من الذي لا يحسن التعايش مع الآخر

من الذي لا يحسن التعايش مع الآخر
د . عبد العظيم الديب

 

 

البعض منا لا يطيق أن ينظر في التاريخ، ولا أن يلتفت إليه، ولا يحب أن يذكّره أحد به، فإذا حدثناه عن تعصب الغرب، وأيدنا كلامنا بالوثائق، ووضعنا بين يديه نصوص القوانين التي كانت تُلزم المسلمين ببناء الكنائس، وبأكل لحم الخنزير، وبتزويج بناتهم من المسيحيين، وبرحيلهم عن قراهم وتركها بما فيها من بيوت ومزارع وسائر الممتلكات للمسيحيين، و... و... و...
إذا وضعنا أمامهم نصوص هذه القوانين، قالوا - في ضيق وتملل - كفى!! نحن أبناء اليوم!!

ونقول لهؤلاء: يا أبناء اليوم تعالوا ننظر في الواقع المعاصر، الذي مازالت الدماء فيه غضة طرية، والذي مازالت الصرخات ترن في الأذان، ولن أتحدث عن فلسطين، وما يجري فيها كل صباح ومساء، فذلك أكبر من كل حديث، ولكن انظر إلى الشيشان التي تحرم وحدها من حق تقرير المصير دون جمهوريات البلطيق التي انعتقت من الاتحاد السوفيتي، وتمتعت باستقلالها، لا لشيء إلا لأن تلك الجمهوريات غير مسلمة، والشيشان مسلمة. وانظر إلى ما جرى في تيمور الشرقية وفصلها عن إندونيسيا باسم حق تقرير المصير، وأما كشمير المسلمة، فليس لها حق في تقرير المصير، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون.

وتذكّر البوسنة وما جرى في البوسنة.
تذكر أن أكثر من خمسين ألف من نساء وعذارى البوسنة قد اغتصبن تحت سمع العالم المتحضر وبصره، ولم يقتصر الاغتصاب على عساكر الصرب والكروات وحدهم، بل للأسف شارك في ذلك جنود الأمم المتحدة المنظمة الدولية التي ادعت أنها أقامت منطقة آمنة للبوسنيين!!
- هل نسيت أن العبث والامتهان بالنساء المسلمات وصل إلى حد زرع نُطف الكلاب في أرحامهنَّ؛ كي يلدن كلابًا مسلمين؟
- هل نسبت مذبحة (سربنتسا) التي كان المطلوب تفريغها من سكانها المسلمين حتى تستقيم خطوط خريطة التقسيم التي وضعها الوسيط الدولي، ومن أجل هذا أغمضت القوات الدولية عينها حتى قُتل من المسلمين أكثر من خمسة آلاف في عدة أيام ، وبالطبع هاجر أضعافهم، حتى كادت تخلو سربنتسا من المسلمين؟؟
- وتناقل العالم أبناء هذه المذبحة، وكأنه يتابع كأس العالم، ولكن صحفيًّا أمريكيًّا واحدًا سجل صيحة إدانة لهذه المجزرة قائلاً: "لو كان ميكيافلِّي موجودًا، لاحمر وجهه خجلاً" يعني أن ميكيافيلي صاحب نظرية (الغاية تبرر الوسيلة) يخجل من أن يرتكب مجزرة مثل هذه من أجل تعديل خريطة التقسيم التي وضعها الوسيط الدولي!!
- هل نسيت المساجد التي دمرت في البوسنة عمدًا وعددها كالآتي:
- 614 مسجدًا جامعًا دمرت عن آخرها.
- 534 منها دمرها الصرب، و80 مسجدًا جامعًا دمرها الكروات.
- 307 مسجدًا جامعًا أتلفت وفي حاجة إلى إعادة إعمار .
- 249 مسجدًا جامعًا أتلفها الصرب، 58 أتلفها الكروات.
- 557 مصلَّى (أي غير الجوامع) دمرت عن آخرها.
- 14 مدرسة دينية دمرت عن آخرها.
- 18 مدرسة أتلفت.
كما تعرضت المكتبات الإسلامية للتدمير والإتلاف.

وبالنظر لهذه الإحصاءات الدقيقة المنقولة عن الوثائق الغربية، نجد أن أكثر من 80% من مساجد ومدارس ودور الكتب قد خُربت.
- لقد كان من بين هذه المساجد الجوامع التي تم تدميرها "مسجد فرهاديا" بمدينة (بانيالوكا) وكان هذا المسجد يعدّ تحفة معمارية عثمانية، وهو واحد من أجمل مساجد الدنيا، ويرجع أصله إلى أكثر من 400 عام..

تماثيل بوذا:
وإنما ذكرت هذا المسجد لأذكّر الكرام القارئين بتلك الهزة التي أصابت الدنيا كلها يوم أعلنت حركة طالبان أنها ستقوم بنسف تمثالين منحوتين في أحد جبال أفغانستان، يومها ارتجت اليونسكو، وتحركت الأمم المتحدة، ونشط الوسطاء والرسل، وتحرك حكام المسلمين ، وأوفدوا كبار علماء الأمة إلى حكومة طالبان لمحاولة إثنائها عن هدم التمثالين، لم يحدث شيء من هذا حينما بدأ هدم المساجد الأثرية بالبوسنة، وليس ذلك بعجيب، فكما أن الدم المسلم أرخص الدماء، أو لا قيمة له، كذلك الآثار الإسلامية لا قيمة لها، بل ربما يكون مطلوبًا إزالتها؛ حتى لا تذكر بالإسلام وحضارته.

فحينما يسقط بضعة نفر في خمَّارة في تل أبيب، تهتز الدنيا، أما عندما تضرب المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس في فلسطين، فذلك أمرٌ (مفهوم) من شارون (رجل السلام) فكذلك لا تتساوى مساجد المسلمين بتماثيل "بوذا".

- إن آلاف المرتزقة من الروس وغيرهم كانوا يحاربون في صفوف الصرب، لكن الدنيا كلها تحركت ضد عشرات المجاهدين الذين ذهبوا إلى البوسنة لمناصرة إخوانهم المسلمين والدفاع عنهم ضد حرب الاستئصال، تحركت الدنيا كلها بالآلة الإعلامية الجبارة، وبأجهزة الأمن الماكرة ضد هؤلاء المجاهدين، ووصموا بالإرهابيين، وبدأت ملاحقتهم حتى من الدول الإسلامية، وحُرموا من الرجوع إلى بلادهم، والله أعلم بما جرى لهم.
· 500.000 "نصف مليون" مسلم من أهل البوسنة قتلوا، وشُرّد أضعافهم (هل تذكرون؟؟) .
· آلاف الناشئة من أبناء البوسنة أرغموا على ترك دينهم، وتم تعميدهم في البطريركية الصربية!!

لماذا كل هذا ؟
كل هذه المأساة البوسنوية المروعة كانت من أجل ألاَّ تقوم دولة إسلامية في أوروبا. كان هذا هدفًا واضحًا لكل متابع لتحليلات المحلِّلين السياسيين، وتصريحات رجال الاستراتيجية، ونتائج دراسات الدارسين..
فمن الذي يكره الآخر؟؟

 

المصدر: http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=58486

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك