الإنجيليون يتطلعون إلى البلاد العربية

الإنجيليون يتطلعون إلى البلاد العربية

د. عزالدين عناية

شهدت البروتستانتية والأنجليكانية في العقود الأخيرة تشظيات وانقسامات عدة رافقها نشاط حثيث. تجلت في ما يعرف بتيارات "التيوكون" أو "النيوكون", بالتتابع مختصرات اصطلاحي: "اللاهوتيون المحافظون" و"المحافظون الجدد" في اللسان الأنكليزي, أو ما ينعت تعميما باليمين المسيحي. وهي تيارات تمتح رؤاها من التراث البروتستانتي الأنجليكاني بعامة. فعلى خلاف التراجع والثبات الذي يسري في هيكل الكاثوليكية, بسبب الهرمية المؤسساتية, رغم محاولات اصطناع الإكليروس العَلماني, كجسر رابط بين رجالات الكنيسة وعموم الناس; وبسبب تصلب المواقف اللاهوتية من عديد المسائل, مثل التدخلات العلمية في الحمل, والموت الرحيم, واستعمال موانع الحمل, والمواقف الصارمة من الجنسية المثلية.
ففي فرنسا وحدها, تتشكل الكنيسة, المدينة للتراث البروتستانتي الأنجليكاني, من مكونات مختلفة, متضاربة ومتنازعة أحيانا, مثل: "جيش الخلاص" و"المعمدانيين", و"الكاريزميين", و"كنيسة المعترفين", و"الإنجيليين", و"الأصوليين", و"التحرريين", و"اللوثريين", و"الميتوديين", و"المشيخيين", و"الإصلاحيين".
والواقع في أميركا لا يختلف كثيرا عما عليه الحال في فرنسا, من حيث التمذْهُب والتشظي, لكن بميزة مغايرة, تتمثل في قوة أنشطة النحل هناك, وتوغلها في النسيج الاجتماعي, بشتى بناه السياسية والتعليمية والإعلامية.
في ما يتعلق بالمجتمعات العربية, يبقى الإنجيليون, قياسا بالكاثوليك, أقل إلماما وتجذرا بواقع تلك المجتمعات. وقد خلف ذلك بينهم مغالطات وتقديرات عدة  خاطئة. جراء قلة الاحتكاك, يتبدى العالم العربي أمام الإنجيليين فراغا, وأحيانا فوضى دينية ينبغي ترتيبها وإعادتها للأصول المسيحية. ولذلك تحاول الكنائس البروتستانتية والإنجيلية في العالم العربي أن تعرض نفسها بوجه إنساني, بصفتها لم تشارك الأنظمة الاستعمارية الغربية في هجمتها على البلاد العربية, مقارنة بالكنيسة الكاثوليكية, التي وظفت شبكاتها المتنوعة لصالح الاستعمار, من "الآباء البيض" إلى "الأخوات البيضاوات", إلى"الفرانشسكانيين", و"الكمبونيين" و"الكابوتشيين".
الرؤية المانوية للعالم لدى الإنجيليين, أخيار معهم وأشرار ضدهم, استلزمت تكثيف الحملات الصليبية نحو العرب لإلحاقهم بمعسكر الناجين. ولذلك كان موقفهم صريحا وعلنيا من حرب أميركا في العراق, بصفتها حربا مقدسة باسم القيم اليهودية المسيحية. ويعول المبشرون الإنجيليون في مساعي الانزراع بين العرب على مصادرة شائعة بينهم, مفادها أن العرب يجهلون بشارة المسيح ولم يطلعوا على أناجيله, كما يجهلون حتى تاريخ المسيحية في بلدانهم, ولذلك يتوجب إثارة اليقظة المعرفية بينهم تجاه بشارة المسيح.
وفي أميركا تتولى جامعة كولومبيا في كارولينا الجنوبية بالأساس, تكوين الرعاة والمبشرين. حيث تنظم تربصات للمنضوين لإكسابهم التقنيات اللازمة لفهم الثقافة الإسلامية. وقد كان الإنجيلي فرانكلين غراهام, ابن المبشر والمقدم التلفزيوني المعروف بيلي غراهام, من أوائل الإنجيليين الذين هرعوا إلى العراق بعد اجتياحه من طرف القوات الأميركية. ناهيك عن عشرات صفحات "الويب", عبر شبكة الأنترنت, لجمعيات ومنظمات إنجيلية تحض أتباعها على اللحاق بأرض الإسلام, لهداية المسلمين إلى المسيحية.
وينشط رعاة الإنجيليين بين العرب ضمن ستراتيجيتين: في الغرب الإسلامي, أساسا في تونس والجزائر والمغرب, حيث يعز تواجد المسيحيين, إلا ما أصطنع أثناء الفترة الاستعمارية, ضمن السعي الى تنبيه الأهالي إلى تاريخهم القديم السابق للإسلام. وتنشط الإنجيلية في هذه البلدان, عبر لقاءات فردية مباشرة, وعبر إذاعة "راديو المحبة", باللهجات المحلية: التونسية والجزائرية والمغربية, وبالأمازيغية, مستعملة في ذلك نصوصا من ترجمة الكتاب المقدس إلى اللسان الأمازيغي, وعبر قنوات "السي آن آن شانل" و"أراب فيزيون" و"ميراكل شانل" الموجهة إلى شمال إفريقيا.
في المشرق العربي, تولد لدى الإنجيليين في أميركا -الذين يعدون أنفسهم حوالي سبعين مليونا, ويضمون عشرات الألوف من المبشرين مدفوعي الأجور- شره كبير لاختراق الشرق الأوسط منذ دخول العراق. في أرض المسيح (ع) وفي عمقها النيلي المصري والسوداني, يتعامل الإنجيليون مع الإسلام كدين عدائي, ومع التيارات الإسلامية, بصفتها عنصر توتر وخطر داهم وتصريحاتهم تلخص مواقفهم من دين الإسلام وأهله, والتستر عن دور تلك الكنائس الدخيلة, في إذكاء الصراعات والمشكلات المحلية, عبر ما تروجه خارجا في مراسلاتها للصحف الغربية, وما تنقله لدوائر القرار في الغرب, من تضخيم وتهويل وقلب للحقائق.
كما تسعى بكل جهدها إلى تعليم مبشريها اللغة العربية واللهجات المحلية, مع محاولة التعرف والإلمام بالإسلام الشعبي, وعرض الإنجيلية في حل من صلاتها الغربية, والترويج لها ضمن منطق حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية المعتقد.
وينظر الإنجيليون إلى الفلسطينيين, بصفتهم ممن ينبغي أن يُنصَروا قسرًا أو يجلوا قهرًا.
ومعتقد توطين اليهود في فلسطين, كمقدمة ضرورية للظهور الثاني للمسيح, دفع الإنجيليين على اختلاف دعواتهم, مثل بيلي غراهام, وابنه فرانكلين, وجيري فالوال, ورالف ريد, وبات روبرستون, إلى تفعيل أنشطة أنجلة في إسرائيل, إضافة إلى خلق لوبيات إنجيلية, مثل "السفارة المسيحية العالمية بأورشليم" و"مسيحيون من أجل إسرائيل", لتمويل الهجرة نحو إسرائيل, كما ساعدت على إنشاء مستوطنات, وتُدافِع في واشنطن عن مشروع إسرائيل الكبرى. الأمر الذي دفع بعديد الإنجيليين إلى الاستقرار في إسرائيل لتعلم العبرية وإرساء مشاريع تعاون يهودية مسيحية. وقد قدر الأستاذ مختار بن بركة, المختص في الشأن الإنجيلي والبروتستانتي, في كتابه "اليمين المسيحي الأميركي: الإنجيليون في البيت الأبيض", المنشور بدار "بريفا" بتولوز بفرنسا, سنة 2006, عدد الإنجيليين الذين استوطنوا بإسرائيل, بصفة شبه دائمة, زهاء خمسة وعشرين ألفا.
عموما ينشط الإنجيليون في العالم العربي عبر منظمتهم " Ministries  World Arab" التي تزعم إعلان البشارة والخلاص بين العرب, يسندها ما يفوق الألف عون تحت غطاء, أطباء وممرضين ومدرسين ومهندسين وعاملين في الشأن المدني. لقد بدأت جلية أعمالهم منذ زيارة المبشر الإنجيلي والمقدم التلفزيوني جوش ماكدوال المغرب, في يناير 2005, بصفته راعي الحملة الصليبية لمسيحيي العالم.
غالبا ما تحدد الحوار الإسلامي - المسيحي في مستواه العالمي بحاضرة الفاتيكان, وهي نقيصة, أسقِطت جراءها حقول دينية ذات شأن, في شمال أوروبا, وفي المملكة المتحدة, وفي أميركا اللاتينية, وأميركا الشمالية. ولذلك يستوجب الخروج من الثنائية الإسلامية الكاثوليكية إلى الحوار الديني الشامل.

استاذ تونسي في جامعة رومالا سابييسنا الايطالية
 

المصدر: http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/166530/reftab/94/Default.aspx

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك