا التضارب, وبالتالي بدأوا يستأنسون بالأنظمة الأخرى، لاسيَّما حقوق الإنسان في الإسلام, عندما برزت ظاهرة التحفظات من كثير من الدول الإسلامية, التي عُرِضِت عليها اتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل, وغيرها من القوانين ذات الصبغة الغربية.

ولابد, هنا, من التعريج على خلفية هذه القوانين الدولية، إذ إني أزعم أنها لا يمكن أن تتجرد من الخلفية الدينيَّة, مهما صيغت في مجتمعات غير متديِّنة، أو تتبنَّى منهج العَِلمانية في الحكم والحياة.

 ومهما كان الشخص عَِلمانيًا, إلا أنه لا يخلو من وضع بصمات خلفيته الثقافية, عندما يأتي الأمرُ لصياغة قانون دولي، وهذا ما صرحتْ به بعض الدول الإسلامية, عندما سوَّغت تحفظها على بعض موادِّ هذه القوانين وفقراتها، مما يعني "أنها سيطرةُ نظامٍ غربي ذي نكهة دينية على دين آخر يملك البديل، ويعتقد أنه الأولى من ذلك النظام الموضوع".([39])

والواقع أن تطبيق المسلمين للشريعة، بما في ذلك الحدود، يتعرَّض لنقد جارح, من تلك الأوساط الغربية، وتُتَّهم الحدود في الإسلام ببعدها عن الإنسانية, والتحضُّر, واحترامِ حقوق المرءالمجرم, الذي يقام عليه الحدُّ.

وهذا الاتهام المستمر المتواصل قد أثَّر في بعض أبناء المسلمين، فأضحوا يتوارون عن القوم, كلما جاء حديث عن الحدود، ويقفون موقفَ المدافعِ المعتذر, المبرِّر تسويغًا ضعيفًا, يدل على شيء من الانهزامية، وهذا بالتالي يؤثِّر على إيمان المسلم, الذي قد تبدو عليه ضآلة القناعة بهذه الحدود, في مقابل العقوبات التي يتلقاها المجرم في المجتمع الغربي, والتي يدعو بعضها إلى الأسف من منطوق الحكم, على مجرم واضح الإجرام.

ويؤثِّر هذا النقد الجارح على العلاقة بين الشرق (المسلمين) والغرب، إذ إن أحدَهما ليس مقتنعًا بأسلوب الآخر, في النظر إلى الحقوق والواجبات، ذلك أن المنطلق مختلف بين الثقافتين.

أما حقوق المرأة فالاختلاف فيها واضح وجلي، وكلا النظامين ينظر للمرأة نظرة مختلفة كذلك في المنطلق، ذلك أن النقاش حول هذا الموضوع يأخذ منحىً عاطفيًا، هجوميًا أو دفاعيًا، حتى أن أبناء المجتمع المسلم وبناته, في مجملهم وليس كلهم، يقفون وقفات حائرة حول هذا الموضوع.

ومنهم من تبنى كثيرًا من المفهوم الغربي في النظرة إلى المرأة، ويدعون إليه إعلاميًا، ويطبقونه في حياتهم, متهمين أصحاب النظرة الإسلامية بالتشدُّد والتزمُّت، بل والتطرف في الضغط على المرأة، وغمطِها حقَّها في المشاركة في عمارة الأرض, وبناء المجتمع.

ولذا ظهرت الكتابات العلمية والعاطفية, التي ركَّزت على حقوق المرأة وواجباتها، وكثير من هذه الكتابات إنما تدافع عن وضع المرأة في الإسلام, مقابل وضعها في الغرب خاصة.

ولا تهدُف هذه الوقفة إلى الانسياق في هذا الموضوع الحسَّاس, سوى التوكيد على أنه مُحَدِّد من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق (المسلمين) والغرب.



 

 

المُحَدِّد الرابع: العرقيــة

نظرة الغرب إلى الآخر غير الغربي، مُحَدِّد أساسيٌّ من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب بل إن الشخص الأوروبي ينظر إلى غير الأوروبي نظرة قائمة على الفوقية,([40]) بِغَضِّ النظر عن الخلفية الثقافية لهذا الشخص, فيستوي في ذلك الشرقي وغير الشرقي, سواء أكان هذا الشرقي مسلمًا, أم كان من ذوي الثقافات الأخرى كالهندوس والبوذيين والزرادشت والمجوس والوثنيين الآخرين, ولذا لم يتحمَّل الغرب أن ينظر إلى الإسلام على أنه دين شامل، بل نظر إليه على أنه دين قادم من الشرق، ومن العرب على وجه الخصوص، ولذا يستخدم المصطلحان الإسلام والعرب تبادليًا، بل إن مصطلح العرب عند الغرب طاغٍ على مصطلح الإسلام. ويندُر ذكر مصطلح الإسلام في مقابل مصطلح العرب, إلا لدى المستشرقين الذين تمكَّنوا من التفريق بين المصطلحين.

أما العامة من الغربيين فإن العرب عندهم تعني الإسلام والمسلمين، ولذا فإنه من الغريب عندهم أن يوجد من بين العرب نصارى أو يهود, ويستغرب الغربي أن يتحوَّل الأوروبي إلى الإسلام، وكأنهم ينظرون إليه على أنه تحوَّل عرقًا من الجنس الأنجلوساكسوني أو الجنس الآري إلى الجنس العربي، ولم يتحوَّل من النصرانية أو اليهودية إلى الإسلام دينًا.

والإصرار على تغليب العرب مصطلحًا على الإسلام ناتج, فيما يظهر, عن الرغبة في التوكيد على محليَّة الإسلام، وأنه مقصور على العرب الذين كانت لهم نظرة خاصة عند غيرهم, مبنيَّة على ما كانوا عليه قبل الإسلام, في مقابل الأمم الأوروبية المتحضرة, من رومان ويونان (إغريق) ويبزنطيين، قبل النصرانية وبعدها.

وهم يدركون بحماسهم العرقي أنهم يتنازلون, هنا, عن الحماس الديني, من حيث التوزيعُ الجغرافي، ذلك أنهم, برغم كونهم في الغالبية نصارى, كاثوليك, أو بروتستانت, أو أرثودوكس, يدركون أن النصرانية إنما جاءت من الشرق، ولا يزالون يقصدون "يحجُّون" بيت المقدس، وأعظم قُدَّاس عندهم, عند الاحتفال بمولد عيسى ابن مريم ــ عليهما السلام ــ, هو ذلك القُدَّاس الذي يقام في بيت لحم, على اعتبار أن بيت لحم, في فلسطين المحتلة, هي المكان الذي وُلد فيه عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ. ([41])

وكذا الحال يقال عند اليهود، إذ إن جغرافية اليهودية انطلقت من الشرق, موطن العرب الآن. ولدينا في هذه المواطن مواطنون عربٌ لا يزالون يحتفظون بديانتهم النصرانية الأرثوذوكسية, غالبًا, واليهودية. ويدركُ هؤلاء أهمية الفصل بين المصطلحين الإسلام والعرب، لأنهم عربٌ, ولكنهم غير مسلمين، ويفتخرون بعروبتهم, كما يفتخرون بنصرانيتهم ويهوديتهم، وإن قدَّموا أحدهما على الآخر في التفضيل, بل إن منهم من يفتخر بأن ثقافته إسلامية, رغم أنه غير مسلم, وذلك لِمَا لقيه, وبني عقيدته, من تعايش ودِّي بين المسلمين.

وتأسيسًا على ذلك, يمكن الزعم بأن هذه النظرية العرقية الفوقية قد حالت دون تقبُّل الأوروبيين, الغرب, للإسلام، وحالت دون قبوله دينًا شاملاً, رغم تزايُد أعداد المسلمين في المجتمعات الغربية, من المهاجرين ومن المقيمين.

ولا تزال بعض المجتمعات الغربية لا تعترف بالإسلام دينًا, يمنح أتباعه ميزات رسمية في العمل والدراسة، وتراعى سلوكيَّاتهم المبنية على ما يمليه عليهم الإسلام, كالذبح الحلال واللباس المحتشم للرجال والنساء، والأعياد، لاسيَّما عيدي الفطر المبارك والأضحى، وصلاة الجمعة، وإقامة المساجد والمراكز الإسلامية, وغير ذلك كالمدارس والمقابر.

في حين أن المسلمين قد تخلَّوا عن العرقية المؤدية إلى التفاضل الجنسي, منذ أن أبدلهم الله الإسلامَ نسبًا عن أي انتماء آخر، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى, وأصبحت التقوى هي معيار التفاضُل, {إِِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[من الآية 13 من سورة الحجرات].. وإنما هي فورة عربية, ظهرت عندما بزغ التوجه إلى القومية العربية، فحاول القوميُّون التوكيد على العروبة أولاً, ثم الدين أيًا كان, ثانيًا، حتى ليقولَ عمر فروخ ــ رحمه الله ــ: إنه كان من العيب التعرف على دين العربي على حساب الوحدة والقومية العربية.([42])

وإنما جاءت هذه الفورة في وقت خفَت فيه نجمُ المسلمين، ولا نقول أفَل، وعندما عاد إلى الإشعاع تقهقرت الدعوة إلى القومية العربية، ونُظِر إلى العرب بقدر ما يحملون رسالة الإسلام إلى الغير، الأمر الذي سيؤثر إيجابًا على تقهقر الفوقية العرقية لدى الغرب لمصلحة الإسلام, الذي لم يفرق بين أبيضَ وأسودَ، أي لم ينظر إلى العرق أو الجنس, على أنه عامل من عوامل الانتماء لدى الناس.

وعليه فإن العرقية, مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب, لاسيَّما الإسلام, هي عامل مؤقت, يزول مع وضوح الرؤية نحو الإسلام, بانتشاره في المجتمع الغربي على الصورة الصحيحة, التي يراد له الانتشار بها دينًا قيمًَا صافيًا نقيًّا خالصًا من أي شائبة تنفِّر الناس منه. وهذه مهمة الدعاة إلى الله, من أبناء المسلمين. فكان الله في عونهم.



 

 

المُحَدِّد الخامس: الحروب (1)

من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب تلك الحروب التي قامت بين المسلمين وغير المسلمين, على مرِّ العصور الإسلامية. ولذا نجد من التُّهم التي توجَّه إلى الإسلام أنه انتشر بالسيف، وأُجبر الناسُ على القبول به بالقوة، أي أن الإسلام صنع الناس مسلمين رغمًا عنهم، وتزعم هذه التهمة نفر من المستشرقين، وجعلوا الجهاد في الإسلام دليلاً صارخًا على انتشار الإسلام بالسيف، ووجدوا في القرآن الكريم آياتٍ بيِّناتٍ تدعو إلى القتال, بالإضافة إلى آيات الجهاد، فانبرى نفرٌ من المسلمين الاعتذاريين المدافعين, يؤكِّدون على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالإقناع، ويستدلون على ذلك بانتشار الإسلام في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.

والواقع أن الحروب بين المسلمين والغرب تُشكِّل فترةً تاريخيةً واضحة المعالم في العلاقة بين الشرق والغرب، فالرسول e بدأ ينشر الإسلام بالدعوة, وإرسال الوفود إلى قيادات العالم القديم, ثم لمَّا لم يستجيبوا لجأ إلى الغزوات, التي انطلقت إلى شمال الجزيرة العربية, أي إلى الغرب, الروم، ثم تلاه خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي y, ثم الخلافة الأموية فالعباسية، وكانت هناك غزوات, قاتل فيها المسلمون الكفارَ والمشركين، ولم يجبروا أحدًا على الدخول في الإسلام، ولكنهم حموا أولئك الذين آثروا البقاء على دينهم, اليهوديةِ والنصرانيةِ, مقابلَ الجزية, التي تؤخذ من القادرين منهم، ذلك أنهم دخلوا في حمى الإسلام, وإن لم يدخلوا فيه مسلمين. فصارت لهم أحكام خاصة بهم, تعارف أهل العلم على تسميتها بأحكام أهل الذمة الآتي ذكرها, وعاملهم المسلمون على أنهم جزء من المجتمع المسلم.([43])

ثم يأتي ختام القرن الخامس الهجري, الحادي عشر الميلادي, لتبدأ سلسلة من الحروب الهجومية القادمة من الغرب, وقد حملت الصليبَ شعارًا لها، ودغدغت فيه عواطف العامة قبل الخاصة، ووعدت الجميع بالنعيم في أرض فلسطين.

وكانت تحمل شعارات الإغراء الديني قبل الدنيوي، مما يؤكِّد على أن الدافع الأول لهذه الحملات المتتابعة كان دينيًا, ثم تأتي الدوافع الاقتصادية والسياسية بعد ذلك. وهي دوافع غير مغفلــة، ولكنها ليـــست الدوافعَ الأساسيةَ لهذه الحملات، وإن استغل الحُكّامُ رجالَ الدين في الحروب الصليبية، فإن رجالَ الديـــن, أيضًا, قد استغلوا الحكام.

 والتقى الجميع مع التُّجَّار في تأجيج هذه الحملات، وصاحبها نوعيةٌ خاصة من الناس ممن لفظهم المجتمع الغربي، فبحثــوا عن البديــــل في أرض السمن والعســـل, في أرض الميعاد، ولكن هذه الفئة كانت قلـيلــة, ذكرتها تفصيـــلاً بعض كتب التاريخ, التي عاصرت هذه الحملات، وهناك نصوص تاريخيـــة عجيبة, ذات صلة بأبعاد اجتماعية وسلوكية ومعرفية, كانت من حصيلة الاحتكاك بالفرنجة, قـــد لا تسمح طبيعة هذا الكتاب بذكرها على الملأ, فيرجع إليها في مظانها.([44])

ولدينا باحثون, مؤرخون معاصرون, تخصصوا في التاريخ للحروب الصليبية، ليس لمجرد السرد التاريخي، فقد سُبِقوا إلى ذلك, ممن عاصروا حملات من هذه الحروب من المسلمين وغير المسلمين، ولكنَّ متخصصي اليوم يدرسون هذا التاريخ المهم, ويفسرونه, ويحللون الأحداث، ويقفون عند النصوص, وعن هؤلاء المتخصصين نأخذ الحكمَ على هذه الحروب، ونوازن بينها، ذلك أنه يحكم هؤلاء المعاصرين, رغم علميتهم ونزعتهم الموضوعية, انتماءاتُهم التي لابد أن تنعكس على أحكامهم، ويهمنا منهم المنصفون, الذين تتَّبعوا هذه الحروب ففطنوا إلى منطلقاتها وبواعثها, وأدركوا غاياتِها وأهدافَها، ومزجوا بين الدافع الديني والدوافع الأخرى الاقتصادية والسياسية، ولم يعتذروا للغير, بطمس دافع على حساب دافع آخر.([45])

وعلى أي حال استمرت هذه الحروب قرنين من الزمان (495–692هـ/ 1095 –1290م) لم يتح فيها النصر للصليبيين، بل وفق الله المسلمين إلى إجلائهم وإعادتهم إلى حيث أتوا, على يد القيادات الإسلامية من أبناء المسلمين, من أمثال عماد الدين زنكي, ونور الدين زنكي, وصلاح الدين الأيوبي, وعلماء المسلمين من أمثال القاضي الفاضل, والصاحب بن عباد, والعز بن عبدالسلام, وأسامة بن منقذ, وغيرهم.

ومع انتهاء هذه الحروب الصليبية لم ينتهِ الشعور بها، فلا تزال تُذكر وُتردَّد, سواء بسواء, بين المسلمين والنصارى، فمن القيادات النصرانية الحديثة غورو الذي وضع قدمه على قبر صلاح الدين الأيوبي ــ رحمه الله ــ وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".( [46])

ومنهم من دخل بيت المقدس, الجنرال اللنبي, إبَّان الاستعمار, فقال: "الآن انتهت الحروب الصليبية".([47] )

ومن المسلمين من يردِّد أن الحروب الصليبية لا تزال قائمة، ووضحت وضوحاً قوياً إبان حروب البوسنة والهرسك مع الصرب, إلى درجة أن قائد صرب البوسنة رادوفان كاراديتش, المختفي الآن, قال فيما نقل عنه: "لو كان الأمر لي لما توقفت إلا في مكة"! وكذا الحال في الحرب ضد المسلمين في كوسوفا, كما أن الكلمة,  الصليبية, قد خرجت من لسان الرئيس الأمريكي, يوم الاعتداء على مركز التجارة العالمي في 11/9/2001م, الموافق 23/6/1422هـ. واضطُرَّ للاعتذار, وقام بزيارةٍ للمركز الإسلامي في واشنطون, تعبيرًا عن أسفه عن الإساءة لمشاعر المسلمين.([48])

وعلى أي حال فإن الحروب التي دارت رحاها بين المسلمين والغرب, قرونًا طويلة, لا تزال مُحَدِّدا قويًا من مُحَدِّدات العلاقة بين المسلمين والغرب، وستظل كذلك ما اعتقد الغربُ أن الإسلام يهدِّد وجوده، وأنه خطرٌ داهم, وأنه العدو الجديد,([49]) أو التحدي الجديد,([50]) الذي سيقضي على المكتسبات الحضارية, التي نعم بها الغرب, وسعى إلى تصديرها إلى العالم الآخر ردحًا من الزمان، لاسيَّما بعد زوال الخطر الأحمر.([51])

ويؤجج ذلك الشعورَ عناصرُ تستفيد ماديًا من هذا التأجيج، وتسعى إلى الإعانة على طمس الحقائق بالتشويه لهذا الدين, الذي يحتاج إلى أشخاص (رجالاً ونساءً), يواجهون حملات التشويه, ببيان الحقيقة لهذا الدين، فإذا قامت الحجة على الآخرين برئت ذمة المسلمين، سواء قَبِل الآخرون بالإسلام، أم لم يقبلوا به. وسواء توقفت هذه الحروب أم استمرت.([52]) وفي هذا يقول فريتس شتيبات: "لست أضيف جديدًا إذا قلت إننا نلاحظ منذ سنوات قليلة ميلاً شديدًا ومفاجئًا في الغرب إلى اعتبار الإسلام خطرًا يهدِّد العالم الحرَّ, بل اعتباره مصدر الإزعاج الباقي للسلام على الأرض. لقد بدأت هذه الظاهرة مع تفكُّك الاتحاد السوفييتي وانهيار النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية.

وتفسير هذه الظاهرة يفرض نفسه بنفسه. فمن الناس من يشعرُ ببساطة بالحاجة الدائمة لمواجهة خطر أو عدوٍّ يهدِّده, وإذا كان الخطر الشيوعي قد انحسر, فإن الإسلام والمدِّ الإسلامي هما البديل المناسب. ولديَّ يقين مؤكَّد بأن الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف دوافع غير عقلانية. ولهذا أعتقد أنه لا ينبغي أن تترك هذه الظاهرة بغير تفسير وتعليق, لاسيَّما إذا تبنَّتها جهات محترمةٌ أو ارتفعت بها أصوات مؤثِّرةٌ".([53])



 

 

المُحَدِّد الخامس: الحروب (2)

في مقابلة مع برنارد لويس, المستشرق البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية, مع مجلة التسامح في عددها الخامس الصادر في شتاء سنة 1425/2004م,([54]) وهي مجلة علمية إسلامية فكرية تصدر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بسلطنة عُمان, أكد هذا المستشرق, المعروف جدا ًلدى المهتمين بهذا الجانب من جوانب المعرفة, أنه لا يؤمن بهذا المصطلح الاستشراق، وأنه يرى أنه استخدم في حقبة من حقب التاريخ, وبالتالي فلا بد من وضع هذا المصطلح الاستشراق في  زبالة التاريخ. هكذا وهو نص المقابلة التي أجريت معه في المجلة.

ولست بصدد الحديث عن  زبالة التاريخ ؛ لأن لذلك رجالَه ونساءه من علمائه وعالماته، إلا أن الذي يقول ذلك شخص مؤثِّر, اليوم, في السياسة الخارجية للمعسكر الغربي, هكذا كان يُعبَّرُ عنه,  وللولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا, وذلك فيما له علاقة بالإسلام والمنطقة, التي نسميها الآن الشرق الأوسط, ويستشار بكثافة في ذلك.

وقد أستشير في مسألة احتلال العراق, ويُستشار في مسألة العلاقة بين اليهود في فلسطين المحتلة، والعرب أو المسلمين المحيطين بها, وقد تكون له رؤى مطبَّقة الآن على الساحة, لاسيَّما أن هذا المستشرق, وهو مؤرخ كذلك حسب رغبته, يهودي قد أعلن انتماءه إلى الصهيونية, في أكثر من موقف.

ومن هنا يستحضر ما كتبه روبرت مكنمارا في صحيفة الحياة, وقد كان هذا الرجل وزيرًا للدفاع, إبان الحرب الأمريكية في فيتنام, ثم صار يدير البنك الدولي, فقد ذكر أن الحرب في فيتنام, كما الحرب في العراق, مصحوبةٌ بالكره والبِغض للفيتناميين وللعرب المسلمين في العراق, وليست كالحرب مع دولة أوروبية, تشارك في الهوية الدينية والثقافية والفكرية. ولذلك فإن هذا العامل ظاهرٌ في التعامل مع العراقيين, ومن ذلك مَن وقعوا في الأسْر, أو تعرضوا للاستجواب,([55]) كما حصل في معتقل جوانتانامو بكوبا, وفي سجون العراق, التي برز منها سجن أبو غُرَيب.

وليس هذا موضع اختلاف أو اتفاق, سوى أن ماكنمارا رسَّخه في مقالته في صحيفة الحياة، وسوى أنه, لكونه وزيرَ دفاع سابق, يُنتظر أنه ترك له بصماتٍ فكريةً في الوزارة, قد لا تختلف عما وضعه المستشرق المؤرخ برنارد لويس, ويضعه الآن من أفكار, لا يستبعد أن تكون البِغضاء والكره دافعًا من دوافعها.

هذا الدافع قد تكون له بصمات كذلك مما يحدث في المنطقة بعامة, مما هو محيِّر فعلاً, ويحتاج إلى المزيد من التأمل, مع التصدي وسد المنابع, والعمل على اقتلاع الفتنة من جذورها.

ولقد شاعت مقولةٌ تُحمِّلُ اليهود كل ما يجري في المنطقة, ثم أضحت هذه المقولة طُرفةً تتداول, ويبدو أنها عادت الآن تطرق أبواب النظرة الجدية, بعيدًا عن الطُرفة, إذ يعود السبب الرئيسي لما تشهده المنطقة من قلاقل متلاحقة الاحتلال وسياسات القمع, الذي تمارسها الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين, حتى أنه ليقال بأن الحرب على العراق كانت في أساسها تأمينًا وضمانًا وحمايةً للدولة الصهيونية في فلسطين المحتلَّة, طبقًا للوثائق التي ظهرت مؤخَّرًا, عن جماعات المسيحيين المحافظين الجُدُد, الذين يسيطرون على الإدارة الأمريكية.([56] )

وكان من الممكن أن يكون الحال على غير ما هو عليه على مختلف الصُعُد, لو لم يكن هذا العامل قد فرض نفسه بهذه القوة, غير الذاتية. وهذا يعني أننا أمام طريق طويل, لا بد أنه بدأ بخطوة, أو خطوات, مما يعني أن الوصول إلى نهاية الطريق, مهما طالت, متحقق, بإذن الله تعالى. فكان الله في عون السائرين على هذا الطريق, طريق الحق.



 

 

المُحَدِّد الخامس: الحروب (3)

يشهد العالم اليوم محاولات لتصحيح التاريخ, يتمثل التصحيح من خلال جملة من الاعتذارات, التي يقدِّمها من جنوا على غيرهم, في الزمن الماضي, وقد رصد عددًا كبيرًا منها الأستاذ/ محمَّد السمًاك في كتابه مقدمة إلى الحوار الإسلامي ــ المسيحي.([57]) ومن هذه الاعتذارات الآتي:

ارتكبت اليابان مجازر ضد الصين في الحرب المعروفة بالحرب الصينية ــ اليابانية, قبل الحرب العالمية وأثناءها, فاعتذرت اليابان على لسان الإمبراطور, عندما زار بكين سنة 1412هـ/1992م, وأبدى استعداد بلاده لتعويض الصينيين, بتمويل مشروعات تنموية ضخمة.

ونتيجة لما ارتكبته اليابان, كذلك, في حق الصين والفلبين وكوريا, لاسيَّما النساء منهم, اعتذرت عن ذلك, وتعهدت بتقديم تعويضات لأسر آلاف النسوة, اللاتي أسيء التعامل معهن, خلال الحرب العالمية الثانية.

وتعرض المواطنون الأمريكيون المنحدرون من أصول يابانية للإهانة من بني وطنهم الجديد, عندما ضربت اليابان بيرل هاربر, فجُمِعوا في معسكرات (محميات) اعتقال, إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية, فاعتذرت الولايات المتحدة لهم عن ذلك, وعوَّضتهم ماديًا.

وتعرض الأمريكيون المنحدرون من أصول إفريقية للتمييز العنصري والاضطهاد لأجيال عديدة, فتطرح الآن قضية الاعتذار لهم من مواطنيهم البيض, وتعويضهم بالمشروعات التنموية الاجتماعية والاقتصادية.

وأساءت روسيا معاملة الأسرى اليابانيين, أثناء الحرب العالمية الثانية, وقد قُتل جميع الأسرى في الجبهة الشرقية, فاعتذرت روسيا لليابان, وكان هذا الاعتذار مدخلاً لمناقشة وضع الجزر اليابانية, التي احتلتها روسيا.

وارتكبت النازية جرائمَ بحق العالم, فاعتذرت لليهود, فقط, وقُدَّمت لهم تعويضاتٌ ماليةٌ ضخمةٌ, كان لها أثرٌ كبيرٌ في بناء الاقتصاد اليهودي في فلسطين المحتلة.

وقد كفَّر الفاتيكانُ العالمَ الإيطاليَّ الشهيرَ جاليليو سنة 1633م, عندما قال بكروية الأرض, فصدر الاعتذار من الفاتيكان, في وثيقة سنة 1412هـ/1992م تبرئ جاليليو من تهمة الكفر.

ويعتقد النصارى أن الذين صلبوا المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ هم اليهود, وكانت الإدانة قد صدرت رسميًا سنة 1581م, فجاء الاعتذار في الثمانينيات الهجرية/ الستينات الميلادية, ببراءة اليهود من صلب المسيح عيسى ابن مريم ــ عليهما السلام ــ.([58])

واعتذر الفاتيكان, مرة أخرى, لليهود سنة 1413هـ ــ 1993م, بسبب سكوته عن المجازر التي ارتكبتها النازية بحق اليهود, وأوقف بناء دير قرب معسكر أوشوفتز في بولندا, لأن بناءه يُعَدُّ إجراءً مدنِّسًا لأرواح اليهود, الذين قتلوا في المعسكر.

واعتذرت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية لليهود, بعد موافقة المرجعية الدينية العليا للكنيسة في الفاتيكان, وجاء الاعتذار بسبب الدور السلبي الذي مارسته الكنيسة إزاء الاعتقالات, التي تعرض لها اليهود الفرنسيون, أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا.

وتعرَّضت الشعوبُ الأصليةُ في أمريكا اللاتينية, الهنودُ الحمرُ, للاضطهاد وأعمالِ السخرة, من قبل الحملات الاستعمارية البرتغالية والإسبانية, التي سارت تحت راية التنصير الكاثوليكي, فاعتذر الفاتيكان عن ذلك.

هذه سلسلة من الاعتذارات أريد منها "براءة الذمة", وتصحيح مسار التاريخ.

وينتظر المسلمون جملة من الاعتذارات كذلك منذ الحروب الصليبية إلى حروب البوسنة والهرسك, وكوسوفا, وفلسطين المحتلة, وغزو أفغانستان, والعراق, وما يجري الآن تجاه المسلمين في أصقاع متعددة, يستدعي الاعتذار,تصحيحًا لمسار التاريخ.

ولن يتم ذلك إلا بتغيير الصورة النمطية, السائدة في مناهج التعليم, والإعلام, والسينما, في الدول الغربية, التي تصوِّر الإسلام على أنه همجيةٌ وأصولية, وما إلى ذلك من النعوت, التي يوسم بها الإسلام والمسلمون. ولعل هذا هو شكل من أشكال الحوار الذي قدَّم له الأستاذ/ محمَّد السماك في كتابه المذكور عنوانه في مقدمة هذه الوقفة.

ولن يحصل الاعتذار الذي يصحح مسار التاريخ حتى يقوى هذا الحوار, ويأخذَ أشكالاً بناءة, قائمةً على الحجة, فالفكر يقارع بالفكر ليس إلا.



 

 

المُحَدِّد السادس: اليهودية (1)

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق, المسلمين هنا, والغرب اليهودية، ذلك أن اليهود قد حاربوا النصرانية, حين ظهورها حتى اتهمهم النصارى أنفسُهم بقتل المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ صلبًا، الأمر الذي أضحى بعدئذ شعارًا للنصارى والنصرانية، ولم تبرأ اليهود من مقتل عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ إلا في الثمانينات من القرن الرابع عشر الهجري، الستينات من القرن العشرين الميلادي (1965م), إبان رعاية البابا بولس السادس للكنيسة الكاثوليكية، فيما سمي بفاتيكان اثنين, إشارة إلى المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني.([59]) ويُعَدُّ هذا البراء وجهة نظر كاثوليكية قد لا تتفق مع الطوائف الأخرى، فالعداءُ بين اليهود والنصارى مستحكِم، وراسخ في الصحيح. {وَقَالَتِ اليَهُوْدُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ, وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُوْدُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُوْنَ الْكِتَابَ}[الآية 113من سورة البقرة].

ونظرة المسلمين لعيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ ونظرية القتل والصلب واضحة, نزل بها القرآن الكريم: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}[الآيتان 157 ــ 158من سورة النساء].

وقد دخل بعض اليهود في النصرانية منذ سنواتها الأولى، ويُعَدُّ مطلع النصف الثاني من القرن الأول الميلادي نقطة تحوّل في الديانة النصرانية, حين تنصَّر بولس, أوشاؤول, الذي كان يضطهد النصارى, ويؤذيهم في دينهم وكنائسهم، ثم تحوَّل إلى نصراني, أراد أن يشوّه النصرانية من داخلها، وقد فعل، وسمي بالمخلِّص عند طائفة من النصارى, مما أعان على التحريف في هذه الديانة الربانية.

ومعظم التحريف جاء في مصلحة اليهود، لأنه قام أصلاً على أيادٍ يهودية تحولت إلى قسس وكاردنالات، بل وبابوات. فكان أن تحولت النصرانية, في بعض طوائفها, إلى دين يتعاطف مع اليهود، حتى وصل الأمر إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة على أيدي النصارى, من الحكومات الغربية ورجال الدين والفكر والمال في الغرب، ومعلومةٌ مراحلُ التمهيد للوطن القومي, والبحث لليهود عن مكان, حتى استقر الأمر ليكون قلب العالم الإسلامي في فلسطين ، منذ أن سعى هرتزل إلى ذلك سنة 1898م، أي قبل خمسين عامًا من قيام دولةٍ لليهود في فلسطين المحتلة سنة 1948م, 1367هـ.

ويدعم الغربُ اليهودَ في فلسطين المحتلّة, حتى تحولت بعض دور العبادة النصرانية, في الغرب, إلى منابرَ تأييدٍ للوجود اليهودي في فلسطين, على حساب المسلمين والنصارى الشرقيين، ولهم في ذلك آثار يزعمون أنها دينية، ومنها أن المؤمنين, النصارى هنا, سيقاتلون الكفَّار, المسلمين هنا, في فلسطين بمعاونة اليهود.

 ولا تكاد تجد كنيسة مشهورة أو قسٍّ مشهور, لا يدعو إلى دعم قيام دولة اليهود في فلسطين، هذا في المجتمع الغربي خاصة، وليس في المجتمع النصراني الشرقي, الذي خبَرَ اليهود وأصرَّ على موقفه منهم.

وانتشر الوباء اليهودي في الغرب, حتى تحول الغرب نفسه إلى مؤسسات تخدم مصالح اليهود، وتزعَّم اليهودُ فيها معظم الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، وإن لم يكن السياسيون بالضرورة جميعُهم يهودًا.

وقد حذَّر بنجامين فرانكلين من فتح باب الهجرة لليهود إلى أمريكا الشمالية، وأكد على أن الأمريكيين النصارى سيكونون عمَّالاً لليهود, إذا ما حلَّ اليهود بأرض القوم. وهذه وثيقة محفوظة في قاعة الاستقلال, في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.([60])

ومما يشاؤون في ذلك سحب العالم الغربي لتأييد اليهود في كل مكان, بما في ذلك تأييده ودعمه لوطن اليهود القومي في فلسطين المحتلة، حتى وصل الأمر الآن إلى ترسيخ الاسم الذي اختاره اليهود لدولتهم، حتى ليكاد يطغى على الاسم الأصلي الذي عرفه النصارى والمسلمون من قبل، بل وعرفه اليهود قبل ذلك.

وكان هذا الموقف الغربي إزاء اليهود, وبالتالي المسلمين, مُحَدِّدا قويًا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب، إذ يحرص على استمرار هذا الشدِّ بين الشرق والغرب، لأن اليهود يدركون أنه ليس في مصلحتهم وجود بذور تقاربٍ أو تلاقٍٍ بين الطرفين، لأن ذلك سيكون على حساب الوجود اليهودي، ليس في المنطقة فحسب، بل على الأرض كلها، لأن الصورة الصادقة عن اليهود إنما هي عند المسلمين، ولدى بعض النصارى غير الظاهرين للناس، ويكفي أن نتذكر الآن موقف الغرب كله من روجيه جارودي([61]) والقس الفرنسي, الذي آزره في قضية واحدة حديثة, تتعلق بادِّعاء اليهود إبادة الملايين الستة منهم, في خضم الحرب العالمية الثانية.([62])

ولأن العالم, بما في ذلك المسلمون, يعلم طبعَ اليهود، تظهر النُّفرة بين المسلمين واليهود، وتنعكس هذه النفرة على العلاقة بين المسلمين والغرب، ويتعرَّض من يحذِّر من ذلك للمضايقة والتهميش.

والسياسة في الغرب تُغلِّب جانب المصالح على أي معنىً آخر من المعاني الإنسانية, القائمة على الموضوعية والحقوق.

هذا على المستوى المعلن الذي تترتَّبُ عليه قراراتٌ ومصائرُ، أما غير المعلن رسميًا والمتروك للمجالس الخاصة فإن الغرب, أفرادًا ومؤسساتٍ, يدرك تمامًا الهوية اليهودية والطبع اليهودي، ولا يصرِّح بهذا الإدراك شخص إلا فقد مكانته السياسية أو العلمية، حتى لو جاء التصريح على سبيل الطرفة واللطافة. ويذكر في هذا المقام ما حل بوزير البيئة جيمس وات في بداية ولاية رونالد ريجن في مطلع الثمانينات الميلادية, عندما لمز اليهود بتصريح, كانت نتيجته أن قدَّم استقالته من الوزارة.([63])

ومن خلال حوادث متفرقة صرح بها بعض الأشخاص البيض عن موقفهم من اليهود, ففقدوا مكانتهم, وتكتَّم الآخرون على هذا الإدراك, وجعلوه خارج نطاق حرية الرأي, وحرية التعبير, وحرية الفكر.([64])

والشائع الآن أن اليهود في الغرب يسيِّرون معظم المجتمع على ما يرون من مفهوم للحياة، ولم يقتصروا في تسييرهم هذا على الغرب، بل سعوا إلى انتشار نفوذهم على البلاد والمجتمعات الأخرى, التي أفادت من الحضارة الغربية, على حساب حضارتها, وثقافتها ومبادئها, ومثلها. وهذا ظاهر واضح في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وضوحًا تامًا.

والعقبة الكأداء التي وقفت في طريق تنفيذ الرغبة اليهودية, رغم كل شيء، هي الإسلام وأتباعهُ المسلمون الذين ينبني عليه دينهم, مع ما ينبني عليه من فهم حقيقة اليهود وتطلعاتهم في الحياة، ومواقفهم من الأمم السابقة, ومن الأنبياء من قبل.

ويحاول عبدالوهاب المؤدب, مرة أخرى, الاعتذار لليهود, بالتفريق بين اليهود زمن المصطفى محمَّد e الذين نزل بهم القرآن الكريم, ويهود اليوم, ويرى أن هناك من "ينظر إلى يهود المدينة (من معاصري النبي محمَّد) وإلى يهود إسرائيل, المتحاربين مع الفلسطينيين والعرب, النظرة نفسها, أي أن العداء لليهودية يختلط بالعداء للصهيونية,([65]) ثم يتطوَّر عداءً للسامية, دون التنبُّه إلى أن هذا الأخير من مستوردات الغرب".([66]) وهذه إشكالية لا تفتأ تتردد حول التفريق بين اليهودية والصهيونية, ([67]) لاسيَّما فيما له علاقة باليهود في فلسطين المحتلة, وقيام دولتهم على البعد الديني والقومي.([68])

ويدرك اليهودُ هذا الموقف من الإسلام، وعُرف عنهم أنهم يقرأون النصوصَ, من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, التي تبيِّن هذه الحقيقة، كما تبيِّن مصيرَ اليهود على أيدي المسلمين، ولذا نجدهم ينفقون أغلب جهودهم في تأخير هذا المصير.



 

 

المُحَدِّد السادس: اليهودية (2)

ومن الكتب التي أعطت موضوع اليهود اعتبارًا مناسبًا لهذه المُحَدِّدات كتابُ حديثٌ ألفه جورج قُرم بعنوان: شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ولم يكن هذا هو الكتاب الأول للمؤلِّف، فقد سبقه بعشرة أخرى منذ سنة 1401هـ/ 1981م، وكلها يغلبُ عليها طابع الفكر السياسي.

هذا الكتاب مليءُ بالمعلومات الموثقة بالمراجع الحديثة, حول موضوع الشرق والغرب. ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب أبدًا من التعرض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ذلك الموقف الذي بانت آثاره إلى اليوم على العلاقة بين الشرق والغرب، لاسيَّما ما يسمى بالشرق الأوسط الذي يدين بالإسلام, ويتبنى غير المسلمين فيه, داخل المجتمع المسلم, الثقافة الإسلامية، حتى يهود هذه المنطقة العربية قبل الاحتلال كانوا يتبنون الثقافة الإسلامية, دون أن يؤمنوا بالإسلام دينًا، إذ إن لهم دينَهم الذي يؤمنون به.

ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة, لاسيَّما من المفكرين الغربيين والمستغربين، من الحديث عن المحرقة, التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية, إبان الحرب العالمية الثانية التي بدأت سنة 1360هـ/ 1939م، وانتهت سنة 1366هـ/1945م. ومن ذلك الحديث عن معاداة السامية، وأسباب هذه المعاداة، فكانت هناك "مماحكات ثقافية عديدة عن طبيعة النازية, وجنون معاداة السامية وأسبابه، فقد تحولت إلى مشاحنات مزَّقت العالمين الأكاديمي والإعلامي لسنوات, من دون أن يتم الاتفاق حول المسؤولية المنسوبة إلى هذا العامل أو ذاك فيما جرى، وبالأخص المسؤولية التي تقع على عاتق الألمان بشكل جماعي".([69]) وما أثاره كتاب دانيال ج. جولدهاجن بعنوان: الجلادون المتطوعون لهتلر: الألمان العاديون والهولوكست, باريس 1417هـ/ 1997م. وكتاب نورمان فنكشتاين بعنوان: صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال عذابات اليهود, باريس 1421هـ/ 2001م، حيث يرى أن ما قام به الألمان في المحرقة أوجدَ نوعًا من الطقوس أخذت طابعَ القدسية.

يقول جورج قُرم: "إن صورة اليهودي "التائه" صورة خلقتها الثقافة الغربية. لذا من الخطأ القول إن معاداة السامية ترقى إلى أقدم الأزمنة, بل إن رفض التعددية، والفردانية، وإيثار ما يجمع ويوحِّد في إضمار الأخوة الشاملة في المسيحية، هي التي أدت إلى نبذ كل الذين لا يعترفون بالمسيح، واضطهادهم في أزمنة القلاقل والحروب. لكن هذا النبذ كان يلائم المحافظين والمتشددين من اليهود، الذين بدا لهم عالم "المشركين" مدنَّسًا. مما ساهم في تعزيز عقلية الغيتو".([70]) ويُعرِّف الغيتو بالهامش على أنها كلمة " تشير إلى الأحياء التي أنكفأ إليها اليهود في المدن الغربية، لتجنُّب الاضطهاد، وكذلك لتجنُّب الحياة المشتركة مع "الكفار" من غير اليهود".([71])

ورغم المحاولات لدمج اليهود في المساق الوطني, كما فعلت فرنسا، ورفع شعور اليهود بالدونية، إلا أن اليهودية لا تزال تعيش نوعًا من الانفصام العقائدي، "وتتنازعها التيارات المتعارضة". فكان أن أُنشئت دولة يهودية، أو أُنشئَ وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، باسم دولة إسرائيل, التي وصفها المؤلف جورج قُرم بطفل الأنابيب. لا عيبًا في طفل الأنابيب، ولكن المراد أعمق من ذلك، فلقد "بذلت الدول الغربية جهودًا خارقة لإرساء دولة إسرائيل، بل سعت، بكامل وعيها، إلى إيجاد هذه الدولة مسخرةً كل طاقاتها الممكنة".([72])

ثم يتساءل المؤلف تساؤلاً منطقيًا:" كيف يمكن أن يكون الغرب علمانيًا وجمهوريًا، ويساهم في الوقت نفسه، من دون تحفظ، في إيجاد دولة مصطنعة تطالب بـ"حقها" في الوجود، استنادًا إلى نص ديني؟ إذا كان التبرير الأخلاقي الذي شرًّع وجودها بنظر الغرب، هو الاضطهاد الذي أُلحق باليهود على يد شعب آخر (أي الألمان)، فإنما تمَّ ذلك بمصادرة أرضِ شعبٍ آخر، أي الفلسطينيين، لا علاقة له بما حصل من اضطهاد في أوروبا للجماعات اليهودية".([73])

والسؤال منطقي، والمبرر (المسوِّغ) غير منطقي. ويبدو أن هذه القضية التي أثارت ما أثارت في المنطقة، بحيث تكون سببًا رئيسيًا فيما يجري في المنطقة، هذه القضية لم تخضع للمنطق، بل إنها دليل "صارخ" على الكيل بمكيالين، مما هو موضع قناعة تامة من قبل عدد غير قليل من المفكرين والمناطقة الغربيين، ويزداد هذا العدد مع مرور الأيام، فهل سيصل ذلك العدد المتزايد من ذوي القناعة أو القناعات بعدم منطقية زرع وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، إلى أن يكون هناك تأثير ما على هذا الوجود اليهودي في قلب العالم الإسلامي, وبالتالي يخفِّف من حدَّة التوتُّر في العلاقة بين الشرق والغرب؟



 

 

المُحَدِّد السادس: اليهودية (3)

في العدد (13610) من السنة الـخامسـة والأربعيـن لـجريدة عكاظ السعودية الصادر يوم الاثنين 7 شوال 1424هـ الموافق 1 ديسمبر 2003م. وفي الصفحة السابعة (زاوية ثقافة)، نشرت الجريدة مقالاً مطولاً (شغل الصفحة كلها) عن المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد الذي: "نافح عن قضايا الأمة بلغة يفهمها الغرب"، كما تقول الصحيفة. والمقال لم يكن لكاتب واحد، إلا أن المحرر الأستاذ/ جمال المجايدة استعرض أقوال مجموعة من المفكرين العرب أمثال الأستاذ/ شفيق الحوت، والدكتـــور/ محسن الموسوي، والدكتور/ يوسف الحسن، والأستاذ/ فواز الطرابلسي، والأستاذة/ عائشة إبراهيم سلطان، وغيرهم، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالراحل إدوارد سعيد.

ولقد كانت لي سياحة فكرية مع المفكر الراحل إدوارد سعيد في هذه الوقفات تحت عنوان:الاستشراق، عرضت فيها سيرته الذاتية التي كتبها بأسلوبه المعتاد بعنوان خارج المكان، وضمَّنتُها المُحَدِّد الخاص بالاستشراق في هذه الوقفات. وقد ترجمت سيرته شعورَه بأنه لم يكن يقيم في أمريكا إلا بصفته لاجئًا, يقيم خارج موطنه الذي عاد إليه، لا بصفته منتصرًا، ولكن أيضًا بصفته لاجئًا في بلده الأصلي.

 ولن أطيل في هذا فقد كُتب عن الرجل من الكتابات الصحفية والعلمية ما يستحقه من الكتابة، وسيُكتب عنه كذلك كتابات علمية ناقدة. لأن الرجل قد (أكّد أننا أقوياء إذا وثقنا بأنفسنا), كما يقول فواز الطرابلسي.

وربما أترك الخوض في هذا الموضوع إلى الصفحة نفسها التي نُشر فيها الاستطلاع والتحقيق الصحفي، إذ برز في أسفل الصفحة من جريدة عكاظ صورتان صورة لقبة الصخرة في القدس الشريف، ويُعبّر بها عادة عن المسجد الأقصى، وليست هي المسجد الأقصى.

والصورة الثانية التي تسـتـرعي التوقّف طويلاً جدًا والتأمُّل والاعتبار، إذ إنها في وقعهــا, عندي, لا يقل عن وقع الصورة الحية لمقتل الصبي/ محمَّد الدرة ــ غفر الله له ــ من حيث شناعةُ المنظر، والإساءةُ إلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحياة, أو النفس, التي نَعُدُّها إحدى الضروريات الخمس.

الصورة, كما وردت في الجريدة, تمثل امرأة مسلمة فلسطينية عليها الحجاب الأبيض بين مجموعة من اليهود الجنود، وامرأة أخرى خلفها لا يبدو أنها مسلمة، بل ربما كانت يهودية تسحب حجاب المرأة الفلسطينية من الخلف, بينما يقوم طفلٌ (صبي) يهودي، يلبس غطاء الرأس المميز لليهود، بركل المرأة المسلمة من خلفها، وجنود يهود واقفون يتفرجون، وأقرب اعتذار لهم، لمن أرد أن يعتذر لهم، أن حالهم يقول: "لم أُرِدها، ولم تسئُنِ"، ذلك أنهم مطالبون أمام آلات التصوير بالحفاظ على الأمن من وجهة نظرهم، ولكنهم، على ما يبدو، يحافظون عليه فعلاً من وجهة نظرهم, التي تسمح لهم بالإساءة إلى كرامة الإنسان، أي إنسان.

والصورة ليست جديدة في حق المرأة المسلمة، فقد اعتدى عليها يهودُ بني قينقاع في سوقهم، مما أدى إلى نشوب حربٍ, انتصارًا للمرأة المسلمة، وربما كانت سببًا من أسباب إجلاء اليهود عن المدينة المنورة.([74]) وأهينت امرأة في العصر العباسي (القرن الثاني الهجري) أيام الخليفة المعتصم فاستنجدت به، فما كان منه إلا أن ينجدها في معركة عمُّورية, التي قال فيها أبو تمام قصيدته المشهورة التي مطلعها:

السًّيْفُ أصْدقُ إِنْباءً مِن الكُتُبِ    في حَدِّه الحَدُّ بينً الجِدِّ والَّلعِبِ

 وبالتالي فإنه أصبح لزامًا على جميع المسلمين الانتصار, بأي لغة مناسبة غير لغة العنف, لأي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، يتعرّض للإهانة في كرامته من قبل أعداء الأمة.

ولعل في تصوُّر الصورة مع هذه الوقفة ما يكفي عن المزيد من التعليق, الذي قد يُساء فهمه, في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى عدم ترك أي مجال لسوء الفهم, الذي قد يوظّف ضد القضية الـتي نـحـن بصددها، وهـي الانتصار لكل من يتعرّض للإساءة, بسبب هويته الدينية أو الثقافية.

ولا يظهر لي أن هذه الصورة المعبرة لا تستحق قدرا من العناية والاهتمام لدى المعنيين المخولين القادرين على العمل على تلافي الصورة, أو الصور المتكررة, بحسب معطيات الزمان والظروف.



 

 

المُحَدِّد السابع: الاستعمار (1)

قبل الدخول في مفهوم الاستعمار مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق , المسلمين هنا, والغرب، لابد من احتمال هذا المصطلح لزمن, تحدد خلاله العلاقة بين الاستشراق والاستعمار من جهة، والتنصير والاستعمار من جهة أخرى، مع الاعتراف بالتداخل بين هذه العوامل الثلاثة, المُحَدِّدة للعلاقة على التفصيل القادم عند الحديث عن الاستشراق، ثم التنصير، ثم العلاقة بين التنصير والاستشراق.

وأثبت البحث العلمي أن هناك علاقة قوية بين كل من الاستشراق والاستعمار،([75]) ذلك أن الاستعمار قد أفاد كثيرًا من الاستشراق، واستخدم بعضَ المستشرقين مساندين للمستعمرين في وجوه:

الوجه الأول: أن المستشرقين قد استُخدموا مستشارين في وزارات الحربية، ووزارات الاستعمار, وكانت هناك وزارات للاستعمار, ثم وزارات الخارجية. وكان بعض المستشرقين موظفين في هذه الوزارات, في وظائف استشارية.

الوجه الثاني: أن بعض المستشرقين قد رافقوا المستعمرين في حملاتهم الاستعمارية، وأعانوهم على الوصول إلى المناطق, التي عرفها المستشرقون قبل الوصول إليها، بل إن من المستشرقين من صاغ البيانات الاستعمارية في البلاد العربية المستعمرة وباللغة العربية، ومنهم من أذاع هذه البيانات الاستعمارية في الإذاعات الاستعمارية, التي قامت حال وصول المستعمِر إلى الأرض المستعمَرة.

الوجه الثالث: أن بعض المستشرقين كانوا قد سبقوا المستعمرين إلى الأراضي التي احتلها المستعمرون، بل إن منهم من ولد في هذه الأراضي, لاسيَّما في الشام العربي, والشمال الأفريقي, العربي وشبه الجزيرة الهندية, قبل أن تتوزَّع إلى الهند والباكستان، ومن ثم إلى بنجلاديش من الباكستان، وسيَـر بعض المستشرقين تؤكد على دلك، إذ إن ولادة بعضهم كانت على الأراضي العربية أو الإسلامية.

والوجه الرابع: أن بعض المستشرقين عملوا وكأنهم قواعد معلومات, يستهدى بهم المستعمرون، دون أن يكونوا, بالضرورة, عاملين متفرغين في تلك الوزارات.

والوجه الخامس: أن الاستشراق كان دافعًا قويًّا للاستعمار, بما قدمه من معلومات سابقة، لم تكن مقصودة بالضرورة لغرض استعماري بعينه، ولكنها كانت معلومات جاهزة, فيها دعوة غير صريحة لاستعمار تلك الديار, لما ينتظر منها أو فيها من معادن وثروات طبيعية، وبما يمكن أن يستفاد من أهلها في بناء المجتمعات الغربية، لاسيَّما البنية الأساسية لتلك المجتمعات،باستخدام ما يسمَّى, خطأ لغويًا, بالعمالة الرخيصة، أي العمال الرخيصين, التي ظهرت أخيرًا، بل ربما ذهبنا إلى أبعد من ذلك عندما نلتفت إلى أفريقيا,في مسألة أخذ الرقيق (العبيد) منها, يخدمون في البيوت والمزارع والحظائر وغيرها.

وهناك وجوه أخرى اتضحت فيها جهود بعض المستشرقين في مؤازرة الاستعمار, الذي هجم على العالم الإسلامي حينًا من الدهر، على ما سيأتي بيانه في وقفة لاحقة بإذن الله تعالى.

ومع هذا كله فإن هذه الوقفة ركَّزت على التبعيض, وتعمّدت الابتعاد عن التعميم, فلم يكن جميع المستشرقين على هذه الشاكلة، بل إن منهم من نأى بنفسه عن الاستعمار. كما نأى غيرُهم بأنفسهم عن الولوج في غيابات التنصير، واكتفت هده الثُّلة من المستشرقين بالبحث والدراسة والإنتاج العلمي, من نشر ودراسة وتحقيق وفهرسة وتكشيف, وغيرها من الأنشطة العلمية. ومن العدل إثبات ذلك والوقوف عنده. كما أنه من العدل أيضًا إبراز جهود المنصرين في مؤازرة الاستعمار.



 

 

المُحَدِّد السابع: الاستعمار (2)

وكما قامت علاقة وطيدة بين الاستعمار والاستشراق, قامت علاقة أيضًا بين الاستعمار والتنصير، حتى عَدَّ الباحثون كثيرًا من المنصرين على أنهم مستعمرون.

ودعا التنصيرُ الاستعمارَ إلى البلاد العربية والإسلامية, ليسهِّل له الحملات التنصيرية, التي كانت تواجه رفضًا رسميًا من بعض حُكَّام البلاد العربية والإسلامية آنذاك، فكان من الأنسب للمنصرين أن ينضوي هؤلاء الحُكَّامُ تحت الحماية الغربية؛ ليخلو الجو لأرباب الحملات التنصيرية للتوغل في المجتمع المسلم, باسم المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ, أو باسم العِلْم أو الطب أو الإغاثة أو التدريب أو التنمية, أو غيرها من الوسائل الخفية للتنصير.([76]) هذا من وجه.

وفي الوجه الثاني استخدم المستعمرون المنصرين ممهدين لهم, للولوج في الفكر العربي الإسلامي للناس البسطاء في عمومهم آنذاك، عندما أوهم المنصرون المسلمين أن الاستعمار إنما يقصد رفع مستوى المسلمين المعيشي، والارتقاء بهم إلى مستوى حضاري, بعيد قطعًا عن الانتماء الديني للإسلام, بل إن هذا الاستعمار, كما يصوره المنصرون, إنما جاء بسبب بَرَكة المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ ودعوته المستمرة للمنصرين أن ينقذوا الناس في المشرق, ويخلصوهم من الظلام والضلال الذي هم فيه.

ومن وجه ثالث ربما استُخدِم المنصرون من المستعمرين, دون أن يدرك المنصرون هذا الاستخدام ومغزاه، ذلك أن مِن المنصرين مَن كان بعيدًا عن السياسة، ومنهم كذلك مَن أخذ التنصير بجدية لا تحمل خلفها أي مغزى آخر, سوى زعمهم بأنهم إنما يلبُّون تعاليمَ النصرانية, في نقل الناس من الضلالة إلى الهدى.

وكان هذا هو مبلغ علمهم, لاسيَّما أن هذه الفئة لم تكن لتتعرف على الإسلام على أنه دين سماوي، وإنما تعرفت عليه, بإيحاء من الاستشراق, على أنه تعاليم محمَّدية جاء بها ذلك الرجل في مكة, وألَّف كتابًا لقومه سماه القرآن, جمع فيه من تعاليم اليهودية والنصرانية والفارسية والهندية والرومانية واليونانية!

ولذا نجد أن بعض فرسان هذه الفئة من المنصرين يتخلون عن التنصير, عندما يتبين لهم خلاف ذلك, ويعتنقون الإسلام, ويصبحون دعاة له بين أبناء جلدتهم! وهذه الفئة التي أسلمت شكّلت تهديدًا واضحًا وقويًا, لا للحملات التنصيرية فحسب، بل للحملات الاستعمارية كذلك، إلا أنهم, إعلاميًا, لم يظهروا على الساحتين التنصيرية والاستعمارية، وهذا أمر واضح ومعلوم بالضرورة والممارسة الإعلامية, التي لا تُظهر إلا ما تريد هي إظهارَه.

وكان بعض المنصرين من ذوي الفئة البعيدة عن السياسة على قدر من السذاجة والطيبة, بحيث أصبحوا نهبًا للأطماع الاستعمارية, بحجة أن الاستعمار إنما هو امتداد للجهود, التي ينبغي أن توجد في المجتمعات الضالة, لتُقيم التنصير على هدايتها والرفعة بها من الظلام إلى النور, أي من ظلام الدين الذي هي عليه, وهو الإسلام هنا, إلى النور الذي عليه المنصرون, وهو النصرانية أو المسيحية وهم كما سبق إنما جاءوا لهذا.

ويتأخر تبيُّنُهم النوايا، واكتشافُهم الحقائق من وراء استغلال الاستعمار لسذاجتهم، عندها تكون ردود الأفعال لديهم قويةً وعنيفة، ولكنها تأتي متأخرة، وقد ينساق بعضهم وراء هذه المؤامرة عليهم من بني جلدتهم، فيتركون التنصير الذي جاءوا من أجله، وينخرطون فيما يمكن أن نسميه بتسييس التنصير، لاسيَّما إذا كانوا يحملون للمجتمع المسلم شحناءَ وبِغضًا مترسبًا من خلفية صليبية, لا تزال تطغى على كثير من العقول والأذهان.([77])

ولعله في هذه الوقفة والوقفة التي سبقتها اتضحت الرؤية في العلاقة بين التنصير والاستعمار من جهة، وبين الاستشراق والاستعمار من جهة، وعندها يمكن لنا الولوج في الاستعمار, من حيث كونُه مُحَدِّدا من المُحَدِّدات الرئيسية, التي قامت عليها العلاقة بين المسلمين والغرب، وهو من المُحَدِّدات التي يصعب علينا نحن المسلمين إغفالُها, ولو في عقولنا الباطنة, عند الحديث عن الحوار بين المحورين, الشرق والغرب.



 

 

المُحَدِّد السابع: الاستعمار (3)

مرت وقفتان عن الاستعمار، من حيث كونُه مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب، وكانتا قد ركزتا على العلاقة بين الاستشراق والاستعمار من جهة، والتنصير والاستعمار من جهة أخرى، حتى عُدَّت هذه المُحَدِّدات الثلاثةُ أهمَّ ركائز البعد بين المسلمين والغرب، بل الأبعاد بين المسلمين والغرب، وأتجاوز التأريخ الدقيق للاستعمار، والدول الـمُستعمِرة والمستعمَرة.

          ولا يُرضي بعضَ الباحثين مصطلحُ الاستعمار, ويفضل المصطلح البديل الاحتلال، بل لقد ظهر علينا مصطلح جديد بديل للاستعمار, وهو نقيضه: الاستخراب؛ لأنه هو الذي يعبر عن الحالة التي جثم فيها الغرب على الشرق، فلم يعمره، وإنما سعى إلى هدمه وخرابه والقضاء عليه.([78]) إلا أن مصطلح الاستعمار, قد طغى وصار مميِّزًا لهذا الحديث، بحيث ينصرف الذهن إلى مفهوم الاحتلال عندما يطلق مصطلح الاستعمار.

ولم يألُ الاستعمار, عبر تاريخه الطويل للبلاد العربية والإسلامية, جهدًا في تغريب المجتمع المسلم, بنزع الإسلام انتزاعًا من نفوس المسلمين؛ رغبة في ضمان التبعية السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، وغيرها من مناحي الحياة, التي يراد بها أن تسير بهدي من الإسلام.

وليس المقصود هنا إلقاء اللوم على الغرب وحده في هذا, وتحميله كل ما حلَّ بالمجمتع المسلم, نتيجة للاستعمار، لأن الغرب في هذا إنما يسعى إلى ترسيخ مصالحه في هدا المجتمع وغيره، ويسعى إلى إبعاد أي عامل من عوامل التنغيص لهذا الترسيخ، ويؤيِّد ذلك ما ذهب إليه المفكِّر الجزائري مالكُ بنُ نبيٍّ ــ رحمة الله عليه ــ من أن الاستعمار قد وجد قابليةً لدى المسلمين للاستعمار، فربض بينهم عقودًا طويلة، لم ينغّص وجودَه إلا تلك الأصوات العاقلة, التي نـبّهت إلى أخطاره، ودعت إلى مقاومته, والوقوف في وجهه.

والذين يدرسون الاستعمار ومقاومته يعلمون أن الذين وقفوا في وجهه هم المسلمون القادة, الذين خلَّدهم التاريخ، وإن كانوا قد عانَوا في سبيل إخراج المستعمر, حسًا وروحًا.

وظلت التبعيَّة للاستعمار والمستعمِر قائمة, حتى مع مرور عقود عديدة من السنين على أفول نجم الاستعمار.

ولا تزال المجتمعات المسلمة تعاني من آثار الاستعمار التي تمثلت في وسائل شتى؛ منها:

أولاً: محاولة القضاء على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، التي تربط المسلم بمقومات وجوده، وقصرها على المعابد، أي دور العبادة، المساجد هنا، وإبعادها عن المعاهد، أي الجامعات والمؤسسات البحثية والمؤسسات التنموية الأخرى. ولا تزال بيننا مؤسسات علمية وتعليمية تصرُّ على التعليم بلغة أخرى, غير اللغة العربية في بلاد العرب.

ثانيًا: السعي إلى فصل الدين عن الدولة، وإبعاد العلماء عن التأثير في السياسة في كثير من الدول الإسلامية، وليس بالضرورة في جميع البلاد الإسلامية، وقصر الدين على السلوكيات الخاصة، والأحوال الشخصية، وبالتالي تولي أمور الدولة من أشخاص ليسوا متحمِّسين لإدخال الفكرة الدينية في السياسة، وإن كانوا قد انطلقوا في البداية من الدين. وليس هذا مجالاً للتشهير والتشفّي والنياحة، بل الأمر هنا يعمد إلى التحليل العلمي الهادئ, الذي يشخّص واقعًا مَرَّ على هذه الأمة، وهي تحاول الخروج منه إلى الأفضل.

ثالثًا: إبعاد الدين عن الاقتصاد، والسعي إلى زجِّ المجتمع المسلم في نظامين اقتصاديين كانا قائمين، الاشتراكية والرأسمالية، بل كلنا يذكر أن بلدًا قياديًا من بلاد المسلمين عندما تبـنّى الاشتراكية جعل الإسلام هو دين الاشتراكية، وجعل محمَّدا e وصحبه y هم الاشتراكيين، وتغنَّت المغنية بأن النبي محمَّدا ــ عليه الصلاة والسلام ــ هو إمام الاشتراكيين، ووصف أحدُ الكُتَّاب ــ غفر الله له ــ  أبا ذر الغفاري t أنه ذلك الاشتراكي الزاهد.([79])

رابعًا: تبنـّي الثقافة والآداب الدخيلة، بل تلك التي سئمها أصحابها، فصدّروها إلى من تلقفها، ورأى فيها مخرجًا للمأزق الثقافي الذي عاشته الأمة في فترة تغييبها عن الوعي، تلك الفترة الاستعمارية، وما سبقها. فظهرت على المجتمع ظاهرة الحداثة التي تبـنّت الحرب على التراث، وكان هناك صراع مفتعل بين التراث والمعاصرة، وحورب التراث في سبيل النهوض بالحداثة,([80]) وأهينت أوعية معلومات التراث، الكتب والمخطوطات، وصارت تدعى بالكتب الصفراء، وصار هذا المصطلح يوحي بالتخلف والرجعية.

خامسًا: دعوة المرأة إلى التمرُّد على الأوضاع التي تعيشها، وهنا خلطٌ بين الأوضاع السيئة التي تعيشها المرأة, بسبب تقاليد وعادات محليَّة، لا تحترم بالضرورة المرأة، وبين نظرة الإسلام الواضحة للمرأة، بل ربما كان هناك تعمُّدٌ بلصق هذه العادات والتقاليد بالإسلام، وأنه لم يعطِِ المرأة حقوقَها التي حصلت عليها نظيراتها في المجتمعات المتقدمة، مما يعني الثورة على هذا الوضع، وتبنـّي النموذج الغربي في التعامل مع المرأة، دون النظر إلى سلبيات هذا النموذج على المرأة نفسها، وبالتالي على المجتمع والأمة.

سادسًا: بذر الشقاق بين المسلمين على المستويات الرسمية, بالمغالطات في رسم الحدود، وإيجاد تداخلات فيما بين الدول، بحيث تبقى المنطقة في قلق دائم، ومنازعات مستمرة، مما يرسِّخ الحاجة الدائمة إلى الغير في فض النزاعات، واللجوء إلى التحكيم الدولي، بل النزوع إلى المؤسسات الدولية في الحكم على نزاعات نَعُدُّها سطحية، ولو كانت العزيمةُ قائمةً على التفاهم والودِّ، ونبذ الخلاف، والتلاقي عند نقاط اللقاء. وغير هذه العوامل التي يطول بذكرها المقام.

ويظل الاستعمار, برغم أفوله, عاملاً مهمًا ومؤثرًا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب، مما يستحق معه إطالة الوقوف مع هذا العامل, الذي ترك آثارًا سلبية على المجتمع المسلم، لا يزال المسلمون يعانون منها. وقد يحتاجون إلى زمن طويل, قبل الخروج من هذه المؤثرات لهذا المُحَدِّد الواحد.

 



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (1)

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب التنصير الذي كان، ولا يزال، موجَّهًا إلى المسلمين وغير المسلمين بصور مختلفة, تتقلَّب بحسب الحال, وبحسب البيئة، بل وبحسب الزمان والمكان، فالحملة التنصيرية الموجَّهة إلى مجتمع مسلم, تختلف عن الحملة إلى مجتمع غير مسلم, بعيدٍ عن الإسلام في عقيدته, وتختلف عن الحملة التنصيرية الموجهة إلى مجتمع مسلم قوي في عقيدته. وبوضوح أكثر, ومع عدم الادعاء التام بالبعد عن العقيدة, وقوتها في نفوس المسلمين، نجد أن الحملات التنصيرية, الموجهة إلى المسلمين جنوب الصحراء الكبرى تختلف عن الحملات التنصيرية, الموجهة إلى منطقة الخليج العربية.

وسواء أكان الدافعُ الأوَّلُ للحملات الصليبية هو الدِّين، أم أن هناك دوافعَ أخرى اقتصادية وسياسية، إلا أنه يمكن أن يُقال: إن الحملات الصليبية كانت, في ظاهرها على الأقل, حملاتٍ تنصيريةً, أخذت صورة الغزو المسلَّح, واحتلال الأرض, وإخراج المسلمين منها.

وحيث لم تنجح هذه الصورة, عَمِد التنصير إلى الدراسة والتحليل للمجتمعات المسلمة, فواجهها بما تحتاجه من تعليم وتدريب, أو علاج, أو هبات مالية, على شكل مشروعات تنموية. هذا في الوقت الذي استعان به المنصِّرون بالمستشرقين في الدخول في عمق المعتقد الإسلامي, وامتهان مهمة الاستشراق القديم, في التشكيك في هدا الدِّين بجميع مقوماته ورموزه.

وحيث لم تنجح هذه الصورة أيضًا, بالشكل الذي يوازي الجهود البشرية والمالية المبذولة، عَمِد التنصير إلى اتباع الصور الأخرى, التي اتفق على تسميتها بالوسائل الخفيَّة للتنصير, التي تظهر شيئًا غيرَ التنصير، فجاء التنصير مع العاملين النصارى في المجتمعات المسلمة، سواء أكان هؤلاء العاملون مهنيين فنيين خبراء، أم كانوا عمالاً غير مؤهلين مهنيًا.

وتبع هذا وجودُ مؤسسات تُظهر أنها تقومُ بمهماتٍ رسميَّةٍ, وأعمالاً خدميَّةٍ مدنيَّةٍ, ولكنها تخدم التنصير مباشرة, كبعض البعثات الدبلوماسية والملحقيات الثقافية والتجارية والإعلامية والشركات وغيرها.

ومن المهم التوكيد على أن هذا الاتهام لا ينسحب على الجميع، ولكن التنصير ظهر في بعض هذه المؤسسات.

ومع هذا كله، ومع هذه الجهود كلِّها, فشل التنصير في تحقيق هدفه الظاهر والقريب، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن من الكلمة نفسها, مصطلح التنصير, الذي يوحي بإدخال غير النصارى في النصرانية، فقد تنازل التنصير عن هذا الهدف مرحليًا، لاسيَّما في المجتمعات المسلمة، وأضحت مهمةُ التنصير, لاسيَّما في المجتمع المسلم، العملَ على إخراج المسلمين من الإسلام.

ولم يتحقق هذا الهدف, أو هذه المهمة, بالسهولة المتوخاة، إذ إن الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد, التي تتماشى مع فطرة الإنسان. هذا بالإضافة إلى أن الإسلام بقى نقيًّا محفوظًا من كل محاولات التغلغل فيه لتقويض دعائمه، ذلك أن الله تعالى قد تكفَّل بحفظه, مادام على هذه الدنيا نفسٌ تتعطش للأمان الروحي, وتسعى إلى توطيد العلاقة، علاقة المخلوق مع الخالق. قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وِإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ}[الآية 9 من سورة الحجر].

وهنا عاد المنصِّرون إلى المستشرقين في مسألة التشويه, والدخول في عمق العقل البشري المسلم، وتشكيكه في عقيدته, من خلال استخدام الأسلوب الاستشراقي في التشويه, من لدن بعض قدامى المستشرقين، الذي لم يَعُد بحق مقبولاً اليوم, حتى من مستشرقي اليوم أنفسهم.

ولمَّا لم تُجْدِِ هذه الوسيلة, عَمِد التنصيرُ الموجَّه للمجتمع المسلم إلى إدخال أفكار غريبة على المفهومات الإسلامية, في الممارسات وفي الأفكار, مما نسميه اليوم بالدعوة إلى التغريب, الأمر الذي دعا المسلمين إلى التحذير من هذه الحملة التنصيرية, والتصدي لها بالتأصيل, أو الأصالة, وأسلمة العلوم, وتوجيهها الوجهة الإسلامية.

 وهذه وقفة أخرى من الوقفات, التي تحدُّ من هذا التيَّار الذي أسهم في تحديد العلاقة بين الشرق والغرب. على أن موضوع التنصير موضوع طويل, لا يزال الفكر العربي والإسلامي يكتب عنه الكتب والمقالات، وتدرِّسه الجامعات ومراكز البحوث,([81]) مما يستدعي إطالة الوقوف معه في الوقفات القادمة.



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (2)

عندما قدم وفد من نصارى نجران إلى المصطفى محمَّد e كانت بينه وبينهم مناقشات وحوار وحجاج، انصرف بعدها الوفد, فاختلفوا في قبول الرسالة، فمنهم من عاد وآمن بسيدنا محمَّد e، ومنهم من بقي على نصرانيته.

وأعدُّ هذا الموقف, والموقف الذي تمَّ في الحبشة بين النجاشي ومهاجرة المسلمين, نواة العلاقة بين النصرانية والإسلام, التي تجسَّدت في هذا الحوار والنقاش, الذي دار حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ، يضاف إليه الحوار, الذي تمَّ في الحبشة بين النجاشي والمسلمين المهاجرين الفارِّين من ضيم قريش, قبل إسلامها. ([82])

ومنذ ذلك الحين والحوار قائم, مصداقًا لأمر الله تعالى المسلمين إلى الحوار في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}[الآية 64 من سورة آل عمران].

ومن أشكال الحوار بين النصرانية والإسلام ذلك المفهوم القديم المتجدد في دعوة غير النصارى إلى النصرانية، واصطلح عليه باسم التنصير، ويسميه البعض بالتبشير، ولكنه إلى التنصير ألصق.([83]

فقام لهذا رجال ونساء منصِّرون, يجوبون البلدان, قُراها ومدنها وأريافها، يدعون الناس إلى اتباع يسوع المسيح بن مريم ــ عليهما السلام ــ, على أنه ابن الله, أو أنه ثالث ثلاثة, أو أنه هو الإله المخلِّص الشافي, يدعون إلى ذلك, دون أن يكونوا جميعًا على اقتناع تام بما يدعون إليه.

وعندما يعملون في هذا المجال في مجتمع مسلم, يتعرفون على عقيدة المسلمين القائمة على التوحيد، وليس الاتحاد، فيجدون الأمان الروحي, الذي يبحثون عنه، فلا تلبث طائفة منهم طويلاً في البحث والدرس والقراءات, حتى يعلنوا إسلامهم, ويتخلَّوا عن الحملات التي يقودونها, أو يشاركون فيها. ومن هؤلاء من يتحوَّل إلى داعية إلى الإسلام, محاولاً بنهجه الجديد أن يكفِّر عن جهوده في التنصير, بعد أن تبين له الحق.

ولم تعد هذه الفكرة تمثل حالات فرديَّة، ولكنها أضحت ظاهرة, يمكن رصدُها, وبحثُها, والكتابةُ عنها.

ولا يقتصر الأمر على المنصرين العاديين، بل إن القُسسَ أنفسَهم أقبلوا على الإسلام، ليس في الماضي فحسب، بل إن هذه الظاهرة تتجدَّد إلى يومنا هذا.

ولا يكتفي القسس بالتحوُّل إلى الإسلام ونبذ النصرانية، ولكنهم, بحكم ما هم عليه من مرتبة دينيَّة, يسعون إلى كشف بعض أسرار النصرانية, وما يدور في مجتمع الرهبان والكهان والراهبات، مما يزيد من الابتعاد عن النصرانية, وبالتالي الاقتراب من الإسلام.

ويستمر هذا الشكل من أشكال الحوار, الذي تتجلى فيه هداية الحيارى إلى الدين الحق, إذا ما لاحظنا أن ارتداد المسلمين من خلال هذا الحوار يكاد يكون معدومًا, نظرًا لقوة السلاح العقدي لدى المسلمين, الذين يحيرون به محاوريهم, دون أن يتأثَّروا هم بما لدى الآخرين من مقدمات خاطئة, تقوم عليها نتائج خاطئة، مما يؤدِّي إلى تخلِّيهم عن هذه المقدِّمات والنتائج, والوصول إلى الأمن العقدي, باعتناق الإسلام.

ولا بُدَّ من التركيز على هذا الحوار, والإكثار منه؛ لما فيه من فوائدَ عديدةٍ، يأتي منها تجلية الإسلام, وتخليصه مما ألحقه به الغير, وبعضُ أهله، ثم يأتي منها دخول الغير في دين الله افواجًا.



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (3)

ويتعرَّض الطلبة الدارسون في الخارج إلى حملات التنصير, بشكل واضح جدًا. تبدأ الحملات غالبًا في معاهد اللغة, أو ربما بدأت في المكاتب المخصَّصة لرعاية الطلبة الأجانب, في الكلية أو الجامعة. هذا عـــدا عن أفراد يقرعون أبواب المنازل, ويبشِّرون بالمسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ. وربما كانوا أَبعدَ من غيرهم عن تعاليم المسيح ابن مريم ــ عليهما السلام ــ, هذا إذا كان قد أُبقي على شيء من تعاليم المسيح ابن مريم ــ عليهما السلام ــ.

وكنت في شقَّتي الصغيرة, يومًا, عندما قرع عليَّ الباب مجموعة من الرجال. نظرت إليهم من منظار الباب فوجدت أشخاصًا عليهم سيماء طيبة. وثياب مألوفة. فعلمت أن هؤلاء مسلمون. فتحت الباب ورحبت بهم. وكانوا من الأخوة الهنود والباكستانيين وبعض المقيمين من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية, يجوبون البلاد, ويذكرون الناس, مبلَّغين إياهم ضرورة التمسُّك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمَّد e.

وكان من بينهم رجل يلبس الثياب الهندية, ولكنه من الأمريكيين. فدفعني الفضول إلى سؤاله عن الطريق الذي وصل منه إلى الإسلام, فأجابني الرجل أنه دخل الإسلام عن طريق التنصير, فعجبت كثيرًا. وبدأ عليّ العجب, وقدَّر عجبي. فقص عليَّ خطواته الأولى نحو التعرف على الإسلام.([84])

كان في حملة تنصيرية في الهند فريق من أولئك الذين نذروا أنفسهم للمسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ. ومرَّ على قرية خرجت, عن بكرة أبيها, إلى ساحة عامة. اصطف فيها الناس صفوفًا منتظمة وعجيبة, وأمام هذا الحشد رجل واحد, كلما تحرك تحرك الجميع كما يتحرك, ولا يتحركون قبل أن يتحرك, فعلم الرجل أن الناس جميعًا في شأن, فانتظر حتى بدا عليهم الانتهاء من هذا الشأن, حين انصرفوا, وبحث عن شخص يتكلم اللغة الإنجليزية, فانبرى واحدٌ من الجمع, فسأله الرجل عما كانوا يعملون, فأجابه بأنهم كانوا يصلون لله تعالى صلاة جماعة, ولعل الوقت كان جمعةً أو عيدًا, فسأله عن هذا الدين الذي أوحى إليهم بهذه الطريقة الجميلة في العبادة, فأجابه بأنهم مسلمون, فهزَّ الرجل رأسه عجبًا.

ولم يكن يعرفُ عن الإسلام إلا ما درَّسوه له في الثانوية من أنه دين يستولي على خيرات الأمم, ويجلبها إلى مكة المكرمة, حيث قبر الرسول! ولم يكن يعرف عن الإسلام إلا ما أملوه عليه في بداية الحملة, من أنه دين يهدد الوجود البشري بأكمله, ولكنه وجد شيئًا عجيبًا.

ترك الجمعَ وذهب يبحث عن الإسلام, ولم يستمر كثيرًا في الحملة التي جاء معها, فقد خفت فيه الحماس, وبدا يستعيد المعاني التي يمكن أن يجدها في دينه على شاكلته التي هو عليها, ووقف وقته على القراءة عن الإسلام, عزم على أن يقرأ عن الإسلام بأقلام المسلمين, ولم يكن يعتمد كثيرًا على ما يكتبه أبناء قومه من المستشرقين؛ لأنه أدرك أنهم لابد طاعنون في الإسلام, وقرأ كثيرًا, فوجد الخير في الإسلام, ثم أعلن دخوله فيه.

وفي سبيل أن يكفِّر عن خطيئته, التي جرته إليها الحملات التنصيرية, وقف وقته على الدعوة إلى الله تعالى. في البدء كان يرافق مجموعة من الرجال ينصت إلى ما يقولون فهو لا يزال يتعلم, وفي الوقت نفسه كان يزداد علمًا, من خلال ما يقرأ ويسمع, ثم بدأ يدخل مجال الدعوة في تبيان فضل الإسلام, بالمقارنة بالدين الذي خرج منه, وما يبذُرُ هذا الدين الجديد من الطمأنينة في النفس, حينما يتجه المرء إلى الواحد الأحد, بدلاً من أن يتجه إلى ثلاثةٍ من ثلاثةٍ, أو إلى اثنين من ثلاثةٍ, أو إلى واحد من ثلاثة, أو لا يتجه إلى أي من هذه الثلاثة.

وهذه ليست هي الحالة الوحيدة التي يهتدي فيها منصرون إلى الإسلام, فقد حدث هذا في أفريقيا, ويحدث الآن في أماكن كثيرة. وقد نشرت جريدة المسلمون المتوقفة, خبر منصِّر هداه الله إلى الإسلام, وكانت الجريدة تنشر أخبار قساوسة يسلمون.

وتكاد تكون المسألة هنا ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة, فاهتداءُ النصارى واليهود, وغيرهم أمرٌ ليس غريبًا أو عجيبًا, ولكن اهتداء من حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى دينهم أمر يستحق التوقف حقًا.([85])

والمراد من هذه الحادثة الوصول إلى نتيجة, قد تكون قابلة للتعميم, فنحن نتحدث عن الوسائل التي يستعين بها المنصرون في حملاتهم, ومن هذه الوسائل نذكر الحقد التقليدي على الإسلام, من قبل أولئك الذين يدرسون الحروب الصليبية, ثم يريدون لها أن تمتدَّ حربًا صليبية, تأخذ أشكالاً أخرى من السلاح, غير الشكل الذي كانت عليه الحروب الصليبية.

وندرس ضمن هذه الوسيلة الاستعداد الذاتي لدى المنصرين, ورغبتهم في السفر والاختلاط بالأمم الأخرى, التي يراد لها أن تتنصَّر, وما يتبع هذا الاختلاط من التخلي عن سبل الرفاهية التي عاشت عليها الأمة الغربية, وندرس ضمن هذه الوسيلة أيضًا إيمان بعض المنصِّرين بما يدعون إليه إيمانًا عقديًا.

ثم تأتي هذه الحالة, وحالات مشابهة, لتنبهنا إلى أن علينا عدم التعميم في الأحكام, فليس كل من يشترك في حملات التنصير مؤمنًا بما يقوم به, وليس كل من يشترك في حملات التنصير حاقدًا على الإسلام والمسلمين, ولكنَّ جماعةً من هؤلاء مضلَّلون, لديهم الرغبة في نشر الخير, فلم يجدوا وسيلة أمامهم إلا حملات التنصير, فلما يتبين لهم الحق يتركون ما هم عليه, ويتبعون الحق.

وهذا يُلقي عبئًا آخرَ على الدعاة إلى الله في أن يجدُّوا في اتباع السبل الحديثة المشروعة في الدعوة إلى الله, وأن تكون هناك لقاءاتٌ مع مجموعات المنصِّرين, تكون فيها مناظرات وحجاج ونقاش.

ولا يستغرب المرء أن تتحوِّل هذه الجهود والإمكانات التي يقوم بها المنصِّرون في مصلحة الإسلام, ولا يستغرب المرء, كذلك, أن تتحوَّل مجموعاتٌ من الأعضاء في الجمعيات التنصيرية إلى الإسلام, إذا ما اتضح الإسلامُ إلى هذه الجمعيات والمجموعات.

وعليه فإن مجرد التوعية بأخطار الجمعيات التنصيرية المنتشرة اليوم قد لا يكون كافيًا, بقدر ما تكون البدائل متوافرة. ومن هذه البدائل التوجُّه إلى هذه الجمعيات والجماعات وانتزاع المضلَّل منهم, والتشكيك في المصمِّمين منهم, وتشكيكُهم هم بجدوى ما يقومون به, على المستويين الدنيوي والأخروي.

وهذه مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات المناطة بالدعاة إلى الله تعالى, الذين آلوا على أنفسهم مزاحمة الباطل بالحق, وإنقاذ الأمم الأخرى من الضلال, ومن الدعاة إلى الضلال, وتبقى المقومات والإمكانات الأخرى المطلوبة في سبيل القيام بهذه المسؤوليات. ندعو الله أن يتنبَّه إليها القادرون, فيكونون للدعاة مصادرَ للدعم, والتمويل, والعون, وتذليل الصعاب.



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (4): إحصائيات

نشرت مجلة الكوثر التي يصدرها الدكتور عبدالرحمن بن حمود السميط في عددها الثاني والأربعين لشهر محرم وصفر 1424هـ (أبريل 2003م) إحصائية عن التنصير لعام 1424هـ/2003مو([86]) ذكرت فيه أن مجمل التبرعات للإغراض التنصيرية بلغت ثلاث مئة وعشرين مليار (320,000,000,000) دولار للعام 1424هـ/2003م. وكانـــــت قــــد بلغت عـــــــام 1390هـ/1970م سبعــــين مليار (70,000,000,000) دولار وبلغت عام 1420هـ/2000م مئتين وسبعين مليـــــار (270,000,000,000) دولار، ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/2025م ثمان مئة وسبعين مليار (870,000,000,000) دولار.

وسيبلغ عدد المنظمات والجمعيات التي ترسل منصرين أربعة آلاف ومئة وخمسين (4150) منظمة وجمعية، وكانت قد بلغت سنة 1390هـ/1970م ألفين ومئتي (2200) منظمة وجمعية، وبلغت سنة 1420هـ/2000م أربعة آلاف (4.000) منظمة وجمعية. ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/2025م ستة آلاف (6.000) منظمة وجمعية.

وذكرت مجلة الكوثر, نقلاً عن النشرة الدولية لأبحاث التنصير,([87]) أن عدد المنصِّرين المفرَّغين, من المحلييِّن والأجانب, بلغ للعام 1424هـ/ 2003م خمسة ملايين وسبع مئة وتسعة وثمانين ألف (5.789.000) منصِّر ومنصِّرة, وأن عدد الأناجيل التي طبعت في منتصــــف ذلك العام 1424هـ/ 2003م, قد وصل إلى إثنين وستين مليون (62.000.000) نسخة, وأن عدد محطات الإذاعة والتلفزيون التنصيريَّة وصل, في المدة نفسها, إلى أربعة آلاف وخمس وسبعين (4075) محطة إذاعة وتلفزيون، يستمع إليها ويشاهدها ما لا يقل عن ست مئة وثمانية وخمسين مليون (658.000.000) مستمع ومستمعة, ومشاهد ومشاهدة.

وقد أعَدَّ هذه الدراسة الإحصائية للنشرة الدولية لأبحاث التنصير كل من الأستاذ الدكتور ديفيد باريت, المتخصص في إحصاءات التنصير بجامعة ر يخت في فرجينيا، ورئيس مركز أبحاث التنصير في مدينة ريتشموند بفرجينيا كذلك، والأستاذ الدكتور نود جونسون, أستاذ اللاهوت في كلية دير فيلد بولاية إلينوي.

وذكرت صحيفة الكوثر أن عدد الحاسبات الآلية المستخدمة في التنصير قد بلغ أربع مئة مليون (400.000.000), واتضح صحة هذا الرقم الفلكي, بعد التحقُّق منه من مصدره الأصلي في النشرة الدولية لأبحاث التنصير, إلا أنه يشير إلى عدد استخدامات الحاســـب الآلي، التي كانت صفرًا سنة 1900م، ثم بلغت ألفـــًا (1,000) فقط سنة 1390هـ/1970م، ثـــم ارتفعـــت إلى ثـــلاث مئـــة واثنـــين وثلاثـــين مليـــون (332.000.000) استخدام سنة 1420هـ/ 2000م لتصل إلى أربع مئة مليون (400.000.000) استخدام لسنة 1424هـ/ 2003م، ثم يتوقع أن تصل إلى مليار وخمس مئة مليون (1.500.000.000) استخدام, بحلول عام 1445هـ/ 2025م.

 وتحت كلمة تبشير يوجد على الشبكة العنكبوتية, وشبكة ياهو تحديدًا, أكثر من واحد وثلاثين ألف ومئة (31,100) موقع للتنصير, والمنظمات والهيئات والمعاهد التنصيرية.([88])

وقد بلغت الكتب المنشورة حول التنصير في عام 1424هـ/2003م مئة وثمانية وعشرين ألف (128.000) كتاب، وستبلغ سنة 1445هـ/2025م مئــــــة وخمســــة وتسعــــــين ألف (195.000) كتاب.

أمــــــا الصحف (المجلات، والدوريـــات ) فتبلغ تسعة عشـــــر ألف (19.000) دوريــَّــة, وستصل إلى ثمانين ألف (80.000) مجلة ودوريَّة, بحلول عام 1445هـ/ 2025م.

أما الخطط التنصيرية فقد بلغت في العام 1424هـ/ 2003م ألفًا وست مئة وعشر (1,610) خطط، وستصل سنة 1445هـ/ 2025م إلى ثلاثة آلاف (3,000) خطة.

وتوضع هذه الأرقام الحديثة أمام ناظري القارئ والقارئة الكريمين دون أدنى تعليق, سوى أنها أرقامٌ تثير الاستغراب, من حيث ضخامتُها.

وهذا السبق في تحديث المعلومة, بما في ذلك توقُّع ما ستكون عليه المعلومة, يحتِّم إيجاد مجال للتخطيط, فيما يتعلق بالمواجهة لهذه الحملات, التي لم تسلم منها المجتمعات المسلمة، إذ إنها مستهدفة من ذلك.



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (5)

توفيت في الهند الراهبة تيريزا, في الوقت الذي شغل فيه الناس بوفاة الأميرة ديانا مع عماد الفايد. ومع هذا فلم يخل موت الراهبة "الأم" تيريزا من تأبين كبير, من المسؤولين في العالم الغربي, من رؤساء الدول والحكومات والمؤسسات الدينية والثقافية, والمؤسسات الشرقية كذلك.

وقد سبق لهــــذه الراهبــــة الحصول على جائزة نوبل للخدمات الاجتماعية, التي قامت بها في كلكتا وما حولها من الهند.

وهي التي ركزت حياتها ورسختها كلها للتنصير في هذه المنطقة, واستطاعت النجاح إلى قدرٍ عالٍ من النجاح، بحيث تمكنت من إيجاد مؤسسة تنصيريــــة في تلك المنطقــــة، ثم توزعت جهودها في المنطقــــة العربية وفي منطقــــة البلقان, إبان الحرب بين المسلمين والصرب في البوسنة والهرســــك.

وكانت تعمل بصمت, بعيدًا عن الأضواء، وتقوم بجهودها واتصالاتها بالمؤسسات التنصيريــــة في الغرب, للحصول على الدعم المادي والمعنــــوي, بهدوء تــــام.

كما كانت تظهــــر في الأماكــــن العامــــة, وهي على قدر عالٍ من الهــــدوء والتسامــــح، متقمصةً كثيرًا من العــــادات الهنديــــة في السلام واللباس, حتى كسبت ثقةَ الناس هنــــاك، وأوجدت شكلاً من اللباس يتوافــــق مع خلفيتها الدينيــــة الكاثوليكيــــة والمجتمــــع الذي تخدم فيــــه, وتقــــوم بجهودهــــا بكل اقتــــــــدار.

واستطاعت بذلك تحقيق كثير من التوصيات التي أصدرتها مؤتمرات التنصير المتتابعة في الشرق والغرب، ومن ذلك إيجاد منصِّرين محليين, يكون القبول منهم أكثرَ من القبول من الوافدين المنصِّرين. ([89]) وأوجدت في مؤسستها هذه منصرات محليات, يحملن رسالتها, كما حملتها من قبل. وسيكون تأثيرهن على مجتمعهن أقوى مما كانت هي عليه.

وهذه من الحالات القليلة التي تزداد فيها الجهود, ويتكثف التأثير عند رحيل الشخص, الذي كان يُعَدُّ المحرك الأول لهذه الجهود ولهذا التأثير.

ولست أظن أن وفاة الراهبة تيريزا سيوقف الحملة التنصيرية, التي كانت تقوم بها، بل إنها ستزداد حفاظًا على رغباتها, التي كانت تمليها على جملة من التابعات من الأخوات الهنديات.

ونحن ننظـــر إليهـــا من هذا المنطلق، وننظر كذلـــك إلى أنها قـــد أُتيح لها هـــذا التأثير في غياب البديـــل الإســـلامي، والنـــاس هناك, وفي كل مكان, بحاجة ماسة إلى من يحميهم من القلق العقدي, الذي يعيشون فيه. ومتى ما وفقوا إلى الدعــــوة, بكل ما يحمله مفهوم الدعوة من معنىً شامل, فلن يرحِّبوا بتلك الدعــــوات التي تتعارض مع الدعوة الصادقة, التي تنقل الناس من الظلمات إلى النــــــور.

ولا نؤخذ نحن بما تناقلته الأنباء, وركز عليه الإعلام, من جهود الأم تيريزا في خدمة ذلك المجتمع أو غـــيره، فقد كانت منصِّرِة تنصيرًا صريحًا، لم تخفِه بتعليم أو تطبيب أو تدريـــــب، ولكنها بنت لها كنيسةً, وانطلقت في خدماتها منها, وأنهت حياتها فيها.

ومهما كان تأثير الإعلام فإننا مطالبون بأن نضع الأمور في موضعها, من خــــلال منظورنا نحن لهذه الأمور. ثم ننظر بعد ذلك إلى ما كان ينبغي منا, وما كان لا ينبــــغي.

ولا يُستبعدُ قيام مؤسسة علمية تنصيرية باسم هذه الراهبة, تخليدًا لجهودها في التنصير، كما قامت مؤسسة علمية باسم السموأل "صموئيل" زويمر, في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية, تخليدًا لجهوده في التنصير في منطقة الخليج العربية.([90]) وهذا متوقع لما تناله جهود أولئك من تثمين.



 

 

المُحَدِّد الثامن: التنصير (6)

كانت الوقفة السابقة قد ركَّزت على وفاة "الأم" تيريزا المنصِّرة المشهورة في الشمال الشرقي من شبة الجزيرة الهندية، التي امتدت نشاطاتها إلى بريطانيا وألبانيا والبوسنة والهرسك ولبنان، وربما غيرها، لأن مهمتها ممتدة، ولا تخضع للمكان. وإن كانت قد ركزت نشاطها في الهند، واتخذت لذلك الأسلوب الهندي في التحية واللباس، حتى اللهجة التي تتحدث بها الإنجليزية. وهذه من توصيات مؤتمرات المنصِّرين في تقمص شخصية الجهة المستهدفة للتنصير. ([91]) وقد تم دفنها بعد أسبوع من وفاتها .

وكان هناك عتاب من بعض المحبِّين على الموقف من هذه المنصِّرة, حينما وصفتها بالسماحة والرقة. وإنما كنت أصف حالها وهي تمارس دورها، وهي بهذا تحقق هدفين تنصيريين، أولهما أنها تطابق تعاليم المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ فيما توارثه عنه النصارى, من قولهم عنه عبارة مشهورة: "إذا صفعك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر". وهل حقًا قالها عيسى بن مريم  ــ عليهما السلام ــ أم لم يقلها؟ فإن النصارى يرددونها، ويتمثلونها في حملاتهم التنصيرية, وإن اضطروا إلى تصنِّعها.

والهدف الثاني من هذا السلوك أنها تذكِّر الهنود بزعيمهم الراحل المهاتما غاندي, الذي وقف في وجه الاستعمار البريطاني بالفلسفة والهدوء.

وليس هناك من داعٍ إلى إغفال وصف الشخص بما ظهر عنه, وإن كان بيني وبينه خلاف جذري, كالاختلاف الديني, والعقدي, والفكري, والثقافي؛ إذ إن وصفي له بما يظهر منه لا يتعارض مع اختلافي معه، ولا يعني, عندي, أنني أضفي عليه من الإيجابيات ما يطغى على موقفي منه. وذاك السلوك كان ديدين "الأم" تيريزا.

وليست هذه نقطة مهمة جدًا، إلا أني رغبت أولاً في تجلية هذا الموقف مني، إذ إني متابع لنشاط هذه المرأة التنصيري إلى حدٍ يتيح لي الكتابة عنها، وبيان تركيبتها الشخصية, التي تخدم من خلالها أهدافها التنصيرية.

ثم رغبت ثانيًا في تذكير الجميع أنها امرأة منصِّرة, أقامت مؤسسة تنصيرية, تخرجت منها منصرات محليات، وذلك تنفيذًا أيضًا لتوصيات مؤتمرات التنصير المتلاحقة.([92])

ولا بدَّ من التوكيد على ذلك في وقت ينظر فيه الإعلام إلى هذه المنصرة على أنها شخصية خيرِّة, تسعى إلى فعل الخير وجبر العثرات, من منطلق إنساني بحت, لا علاقة للانتماءات العقدية فيه، كما يريد لها البعض أن تكون من أولئك الذين لا يتصورون أن العالم الحديث يقبل الحملات التنصيرية.

وربما كان هذا الموقف نابع عن انهزامية تجاه هذه الحملات القادمة من الغرب، اعتذارًا من هؤلاء المنهزمين للغرب، الذي لا يقدم في زعمهم إلا الخير للإنسانية, من منطلقات حضارية بحتة, تغفل الجوانب العرقية والعنصرية والعقدية والجنسية وغيرها. ([93])

هــذا وإن انتهت حياة هذه المنصرة, فالمنصرون والمنصرات يُعَدُّون بمئات الآلاف،([94]) وسيظـــهر على السطــح منصرون ومنصـــرات لا يقلون خطـــرًا على المسلمين من هذه المنصرة.

ويظل هذا جزءًا من الصـــراع بين الــحق والباطــل, وبين الخـــير والشر. والمسؤوليــــة برمتها تقع على أهل الحق والخير, في سد الطريق على أهل الباطل والشر, في نشر أباطيلهم وشرورهم. فالبديل الذي يفتقده شبه مغيَّبٍ تمامًا في تلك المجتمعات, القابلة للتأثُّر بأي جهد يحمل طابع السماحة والرقة.



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (1) المصطلح:

ُتعَدُّ ظاهرة الاستشراق مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقات بين الشرق والغرب. إلاَّ أن المستشرقين المعاصرين يحاولون التهرُّب من هذا المصطلح. فلماذا يتهرَّب المستشرقون الجدد من مصطلح الاستشراق؟ ولماذا بالتالي, لا يرغبون في أن يقال عنهم إنهم مستشرقون, ويحبذون أن يقال عنهم أي شيئ سوى ذلك؟ ولماذا توجّه الاستشراق الجديد أو الحديث إلى علم الإنسان, أوالأنثروبولوجيا؟([95]) أسئلة تحتاج إلى عدد من الوقفات، ذلك أن مصطلح الاستشراق كان يلقى رواجًا في انطلاقة النهضة الفكرية العربية، وإنشاء وزارات المعارف والثقافة، ومجامع اللغة العربية، والمجامع العلمية، ومراكزالبحث العلمي، وانتشار الطباعة, والكتاب, والدوريَّة والمجلة والصحيفة، فكان لهم أثر في ذلك كله مسجلٌ في الوثائق، وكان بهم انبهار فاق الحد والعقل، وكانوا محل عناية وترحيب، وافتتن بهم مفكرون عرب، لأنهم مستشرقون، وليس لأنهم أي شيئ غير كونهم مستشرقين.

وما دام هذا الأمر في خبر كان, كما هو واضح من هذا الطرح في هذه المقدمة، فإن هناك فكرة قد تكون مقبولة للتنصُّل من المصطلح.

هذا هو الطرح القائم الآن، ولا يعرف الآن إلا عددٌ قليلٌ من المستشرقين, يفضِّلون تصنيفهم, أو نعتهم بالمستشرقين.

فهذا أندريه ميكيل يرفض هذا التصنيف، ويرد على من أدخله في زمرة المستشرقين بقوله: "أنا لست مستشرقًا، وأرفض هذه الكنية. أنا عروبي سحرني الأدب العربي، فانكببت عليه بحثًا ودراسة".([96]) ويقول في مقام آخر: "لست مستشرقًا, اهتمامي يدور حول اللغة والأدب العربيين, وبصفة خاصة الكلاسيكي, أي حتى القرن التاسع عشر, فأنا متخصص في اللغة والأدب العربيين".([97])

وكذلك المستشرق الأمريكي جون أسبوزيتو رفض هذا التصنيف، وفضّل أن يُدعى بعالـم الإسلاميات.

وهذا المستشرق الفرنسي دومينيك شوفالييه ينكر المصطلح, ويحمِّله تبعاتٍ تاريخيةً, ليست إيجابية, ولذالك نراه يقول: "أن تكون مستشرقًا يعني أن تكون مهتمًا بالشرق. وأنا مؤرخ لتاريخ العرب المعاصر".([98])

والمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون([99]) يرى أن كلمة الاستشراق لم تعن شيئًا, ويقول: "إنني لا أستطيع أن أتحدث وأستفيض فيما ليس موجودًا. كذلك أقول بأنه لا يوجد شرق, وإنما شعوب, مجتمعات ثقافات, وبالتالي لا يوجد استشراق أيضًا, وإنما توجد أنظمة علمية لها موضوعاتها وإشكالياتها النوعية, مثل علم الاجتماع, والاقتصاد السياسي, والألسنية, والإناسة, والفروع المختلفة للتاريخ".([100])

والمستشرق الفرنسي, كذلك, جاك توبي يؤكد على أنه مؤرخ للشرق, وليس مستشرقًا. وعندما سأله أحمد الشيخ على أنه مستشرق قال: "مستشرق لا, كما لا أعرف إذا كان ما يزال هناك وجود لبعض المستشرقين أم لا. هذا مصطلح قديم".([101])

وهذه المستشرقة الرومانية نادية أنجيليسكو تتهرَّب من المصطلح، وتقول: "خلال زياراتي إلى البلدان العربية قدَّمتني الصحف أكثر من مرة بالمستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو، واحتججت أكثر من مرة على هذه التسمية. طبعًا كان من أهم الأسباب لاحتجاجي أن شخصية المستشرق أصبحت مشؤومة إلى حد ما في الوطن العربي".([102]) ووردت هذه العبارة في كتابها الاستشراق والحوار الثقافي.

وسابع هؤلاء هو برنارد لويس الذي يمقت مصطلح الاستشراق، ويدعو إلى رميه في زبالة التاريخ،([103]) هذا إذا كان للتاريخ زبالة! ويؤكد على رميه في مزبلة التاريخ, حيث يقول: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثةً", ويقول أيضًا: "وهكذا تم رمي مصطلح "المستشرق" قي مزبلة التاريخ. ولكن المزابل ليست أماكن مضمونة ولا نهائية. فالواقع أن كلمتي مستشرق واستشراق اللتين رميتا من قبل العلماء بصفتهما لا جدوى منهما, قد استعيدتا من جديد ووظِّفتا ضمن معنى مختلف: أي ككلمتين تدلان على الشتيمة والمماحكة الجدالية".([104]) ويقول كذلك, في مقام آخر: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثةً هي الأخرى أيضًا, وليس هناك أي أمل في الخلاص. ولكن الضرر هنا أقل: لأن هذه الكلمة كانت قد فقدت قيمتها, وحتى أولئك الذين كانت تدل عليهم تخلّوا عنها, وقد تجلى هذا التخلي رسميًا في المؤتمر الدولي التاسع والعشرين للمستشرقين الذي عقد في باريس صيف 1394هـ/1973م. وكان ذلك التاريخ يصادف الذكرى المئوية لأول مؤتمر دولي للمستشرقين المجتمعين في المدينة نفسها".([105]) وليس هذا هو موقف المستشرق برنارد لويس الثابت، إذ سبق له تعريف الاستشراق بتفصيل أكثر التصاقًا بالنظرة العلمية. ([106])

ولعل المستشرقة ناديا أنجيليسكو قد أجابت على التساؤلات التي طُرحت في طلع هذه الوقفة، إذ إن القدرة على التمييز والتمحيص, التي اتسم بها الفكر العربي والإسلامي, قد وفِّقت إلى تعرية الاستشراق, وبيان ما حمل من ضرر على الفكر والثقافة في إجماله، وبالتالي كانت هناك طروحات قوية, وقفت في وجه الاستشراق والمستشرقين، كان من ضمنها المناظرات والمحاورات، مما أدى في ضوء ذلك إلى تقليص النفوذ الاستشراقي، ثم توجّه المستشرقون إلى العلوم الأخرى، بجانبها الإعلامي, والرغبة في الظهور الإعلامي, تعليقًا على الأحداث المتتالية, التي تعصف بالمنطقة من وجهة نظر تظل استشراقية، مما يولِّد مصطلحًا جديدًا, قد يصدق عليه الاستشراق الإعلامي, وربما الإعلام الاستشراقي.

وفي هذا التوجُّه الأخير خروج قد لا يكون مرغوبًا فيه, من قبل المستشرقين الذين لا يزالون يتمسكون بالمصطلح المطلق الاستشراق, دون تقييده بأي صفة, حتى تلك الصفة التي يراد منها الإبقاء عليه متميزًا عن أي طرح سطحي للحاضر, بما يكتنفه من أحداث متسارعة طغى عليها البعد السياسي, وإن تكن في أصلها موجَّهة إلى البعد العَقَدي.

فقد ظهر من ينعت الاستشراق الأصيل بالاستشراق التقليدي, أو ربما يعبر عنه بالاستشراق الكلاسيكي,([107]) ويرى أنه "لا يزال الكثير من المستشرقين سجناء الاستشراق. إنهم منغلقون على أنفسهم داخل غيتو, وهم سعداء في ذلك غالبًا! بل إن مفهوم الاستشراق نفسه ناتج عن ضرورات عملية عابرة التقى عندها العلماء الأوروبيون المتمرسون بدراسة الثقافات الأخرى. وقد تدعّم هذا المفهوم بواسطة هيمنة مجتمعهم على المجتمعات الأخرى, وشوِّهت هذه الحالة بقوة رؤيتهم للأشياء".([108])

وكذا التوجه إلى تحوير المصطلح إلى أي مصطلح آخر، قد يكون مقبولاً في هذا الزمان, بديلاً عن مصطلح الاستشراق، ولكنه قد يتحوَّل إلى أن تكون شخصياته مشؤومة في الوطن العربي والعالم الإسلامي, فيما يأتي من الزمان.

والتهرُّب من المصطلح لا يعفي من استمرار التمسُّك في المضمون، وهو، أو منه، النظر إلى ثقافةٍ بعيون ثقافةٍ أخرى، وعدم القدرة على تلبُّس الثقافة المنظور إليها, في ظل التمسُّك بالثقافة الناظرة، بما تحمله هذه الثقافة المنظورة منها تجاه الثقافة المنظور إليها, من منطلقات دينية وتاريخية وسياسة واقتصادية، ثم أخيرًا اجتماعية وأنثروبولوجية. ([109]) على أنه من المهم هنا ألا يُفهم هذا الطرح على أنه توجُّه أو رغبة في وصد الباب أمام الغير, ليتعاطى الثقافة الإسلامية والعربية، فهذه رغبة لا تحصل، ولم تحصل، ولن تحصل، إذ إن هذه الثقافة مثار جدل ونقاش طويل عريض، طويل من حيث المدى التاريخي والمستقبلي،([110]) وعريض من حيث الاهتمامات، وتفرُّع هذه الثقافة, مع ترابطها.



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (2)

منذ انطلاقة الاستشراق من الأديرة والمعابد, على يد البابا سلفستر الثاني, في القرن الرابع الهجري, العاشر الميلادي, كما يفضل الدكتور محمَّد ياسين عريبي, والحوار بين الشرق والغرب لا يزال مستمرًا. إلا أن انطلاقة الاستشراق هذه جاءت تعضيدًا لحملات التنصير.

 ويقول عريبي في كتابه المهم الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: "وبِغَضِّ النظر عن التفاصيل والخوض في شتى العلوم العربية, التي نقلت إلى الغرب, عن طريق مدارس جنوب إيطاليا, كالطب والصيدلة والزراعة والكيمياء والميكانيكا والعلوم الطبيعية بصورة عامة, والصناعة والفلسفة بفروعها, فإن الدافع الأساسي لنقل هذا التراث هو التبشير الذي اتخذ من الاستشراق وسيلة تحقق الغاية؛ إذ إن معرفة الحضارة الإسلامية هي الأساس لانتصار الصليب على الهلال. وإذا كان الصليبيون قد ولَّوا الأدبار, بعد صراعٍ دامٍ أكثر من مائتي سنة, فإن الغرب قد انتصر بالفعل في هذا الصراع, من خلال سلبه لحضارة الشرق. وهذا ما يفسر نشاط الترجمة في القرنين الثاني والثالث عشر".([111])

ثم يقول في الصفحة التالية: "وإذا كانت الأفكار أسبق من الظواهر فإن استعمار البلاد العربية الإسلامية في (ق19 ــ 20م) في طرف الغرب, لم يكن إلا نتيجة لاستلاب الفكر العربي الإسلامي في القرنين السابقين, من ديكارت إلى كانط. وقد خطط التبشير والاستشراق لمثل هذا الاستعمار منذ البداية. ولعل أوضح صورة لهذا التخطيط ما نلمسه في مدارس الترجمة بالجناح الشمالي الغربي من الزاوية المنعكسة, وخاصة في مدرسة طليطلة".([112])

وبقراءة هذا الكتاب يجد القارئ مادة علمية غنية, جديرة بالمتابعة. على أن الكاتب, مثل غيره, لا يخلو من ملحوظات في طرحه, من حيث انطلاقتُه الفكرية.

هذا الطرح ما هو إلا امتداد للحوار بين الشرق والغرب, وإن هذا الحوار يصطبغ اليوم بقدر لا يستهان به من السطحيَّة, حتى في مفهوم الاستشراق, الذي يُعتقد, على نطاق واسع, أنه سيعود إلى الأضواء, بعدما حلَّ بالعالم العام 1422هـ/2001م. ومن ذلك زيادة التحامُل على العرب والمسلمين, وعلى الإسلام نفسه, بطريقة تناسب الزمان, إلى درجة التدخُّل في فهم الإسلام, وإفهامه للأجيال القادمة. وهذا شيء خطر, ينبغي التنبُّه له, وإعداد العدَّة الثقافية والفكرية لمواجهته, من قِبل الاختصاصيين في الاستشراق.

ومن هذا الطرح ما ظهرت به الكاتبة الإيطالية أوريانا فالاتشي في كتابها الغضب والاعتزاز. والكاتبة ليست مستشرقة, بالمفهوم الدقيق للاستشراق, ولكنها روائية وصحفية مقيمة في نيويورك. ومع هذا صدر كتابها بالإيطالية, وترجم إلى الفرنسية. وركَّزت فيه على الجالية العربية المسلمة في الغرب, ووصفتهم بأنهم قوم يلوِّثون القارة, فهم نفايات مغتصبون, وعهرة حاملون لمرض الأيدز, أينما حلوا ورحلوا. وهم يقومون بالتكاثر بيننا كالجرذان. وتنصح صويحباتها الأوروبيات برفس المهاجرين بالأقدام على قفاهم, كما قامت به هي, وتُهين الإسلام إهانة مباشرة, وترى أنه هو سبب هذا الوضع للجالية. ([113])

وهذه الصحفيَّة تذكِّر بتلك الممثِّلة الفرنسية, بريجيت باردو, التي أطلقت كلماتٍ ووصفٍ مقيتٍ للمسلمين, وطالبت بإخراج المهاجرين المسلمين من فرنسا, باعتبارهم ملوِّثين للثقافة الفرنسية, فأقامت الجالية المسلمة دعوىَ ضدَّها, اضطرَّت معها للاعتذار.

وتذكر صحيفة الشرق الأوسط الاثنين 3/6/2002م أنه بِيعَ من هذا الكتاب, في ايطاليا وحدها, مئة ألف (100,000) نسخة, في أقل من شهرين, ومثل هذا بالفرنسية. وتعمل الكاتبة على ترجمته إلى اللغة الإنجليزية.

ومن المهم أن فالاتشي, وهي كاتبة صحفية، تنشر مقالاتها هذه التي جمعتها في هذا الكتاب الغضب والاعتزاز في صحيفة بانوراما الإيطالية الواسعة الانتشار, لمالكها برلسكوني, كما تذكر صحيفة الشرق الأوسط.

أعان الله العرب والمسلمين على التعامل الموضوعي تجاه هذه الأوصاف التي تكالبت عليهم, فمرة هم ثعابين, واليوم هم جرذان, وأعان الله المعنيين في التصدي العلمي لمثل هذه الاتهامات, التي لا تخلو من فائدة, لاسيَّما أنها أظهرت قدرًا واضحًا من الجناية على العرب والمسلمين, جعلت غيرهم ينظر إليهم نظرة أخرى, فيها خير للناظر والمنظور, إذ تأثّر بعض من قرأ لفالاتشي قراءة موضوعية, واستخف بها وبفكرها هذا الذي يعيد نبش التاريخ, الذي تسعى حضارة اليوم إلى تجاوزه.



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق: (3)

وإذا كان من مُحَدِّدات العلاقة بين الغرب والشرق, المسلمين هنا, قيام ظاهرة الاستشراق, واستمرار ظاهرة التنصير, فإن هناك رابطًا قويًا بين الاستشراق والتنصير من حيث التقاء الأهداف, وإن اختلفت الوسائل. وإذا كانت هذه العلاقة القوية تخفت مع الزمن فإن ذلك عائد إلى وضوح فكرة الاستشراق لدى المسلمين, والحد من قبولها بعدما تبيَّن ارتباطها بالتنصير من جهة, وبالتيارات الأخرى الموجهة إلى المسلمين من جهة أخرى، تلكم التيارات مثل الاستعمار المنقشع والتغريب المستعر.

ويمكن القول إن كل منصِّر موجه إلى المسلمين يُعَدُّ مستشرقًا، وليس بالضرورة العكس، فليس كل مستشرق منصرًا، وحيث كتب نجيب العقيقي موسوعته العلميَّة حول المستشرقين, أدرج معهم المنصرين, أمثال السموأل (صموئيل) زويمر, ولو شاتليه, بل إن طلائع المستشرقين، بحسب تصنيف نجيب العقيقي، قد انطلقوا من الكنائس والأديرة.([114])

ومن المستشرقين الأوائل والمتأخرين من هم ذوو مناصب دينية, كالأب لويس شيخو, والأب لوي ماسبنيون.

وهكذا تتضح العلاقة بين التنصير والاستشراق في تحديد العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي.([115])

ولا تتضح بمجرد إيراد هذه النماذج من الأسماء، ولكنها تتضح أكثر من ذلك بمتابعة الموسوعة المذكورة التي عدَّ صاحبُها نفسَه من المستشرقين الموارنة, الذين عَقَد لهم فصلاً خاصًا, بالرغم من عربيتهم, ونشأتهم في الوسط العربي والثقافة الإسلامية، لا سيما في الشام ومصر. ([116])

وقد استفاد المنصِّرون من المستشرقين كثيرًا، واستفاد المستشرقون من المنصرين قليلا، ذلك أن فائدة المستشرقين جاءت من خلال الجهود "العلميَّة" التي قاموا بها، لاسيَّما الدراسات التي قاموا بها حول الإسلام وتراث المسلمين وواقعهم المعاصر، وينبغي وضع كلمة العلميَّة, وصفًا للجهد, مسوَّدةً, قصدًا إلى التنبيه إلى أن جهود المستشرقين ليست كلها علميَّة, بالمفهوم الذي يراد من هذا المصطلح.

واستفاد المستشرقون من المنصرين الميدانيين, من خلال انطباعاتهم التي سجَّلوها عن المجتمع المسلم, الذي عايشوه، فخرجوا منه بهذه الصور التي لا تعبِّر عن الإسلام, بقدر ما هي الخرافات عن الإسلام في المجتمع المسلم, فعَدُّوها من الإسلام, وجعلوا الناس حجةً على الدِّين أخذًا بالنظرية الاجتماعية التي تقول إن الدين يؤخذ بقدر ما يأخذ الناسُ منه, الأمر الذي أدى إلى تصنيف الدين إلى جملة من الأديان، فالإسلام إسلامات, وليس إسلامًا واحدًا، إذ إن هناك عندهم الإسلام الشعبي والإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، والإسلام اليساري، والإسلام اليميني، والإسلام الوسط، والإسلام المتطرف، والإسلام العلماني.([117])

وأخذ بعض المفكرين العرب بهذه التقسيمات, وأشاعوها بين الناس, ودَعَوهم إلى تصنيف إسلام الأشخاص, بحسب ما يظهر عليهم, من قرب أو بعد عن هذا الإسلام أو ذاك.

ولم يقف هذا التأثير على المفكرين العرب, الذين أخذوا هذا التصنيف, أيضًا, مُحَدِّدا في العلاقة بين الشرق والغرب، بل إن المؤسسات الغربية الأخرى قد أخذت هذا التصنيف مأخذ الجد, وبَنَتْ عليه قراراتها، لاسيَّما المؤسسات السياسية التي تتضح فيها وجهة العلاقة وضوحًا قويًا.

ولم تقتصر تأثيرات التنصير والاستشراق على الشرق, وعلى النظرة العامة إليه، بل إنها تعدت إلى أنها أصبحت مُحَدِّدا في العلاقة, تقوم عليها قرارات مصيرية, تؤثر في حياة الغرب وحياة الشرق معًا، وتأثيرها في حياة الغرب جاء من العمل على الحد من انتشار الدعوة الإسلامية، وتأثيرها على حياة الشرق جاء من عدم ثقة الغرب في الشرق والخوف منه, أخذا في الحسبان أن الحديث الآن يدور حول العدو الجديد للغرب وللحضارة الغربية المتمثل في الإسلام.([118])



 

 

المُحَدِّد التاسع:  الاستشراق (4)

تطَّرق العرضُ في المُحَدِّد الثامن, ذي العلاقة بالتنصير, إلى أن الغرب بعلاقته بالشرق, المسلمين هنا, يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، قامت على تشويه الإسلام، وذلك ناتج عن موقف المسلمين في الحروب الصليبية، وعدم سماحهم لهذه الحملات بالنجاح على حساب المسلمين.

على أن هناك من يعيد الفكرة الاستشراقية إلى ما قبل ذلك بزمن, عندما دخل المسلمون الأندلس, وبدأت العلاقة العلمية بينهم وبين نصارى أوروبا, مما أدَّى إلى تعلُّم اللغة العربية والقرآن الكريم، ويقال إن هذا التلقي عن المسلمين كان بقصد إخراجهم من الأندلس، وقد كان ذاك، إلا أن القصد لم يقتصر على ذلك، بل إن الفكرة الاستشراقية يمكن أن تُعاد إلى هدفين أساسيين:

أحدهما حماية النصارى من الدخول في الإسلام، والثاني الحدُّ من انتشار الإسلام في ديار النصارى, وفي ديار أخرى يطمع النصارى في أن يكون لهم فيها قدم, عن طريق الحملات التنصيرية.

وعلى أي حال قام الاستشراقُ, في بداياته, ليدرس الإسلام من قبل علماء نصارى, ثم يهود, كان موقعهم الجغرافي بالنسبة لدار الإسلام في الغرب, في ذلك الزمان، إلا أنه مع مرور الأيام وانتشار الإسلام, وبالتالي انتشار الاستشراق, لم يَعُد للجهة الجغرافية معنى في إطلاق الشرق والغرب، بل أصبح الغرب يمثل فكرًا, وأصبح الشرق يعني شيئًا فكريًا غير الفكر الغربي, بما في ذلك الفكر الفارسي والهندي والصيني ونحوها.

وأصبح الاستشراق هو اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم وآدابهم وأساطيرهم. وهذا الإطلاق إطلاق اصطلاحي، إذ لا يعني هذا النقاشَ المعنى الأشملُ للاستشراق, الذي يشمل الشرق كلَّه، لا سيما أن هناك في الشرق من يدرس الإسلام, ويُعَدُّ من المستشرقين, كالاستشراق الروسي في الجانب الآسيوي منه, والاستشراق الصيني, والاستشراق الياباني أخيرًا, الذي يحتاج وحده إلى دراسة مستقلة؛ نظرًا لكونه ظاهرةً فريدة.

ومنذ انتشار الإسلام في الأندلس إلى اليوم والاستشراق يُعَدُّ عاملاً مهمًا من عوامل تحديد العلاقة وطبيعتها بين الشرق والغرب، إذ إن غالبية الاستشراق, وليس كله, كان سببًا, ولا يزال, في قيام فجوة بين الشرق والغرب.

وزاد في هذه الفجوة اعتماد المتأخرين من المستشرقين على المتقدِّمين منهم، مما أدَّى إلى تراكم الأخطاء, وزيادة سوء الفهم مع الزمن، برغم وجود محاولات جادة منهم لفهم الإسلام, بمنأى عن الاستشراق, كما فعل إدوارد سعيد في أعماله المعلومة مثل الاستشراق وتغطية الإسلام, وغيرها من الكتب والمقالات الثقافية التي ينشرها في الصحف والدوريات الغربية، لاسيَّما الأمريكية، وهذا المؤلِّف يُعَدُّ نموذجًا حقًا للمحاولات التي برزت في ظاهرة الاستشراق, والتي تمردت عليه, مثله في ذلك مثل عالم الإسلاميات جون أسبوزيتو, الذي بات لا يقبل أن يُقال عنه إنه مستشرق, لما توحي الكلمة به من معنى غير مقبول, في الأوساط العلمية والفكرية والثقافية العربية والإسلامية.

ومع وجود هذه الظاهرة داخل ظاهرة الاستشراق، يظل الاستشراق في عمومه تيارًا يسئ إلى الإسلام, ويسئ تقديمه للآخرين, بقصد غالبًا، ودون قصد في حالات خاصة.

والذين سعوا إلى فهم الإسلام من الغربيين فهمًا صحيحًا لم يفهموه عن طريق الاستشراق، بل إنهم ربما تجنبوا إسهامات المستشرقين، علمًا منهم أن الاستشراق عاملٌ سلبيٌ من عوامل تحديد العلاقة بين المسلمين والغرب, بل من عوامل تحديد العلاقة بين الشرق والغرب.



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (5)

برنارد لويس مستشرق بريطاني الأصل، يهودي المعتقد، صهيوني الفكر، أمريكي الجنسية، له إسهامات كثيرة في مجال الاستشراق، نزع في البداية إلى دراسة الفِرَق التي انبثقت عن الإسلام، فكتب عن الحشاشين، وكتب عن أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرامطة،([119]) وكتب في التاريخ الحديث كتابات, ليست في مستوى البحوث التي قدمها في الكتابات التاريخية،([120]) ذلك أن النزعة الصهيونية, التي يصرِّح بها هو ويؤكِّدها, سيطرت على كتاباته في التاريخ الحديث، فظهرت أقربَ إلى الكتابات الإعلامية منها إلى الكتابات العلمية المنهجية، فكتب عن الإسلام والغرب، وعن صدام الحضارات, صدىً لما كتبة زميله السموأل "صموئيل" هنتنجتون، وكان العنوان الفرعي لهذا الكتاب: المسيحيون والمسلمون واليهود في عصر الاكتشافات، وكتب عن الشرق الأوسط: ألفا سنة من التاريخ من فجر المسيحية حتى يومنا هذا. وكتب عن الساميين وغير الساميين، ولجأ إلى تركيا وسماها في أحد كتبه تركيا الحديثة, وجعلها في كتابه الأخير: مستقبل الشرق الأوسط, هي القوة القادمة في هذه المنطقة في العقود الخمسة القادمة، وهي "المرشحة للعب الدور الأول مع إسرائيل في الشرق الأوسط", خلال هذه العقود القادمة. وهو متأثر بحركة مصطفى كمال أتا تورك, التي يَعَدُّها انطلاقة تركيا الحديثة، ويعوِّل عليها في أن تكون البديل الذي يريده, من خلال منطقه الفكري والعقدي، ذلك أنه يرى ما لم يصرحْ به, وهو أن البلاد الأخرى المشمولة في مصطلح الشرق الأوسط جغرافيًا, كلها تميل إلى تطبيق الدين, في قضيتها مع اليهود في فلسطين المحتلة.

وهو لا يريد هذا البعد أن يكون هو الدافع للتعامل مع اليهود. ولذا وجد في غير البلاد المجاورة لفلسطين بديلاً مناسبًا، فَهِمَ هو منه أنه سيقبل بالأمر الواقع, ويتعامل مع اليهود من هذا الواقع.

وهذه هي النظرة الإعلامية التي وقع فيها برنارد لويس في إيجاد البديل، لأن من رشحه بديلاً ليس بالضرورة قانعًا في هذا الواقع، إذ تظل تركيا بلدًا مسلمًا قادت العالم الإسلامي قرونًا, ومعظمها ذات عاطفة قوية نحو الإسلام والمسلمين، لاسيَّما مع استقلال جمهوريات الاتحاد السوفييتي: أذربيجان، وقازاخستان، وقرقيزيستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وهي دول إسلامية, وجورجيا وأرمينيا, وهما دولتان مسيحيتان في أغلبهما.

والدول الإسلامية الست المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق ذات ارتباط بالتركية والأتراك، لغةً وثقافةً، وارتباط آخر بالفارسية لغةً وثقافةً كذلك، ولكنه ليس في مستوى الارتباط بالتركية.

وتظل تطلُّعات برنارد لويس إنـما هـي أمانٍٍ، وتوقعاتٌ، جاءت فـي عنوان كتابه تنبوءات برنارد لويس. والترجمة العربية غير دقيقة، والأولى أن تكون توقعات؛ لأنها تناسب مقابلها الأجنبي  Predictions)).([121])

وكان هذا المستشرق هو محور البحث الذي قام به  الدكتور: مازن بن صلاح المطبقاني من جامعة طيبة.([122]) وهو بحث مستفيض نال عليه الباحث درجة الدكتوراه، وهو حجة في أعمال برنارد لويس، فقد ذهب إليه بنفسه، وحاوره وناقشه، وضاق المستشرق من الباحث. ويظهر أن الباحث قد زوَّد المستشرقَ لويس بنسخة من بحثه الذي نشرته مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض،([123]) وإن لم يكن قد زوَّده بهذا البحث, فإنه ربما قد حصل عليه بطريق آخر. وهو بحث جدير بالاطلاع.

وستظل الكتابات عن هذه المنطقة تترى. وكلٌ يؤخذ من كلامه ويرد، وهناك من يؤخذ من كلامه أكثر مما يرد، وهناك من يرد من كلامه أكثر مما يؤخذ, إلا الأنبياء فإن كلامهم يؤخذ ولا يرد؛ إن هو إلا وحي يوحى. ([124])



 

         

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (6)

وعندما يُكتب عن برنارد لويس المستشرق المعاصر، أستاذ دراسات تاريخ الشرق الأدنى, المتقاعد في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، تجد من المتخصصين في الاستشراق، ومن الذين بحثوا كثيرًا في إسهامات هذا المستشرق من يَعُدُّني دخيلاً على هذا المستشرق بعينه، ولعله تدخُّلٌ يرضي الباحثين المتعمِّقين؛ لأنه يبين مدى علمهم بالمستشرق, وفكره وميوله في مقابل جهل الآخرين به ممن يكتبون عنه، لاسيَّما أولئك الذين قرأوا له كتابًا أو كتابين من إنتاجه الغزير.

"وكتابة لويس ممتعة ولغته بسيطة", وتحليله ممتع لكثير من الناس الذين يلتقون معه في نظرته إلى الشرق الأدنى وشعوبه". ومن هنا جاء التأثُّر بالغير, الذين يكتبون عن المنطقة والدِّين الذي نؤمن به، والفكر الذي يسيِّر الناس، ويُسيَّر الناس من خلاله، لاسيَّما أولئك الذين لديهم الرغبة في التغيير، أيًا كان هذا التغيير.

وهذا شعور ليس محدثًا، بل هو قديم قدم هذه الإسهامات الخارجية، حتى قيل من سنين عديدة تصل إلى خمسة عقود مضت إن المستشرقين قد فهموا الإسلام أفضل من فهم أهله له,([125]) وحتى قيل إن بعض المناطق الإسلامية ليست إسلامية الروح, بقدر ما هي أوروبية الهوى, وينبغي أن تكون كذلك. وهذا ناتج عن قراءات سريعة, غير تحليلية لكتابات ممتعة, ولغتها بسيطة. وناتج كذلك عن قدر من الجمود في الفكر, في مرحلة من المراحل التي تهمِّش فيها ما يسمى اليوم بالفكر الإسلامي، مع التحفُّظ على هذه التسمية.

وليس كل المستشرقين يبينون ذلك, في كتاباتهم وتعليقاتهم, حتى أضحى من الصعب على الباحثين في الاستشراق استخلاص هذا الانتماء الديني والفكري, إلا بمزيد من تحليل الكتابات.

وهذا يحتاج إلى المزيد من التخصص في الأفراد من المستشرقين, على غرار ما قام به الدكتور مازن المطبقاني, الذي درس برنارد لويس دراسة علمية أظهر فيها انتماءه الديني والفكري، وهذا من حقه, كما هو حق قد أُعطي للمدروس, فلِمَ لا يُعطى للدارس!

ولم ينل عمل مازن المطبقاني الانتشار المتوقع له لأسباب عدة، لعل منها أنه تعرض لمفكر صهيوني محميٍّ. على أن هناك مفكرين محميِّين لا يصلهم النقد، وإن وصل فإنه لاينتشر.

ومهما يكن من أمر فإن وقفتي مع كتاب برنارد لويس الأخير مستقبل الشرق الأوسط قد أثبت لي في تحليلاته نقاطًا عدة، أكدت موقفي منه في توجهه إلى التاريخ الحديــث, ولجوئه إلى التحليل السريع الإعلامي, الذي لم يكن معهودًا عنه في إسهاماته في تاريخ الشرق الأدنى.

وهو بهذا يحقق من الغايات لدينه ومعتقده وفكره أكثر مما يحققه, أو حققه, لهما في مسيرته الأولى, وإن ضحّى بسمعته العلمية، وبعمق البحث العلمي، وقدر يسير جدًا من التحليل الموضوعي.



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (7)

في القدس الشريف ومن عائلة عربية اللسان, إسلامية الثقافة, نصرانية التدين، وفي سنة 1356هـ تقريبًا، 1935ميلادية, ولد الفتى, الذي أراد له أهله أن يحمل الاسم إدوارد، تيمنًا باسم أمير بلاد الغال إدوارد، وارثِ العرش البريطاني, الذي كان نجمهُ لامعًا في تلك السنة, التي ولد فيها إدوارد وديع إبراهيم سعيد.

هو عربي اللسان؛ لأنه ينتمي إلى هذا اللسان، حيث انقسم نصارى العرب من قديم الزمان إلى النساطرة واليعاقبة، والانقسام كان بسبب كُنْه المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ بين الناسوتية واللاهوتية، فقالت طائفة إنه ناسوتي، وقالت الأخرى إنه لاهوتي،([126]) ومنذ ذلك التاريخ والجدل قائم حول طبيعة مَن نعتقد نحن المسلمين أنه عبدالله ورسوله, آتاه الله الكتاب والحكمة وجعله نبيًا, وجعله مباركًا أينما كان, وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيًّا، والسلام عليه يوم ولد, ويوم يموتُ, ويوم يُبعَثُ حيَّا.([127])

وإدوارد سعيد نشأ في وسط الثقافة الإسلامية، حيث احترم الإسلامُ والمسلمون النصارى واليهودَ، وأبقوهم على دينهم، وتسامحوا معهم، ظهر ذلك واضحًا في القــــرون الأولى, منذ أن انطلق الخليفة الثاني عمر بن الخطاب t إلى القدس الشريف, واحترم كنيسة القيامة، بل قبل ذلك حينما هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة، واستقبلهم النجاشي وجادلهم في طبيعة المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ، وقال عنه رسول الله  e ما قال، ثم ورود وفد من النصارى العرب إلى الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ، وما دار من نقاشٍ حول هذا المفهوم. وكل هذا منثورٌ مبثوثٌ في كتب السيرة وكتب التاريخ.

موقف التسامح من قبل المسلمين موقف مبدئي, جعل من يعيشون بينهم يتثقفون بثقافة الإسلام، دون أن يعتنقوا الإسلام بالضرورة.

وفي هذه البيئة, التي يؤكد عليها المسيحيون أنفسهم, نشأ إدوارد سعيد الذي لم يكن راضيًا، بحكم هذا العيش، بالاسم إدوارد مقرونًا بالاسم سعيد، لاسيَّما أن اسم أبيه كان وديع, واسم جده كان إبراهيم. ولذا انعكس هذا الموقف على إدوارد وديع إبراهيم سعيد على موقفه هو من الثقافة الإسلامية، فكانت بعض كتبه تعكس هذا الانتماء الثقافي، وإن كان قد استخدم مسيحيته لأسباب، ربما أنه لم يفصح عنها، ولكني أظن أنها قرَّبته كثيرًا في المجتمع الغربي الذي أحتضنه، وفتح له قاعات المحاضرات في جامعة من الجامعات العريقة في الولايات المتحدة الأمريكية, جامعة كولومبيا بنيويورك المدينة.

ويحكي إدوارد سعيد كل هذا في كتاب عنوانه يكفي لترجمة ما كان عليه، وما لا يزال عليه الشعب الفلسطيني، حينما وُضِع قسرًا خارج المكان، وهو عنوان مذكرات إدوارد سعيد التي ترجمها فواز طرابلسي، وصدرت عن دار الآداب ببــيروت سنة 1420هـ/ 2000م،([128]) وكانت قد صدرت باللغة الإنجليزية سنة 1418هـ/ 1998م. وفيها تفصيل طويل للمشاعر, قبل الحقائق, في حياة هذا الرجل الذي أزعم أنه دافع عن الإسلام دفاعًا, عكس انتماءه الثقافي للإسلام، وإن لم يتحدث بلغة المسلم المنتمي للعقيدة الإسلامية، ولا يتوقع منه ذلك، لأنه لم يؤمن بالإسلام عقيدة.

ظهر دفاعه عن هذا الدين وعن الثقافة الإسلامية، واشتهر عندما أصدر كتابه المشهور الاستشراق باللغة الإنجليزية سنة 1398هـ/1978م، ثم تمت ترجمته إلى اللغة العربية سنة 1401هـ/ 1981م، حيث نقله إلى العربية كمال أبو ديب باسم: الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، وظهرت له طبعات عدة بعد هذه الطبعة التي صدرت عن مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت.([129])

وبِغَضِّ النظر عن الأسلوب الطلسمي الذي نُقِل فيه كتاب الاستشراق إلى اللغة العربية، مما حفَّه بالغموض، إلا أن الرجوع إلى الأصل باللغة الإنجليزية, لمن يستطيع ذلك, يؤكِّد أن الفكرة العامة للكتاب، بِغَضِّ النظر عن التفاصيل، تَصُبُّ في الدفاع عن الثقافة الإسلامية, بأبعاد سياسية وعلمية وأدبية فكرية.

ومنذ صدور هذا الكتاب تعرض إدوارد سعيد لهجوم ودفاع من الكُتَّاب الغربيين والعرب، ولا يزال مثار نقاش وجدال وهجوم ودفاع، مما جعل إدوارد سعيد نفسه يصدر كتابًا في التعقيب على كتابه الاستشراق سماه: تعقيبات على الاستشراق, ترجمه وحرره صبحي حديدي، وصدر في بيروت عن دار الفارس للنشر والتوزيع سنة 1416هـ/ 1996م.([130])

ثم الكتاب الآخر الذي دافع فيه إدوارد سعيد عن الإسلام, هو ما تمت ترجمته أو نقله إلى اللغة العربية بعنوان تغطية الإسلام الذي صدر سنة 1401هـ/ 1981م،([131]) وأظن أن كلمة تغطية في العنوان لم تعطِ المدلول الدقيق لما يقابلها باللغة الإنجليزية Covering Islam، إذ إني أفهمها على أن أفضل كلمة تعطي المدلول هي: تعمية الإسلام، ذلك أن كلمة تغطية بالمفهوم, الإعلامي الصحفي تعني خلاف ما قصده المؤلف, على ما يظهر لي، إذ يتداول في الإعلام أن التغطية تعني الإظهار أو الإشهار أو الإعلام عن الشيء، بينما الذي أراده المؤلف هو ما جاءت عليه أصل الكلمة في اللغة الإنجليزية التي قد تعود جذورها إلى اللغة العربية، التي تعني الستر والتعمية "في ليلية كَفَرَ الظلام نجومها"، مما يطول بحثــــــــه.

هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى, التي جمعت فيها مقالاته في الدوريات العربية والأجنبية, ومنها؛ تأملات حول المنفى,([132]) وإسرائيل, العراق, الولايات المتحدة,([133]) وصور المثقف,([134]) ونهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها,([135]) والثقافة والإمبريالية,([136]) والآلهة التي تفشل دائمًا.([137]) وهذا الكتاب الأخير تكرار لكتاب صور المثقف, في المحاضرة التي حملت العنوان نفسه, مع إضافة لمقالات أخرى. وكتب بالاشتراك مع برنارد لويس: الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية.([138])

وعلى أي حال فقد رحل إدوارد بديع إبراهيم سعيد, المولود في الطالبية في القدس، حيث كان حيًّا يقطنه الموسرون العرب، وترك وراءه إرثًا أدبيًا وفكريًا, كان له تأثيره على الساحة الفكرية الأدبية. وكان رحيله في 25 سبتمبر من سنة 2003م.

ولم تتعرض هذه الوقفة إلى أثره في السياسة وشخصيته من هذا المنطلق، إذ إن لهذا الجانب من يملك زمامه.

ويحتاج هذا الأستاذ إلى مزيد من الاعتراف بما له من إسهامات في هذا المجال الذي ركَّزتُ عليه هنا، على اعتبار أنه مثلُ غيره يؤخذ من كلامه ويرد. والذي ظهر لي أن ما يؤخذ من كلامه أكثر مما يرد.

ولقد وددت أن يتسع المقام للمزيد من النقاش حول هذا الموضوع مرورًا ببعض ما كُتِبَ عنه وكَتَبَه، غير ما كتبه، مثل:  ودفاعًا عن إدوارد سعيد,([139]) وإضاءات على كتاب الاستشراق,([140]) وإدوارد سعيد ومفارقة الهوية,([141]) وغيرها مما كتبه هو أو كتب عنه.

ولعل المجال يسمح بذلك في مستقبل الأيام للغوص ــ إن شاء الله تعالى ــ بقدر من العمق, في محاولة مستقلة في كتاب حول رحلة الأستاذ الدكتور إدوارد سعيد في المجال الفكري الأدبي من حياته. ([142]



 

 

المُحَدِّد التاسع: الاستشراق (8)

وكما ناقشتْ بعض الطروحات العربية صورة العربي في الدراسات الاستشراقية الحديثة، وكذلك في الطرح الإعلامي السريع، القائم غالبًا على الإثارة، فإن بعض الغربيين يعاني كذلك من الطرح العربي بصورة الغربي في الدراسات التي تصدت للاستشراق، كما تصدت لصورة العربي في الإعلام الغربي، مما أدى إلى محاولة الإساءة للإنسان الغربي, الذي يبني اليوم حضارةً قائمة على العلم والتقانة، ويسعى إلى التخلُّص من خلفياته الدينية والذاتية. ومثل هذا الطرح هو ما يمكن أن يصدق عليه بأنه نواة للاستغراب الذي ستأتي مناقشته في وقفات لاحقة.

والملفت أن بعضًا من دارسي العربية والإسلام من أمثال دومينيك شوفالييه, وهو مستشرق فرنسي،([143]) يدعو العرب إلى التخلي عن تراثهم ودينهم, في سبيل تبني هذه الحضارة القائمة على العلوم والتقانة.

والمتوقَّع, هنا, أن العربي, وغير العربي, لن يتمكن من التخلي عن تراثه ودينه, والاستعاضة عنه بحضارة العلوم والتقانة، وإن دعا إلى ذلك بعض الداعين، فلقد طالعتنا الكتب التي نشرها مركز دراسات الوحدة العربية عن الأبعاد الدينية في السياسات الغربية، لاسيَّما في الولايات المتحدة الأمريكية.([144])

ولا يظهر لي أن العرب سوف ينسلخون من دينهم وحضارتهم التي قامت على هذا الدين, ليتبنَّوا حضارة العلوم والتقانة، ذلك أن العرب المسلمين يدركون أن الدِّين هو الذي يدعو إلى حضارة العلوم والتقانة، بخلاف فهم بعض المتديِّنين الغربيين لدينهم, الذي رأوا فيه مانعًا من العلوم والتقانة، وهذا ما حذَّرنا عنه موريس بوكاي من أن يسري بيننا هذا الفهم، لاسيَّما المسلمين الذين يدرسون في الغرب أيَّ نوع من الدراسات, حتى لو كانت علمية تطبيقية، أو تقانية بحته.([145])

ومن هنا يأتي الفرق بين دين يدعو إلى العلوم والتقانة، ويفرض على أتباعه التعلُّم والعمل والاحتراف، ويجعل ذلك بين فرض العين وفرض الكفاية، وبين دين عُرِف عنه أنه يحارب العلوم والتقانة, ويجعلهما شكلاً من أشكال الهرطقة, التي لا تتفق والتوجُّه الديني.

ولعل من أسباب دعوة بعض المستشرقين إلى التخلي عن الدِّين والتراث لدى العرب، والمقصود هنا المسلمون، هو فهم الدين الإسلامي بالفهم الغربي للدين.

وهذا الطرح حول الاستشراق, مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب, لا يلغي ما لبعض المستشرقين المنصفين الجادين من جهود محمودة في الإسهام في حفظ التراث العربي الإسلامي, ودراسته, ونشره, وتحقيقه, وترجمته, مما يؤكد النظرة المنصفة في دراسة الاستشراق. "إنه مهما وجِّهت من تُهم للاستشراق والمستشرقين, لا بُدَّ من إنصاف بعضهم, وخصوصًا أولئك الذين أدَّوا للتراث العربي الإسلامي خدمات جليلة, سواء بأبحاثهم العلمية القيِّمة, وتحقيقاتهم للتراث واكتشاف مصادره,ووضع فهارس مهمة يستفيد منها القارئ العربي والغربي في أبحاثه ودراساته".  ([146])

وعند الدخول في تحليل هذا الفهم فإنه يقود إلى نواة الاستغراب التي يدعو إليها بعض العرب والمسلمين،([147]) كما يدعو إليها بعض المستشرقين, ومنهم المستعربون والمهتمون بالحضارة العربية والثقافة الإسلامية.



 

 

المُحَدِّد العاشر: الاستغراب (1)

الاستغراب مُحَدِّد آخر من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب. والذي يظهر أن العلاقة بين الشرق والغرب قد انطلقت بقوة واضحة مع بعثة الحبيب سيدنا محمَّد e، حينما أرسل الوفود إلى الملوك والأباطرة والحكام, يدعوهم إلى الإسلام، فكان حوار بين الوفود وهرقل إمبراطور الروم، ثم انطلقت العلاقة بين أخذ ورد, كان فيها نقاش وحجاج وجدال وحوار, لا يزال قائمًا إلى يومنا هذا. وأخذ الحوار أشكالاً متعددة، منها العلمي والسياسي والحربي والبعثات العلمية والترجمة.

وظهرت الحروب الصليبية شكلاً من أشكال الحوار دام حوالي مئتي سنة, ثم تبعتها حوارات أخرى, كان الاستشراق شكلاً آخرَ من أشكالها, إبَّان الاستعمار وقبله وبعده, والتنصير كذلك.

كل هذا حدا ببعض المفكرين العرب المعاصرين إلى أن يدعوا إلى قيام علم الاستغراب، فانبرى الدكتور حسني حنفي, ونشر كتابًا ضخمًا, في مجلد واحد سنة 1412هـ/ 1992م, عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر بعنوان مقدمة في علم الاستغراب، وجاء الكتاب في تسع مئة وعشر (910) صفحات, ليأتي هذا العلم مواجهًا للتغريب "الذي امتد أثره ليس فقط إلى الحياة الثقافية وتصوراتها للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد إلى أساليب الحياة اليومية، ونقاء اللغة، ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة".([148])

ونبعت الدعوة إلى وجود مثل هذا العلم من الشعور بأن الساحة العربية الفكرية والثقافية تكاد تخلو من معرفة الغير. وهذا زعم جاء نتيجة للتقصير في تتبُّع النتاج الفكري العربي الإسلامي, الذي لم يخلُ في زمن من أزمان ازدهاره من الحوار الفكري الثقافي مع الغير، لكن هذا لم يُسمَّ علمًا, أو استغرابًا, أو نحو ذلك، ولكنه أخذ طابعَ الردود على الغير, وتبيان الحق في الديانات الثلاث؛ اليهودية والنصرانية والإسلام، بما في ذلك التعرُّض إلى طبيعة عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ من أنه لم يكن إلا عبدًا من عباد الله, أرسله الله مبشرًا ونذيرًا، فكان ــ عليه السلام ــ مبشِّرًا, اصطفاه الله تعالى بالرسالة, ومعجزات مؤيدات لرسالته ــ عليه السلام ــ.

وقد يقال إن هذا جانبٌ واحد من جوانب الحوار, وهو الاستغراب, مركِّز على البعد الديني، لاسيَّما الجانب العَقَدي منه، وهذا صحيح، إذ إن الاستشراق في منطلقاته الأولى كان على هذه الشاكلة, من التركيز على الأبعاد الدينية للإسلام، معرِّجًا على القرآن الكريم والرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ، والرسالة, والسنة, والصحابة, والفتح الإسلامي.

والجوانب الأخرى للاستغراب, إذا سمح المصطلح, تمثَّلت في نقل الحضارات الأخرى, وفكرها المتماشي مع الإسلام, وعلمها كذلك، عن طريق النقل والترجمة عن اللغات الأخرى، بما في ذلك ترجمة أعمال دواوين الخلافة، عندما تبيَّن أن الإجراءات الإدارية, بما فيها اللغة, قد نقلت من ذوي التجارب السابقة.

وليس النقل والترجمة شكلاً من أشكال الاستغراب الواضح، ولكنها تُسهم, دون شك, في تلقِّي الأفكار, ثم معرفتها, من خلال ما ينقل من نتاج القوم العلمي والأدبي والفني.

وليس الاستغراب, أو غربلوجيا, هو التعامُل مع الغير بالمنطلق نفسه الذي تعاملوا فيه مع المسلمين، ذلك أن منطلقات المسلمين نفسِها تمنع من ذلك، يُقال هذا ردًا على من قال هذا، إذ إننا مطالبون بالعدل مع الغير, حتى أولئك الذين بيننا وبينهم عداوة, شنآن.

ومهما كان التوجه نحو الاستغراب فإن المطلوب دائمًا تجنُّب الإثارة واللجوء إلى الطرح الإعلامي السطحي, في قضايا عميقة جدًا, تحتاج إلى بحث علمي جاد, بعيد تمامًا عن القفز إلى النتائج، ناهيك عن وضع النتائج قبل المقدمات. ذلك أننا مطالبون بالقسط والعدل مع جميع من نتعامل معهم، والعدل أقرب إلى التقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ}[الآية 8 من سورة المائدة].

وهذا لا يلغي الاستمرار في إيجاد مثل هذا العلم, الذي يكشف الغير, كشفًا موضوعيًا, مبنيًا على التحليل العلمي والاجتماعي والأنثروبولوجي والإثنوجرافي والسياسي والاقتصادي, وذلك للوصول إلى رؤية واضحة نحو التعامل مع هذا الغير.

و يمكن قبول الاستغراب من هذا المنطلق, سعيًا إلى فهم الغير, فهمًا مباشرًا من أجل التعامل معه تعاملاً, يعود نفعه علينا نحن مباشرة, وبالدرجة الأولى، ثم يعود نفعه عليه بالدرجة الثانية, إذا كان لهذا الأمر درجات!

وهذا ما يسعى إليه المسلمون في سبيل التعامل مع ما حولهم، ومع مَن حولهم، فلم يعودوا في معزل عن العالم، ولم يَعُدْ العالم في معزل عنهم.([149])

وعليه يمكن أن ينظر إلى الاستغراب على أنه: "الوجه الآخر والمقابل، بل والنقيض من "الاستشراق"، فإذا كان الاستشراق هو رؤية الأنا (الشرق). من خلال الآخر (الغرب)، يهدُف "علم الاستغراب" إذن إلى فكِّ العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر. والجدل بين مركب النقص عند الأنا، ومركب العظمة عند الآخر...".([150]) وهذا يحتاج إلى ما يحتاجه من وضعه على الواقع العلمي والفكري.



 

 

المُحَدِّد العاشر: الاستغراب (2)

ظهر عن دار الساقي ببيروت كتاب عن: التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر، سنة 1992م/1412هـ، ترجمة إبراهيم العويس.([151]) وهو خمس مقالات لكل من:

التسامح في اللغة العربية لسمير الخليل.

التسامح كمثال أخلاقي لبيتر ب. نيكولسون.

التسامح والحق في الحرية لتوماس بالمدوين.

التسامح والمسؤولية الفكرية لكارل بوير.

منابع التسامح لألفريد ج. آيير.

ويأتي هذا الكتاب في مسيرة الاستغراب التي تحدثت عنها في الوقفة السابقة، إذ إنه صدر عن سلسلة الفكر الغربي الحديث, إلا أن مقالاته الخمس المذكورة أعلاه لم تركز على الفكر الغربي الحديث، حيث يتحدث المؤلفون عن الفكر الغربي القديم, تمهيدًا للحديث.

والذي يطَّلع على مثل هذه الطروحات يستطيع الربط المقارن بين ثقافته وثقافة الغير، إذ المُلاحظ أن طرح التسامح, من منطلق غربي, جعل من موروث الماضي الغربي معوِّقًا لمفهوم التسامح، بل إنه انطلق من مفهوم "الإباحية" مفهومًا جديدًا, أو دخيلاً للتسامُح، رغم أن بعض المؤلفين يحذِّر من الانطلاق, غير المسؤول, باسم التسامح، ويشدِّد على بقاء قدر من الرقابة الدينية والاجتماعية، بل والسياسية على بعض المفهومات التي تنعكس على السلوكيات العامة والخاصة باسم التسامح، ومن ذلك الحفاظ على ما تعارف عليه المسلمون من الضروريات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل.

ويتَّضح أن لهجة المقالات الثلاث الأخيرة, ركَّزت على الرغبة في بث روح التسامح, من خلال الانفراط من عقد الدين, الذي يدين به الكُتَّاب الأربعة؛ لاتهامهم رجال الدين بالتأثير السلبي على مفهوم التسامح.

ويغوص المؤلفون الأربعة, كل حسب أسلوبه وطريقته في هذا المجال, ليقدموا رؤية شخصية للتسامح,  جديرة بالتوقُّف عندها, لمعرفة مدى محدودية عقل ابن آدم, في النظر إلى القضايا الكبرى, التي تحكم الوجود البشري, في تعامله مع ذاته ومع خالقه، بما في ذلك محاولات فولتير وميل ولوق, حول التسامح والحرية الطبيعية، ومدى الارتباط بين التسامح والحرية، وحدود التسامح، بل ومفهوم التسامح بناءً على معطيات ثقافية.([152])

وعليه, فإن هناك مصطلحاتٍ متشابهةً, أو مشتركةً, بين عدة ثقافات، لكنها تختلف باختلاف الثقافة نفسها عن غيرها. ومن ذلك مصطلحات: التسامح والحرية والأصولية والإرهاب.([153]) ولن تتأتى معرفة الفروقات إلا بمعرفة ثقافة الغير. ([154])  ومن هنا يأتي مصطلح الاستغراب, الذي يسعى إلى معرفة ما لدى الغرب, والتعريف به.

 و لم ينل هذا المصطلح الاستغراب العناية التي يستحقها، وظل جانبُ معرفة الغير قاصرًا لدى جمع من المثقفين, الذين يرغبون في توسيع آفاقهم, وفتح مجالات للحوار بين الثقافات.



 

 

المُحَدِّد العاشر: الاستغراب (3)

 في كتاب متميِّز في طرحه عن الاستشراق، يقوم على حوار مباشر مع ثلة من المستشرقين, ومَن في حكمهم من المستغربين العرب, الذين أقاموا في الغرب، وتبنُّوا الفكر الاستشراقي حول الإسلام والمسلمين.

كما أنهم يدافعون عن طروحاتهم عن الشرق والإسلام، مما يعني أنهم يصدرون عن قناعة، ويأنفون من الرغبة في إقناعهم من محاوِر مسلم، رغم أنهم يحاولون الـهروب من مصطلح الاستشراق, الذي اكتسب مع الوقت سمعة غير حسنة, كما مرَّ بيانه. وذلك في حوار ممتع مع جاك بيرك، ومكسيم رودنسون، وروجيه أرنالديز، وأندريه ميكيل، وجان بول شارنيه، وهوجوز، وديجو  وغيرهم

واسم هذا الكتاب: من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق، لمؤلفه: أحمد الشيخ، وصدر عن المركز العربي للدراسات الغربية, الذي أنشأه المؤلـــف مع أخيه: صـــلاح.([155])

ومن هذا المنطلق يكون العرب قد بدأوا يطرقون أبواب الاستغراب, بعد دعوات عدة لدراسة الغرب, في ثقافته وعاداته وتقاليده وآدابه، ومنها دعوة حسن حنفي في كتابه الضخم, الذي سماه مقدمة في علم الاستغراب.([156])

ولا بد من التفريق في المصطلح بين الاستغراب والتغريب، إذ  إن الاستغراب هو دراسات علمية وفكرية وثقافية للغرب، أما التغريب فإنما هو تقمُّص الفكر الغربي وثقافته وآدابه, على حساب الفكر الإسلامي, والثقافة الإسلامية والعربية، وما نتج عنها من آداب وفنون واجتماع واقتصاد وسياسة.

ومن هذا المنطلق فإن الاستغراب يدرس، كذلك، الدين السائد في الغرب، وهو هنا النصرانية أولاً، ثم اليهودية، ويأتي الإسلام ليطغي على اليهودية, من حيث العددُ. ولسنا بحاجة إلى الاستغراب في دراسة الإسلام!

ولا يعني دراسة هذه الأديان, أو الدينين بتعبير أدق, أن نترك نظرتنا نحن المسلمين لهما, من خلال ما نراه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله e.

على أن هناك أمورًا لها دلالات في الكتاب الكريم والسنة النبوية, يمكن الانطلاق منها في الدراسات، وحيث إنها, من حيث تفسيرُها, تدخل في جانب التحليل، بعد اليقين بالكتاب والسنة، فإن هناك مجالاً رحبًا للدراسة.

ومن ذلك، وحيث إننا قد مررنا بنهاية قرن ميلادي، ودخول قرن جديد، هو بداية للقرن الحادي والعشرين الميلادي، فإنه من الممكن طرح سؤال حول توقيت ميلاد المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ, الذي يظهر جليًا من سرد قصته في القرآن الكريم أنه ولد قريبًا، بل في مكان ينبت فيه النخيل: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}[الآية 25 من سورة مريم]، وأنه ــ عليه السلام ــ قد ولد في موسم جني الرطب، وليس التمر، وهذا يعني أنه قد ولد في المدة التي يكون فيها طلع النخيل رطبًا قابلاً للجني أو الـخراف, مما يوحي بأن ولادته ــ عليه السلام ــ كانت في الصيف، أو في أواخر الصيف، وليس في الخريف أو الشتاء, كما هو الحال الآن عند الاحتفال بعيد ميلاد المسيح, الذي يصادف, عند غالبية الطوائف النصرانية, 25/12 من كل سنة ميلادية، أي بعد دخول فصل الشتاء بثلاثة أيام. وعند بعض الطوائف الأخرى بعد ذلك بحوالي أسبوع.

ومثل هذا الافتراض يحتاج إلى دراسة علمية معمقة, سبق طرحها علميًا، ولكنها لم تلقَ الرواج المطلوب، لأنها ستغيِّر في مفاهيمَ حول مولد المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ, من حيث المكانُ والزمانُ, علمًا أن البابا يوحنا بولس الثاني قد اعترف, في 22/12/1993م, بأن هذا اليوم يصادف عيدًا وثنيًا, كان الوثنيون يحتفلون فيه بعيد ميلاد الشمس, التي لا تقهر في ذلك اليوم!([157])

كما أن الفاتيكان قد أقر كتابًا, في أكتوبر من سنة 2002م, كما تذكر زينب عبدالعزيز, عن الأكاذيب الواردة في الكتاب المقدس, ومنها أن "يسوع (عليه الصلاة والسلام) لم يولد في 25 ديسمبر, وأنه كان (عليه السلام) قصير القامة".

 وقد أكّد ذلك صحفيان كاثوليكيان في كتاب طبع في إيطاليا, وقدَّم له الأسقف جيفانراكو رافازي, عضو اللجنة البابوية للممتلكات الثقافية للكنيسة, وزير الثقافة في الفاتيكان.([158])

ومثل هذا يمكن أن يقال عن المعتقد الذي قامت عليه الثقافة الغربية، مهما ظهرت فيها من نظرات تخلَّت عن العقيدة، ولكنها لم تتمكن من التنصُّل عن البُعد الديني، مهما حاربته في الظاهر. ومثـل هـذه الـموضوعـات هـي التـي يـمكن أن ينظـر إليهـا على أنهـا موضوعـات الاستغـراب, مع توكيـد قـوي على الدراسة الـموضوعية العلمـية, ذات الإمكانية في القبول فـي الوقت الراهن.



 

 

المُحَدِّد العاشر: الاستغراب (4)            

وفي كتاب أحمد الشيخ: حوار الاستشراق, يظهر طرحٌ قويٌ مع مستشرقين فرنسيين, حول دراستهم للشرق عمومًا, وللمجتمع المسلم المعاصر بخاصة.

ويبدو أن المحاور,أحمد الشيخ, قد واجه هؤلاء بقضايا مهمة, حول موقفهم من الشرق، وموقف الشرق منهم، وهو ما يمكن أن يكون نواة للاستغراب، بـما فـي ذلك نقد الاستشراق نفسه الذي لا يزال قائمـًا، رغـم رغبة الـمستشرقيـن أنفسهم في التنصُّل من المصطلح, كما مرَّ بيانه في مطلع هذا المُحَدِّد, لما اكتسب من مفهوم سيئ (سلبي) لدى العرب والمسلمين, والمستشرقين أنفسهم.([159])

 وفي ضوء نقد الاستشراق، ومن خلال هذا الحوار المهم، استطاع الـمحـاور, أحمد الشيخ, أن يخرج بنتائج, يؤمَّل منه أن يجعلها محتوىً لعمل قادم، لأنه لم يضمِّنها نتيجة نهائية في كتابه، وإن كانت مبثوثة في مقابلاته مع عدد لا بأس به من الـمستشرقين، وبعض العرب, المتبنِّين للفكر الاستشراقي, أو الفكر التغريبي, في النظرة للإسلام, دينًا وعقيدة وفكرة وثقافة وتمثُّلاً.

ومما استطاع المحاور الخروج به هو نواة لإمكانية بناء نظرية حول موقف المستشرق نفسه من الدراسات التي يقوم بها.

وبعيدًا عن التعميم الذي اتسم بـه بعض نقد الاستشراق، هناك من المستشرقين من يحقق ويقرر أن بعضهم ينظر إلى دراسة الشرق عمومًا, والإسلام بخاصة, على أنه مادة مكروهة. ويبدو أن هذه جرأةٌ في الطرح، واعتراف غير مسبوق ، إذ ريما يُعَدُّ من الأسباب التي أدت إلـى ما وصلت إليه الدراسات الاستشراقية، ليس كلها, ولكن معظمها، وبالتالي يمكن القول إن نقدَ الاستشراق هو نوعٌ من الاستغراب بالمفهوم العلمي للمصطلح، وإن كان لم يتبلور بعد.

وهل بالإمكان القول إن نقد الاستشراق, بالتالي, قام كذلك على الكره للمستشرقين ودراساتهم؟ هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل يطول، ولكنه يعود بنا إلى دوافع نقد الاستشراق، فإن كان من الدوافع الغيرةُ على الدين والمجتمع المسلم, فإن عدم الولاء لهذه الدراسات وارد ومطلوب.

ولم تكن الغيرة على الدين هي المسيطرة, بالضرورة, على نقد الاستشراق، بل إن هناك دارسين عَِلمانيين، أو هكذا يقال عنهم، نقدوا الاستشراق، ومن هؤلاء من نقده ربما لأن الاستشراق تعاطف مع الجانب الديني في المجتمع المسلم، وكان هذا الفريق يودُّ من المستشرق أن يهمّش الدين في المجتمع المدروس، في الوقت الذي يصرِّح فيه المستشرقون بأنه لا يمكن إغفال البُعد الديني في المجتمع المسلم المعاصر، ناهيك عن المجتمعات المسلمة السالفة.

وفي المحاورات التي تضمنها الكتاب حوار الاستشراق طروحات جيدة حول هذا الـمفهوم، لا يملك المتابع لها أن يُخفيَ إعجابه بها، وإن كان قد لا يتِّفق معها دائمًا، ولكنه الحوار الهادئ العميق الذي يجذب القارئ إليه، ويتيح له هامشًا كبيرًا للتأمُّل والتفكُّر. ولعله لا يخفى على القارئِ استمرار المتعة بهذا الطرح, والإفادة منه في ملاحقة ظاهرة الاستشراق, للرغبة في الاستزادة من قراءة ما يكتب حوله, من نقد له أو عليه.

وهذا الكتاب في غاية الأهمية لمن يعنيهم نقدُ الاستشراق، والدعوة إلى الردود عليه, فيما بدأ يُطرح الآن على أنه دعوةٌ إلى قيام علم أو ظاهرة الاستغراب, التي يرجى ألا تكون مجرد رد فعل لظاهرة الاستشراق, التي تكونت منذ أكثر من سبع مئة سنة على أقل تقدير، وتعرَّضت لتقلبات عديدة, بحسب ما تعرَّض له المجتمع المسلم من تقلبات, بدءًا بالحروب الصليبية، ثم الاستعمار، ثم التنصير، ثم الآن عودة الحروب الصليبية في أوروبا, أولاً بالتطهير العرقي والعقدي، مما يعني استمرار الاستشراق, مهما حاول أقطابه أن ينسلخوا من المصطلح، وبالتالي يعني ذلك فهمَ الغرب ومنطلقاته, في حملاته المتكررة على الشرق, ليس على مستوى الحروب فحسب، ولكن على مستويات أخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.

 ويدخل في المستويات الثقافية المستوى الإعلامي القوي في تأثيره. وهذا ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح الاستغراب الذي يحتاج منا إلى المزيد من التأمُّل والاعتبار.



 

 

المُحَدِّد الحادي عشر: الاغتراب

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين المسلمين والغرب وجود جاليات إسلامية, مغتربة, في المجتمعات الغربية، والمعلوم أن هجرات المسلمين للغرب قديمة جدًا, إلى درجة أن الدكتورة إيفون حدّاد, أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة مساشيوستس بالولايات المتحدة الأمريكية, ترجع وجود المسلمين في أمريكا إلى ما قبل اكتشافها على يدي كريستوفر كولومبس.([160])

وهي تورد هذا الرأي, في معرض حديثها عن الوجود الإسلامي في أمريكا. ومهما يكن من أمر فالوجود الإسلامي في أوربا وأمريكا قديم، بدأ بالبعثات الدبلوماسية, وبالهجرات التي أرادت اكتشاف الآخر, والدعوة إلى الإسلام, أو سعت إلى تحسين وضعها الاقتصادي، أو هربت من ظروف سياسية لم تكن تسمح لها بالاستمرار في مواطنها.

وكوّنت هناك مجتمعات صغيرة جدًا, حاولت, من خلال هذا التجمُّع, الحفاظ على هويتها الإسلامية، لا سيما عندما كبر الأولاد، بنين وبنات، فأقاموا منتديات سموها مساجد، وإن لم تكن بالضرورة مساجد, بل هي مصليات, يذكر فيها اسم الله, وتقام فيها الصلاة, والدروس الدينية واللغوية, والمحاضرات, واللقاءات والمناسبات الاجتماعية.

ثم توالى الوجود الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، الثالث عشر والرابع عشر الهجريين, بهجرات جديدة من شوام ومصريين وهنود، بالإضافة إلى وجود المسلمين الأفارقة, الذين جُلِبوا إلى أوربا وأمريكا ليعملوا في المزارع والحقول، وغُيِّرت أسماؤهم, وبالتالي سُعي إلى صهرهم بالثقافة الغربية, القائمة على الخلفية النصرانية، ولا شك، ثم سعوا إلى العودة إلى جذورهم، كما جسدتها رواية أليكس هَيلي: الجذور.([161])

ثم توالت الهجرات أيضًا في القرن العشرين الميلادي، الرابع عشر الهجري، وانصهر كثير من المسلمين في المجتمع الغربي، ولكنه الانصهار الذي لم يصل إلى إنكار الهوية الإسلامية، فزادت المساجد والمصليات والمراكز، وأقيمت الجمعيات الإسلامية، ووصلت إلى قيام تنظيمات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية، وإعلامية.

وأضحى للمسلمين بعض صوت في أوربا وأمريكا، وأضحى لهم شأن, ودخلوا في اللعبة السياسية.

وتنبَّه الناس, أهل البلاد, هناك لوجودهم, وحسبوا لهم حسابًا، رغم أن الإعلام لم يوفق في إعطاء صورة صادقة للإسلام والمسلمين المحليين, وغيرهم من مسلمي العالم.

وأضحى الإعلام يشير بأصابع الاتهام للمسلمين عند أي عمل إرهابي في العالم،([162]) على ما سيأتي الحديث عنه في وقفة لاحقة.

ولكن وجود المغتربين المسلمين في المجتمع الغربي، مهما كان ضعف تأثير هذا الوجود، إلا أنه يُعَدُّ شكلاً مهمًّا من أشكال الحوار بين المسلمين والغرب، ومُحَدِّدا حيويًا وفاعلاً من مُحَدِّدات العلاقة بين المسلمين والغرب، ذلك أن المسلمين الموجودين في الغرب رسموا صورة أوضح من الصورة التي قدمها الإعلام، لأنهم عملوا هناك، وكانت لهم علاقات اجتماعية، كما أنهم في الوقت نفسه استخدموا أسلوب القدوة في تطبيق الإسلام, بالقدر الذي استطاعوا معه التطبيق، بعد أن أدركوا أنهم ليسوا في مجتمع مسلم, يطبق فيه الإسلام على جميع مناحي الحياة.

وليس المراد, هنا, إعطاء صورة غير واضحة للجالية المسلمة في الغرب، إذ إن عليها ما عليها من ملحوظات تطرق لها الإعلام الإسلامي في وقفات مختلفة,([163]) ويمكن أن يُعَدَّ وجودُ هذه الجاليات الدائم في مجتمعات غربية مؤشرًا من مؤشرات التلاقي بين المسلمين والغرب.

وكلما تمسك المسلمون المغتربون هناك بإسلامهم قوي هذا المؤشر، لأنهم بهذا يُعَدُّون دعاةً بالقدوة، والعكس صحيح، أي أن المسلمين في الغرب كلما تخلوا عن هويتهم الإسلامية, وسعوا إلى الانغماس التام في الثقافة الغربية, فقدوا قدرتهم على التأثير، وبالتالي فقدوا عنصرًا من عناصر وجودهم، لأن الغربيين لا يتوقعون منهم أن يتبنُّوا ثقافةً مشكوكًا في صمودها, على حساب ثقافةٍ صمدت مئات السنين، ولا تزال كذلك، وستظل, مهما تخلى بعض أبنائها عنها، وهجروها إلى غيرها.

ومع تنامي وجود الجاليات الإسلامية في الغرب يتنامى الاعتراف بهم في هذه المجتمعات, على أنهم جزء فاعلٌ منها، لهم إسهاماتهم في مسيرة الحياة هناك.

ويمكن لهم أن يمثلوا الجانب المشرق في النظرة إلى الأشياء, في مجتمعات أضحت تتعطش إلى الفضيلة, بعد أن ملَّت الغواية، وأدركت أن الحريةَ, مهما تشبثت بها الأمم, إلا أنها هي ذاتُها تحتاج إلى تقييدها بالمُثُل والمبادئ, التي تكفُل الاستمتاع بها, على مستوى الأفراد والجماعات.([164])



 

 

المُحَدِّد الثاني عشر: البعثات

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب قيام البعثات العربية والإسلامية, ولا يُقصد هنا البعثات الدبلوماسية. ولكنَّ المقصودَ هنا الطلابُ العربُ والمسلمون, الذين قدموا إلى أوربا وأمريكا, وأقاموا فيها إقامة مؤقتةً, لغرض واضح ومُحَدِّد, وهو تلقي العلم الحديث, في الجامعات والمعاهد العليا الغربية.

وقد مرّ زمان كان الطلبة الغربيون ينتقلون إلى الشــرق الإسلامي, يتلقون العلم الحديـــث، آنذاك. ومع انتقال الحضارة من أيــدي المسلمــين إلى الغربيين انقلبت الصورة:{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[الآية 140 من سورة آل عمران].

وليس المقام بصدد المقارنة بين الجاليات والبعثات في قوة التأثير. ولا بأس من الوقفة الموضوعية التي تستدعي القول: إن تأثير الطلبة، وإن كان وجودُهم مؤقتًا، كان في بعض المجتمعات الغربية أقوى من تأثير المغتربين، ذلك أن الطلبة الذين أصرّوا على هويتهم الإسلامية، وما رسوا شعائرهم كان لهم تأثير على الجاليات المغتربة نفسها . وأسهموا وشجَّعوا على تمسُّك الجاليات المغتربة بهويتها الثقافية والدينية.

هؤلاء الطلبة لم يكونوا بعيدين عن المجتمع المسلم الذي غادروه، فالصلة معه مستمرة, ويترددون عليه، غالبًا، في الإجازات، ويعلمون أن مردَّهم إليه. كل هذا شجَّعهم على الاحتفاظ بهويتهم، ولكنه احتفاظ لم يمنعهم من التعايش مع المجتمع الغربي، وإن أدى ذلك إلى بعض التجاوزات, في الممارسات اليومية, لدى بعض منهم.([165])

لقد كان في وجود الطلبة في أوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية خير كثير، وإن ظهرت مقولات تحذِّر من الابتعاث وتنهى عنه، وظهرت بعض الفتاوى التي تحدد الحاجة إليه.

وهذه مواقف لها ما يسوغها، إذ إن الغيرة على الإسلام وأبنائه تؤدي إلى هذا الموقف، لاسيَّما مع وجود شواهد حية, من الانغماس في الثقافة الغربية, بعد الانبهار بها، والسعي إلى تبنيها, بديلاً للإسلام في المجتمعات المسلمة!

وفئة الطلبة المسلمين الذين لم يتمسَّكوا بدينهم, وهم قلَّة لا تكاد تُذكر, لا يُعَدُّون مؤشرًا من مؤشرات العلاقة بين الشرق والغرب، ذلك أنهم لم يحترموا أنفسَهم, فلم يحترمهم الآخرون.

وإنما الحديث هنا عن تلك الفئة من الطلاب, الذين كان لهم تأثير واضح في المجتمعات الغربية, من خلال إيجاد البنية التحتية, التي مارسوا عليها شعائرهم الدينية, من صلوات جماعية وأعياد، ودروس ومناسبات زفاف، بل وتجهيز الموتى والصلاة عليهم, ودفنهم في مقابر خاصة للمسلمين، أو مخصصٍ جزء منها للمسلمين.

وسعى هؤلاء الطلاب إلى إيجاد المساجد والمراكز الإسلامية، أو أعانوا الجاليات المغتربة في إقامتها وتشييدهــا. كما أحيوا هذه المساجد والمراكز بالصلاة وحلقات الذكر والمحاضرات والدروس والأعياد, ودعمتهم في ذلك بلدانهم, وأهل الخير في هذه البلدان, الذين أسهموا في بناء هذه المساجد والمراكز، ولا يزالون يجنون ثمار هذه الجهود, صدقةً جاريةً مستمرةً بإذن الله تعــالى.

ولا عبرة بفئة ضلت الطريق, واتخذت من الدين مطيَّة, لتحقيق أغراض ليست من الدين, مهما قيل إنها من الدين.

وكان لوجود الطلبة المبتعثين في الجامعات والمعاهد العليا تأثير واضح, من خلال وضوحهم مع أساتذتهم والمسؤولين في هذه المؤسسات العلمية، من حيث ابتعادُهم عن أي أمرٍ مخلً بالدين في الشرب أو الأكل, أو الوقت والاختلاط غير المسوَّغ، لاسيَّما في المناسبات الاجتماعية, التي ما تفتأ تحدث في هذه المجتمعات، ويكون فيها لغط في مفهومنا ونظرتنا لها.

كما كان لوجودهم في هذه المؤسسات التعليمية أثر واضح, عندما أضحوا طرفًا في الحوار الدائر, حول الأحداث المتتابعة في المنطقة الإسلامية، فاستطاعوا أن يقدِّموا صورة واضحة وصحيحة عن الوضع, بدلاً من أن يتصدَّى لذلك إعلامي مغرض، أو مستشرق لم يفهم بالضرورة الوضع على ما يفهمه هؤلاء. ([166])

ويمكن الاستنتاج من هذا أن وجودَ الطلبة المسلمين في المجتمع الغربي كانت له حسناته, في توجيه الحوار القائم بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني العَِلماني، على ألا يفهم هذا على أنه دفاع عن وجود الطلبة المسلمين في الغرب، وما داموا قد وجدوا فلا بأس من إبراز الجانب المضيء من وجودهم، وقدرتهم على التأثير، أخذًا في الحسبان أن هناك من لم يوفق في التمسّك بهويته, مما أدى إلى التحذير من الابتعاث وبيان مخاطره، كما ذكر موريس بوكاي في كتابه المشهور عن الإنجيل والتوراة والقرآن والعلم،([167]) عندما حذر الطلبة المسلمين, الدارسين في الغرب, من قبول فكرة فصل العلم عن الدين, كما هي الحال هناك.([168])



 

 

المُحَدِّد الثالث عشر: التغريب

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب, مما يُعَدُّ امتدادًا لمُحَدِّد سابق حول الحقوق، سَعْى الغربِ إلى تغريب المسلمين, وغير المسلمين. وهنا وقفات مهمة حول توكيد الغرب على تبنِّي الآخرين أفكارَه, ونظراتِه إلى الحياة والإنسان، فليس من المناسب أن ينصبَّ اللومُُ كلُّه على الغرب في دعوته هذه، لأنه يعبِّر عن موقف يقوم على أنه يرى مصلحته في أن يقود العالم، ولن يقودَ هذا العالم إن لم يتمكن من صهر مفهومات العالم في بوتقة غربية، ذلك أن في المفهومات الأخرى, من الرغبة في الاستقلالية والتميز, ما يحول دون تحقيق هذه الرغبة.

ولا تزال كثير من الأمم الشرقية, الصينية واليابانية والإسلامية, تتوجَّس من التبعية الفكرية والثقافية للغرب، رغم أن أعدادًا من أبنائها نهلوا من المعرفة الغربية، وعادوا إلى بلادهم يُسهمون في بنائها, مع الحذر الشديد من التأثُّر بالأفكار التي قد يجلبونها معهم. وقد سبق القول إن موريس بوكاي, في كتابه المشهور التوراة والإنجيل والقرآن والعلم, قد حذَّر من الوقوع في هذا التأثير، وركَّز على أولئك الطلبة الذين لا يدرسون العلوم فحسب، بل يدرسون الثقافة والفكر, ويعايشون مجتمعًا قام على النفرة بين العلم والدين,([169]) مما أدى إلى زعم الغرب أنه لم يتطور ويصل إلى ما وصل إليه إلا عندما تخلَّى عن الدِّين، وبالتالي لم يتأخَّر المسلمون ويصلون إلى ما وصلوا إليه من التخلُّف إلا بإصرارهم على التمسك بالإسلام.([170])

وهذا المنطق العلماني الغربي يتنافى مع المنطق التنصيري الذي يتفق معه في الجزء الثاني من هذا الادعاء, وهو أن المسلمين يتقهقرون بسبب تمسُّكهم بدينهم, بينما يتقدَّم الغرب بسبب تمسُّكه بنصرانيته. إلا أن هذه الجدلية التنصيرية واهية لدى المسلمين, لما يرونه من واقع عزل الدِّين عن الحياة.

وتكمن الخطورة في جدلية العلمانية الغربية, التي تصر على إبعاد الدين, وأنه سبب مباشر في الحد من التقدم والحضارة والنهضة والتنمية والتطور, وغيرها من المصطلحات التي تسعى إلهيا كل الأمم، بل وتدَّعيها بعض الأمم.([171])

وهذا شكل من أشكال التغريب الفكري, الذي يُعَدُّ أخطرَ بكثير من التغريب الظاهري في الملبس والمأكل، وإن كان هذا في النهاية يجُّرُّ إلى ذاك، وأي سلوك يأتي على حساب السلوك الأصيل، ويكون مستعارًا من ثقافة أخرى, ينتج عنه في النهاية تناسي الأصالة, واللجوء إلى الوقوع في السلوك والأفكار.

يقول مالك بن نبي في: شروط النهضة: "لكل حضارة منتجاتها التي تتولد عنها, ولكن لا يمكن صنع حضارة بمجرد تبنِّي منتجات حضارة ما, فشراء ما تنتجه الحضارة الغربية من قبل كافة دول العالم لم يجعلها تكسب حضارة أو قيَمًا, فالحضارة ليست تكديسَ منتجات, بل هي فكرٌ ومُثلٌ وقيمٌ, لا بد من كسبها أو إنتاجها".([172])ويعلِّق نعمان السامرائي على هذا بقوله: "وهذه قضية غائبة عن "المتغرِّبة", فمن يشتري منتجات حضارة أخرى يتحضّر شكلاً لا حقيقة, وهو لا يزيد عن كونه مستهلك حضارة, لا منتج حضارة".([173]) وإذا كنا في مسألة التغريب لا نحمِّل الغرب كلَّ اللوم، فإننا نحن نتحمَّل كثيرًا من اللوم, عندما نرى بعض بني قومنا وبعض مؤسَّساتنا تتبنَّى أفكارًا غريبةً في نظرتها للحياة.

وقد يعني هذا أن المسلمين أنفسَهم لم يوفَّقوا في تقديم الإسلام تقديمًا حضاريًا, لا يتنافى مع معطيات الحضارة. ألا ترون أن لدينا بعضًا من المجتهدين الذين يتوقفون عند كل منجز حضاري، وربما رفضوه في البداية، ثم عادوا فقبلوه، وألا ترون أننا نشهد وقفاتٍ طويلةً حول بعض الممارسات الحضارية, التي لم نعهدها من قبل، ونختلف عندها, من مبيح لها ومن محرِّم, لما يترتب عليها من مفاسد؟ مع أن الأصل عندنا في الأشياء الإباحة.

ولعل هذا المنحى, وأمثلةً كثيرةً, سببٌ من أسباب عزوف بعض أبنائنا, ثم مؤسساتنا عن الأصالة والتأصيل، والجنوح إلى الغرب في النظر إلى معطيات الحضارة, وبالتالي الوقوع في شرك التغريب، الذي يمتدُّ من المرء نفسه إلى المجتمع, من خـــلال وقوف هذا الشخص أو ذاك في وجــــه التأصيل، والنظر إلى أصحابه على أنهم متخلِّفون، حتى أضحى مصطلح الرجعيَّة من تلك المصطلحات التي يقصد بها الرجوع إلى الأصالة والتأصيل، ولكن من منظور سلبي يطلب الحذر منه وتجـــاوزه.([174])

وحملات التغريب ليست عفوية، بل هي مقصودة، وهناك شواهد من أقوال وممارسات تؤيد رغبة الغرب في تغريب العالم، هذا لأن الثقافة الغربية ليست بالضرورة مقبولة لدى أصحاب الثقافات الأخرى؛([175]) لأنها تتصادم مع الأعراق والأعراف والتقاليد والعادات والمكتسبات الثقافية الأخرى، بِغَضِّ النظر عن مصدر هذه الثقافات.

ومع هذا فقد وُجِد في المجتمعات غير العربيَّة، ومنها المجتمعات الإسلامية، ممن اصطلحنا على تسميتهم بالتغريبيين, تلك الفئة التي أسهمت في التأثير على العلاقة بين الشرق والغرب بتبنِّيها الأفكار الغربية, ودعوتها إليها. هؤلاء الذين أضحوا مجالَ استغراب من الغربيِّين أنفسِهم، إذ لم يتوقعوا منهم أن يكونوا بهذه الحدَّة والقوَّة والاندفاعية في الدعوة إلى تبني الأفكار الغربيَّة.

ويمكن أن تكون فكرة الدعوة إلى التغريب فكرة مقبولة, لو لم يقصد من ورائها أن تحل مكان المبادئ والقيم والمُثُل المستمدة من شرع الله، فإن رفض التغريب موقفٌ مبرر له ما يسوغه, عندما تتكرر الدعوة إلى الرجوع إلى الأصل، والدعوة إليه, وإلى استفادة الآخرين منه.

وهناك نماذج متعددة لأشكال التغريب تعود في جذورها إلى نهايات الخلافة العثمانية،([176]) وتعرج على عصر النهضة العربية التي انطلقت من كل من مصر والشام, لا سيما لبنان بشكل أوضح بالنسبة للشام. وهناك أسماء معروفة لها جهودها في هذا المسار وكانت لها إسهاماتُها الفكرية, في مجالات الفكر والسياسة والثقافة والأدب.

وفي الوقفة الآتية قد يسمح المجال للتعرض لبعض الأسماء اللامعة في الدعوة إلى التغريب، مع العلم أن المجال هنا هو طرح الأفكار دون الغوص في التفصيلات، إلا إذا دعا المقام لذلك.

وتقف الدعوة إلى التغريب حائلاً من عوائق قيام علاقة قوية بين الشرق والغرب. ويمكن أن يخفَّ هذا الحائل إذا ما خفّت الدعوة إلى التغريب, من بعض الشرقيين أنفسِهم. ويمكن أن يتم ذلك إذا ما تولدت القناعة التامة القوية بالمنبع, الذي يملأ الفراغ الفكري عند بعض الشرقيين. ولهذا الهدف خطوات طويلة المدى، ولكنها دائمًا تبدأ بالخطوة الأولى, وقد بدأت.



 

 

المُحَدِّد الرابع عشر: العلمنة (1)

يمر على الأمة حينٌ من الدهر, تضحي فيها نهبًا للغير, بأي شكلٍ من أشكال النهب السياسي والاقتصادي والعسكري والديني والثقافي، وتكون في هذا مسلوبة الإرادة, مغلوبة على أمرها, لا تستطيع دفاعًا عن نفسها, فيتقلص نفوذُها، ويضمحل تأثيرُها، ويهرب منها أبناؤها, باحثين عن فكر الغير وثقافته, على اعتبار أن المغلوب يتبع الغالب، والأمة حينها مغلوبةٌ على أمرها.([177])

ومن أخطر أنواع النهب أن تُنهب الأمة في دينها, الذي هو منبع ثقافتها, فيفرض عليها من الغالب أن تحوّر في دينها، ليس مباشرةً، ولكن بإغفال ترديد النصوص التي تبيِّن حقيقة الغير، الحقيقة التي نزل بها الوحي، ولا يمكن أن تكون مقصورة على زمان أو مكان، بل هي ملازمة لهذا الغير، والإيمان بها جزء من الإيمان بهذا الدين، وهي تدخل في أصل الاعتقاد.

وإغفال النصوص التي تبيِّن هذه الحقيقة فيه تدخُّل في المعتقد, وتغييب لأصل من أصوله, مما يؤثر على الإيمان, فيؤدي إلى الموالاة, في الوقت الذي تدعو فيه النصوص إلى البراءة من الغير, إذا انطبق عليه ما ينطبق على ما يجب البراء منه.

والذي يبدو لي أن مفهوم البراء نفسه غير واضح في أذهان بعض الذين يثيرونه بين الفينة والأخرى, مما أدى إلى الدعوة إلى تناسي النصوص التي تؤكد عليه والتغافل عنها. ذلك أن البراء لا يشمل, فيما يبدو, المقاطعة بكل أشكالها, وإعلان الحرب على الغير باسم البراء, أو بحجة البراء.

والذي يظهر, كذلك, أن مصطلح الولاء والبراء لم يتمَّ التركيز عليه بهذه الصورة, وبهذه القوة, على الساحة الإسلامية إلا في الآونة الأخيرة، وإن كان المسلمون يرددون آيات الولاء والبراء, لاسيَّما في سورة التوبة, منذ زمن غير قصير. وهذا أمر يحتاج إلى بحث، إذ إنه لا يُطرح على أنه من المسلّمات. وهناك محاولات لتغييب مثل هذه النصوص.

ولم يقتصر العمل على تغييب النصوص على هذا الجانب، بل إن هناك أصلاً لدى الغير بتغييب النصوص التي تتعلق بزرع دولة يهودية في قلب الأمة، وأصبحنا الآن ندعوها إسرائيل. وهناك رغبة, كذلك, في تغييب النصوص التي تتحدث عن اليهود، والنصوص التي تتحدث عن اليهود لا تتحدث عنهم بإيجابية، ولذا تظهر الدعوة بتغييبها كلها.

والسؤال المطروح هنا يتعلق بمدى جدوى تغييب النصوص, ومدى نجاح التغييــب، ما دام له علاقة مباشرة وقوية بأصل الاعتقاد لدى المسلمين، ويؤمن المسلمون جازمين أن الذِّكْر محفـــوظ, وحفظُه يعني تطبيقه على الواقع. قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الآية 9 من سورة الحجر].

واللوم لا يقع على الغير الذي يحاول هذه المحاولات في تغييب النصوص، لأنه بذلك يدافع عن وجوده, الذي لا يقوم إلا بتغييب كل النصوص، وإنما ينصبُّ اللوم على أولئك الذين يستجيبون لهذه المحاولات، وينصبُّ على الزمان الذي وصلنا به إلى الاستجابة لها،  والمقصود لوم أهل الزمان, الذين وصلوا في حين من الزمان إلى أن يكونوا أداةً تُغيَّب بها النصوص. وهو زمان لن يدوم طويلاً، ولكنها مرحلة من المراحل التي تمر بها الأمة، وقد مرت بها من قبل. وهي الآن تحاول الخروج منها, مع ما يتطلبه الخروج من تمحيص، يقتضي هذا الوضع الذي نحن فيه, على مختلف الصُعُد.

وهذه دعوة إلى إدراك هذه النقطة المهمة المتعلِّقة بمحاولات تغييب النصوص, في الوقت الذي نسعى فيه إلى التنبيه إلى هذه المحاولات، ونؤكد على خطورتها، ونعمل على إيقافها في دور التربية الثقافية والفكرية والأدبية ,وغيرها من البيوت التي تتعامل مع العقل.



 

 

المُحَدِّد الرابع عشر: العلمنة (2)

ومن جميل ما يتابع المتابع هذا الحوار القائم الآن بين الشرق والغرب, الذي أخذ أشكالاً متعددة من أساليب الحوار، فهناك الحوار العلمي, من خلال البعثات العلمية, التي انتقلت من الشرق إلى الغرب, فتعلَّمت هناك العلم ومعه، فعادت إلى بلادها تحمل بعض المُثُل التي لا تتفق كلها, بالضرورة, مع المُثُل التي يتمثَّلها الشرقيون.

وهناك الحوار الثقافي الذي كان من نتائج الحوار العلمي، ولم يكن فقط نتيجة له، لأن هناك من تأثر بالشرق من الغربيين، فتوجَّه إليه بالرحلة والقراءة والكتابة والرأي.

كما أن هناك من انبهر بالغرب من الشرقيين ثقافيًا, فحفظ أقوال الغربيين الكثُر, من علماء النفس والاجتماع والفلسفة وغيرها، فأضحينا نسمع عن هؤلاء مقولات تنسب إلى ديكارت وكانت وماكس فيبر وجوته ونتشة وكارل ماركس وهيغل وجان بول سارتر وجان جاك روسو وفولتير ودوكايم ورينان وتوجي وبرنارد شو, والقائمة طويلة، ومعظم هذه الأسماء قد رسَّخت هذه الفجوة بين الشرق والغرب، وأنهما لا يلتقيان، لاسيَّما أفكار هيغل التي تصدَّى لها، أو لمعظمها، كارل بوبر في كتابه المجتمع المنتفخ وأعداؤه، حيث أصبحت فلسفةُ هيغل جديرةً بالاهتمام والتحليل, بسبب نتائجها المشؤومة, حسب قول بوبر, التي شخَّصت العالم بثنائية توحي بأنها متناقضة، بل متناحرة من منطلق "نظام البديهات" التي ركز عليها هيغل في كتاباته.

وإذا كان الغرب غربًا واحدًا, فإنه "لم يَعُدْ هناك وجود للغرب بالمعنى الجغرافي والأنثروبولوجي للكلمة، لأن الثقافة الغربية "فرنجت" العالم، ومن ضمنه المجتمعات الشرقية، حيث المعارضةُ للهيمنة الغربية هي الأكثر احتدامًا"، كما يقول جورج قُرم في كتابه الأخير شرق وغرب: الشرخ الأسطوري.([178])

وكذا الشرق بالنسبة للغرب لم يَعُدْ شرقًا واحدًا، فهناك الشرق الأدنى, والشرق الأوسط, والشرق الأقصى، والشرق الأوسط هو الذي تعرَّض لألوان من الحوار، كان منها الحوار الحربي, حينما وصلت الفتوح الإسلامية مشارفَ فرنسا غربًا, ثم مشارف فينَّا عن طريق الشرق، أعقبتها الحروب الصليبية التي كانت موجهةً إلى منطقة الشرق الأوسط, ثم زُرِعت دولة قومية, أو وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ليستمر هذا النوع من الحوار العنيف بين الشرق والغرب.

ثم في الشرق الأقصى برزت فكرة "الخطر الأصفر"، حين أعلن الغربُ هذا الشرق عالمًا غريبًّا. "ويتجلى هذا مثلاً في الصورة الساخرة والمهينة التي رسمها الأدب الغربي الشعبي لليابانيين والصينيين "قصيري القامة"، ذوي الوجوه الصفراء، والنفوس التي يكتنفها الخداع والغموض". ولم يسكت "الشرق أقصويُّون " عن هذا, فبادلوا الغربيين باحتقار مماثل، إذ إن الصينيين واليابانيين "يرون في الإنسان الغربي الأبيض نموذجًا للبربري" المبتذل، والغضوب، وغير القادر على التحكم بمشاعره، والذي يريد، بأي ثمن، فرض دينه وتجارته". كما ينقل جورج قرم في الشرخ الأسطوري.([179])

إلا أن الخطر الأصفر قد بدأ في الزوال منذ أكثر من خمسين سنة مضت, بعد أن حقق الشرق الأقصى إنجازات باهرة في المجال الاقتصادي، لاسيَّما اليابان، والآن ماليزيا والصين وكوريا.([180])

ويمضي جورج قُرم في تحليل هذا المفهوم, الذي فرض حائطًا كبيرًا وطويلاً بين الشرق والغرب، بما في ذلك تقسيم العالم إلى آريين وساميين, على طريقة إرنست رينان, وجورج دوميزيل, وميرسيا إلياد, مع إعطاء كل جنس خصائصَه، ومن المتوقَّع أن يصدر هذا التصنيف العرقي عن إرنست رينان المتقدِّم, وكذلك يصدر من نظرة جون كافن في تصنيفهما للساميين, وكونه ليس إيجابيًّا، بينما يتمتَّع الآريون بسمات القدرة على العيش والتحضُّر والتفكير ,ونحوها من مقوِّمات الحياة.([181])

هذا الشرخ الأسطوري نما وترعرع في ضوء هذا الحوار العنيف، وتكرر طرحه حتى صدَّقه الناس إلى حد كبير، لكنه لم يكن صحيحًا، ولن يكون صحيحًا, مهما قيل عنه ذلك، إذ إن الشواهد الحضارية, ومشاركة الأجناس الشرقية والإفريقية في بناء هذه الحضارة الحديثة لدليلٌ "أنثروبولوجي" قويٌ على دحض هذا التوجُّه، على ما يقوم به علماءُ وفلاسفةٌ غربيون، ناهيكم عن الشرقيين، أمثال إدوارد سعيد وجاك ج. شاهين، ورجيس دوبريه، ويورغن هابرماس، وإربك هَوسباوم, ونعوم تشومسكي،([182]) وغيرهم كثير.

وليس من المصلحة في هذه المنطقة، وهي تتبنى دينًا عظيمًا، أن يُعمَّق مثل هذا الحوار العنيف, الذي يزيد من هذا الشرخ, ويضخم الفجوة، فإن الحوار مع الغير ينبني على أن الناس مخلوقون من ذكر وأنثى، وأنهم جُعلوا, من الله تعالى, شعوبًا وقبائل لتتعارف، وتبقى الأفضلية بينهم مرهونة بالتقوى. قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الآية 13 من سورة الحجرات].



 

 

المُحَدِّد الرابع عشر: العلمنة: (3)

ولا أزال في استعراض الأفكار الواردة في كتاب جورج قُرم: الشرخ الأسطوري, إذ إن هذا الكتاب وكاتبه يرجع ما هو قائم الآن بين الشرق والغرب من فجوة إلى جذور دينية، مهما ادعت الدول الغربية عَِلمانيتها, التي يرى أنها زعمٌ أكثرُ من كونها حقيقة، هذه الجذور التي أدت إلى بذر طفل الأنبوب في قلب العالم الإسلامي والعربي، نقطة الالتقاء بين آسيا وأفريقيا.

ويكرر جورج قرم هذا الأمر في مجمل كتابه، فكلما ذهب في نقاشه حول العلاقة بين الشرق والغرب عاد مرةً أخرى إلى الأسلوب, الذي أوجِدتْ فيه دولةٌ لليهود وطنًا قوميًا لهم في فلسطين المحتلة.

ويؤكد في ذلك جورج قُرم على أن "العلمانية" في البلدان البروتستانتية نسبية، ولا تقوم على الفصل بين الدنيوي الاجتماعي, والديني الذي طورته البلدان الكاثوليكية، بل أعطت الحرية في إنشاء الكنائس ودور العبادة, التي طالبت بها البروتستانتية في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية الأحادية النمط". ويذكر أن الغربيين، لاسيَّما البروتستانتيين, "يحبِّذون دومًا إدخال الدين ضمن رؤية العالم، وتنظيم الحياة الاجتماعية، لا بل أكثر من ذلك، يستطيع سكان الولايات المتحدة تأكيد أصولهم العرقية أو تميُّزهم الديني من دون أن يكون ذلك مزعجًا أو محرجًا لإدارتهم".([183])

"وليست العلمانية في الولايات المتحدة قيمةً سياسيةً أساسًا، بل تقوم فقط على حرية الممارسة الدينية، وليس على فصل الأمور الدينية عن الأمور الزمنية".([184])

وبهذا يؤكد بعض النافذين أن المجتمع الأمريكي يبذل"قصارى جهده لكي تسير الحرية والإيمان جنبًا إلى جنب، ولكي يُعلِي كل منهما من شأن الآخر". ويؤكدون كذلك في وثيقة في مطلع عام 2002م (1422هـ) أن "نظامنا علماني ــ رؤساؤنا ليسوا رجال دين ــ لكن مجتمعنا هو الأكثر تدينًا في العالم الغربي".([185])

ولذلك، ولتمسُّك الغرب بوجود إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي, تفقد العَِلمانية أي مصداقية في الخطاب الغربي، مما يزيد من عمق هذا الشرخ في العلاقة بين الشرق والغرب "ولاسيَّما أن قيم العدالة والإنصاف التي يدَّعي الغرب تبنيها تسقط كلما تعلَّق الأمر بدولة إسرائيل, وتفقد العلمانية أية مصداقية في الخطاب الغربي".([186])

ورغم التضييق على التعبير بحرية عن هذه الوجهة في المجتمع الغربي، وترجمة هذا التعبير إلى تعاطف مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، إلا أننا نجد أصواتًا، وإن كانت خافتةً، قادمةً من الغرب وكأنها تتحدث في خطابها بلغة الشرق، حتى لقد داست الدبابة الإسرائيلية على فتاة جاءت من الغرب إلى أرض الميعاد مناصرةً الشرق، فكان مصيرُها الموتَ, الذي تبعه قدر من الصمت المطبِق، حتى على المستوى القانوني، ناهيكم عن المستوى السياسي.

وهذا يوحي بأن هناك نقمةً على هذه الشرذمة. هذه النقمة لم تعد ناتجة عن الشرق فقط، ولكنها لا تفتأ تنبت في المجتمع الغربي، ولكن هل هناك من يجرؤ على الخطاب؟!([187])

بل إن من يتحدث عن تعميق هذا الشرخ هو الذي يلقى رواجًا في الأوساط السياسية والإعلامية، وليس بالضرورة في الأوساط الثقافية والفكرية. فالضجة التي أحدثها السموأل (صموئيل) هنتجنتون, في مطلع القرن الخامس عشر الهجري/العقد الثامن من القرن العشرين الميلادي,([188]) لم تكن لدى مفكري الغرب ومثقفيه سوى عمل هزيل، حيث يصفُ المؤلفُ المقرَّبُ من أوساط الحكم، وبطريقة سطحية، "سيناريو لا يمت إلى الواقع بصلة عن مواجهة دينية بين الإسلام (الذي يصوره متحالفًا مع البوذية)(!) والغرب المسيحي". ([189])

يقول جورج قُرم عن الكتاب الهزيل صدام الحضارات: "لا يسعنا أن نفهم الذي حصده هذا الكتاب، المعبِّر عن فوضى فكرية عارمة، وتشيع فيه ضحالة في التحليل قلَّ نظيرها، إلا إذا أدركنا أنه يَستغلُّ، إلى أقصى الحدود، وجود الشرخ المتخيَّل بين الشرق والغرب، الذي هو صنيع الظروف الجيوسياسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي".([190])

وأحسب أن العرب، قد أعطوا الكاتب السموأل هنتنجتون, والكتاب صدام الحضارات قيمةً علميةً وإستراتيجيةً, أكثرَ مما يستحقها، لاسيَّما إذا لوحظ أن أصل الكتاب تقرير مقدَّم إلى جهات سياسية, فتطوَّر التقرير إلى مقالـــة صدرت عام 1414هـ/1993م في مجلة شـؤون خارجية Foreign Affairs, ثم طُوُّرت المقالة إلى كتاب، فسارع العرب، لاسيَّما المتكسِّبون ماديًا، إلى ترجمته ترجمة مطولةً.

 ولعلَّ ما كُتب عنه لدى العرب أكثرُ مما كتب عنه لدى غير العرب، وأحسب أيضًا أن المهلِّلين للكتاب لدى الساحة الإعلامية العربية, أكثرُ من المادحين لأفكاره في الأوساط العلمية الثقافية الفكرية العربية وغير العربية؛ إذ إننا لسنا في هذا الوقت، وفي غيره بحاجة إلى تعميق الهوِّة، وتوسيع الفجوة بين الشرق والغرب لأي سبب، وبأي ظرف، بل إن الوقت الآن يؤكد على الحاجة الملحة إلى تجسير الفجوة، وإغفال هذا الشرخ المصطنع، ذلك أن مصلحة العالم، وليس العرب والمسلمين فقط، تؤيد وبشدة انتشار روح التسامح، وتقبُّل الغير، وتوسيع هامش الحوار الإيجابي.



 

 

المُحَدِّد الرابع عشر: العلمنة (4)

وفي ضوء الحديث عن العلمنة, مُحَدِّدا من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب, وكون العلمنة نبتت في الغرب, وجرت محاولات تصديرها إلى الشرق والعالم, على أنها من معطيات الحضارة الغربية, هناك من يتحدَّث عن قُرب إفلاس الحضارة الغربية, ويرى أنها مسألة متحققة، دون أن يكون هناك قدرةٌ على التوقيت, فوقت الإفلاس ليست مسألة قابلة للتخمين, رغم أن هناك من يعطي عقدًا من الزمان, يتحقق فيه ذلك.

وسبب التأكُّد من تحقق الإفلاس أن هذه الحضارة قامت على المادة, على حساب الـمثُل، والإنسان مُثُل ومبادئ, قبل أن يكون مادة.

وأمن الإنسان يتحقق بالـمُثُل والمبادئ أولاً, ثم تتحقق الماديات، فليس هناك إغفال للماديات، ولكن المؤسف أن المادة هي التي طغت, مما يؤذن بالإفلاس.

وفي تضاؤل الـمُثُل والمبادئ في المجتمع الغربي تهون النفس ويهون الشرف, ويهون العرض, وتختلط الأنساب, ويضيع المجتمع فيضيع الناس, فيفسد الكون.

وهذا الضياع غيرُ معلن, وغيرُ معترف به مباشرة, وإنما هو مسوَّغٌ (مبرَّرٌ) بالحرية الفردية, واحتدامها مع القوانين الموضوعة، رغم أن هناك صرخاتٍ مدويةً من المربين والمفكرين، ولكنها صرخاتٌ غير مسموعة, إلا من قلة قليلة من الناس قليلةِ التأثير، ذلك أن صرخاتهم تخاطب العقل، والشهوة تخاطب القلب والعاطفة.

وعلينا أن ندرك أن الفطرة مولودة مع الإنسان، وأنه ميّالٌ إليها, باحث عنها, مستعد للتخلص مما ينافيها ويناقضها.

وفي سبيل ذلك تقع المسؤولية على الذين يدركون هذه الفطرة, ويسيرون عليها ويوجهونها التوجيه الصحيح. فليس من المصلحة التفرُّج على هذا الإفلاس في الحضارة الغربية, دون تقديم البديل المناسب, الذي نعتقد أنه يمكن أن يحقق التناسب بين الـمُثل والمبادئ والماديات، ويوازن بين طلبات العقول وطلبات القلوب، فلا يهمل بعضها على حساب بعض، ولا يسلِّط بعضها على بعض، ويتحقق ذلك في الإسلام، الذي يحتاج من أهله إلى التطبيق الصحيح أولاً, عقيدة وعملاً وممارسات، ومن ثم يُقدم للغير, عن طريق القدوة أولاً, ثم عن طريق وسائل التقديم الأخرى. ودون إبراز مفهوم القدوة لا يمكن تقديمه للغير، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

ومن وسائل القدوة أن تنتشر دور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه في طول البلاد الإسلامية, وغير الإسلامية, وعرضها، وتقوم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم خدمةً لكتاب الله تعالى، ويشرف عليها هيئة علمية عالية, عُرفت بخدمتها للإسلام وعلومه, واستمرارها في الرغبة في رعاية هذا المدارس والجمعيات، إذ كانت جامع الأزهر وجامعته بمصر, وجامعة الزيتونة بتونس, وجامعة القرويين بالمغرب, والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية, وغيرها من الجامعات بالهند وباكستان, ومدارس ومراكز  إسلامية في الشرق والغرب, تقوم بهذه المسؤولية على خير وجه، ويرعى مديروها, والمسؤولون فيها, الأنشطة الختامية للمدارس والجمعيات.

ومن وسائل القدوة أن يقيِّضَ في الأمة مَن يتابع أبناءها, ويشجُّعهم على الإسهام في الحفاظ على كتاب الله, فقد أراد الله تعالى له أن يُحفظ نصًا وروحًا, خاليًا من التحريف والعبث, الذي أراده الله تعالى للكتب السماوية السابقة عليه.

وليس أجمل من أن تتآزر المؤسسات العلمية الأكاديمية, في شرق المعمورة وغربها وشمالها وجنوبها, مع المؤسسة التي أنيطت بها العناية بالشؤون الإسلامية في هذه الدنيا، تتآزر على العناية بشؤون الإسلام, بالطاقات العملية, وبالقرار الإداري, وبالدعم المستمر من القيادات الحكيمة, ومن الموسرين.

 



 

 

المُحَدِّد الرابع عشر: العلمنة (5)

كانت الوقفة السابقة عـن إفلاس الحضارة الغربية صدىً لما يجري الآن في الاحتيال على جلب الأطفال إلى الدنيا, باستخدام الاكتشافات العلمية, في مجالات (هندسة الجينات), أو في مجالات أخرى, قد لا تخضع للعلمية, بقدر ما هي في ميزاننا نحن, ميزان الفطرة, منافيةٌ للخلق, مثل استئجار امرأة تحمل لعائلةsurregate mother , لا تستطيع الزوجة فيها الحمل.

ومثل إتيان الأب ابنته أو الولد أخته أو الابن أمه, هي صورٌ وحالاتٌ كانت شاذةً, ولكنها, مع الأسف, شاعت بشكلٍ يقشعر لها البدن، ولكنه واقع، ووقوعه ليس بحالات فردية، إذ الحالات الفردية قد تقع في أي مجتمع، حتى ذلك المجتمع الذي يَعُدُّ نفسَه متحضرًا أخلاقيًا, بفعل المنهج الرباني الذي يسير عليه، فإن مسببات زوال العقل مؤقتًا موجودة, مثل الخمور والمخدرات، وبزوال العقل تـُمارس بعض الأفعال المنافية للفطرة والعقل السليم, وبالتالي فهي منافية للدين.

والإفلاس الحضاري يأتي من تسيُّب النظام التربوي أولاً, ثم النظم الاجتماعية, بما فيها العقوبات والحدود ونحوها، فقد بلغت الحضارة الغربية مبلغًا في هذا التسيب, أدى إلى بروز هذه الظاهرات بشكل مخيف, يدعو إلى إعادة النظر فـي كل أساليب الـحياة, ومنها المناهج التربوية التي ظهرت لـهـا صيحة تحت عنوان أمة معرضة للخطر,([191]) قيل فيها إنه لو فرضت هذه المناهج على الولايات المتحدة الأمريكية, من بلاد أخرى, متسلطةٍ عليها لطلب من رئيس هذه البلاد التصرف عقابيًا, وبسرعة على هذه البلاد الفارضة, وبكل قسوة.

والـحرية الفردية الـمفرطة, والـحرية الفكرية الـمفرطة, قد تكون من مسببـات هذا الإفــلاس الـحضاري.

ولا يعجب الـمرء أن يأخذَ بعض الحوادث ليدلّل بها على نتيجة, يريد أن يصل إليها.

ولا يريد المرء الإفلاس لأي أمة من البشر، ولكنها رد الفعل أحيانًا, لتنبيه بعض المتأثرين بالحضارة الأخرى, المنبهرين بـما حققته وتـحققه من إنجاز مادي, نال الإعجاب من كل المنصفين.

ورد الفعل هذا لا يقول: تُرفض الحضارة الغربية بحسناتها وسيئاتها، ولكنه يقول: يؤخذ من هذه الحضارة الحسنات, وتترك السيئات، إلا أن الواقع أن هناك خلطًا بين الحسنات والسيئات، وأن هناك ميلاً إلى تصدير السيئات, ومحاولة الإبقاء على الحسنات.

ومنـا من يعيـش في الغرب, أيامـًا أو شهـورًا أو سنواتٍ، ولكنه لا يتعمـَّق فـي الـحياة, ولا يعايش المجتمع, ولا يظهر له إلا ما هو منجز ماديًا, وتخفاه العلاقات الأسْرية والاجتماعية والزوجية, ولا يتعرَّض لـها, إلا بالقدر الذي ينشره الإعلام عنها، والإعلام الترفيهي لا يعكس الصورة الحقيقية عن المجتمع الغربي, فيأتي العائد من الغرب متغرِّبًا, طالبًا تطبيق ذلك النموذج على الحياة, في محيطه الذي عاد ليخدم فيه, ظانًّا أن هذا النمط هو الذي أوصل تلك الأمة إلى ما وصلت إليه، وأن عدمَ تطبيق هذا النمط هو الذي أوصل أمته إلى ما وصلت إليه من سوء.

إنـهـا بهـذه السطحيـة وبهذه البساطة، وإنها تتخـلَّـل حياتنــا شيئًا فشيئًـا, فالنمـوذج لا يطبَّق بين يوم وليلة، ولا توضع له خطة زمنية، ولكنها المؤثِّرات التي تدخل المجتمع خطوة خطوة, حتى يضيع المجتمع ما لديه من مُثُل ومبادئ, في الوقت الذي لن يوفــَّـق فيه في تبني مُثُل الآخرين ومبادئهم؛ لأنهم هم صدَّروها رغبةً عنها, لا رغبةً في تحضير الآخرين بها.

ومن هنا يأتي الموقف السلبي من الإفلاس الحضاري, بِغَضِّ النظر عن الوجهة التي جاء منها.

ولا بد من التوكيد هنا على البُعد عن الشماتة, وضرورة العيش في مستوى المسؤولية, التي يحملها المجتمع المسلم لكل المجتمعات الأخرى, بعد أن يبـــدأ هذا المجتمع بنفسه, ليملك حينئذٍ ما يستطيع تقديمه للغير، وقد قيل من قبلُ: إن فاقد الشيء لا يعطيه.

 



 

 

المُحَدِّد الخامس عشر: العولمة (1)

ويكتب أوليفييه روا عن عولمة الإسلام باللغة الفرنسة, وتترجمه إلى اللغة العربية رولا معلوف،([192]) ويركِّز فيه على حال المسلمين الاجتماعية والسياسية والدينية في الغرب بعامة، وفي فرنسا بخاصة، إلا أنه يربط ذلك بما يدور في العالم الإسلامي من حركات وحوارات ومتغيرات في التوجهات داخل المجتمع المسلم، ويحاول أن يربط بين هذا وذاك، باسم علمنة الإسلام،([193]) أو عولمة الإسلام.

وقد انطلق أوليفييه روا من أفغانستان منذ سنة 1405هـ/1985م, عندما أصدر كتابه: أفغانستان: إسلام وعصرية سياسية, ثم أصدر كتابًا في بيروت عن دار الساقي كذلك بعنوان: تجربة الإسلام السياسي.([194])

ورغم تركيز المؤلف على الجاليات المسلمة في أوروبا, إلا أن لديه معلوماتٍ محدثةً عن الوضع في البلاد العربية والإسلامية، مما يوحي بأن أوليفييه روا مشروع مستشرق جديد, ينطلق فـي عصـر العولـمة، إلا أنه يعتمد في معلوماته، بالإضافة إلى التقارير والصحف، على خلفية كثير من الأوروبيين والغربيين عمومًا عن الإسلام والمسلمين، تلك الخلفية القائمة على عدد من المُحَدِّدات للعلاقة بين الشرق والغرب، لا يستطيع المتحدث عن هذه العلاقة إغفالها، أو التغاضي عنها، وإن كانت هناك رغبة في تناسي بعضها, كالحروب الصليبية, التي امتدت لأكثر من مئتي سنة, في تسع حملات, كلها لم تحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها.

كما لا يغفل أوليفييه روا بعض المُحَدِّدات الأخرى, كالتنصير الذي لا يزال قائمًا، ومنطلقًا في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، ومن خلال الأساليب المعروفة لهذه الحملات التنصيرية.

ثم من المُحَدِّدات، كذلك، الاستشراق, الذي يُعَدُّ المؤلِّف مشروعًا جديدًا من مشروعاته، مما يستدعي العناية بالمؤلف ودعوته إلى مزيد من الحوار والنقاش، إذ إنه من خلال قراءتي لكتابه: عولمة الإسلام أرى فيه, رغم ما ورد في الكتاب من أفكار تستحق النقاش والرد, إلا أنني أرى فيه مشروعَ مستشرق منصف, يصف الحال كما هي عليه، وإن أدخل على هذه الحال أو تلك قدرًا من التحليل, كما يراه هو، لا كما هو الواقع بالضرورة.

وإذا كان الاستشراق من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب, فإن الملحوظ هو تقهقر وجود المستشرقين في المحافل الفكرية والأدبية والثقافية في العالمين الغربي والشرقي الإسلامي، بينما كانوا من قبل محطَّ الاهتمام, المبني على الانبهار بما أتقنوه من الثقافة الإسلامية واللغة العربية، حتى لقد قال أحدهم عنهم: إنهم فهموا هذا الدين أفضل من فهم أهله له,([195]) وقال أحدهم عنهم، عند النقاش عن النفع والضرر: إن نفعَهم أكثرُ من ضررهم،([196]) فرد عليه من قال عنهم: إن ضررَهم أكثرُ من نفعهم.([197])

ومهما يكن, فإن العولمة تُعَدُّ إحدى المُحَدِّدات للعلاقة بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى مُحَدِّدات أخرى, غير ما ذُكر, سبق التطرق لها في وقفات سابقةٍ, كالاستشراق الذي لا يتوقّع له أن ينقشع, في ضوء بزوغ نجم العولمة.

وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المهم العناية بهذا المُحَدِّد, من منطلق الحوار مع الغير, الذي كان, وسيظل, ركنًا من أركان التفاعل مع الثقافات الأخرى.

وما الكتاب الذي جرى ذكره هنا إلا وسيلة من وسائل هذا الحوار, المطلوب على مختلف الصُعُد, لبيان الحق, وإيضاح ما دخل في حيز الأوهام لدى أولئك الذين يقبلون بقوة على الحديث عن هذا الدين الحنيف، من خلال ممارسات بعض المنتمين إليه أحيانًا، مما يؤدي إلى الحكم عليه, من خلال هذه الممارسات أو تلك.



 

 

المُحَدِّد الخامس عشر: العولمة (2)                                                

في الوقفة السابقة ذكرت أن أوليفييه روا مشروع مستشرق، وأنه ينبغي العناية به، رغبة في الإسهام في تصحيح الصورة عن الإسلام والمسلمين، ذلك أن هذا المستشرق المنتظر يتسم بالسعة في الاطلاع، وإن كانت معظم معلوماته في كتابه هذا عولمة الإسلام معلومات إعلامية، طغى عليها البُعد السياسي، مع التركيز القوي على ضواحي باريس، ومن يسكنها من مسلمين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية، وتكثر بينهم المشكلات، وكأنهم, على حد عرضه, يعيشون على هامش المجتمع الباريسي.([198])

وعلى أي حال فلا بدَّ من التعاطي مع جميع المستشرقين والإعلاميين الذين يتناولون قضايا المنطقة من بُعد، بناء على عدد من الانطباعات, المستقاة من قراءات أترابهم, دون أن تطأ أقدامهم، بالضرورة، الأرض التي يتحدثون عنها، والناس الذين هم مناط الحديث، وهذا ديدن أولئك الذين كثرت كتاباتهم أخيرًا عن المنطقة خاصة، وعن العالم الإسلامي عامة.

وقليل منهم من يعايش موقِعًا من المواقع التي يتحدث عنهـا، وإذا عايـش موقِعًا خرج منه بأحكام تعميمية، لا تصدُق، بالضرورة, على جميع المجتمعات. وخلط فيه بين السلوكيات الاجتماعية المتوارثة والممارسات الدينية, التي تعود إلى أصل شرعي.

وعلى أي حال فإن الإسراع في تبني هذه الفئة والإقبال عليها, بالدعوة لها لمعايشة الواقع, والالتقاء بالعلماء والمفكرين والمثقفين, قمينٌ بأن يعطي صورةً أكثر وضوحًا، كما أنه حري بأن يقطع الطريقَ على أولئك الذين يتسارعون في الإفادة من هذه الفئة في ترسيخ العداوة للإسلام والمسلمين، كما عملوا مع المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية والإقامة الدكتور/ برنارد لويس الذي أعلن صراحةً صهيونيته ويهوديته, حالما حطَّ الرحال في جامعه برنستون, في ولاية نيوجرسي في الشرق الأمريكي.

ومما يؤخذ على المنتديات والمؤسسات الفكرية العربية والإسلامية محدودية الالتفاف على هذه الفئة، والتأخُّر في ذلك.

ومما يذكر هنا أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة, الجنادرية, في المملكة العربية السعودية, قد تنبـَّّه لهذه الفئة, فاستدعى عددًا ممن كانت لهم إسهامات فكرية سلبية ضد الإسلام والمسلمين, من المستشرقين والإعلاميين الغربيين، فكان أن دعا فرِد هاليداي، والسموأل هنتنجتون وفوكوياما وغيرهم، كما فعل قبل ذلك الملتقى الفكري الإسلامي الذي كان يُعقد في الجزائر سنويًا، إذ كان يدعو رهطًا من المستشرقين, يحاورهم علماء المسلمين ويحاورونهم، مما نتج عنه تفاعل علمي وفكري أسهم في تقديم صورة معتدلة عن هذا الدين القويم.

وعليه فإن الحماس لأوليفييه روا ليس من منطلق أنه مشروع مستشرق منصف، ولكن لأن مثل هؤلاء يُستقطبون، وإلا فكتابه فيه مغالطات صريحة وواضحة, يمكن الوقوف عليها بسهولة، وكذلك نزوعه إلى المعلومة الإعلامية السريعة,كما ذكرت.

وقد أسهمت المترجمة لارا معلوف في شيئ من الغموض, في ذكرها للمصطلحات والشخصيات الإسلامية، فبالرغم من أن جهدها في الترجمة جهدٌ رائعٌ في مدة محدودة، إذ صـدر الكتاب سنـة 2002م/ 1422هـ بالفرنسية، وانتهت من ترجـمتـه ونشره سنة 1423هـ/2003م, إلا أنها لم توفَّق في معرفة المصطلحات الشرعية, مثل فرض العين وفرض الكفاية، إذ تعبر عن ذلك بأنه فرض فردي أو واجب جماعي، وجامع مكة, والمراد الحرم المكي الشريف، ودار الأرقام، أي دار الأرقم بن أبي الأرقم, وجزر المولوك، أي جزر الملوك, والشنكيتي, أي الشنقيطي, والبراق, أي البرّاك, وكون الألباني سعوديًا, دون التعليق في الهامش، والعقلة, أي العُقْلا, وهي أسماء معروفة.

ومع هذا فإن هذه كان يمكن أن يُتأكَّد منها بالسؤال لأهل الذكر، إلا أن الترجمة سلسةٌ أسلوبًا, صحيحةٌ لغةً, أعانت على الاسترسال في القراءة. ولا يتسع المجال لمزيد من الوقوف على أفكار الكتاب بما فيه العنوان، عولمة الإسلام, إذ إن لتلك وقفاتٍ تطول, بما في ذلك الاسترسال في الحديث عن العولمة وارتباطاتها الثقافية والفكرية, مما حفلت به المكتبة العربية, من إنتاج عربي أصيل, أو مترجم.([199])



 

 

المُحَدِّد السادس عشر: الإعلام (1)

ومن مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب ذلك الإنتاج الفني, المتمثل في الأفلام السينمائية, التي دأبت على تصوير العرب (المسلمين) صورًا, لا تليق بالإنسان والحضارة، سواء من النواحي غير الأخلاقية، أم من تصوير العرب, من خلال مواقفهم السياسية وتعاملهم معها بالعنف والتخريب والهدم، الإرهاب, فالمسلمون في هذه الأفلام إما شهوانيُّون يشربون ويرقصون ويعاشرون الحريم, ويكثرون من الجواري والقيان، وإما غشاشون مدلسون محتالون ماكرون في التعامل مع الرحالة الأجانب ومع المنصرين والمستكشفين والبعثات الدبلوماسية، وإما غواة يعشقون التفجير والخطف والاغتصاب والإهانات الأخرى.

وهذه الصورة النمطية في السينما والمسلسلات الغربية إنما جاءت بإيحاء من المُحَدِّد السابق المتعلق بالاستشراق،  وربما اليهود, على اعتبار أن هناك اتفاقًا, بين كثير من المعنيين, على بروز سيطرة اليهودية على الفن عمومًا، وعلى المدن التمثيلية بخاصة, مثل هوليوود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى سيطرتهم على شبكات القنوات التلفزيونية، وبالتالي القنوات الفضائية, التي ملأت الأرض, بما تبثُّه من أفكار ومشاهد.

وقد عولجت هذه الظاهرة في تصوير المسلمين هذه الصور من مجموعة من المهتمين بتحسين الصورة العربية والمسلمة أمام الآخرين, من أمثال الدكتور جاك جي. شاهين،([200]) والدكتور عبدالقادر طاش ــ رحمه الله تعالى ــ, الذي كتب عن الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي،([201]) وإدوارد سعيد وغيرهم,([202]) في كتب معلومة وبحوث ودراسات علمية, ([203]) ومقالات مبثوثة, في الصحافة الثقافية والدوريات العلمية,([204]) فيرجع إليها في مظانها, لمن أراد المزيد من البحث والدراسة.

وقد يقال إن العرب قد ساعدوا على ترسيخ هذه الصورة النمطية في الإعلام الغربي, من خلال التراث الأدبي والفني العربي, المأخوذ من ألف ليلة وليلة, وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني, ومجالس بعض الخلفاء المزعومة, من أمثال مجالس الخليفة العباسي هارون الرشيد وأبنائه وأحفاده.

والمشكلة هنا أننا أخذنا صورة الخليفة هارون الرشيد هذه من الغرب, عن طريق الاستشراق, ثم عن الإعلام الغربي، فهارون الرشيد ذو المواقف التاريخيــة, الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا تراه ــ رحمه الله ــ عند بعضنا مثالاً للغواية، حتى ذكر بعض المستشرقين أنه قد فصَّل ثوبًا يدخل رأسين، رأسه ورأس جعفر البرمكي، وذلك من ولعه وحبه بجعفر، ويعلق المستشرق على هذا الخبر بأنه يعطي صورة لمدى الغواية, التي وصل إليها الخلفاء المسلمون تعميمًا.

ومع أن هذا الخبر مكذوب على خليفة واحد, فإنه أيضًا يسري, عند هؤلاء, على بقية خلفاء المسلمين.

وكما اتهم الخليفة العباسي في عرضه ــ رحمه الله ــ، يتهم بشهوانيته, وأنه يتكئ على النهود العارية للجواري الصافات على الدرج, وهو يرتقيه, ليهجع في منامه! وهذا الاتهام ليس لآخر خلفاء بني أمية, الذين أسهموا في انتقال الخلافة إلى بني العباس, وليس اتهامًا لآخر خلفاء بني العباس الذين طردهم المغول, فأسهموا في سقوط الخلافة، وإنما هو اتهام لخليفة, يُعَدُّ عصرُه عصرَ ازدهار الحضارة الإسلامية.

ويأخذ الإعلام الغربي هذه الآثار ويصورها للعامة, بعد أن يزيد عليها, ليقول للغربيين خاصة: هذا هو الدِّين الذي سيغزوكم، وهؤلاء هم الحكَّام, الذين يسعون إلى الوصول إليكم.

وإذا ما فرغ الإعلام الغربي من التراث عرج على الواقع, من خلال حوادث منعزلة هناك, تؤيد أن يبنى عليها قصصٌ وروايات, هي مجال رحب للتمثيل, كاختطاف الطائرات, والبواخر, و تفجير الملاعب, والمحافل العامة, و أخذ الرهائن، وينسج عليها روايات, ويطعِّمها بمشاهد تقرِّب من الواقع العربي, ومن المجتمع العربي, ليقول للعامة: هؤلاء هم الناس هناك في الشرق, يملي عليهم دينهم هذه الأعمال التخريبية, ويَعِدُهم جزاءً لها الجنة؛ لأنهم مجاهدون في سبيل الله، وهكذا تدخل المصطلحات الإسلامية هذا العبث في المدلول, فيحصل التشويه. وتعمَّم الصورة على الماضي والواقع والتطلعات.

وإذا كانت هذه الصورة النمطية, المتمثلة في مجموعة المشاهد قد بدأت من السينما, فإنها انطلقت إلى بقية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية, بالمشهد أو المقالة, أو الصورة الهزلية "الكاريكاتير", في صُحُف واسعة الانتشار.

وعندما فَّكرت المملكة العربية السعودية في استجلاب جبال الجليد, للحصول على ماء حالٍٍ "محلى" قابلٍ للشرب، صُوِّرتْ هذه الفكرةُ في إحدى الصحف بجمل يجر جبلاً جليديًا، ومع مراحل جلب هذا الجليد, عن طريق جره بالجمل, يذوب الجبل تدريجيًاو عند مروره على خط الاستواء، حتى إذا وصل إلى محطته الأخيرة لم يبقَ منه إلا مكعَّب ثلج, يضعه العربي بلباسه العربي في كأس من الخمر فيشربه!

هذه صورة واحدة أو مشهد واحد من المشاهد, التي انتقلت بالصورة النمطية إلى بقية وسائل الإعلام الأخرى، والصور كثيرة جدًا، أضحت مجالاً مؤثرًا وفاعلاً في تحديد العلاقة مع الغرب، إذ إنها لعبت لعبتها في العقلية الغربية, التي آلت في مفهومها عن المسلمين بهذه الصورة النمطية إلى رفض قيام علاقة جادة بين الشرق/المسلمين والغرب, لما يتوقع من التأثير الإسلامي على الحياة الغربية تأثيرًا سلبيًا, إذا كان هذا هو الإسلام، وإذا كان هؤلاء هم المسلمين.

كما أنها أثَّرت في المجال الإسلامي تجاه الغرب, الذي آمن بهذه الدعاية, وجعلها هي الوسيلة, التي يحكم بها على أناسٍ, هم على النقيض من ذلك تمامًا.

ورغم محاولات تصحيح الصورة بالجهود العلمية والثقافية, من خلال الكتاب والمقالة والمحاضرة والحوار, إلا أن الطريق طويل للتصحيح، لعله يبدأ من داخل المسلمين أنفسهم, الذين لا نقول إنها تتحقق فيهم الصورة النمطية عنهم، ولكنهم, دون شك, أسهموا في بروز هذه الصورة النمطية, ولو بنسبةٍ ضئيلة جدًا، فلو لم يجد الغربُ أرضيةً يتكئُ عليها لما وفِّق كثيرًا في هذا التشويه للإسلام والمسلمين.

ومهما كان الطريق طويلاً نحو التصحيح، وبالتالي التأثير، فإنه يبدأ بالخطوة الأولى، وقد بدأ.



 

 

المُحَدِّد السادس عشر: الإعلام (3)

وهذه وقفة أخرى حول كتاب الغضب والاعتزاز للكاتبة الروائية الصحفية الإيطالية أوريانا فالاتشي, ذات الخمس والسبعين سنة، وذكرت الأخبار أن شخصًا, ليس مسلمًا, عندما قرأ الكتاب ازداد تعاطفًا مع الإسلام، وربما أنه على وشك أن يعلن إسلامه, نظرًا لما اتسم به الكتاب من لهجة تجرح المشاعر.([205])

ومهما يكن من أمر فالاتشي، فليست هي الأولى، ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للإسلام بهذا الأسلوب "الكاريكاتوري", الذي زاد من توهجه وذيوعه كتابها الغضب والكرامة, أو الغضب والاعتزاز.([206])

بل ربما يستغرب القارئ والقارئة أسلوب التهوين هذا، ذلك أن اللغة التي عالجت المؤلفة بها الموضوع هي لغة سطحية واضحة ومباشرة، والذين يقرأون ما يكتب عن الإسلام والمسلمين, من بعض علماء الغرب والمستشرقين, يدرك تمامًا ما أرمي إليه، ذلك أن هؤلاء العلماء والمستشرقين قد كالوا للإسلام وأهله بمكيالين، وفالاتشي تكيل بمكيال واحد، وهذا أهون.

ويُعَدُّ هذا نوعًا من أنواع الحوار بين الإسلام والأديان الأخرى. هذا الحوار ليس جديدًا، بل إنه بدأ بدايات واضحة, إبان البعثة المحمَّدية, على رسولنا الصلاة والسلام، وعند الهجرة الأولى إلى الحبشة، فكان هناك منظر خلاَّب, يجسد المناظرة بين المسلمين الجدد ورهبان النصارى المتمرسين بين يدي النجاشي، وكان هناك حوار آخر بين هرقل ومبعوث النبي محمَّد e، وكان هناك حوار ثالث بين النبي الرسول محمَّد e ونصارى جنوب جزيرة العرب، ثم امتدت الحوارات إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة.

وقد مرَّ وزير مغربي ــ كما عند المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة الدول الملــــوك ــ مرَّ الوزير المغربي على مصر, في طريقه إلى مكة المكرمة, فوجد فيها أهلَ الذمة ينعمون بالحرية, بحيث يتعذر تمييز المسلم من النصراني.

ورأى كذلك أن النصارى يعملون في الدولة, على زمان السلطان الناصر محمَّد ابن قلاوون، فأنكر الوزير ذلك في أن تظهر على أهل الذمة النعمة "وكونهم يلبسون أفخر الثياب، ويركبون الخيل والبغال، ويُستخدمون في أجل المناصب، ويحكمَّون على رقاب المسلمين"، مما كان سببًا في إصدار مرسومٍ يحدُّ من هذه الانطلاقة, ويعود بالذاكرة إلى ما عرف باسم الشروط العُمَرية, التي يدور حولها مزيد من الحوار كذلك، كما عند الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير.

والتاريخ الحضاري الإسلامي يزخر بالمنشورات "الأدبيات", التي تحدد مدى التعامل مع أهل الكتاب في ما يطلق عليه أحكام أهل الذمة.([207]) وليس المجال هنا مجال العرض لهذا الجانب مع أهميته.

إن طرح فالاتشي, سواء في كتابها هذا, أم في كتابها الذي سبقه بعنوان: إن شاء الله (1990م), أم في كتابها الذي لحقه بعنوان:قوة العقل (2004م),([208]) إنما هو نوع من الحوار، إذ إن الحوار يأخذ أشكالاً متعددة، بعضها عنيف جدًا، وبعضها حضاري جدًا, بعلميته وموضوعيته، وبين هذين البعضين بعوض أخرى متفاوتة في قربها من أيٍّ من البعضين. ويحكم ذلك عوامل الزمان والمكان والحال التي عليها المسلمون, حينما يكونون أكثرية غير فاعلة، ويكون أهل الذمة أقلية فاعلة، أو حينما يكون المسلمون أقلية فاعلة، ويكون أهل الذمة أكثرية غير فاعلة.

ويذكر عمارة لخوص في جريدة الحياة عرضًا للكتاب الأخير قوة العقل, ويعرج على أسلوب الصحفية, مراسلة الحرب خلال الحرب الأمريكية على فيتنام, وخلال الحرب الأهلية في لبنان, أوريانا فالاتشي, في طرحها للقضايا الإسلامية في كتبها الثلاثة وغيرها, بأنها "نفضت الغبار عن أطروحةٍ عفا عليها الزمن, سادت في القرون الوسطى, وغذّت مشاعر الخوف والكراهية والحقد, والتي كانت أرضية خصبة لشن الحروب الصليبية". ويذكر أن هذا الطرح أسلوب من أساليب "اغتيال الشخصية الإسلامية", الذي زاد التركيز عليه في الآونة الأخيرة, بالتحذير من تعريب أوروبا, أي أسلمتها, "أوروبا العربية ''Euroarabia.

ولا داعيَ للمزيد من جلد الذات، فإنما هي دول، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[الآية 140 من سورة آل عمران]. وإنما يغضب الفرد بقدر ما يمسُّ دينه بما ليس فيه، فيكون الغضب لله وفي الله.

ومع أن هذا الموضوع شائق، إلا أنه في الوقت نفسه شائك، ومع هذا وذاك فهو مهم جدًا وحيوي، ويحتاج إلى مزيد من التركيز في بناء العلاقات, بِغَضِّ النظر عن التوجه السائد اليوم نحو العولمة والعلمنة، فإنما هي حقبة من أحقاب مرت وستمر، فالحاجة قائمة إلى مزيد من الاطلاع وفهم الغير, بعد فهم الذات.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحــوار (1)

زاد في السنوات الأخيرة الحوار المستمر بين الشرق والغرب، وأضحى يسمى اصطلاحًا الحوار بين الإسلام والغرب، وكأن الإسلام هو الطرف الأول, والغرب هو الطرف الثاني في الحوار.

والمتمعن في هذا الاصطلاح يدرك الغرض من إطلاقه، إذ إن الإسلام, ثقافيًا, منطلق واحد, يحمل أفكارًا مُحَدِّدة, منشؤها كتابُ الله تعالى, القرآن الكريم, وسنة رسوله محمَّد e.

أما الغرب فهو تجميع لعدة ثقافات، بعضها تنطلق من منطلق ديني, كالنصرانية واليهودية، وبعضها تنطلق من منطلق متناقض مع الدين, ومحارب له في الحياة العامة, كالعَِلمانية والشيوعية والاشتراكية والإلحادية, ثم في صياغتها الأخيرة باسم العولمة الثقافية, وغيرها من الملل والنحل, التي تقف طرفًا آخر في هذا الحوار القائم الآن مع الإسلام.

والأصل أن يقوى الحوار, ويستمر, ويتخذ أشكالاً متعددة بحسب المقام، حواراتٍ فرديةً أو جماعية، علمية أكاديمية أو فكرية ثقافية، تجارية أو اجتماعية، إذ لا يملك المرء اليوم إلا أن يكون طرفًا في هذا الحوار المستمر.

ومع أن فكرة الحوار ليست جديدة على هذه الثقافة، إلا أنه يستغرب المرء تحفُّظ بعض المعنيين من الحوار مع الغير بحجج, منها ارتباط الحوار بالتنصير,([209]) وارتباطه بالتهيئة للاستعمار, ونحو ذلك من حجج وقتيَّة, قد لا ترقى إلى العلمية الموضوعية، وليس لدى المسلمين ما يخفونه عن الغير, ليتحفظوا على الحوار معه,([210]) وليس لدينا نحن المسلمين، كذلك، ما نخشاه من الانهزام في الحوار، إذ إن المقصود من الحوار ليس النجاحَ فيه هدفًا, بل إن النجاح وسيلةٌ لا غاية، وعدم النجاح يعزى إلى المُحاوِر، وليس إلى الموضوع المتحاور فيه. وإنما الغاية هي نقل المعلومة الصحيحة عن الإسلام، وتلقي المعلومة الصحيحة عن الثقافات الأخرى, ليكون هناك إقناع واقتناع.

وأهم من هذا كله أن يقوم الحوار على المعلومة الصحيحة الواضحة, وأن يقوم على النديَّة بين المتحاورين، وأن تكون هناك نقاطُ تلاقٍ, كما تكون هناك نقاط اختلاف, ليكون للحوار مغزىً وثمرة, دون خوف من الغرب على الشرق/الإسلام, ودون خوف من الشرق/الإسلام على الغرب.([211])

وقد أبدع فضيلة الشيخ الدكتور: صالح بن عبدالله بن حميد في حديثه، بل أحاديثه، عن الحوار وطُرقه وآدابه وأصوله، ونشر هذا في أكثر من مكان ومقام,([212]) فيرجع إليه لما فيه من فائدة مهمة في مجال الحوار بين المسلمين وغيرهم.([213])



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحوار (2)

وحوار الأديان قضية قديمة, تتجدد مع الزمان. ويزيد من الاهتمام بها ازدياد الإقبال على الإسلام، فتهُبُّ العقائد الأخرى، لاسيَّما النصرانية في محاولة التركيز على نقاط اللقاء.

ومعلوم لدينا أن هذا الحوار قد بدأ مع أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، فحاورهم النجاشي حوارًا يريد منه، أو أراد منه، أن يصل إلى الحق، ولذلك عندما وصل إليه آمن بالبعثة, وتوفي مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله محمَّد e.

ثم قدم وفد نجران إلى الرسول e, وكان بينه وبينهم حوار, انتهى بإسلام بعضهم على الأقل.

وكان هناك حوار بين موفد النبي e وهرقل عظيم الروم, كما مرَّ التعرُّض له من قبلُ. وكل هذه الحوارات مسجلة في سيرة المصطفى ــ عليه الصلاة والسلام ــ.([214])

واستمر الحوار إلى يومنا هذا, في نماذج فريدة, يريد منها المحاور المسلم إقناع الغير بالرسالة؛ طمعًا في إسلامه, أو درء شره على الأقل, إن أصرَّ على الكفر.([215])

والذي يجمع بين الحوارات الفاعلة انطلاق المحاور المسلم من قوة الإيمان بالله تعالى وبالرسالة والرسول e. ويكفي أن نتذكر موقف ربعي بن عامر t في قوله لكسرى: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده, ومن ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".([216])

أما إذا لم ينطلق المحاور المسلم من هذه القوة, فإن الأمر لم يَعُدْ يأخذ صفة الحوار، بل يمكن أن نسميه بأي اسم آخر, كالاعتذار, أو الدفاع, أو التبرير/التسويغ لأحداث وقتيَّة, قد تُلصق بالإسلام، أو قد تنطلق على أنها من هذا الدِّين، بينما هي ليست بالضرورة منه.

وقد تكون منه, ولكن الاعتذار أو التبرير/التسويغ أو الدفاع يأتي لأنها أوامر أو نواهٍ لا تعجب الغير، فنتقدم بها معتذرين عنها، ونحن, بصدق, نشعر بالدُّونية في مقابل الغير.

 ومتى ما سيطر عاملُ الدونية والفوقية في أي حوار, فإنه لا يسمَّى, حينئذٍ, حوارًا بالتعريف الإجرائي للحوار بين عقيدتين، ومثله في ذلك حوار رئيس العمل الجاف الجلف مع عامله الضعيف المنكسر الخائف.([217])

إن حواراتِ الزمن الحالي بين المسلمين وغير المسلمين لا يصدق عليها مفهوم الحوار الإجرائي بين عقيدتين أو أكثر, ذلك أني أتهم أغلب المحاورين، وليس كلهم، باتباعهم أساليب الاعتذارية والدفاعية والتبريرية/ التسويغية في حواراتهم مع الغير، ذلك أن الغير ربما يركز في حواره على ظاهرات اجتماعية طارئة على المجتمع المسلم, دفع إليها وضع غير طبيعي في هذا المجتمع.([218])

ومن ناحية أخرى يظهر أن المُحاور الآخر قد وضع تصورًا في ذهنه للحياة والعلاقات, وأراد من الآخرين أن يقربوا منها, في وقت هو فيه الغالب والمسيطر على الحياة الاقتصادية والثقافية والفكرية، ولذا فإن مقياسه نابع من نظرته هو.

ولذا يقوم حواره على اتهام الغير بأنه لم يصل إلى المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والفكري, الذي وصل إليه هو، وإن يكن قد بنى هذا كله على مقدمات خاطئة, وقواعد غير راسخة، ولكنه لا يعترف بذلك، ومن هنا ولهذين العاملين المتوافرين في المتحاورين من الجهتين يفقد الحوار الغرض, الذي قام من أجله، ولا يكون الإقناع والاقتناع هدفًا أساسيًا من أهدافه، فالقوي في هذا الحوار يريد أن يملي أفكارَه، والضعيف فيه يريد أن يعتذر عن أفكاره, رغبةً خاطئة منه,, في محاولة التقريب.

وقد بدا ذلك في لقاء الحوار الأخير في الإسكندرية شيئًا من هذا, من الطرفين أو من الأطراف المتحاورة، ومن خلال المتابعة الإعلامية لهذا الحوار, يظهر أنه قد تجسَّدت مفهومات الدونيَّة والفوقيَّة، وإن لُمس الاعتذار من الطرف الآخر, في مسألة البوسنة والهرسك، الأمر الذي أدَّى بالجانب المسلم إلى الاعتذار عن الصرب أنفسهم, وأنهم لا يمثِّلون النصرانية, التي تسود اليوم. وليت هذا الاعتذار قد جاء من جانب آخر, لكان الأمر أسهل، ولدخل في منطلق التبريرية/التسويغية التي تهيمن على حوارات اليوم.

 إننا لا نزال نحتاج إلى الوقت, غير المُحَدِّد, الذي نقوِّي فيه انتماءنا لهذا الدين, فنفهمه فهمًا يؤهِّلنا إلى تقديمه إلى الغير, بالقوَّة المطلوبة, التي لا تعني بالضرورة العنف, كما قد يُفهم منها. وهذا أمر متحقِّق, والمسألة مسألة وقت، ومزيد من الوعي.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحـــــوار (3)

وهناك جملةً من الكُتَّاب والكاتباتِ يتحفظون على فكرة الحوار مع الغير, ممن يختلفون عنا في الدِّين, بل إن أحدَ المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع فئة أولئك الناس, من المستشرقين.

ويَرى المؤلّف أن التعاون معهم إنما هو من باب الموالاة لهم. ويورد نصوصًا شرعية تؤيد ما ذهب إليه في رأيه. ويظهر هذا, على سبيل المثال, في الطبعة الثانية من كتاب رؤية إسلامية للاستشراق للأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد غراب.([219])

وهل الحوار مع الغير يعني بالضرورة التعاون معه، وهل التعاون معه يعني بالضرورة موالاته. وأظن أن مسألة الولاء والبراء في هذا الرأي غير واضحة، وأظن, كذلك, أن على أهل العلم أن يركِّزوا على مسألة الولاء والبراء, من حيث حدودهما ومدلولاتهما, بله مفهومهما.

والحوار الذي يتحفظ عليه بعض الناس من الرجال والنساء هو ذلكم الحوار الذي يشعر فيه المحاور المسلم بالدونية, أمام الآخرين, الذين يُشعرون من يحاورونهم بأنهم, أي المحاوَرين, على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري.

وهذا ما يثيره الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل, في حديثه عن الاستشراق في مجلة المنهل في عدد يعود إلى سنة 1409هـ, حينما يركِّز على مشكلة عدم التكافؤ بين المتحاورين, بسبب شعور طرف منهما بالفوقية على الطرف الآخر, دون شعور الطرف الآخر, بالضرورة بالدونية تجاه المحاوَر.([220])

والخطأ هنا ليس في الحوار ذاته، بل هو في المحاوَِرين, بفتح الواو وكسرها. والمحاوِر المسلم مطالب بعدم الهوان: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الآية 139 من سورة آل عمران], والعلو هنا مربوط بالإيمان, لا العلو المربوط بالغطرسة والعرقية والجنس البشري، بل العالي هنا هو المؤمن أين يكون, وكيف يكون, ومتى يكون. وإذا تحقق الإيمان لدى الشخص تحقق لديه العلو, الذي يفرض نفسَه على الآخرين.

وإمام المحاورين بعلوِّ الأديان هو سيدنا محمَّد e حينما وفدت عليه الوفود, فحاورهم داخل المسجد، وكان بينهم أخذ ورد، وسؤال وجواب وحجاج، انتهى في الأخير إلى أن يعلن يعض المحاورين إسلامهم, مع بقاء بعض منهم على عنادهم، كما مرَّ ذكره,ويبقى أناس على عنادهم ومكابرتهم وتعاليهم على مرِّ العصور.

ثم إن وفودَ سيدنا محمَّد e ورضي الله عنهم جميعًا, قد حاورت الغير من عظماء الأمم في ذلك الوقت, وفي عقر دارهم, دون أن يشعر الموفَد بذرَّة من الدونية أمام جبابرة الأرض.

ولا أدعي هنا أني أثير شيئًا جديدًا، ولكنه موضوع يتجدَّد دائمًا، وأتطلع إلى حسم الرأي فيه شرعًا أولا, بحيث لا يشعر المحاور المسلم بأي حرج من محاورة الغير، والحسم يعني إسقاط بعض الآراء المانعة للحوار, إذا لم تستند على دليل قوي، أو ربما أخطأت في استخدام النصوص دليلاً على توجهها.

لقد تعرَّض الإسلام لحملات من التشويه, على أيدي بعض المستشرقين والمنصِّرين. وهو يتعرَّض لهذا في زمننا الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن نتوقَّف عن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بالتحاور معهم, وتبيان ما عُمِّي عن الإسلام, ومن دياناتهم التي ينتمون إليها.([221])

والجاليات المسلمة المتغرِّبة في مجتمعات غير مسلمة، والجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة, تتعرض دائمًا لنوع من أنواع الحوار، وشكل من أشكال الحصول على المعلومات المباشرة من الأَخلاص المخلصين في علمهم ونباهتهم وحملهم الهمَّ، فهل يتصوَّر أن يمتنع مسلم مسؤول عن قضية ما عن تبيان حقيقتها, التي يعرفها هو؟! وذلك بحجة أن هناك موقفًا من الحوار.

وموضوع الحوار يحتاج إلى مزيد من الوقفات، فقد تبين لي من رصد هذا الموضوع أن هناك كتاباتٍ كثيرةً من كتب ومقالات عن الحوار مع الآخرين،([222]) تحتاج إلى المزيد من التحليل.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحــوار (4)

والمجتمع العربي جزء من المجتمع الكبير جدًا، يتأثر فيه ومنه، وهو يؤثر فيه كذلك, بحكم هذه الخصوصية التي يصر المجتمع العربي على التوكيد عليها، رغم محاولات التنصُّل من هذا التوجُه, بل والملل من ترديده.

ورغم ما قد يقال إنها ليست خصوصية يتفرد بها المجتمع, بقدر ما هي قاسم مشترك لجميع من يحملون هَمَّ هذه الخصوصية، وهذا صحيح, إلا أن المجتمع العربي يمثل هذه الخصوصية في هذا الزمن أصدق تمثيل, إذا ما قورن بالمجتمعات الأخرى، وهذا سرٌّ من أسرارِ تأثير هذا المجتمع الصغير على المجتمع الكبير جدًا.

وهناك تخوُّف من تأثُّر المجتمع العربي بالمجتمعات الأخرى، لاسيَّما تلك التي تسلمت زمام الحضارة والنهضة وسارت به, أي الزمام, إلى درجات متقدمة جدًا من العلم والنماء, جعلته يخرج من محيط الأرض. والتخوُّف يأتي من الخشية من أن يكون التأثُّر على حساب المبادئ التي يؤكَّد عليها فعلاً وقولاً، وتبنِّي ثقافة بديلة تهتم بالدنيا على حساب الآخرة.([223])

وحيث إن هذا المجتمع يرغب في النهوض، مثله في ذلك مثل غيره من المجتمعات، وحيث توافرت مقومات النهوض المادية والبشرية، أراد أن ينهل من علم المادة, فلم يكن أمامه إلا أن يطرق المدن الجامعية المتقدمة علمًا وبحثًا. فذهبت مجموعة كبيرة من أبناء المجتمع إلى معقل الحضارة والعلم, في أوروبا وأمريكا وروسيا, ونالت من هناك المؤهلات العلمية العالمية في شتى فنون المعرفة، حتى بعض فروع العلوم الإنسانية أخذت من هناك. وهنا يبدأ التأثُّر والتأثير، إلا أن الوفود الأولى في معظمها اكتفت بالتأثُّر أكثر من التأثير, الذي لم يتضح بصورة تدعو إلى الفخر إلا في السبعينات الهجرية, الخمسينات الميلادية, عندما كثرت الوفود, وبدأت بوادر الثقة بالذات وبالمبادئ تبرز بصورة أكثر وضوحًا. وقد سبق الحديث عن هذا الجانب في المُحَدِّد ذي العلاقة بالبعثات.

و قد ذهبت الدفعات الأولى, وفي مخيلتها أنها ذاهبة لمجتمعات مثالية في التعامل مع الحياة, من حيث احترامُها للنظام, وبعدُها عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى مجتمع متحضِّر, من الجوانب السياسية والاجتماعية والعلاقات الإنسانية. فأصبحت هذه الدفعات الأولى ترى مِن أي تصرُّف في هذه المجتمعات الناهضة مثالاً ينبغي أن يحتذى, ويطبَّق في المجتمعات الأخرى, رغم الاختلاف في البيئة, وفي الخلفية وفي المنطلق وفي الثقافة وطريقة التفكير.

والمثال يقتضي أن يقاس عليه كل تصرف أو سلوك, فما طابقه فهو الصحيح، وما خالفه فإنه خطأ, ينبغي التخلص منه. ولذا تجد أن البعض منا ممن عاش في الغرب دائمًا يضرب لك الأمثال بأن القوم هناك يفعلون هذا ولا يفعلون ذاك، وبأن النظام (القانون), والنظام العام, هناك يسمح بكذا ولا يسمح بكذا.

وإذا ما برز تصرف هنا ذهب الخاطر إلى هناك, فإن وجد له هناك مثل قُبِلَ, وإن لم يكن له هناك مثَل اعتبر خطوة إلى الوراء، ذلك أن القوم هناك لم يوجد لديهم ما يقرب من التصرف الخاضع للقياس.

وسواء صرَّح بعض العائدين بهذا أم لم يصرحوا به, فهو في الغالب في الذهن. ومسألة التأثر واردة على أي حال، لأن أي مجتمع لا يملك أن يعزل نفسه عن المجتمعات الأخرى، ولا يمكن أن يَعُدَّ نفسه مؤثِّرًا غيرَ متأثِّر, مهما زعم هذا المجتمع أنه يملك كل شيء. وعليه فإنه لا حجة لمن يرفض التأثر بالمجتمع الآخر, بحجة أنه يخالف مجتمعنا في المبادئ والخلفيات والمنطلقات والثقافة وطريقة التفكير.

ولعل هذه الفئة الرافضة للتأثُّر جاءت مصاحبة للفئة, التي أرادت الانغماس في الآخر، أي التأثُّر المطلق في المثال القدوة، الذي لا يزال يردد أنهم هناك يعملون هذا ولا يعملون ذاك، فإذا عملوه فلا شيء فيه، وإذا لم يعملوه ففيه شيء، وقبل أن يصدر الحكم على تصرف أو سلوك يقاس بما يعملونه؛ ليكون فيه شيء, أو لا شيء فيه!

ومن هنا برزت إزاء هذا الموقف مواقف ثلاثة:

الموقف الأول: موقف المتأثِّر تأثُّرًا مطلقًا، ويرى مثالية ذلك المجتمع، وضرورة كونه قدوةً في مجالات الحياة كلها!

الموقف الثاني: موقف الرافض مطلقًا، ويرى خطرَ ذلك المجتمع، وضرورة تجنبه, والاكتفاء منه بما ينتجه ماديًا, بحكم أنه لا غنى عن هذا المنتَج، ولذا يرى هذا الفريق عدم التعامل المباشر معه، ويكتفي منه بالتأثير عليه فقط!

الموقف الثالث: والموقف الثالث الذي يحتل المرتبة الوسط, فيؤمن بالتأثُّر بأي مجتمع أو بيئة، كما يؤمن بالتأثير على أي مجتمع وبيئة، ذلك أنه يملك الثقة بما لديه من مبادئ ومُثُل ومنطلقات، وثقته هذه سمحت له بالتأثُّر فيما لا يطغى على ذاتيته وخصوصيته وتميُّزه، كما سمحت له بالتأثير، لأنه يؤمن بأن ما لديه نافعٌ ومفيد، ليس له ولبيئته فحسب، بل للجميع، ولا حق لأحد أن يحجره أو يحجبه عن الغير.

والموقف الأوَّل (القبول المطلق), أو التأثُّر المطلق فيه خطورة واضحة على المجتمع المتميز.

والموقف الثاني (الرفض المطلق), أو التأثير فقط فيه خطورة واضحة, أيضًا على المجتمع المتميز، ذلك أن الأول يميِّع فكرة التميُّز والخصوصية، والثاني يقوقع هذا التميُّز والخصوصية.

وهذا الموقف لم يصدر من فراغ، وليس هو تأثر ذاتي بالمجتمع الآخر فقط، بل إن هذا المجتمع المتأثر به أملى على المتأثِّرين, مباشرة أو عمليًا, أنه إنما وصل إلى ما وصل إليه بفضل تخلِّيه عن المبادئ التي كان يقوم عليها، لاسيَّما منها الدينية، ولذا فإذا كانت المجتمعات الأخرى التي لا تزال تعيش حالة من التأخُّر وتريد النمو, فإن عليها أن تتخلص من بعض مبادئها, التي يُعتقد بالقياس أنها هي التي تحول دون نموها. وقد قيلت, صراحة, في أدبيات الاستشراق: أن الغرب قد تقدم بفضل تخليه عن نصرانيته, والشرق تأخَّر بسبب تمسُّكه بإسلامه. ([224])

أما أدبيات التنصير فقد قالت صراحة: إن الغرب تقدم بفضل تمسُّكه بنصرانيته, والشرق يتأخر بسبب تمسُّكه بإسلامه., كما سبق التعرُّض له من قبل.

ولأن التنصيرَ واضحُ المعالم لم تؤخذ مقولته بالقبول، بينما أحدثت مقولة الاستشراق شيئًا من التعاطف معها؛ لأن ظاهر المجتمع الآخر متخلٍ عن مبادئه الدينية بخاصة، ولتخليه عن المبادئ أصبح, عند بعض الناس, قدوةً أو مثالاً ينبغي, عند بعض الناس, أن يحتذى، الأمر الذي يحتاج معه إلى مواجهة علمية موضوعية, تخفف من هذا الاندفاع الذاتي نحو الغير؛ بسبب عدم الرضا عن الواقع المحلي, وربط أسباب عدم الرضا بالأسلوب الذي تطبق فيه المبادئ.([225])

وهذا كله داخل في مفهوم الحوار العام مع الثقافات الأخرى, الذي يتم بأساليب مختلفة، ومنها هذا الشعور بالدونية أمام الغير، الأمر الذي ينبغي عمليًا التخلُّص منه, متى ما بُنيت الثقة بالذات القائمة على الوضوح في فهم الإسلام والإيمان، اعتقادًا بأنه دين لا كمثل الأديان الأخرى,([226]) لا يقف في طريق النمو، بل لا يقف في طريق التأثُّر الموجَّه والمؤَصَّل. وهذا يستدعي وقفات أخرى, في إطار هذا المفهوم العام للحوار.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحــوار (5)

وقد نوقشت رسالة نال بها صاحبها عبدالله بن عبدالعزيز الشعيبي درجة الدكتوراه في الثقافة الإسلامية, وكانت حول الجدل بين المسلمين والنصارى في العصر الحديث. ([227]) والجدل نوع من أنواع الحوار المباشر, ([228]) من منطلق قوله تعالى في سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[الآية 64 من سورة آل عمران].

ويتبنى الداعية الشيخ أحمد ديدات هذه الآية في دعوته للحوار مع غير المسلمين عندما يحاضر بين المسلمين. وكان يقول إننا نردد هذه الآية الكريمة في الصلاة, وعند قراءة القرآن الكريم. فهل طبقناها في حياتنا اليومية؟!([229]) وكذلك من منطلق الآية الكريمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الآية 125 من سورة النحل].

وللحوار أشكال وأساليب كثيرة, منها المناظرات التي يتزعمها الآن الشيخ الداعية أحمد ديدات، ومنها الجدل المباشر, ويدخل في مفهوم المناظرة, ومنها المؤلفات والردود والمؤتمرات والمراكز الدينية والعلمية, التي تقوم في المجتمعات غير المسلمة.

ووجود المراكز الدينية والعلمية غير المسلمة, في المجتمعات المسلمة, يُعَدُّ نوعًا من أنواع الحوار, الذي يفضل البعض تسميته بحوار الحضارات والثقافات, ابتعادًا خجولاً عن لفظة الدِّين, لما فيها من الحساسية لدى البعض من غير المتدينين, من أبناء المسلمين, وغير المسلمين من أبناء الديانات الأخرى.

وأزعم أن الحوار الحضاري والثقافي لا يمكن أن يخلو من المسحة الدينية, ذلك أن الحضارات والثقافات القائمة الآن إنما قامت على الدين, وتفوح رائحتها بالخلفية الدينية التي انطلقت منها, رغم تهميش الدين ظاهرًا على الأقل.

واستعراض الأسماء, سواء أسماء الأشخاص والمدن, أم المرافق الحضارية والثقافية, لا تكاد تخلو من خلفية دينية.

وعليه فإن الحوار قائم بأشكاله المختلفة، والمخيف هنا ألا يدرك المسلمون كنه هذا الحوار, فيكون حوارًا من طرف واحد, هو المنتج أو المرسل أو مصدر المعلومة، ويكتفي الطرف الثاني, وهم المسلمون هنا, بدور المستهلك أو المستقبل لتلك المعلومات.

وأظن أن خروج مجتمع ما من المجتمعات، وليكن هنا مجتمعًا مسلمًا، عن أطواره في تقاليده وعاداته وسلوكياته, إنما هو أثر من آثار الحوار.

ويتضح هذا الموقف أكثر, عندما يخرج المجتمع من طورٍ عاشه قرونًا من الزمان, إلى طورٍ جديد عليه, مطبق في مجتمع آخر يدين بثقافة أخرى, ويتبنى حضارة مختلفة. وهذا ما نسميه أحيانًا بالتغريب, الذي يعاني منه المجتمع المسلم, حينما يعمد إلى تبني ثقافة الغير في كل, أو في معظم, سلوكياته الخاصة والعامة. كما مرَّ بيانه في المُحَدِّد ذي العلاقة بالتغريب.

ومن منطلق هذه النتيجة من نتائج الحوار, وهي التغريب, نجد أن الحوار قد يقتصر على أبناء الأمة الواحدة, الذين يفترقون على فرقتين، فرقة تدعو إلى الأصالة ونبذ الضار من المستورد، وفرقة تدعو إلى تبني أفكار الغير وثقافته وحضارته, بحجة أن هذه الأفكار والثقافة والحضارة هي التي أوصلته إلى ما وصل إليه، في الوقت الذي يدِّعي فيه هؤلاء أن هذا التخلف الذي وصل إليه المجتمع المسلم, والمجتمع غير المسلم من العالم الثالث, هو نتيجة لتبنيه الثقافة التي يتبناها الآن. ويظهر أن في هذا غلوًا يقود إلى غلو في رفض كل ما هو أجنبي.

وإزاء هذه الأفكار المنثورة حول الحوار صار لزامًا على المسلمين أن يخطوا خطواتٍ إيجابيةً في هذا المضمار, قبل أن يسبق السيف العذل.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحوار (6)

ويقرر بعض المستشرقين أن الإسلام قد انتشر بالسيف،([230]) ويردُّ عليهم بعض المسلمين أن الإسلام لم ينتشر بالسيف،([231]) ولكل أدلته، إلا أن معظم المستشرقين، كما هي العادة، يهمهم التعميم في إطلاق الأحكام, ما دامت تخدم الغرض.

والذي نعرفه نحن المسلمون أن الإسلام يضع المدعوين أمام ثلاثة خيارات؛ الإسلام أو الجزية أو القتال. والقتال هو الخيار الأخير, وهو كره.([232])

والذي نعرفه نحن المسلمون أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ذلك الجهاد الذي فهمه المجاهدون الأوائل, وأنه ماضٍ إلى يوم القيامة،([233]) ونحن لا نعتذر في ذلك لأحد، إذ إن هذا من معتقدنا.

إلا أن هذا المصطلح الجهاد قد أُخضع لقدر من سوء الاستخدام, بحيث أصبح يطلق على عمليات ليست, بالضرورة, داخلة في مفهوم الجهاد, كما فهمه سلف هذه الأمَّة, مما أدى إلى تشويه هذا المفهوم, ومحاولة التملُّص والتخلُّص منه من قبل بعض الاعتذاريين, كما مرت الإشارة إليه من قبل.

وتشير التقارير الأخيرة الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في تلك البلاد، ويبرر المحللون ذلك إلى أسباب عديدة, منها تزايد التضامن بين المسلمين في هذه القارة، وكذا الحال في أوروبا, عندما فاز مانهايم بجائزة معتبرة لاتباعه سياسة المسجد المفتوح.

والذين درسوا انتشار الإسلام يدركون أنه انتشر بالجهاد, كما انتشر بوسائل أخرى غير الجهاد، وأن الإسلام قد انتشر في شرق آسيا وجنوبها الشرقي عن طريق التُّجَّار, وانتشر في أفريقيا عن طريق الدعوة., ولا تزال العائلات العربية تقطن تلك البقاع.

كما انتشر الإسلام شمال آسيا وآسيا الوسطى عن طريق التُّجَّار، والذي يقرأ رحلة ابن فضلان وغيره كابن جبير والعياشي وابن بطوطة و سليمان التاجر, يدرك ذلك الحوار الذي تبناه التجار المسلمون مع علماء تلك البقاع وقادتها السياسيين والاقتصاديين, الذين قَبِلوا الإسلام في مجملهم، ولم يقبله بعضهم؛ لأن الإسلام يدعو إلى التوحيد, ويحرم الخمر ولحم الخنزير, مثلاً، وقد تكون الأسباب سياسية, أكثر منها دينية في العقيدة والعبادات.([234])

ويظهر أن هذه فرصة للذين يدرسون الدعوة وانتشار الإسلام في أن يغوصوا في كتب الرحلات، لاسيَّما رحلات المسلمين، ليتخذوها مصدرًا مهما من مصادر المعلومات عن انتشار الإسلام على مدى العصور، ففي هذه الكتب, التي تمثِّل ما نسميه بأدب الرحلات, مادةٌ علميةٌ جيدةٌ في مجال الحوار بين المسلمين وغيرهم, من أصحاب الأديان الأخرى.

ويبدو أن تأثير التجار المسلمين في حوارهم مع غيرهم لا يزال قائمًا، وإن لم يكن بذلك الوضوح الذي كان لدى السلف من التُّجَّار؛ لأن أولئك ذهبوا بروحين؛ روح التجارة وروح الدعوة.

وبعض تُجَّارنا اليوم يذهبون بروحين؛ روح التجارة وروح تقمُّص الشخصية الأخرى، فتخفت الحاجة إلى الحوار، ويخفت بالتالي التأثير، ويبرز التأثُّر. وما ذلك إلا نتيجة لعدم الاقتناع بدمج الدعوة بالتجارة، الأمر الذي يحتاج معه التجار المسلمـــون إلى أن يجلسوا في القاعـــات الثقافيــــة, يستمعون إلى محاضرات حول انتشار الإسلام عن طريق التُّجَّار، ولتكن هذه القاعات في مقرات الغرف التجاريــــة الصناعية المنتشـــرة في أرجاء العالم الإسلامي، ليعودَ للتُّجَّار المسلمين تأثيرهم على الآخر تأثيرًا إيجابيًا، فيجيدوا الحـــوار مع أقرانهم التُّجَّار الآخرين, وغيرهم ممن يختلطـــون بهم، وهذا جزء من مسؤولياتهم تجاه هذا الدين العظيم.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحوار (7)

وفي فترة من فترات انحطاط المسلمين، وليس انحطاط الإسلام، لأن الإسلام لا يتعرض بحال للانحطاط, فقد جاء عزيزًا وسيظل عزيزًا، ولكن المسلمين يبتعدون عنه فيذلُّون, ويقتربون منه فيعزون, وفي فترة من فترات الابتعاد, التي أعقبت الحروب الصليبية بزمن، تسلطت على المسلمين تيارات متعددة الأشكال والأساليب والوسائل، يأتي في مقدمتها الاحتلال العسكري لمعظم بلاد المسلمين.

هذا الاحتلال الذي يُدْعى الآن اصطلاحًا الاستعمار مهَّد لبقية التيارات الأخرى التي يمكن أن تحصر في أربعة تيارات عدا الاستعمار وهي: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والصهيونية، وداخل كل تيار من هذه التيارات الخمسة تيارات فرعية تكون موجَّهة إلى مفهوم من المفهومات الإسلامية, أو إلى فئة من الفئات المسلمة, أو أرض من أراضي المسلمين. وقد سبق التعرُّض لهذه التيارات على أنها من مُحَدِّدات العلاقة بين الشرق والغرب.

وقد يضيف البعض تيَّارًا سادسًا يدعونه بالغزو الفكري،([235]) ولكن هذا التيار لا يَعدو أن يكون داخلاً في التيارات الأربعة سالفة الذكر. مع أن هناك بيننا من يقول إنه ليس هناك ما يسمَّى بالغزو الفكري، فالفكر مبسوط للعالم, لك أن تأخذه, أو تأخذ منه، ولك أن تتركه أو تترك منه، وأظن أن هذا المنطلق لا يعدو أن يكون تأثُّرًا من قائله بالأفكار الغربية عن المجتمع المسلم, جاء بها من منطلق ما يتردَّد من حرية الفكر, وحرية الكلمة, وحرية الرأي, دون ضابط دقيق لهذه الإطلاقات أو هذه المصطلحات.

هذا التحدي الذي يواجهه المسلمون اليوم من هذه التيارات لم يكن جديدًا على المسلمين, فالصراع بين الحق والباطل، والصراع بين الخير والشر مستمر وقائم، وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يستمر هذا الصراع.

ودعاة هذه التيارات من منصِّرين ومحتلِّين ومستشرقين ومتغرِّبين، بل وصهيونيين, يجتمعون جميعًا في أنهم إذا عرفوا الحق اتبعوه، ومنهم المعاندون المصرِّون على عنادهم, والمكابرون المصرون على مكابرتهم، ولكن منهم من هداهم الله تعالى إلى الحق, فتركوا الدعوة إلى الباطل وانتصروا للحق، وصاروا حربًا على التيارات, التي كانوا يقودونها في زمن الجهل والضلال.

وقد قابلتُ أكثر من حالة كان أصحابها دعاة للباطل, فأصبحوا بفضل من هداية الله تعالى دعاةً للحق, منصرفين إليه بقوة؛ لأن حالَهم تقول إنهم يرغبون في التكفير عما قاموا به من ضلالة وإضلال.

ومن هنا ينبغي الوضوح في العلاقة مع أفراد هذه التيارات، ولاشك أن التعاون معهم مرفوض من منطلق النصوص الشرعية: {.. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[الآية 2 من سورة المائدة]، وليس التعامل معهم بالضرورة تعاون على العدوان, إذا ما أريد له أن يكون محاولات جادة لإظهار الحق لهم, رغبة في هدايتهم, أو على أقل التقدير رغبة في اتِّقاء شرهم.

وهناك نقاشٌ حول مسألة الحوار مع أرباب هذه التيارات, وهناك آراء حول جواز هذا الحوار أو عدم جوازه. ولست من مصافِّ المشرِّعين من علماء الأمة، ولا يخضع الأمر لوجهات النظر الفردية, فالدين لا يؤخذ بوجهات النظر, ولكنه يعتمد على النصوص, وعلى مصادر التشريع الإسلامي الأخرى, ومنها القياس.

والحذر الآن من الحوار قد يكون مردُّه عدمَ القدرة على الإمساك بزمام الحوار, وترك المجال للطرف الآخر ليسيطر عليه، لاسيَّما أنه الآن ينظر من علوٍّ, وأنه هو الغالب, فينتظر اتباع المغلوب له.

تلك مشكلة إدراكية, رانت على أذهان بعضٍ من أبناء الأمة وبناتها, فرفضوا الحوار خوفًا منه, وخوفًا على أنفسهم من الغير, وكأنهم لا يملكون أقوى مقوّمٍ للحوار, تبناه أسلافهم, فخاضوا غمار الحوار, وانتصر الحق في النهاية.



 

 

المُحَدِّد السابع عشر: الحوار (8)

والحوار يقتضي التكافؤ بين المتحاورين، كما يقتضي الاتفاق على المقدمات، أو على بعضها على الأقل. ومن الطيب دائمًا أن نتحدث نحن المسلمين عن أجمل ما في الإسلام، استنادًا إلى نص الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}[الآية 3 من سورة المائدة].

إلا أن الملحوظ على المتحاورين، بعض المتحاورين وليس كلهم، تركيزهم على سماحة الإسلام، وهذا أيضًا أمر مطلوب إذا عرضت سماحة الإسلام, بعيدًا عن إشعار الآخرين بأننا ندافع عن ممارسات قد لا تدخل في مفهوم سماحة الإسلام،([236]) وهي تحسب على أصحابها, ولا تحسب على الإسلام.

وقد لا يكفي موقف الذين يريدون الحديث في الحوار عن سماحة الإسلام, فيغضون الطرف عن الجهاد مثلاً, وأنه كان وسيلة من الوسائل, التي انتشر بها الإسلام، فيردُّون على المستشرقين بأن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ولكنه انتشر بالإقناع والتأثير والتأثُّر.

 ولو قال هؤلاء المحاورون إن الإسلام لم ينتشر بالسيف فحسب، وإنما انتشر أيضًا بالإقناع والتأثير والتأثُّر, كما هي الحال في شرق آسيا وجنوبها وجنوب الصحراء الكبرى من قارة أفريقيا، لو قالوا ذلك لاختلفت لغة الحوار، ولَوجدت فيها شيئًا من القوة والكفاية. وقد مرت مناقشة هذه الجزئية في هذا المُحَدِّد.

وقد يرى بعض المتحاورين أن التركيز على سماحة الإسلام مدعاة إلى قبوله في المبدأ، ثم يمكن حينئذٍ الحديث عن الظاهرات التي قد لا تُرى, في نظر البعض, أنها تترجم سماحة الإسلام, كالجهاد والحدود ونحوها, مما تعاني من هجوم صارخ من منظمات وهيئات وأفراد. ويظهر إن هذا المبدأ في الحديث قد يعني تفسيرات عدة, أخشى أن يكون منها إخفاء هذه المفهومات العملية الإسلامية عن الغير, بسبب الخجل من إبرازها، إنها إنما قامت لترسيخ سماحة الإسلام, وحرصه على الأمن الشامل في كل مفهوماته.

ومع الخجل قد يأتي سبب آخر, يوحي بعدم الاقتناع بهذه الحدود والجهاد أو القوامة أو نحوها، على اعتبار أنها غير مرعية في الغالب, وغير مقتنع بها, في الغالب أيضًا, من الطرف الآخر في الحوار. وهذا مزلق عقدي خطير يؤثر على إيمان المرء، وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة في مسألة الإيمان.

ولا يظهر أن هذا السبـــب قائم لدى كثير من المتحاوريـــن في الطرف الإسلامي، لاسيَّما المعنيين في الحوار من أهـــل العلم، ولو ظهــر على بعضهم منطلـــق الاعتذار والتبرير/التسويغ والدفاع. وعلى أي حال فليس المراد هنا الحكم على الناس، ولكن الملحوظ أن الحوار أضحى ظاهرةً, تتزايد الحاجة إليها مع هذا العصر, الذي تتسابق فيه الأحداث، ويظهر اسم الإسلام فيه بصور غير دقيقة, مرتبطـــة غالبًا بأحداث غير ســـارة, كالأعمال التخريبيـــة, ولا تعكس بالضرورة سماحة الإســـلام، بل ربما لا تعكس بالضرورة, وفي بعض الحالات, الفهم الصحيح للإســلام.

وعليه فلابد من تشجيع الحوار, والدعوة إليه والمشاركة فيه في أي شكل من أشكاله السلمية المتعددة, ما روعيت في ذلك عواملُ الحوار المهمة المطلوبة.

ولابُدَّ من التوكيد على أشكال الحوارات الودِّية, التي تظهر نتائجها إيجابية قائمة على الإقناع والاقتناع والتأثير والتأثُّر، بعيدًا عن الأشكال الأخرى, التي تزيد الفجوة, ولا تخدم أيًا من الطرفين المتحاورين.



 

 

الخاتمة: الخلاصة والنتيجة:

سعت المنطلقات الخمسة, المتمثِّلة في الاهتمام والحقائق والمسلَّمات والتسويغ والجغرافيا, ثم المُحَدِّدات السبعة عشر, إلى أن تؤكد على أن الشرق والغرب, مع الأخذ بالحسبان مفهوم الولاء والبراء في الإسلام, ورغم كل شيء, يظلاَّن لا يستغنيان عن بعضهما في البناء الحضاري, وفي إسعاد البشرية, وهما شريكان في ذلك,وأن أيًا منهما يظل بحاجة إلى الآخر, وأن فرصَ التعايش والتلاقي بينهما أكثر بكثير, وأقوى, من دواعي الفرقة والخصام, بشتى أنواع الخصام, مهما حاول بعض من المنتمين إلى أيِّ منهما أن يسعى إلى خلاف ذلك, مؤيَّدًا بسيطرة فكرٍ آنيٍّ, أو توجُّه سياسي ضاغط, أو نظرة عرقيَّة, أو ما إلى ذلك, من مقوِّمات التأثير القائم على فكر غير سوي, أملته قوىً خفيَّة, لا تسعى إلى سعادة الأمم, بل تبحث عن شقائها, وتعميق وجوه الخلاف بينها, وذلك بإثارة المشكلات, التي تتحوَّل إلى شقاق وجفوة وحروب, من مثل ما مرَّ على العالم طيلة القرون الماضية, ومما هو حاصل الآن في أجزاء من العالم, الذي يوصف بأنه قرية كونية واحدة.

          ولعل هذه الوقفاتِ قد وفِّقتْ في الإسهام في طَرق هذا الموضوع الحيويِّ المتجدِّد, الخاضع للنقاش, والقبول والرفض, إذ إنه مجال خصب للرؤى والتحليلات, وبالتالي وجهات النظر, القابلة للأخذ والردِّ.

ويكفي من ذلك المحاولة في طرق هذا الموضوع, من منطلق مؤَصّل, أُريد منه أن يُسهَم فيه ببيان أن أساس هذه العلاقة تقوم على اعتبار الدِّين هو المؤثِّرُ الأوَّل, وأن الدِّين قام, مما قام عليه, على الإقناع, القائم على التواصل مع الغير, من خلال الحوار, وانَّه يقف في وجه تلك التيَّارات, التي مرَّت به, فكان, بالمنتمين إليه, محفِّزًا للمزيد من التلاقي والتقارب, بما في ذلك تحمُّل هذا الدِّين للصدمات والكدمات, المتمثِّلة بالحروب, والحركات الاستعماريَّة, والحملات التنصيريَّة, والأفكار الاستشراقيَّة, والدعوات التغريبيَّة, والمحاولات التشويهيَّة لصورة الشرق/ المسلمين في المخيال الغربي, والتأثيرات التي تقوم بها اليهودية/الصهيونية, وما يتمخَّض عنها من تيَّارات, تعمل في الخفاء, ومحاولاتها ترسيخ الفصل بين الشرقيِّين/المسلمين والغربيِّين, من منطلقات عَقَديَّة, لم تنجح في أن تصل إلى مُرادها منه, ولا يُتوقَّع لها أن تنجح, رغم الجهود المتوالية, ليس من الخارج فحسب, بل ربما من الداخل أحيانًا.

وهذا التوجُّه في هذا البيان لم يُغفِل, من خلال السياق, تسليطَ الضوء على المُحَدِّدات والمؤثِّرات, التي تحسب عند قياس تطوُّر العلاقات بين الشرق والغرب, إذ إن التوكيد عليها كفيلٌ بأن يعين على توسيع هامش اللقاء, القائم على معرفة هامش الاختلاف.

لقد أثارت العلاقات بين الشرق (المسلمين) والغرب (النصراني/اليهودي) خيال السياسيِّين, والمثقَّفين, والمفكِّرين, والعسكريِّين, والأكاديميِّين, من المتخصِّصين في الأديان والمؤرِّخين, والمستشرقين, منذ عدَّة قرون, وإلى الآن. وانكبَّ هؤلاء على دراسة تلك العلاقات, وتحليلها من منظورات مختلفة, ولتحقيق غاياتٍ واهدافٍ, راوحت بين الأهداف العلميَّة والبحثيَّة المنظَّمة, إلى تهيئة الظروف الاستعماريَّة, وتحقيق المطامع العسكريَّة, ونهب خيرات الشرق, وموارده, تحت دعاوى دينيَّة, وتنويريَّة وغيرها.

ولقد كانت العلاقات, وربما لا تزال, غير متكافئة, وتعلوها نبرةُ الاستعلاء, والفوقيَّة, وربما الأجندات الخفيَّة. وقد عانى الشرق, دينًا وشعوبًا, من هذه الاختلالات في العلاقات, بدءًا بالاستشراق, والحروب والحملات الصليبيَّة, وجهود المنصِّرين, مرورًا بالاستعمار, والاحتلال المباشر, ونهب الخيرات, وانتهاءً بتُهَم الإرهاب, والصور النمطيَّة الإعلاميَّة, وعلمنة السياسة والفكر, وعولمة الثقافة, وفتح الأسواق, وحركة التجارة ورؤوس الأموال, وانتقال العمالة عبر الحدود, دون قيود أو شروط.

وقد سعى هذا الكتاب, كذلك, إلى بلورة منظور فكري متعدِّد الأبعاد, وإلى تقديم أداة تحليليَّة نظريَّة, تمكِّن الباحث, في الشأن العلاقي بين الشرق والغرب, من فهم حجم تلك العلاقات, التي تمتدُّ إلى قرون, واتجاهها, وتأثيرها, وإمكان قياس أثرها, باعتبارها علاقاتٍ ما زالت تؤثِّر سلبًا, إلى حدٍّ كبير, في حياة شعوب المنطقة العربية والإسلامية,

إن هذه المُحَدِّدات, المذكورة في هذا الكتاب, يمكن أن تُشَكِّل الإطار النظري والمعرفي, الذي يساعدُ على الفهم والتفسير والتحليل, وربما التوَقُّع بمستقبل تلك العلاقات.

وباستخدام هذه الأداة التحليليَّة لطبيعة تلك العلاقات بين الجانبين, واتجاهاتها, فإنه يمكن أن يخلص هذا البحثُ إلى نتيجة مهمَّة, مؤدَّاها أنه باستعراض العلاقات بين الشرق والغرب, في مختلف جوانبها, السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية, وبرغم أن تلك العلاقات والمُحَدِّدات التي حكمتها, خلال عدة قرون, حتى وقتنا الحاضر, كانت, في مجملها, غير عادلة, وليست متكافئة, واتسمت بالروح الاستعلائية والعدائية والفوقيَّة, وسوء الاستغلال, إلا أن نافذةً من الأمل لتجسير هذه الفجوة, وتصحيح هذه الاختلالات, تبدو ممكنةً, إذا أَحسن الطرفان, عبر النوايا الحسنة منهما, استغلالَها الاستغلالَ الأمثل, من منطلق حاجة كل طرفٍ للآخر, بما لدى كلِّ طرفٍ من مواردَ وإمكاناتٍ, وسعيًا إلى تعظيم فرص الالتقاء والاتفاق, والتعايش السلمي, عبر تبادلِ المصالح, مع احترامٍٍ واستثناءٍ لبعض الخصوصيَّات الدينيَّة والثقافيَّة والفكريَّة, التي تمثِّلُ منطلقات, لا يمكن التنازُل عنها.

إن تجسير هذه الفجوة العلاقيَّة بين الشرق/الإسلامي, والغرب/النصراني اليهودي, يمكن أن يتمَّ عبر آلياتٍ أتاحتها معطيات الألفية الثالثة, وكون العالم أصبح قريةً كونيَّةً صغيرةً. ومن تلك الآليات والمعطيات استغلالُ وسائل المواصلات والاتصال الحديثة, للتقارب بين الشعوب, والأخذ بمبدأ الحوار بين الحضارات والأديان, وتصحيح الصور النمطيَّة السيئة في وسائل الإعلام الغربي, ودعم الفعاليات الثقافيَّة للجاليات والأقليَّات المسلمة في الغرب, والاستفادة من البعثات الطلاَّبية, والملحقيَّات الثقافيَّة, للدول الإسلاميَّة والعربيَّة, من أجل تعميق التواصل والحوار بين الشرق والغرب.

  ويتمُّ ذلك التجسير, أيضًا, من خلال العمل على الاستفادة من مقتضيات العولمة واستحقاقاتِها, بمختلف أبعادِها السياسيَّة, والاجتماعيَّة, والاقتصاديَّة, والفكريَّة,واعتبارها فرصةً تاريخيَّةً, لإصلاح الاعتلال في العلاقة بين الشرق والغرب, لصالح نمو الشعوب والمجتمعات والأفراد, على جانبي تلك العلاقة, ولصالح رخائها وازدهارها وتقدُّمها. وكان الله في عون الجميع.

 

 

 

ثبت بأهم المراجع التي تم الاستئناس بها

 

أ. س. ترتون. أهل الذمة في الإسلام. ــ ترجمة حسن حبشي. ــ ط 3. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1994م. ــ 280 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 70).

إيراهيم بن حمد القعيِّد. الطلبة المسلمون في الغرب بين المخاطر والآمال. ــ الرياض: مكتبة دار السلام, 1415هـ. ــ 126 ص.

أبو الحسن علي الحسني الندْوي. الإسلام والغرب. ــ بيروت: مؤسسة الرسالة, 1405هـ/1985م. ــ 32 ص.

 أحمد بن سيف الدين تركستاني. "الحـوار مع أصحـاب الأديـان: مشروعيته وشروطه وآدابه". في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعـــود الإسلاميـــة, 1425هـ/2004م. ــ 36 ص.

أحمد شلبي. الاستشراق: تاريخه وأهدافه, شبهات المستشرقين: مناقشتها وردها. ــ القاهرة: مكتبة النهضة المصرية, د.ت. ــ 212 ص.

أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 1419هـ (1999م). ــ 240 ص.

 أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية, 2000م. ــ 319 ص.

 أحمد طحان. عولمة الإرهاب: إسرائيل ــ أمريكا والإسلام. ــ بيروت: دار المعرفة, 1424هـ/2003م. ــ 455 ص.

أحمد عبدالحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق. ــ ط 2. ــ لندن: المنتدى الإسلامي, 1411هـ.

أحمد عبدالرحيم السايح.  في الغزو الفكري. ــ الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, 1414هـ. ــ 157 ص. ــ(سلسلة: كتاب الأمة: 38).

أحمد عبدالوهاب. التغريب: طوفان من الغرب. ــ القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي, 1411هـ/1990م. ــ 48 ص.

 أحمد موصللي. حقيقة الصراع: الغرب والولايات المتحدة والإسلام السياسي. ــ (بيروت): عالم ألف ليلة وليلة, 2003م. ــ 213ص.

أحمس حسن صبحي. المسلمون والمسيحيون تحت الحصار اليهودي. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 2002م. ــ 253 ص.

إدوارد سعيد. الآلهة التي تفشل دائمًا. ــ ترجمة: حسام الدين مصطفى. ــ بيروت: التكوين للطباعة والنشر والتوزيع, 2003م. 139 ص.

إدوارد سعيد. الاستشراق: المعرفة, السلطة, الإنشاء. ــ ط 2. ــ ترجمة: كمال أبو ديب. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1984م. ــ 367 ص.

إدوارد سعيد. إسرائيل, العراق, الولايات المتحدة. ــ بيروت: دار الآداب, 2004م. ــ 312 ص.

إدوارد سعيد. تأملات حول المنفى ومقالات أخرى. ــ ترجمة: ثائر ديب. ــ بيروت: دار الآداب, 2004م. ــ 383 ص.

إدوارد سعيد. تعقيبات على الاستشراق. ــ ترجمة وتحرير صبحي حديدي. ــ بيروت: دار الفارس, 1416هـ/1996م. ــ 60 ص.

 إدوارد سعيد. تغطية الإسلام. ــ بالإنجليزية.

إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية. ــ نقله إلى العربية وقدم له: كمال أبو ديب. ــ بيروت: دار الآداب, 1997م. ــ 411 + ص.

إدوارد سعيد. خارج المكان: مذكرات. ــ ترجمة فواز طرابلسي. ــ بيروت: دار الآداب, 1420هـ/200م. ــ 359 ص.

 إدوارد سعيد. صور المثقف: محاضرات ريث, 1993م. ــ نقله إلى العربية: غسان غصن. ــ راجعته: منى أنيس. ــ ط 3. ــ بيروت: دار النهار, 1997م. ــ 122 ص.

إدوارد سعيد. نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها. ــ بيروت: دار الآداب, 2002م. ــ 384 ص.

أسامة خليل. الإسلام والأصولية التاريخية: الأصولية بمعنى آخر. ــ باريس: مركز الدراسات العربي الأوروبي, 2000م. ــ 208 ص.

أسرة تحرير التسامح. "العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس". ــ التسامح ع 5 (شتاء 1425هـ/2003م). ــ ص 263 ــ 272.

أسعد عبدالرحمن. المنظمة الصهيونية العالمية 1882 ــ 1982. ــ ط 2. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1990م. ــ 272 ص.

ألان غريشز "الإسلامفوبيا". ــ ترجمة وتعليق: إدريس هاني. ــ الكلمة ع 40, مج 10 (صيف 2003م/1424هـ) ص 104 ــ 120.

أليكسي جورافسكي. الإسلام والمسيحية. ــ ترجمة: خلف محمد الجراد. ــ راجع المادة العلمية وقدّم له: محمود حمدي زقزوق. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 1417هـ/1996م. ــ 236ص. ــ (سلسلة: عالم المعرفة: 215).

أمين معلوف. الحروب الصليبية كما رآها العرب. ــ ترجمة: عفيف دمشقية. ــ ط 2. ــ بيروت: دار الفارابي, 1998م. ــ 352ص.

أوليفييه روا. تجربة الإسلام السياسي. ــ  ترجمة: نصر مروة. ــ ط 2. ــ بيروت: دار الساقي, 1996م. ــ 213 ص.

أوليفييه روا. عولمة الإسلام. ــ ترجمة: رولا معلوف. ــ بيروت: دار الساقي, 1424هـ/2003م. ــ 222 ص.

برنارد لويس وإدوارد سعيد. الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية. ــ بيروت: دار الجيل, 1414هـ/1994م. ــ 133 ص.

برنارد لويس. أين الخطأ؟: التأثير الغربي واستجابة المسلمين. ــ ترجمة: محمد عناني. ــ تقدبم ودراسة: رءوف عباسي. ــ القاهرة: سطور, 2003م. ــ 269 ص.

برنارد لويس. لغة السياسة في الإسلام. ــ ترجمه: إبراهيم شتا. ــ قبرص: دار قرطبة, 1993م. ــ 173ص.

بيرنارد لويس. "مسألة الاستشراق". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ  ط 2. ــ بيروت: دار الساقي, 2000م. ــ ص 159 ــ 182.

برنارد لويس. مستقبل الشرق الأوسط: تنبؤات. ــ بيروت: رياض الريس, 2000م. ــ 140 ص.

بكر بن عبدالله أبو زيد. حراسة الفضيلة. ــ ط 4. ــ الرياض: دار العاصمة, 1421هـ/2000م. ــ 200 ص.

بلقر بري. إضاءات على كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد. ــ بيروت: دار الهادي, 1422هـ/2002م. ــ 120 ص.

بول فندلي. من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي. ــ ط 15. ــ بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, 2002م. ــ 622 ص.

بيا أشكروفت وبال أهلواليا. إدوارد سعيد: مفارقة الهوية. ــ ترجمة: سهيل نجم. ــ مراجعة: حــيدر سعيد. ــ دمشق: نينوى للدراسات والترجـــمة والنشر, 2002م. ــ 235 ص.

 تيري ميسان. 11 أيلول 2001: الخديعة المرعبة. ــ ترجمة: سوزان قازان ومايا سلمان. ــ دمشق: دار كنعان, 2002م. ــ 218 ص.

جابر عصفور. مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب العربي المعاصر. ــ بيروت: دار الفارابي, 2003م. ــ 310 ص.

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام. ــ الرياض: الجامعــــة, 1414هـ/1984م. ــ 523 ص.

 جان زيجلر. سادة العالم الجدد: العولمة, النهابون, المرتزقة, الفجر. ــ ترجمة: محمد زكريا إسماعيل. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 2003م. ــ 304ص.

جلال العالم. قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام, أبيدوا أهله. ــ ط 9. ــ القاهرة: دار السلام, 1399هـ/1979م. ــ 95 ص.

جلبير الأشقر. صدام الهمجيات: الإرهاب, الإرهاب المقابل والفوضى العالمية قبل 11 أيلول وبعده. ــ نقله إلى العربية: كميل داغر. ــ بــيروت: دار الطـــــليعة, 2002م. ــ 157 ص.

جورج قـُرم. شرق وغــرب: الـشرخ الأسطوري. ــ بـيروت: دار الســـاقي, 2003م. ــ 215 ص.

جوناثان ريلي ــ سميث. الحملة الصليبية الأولى وفكرة الحروب الصليبية. ــ ترجمة: محمد فتحي الشاعر. ــ ط 2. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1999م. ــ 295 ص.

جــون ل. إسبوزيتو. الإسلام والغرب عقب 11 أيلول/سبتمبر: حوار أم صراع حضاري؟. ــ أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية, 2003م. ــ 44 ص.

جون ل. إسبوزيتو. التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟. ــ ترجمة: قاسم عبده قاسم. ــ ط 2. ــ القاهرة: دار الشروق, 1422هـ/2002م. ــ 424 ص.

حسن الباش. صدام الحضارات: حتمية قدرية أم لوثة بشرية؟. ــ دمشق: دار قتيبة, 1423هـ/2002م. ــ ص 25 ــ 28.

حسن حبشي, مترجم ومعلق ومحقق. الحرب الصليبية الثالثة: صلاح الدين وريتشارد. ــ 2 ج. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2000م. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 181 ــ 182).

حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب. ــ بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر, 1412هـ/1992م. ــ 630 ص.

حسن بن فهد الهويمل. "الفوقية الحضارية". ــ المنهل ع 471 (مج 50), (رمضان وشوال 1409هـ ــ أبريل ومايو 1989م.  ص 277 ــ 292.

حسن المِمِّي. أهل الذمة في الحضارة الإسلامية. ــ تقديم: الشاذلي القليبي. ــ بيروت: دار الغرب الإسلامي, 1998م. ــ 207 ص.

حسين الهواري. "ضررهم أكثر من نفعهم". ــ الهلال ع 2مج 42 (12/1933م/8/1352هـ). ــ ص 324.

خالد البسام, معدّ ومترجم. صدمة الاحتكاك: حكاية الإرساليات الأمريكية في الخليج والجزيـــرة العربية 1982 ــ 1925م. ــ بـيروت: دار الساقي, 1998م. ــ 203 ص.

خالد البسام, معدّ ومترجم.  القوافل: رحلات الإرساليات الأمريكية في مدن الخليج والجزيرة العربية 1901 ــ 1926م. ــ البحرين: (مؤسسة الأيام للصحافة والنشر), 1992م. ــ 206 ص.

خالد عبد العظيم عبدالرحيم السيوطي. الجدل الديني بين المسلمين وأهل الكتاب بالأندلس: ابن حزم ــ الخزرجي. ــ القاهرة: دار قباء, 2001م. ــ 296 ص.

دون م. ماكوري. التنصر: خطة لتنصير العالم. ــ د.م.: د.ن., (1978م). ــ 910 ص.

ديفيد لانداو. الأصولية اليهودية: العقيدة والقوة. ــ ترجمة: مجدي عبدالكريم. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 1414هـ/1994م. ــ 416 ص.

  رؤوف شلبي. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء. ــ ط 2. ــ القاهرة: دار الاعتصام, 1400هـ/1980م. ــ

  رشاد عبدالله الشامي. القوى الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 1414هـ/1994م. ـ  368 ص. (سلسلة: عالم المعرفة: 186).

  رضا هلال. المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا. ــ القاهرة: مكتبة الشروق, 1422هـ/2001م. ــ 272ص.

 رضوان السيد. "الصراع على الإسلام من الاستشراق إلى الأنثروبولوجيا". ــ التسامح ع 5 (شتاء 1425هـ/ 2004م). ــ ص 71 ــ 81.

: رضوان السيد. مسألة الحضارة والعلاقة بين الحضارات لدى المثقفين في الأزمنة الحديثة. ــ أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, 2003م. ــ 64 ص. (سلسلة: دراسات إستراتيجية: 89).

 روجيه غارودي. الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية. ــ ط 3. ــ ترجمة: حافظ الجمالي وصيّاح الجهيِّم. ــ بيروت: دار عطية, 1997م. ــ 373 ص.

زكي مبارك. "نفعهم أكثر من ضررهم". ــ الهلال ع 2 مج 42 (12/1933م/8/1352هـ). ــ ص 325 ــ 328.

زين العابدين الركابي. الأدمغة المفخّخة. ــ الرياض: غيناء للنشر, 1424هـ/2003م. ــ 246 ص.

زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ دمشق: دار الكتاب العربي, 2003م. ــ ص 27 ــ 53.ــ (سلسلة صليبية الغرب وحضارته: 1).

سالم عبدالله سالم النوبدي. المسيحية والإسلام بين حوار الفكر وحرب المبشرين. ــ بيروت: دار الأمر, 2001م. ــ 144 ص.

سعود المولى. الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة. ــ قدم له: الشيخ محمد مهدي شمس الدين. ــ بيروت: دار المنهل اللبناني, 1996م/1416هـ. ــ ص 127 ــ 136.

سعيد عبدالفتاح عاشور. الحركة الصليبية: صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى. ــ 2 مج. ــ ط 6. ــ القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية, 1994م.

سلام شافعي محمود. أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1995م. ــ 327ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 75).

سمير الخليل, وآخرون. التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر. ــ ترجمة: إبراهيم العريس. ــ بيروت: دار الساقي، سنة 1992م/ 1412هـ. ــ 128 ص.

سمير سليمان. (مشرف). العلاقات الإسلامية ــ المسيحية: قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل. ــ بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق, 1994م. ــ 367 ص. 

سهيل زكار. الحروب الصليبية. ــ 2 مج. ــ دمشق: دار حسّان, 1401هـ/1981.

سوزانا طربوش. صورة العرب في الغرب: حلقة نقاشية عقدت في أكسفورد 7 ــ 9 حزيران 1998م. ــ ترجمة: طلال فندي, مراجعة: عواد علي. ــ عمّان: المعهد الملكي للدراسات الدينية, 1998م. ــ 79 ص.

سيدة إسماعيل كاشف. مصر الإسلامية وأهل الذمة. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1993م. ــ 180 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 57).

شاريل بينارد. الإسلام الديموقراطي المدني: الشركاء والمصادر والإستراتيجات. ــ (تقرير). ــ واشنطون: مكتب راند للاتصالات الخارجية, 2002م. ــ 100 ص.

صالح بن عبدالله بن حميــــد. أصول الحوار وآدابه. ــ جدة: دار المنــــارة, 1415هـ/1994م. ــ 40 ص.

صالح مسعود أبو نصير. جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن. ــ بيروت: دار الفتح, د.ت. ــ ص 65.

صامويل هنتنجتون. صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي. ــ ترجمة: طلعت الشايب, تفديم: صلاح قنصوه. ــ ط 2. ــ القاهرة: سطور, 1999م. ــ 225+ الهوامش.

صموئيل هنتنغتون. صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي. ــ ترجمة: مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف. ــ مصرانة (ليبيا): الدار الجماهيرية, 1999م. ــ 390 ص.

عـــادل ضاهر. الأسس الفلسفية للعلمــانية. ــ ط 2. ــ بيروت: دار الساقي, 1998م. ــ 429 ص.

عبدالإله بلقزيز, محاور. الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 2004م. ــ 147 ص. ــ (سلسلة حوارات المستقبل العربي: 1).

عبدالحليم عويس, عرض ودراسة. "في العمل الإسلامي: ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات". ــ حصاد الفكر ع 146 (ربيع الآخر1425هـ/يونيو 2004م): 63 ــ 68.

عبدالحميد جودة السحار. أبو ذر الغفاري: الاشتراكي الزاهد. ــ القاهرة: دار الهلال, 1385هـ/1966م. ــ 201 ص. ــ (سلسلة كتاب الهلال:178).

عبدالحميد جودة السحّار. أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث " الاشتراكية في الإسلام". ــ ط10. ــ القاهرة: مكتبة مصر, د.ت. ــ 208 ص.

عبدالرب نواب الدين آل نواب. "وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار". ــ في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1425هـ/2004م. ــ48 ص.

 عبدالرحمن بن محمد الدوسري. يهود الأمس: سلف سيئ لخلف أسوأ. ــ راجعه وخرّج نصوصه وعلّق عليه: مصطفى بن أبو النصر الشلبي. ــ جدة: مكتبة السوادي, 1413هـ/1992م. ــ 280 ص.

عبدالسلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام. ــ ط2. ــ القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة, 1383هـ/1978م. ــ

عبدالعزيز بن إبراهيم العسكر.  التنصير ومحاولاته في بلاد الخليج العربي. ــ الرياض: مكتبة العبيكان, 1414هـ/1993م. ــ 98 ص.

عبدالعظيم رمضان. الصراع بين العرب وأوربا من ظهور الإسلام إلى نهاية الحروب الصليبية. ــ القاهرة: دار المعارف, (1983م). ــ 551 ص.

عبدالقادر طاش. الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي. ــ الرياض: الدائرة للإعلام, 1409هـ.

عبدالله بن حمد الشبانة. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء. ــ الرياض: دار الهدى, 1407هـ. ــ 261 ص.

عبدالله عبدالدائم. العرب والعالم وحوار الحضارات. ــ دمشق: دار طلاس, 2002م. ــ 136 ص.

عبد الله بن عبدالرحمن الربيعي. أثر الشرق الإسلامي في الفكر الأوربي خلال الحروب الصليبية. ــ الرياض: (المؤلف), 1415هـ/1994م. ــ 208 ص.

عبدالله بن عبدالعزيز الشعيبي. الجدل بين المسلمين والنصارى في العصر الحديث: دراسة نقدية. ــ الرياض: المؤلف, 1412هـ/1992م. ــ 567 ص.

عبدالله علي العليان. الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف. ــ الدار البيضاء: المركز العربي الثقافي، 2003م. ــ ص 12.

عبدالملك التميمي. التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسياسي. ــ الكويت: شركة كاظمة, 1982م. ــ 335 ص.

عبدالوهاب المؤدب. أوهام الإسلام السياسي. ــ نقله إلى العربية: محمد بنيس وعبدالوهاب المؤدب. ــ بيروت: دار النهار, 2002م. ــ 231 ص.

عصام محفوظ. الإرهاب بين السلام والإسلام. ــ بيروت: دار الفـــارابي, 2003م. ــ 181 ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. الاستشراق والدراسات الإسلامية: مصادر المستشرقين ومصدريتهم. ــ الرياض: مكتبة التوبة, 1418هـ/1998م. ــ 262 ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير في المراجع العربية: دراسة ورصد وراقي للمطبوع. ــ الرياض: جامعــة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1424هـ/2003م. ــ 419 ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته. ــ الرياض: المؤلف, 1424هـ/2003م. ــ 167 ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات. ــ الرياض: مكتبة التوبة, 1424هـ/2003م. ــ 210ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين, مع نمـــاذج من المستشرقين المنصرين. ــ الريــاض: مكتــــبة التوبة, 1418هـ/1998م. ــ 178 ص.

علي بن إبراهيم الحمد النملة. وقفات حول العولمة وتهيئة الموارد البشرية. ــ الرياض: المجلة العربية, 1424هـ/2003م. ــ 65 ص.

علي عبدالحليم محمود. الغزو الفكري وأثره على المجتمع المسلم. ــ ط 3. ــ القاهرة: دار المنار الحديثة, 1410هـ/1989م. ــ 208 ص.

عماد الدين خليل. نظرة الغرب إلى حاضر الإسلام ومستقبله. ــ بيروت: دار النفائس, 1420هـ/ 1999م. ــ 157ص.

عمر بن عبدالله كامل. "آداب الحوار وقواعد الاختلاف". ــ في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1425هـ/2004م. ــ 34 ص

عمر فرُّوخ. " الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة ". ــ في: الإسلام والمستشرقون. ــ جدة: عالم المعرفة, 1405هـ/1985م. ــ ص 125 ــ 143.

غازي عبدالرحمن القصيبي. أمريكا والسعودية: حملة إعلامية أم مواجهة سياسية. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2002م. ــ 134 ص.

فاطمة مصطفى عامر. تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي. ــ 2 ج. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2000م. ــ 416 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 172 ــ 173).

فخري صالح. دفاعًا عن إدوارد سعيد. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2000م. ــ 121ص.

فرانك جي. لتشنر وجون بولي, محرران. العولمة: الطوفان أم الإنقاذ؟ الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية. ــ  ترجمة: فاضل جتكر. ــ بيروت: المنظمة العربية للترجمة, 2004م. ــ 734 ص.

 فريتس شتيبات. الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 2004م. ــ  216 ص. ــ. (سلسلة عالم المعرفة: 302).

 فريتز شتيبات. "المنظومة الإيراهيمية للحوار". ــ في: صاموئيل هانتنغتون وآخرون. الغرب وبقيَّة العالم بين صدام الحضارات وحوارها. ــ بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق, 2000م. ــ ص 183 ــ 196.

فريد هاليداي.  الإسلام وخرافة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط. ــ ترجمة: محمد مستجير. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 1997م. ــ (القسم الرابع, الجزء الثاني: "الإسلام والغرب: خطر اللإسلام أم خطر على الإسلام"). ــ ص 128 ــ 156.

فريد هاليداي. الإسلام والغرب: خرافة المواجهة, الدين والسياسة في الشرق الأوسط. ــ ترجمة: عبدالإله النعيمي. ــ بيروت: دار الساقي, 1997م. ــ ص 111 ــ 135.

فريد هاليداي. ساعتان هزتا العالم 11 أيلول/سبتمبر 2001: الأسباب والنتائج. ــ ترجمة: عبدالإله النعيمي. ــ بيروت: دار الساقي, 2000م. ــ 256 ص.

فهد العرابي الحارثي. "موقعنا في الكونية الإعلامية الجديدة: العولمة والفضائيات العربية". ــ محاضرة ألقيت في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض في 17/8/1419هـ/ 6/12/1998م. ــ 68 ص.

فواز جرجس. أمريكا والإسلام السياسي. ــ ترجمة: غسان غصن. ــ بيروت: دار النهار, 1998م. ــ ص 41 ــ 54.

فوشيه الشارتري. تاريخ الحملة إلى القدس. ــ ترجمة: زياد العسلي. ــ عمان: دار الشروق, 1990م. ــ 267 ص.

فيليب فارج ويوسف كرباج. المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي. ــ ترجمة: بشير السبـــاعي. ــ القاهرة: سينا للنــشر, 1994م. ــ 220 ص.

كلثوم السعفي. نحن والغرب: حوارات مع: حمادي الصيد, وسهيل إدريس, والطاهر لبيب, وعبدالمجيد الشرفي, ومحمد الطالبي. ــ تونس: مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله, 1992م. ــ 138 ص.

كلود كاهن. الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية. ــ ترجمة: أحمد الشيخ. ــ القاهرة: دار سينا للنشر, 1995م. ــ 384 ص.

كمال مجيد. العنف: دراسة لأثر العولمة على الشعوب المقهورة. ــ لندن: دار الحكمة, 2001م. ــ 217 ص.

كمال أبو المجــــد. حوار لا مواجهة. ــ القاهرة: دار الشـــروق, 2002م. ــ 303 ص. ــ (سلسلة مكتبة الأسرة).

مازن بن صلاح مطبقاني. الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس. ــ الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية, 1416هـ/1995م. ــ 614 ص.

مازن مطبقاني. الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية. ــ أبها: نادي أبها الأدبي, 1418هـ/1997م. ــ 115 ص.

مالك بن نبي. شروط النهضة. ــ دمشق: دار الفكر, 1979م. ــ ص 42.

محمد أحمد الصالح. منهج الإسلام في سلامة الذرية من الأمراض الوراثية. ــ الرياض: المؤلف, 1425هـ/2004م. ــ 59 ص

محمد أركون. العلمنة والدين. ــ ترجمة: هاشم صالح. ــ بيروت: دار الساقي, 1996م. ــ136 ص.

محمد خاتمي. حوار الحضارات. ــ ترجمة: سرمد الطائي. ــ دمشق: دار الفكر, 1423هـ/2002م. ــ 152 ص.

محمد سليم قلالة. التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد. ــ دمشق: دار الفكر, 1408هـ/1988م. ــ 240 ص.

محمد السماك. مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي. ــ بيروت: دار النفائس, 1418هـ/1998م.

محمد الطالبي. أمة الوسط: الإسلام وتحديات العصر. ــ تونس: دار سراس, 1996م. ــ 167 ص.

محمد عبدالعليم مرسي. التغريب في التعليم في العالم الإسلامي. ــ الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1409هـ/1988م. ــ 92 ص. ــ (سلسلة من ينابيع الثقافة: 19).

محمد عبده, الشيخ. الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية. ــ تقديم وتعليق: رشيد رضا, الشيخ. ــ سوسة, تونس: دار المعارف, (1995م). ــ 141 ص.

محمد عثمان صالح. النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير: دراسة مقارنة حول المصطلحات والدلالات. ــ المدينة المنورة: مكتبة ابن القيِّم, 1410هـ/1989م. ــ 69ص.

محمد عمارة. الأصولية بين الغرب والإســـلام. ــ القاهرة: دار الشـــرق, 1418هـ/1998م. ــ 96 ص.

محمد بن فارس الجميل. الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات. ــ ط 2. ــ الرياض: دار الفيصل الثقافية, 1425هـ/2004م. ــ ص 70 ــ 80.

محمد القاضي. "الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف". ــ التاريخ العربي ع 26 (ربيع 1424هـ/ 2003م. ــ ص 179 ــ 208.

محمد محفوظ. الإسلام, الغرب وحوار المستقبل. ــ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي, 1998م. ــ 230 ص.

محمد محمد حسين. الإسلام والحضارة الغربية. ــ ط 5. ــ بيروت: مؤسسة الرسالة, 1402هـ/1982م. ــ 278 ص.

محمد ياسين عريبي. الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي. ــ الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية, 1999م. ــ

 محمود محمد شاكر. رسالة في الطريــق إلى ثقافتنا. ــ القاهرة: دار الهلال, 1408هـ/1987م. ــ 258 ص. ــ سلسلة: كتاب الهلال:422).

مشال يميّن. "العولمة والإرهاب الثقافي". ــ شؤون الأوسط ع 113 (شتاء 2004). ــ ص 67 ــ 82.

مكتب التربية العربي لدول الخليج. أمة معرضة للخطر. ــ الرياض: المكتب, 1404هـ/1984م. ــ 70 ص.

مكسيم رودنسون. ا"لدراسات العربية والإسلامية في أوروبا". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ  المرجع السابق. ــ ص 39 ــ 83.

مكسيم رودنسون. "وضع الاستشراق المختص بالإسلاميات: مكتسباته ومشاكله". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ المرجع السابق. ــ ص 85 ــ 97.

مهاتير محمد. خطة جديدة لآسيا. ــ ترجمة فاروق لقمان. ــ دار الإحسان: بيلاندوك للنشر, د.ت. ــ 230 ص.

مهاتير محمد وشنتارو إيشيهارا. صوت آسيا: زعيمان آسيويان يناقشان أمور القرن المقبل. ــ بيروت: دار الساقي, 1998م. ــ 125 ص.

مهاتير (محاضير) محمد. العولمة والواقع الجديد. ــ تحرير: هاشم مقر الدين. ــ دار الإحســـــان: مكتب رئيس الــــوزراء الماليزي, 1423هـ/2002م. ــ 251 ص.

ناديا أنجيليسكو. الاستشراق والحوار الثقافي. ــ الشارقة: دار الثقافة والإعلام, 1420هـ/1999م. ــ ص 72.

نازك سابا يارد. الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة. ــ ط 2. ــ د.م.: نوفل, 1992م. ــ 512 ص.

ناصر الدين الأسد. نحن والآخر: صراع وحوار. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1997م. ــ 131 ص.

نجيب العقيـــــقي. المستشرقـــون. ــ 3 مج. ــ ط 3. ــ القاهــــــرة: دار المعارف, (1980م).

نعمان عبدالرزاق السامرائي. نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام. ــ لندن: دار الحكمة, 1417هـ. ــ ص 180 ــ 183.

نعوم تشومسكي. الدول المارقة: حكم القوة في الشؤون الدولية. ــ ترجمة: محمود علي عيسى. ــ دمشق: نينوى للدراسات والنشر والتوزيع, 2003م. ــ 274 ص.

نعوم تشومسكي, وآخرون. العولمة والإرهاب: حرب أمريكا على العالم, السياسة الخارجية الأمريكية وإسرائيل. ــ ترجمة: حمزة المزيني. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 2003م. ــ 276 ص.

 نعوم تشومسكي. الهيمنة أم البقاء؟ السعي الأمريكي إلى السيطرة على العالم. ــ ترجمة: سامي الكعكي. ــ بيروت: دار الكتاب العربي, 2004م. ــ 310 ص.

 هـ. كونري زيقلر. أصول التنصير في الخليج العربي: دراسة ميدانية وثائقية. ــ ترجمة: مازن صلاح مطبــقاني. ــ المدينة المنــورة: مكتبة ابن القيــــــم, 1410هـ/1990م. ــ 195 ص.

هادي المدرّسي. لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب. ــ بيروت: دار الجديد, 1996م. ــ 174 ص.

هالة مصطفى. الإسلام والغرب: من التعايش إلى التصادم. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2002م. ــ 144 ص.ــ (سلسلة مكتبة الأسرة: الأعمال الفكرية).

هنري ماسيه. الإسلام. ــ ترجمة: بهيج شعبان. ــ تقديم: مصطفى الرافعي. ــ تعليق: محمد جواد مغنية. ــ ط 3. ــ بيروت: منشورات عويدات, 1988م. ــ 282 ص.

هيثم الجنابي. الإسلام في أوراسيا. ــ دمشق: دار المدى, 2003م. ــ 287 ص.

أبو يوسف. القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري, ت182هـ/798م.  كتاب الخراج. ــ بيروت: دار المعرفة, د.ت . ــ 244ص.

يوسف الحسن. البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي ــ الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية. ــ ط 2. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1997م. ــ 222 ص.

Bernard Lewis.The Assassins: A Radical Sect in Islam.- London: Al Saqi Books, 1985.- 166 p.                                                                                   

Bernard Lewis. The Political Language of Islam. – Chicago: The University of Chicago, 1988.–168 p.                                                      

Bernard Lewis. What Went Wrong: Western Impact and middle Eastern Response.-   London: Author, 2002.- 200 p                                                       

Bernard Lewis. The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror. –  London: Author, 2003.- 175 P.

Maurice Bucaille. The  Bible the Qur'an and Science. – translated from French by: Alastair D. Pannell and the Author.- Indianapolis: North American Trust,1978.- 253 p.

Stephen J. Sniegoski. The War on Iraq conceived in Israel. – WTM Enterprises, 2003.- 31 p. (www.thronwalker.com/dith/sneg conc1.htm).

 

*********

 

 

 

 

 


(1)   يعبَّرُ  بالغير بدلاً عن الآخر, كلما وردت, استجابة لقرارات المثقفين العرب, الذين عقدوا لقاءً في تونس, سنة 1405هـ/1985م, سعوا فيه إلى وضع إستراتيجية ثقافية عربية, مع أنه أُخِذَ عليها تغليب البُعد القومي على البُعد الثقافي الإسلامي, الذي تنتمي إليه العرب, وتستقي منه ثقافتها.

(2)        انظر: هيثم الجنابي. الإسلام في أوراسيا. ــ دمشق: دار المدى, 2003م. ــ 287 ص.

(3)   انظر على سبيل المثال: هنري ماسيه. الإسلام. ــ ترجمة: بهيج شعبان. ــ تقديم: مصطفى الرافعي. ــ تعليق: محمد جواد مغنية. ــ ط 3. ــ بيروت: منشورات عويدات, 1988م. ــ 282 ص.

(1)   هادي المدرّسي. لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب. ــ بيروت: دار الجديد, 1996م. ــ 174 ص.

(2) هادي المدرّسي. لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب. ــ المرجع السابق. ــ ص 102.

(1) هادي المدرّسي. لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب. ــ المرجع السابق. ــ ص 100 ــ 101.

(1) انظر: عبدالإله بلقزيز, محاور. الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 2004م. ــ 147 ص. ــ (سلسلة حوارات المستقبل العربي: 1).

(2) محمد عمارة. الأصولية بين الغرب والإسلام. ــ القاهرة: دار الشرق, 1418هـ/1998م. ــ 96 ص.

(1) الولاء والبراء مفهوم شرعي, ذو صلةٍ بعقيدة المسلم في علاقته مع الغير. وهناك جدلٌ قائمٌ حول معناه ومبناه. كما أن هناك تفسيرات قد يظهر عليها التشدُّد, وأخرى قد يظهر عليها التسامُح في التعامل مع الغير, لاسيما مع ألئك الذين هم ليسوا في حالة حرب مع المسلمين. وهذا ما يأخذُ به هذا الكتاب.

(1)  عبدالوهاب المؤدب. أوهام الإسلام السياسي. ــ نقله إلى العربية: محمد بنيس وعبدالوهاب المؤدب. ــ بيروت: دار النهار, 2002م. ــ ص 8.

(1) لا بدَّ من التفكير في وضع قائمة وراقية (ببليوجرافية) تحليلية, حول ما كتب عن هذا موضوع الشرق والغرب، عن طريق مراكز البحث العلمية, إذ إن مثل هذا الجهد العلمي يحتاج إلى عمل مؤسسي، لا يتصور أن يضطلع به شخص بعينه، حتى مع هذا التطور الهائل في تقانة المعلومات ونقلها إلكترونيًا..

(2)  نشرة أصفار. "أوسع دراسة عن الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية: صيرورة المستقبل من "أمة الإسلام" إلى مرحلة "الإخوان المسلمين" إلى عصر المؤسسات والجامعات". ــ أصفار ع 68 (تموز 2004م). ــ ص 5.

(1) انظر على سبيل المثال: تيري ميسان. 11 أيلول 2001: الخديعة المرعبة. ــ ترجمة: سوزان قازان ومايا سلمان. ــ دمشق: دار كنعان, 2002م. ــ 218 ص. وانظر كذلك التقرير الرسمي عن هذا الحدث, الذي صدر عن الكونجرس الأمريكي  لسنة 2004م, في 600 صفحة.

(2) أعدت مجلة الاجتهاد, التي تصدر من بيروت, ويرأس تحريرها كلٌ من الأستاذ الدكتور الفضل شلق والأستاذ الدكتور رضوان السيد, ملفًّا موسَّعًا عن الاستشراق والأنثروبولوجيا, غطَّى خمسة أعداد 47 و48 و49 و50و51 للسنتين صيف وخريف 1421 إلى ربيع وصيف 1422هـ, الموافق 2000 ــ 2001م. والمؤلم علميًا وفكريًا أن تتوقَّف هذه المطبوعة عن الصدور.

(3)  علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات. ــ الرياض: مكتبة التوبة, 1424هـ/2003م. ــ 210ص.

(1)  إدوارد سعيد. الاستشراق: المعرفة, السلطة, الإنشاء. ــ ط 2. ــ ترجمة: كمال أبو ديب. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1984م. ــ  ص. 75, 233, 235, 237, 340.

(1) محمَّد محمَّد حسين. الإسلام والحضارة الغربية. ــ ط 5. ــ بيروت: مؤسسة الرسالة, 1402هـ/1982م. ــ 278 ص. حيث يركز الكتاب على التغريب.

(2) انظر : محمَّد عبدالحليم مرسي. التغريب في التعليم في العالم الإسلامي. ــ الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية, 1409هـ/1988م. ــ 92 ص. ــ (سلسلة من ينابيع الثقافة: 19).

(1) يعبر عنها بـ "Lobbying". أو جماعات الضغط والتأثير.

(1) الحديث رواه ابن ماجة في باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين. حديث رقم: 34.  بتحقيق محمَّد مصطفى الأعظمي.

(2)   نقلاً عن: محمَّد أحمد الصالح. منهج الإسلام في سلامة الذرية من الأمراض الوراثية. ــ الرياض: المؤلف, 1425هـ/2004م. ــ ص 11.

(3)   نقلاً عن: محمَّد أحمد الصالح. منهج الإسلام في سلامة الذرية من الأمراض الوراثية. ــ المرجع السابق. ــ ص 11.

(1)   انظر: كمال مجيد. العنف: دراسة لأثر العولمة على الشعوب المقهورة. ــ لندن: دار الحكمة, 2001م. ــ 217 ص.

(2)   انظر: جلبير الأشقر. صـــدام الهمجيات: الإرهـــاب, الإرهاب المقابل والفوضى العالميـــة قبل 11 أيلول وبعده. ــ نقله إلى العربية: كميل داغر. ــ بيروت: دار الطليعة, 2002م. ــ 157 ص.

(1)  انظر في مناقشة هذا المفهوم: زين العابدين الركابي. الأدمغة المفخّخة. ــ الرياض: غيناء للنشر, 1424هـ/2003م. ــ 246 ص.

(2)   عصام محفوظ.  الإرهاب بين السلام والإسلام. ــ بيروت: دار الفارابي, 2003م. ــ 181 ص.

(1)   أحمد طحان. عولمة الإرهاب: إسرائيل ــ أمريكا والإسلام. ــ بيروت: دار المعرفة, 1424هـ/2003م. ــ 455 ص.

(2)   غازي عبدالرحمن القصيبي. أمريكا والسعودية: حملة إعلامية أم مواجهة سياسية. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2002م. ــ 134 ص.

(3)   جابر عصفور. مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب العربي المعاصر. ــ بيروت: دار الفارابي, 2003م. ــ 310 ص.

(1) انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته. ــ الرياض الرياض: المؤلف, 1424هـ/2003م. ــ  ص46 و53.

(2)  انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات. ــ مرجع سابق. ــ ص 85 ــ 88.

(3)   سمير سليمان, (مشرف). العلاقات الإسلامية ــ المسيحية: قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل. ــ بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق, 1994م. ــ 367 ص. وانظر كذلك: أليكسي جورافسكي. الإسلام والمسيحية. ــ مرجع سابق. ــ 236ص.

(1)   انظر على سبيل المثال: فريد هاليداي. ساعتان هزتا العالم 11 أيلول/سبتمبر 2001م: الأسباب والنتائج. ــ ترجمة: عبدالإله النعيمي. ــ بيروت: دار الساقي, 200م. ــ 256 ص.

(2)   سيتمُّ التعرُّض للإحصائيات في المُحَدِّد ذي العلاقة بالتنصير.

(1)  انظر على سبيل المثال: محمَّد الطالبي. أمة الوسط: الإسلام وتحديات العصر. ــ تونس: دار سراس, 1996م. ــ 167 ص.

(1)   عماد الدين خليل. نظرة الغرب إلى حاضر الإسلام ومستقبله. ــ بيروت: دار النفائس, 1420هـ/ 1999م. ــ ص 132.

(1)  انظر: مشال يميّن. "العولمــة والإرهاب الثقافي". ــ شؤون الأوسط ع 113 (شتاء 2004م). ــ ص 67 ــ 82.

(1)   نقلاً عن: محمَّد أحمد الصالح. منهج الإسلام في سلامة الذرية من الأمراض الوراثية. ــ مرجع سابق. ــ ص 11.

(1)  انظر "العلمانية" في: نعمان عبدالرزاق السامرائي. نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام. ــ لندن: دار الحكمة, 1417هـ. ــ ص 180 ــ 183.

(1)   إدوارد سعيد. الآلهة التي تفشل دائمًا. ــ ترجمة: حسام الدين مصطفى. ــ بيروت: التكوين للطباعة والنشر والتوزيع, 2003م. ــ ص 7 ــ 8.

(1)  وعند المحقِّقين كلام, حول هذه النظرية, له علاقة بوجود النخلة في موسم الرُّطب, مما يعين على الدقة في تحديد مكان الميلاد وزمانه, سيأتي مجال التعرض إليه. قال الله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}، [الآية 25 من سورة مريم].

(1)  عمر فروخ. " الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة ". ــ في: الإسلام والمستشرقون. ــ جدة: عالم المعرفة, 1405هـ/1985م. ــ ص 125 ــ 143.

(1)   مرّ عمر بن الخطاب t بباب قومٍ وعليه سائل يسأل: شيخٌ كبيرٌضريرٌ البصر, فضرب عمرُ عضده من خلفه وقال:من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي.  قال له: فما ألجأك إلى ما أرى؟! قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ t بيده وذهب إلى بيته فأعطاه ما يكفيه يومه؛ ثمّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال له: " انظر هذا وضرباءه, فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم. [إنما الصدقات للفقراء والمساكين], والفقراء هم المسلمون, وهذا من المساكين من أهل الكتاب", ووضع عنه وأمثاله الجزية.  انظر أبو يوسف. القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري, ت182هـ/798م. كتاب الخراج. ــ بيروت: دار المعرفة, د.ت . ــ ص 126.

(1)   انظر على سبيل المثال: سهيل زكار. الحروب الصليبية. ــ 2 مج. ــ دمشق: دار حسّان, 1401هـ/1984. وانظر أيضًأ: سعيد عبدالفتاح عاشور. الحركة الصليبية: صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى. ــ 2 مج. ــ  ط 6. ــ القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية, 1994م. وانظر كذلك: أمين معلوف. الحروب الصليبية كما رآها العرب. ــ ترجمة: عفيف دمشقية. ــ ط 2. ــ بيروت: دار الفارابي, 1998م. ــ 352ص. وانظر كذلك: كلود كاهن. الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية. ــ ترجمة: أحمد الشيخ. ــ القاهرة: دار سينا للنشر, 1995م. ــ 384 ص. وانظر كذلك: فوشيه الشارتري. تاريخ الحملة إلى القدس. ــ ترجمة: زياد العسلي. ــ عمان: دار الشروق, 1990م. ــ 267 ص. وانظر كذلك: حسن حبشي, مترجم ومعلق ومحقق. الحرب الصليبية الثالثة: صــلاح الدين وريتشارد. ــ 2 ج. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2000م. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 181 ــ 182). وانظر كذلك: جوناثان ريلي ــ سميث. الحملة الصليبية الأولى وفكرة الحروب الصليبية. ــ ترجمة: محمَّد فتحي الشاعر. ــ ط 2. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1999م. ــ 295 ص.

(1)  انظر: فيليب فارج ويوسف كرباج. المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي. ــ ترجمة: بشير السباعي. ــ القاهرة: سينا للنشر, 1994م. ــ 220 ص. وانظر كذلك: أليكسي جورافسكي. الإسلام والمسيحية. ــ ترجمة: خلف محمَّد الجراد. ــ راجع المادة العلمية وقدّم له: محمود حمدي زقزوق. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 1417هـ/1996م. ــ 236ص. ــ (سلسلة: عالم المعرفة: 215).

(2)  انظر: جلال العالم. قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام, أبيدوا أهله. ــ ط 9. ــ القاهرة: دار السلام, 1399هـ/1979م. ــ ص 33.

(1)  انظر: صالح مسعود أبو نصير. جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن. ــ بيروت: دار الفتح, د.ت. ــ ص 65.

(2)   انظر: جــون ل. إسبوزيتو. الإسلام والغرب عقب 11 أيلول/سبتمبر: حوار أم صراع حضاري؟. ــ أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية, 2003م. ــ ص 17.

(1)   انظر: فريتز شتيبات. "المنظومة الإيراهيمية للحوار". ــ في: صاموئيل هانتنغتون وآخرون. الغرب وبقيَّة العالم بين صدام الحضارات وحوارها. ــ بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق, 2000م. ــ ص 183 ــ 196.

(2)   انظر: "في تفسير دعاة التصدي: الإسلام هو "العدو الجديد", وكذلك: في تفسير دعاة التراضي: "الإسلام هو "التحدي الجديد"" في: فواز جرجس. أمريكا والإسلام السياسي. ــ ترجمة: غسان غصن. ــ بيروت: دار النهار, 1998م. ــ ص 41 ــ 54.

(3)   انظر: جــون ل. إسبوزيتو. التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟. ــ ترجمة: قاسم عبده قاسم. ــ ط 2. ــ القاهرة: دار الشروق, 1422هـ/2002م. ــ 424 ص.

(4)   انظر الفصل الرابع: "الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام؟" في: فريد هاليداي. الإسلام والغرب: خرافة المواجهة, الدين والسياسة في الشرق الأوسط. ــ ترجمة: عبدالإله النعيمي. ــ بيروت: دار الساقي,1997م. ــ ص 111 ــ 135. وتكرر الكتاب تحت عنوان: الإسلام وخرافة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط. ــ ترجمة: محمَّد مستجير. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 1997م. ــ (القسم الرابع, الجزء الثاني: "الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام"). ــ ص 128 ــ 156.

(1)  انظر الفصل الثاني: "ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان؟" في: فريتس شتيبات. الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 2004م. ــ ص 64 ــ 65. (سلسلة عالم المعرفة: 302).

(1)   أسرة تحرير التسامح. "العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس". ــ التسامح ع 5 (شتاء 1425هـ/2003م). ــ ص 263 ــ 272.

(1)   وهذه كلمة من خبير ممارس يقول عنه جيري ماندر, نقلاً عن الدكتور جان زيغلر في كتابه الأخير بعنوان سادة العالم الجدد: "قتل ماكنمارا من الناس, وهو على رأس البنك الدولي أكثر مما فعل, عندما كان وزيرًا للدفاع في الولايات المتحدة, مسؤولاً عن مذابح فيتنام".انظر: جان زيجلر. سادة العالم الجدد: العولمة, النهابون, المرتزقة, الفجر. ــ ترجمة: محمَّد زكريا إسماعيل. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 2003م. ــ ص 159.

(1) Stephen J. Sniegoski. The War on Iraq conceived in Israel. – WTM Enterprises, 2003.- (www.thronwalker.com/dith/sneg  conc1.htm).

(1) محمَّد السماك. مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي. ــ بيروت: دار النفائس, 1418هـ/1998م. ــ

 

(1) {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}. الآية  157من سورة النساء.

(1)   زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ دمشق: دار الكتاب العربي, 2003م. ــ ص 27 ــ 53. (سلسلة صليبية الغرب وحضارته: 1).

(1) يشكك عبد الوهاب المؤدب في صحة الوثيقة, ويرى أن اليمين الأمريكي المتطرِّف قد زوّرها في العشرينات من القرن العشرين الميلادي المنصرم, ونسبها إلى مدبِّج الدستور الفدرالي. انظر: عبدالوهاب المؤدب. أوهام الإسلام السياسي. ــ مرجع سابق. ــ ص 136.

(2)   انظر: روجيه غارودي. الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية. ــ ط 3. ــ ترجمة: حافظ الجمالي وصيّاح الجهيِّم. ــ بيروت: دار عطية, 1997م. ــ 373ص.

(3)  انظر: رضا هلال. المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا. ــ القاهرة: مكتبة الشروق, 1422هـ/2001م. ــ 272ص.

(1) انظر: بول فندلي. من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي. ــ ط 15. ــ بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, 2002م. ــ 622 ص.

(2)   وانظر من ذلك: أحمس حسن صبحي. المسلمون والمسيحيون تحت الحصار اليهودي. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 2002م. ــ 253 ص.

(1)  انظر في إشكالية العلاقة بين الصهيونية واليهودية في إسرائيل: رشاد عبدالله الشامي. القوى الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة. ــ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 1414هـ/1994م. ـ  ص 13 ــ 44. (سلسلة: عالم المعرفة: 186).

(2)   انظر: عبدالوهاب المؤدب. أوهام الإسلام السياسي. ــ مرجع سابق. ــ ص 137.

(3)   انظر في هذه المسألة: عبدالرحمن بن محمَّد الدوسري. يهود الأمس: سلف سيئ لخلف أسوأ. ــ راجعه وخرّج نصوصـــه وعلّق عليه: مصطفى بن أبو النصر الشلبي. ــ جدة: مكتبة السوادي, 1413هـ/1992م. ــ 280 ص.

(1)  انظر في تنظيم الصهيونية: أسعد عبدالرحمن. المنظمة الصهيونية العالمية 1882 ــ 1982. ــ ط 2. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1990م. ــ 272 ص.

(1)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 86 ــ 87.

(2)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 87.

(3) جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 87.

(1)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 87 ــ 88.

(2)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 88.

(1)   محمَّد بن فارس الجميل. الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات. ط 2. ــ الرياض: دار الفيصل الثقافية, 1425هـ/2004م. ــ ص 70 ــ 80.

(1)   انظر الفصل الأول من الباب الثاني: "العلاقة بين الاستشراق والاستعمار" في: علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات. ــ مرجع سابق. ــ ص89 ــ 103.

(1)   علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته. ــ مرجع سابق. ــ 167 ص.

(1)   زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ 184 ص.

(1)   عبدالحليم عويس, عرض ودراسة. "في العمل الإسلامي: ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات". ــ حصاد الفكر ع 146 (ربيع الآخر1425هـ/يونيو 2004م): 63 ــ 68.

(1)   عبدالحميد جودة السحار. أبو ذر الغفاري: الاشتراكي الزاهد. ــ القاهرة: دار الهلال,1385هـ/1966م. ــ 201ص. ــ  (سلسلة كتاب الهلال:178). وانظر أيضًا: عبدالحميد جودة السحّار. أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث " الاشتراكية في الإسلام" . ــ ط10 . ــ القاهرة: مكتبة مصر, د.ت. ــ 208 ص.

(2) انظر: عبدالإله بلقزيز, محاور. الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية. ــ مرجع سابق. ــ 147 ص.

(1)  علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير في المراجع العربية: دراسة ورصد وراقي للمطبوع. ــ ط2. ــ الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية, 1424هـ/2003م. ــ 419 ص.

(1)   محمَّد بن فارس الجميل. الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات. ــ مرجع سابق. ــ ص 70 ــ 80.

 (2)  محمَّد عثمان صالح. النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير: دراسة مقارنة حول المصطلحات      والدلالات. ــ المدينة المنورة: مكتبة ابن القيِّم, 1410هـ/1989م. ــ 69ص.

 

(1)  ذكرت هذه القصة في كتاب: التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته. ــ مرجع سابق. ــ ص 60.

(1)  الطويل. قساوسة وحاخامات أسلموا. ــ الرياض: دار الوطن, 1424هـ. ــ ص.

(1) التحرير. "إحصائية التنصير للعام 2003". ــ مجلة الكوثر ع 42 (محرم وصفر 1424هـ/أبريل 2003م). ــ ص 34.

  (2) International Bulletin of Missionary Research.

(1)  زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ ص24.

(1) تذكر زينب عبد العزيز أن العقد الأول من الألفية الثالثة قد جُعِلَ عِقد التنصير. وقد تم تكليف أربعة كرادلة بعمل مشروع جماعي خاص بعِقد التنصير, من خلال الإعداد لمؤتمرات سنوية تمهيدية. انظر: زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ ص 152.

(1)  انظر في مجال التنصير في منطقة الخليج العربية: عبدالملك التميمي. التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسياسي. ــ الكويت: شركة كاظمة, 1982م. ــ 335 ص. وخالد البسام, معدّ ومترجم. صدمة الاحتكاك: حكاية الإرساليات الأمريكية في الخليج والجزيرة العربية 1982 ــ 1925م. ــ بيروت: دار الساقي, 1998م. ــ 203 ص.  وخالد البسام, معدّ ومترجم.  القوافل: رحلات الإرساليات الأمريكية في مدن الخليج والجزيرة العربية 1901 ــ 1926م. ــ البحرين: (مؤسسة الأيام للصحافة والنشر), 1992م. ــ 206 ص. وعبدالعزيز بن إبراهيم العسكر.  التنصير ومحاولاته في بلاد الخليج العربي. ــ الرياض: مكتبة العبيكان, 1414هـ/1993م. ــ 98 ص. وهـ. كونري زيقلر. أصول التنصير في الخليج العربي: دراسة ميدانية وثائقية. ــ ترجمة: مازن صلاح مطبقاني. ــ المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم, 1410هـ/1990م. ــ 195 ص.

(1) انظر: دون م. ماكوري. التنصر: خطة لغـــزو العـــالم الإســلامي. ــ د.م.: د.ن., (1978م). ــ 915 ص.

(1) زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ ص 87 ــ 113.

(1) ذكرت  مريم نور  أنها معجبة كثيرًا بهذه المنصرة, وأنها التقت بها لأول مرة في السبعينات الميلادية,تقول: "وصرت ألحقها في كل رحلاتها الخيرية كالمجنونة, لأتعلم منها, ولأعرفها عن كثب, ولأخدم معها من يحتاج إلى العون, وتابعتها خلال العشرين عامًا الأخيرة من حياتها, وخدمت في عدة أديرة بأمريكا ولبنان, ولم أفرق في خدمتي الإنسانية بين مسلم ومسيحي وبوذي؛ لأني أؤمن بالتوحيد, وبأن الرب واحد في كل الأديان؛ وهو الله سبحانه وتعالى". انظر: سميرة حسنين. "بداية مشوار". ــ اليمامة ع 1812 (8/5/1425هـ/62/6/2004م). ــ ص 32 ــ34.

(2)  انظر الوقفة الخاصة بالإحصائيات في هذا المُحَدِّد, (التنصير (4), حيث بلغ عدد المنصرين والمنصرات لعام 1424هـ/ 2003م خمسة ملايين وسبع مئة وتسعة وثمانين ألف (5.789.000) منصر ومنصرة.

(1)   انظر إلى البحوث المستفيضة التي نشرتها مجلة الاجتهاد عن التحول من الاستشراق إلى الأنثروبولوجيا في الأعداد 47و48و49 و50, في صيف وخريف العام 2000م/1421هـ وشتاء العام 2001م/1422هـ, وربيع 2001م/1422هـ.

(1)  علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات. ــ الرياض: مكتبة التوبة، 1424هـ/2003م. ــ 210 ص.

(2)   أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية, 1999/. ــ ص 81 ــ 88.

(3)  أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ المرجع السابق. ــ ص 105 ــ 111.

(4)  توفي المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون في مايو من عام 2004م. انظر آخر مقابلة معه في: جيلبير أشقر. "المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون الإسلام السياسي والأصولية". ــ الشرق الأوسط ع 15136 (5م9/2004م).

(1)   أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ مرجع سابق. ــ ص 37 ــ 45.

(2)  أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ المرجع السابق. ــ ص 157 ــ 167.

(3)  ناديا أنجيليسكو. الاستشراق والحوار الثقافي. ــ الشارقة: دار الثقافة والإعلام, 1420هـ/1999م. ــ ص 72.

(4)  أسرة تحرير التسامح. "العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس". ــ التسامح. ــ مرجع سابق. ــ ص 263 ــ 272.

(1)  بيرنارد لويس. "مسألة الاستشراق". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ  ط 2. ــ بيروت: دار الساقي, 2000م. ــ ص 159 ــ 182.

(2)  بيرنارد لويس. "مسألة الاستشراق". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ  المرجع السابق. ــ ص 163.

(3)  انظر: عبدالله علي العليان. الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف. ــ الدار البيضاء: المركز العربي الثقافي، 2003م. ــ ص 12.

(1)  مكسيم رودنسون. "وضع الاستشراق المختص بالإسلاميات: مكتسباته ومشاكله". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ مرجع سابق. ــ ص 85 ــ 97.

(2)  مكسيم رودنسون. ا"لدراسات العربية والإسلامية في أوروبا". ــ في: هاشم صالح, معد ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ــ  المرجع السابق. ــ ص 39 ــ 83.

(1)  رضوان السيد. "الصراع على الإسلام من الاستشراق إلى الأنثروبولوجيا". ــ التسامح. ــ مرجع سابق. ــ ص 71 ــ 81.

(2)  انظر: محمَّد محفوظ. الإسلام, الغرب وحوار المستقبل. ــ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي, 1998م. ــ 230 ص.

(1)  محمَّد ياسين عريبي. الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي. ــ الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية, 1999م. ــ ص 142. وانظر في مجال تأثير النقل والترجمة: علي ابن إبراهيم الحمد النملة. مراكز النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية. ــ ط 2. ــ الرياض: المؤلف, 1424هـ/ 2004م. ــ 200 ص.

(1)  محمَّد ياسين عريبي. الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي. ــ المرجع السابق. ــ ص 143.

(1)   ستكون هناك وقفة أخرى مع الكاتبة الصحفية الروائية أوريانا فالاتشي, عند الحديث عن المُحَدِّد السادس عشر: الإعلام.

(1)   نجيب العقيقي. المستشرقون. ــ 3 مج. ــ ط 4. ــ القاهرة: دار المعارف, (1980م). ــ 110:1 ــ 125.

(2) علي بن إبراهيم الحمد النملة. المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين, مع نماذج من المستشرقين المنصرين. ــ الرياض: مكتبة التوبة, 1418هـ/1998م. ــ 178 ص.

(1)   نجيب العقيقي. المستشرقون. ــ مرجع سابق. ــ 317:1 ــ 338. وتقع ترجم المؤلف بين الصفحات 335 ــ 338.

(2)  انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة. الاستشراق والدراسات الإسلامية: مصادر المستشرقين ومصدريتهم. ــ الرياض: مكتبة التوبة, 1418هـ/1998م. ــ 262 ص.

(1)  ألان غريشز "الإسلامفوبيا". ــ ترجمة وتعليق: إدريس هاني. ــ الكلمة ع 40, مج 10 (صيف 2003م/1424هـ): 104 ــ 120.

(1)  برنارد لويس. الحشاشون The Assassins: A Radical Sect in Islam.- London: Al Saqi Books, 1985.- 166 p. وانظر أيضًا: Bernard Lewis. The Political Language of Islam. – Chicago: The University of Chicago, 1988. – 168 p                                                

وقد ترجمه إلى اللغة العربية: إبراهيم شتا بعنوان: لغة السياسة في الإسلام. ــ قبرص: دار قرطبة, 1993م. ــ 173ص.

 (2)  Bernard Lewis. What Went Wrong: Western Impact and middle Eastern Response.-   London: Author, 2002.- 200 p.

وقد ترجمه إلى اللغة العربية محمَّد عناني بعنوان: أين الخطأ؟: التأثير الغربي واستجابة المسلمين. ــ تقدبم ودراسة: رءوف عباسي. ــ القاهرة: سطور, 2003م. ــ 269 ص.

وانظر أيضًا:    Bernard Lewis. The Crisis of Islam: Holy War and Unholy terror. –                London: Author, 2003.- 175 p                                                                            

(1)   برنارد لويس. مستقبل الشرق الأوسط: تنبؤات. ــ بيروت: رياض الريس, 2000م. ــ 140 ص.

(2)  تمَّ دمج فرع هذه جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية مع فرع جامعة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة ليصبحا نواةً لجامعة طيبة.

(3)  مازن بن صلاح مطبقاني. الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس. ــ الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية, 1416هـ/1995م. ــ 614 ص.

(4)  يؤثر هذا القول عن عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ــ, ونقلها عنه مجاهد ــ رحمه الله ــ, ونقلها عن مجاهد الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ, ونقلها عن مالك الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ. انظر: محمَّد ناصر الدين الألباني. صفة صلاة النبي e من التكبير إلى التسليم, كأنك تراها. ــ ط 13. ــ بيروت: المكتب الإسلامي, 1403هـ/1983م. ــ ص 62 ــ 27.

(1)  محمود محمَّد شاكر. رسالة في الطريــق إلى ثقافتنا. ــ القاهرة: دار الهلال, 1408هـ/1987م. ــ 258 ص. ــ (سلسلة: كتاب الهلال:422).

(1)  سالم عبدالله سالم النوبدي. المسيحية والإسلام بين حوار الفكر وحرب المبشرين. ــ بيروت: دار الأمر, 2001م. ــ 144 ص.

(2)  انظر في هذا منطوق الآيات الكريمة, قال الله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصــَـــانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}, الآيات 31 ــ 33 من سورة مريم.

(1)  إدوارد سعيد. خارج المكان: مذكرات. ــ ترجمة فواز طرابلسي. ــ بيروت: دار الآداب, 142هـ/200م. ــ 359 ص.

(1)  إدوارد سعيد. الاستشراق: المعرفة, السلطة, الإنشاء. ــ مرجع سابق. ــ 367 ص.

(2)  إدوارد سعيد. تعقيبات على الاستشراق. ــ ترجمة وتحرير صبحي حديدي. ــ بيروت: دار الفارس, 1416هـ/1996م. ــ 60 ص.

(1)  إدوارد سعيد. تغطية الإسلام. ــ بالإنجليزية.

(2) إدوارد سعيد. تأملات حول المنفى ومقالات أخرى. ــ ترجمة: ثائر ديب. ــ بيروت: دار الآداب, 2004م. ــ 383 ص.

(3)   إدوارد سعيد. إسرائيل, العراق, الولايات المتحدة. ــ بيروت: دار الآداب, 2004م. ــ 312 ص.

(4)   إدوارد سعيد. صورة المثقف: محاضرات ريث, 1993م. ــ نقله إلى العربية: غسان غصن. ــ راجعته: منى أنيس. ــ ط 3. ــ بيروت: دار النهار, 1997م. ــ 122 ص.

(5)  إدوارد سعيـد. نهاية عملية الســــلام: أوسلو وما بعدها. ــ بـــيروت: دار الآداب, 2002م. ــ 384 ص.

(6)   إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية. ــ نقله إلى العربية وقدم له: كمال أبو ديب. ــ بيروت: دار الآداب, 1997م. ــ 411 + ص.

(7)   إدوارد سعيد. الآلهة التي تفشل دائمًا. ــ مرجع سابق. ــ 139 ص.

(1)  برنارد لويس وإدوارد سعيد. الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية. ــ بيروت: دار الجيل, 1414هـ/1994م. ــ 133 ص.

(2)  فخري صالح. دفاعًا عن إدوارد سعيد. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2000م. ــ 121ص.

(3)  بلقر بري. إضاءات على كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد. ــ بيروت: دار الهادي, 1422هـ/2002م. ــ 120 ص.

(4)   بيا أشكروفت وبال أهلواليا. إدوارد سعيد: مفارقة الهوية. ــ ترجمة: سهيل نجم. ــ مراجعة: حيدر سعيد. ــ دمشق: نينوى للدراسات والترجمة والنشر, 2002م. ــ 235 ص.

(1)  من آخر الاحتفائيات بالراحل إدوارد سعيد, وقبل صدور هذا الكتاب, ما دعت إليه منظمة الجالية الفلسطينية في بريطانيا, بالتعاون مع جمعية التضامن مع فلسطين في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن, من تنظيم يوم إدوارد سعيد, يُشارك فيه نخبةٌ من الأكاديميين من الجامعات البريطانية والأمريكية والعربية, وذلك في الثالث من أكتوبر 2004م. ذكرت ذلك صحيفة الشرق الوسط في عددها 9432 في 24/9/2004م. ــ ص 23.

(1)  أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية, 1999م. ــ 239 ص.

(2)  يوسف الحسن. البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي ــ الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية. ــ ط 2. ــ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1997م. ــ 222 ص.

(1)  موريس بوكاي. التوراة والإنجيل والقرآن والعلم. ــ Maurice Bucaille. The  Bible the Qur'an and Science. – translated from French by: Alastair D. Pannell and the Author.- Indianapolis: North American Trust, 1978.- 253 p.

(1)  محمَّد القاضي. "الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف". ــ التاريخ العربي ع 26 (ربيع 1424هـ/ 2003م. ــ ص 179 ــ 208.

(2)  حسن حنــــفي. مقدمة في علم الاستغراب. ــ بيروت: المؤسســة الجامعية للدراسات والنشر, 1412هـ/1992م. ــ 910 ص.

(1)   حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب. ــ مرجع سابق. ــ ص 18–19.

(1)  مازن مطبقاني. الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية. ــ أبها: نــادي أبها الأدبي, 1418هـ/1997م. ــ 115 ص.

(1)                     حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب. ــ مرجع سابق. ــ ص 23.

(1)        سمير الخليل, وآخرون. التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر. ــ  ترجمة: إبراهيم العريس. ــ بيروت: دار الساقي، سنة 1992م/ 1412هـ. ــ 128 ص.

(1)   سمير الخليل, وآخرون. التسامح بين شرق وغرب. ــ المرجع السابق. ــ 128 ص.

(2)   أسامة خليل. الإسلام والأصولية التاريخية: الأصولية بمعنى آخر. ــ باريس: مركز الدراسات العربي الأوروبي, 2000م. ــ 208 ص. ــ

(3)   انظر: ديفيد لانداو. الأصولية اليهودية: العقيدة والقوة. ــ ترجمة: مجدي عبدالكريم. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 1414هـ/1994م. ــ 416 ص.

(1)  أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 1419هـ (1999م). ــ 240 ص.

(2)  حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب. مرجع سابق. ــ 910 ص.

(1)  زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ ص 110.

(2)  زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ المرجع السابق. ــ ص 112.

(1)  أحمد الشيح. من نقد الاستـــشراق إلى نقد الاستغراب: حـــوار الاستشراق. ــ مرجع سابق.. ــ 240 ص.

(1) إيفون حداد. الإسلام في أمريكا. بالإنجليزية. وانظر في الوجود الإسلامي في أمريكا كذلك التقرير الذي نشرته نشرة أصفار بعنوان: "أوسع دراسة عن الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية: صيرورة المستقبل من "أمة الإسلام" إلى مرحلة "الإخوان المسلمين" إلى عصر المؤسسات والجامعات". ــ أصفار. ــ مرجع سابق. ــ ص 1 ــ 8.

(1)  أليكس هيلي. الجذور. بالإنجليزية.

(2)  فواز جرجس. أمريكا والإسلام السياسي. ــ مرجع سابق. ــ 362 ص.

(1)  أحمد موصللي. حقيقة الصراع: الغرب والولايات المتحدة والإسلام السياسي. ــ (بيروت): عالم ألف ليلة وليلة, 2003م. ــ 213ص.

(1)   انظر في جانب من جوانب الفضيلة, وهو ما يتعلق بشأن المرأة: بكر بن عبدالله أبو زيد. حراسة الفضيلة. ــ ط 4. ــ الرياض: دار العاصمة, 1421هـ/2000م. ــ 200 ص.

(1)   هالة مصطفى. الإسلام والغرب: من التعايش إلى التصادم. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2002م. ــ 144 ص.ــ (سلسلة مكتبة الأسرة: الأعمال الفكرية).

(1) إيراهيم بن حمد القعيِّد. الطلبة المسلمون في الغرب بين المخاطر والآمال. ــ الرياض: مكتبة دار السلام, 1415هـ. ــ 126 ص.

(2) موريس بوكاي. التوراة والإنجيل والقرآن والعلم. ــ مرجع سابق. ــ 253 ص.

(3)   محمَّد عبده, الشيخ. الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية. ــ تقديم وتعليق: رشيد رضا, الشيخ. ــ سوسة, تونس: دار المعارف, (1995م). ــ 141 ص.

(1)  موريس بوكاي. التوراة والإنجيل والقرآن والعلم.  بلإنجليزية.ــ مرجع سابق. ــ 253 ص.

(1)  انظر:. رضوان السيد. مسألة الحضارة والعلاقة بين الحضارات لدى المثقفين في الأزمنة الحديثة. ــ أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, 2003م. ــ ص 9. (سلسلة: دراسات إستراتيجية: 89).

(1) انظر في مسألة الإسلام والعلمانية الفصل الحادي عشر من: عادل ضاهر. الأسس الفلسفية للعلمانية. ــ ط 2. ــ بيروت: دار الساقي, 1998م. ــ ص 327 ــ 359.

(2) مالك بن نبي. شروط النهضة. ــ دمشق: دار الفكر, 1979م. ــ ص 42.

(3)        نعمان عبدالرزاق السامرائي. نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام. ــ مرجع سابق. ــ ص 98 ــ 99.

(1)    محمَّد سليم قلالة. التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد. ــ دمشق: دار الفكر, 1408هـ/1988م. ــ 240 ص

(2)   أحمد عبدالوهاب. التغريب: طوفان من الغرب. ــ القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي, 1411هـ/1990م. ــ 48 ص.

(1)  انظر "االتغريب" في: نعمان عبدالرزاق السامرائي. نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام. ــ مرجع سابق. ــ ص 166 ــ 171.

(1)  انظر في النهب الاقتصادي والسياسي: جان زيجلر. سادة العالم الجدد: العولمة, النهابون, المرتزقة, الفجر. ــ مرجع سابق. ــ 304ص.

(1)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ بـيروت: دار الســـاقي, 2003م. ـ ص 43.

(2) جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 43.

(1)   مهاتير محمَّد وشنتارو إيشيهارا. صوت آسيا: زعيمان آسيويان يناقشان أمور القرن المقبل. ــ بيروت: دار الساقي, 1998م. ــ 125 ص. وانظر كذلك: مهاتير محمَّد. خطة جديدة لآسيا. ــ ترجمة فاروق لقمان. ــ دار الإحسان: بيلاندوك للنشر, د.ت. ــ 230 ص.

(2)  حسن الباش. صدام الحضارات: حتمية قدرية أم لوثة بشرية؟. ــ دمشق: دار قتيبة, 1423هـ/2002م. ــ ص 25 ــ 28.

(3)  نعوم تشومسكي. الدول المارقة: حكم القوة في الشؤون الدولية. ــ ترجمة: محمود علي عيسى. ــ دمشق: نينوى للدراسات والنشر والتوزيع, 2003. ــ 274 ص.

(1)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ مرجع سابق. ــ ص 119.

(2)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 119.

(1)   جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 121. وانظر كذلك:  يوسف الحسن. البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي ــ الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية. ــ مرجع سابق. ــ 222 ص.

(2)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ مرجع سابق. ــ ص 125.

(1) بول فندلي. من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي. ــ مرجع سابق. ــ 622 ص.

(2)  صامويل هنتنجتون. صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي. ــ ترجمة: طلعت الشايب, تفديم: صلاح قنصوه. ــ ط 2. ــ القاهرة: سطور, 1999م. ــ 225+ الهوامش. وانظر إلى طبعة أخرى في: صموئيل هنتنغتون. صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي. ــ ترجمة: مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمَّد خلف. ــ مصرانة (ليبيا): الدار الجماهيرية, 1999م. ــ 390 ص.

(3)   جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ مرجع سابق. ــ ص 118.

(4)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 118.

(1)  مكتب التربية العربي لدول الخليج. أمة معرضة للخطر. ــ الرياض: المكتب, 1404هـ/1984م. ــ 70 ص.

(1)  أوليفييه روا. عولمة الإسلام. ــ ترجمة: رولا معلوف. ــ بيروت: دار الساقي, 1424هـ/2003م. ــ 222 ص.

(2)  محمَّد أركون. العلمنة والديـــن. ــ ترجمة: هاشــــم صالح. ــ بيروت: دار الساقي, 1996م. ــ136 ص.

(3)  أوليفييه روا. تجربة الإسلام السياسي. ــ ترجمة: نصر مروة. ــ ط 2. ــ بــيروت: دار الساقي, 1996م. ــ 213 ص.

(1)  محمود محمَّد شاكر. رسالة في الطريــق إلى ثقافتنا. ــ مرجع سابق. ــ 258 ص.

(2)  انظر: زكي مبارك. "نفعهم أكثر من ضررهم". ــ الهلال ع 2 مج 42 (12/1933م/8/1352هـ). ــ ص 325 ــ 328.

(1)  انظر: حسين الهواري. "ضررهم أكثر من نفعهم". ــ الهلال ع 2مج 42 (12/1933م/8/1352هـ). ــ ص 324.

(1)  أوليفييه روا. عولمة الإسلام. ــ مرجع سابق. ــ 222 ص.

(1)  انظر في مجال الحديث عن العولمة: نعوم تشومسكي, وآخرون. العولمة والإرهاب: حرب أمريكا على العالم, السياسة الخارجية الأمريكية وإسرائيل. ــ ترجمة: حمزة المزيني. ــ القاهرة: مكتبة مدبولي, 2003م. ــ 276 ص. ونعوم تشومسكي. الهيمنة أم البقاء؟ السعي الأمريكي إلى السيطرة على العالم. ــ ترجمة: سامي الكعكي. ــ بيروت: دار الكتاب العربي, 2004م. ــ 310 ص. ومحاضير محمَّد. العولمة والواقع الجديد. ــ تحرير: هاشم مقر الدين. ــ دار الإحسان: مكتب رئيس الوزراء الماليزي, 1423هـ/2002م. ــ 251 ص. وعلي بن إبراهيم الحمد النملة. العولمة وتهيئة الموارد البشرية. ــ الرياض: المجلة العربية, 1424هـ/2003م. ــ 65 ص. لاسيَّما قائمة المراجع من هذا العمل المتواضع, وغير ذلك كثير.

(1)              جاك جي. شاهين. الصورة النمطية للعرب في الأفلام الأمريكية. ــ بالإنجليزية.

(1)   عبدالقادر طاش. الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي. ــ الرياض: الدائرة للإعلام, 1409هـ.

(2)  انظر : سوزانا طربوش. صورة العرب في الغرب: حلقة نقاشية عقدت في أكسفورد 7 ــ 9 حزيران 1998م. ــ ترجمة: طــــلال فندي, مراجعــــــة: عواد علي. ــ عمّان: المعهد الملكي للدراسات الدينية, 1998م. ــ 79 ص.

(3)   انظر رسالة الدكتور علي بن زهير القحطاني حول "صورة العرب والإسلام والمسلمين في صحيفتي الواشنطن بوست والنيو يورك تايمز, لما بعد 11 سبتمبر". باللغة الإنجليزية  The Post-September 11 Portrayal of Arabs, islam, and Muslims in The Washington Post and The New York Times: A Comparative Content Analysis Study.- Washington, D. C.: Howard University, 2002.

(4) انظر الوقفة ذات العنوان: الاستشراق, تلك التي تتحدث عن إدوارد سعيد من خلال كتابه: خارج المكان.

(1)   وصف جورج قُرم هجوم كتاب فالاتشي بقوله: "أحرزت رسالة الهجاء المرعبة, التي تهاجم فيها الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي بنبرة تنضح عنصرية, الإسلام والمسلمين, عقب اعتداء الحادي عشر من أيلول, نجاحًا متعاظمًا في أوروبا". انظر: جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ مرجع سابق. ــ ص 143.

(2)  جورج قُرم. شرق وغرب: الشرخ الأسطوري. ــ المرجع السابق. ــ ص 153.

(1)   انظر مثلاً: حسن المِمِّي. أهل الذمة في الحضارة الإسلامية. ــ تقديم: الشاذلي القليبي. ــ بيروت: دار الغرب الإسلامي, 1998م. ــ 207 ص. وانظر كذلك: أ. س. ترتون. أهل الذمة في الإسلام. ــ ترجمة حسن حبشي. ــ ط 3. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1994م. ــ 280 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 70). و سيدة إسماعيل كاشف. مصر الإسلامية وأهل الذمة. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1993م. ــ 180 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 57). = وسلام شافعي محمود. أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1995م. ــ 327ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 75). وفاطمة مصطفى عامر. تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي. ــ 2 ج. ــ القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 2000م. ــ 416 ص. ــ (سلسلة: تاريخ المصريين: 172 ــ 173).

(1) عمارة لخوص. "الاستشراق,  بمعناه السيئ, على الطريقة الإيطالية". ــ الحياة

(1)  انظر: "التبشير والحوار" في: سعود المولى. الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة. ــ قدم له: الشيخ محمَّد مهدي شمس الدين. ــ بيروت: دار المنهل اللبناني, 1996م/1416هـ. ــ ص 127 ــ 136.

(1)   جرى في المجمع الفاتيكاني الثاني (فاتيكان اثنين) الذي عقد سنة 1965م الوصول إلى إحدى عشرة نقطة, هي جملة قرارات المجمع, وهي على النحو الآتي:                                

         1 -     تبرئة اليهود من دم المسيح عيسى بن مريم ــ عليهما السلام ــ,

2 -      اقتلاع اليسار في عقد الثمانينات,

3-       اقتلاع الإسلام في عقد التسعينات,

4-       توصيل الإنجيل إلى البشر كافة,

5-       توحيد الكنائس كافة تحت لواء كاثوليكية روما,

6-       فرض عملية التنصير على المسيحيين كافة, الكنسيون منهم والعلمانيون,

7-       استخدام الكنائس المحلية في عمليات التنصير,

8-       فرض بدعة الحوار أسلوبًا للتنصير,

9-       إنشاء لجنة خاصة للحوار,

10-      إنشاء لجنة خاصة لمهمات تنصير الشعوب,

11-      تغيير اسم لجنة محاكم التفتيش.

انظر: زينب عبدالعزيز. حرب صليبية بكل المقاييس. ــ مرجع سابق. ــ ص 27 ــ 53.

(1)   عبدالله عبدالدائم. العرب والعالم وحوار الحضارات. ــ دمشق: دار طلاس, 2002م. ــ 136 ص.

(2)  صالح بن عبدالله بن حميــــد. أصول الحوار وآدابه. ــ جـــــدة: دار المنارة, 1415هـ/1994م. ــ 40 ص.

(3)   وانظر أيضًا في آداب الحوار: عمر بن عبدالله كامل. "آداب الحوار وقواعد الاختلاف". ــ في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية, 1425هـ/2004م. ــ 34 ص.

(1)   عبدالسلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام. ــ ط2. ــ القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة, 1383هـ/1978م. ــ

(2)  محمَّد خاتمي. حوار الحضارات. ــ ترجمة: سرمد الطائي. ــ دمشق: دار الفكر, 1423هـ/2002م. ــ 152 ص.

(1)  عبدالسلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام. ــ مرجع سابق. ــ وانظر ايضًا: أبو الحسن علي الحسني الندْوي. الإسلام والغرب. ــ بيروت: مؤسسة الرسالة, 1405هـ/1985م. ــ ص 19 ــ 20.

(2)   انظر نماذج من هذا الموقف الاعتذاري في: كلثوم السعفي. نحن والغرب: حوارات مع: حمادي الصيد, وسهيل إدريس, والطاهر لبيب, وعبدالمجيد الشرفي, ومحمَّد الطالبي. ــ تونس: مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله, 1992م. ــ 138 ص. وانظر, في ذلك, كذلك: عبدالوهاب المؤدب. أوهام الإسلام السياسي. ــ مرجع سابق. ــ 231ص. وفي هذا المرجع الأخير, الذي بذل فيه الكاتب جهدًا كبيرًا, قدر عالٍ من التهزئة, خلط فيه الكاتب بين من يستحق ومن لا يستحق, من منطلق تغريبي, يبرز فيه قدر من التأثُّر بالكُتّاب الغربيين المتطرفين, المتحاملين على الإسلام.

(1)  انظر حوارات أحمد الشيخ مع رهط من المثقفين العرب في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. ــ القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية, 2000م. ــ 319 ص. وقد حاور فيه واحدًا وعشرين مفكرًا عربيًا.

(1)  أحمد عبدالحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق. ــ ط 2. ــ لندن: المنتدى الإسلامي, 1411هـ.

(1)   حسن بن فهد الهويمل. "الفوقية الحضارية". ــ  المنهل ع 471 (مج 50), (رمضان وشوال 1409هـ ــ أبريل ومايو 1989م.  ص 277 ــ 292.

(1)  أحمد عبدالرحيم السايح. ــ في الغزو الفكري. ــ الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, 1414هـ. ــ 157 ص. ــ(سلسلة: كتاب الأمة: 38).

(2)   انظر: ناصر الدين الأسد. نحن والآخر: صراع وحوار. ــ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1997م. ــ 131 ص.

(1)  شاريل بينارد. الإسلام الديموقراطي المدني: الشركاء والمصادر والإستراتيجات. ــ واشنطون: مكتب راند للاتصالات الخارجية, 2002م. ــ 100 ص.

(1)  انظر:. رضوان السيد. مسألة الحضارة والعلاقة بين الحضارات لدى المثقفين في الأزمنة الحديثة. ــ مرجع سابق. ــ ص 9.

(1)  كمال أبو المجد. حوار لا مواجهة. ــ القاهرة: دار الشروق, 2002م. ــ 303 ص. ــ (سلسلة مكتبة الأسرة).

(2)  أحمد بن سيف الدين تركستاني. "الحـوار مع أصحـاب الأديـان: مشروعيته وشروطه وآدابه". في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية, 1425هـ/2004م. ــ 36 ص.

(1) انظر: عبدالله بن عبدالعزيز الشعيبي. الجدل بين المسلمين والنصارى في العصر الحديث: دراسة نقدية. ــ الرياض: المؤلف, 1412هـ/1992م. ــ 567 ص.

(1) انظر: خالد عبد العظيم عبدالرحيم السيوطي. الجدل الديني بين المسلمين وأهل الكتاب بالأندلس: ابن حزم ــ الخزرجي. ــ القاهرة: دار قباء, 2001م. ــ 296 ص.

(1) انظر: عبدالله بن حمد الشبانة. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء. ــ الرياض: دار الهدى, 1407هـ. ــ 261 ص. وانظر أيضًا: رؤوف شلبي. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء. ــ ط 2. ــ القاهرة: دار الاعتصام, 1400هـ/1980م. ــ

(1)  وهذه من افتراءات بعض المستشرقين التي فندها بعض الكتاب المسلمين الذين تولوا الرد على الشبهات التي أثارها المستشرقون

(2)  انظر مثلاً: أحمد شلبي. الاستشراق: تاريخه وأهدافه, شبهات المستشرقين: مناقشتها وردها. ــ القاهرة: مكتبة النهضة المصرية, د.ت. ــ 212 ص.

(3)   قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ...}. الآية 216 من سورة البقرة.

(4)  من منطوق حديث المصطفى محمَّد بن عبد الله  e  "ابَاب الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ e الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.  رواه البخاري وأبو داود وأحمد في المسند.

(1)   وانظر في الفرق بين الرحالة العرب المسلمين في الماضي, وبين الرحالين العرب المسلمين في الحاضر في: نازك سابا يارد. الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة. ــ ط 2. ــ د.م.: نوفل, 1992م. ــ 512 ص.

(1)  أحمد عبدالرحيم السايح. ــ في الغزو الفكري. ــ مرجع سابق. ــ 157 ص. وانظر كذلك: نذير حمدان. في الغزو الفكري: الفهوم, الوسائل, المحاولات. ــ الطائف: مكتبة الصديق, د.ت. ــ 375 ص. وانظر كذلك: علي عبدالحليم محمود. الغزو الفكري وأثره على المجتمع المسلم. ــ ط 3. ــ القاهرة: دار المنار الحديثة, 1410هـ/1989م. ــ 208 ص. وانظر أيضًا: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية. الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام. ــ الرياض: الجامعة, 1414هـ/1984م. ــ 523 ص.

(1)  انظر في ذلك: عبدالرب نواب الدين آل نواب. "وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار". ــ في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب. ــ الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية, 1425هـ/2004م. ــ 48 ص.

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك