ضوابط تدبير الاختلاف مع الآخر في الفكر الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الدكتور محماد رفيع
أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس
المغرب
الهاتف الثابت : 74 20 96 21235
الهاتف المحمول: 21278828125
البريد الإلكتروني : agamroule@yahoo.fr

موضوع البحث:

ضوابط تدبير الاختلاف مع الآخر في الفكر الإسلامي
تقديم :
إن مبدأ الاختلاف الفكري بين بني البشر قديم قدم الإنسان على هذه الأرض, كما أشار إلى ذلك الحق سبحانه بقوله : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " , فاختلاف مدارك الناس وطباعهم ومصالحهم وبيئاتهم من جهة واختلاف الظواهر الكونية من حولنا من ليل ونهار وصيف وشتاء وبر وبحر … من جهة أخرى, يفرض علينا تصحيح نظرتنا إلى حقيقة الاختلاف أنه آية من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس مصداقا لقول الله تعالى " ومن آياته خلق السموات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم " .
فإذا كان من البديهي أن تتنوع الثقافات والأفكار والعادات والتقاليد والمذاهب حتى ضمن المجتمع الواحد, فإنه من غير الطبيعي النظر إلى هذا الاختلاف كما لو انه ظاهرة مرضية يجب القضاء عليها, لأن كل محاولة لإلغاء الآخر لن يكتب لها النجاح , كما حدث للتجربة الشيوعية التي حاولت بكل ما أوتيت من وسائل القمع إلغاء كل ما هو غير شيوعي, فكانت النتيجة انهيار كل ما هو شيوعي وبقاء الآخر المخالف صامدا.
ومن تجليات الرحمة في آية الاختلاف ما أثبتته الدراسات السيكو اجتماعية أن القدرات العقلية للفرد لا يمكنها أن تتطور إلا مع الآخر المختلف أي في ظل التدافع المعرفي والجدال العلمي باعتباره المجال الأفضل للتطور الذهني والمعرفي, وتتعزز نتائج هذه الدراسات بنتائج الأبحاث الميدانية في مجال التربية وعلم النفس التي تؤكد أن التقدم المعرفي وإثراء الفكر لا يحصل إلا إذا وجد الأفراد أنفسهم في وضعيات اختلاف ومواجهة مع أفراد متنوعي المستويات والتوجهات .
والتدافع المعرفي المفضي إلى إثراء الفكر يتوقف على وجود اختلافات في آراء الأطراف المجتمعة حول عملية اكتساب المعرفة, وكل ذلك متوقف على حسن إدارة هذا الاختلاف وتدبيره في الاتجاه الصحيح المنتج .
ولقد بدأ يتنامى الوعي بأهمية البحث عن منهجية تدبير الاختلاف الثقافي والفكري في الدراسات الفكرية المعاصرة,فبدأت كلمة الحوار تتردد على كل لسان وتتكرر في أكثر من خطاب ومقال، وتعقد لبحث أبعاده ودلالاته المؤتمرات والندوات، لأن الجميع أدرك مركزية الحوار في التدبير الأمثل للاختلاف الثقافي والفكري في اتجاه بناء أجواء التفاهم والتعايش السلمي، وفض النزاعات مع الآخر المخالف, وما هذه الندوة المباركة إلا مظهر من مظاهر هذا الوعي المتنامي .
ولقد أدى غياب الحوار بين أطراف الخلاف سواء داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية الاثنية، أو بين مجتمعاتنا والمجتمعات الغربية قديما وحديثا إلى فشل ذريع في تدبير الاختلاف في كثير من القضايا, وهو ما أدى - على المستوى الداخلي - إلى إثارة النزاعات في صغائر الأمور، وضخم الخلاف على حساب الوفاق، وبددت طاقات الأمة في صراعات هامشية, كثيرا ما كانت السبب في إجهاز العدو على مصالح الأمة الكبرى.
وعلى المستوى الخارجي شجر الخلاف وتكلست العقول على نظرة حادة إلى الآخر من كلا الطرفين، ونسي الجميع المشترك الإنساني الواجب تنميته، والمختلف اللازم احترامه، فآل الأمر إلى إشعال الحروب المتكررة التي أهلكت الحرث والنسل إلى الآن.
ومن جانبنا فإن مسؤوليتنا فيما نعيشه من أزمة في العلاقة مع الآخر الوطني أو الأجنبي راجع في العمق إلى عدم تشبعنا بهويتنا الثقافية الإسلامية التي تمتلك رؤية أصيلة واضحة لثقافة الاختلاف, وضربت أروع الأمثلة في تدبير قضية الاختلاف.
فالقرآن الكريم قدم لنا منهجا متكاملا للحوار في عرض مضامين رسالته، ولم يكتف بأسلوب النصيحة والموعظة، وقعدت لنا مباحث أصول الفقه والكلام والجدل معرفة متكاملة أسست لثقافة الاختلاف، وقعدت منهجا محكما لاستثمار الاختلاف في إنتاج المعرفة وتصحيحها.
ولمقاربة هذا الموضوع، جاءت هذه المداخلة مؤسسة على محورين اثنين:
المحور الأول : الأسس المرجعية لتدبير الاختلاف مع الآخر في الفكر الإسلامي
إذا كانت الشريعة الإسلامية أقرت الاختلاف ظاهرة متأصلة في الإنتاج المعرفي للإنسان، فإنها دعت نظريا - كما في الكتاب - وعمليا - كما في السنة- إلى حسن تدبير هذا الاختلاف واستثماره حتى يكون عامل إثراء وبناء, لا عنصر فرقة وبلاء، وذلك على أساس الحوار العلمي الهادف الذي يعترف بالآخر ولا ينفيه .
1) الأساس القرآني:

تستمد قضية تدبير الاختلاف مع الآخر المخالف أصالتها ومشروعيتها من المرجعية العليا للفكر الإسلامي: الكتاب والسنة، ذلك أننا إذا نظرنا إلى القرآن الكريم نظرا كليا ألفيناه خطابا ربانيا موجهها إلى الإنسان ذي خصوصية فكرية وطبيعة جدلية، كما وصفه الحق سبحانه: " وكان الانسن أكثر شيء جدلا " ، لذلك سيقت رسالة هذا الخطاب مساق جدل وحجاج، ولم تقدم عارية عن البراهين والحجج مراعاة وتقديرا للمخاطب المخالف.
وقرر الحق سبحانه ركائز يتأسس عليها الحوار وإدارة الخلاف، منها قوله سبحانه: " لا إِكْرَاهَ في الدين " ، وقوله: " فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ " ، وقوله: " لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ " ، وقوله: " وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ" .
ونظرا لأهمية وحيوية تدبير الخلاف، تولى الحق سبحانه بنفسه وضع منهجية عملية في التعامل مع المخالف، فقال سبحانه: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " .
لم يكتف القرآن الكريم المصدر الأعلى للفكر الإسلامي بإقرار مبدأ الاختلاف، وإنما قدم نماذج تطبيقية لإدارة هذا الاختلاف، وأثبت أن المنهج الأمثل في حل الأزمات هو الحوار، لذلك نقرأ في القرآن الكريم مستويات متنوعة من الاختلاف المدار وفق قواعد حوارية رائعة.
فقد تحدث القرآن الكريم عن الخلاف حتى في أبشع صوره في مواطن عدة، كما في خلاف إبليس اللعين مع الحق سبحانه، فرغم أن الخلاف خلاف معاندة، غير مبني على أساس، ضمن الله عز وجل للمخالف الوجود، ومنح له حق التحاور، وعرض الحجج، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، كما قدم القرآن صفحات رائعة من حسن تدبير الخلاف بين الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم في بيئات مختلفة وأزمان متفاوتة وأساليب متنوعة، الأمر الذي يشكل لأصحاب الرسالة الخاتمة مشهداً متكاملاً لأساليب إدارة الخلاف.
فنبي الله نوح عليه السلام وظف كل أساليب الجدال والحجاج لإقناع قومه بدعوته حتى سئموا، وبلغ بهم الأمر أن " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا " ، وذلك بعد أن أقروا بكثرة مجادلة نوح عليه السلام: " قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" ، قال ابن عطية: " معناه قد طال منك هذا الجدال وهو المراجعة في الحجة والمخاصمة والمقابلة بالأقوال حتى تقع الغلبة " .
وإبراهيم عليه السلام الذي ناظر مخالفه النمرود في قوله تعالى: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا احيي وأميت قال إبراهيم فإن الله ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر" ، قال ابن حزم: " وقد أمرنا تعالى في نص القرآن باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وخبرنا تعالى أن من ملة إبراهيم المحاجة والمناظرة " .
كما ناظر عليه السلام الصابئة في قوله تعالى: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين....الآيات" ، قال ابن كثير: " والحق أن إبراهيم عيه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظرا لقومه مبينا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام " .
وحاور عليه السلام الملائكة في موضوع إهلاك قوم لوط، كما في قوله تعالى: " فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط " ، وقوله سبحانه: " قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " .
ومن جملة المناظرات التي احتفى القرآن بذكرها في أكثر من موطن، مناظرة موسى عليه السلام لفرعون كما في قوله تعالى: " قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والارص وما بينهما عن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الاولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون..."
2) الأساس النبوي:
مرحلة النبوة المباركة مرحلة تأسيس وإرساء دعائم وأصول الثقافة الإسلامية, فلا غرو أن نجد في هذه المرحلة منهجا نبويا أصيلا واضحا في تدبير الخلاف مع الآخر في أعلى مستوياته وأشد لحظاته تشريعا لنا وتعليما.
فقد كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إعلانا عن ظهور دعوة جديدة مخالفة إجمالا لأنظمة الحياة السائدة في الجزيرة العربية وغيرها، سواء على مستوى الاعتقاد أو الاجتماع أو الأخلاق أو غيرها، " فكان طبيعيا أن تحدث دعوته هذه حركة فكرية جدلية واسعة النطاق، وأن تكون شاغلا للذهن العربي حقبة طويلة من الزمن " والجدال منشؤه الاختلاف، إذ " لا جدال إلا حيث الاختلاف في إدراك حقيقة من الحقائق " .
وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم في تدبير الخلاف مع الآخر-محل الدعوة- مسلك الحوار منهجا مطردا لتبليغ دعوة الله عز وجل، فخاطب المخالف، وكاتبه، وراسله، وطلب من الأصحاب تعلم لغته، بل لقد توصل بنتيجة التفاوض والحوار إلى معاهدات ووثائق وبناء نقاط مشتركة، فكان من المخالفين الذين دخل معهم النبي صلى الله عليه وسلم في حوار هادئ متئد الأصناف التالية:
 أهل الشرك :
فقد جادلهم النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الإقلاع عن الشرك الذي لا يليق بكرامة الإنسان باعتباره كائنا عاقلا, والدخول في دين الله تعالى في مناسبات عديدة، منها تلك التي جاءوه عليه السلام بوفد رسمي ليجادلوه في أهداف دعوته وإمكان التخلي عنها ، فما عنفهم ولا أنكر عليهم وهو رسول الله وهم كفار, ينطق بالحق وهم يجادلون بالباطل, وإنما استمع إليهم حتى فهم مقاصدهم وفحوى عرضهم, فأجابهم إجابة هادئة واضحة أخرست ألسنتهم وأفحمت أحلمهم وهم القوم الخصمون, لذلك قرروا مقاطعة الحوار والإعراض عن الاستماع، بحجج واهية، كما حكى عنهم القرآن الكريم : " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " ، و " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون " .
وفي القرآن ردود كثيرة على اعتراضات هؤلاء المشركين ومطالبهم التي لا
حدود لها بقيت خير شاهد على تلك المناظرات التي حرص من خلالها النبي صلى الله عليه وسلم على روح التواصل مع المخالف في أدب تام رغم شدة الخلاف.
 أهل الكتاب :
حاور النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى بمقتضى عموم رسالته ووجوب تبليغ دعوته محاورة واسعة باعتبارهم أقواما يقرون بكتاب ويؤمنون برسول, فالخلاف معهم أقل عمقا من الصنف الأول .
فكانت أسئلة القوم في حوارهم مع النبي عليه السلام تنم عما لديهم من علم بالكتاب الذي أنزل إليهم , ولذلك أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام بمجادلة أهل الكتاب بالحسنى, فقال: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " ، وكانت أجوبته صلى الله عليه وسلم- كما نقرأ في القرآن- ملزمة للقوم ومفحمة بقوة الحجة ونصاعة البرهان، مع تمام اللين والرفق , فكان أهل المروءة والإنصاف فيهم , لا يملكون أمام سلطان البرهان وقوة الحجة إلا أن يعلنوا إيمانهم كالنجاشي مثلا أو يكتموه إلى حين كبعض نصارى نجران بالمدينة ، وبقي أهل الحقد والعناد في غيهم يعمهون كما هو حال أغلب اليهود . إن منهج الحوار الذي أدار به النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف تبليغا للدعوة, وظفه مع صحابته تعليما وبيانا, كما نجد في قضايا عدة منها قصة خولة بنت ثعلبة مع زوجها أ وس بن الصامت التي نزل في حقها القرآن : " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير " , وقصة عمر رضي الله عنه في مجادلته للرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية , ومحاورة سعد بن معاد وسعد بن عبادة في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ , وغيرها من القضايا التي يدير فيها النبي عليه السلام الاختلافات بالحوار الهادئ حتى يفهم الجميع ويقتنع ويطمئن، فحسن إدارة الخلاف مع المؤالف مقدمة شرطية لحسن إدارته مع المخالف، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه .

غير أن الناظر إلى نصوص الشريعة كتابا وسنة في موضوع الاختلاف يلفيها تارة تذم الاختلاف والجدال, كما في قوله تعالى: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " , وقوله سبحانه : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " , وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب " وقوله عليه السلام : " اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه " .
وأخرى تقره, لكن بعد تأمل مورد الذم والإقرار, والرجوع إلى سياق النصوص المتعارضة، يجلو أن الذامة منها للخلاف والجدال واردة في شأن من لا علم له به ولا تحقيق عنده فيما يدعيه، في حين أن النصوص الأخرى المبيحة، واردة في شأن الاختلاف المتعلق بدائرة الاجتهاد الصادر من أهل النظر والاجتهاد، بهذا الفيصل بين نوعي الاختلاف يتشكل السياج الضامن للاختلاف أن يسير في اتجاه الإثراء والبناء, ولا ينزلق إلى الافتراق والمراء.
وهذه من أبرز القضايا الأصولية التي حرص الشافعي رحمه الله على بيانها بتفصيل في رسالته الأصولية, حيث ابتدأ ببيان الجائز من الاختلاف وغير الجائز بقوله : " الاختلاف من وجهين أحدهما محرم ولا أقول ذلك في الآخر " .
ولقد ظل الاختلاف في الفكر الإسلامي على المستوى الداخلي مرتبطا بالاجتهاد ودائرا معه حيث دار, فما جاز فيه الاجتهاد جاز فيه الاختلاف والعكس صحيح , ومعلوم أن معظم المعارف التشريعية التي راكمها الفكر الأصولي عبر مسيرته التاريخية إنما تمت من مدخل الاجتهاد وعلى أساس الاختلاف, بعد أن تقررت جملة من القواعد الأصولية التي أسهمت في تنظيم مبدأ الاجتهاد وأسست لثقافة الاختلاف في فضاء البحث التشريعي, نذكر منها : لا إنكار في القضايا الاجتهادية, وأن اجتهاد المجتهد غير ملزم , وأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره , وأن المجتهد مأجور .
وإذا كان مدار الاختلاف في الاجتهاد عند جمهور الأصوليين - على مستوى الذات - الصواب والخطأ المأجورين, فإن أصوليين آخرين يرفعون من قيمة الاختلاف إلى أعلى مستوياتها حين قرروا أن كل مجتهد مصيب , بمعنى أن كل رأي صادر من مجتهد له وجه الصواب, لأن الصواب عندهم غير متعين .
واستلهاما لروح هذه الرؤية الناضجة لقضية الاختلاف, يعلن الشافعي قولته الشهيرة : " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطا يحتمل الصواب " ليضرب أروع مثل في الموضوعية والنسبية في الرأي, ويسجل مالك بن أنس موقفا علميا رائعا حين رفض إلغاء التعددية الفكرية الاجتهادية التي رآها في طلب أبي جعفر المنصور أن يحمل الناس على مذهبه في الموطأ, وطلب هارون الرشيد أن يعلق الموطأ على الكعبة .
وعلى هذا الأساس ظهرت المدارس الاجتهادية وتعددت المذاهب الفقهية وتشعبت الآراء في قضايا الشريعة الاجتهادية, حتى أصبح موضوع الخلاف في الفقه الإسلامي علما قائما بذاته له علماؤه ومنهجه ومؤلفاته التي لا تحصى, وهو الموسوم ب"الخلاف العالي" أو" الفقه المقارن" الذي تحول إلى مادة دراسية في المنهاج التعليمي لمجتمعاتنا الإسلامية وما يزال مند القديم .
تلك هي البنية المرجعية لثقافة الاختلاف عموما، ولمبدأ إدارة الاختلاف مع الآخر خصوصا في الفكر الإسلامي، فما الضوابط التي يتأسس عليها تدبير هذا الاختلاف ؟
المحور الثاني: ضوابط تدبير الاختلاف في النظر الأصولي
إذا كانت ظاهرة الاختلاف وأوجه تدبيرها قضية متأصلة في المرجعية العليا للفكر الإسلامي، وكان تدبير هذا الاختلاف بمهارة منهجا تطبيقيا مقعدا زمن النبوة ابتداء، وما تلاها تبعا واقتداء، فإن البحث عن ضوابط حسن هذا التدبير في زوايا الفكر الإسلامي قضية علمية حيوية من شأن تقديمها في صيغة تقعيدية محبوكة أن تسهم في إعادة قطار الخلاف المعرفي إلى سكته ليواصل مشواره في زمن ينادي فيه الجميع – إن صدقا وإن كذبا- بالحوار أسلوبا مركزيا لإدارة الاختلاف .
ولقد تتبعت في الفكر الإسلامي الضوابط المعتمدة في تدبير الاختلاف مع الآخر وتوجيهه نحو البناء المعرفي والإنتاج العلمي, فألفيتها ضوابط متكاملة ومتعاضدة أحاطت بالموضوع وأمنته من الزلل وسوء التدبير, وصنفتها إلى : ضوابط كلية وأخرى تفصيلية :
أولا : الضوابط الكلية :
ونقصد بهذه الضوابط جملة القضايا التي تشكل في مجموعها السياج العام الذي يحصن المسألة الخلافية من عوامل التفرق المذموم وصور المراء المحظور,وقد جعلتها صنفين :
1) ضوابط التأسيس
ونقصد بها الضوابط التي تحتفي ببناء وتحرير أسس الاختلاف المعتبر, نذكرها كما يلي :
أ- وجود طرفي النقاش والاختلاف
إذ لا يتصور الاختلاف من قبل شخص واحد، كما أن هذين الطرفين يفترض أن تكون العلاقة بينهما تجاه موضوع الجدل علاقة اختلاف في النظر، لأنه لا يتأتى الاختلاف بين شخصين في قضية تتطابق فيها وجهتا نظرهما، بل لابد أن تكون نظرة كل واحد في بداية الأمر تخالف نظرة صاحبه، وقد يفضي الحوار في النهاية إلى الاتفاق أو يبقي على الاختلاف.
غير أن أطراف الاختلاف لابد أن تتكافأ من حيث الأهلية العلمية والتخصص في الموضوع حتى يثمر الحوار ويفيد، وإلا فجهل أحد الأطراف أو عدم تخصصه في الموضوع يوقف عملية الحوار ابتداء، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار علمي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة، فمن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم ، وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجَّته لأبيه حين قال : " يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً " .
وحق من لا يعلم أن يسأل من يعلم، مصداقا لقول الله تعالى: " فاسألوا أهل الذكر عن كنتم لا تعلمون " لا أن يعترض ويجادل بغير علم، فموسى عليه السلام لم يستنكف أن يتعلم من العبد الصالح في قول الله تعالى : " قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً" .
فقد أنكر القرآن الكريم كثيرا على من يقبل على الخلاف بغير علم كما في قوله تعالى: " هاأنتم هؤلاء حاججتم في ما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" ، لأن الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين المختلفين، فالجاهل بالشيء ليس كفؤاً للعالم به، وإن من البلاء ؛ أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص ؛ فيُخَطِّئه ويُغَلِّطه .
ب- وحدة موضوع الاختلاف :
فالمخالفان إنما يجمعهما موضوع موحد يشكل أرضية مشتركة بينهما، يعتزم كل واحد منهما أن يدلي بوجهة نظره مستدلا على صحتها، ويبرهن على فساد أدلة مناظره، وذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المشتركة، وإنتاج المعرفة الصحيحة المنشودة، أما إذا كان كل مخالف يتحدث عن قضية غير التي يتحدث عنها صاحبه، فالحوار متعذر حتى يتوحدا في موضوع النقاش, وهذا ما يسميه الأصوليون تحرير محل النزاع أو الخلاف.
فموضوع الخلاف والحوار هو جوهر العملية برمتها، وإذا ما جرى الاتفاق على ذلك كان الجدل مفيدا وواضحاً للأطراف المشاركة فيه، وسواء كان الموضوع قديماً أو معاصراً فإن تحديده عامل أساس من عوامل نجاح المجادلة والمناظرة مع الآخر؛ لأن تحرير محل النزاع يضمـن عدم تحوّل الجدل إلى نوع من اللجاج، كما أنه يضمن عدم بعثرة الأفكار وضياعها بسبب ضبابية الفكرة وعدم وضوحها، إضافة إلى أن عدم تحديد الموضوع لا يتيح فرصة للحكم عليه، فالقاعدة تقول: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" فلا يمكن إصدار حكم في مسألة معينة بدون تحديد عناصرها وملامحها الأساسية.
والحديث عن موضوع مجادلة الآخر يستدعي الحديث عن الجدوى والثمرة المرجوة من أي قضية خلافية تطرح على بساط الجدل، فلا يعقل أن يهدر الوقت والجهد في قضية خارج حدود العقل البشري، أو قضايا مسلمة أو معلومة بالضرورة العقلية أو الدينية، فهو جهد في غير فائدة، وأفعال العقلاء منزهة عن العبث.
فقد دعا القرآن الكريم أهل الكتاب إلى التركيز على النقاط المشتركة التي تشكل أرضية للحوار، ومحاور للتفاهم، من أجل صياغة المشترك العقدي في قوله تعالى: " قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَـابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
ج- وحدة قانون الاستدلال والاحتجاج :
الجدل الخلافي المعتبر يتطلب ضرورة وجود قانون كلي ممثلا في قواعد وأصول الاستدلال يتحاكم إليه المتحاوران المختلفان ويتفقان عليه أثناء عملية التدافع والتنافي بينهما لأنه لا نستطيع أن نتصور نقاشا جدليا جادا في غياب مرجعية مشتركة يتحاكم إليها أثناء الاستدلال نفيا أو إثباتا.
وقد أنكر القرآن الكريم على من تجاوز البديهيات والقضايا الفطرية المسلمة، لأنهم بذلك لم يبقوا أي أرضية مشتركة بينهم وبين غيرهم من المسلمين، كما في قوله عز وجل :" وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير" .
وفي فائدة التحاكم إلى مرجعية معيارية مشتركة، يقول الشاطبي: " إن الخصمين إما أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا، فإن لم يتفقا على شيء لم يقع بمناظرتهما فائدة بحال " .
ويبرز الشاطبي بوضوح قيمة إقرار مرجعية كلية مشتركة بين طرفي التناظر والتخالف، فيقول: " وإذا كان المناظر مخالفا له في الكليات التي ينبني عليها النظر في المسألة، فلا يستقيم له الاستعانة به، ولا ينتفع به في مناظرته، إذ ما من وجه جزئي في مسألته إلا وهو مبني على كلي، وإذا خالف في الكلي ففي الجزئي المبني عليه أولى، فتقع مخالفته في الجزئي من جهتين، ولا يمكن رجوعها إلى معنى متفق عليه، فالاستعانة مفقودة " .
2) ضوابط التامين :
وهي الضوابط التي يسعى الفكر الإسلامي من خلالها إلى بناء الأجواء التربوية والعلمية التي تضمن السير الهادف للحوار بين المتخالفين، نذكر منها :
أ- التزام الأمانة العلمية في التباحث والحوار:
يعد التزام الأمانة في حياة الفرد والجماعة مبدأ أخلاقيا عاما وواجبا مقدسا عند جميع عقلاء الدنيا، لا يزيغ عنه إلا خائن.
ومراعاة الأمانة في محاورة الآخر صورة من صور تطبيق ذلك المبدأ العام، لذلك كان إخفاء الحقيقة العلمية أو الاحتيال عليها ، جريمة خيانة لا تغتفر عند جميع العقلاء، واعتداء على ما أمر الله بتبيينه بالكتمان .
من هذا المنطلق يتعين على أطراف الخلاف أن يتمحض قصدهم في طلب الحق والسعي لإظهاره، مع التخلي المؤقت عن المواقف الفكرية الشخصية، والعمل على طلب الحق أينما كان، والقرآن الكريم يعلمنا هذا التجرد العلمي في مجادلة الآخر حين خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قمة اليقين والإيمان، بأن يدخل في جدل المخالف بروح موضوعية، في قوله تعالى :" وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" .
ومن أجل ترسيخ مبدأ التزام الأمانة العلمية، وضمان نزاهة قصد المخالف في البحث الجدلي لابد أن يكون هذا المجادل على قدر كبير من المروءة الإنسانية والتربية الخلقية الإيمانية حتى يتغلب على هوى نفسه فيلزم جانب الحق في جداله ويحرص على طلب الحقيقة، خصوصا وأن المجادل أثناء مناظرة المخالف ومناقشته يكون في وضعية نفسية معقدة بحيث يكون معرضا لكل ما قد يصرفه عن ملازمة الأمانة العلمية في طلب الحقيقة العلمية من دواعي الاعتداد بالرأي والتعصب له والمكابرة والعناد وغيرها من نوا قض الأمانة العلمية وخوارم الموضوعية في مناظرة المخالف.
وهذا ما جعل أبا حامد الغزالي يفضل أن تكون المناظرة بين أهل الاختلاف في الخلوة بدل أن تكون في "المحافل وبين أظهر الأكابر والسلاطين" ، وعلل ذلك بقوله :" فإن الخلوة أجمع للفهم وأحرى بصفاء الذهن والفكر ودرك الحق، وفي حضور الجمع ما يحرك دواعي الرياء، ويوجب الحرص على نصرة كل واحد نفسه محقا كان أو مبطلا" , وهذا الذي يسمى في علم النفس تأثير العقل الجمعي, الذي لا يساعد على ضبط النفس ورزانة الرأي.
وعلى أساس هذا الضابط دعا القرآن الكريم المخالفين إلى الحوار في قول الله تعالى: " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا " .
فالحوار حين يجري مثنى وفرادى وأعداداً متقاربة يكون أدعى إلى استجماع الفكر والرأي ، كما أنه يساعد المخطئ أن يرجع إلى الحق، ويتنازل عما هو فيه من الباطل أو المشتبه، بخلاف الحال أمام الناس ؛ فقد يعزّ عليه التسليم والاعتراف بالخطأ أما مُؤيِّديه أو مُخالفيه .
لذلك بات من اللازم أن يتسلح المجادل برصيد تربوي خلقي قبل الرصيد المعرفي والمنهجي ليتمكن من الصمود أمام العواصف النفسية التي تحاول أن تعصف بأمانته العلمية وخلوص قصده.
والتزام الأمانة العلمية في الجدل الخلافي لم يكن موضع إشكال عند الصحابة رضوان الله عليهم والأئمة المجتهدين من بعدهم، فقد ضربوا أروع الأمثلة في التجرد في طلب وجه الحق والصواب في محاورة مخالفيهم من أهل الكتاب وسواهم سيرا على المنهج النبوي في محاورة الآخر ، فزادهم ذلك قوة في العلم وهيبة عند الناس ونشرا لدعوة الإسلام.
وقد كان شعار منهجهم ما أعلنه أبو حنيفة- رحمه الله- حين قال : " قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه, فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا " , وما أكده الشافعي من بعده بقوله: " ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ, وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد, ولا ينسب إلي " .
وإنما تظهر الصعوبة في التقيد بالأمانة العلمية في الجدل حينما نكون أمام متجادلين مقلدين قيدوا أنفسهم وألزموها بمعارف ومذاهب مسبقة، غير مستعدين للتنازل عنها في كل الأحوال، فعلى مستوى الخلاف الداخلي أعلنها صراحة أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) حين قال قولته الشهيرة :" إن كل آية تخالف قول أصحابنا، فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق".
في مثل هذه الحالة يتعذر التزام الموضوعية ومراعاة الأمانة العلمية في البحث الجدلي ويغيب الاستعداد لتقبل وجهة نظر الآخر على أساس القاعدة الذهبية الشهيرة :" رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". وينفتح باب العناد والتعصب , وهو المنزلق الذي حذر منه الشاطبي- رحمه الله- حين قال : " إن اعتياد الاستدلال لمذهب واحد, ربما يكسب الطالب نفورا وإنكارا لمذهب غيره من غير اطلاع على مأخذه, فيورث ذلك حزازة في الاعتقاد في الأئمة الذين اجمع الناس على فضلهم وتقدمهم في الدين" .
وإن من استقرى تاريخ الإسلام الحضاري يخلص إلى أن الإسلام إنما انتشر بالحوار والدعوة، لا بالمواجهة والقتال، وإنما شُرعت حالات خاصة للقتال لتقرير حرية الاختيار، وتمهيد سبيل الحوار، وتوفير مناخ الاقتناع.
ب- إنصاف المخالف واحترامه:
تتحدد العلاقة التي تربط بين المتجادلين – في بعدها الإجمالي – في التعاون من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية في جو من العدالة والإنصاف، وإن كان ذلك على طريقة التدافع والتنافي بينهما، يساعد على ذلك ما بين المتجادلين من أرضية مشتركة تتمثل في وحدة المرجعية على مستوى أصول الاستدلال والاحتجاج والاعتراض وكذلك وحدة المقصد العام من المحاورة.
وعلاقة الإنصاف والاحترام علاقة متبادلة بين الطرفين المتجادلين، يحرص عليها كل واحد منهما، لأنها تقود إلى قبول الحق، والبعد عن الهوى، والانتصار للنفس. أما انتقاص الرجال واحتقارهم فأمر مَعيب وغير مقبول في مختلف الثقافات.
أما الإخلال بعلاقة الاحترام والإنصاف – ولو من جانب واحد- فيفقد الحوار شرط استمراره، خصوصا إذا ظهر من المخل إضرار بعد الإعذار، قال الباجي مؤكدا شرطية الإنصاف :" ولا يناظر من لا ينصف من نفسه" ، وفي حالة إصرار المناظر على مخالفة قاعدة الإنصاف يوصي الباجي بالكف عن متابعة الجدال، قال :" فإن لم ينته عن ذلك، أعرض عن كلامه، ولم يقابله في أفعاله".
وتتجسد علاقة الإنصاف بين المتجادلين في جملة من الإجراءات الأخلاقية الواجب اتباعها والتحلي بها كالإقبال على الخصم بالوجه وحسن الاستماع لكلامه من أجل التعاون على النظر سيما وأن المخالف هنا رفيق معين على طلب الحق لا خصم معاند ، والحرص على عدم مقاطعته في نوبته ، وتجنب كل مظاهر العجب والتشنيع على الخصم مهما كان ضعيفا، لأن ذلك من فعل الضعفاء ومن لا إنصاف عنده .
ورحم الله ابن البناء المراكشي الذي أكد مبدأ الإنصاف بقوله : " وكما تنظر بينك وبين نفسك , تنظر بينك وبين خصمك بشرط الموافقة على الأصول التي تنظر بها وإلا لم ينضبط الكلام والنظر , وانفتح باب الشغب والعناد " .
ج- التزام حسن الاستدلال:
بما أن الهدف الرئيس من محاورة المخالف هو الوصول إلى الحقيقة العلمية التي هي أمانة في عنق كل مخالف، فإن السبيل إلى ذلك هو ملازمة شروط الاستدلال الصحيح التي نلخصها فيما يلي:
- الحرص على أن يكون الكلام بين المخالفين عن علم وبينة، قال الباجي :" ولا يكلم على ما لم يقع له العلم به من جهته".
- العناية بمقصود الكلام والغرض المطلوب، وعدم العدول عن ذلك إلى توابع الكلام وحواشيه، وهذا ما قصده الباجي بقوله :" ولا يتكلم إلا على المقصود من كلامه ولا يتعرض لما لا يقصده مما جرى من خلاله، فإن الكلام على ما لم يقصده عدول عن الغرض المطلوب" ، ونبه عليه ابن البناء بقوله :" ولا تصح العناية إلا بما يحتمله اللفظ" .
- الدراسة القبلية الدقيقة للدليل قبل الاستدلال به وإعماله، تفاديا للوقوع في مشكل الانقطاع ، وحرصا على عدم توظيف إلا صحيح المعرفة، قال الباجي :" ولا يستدل إلا بدليل قد وقف عليه وخبره وامتحنه قبل ذلك وعرف صحته وسلامته" .
- الاجتهاد في اختصار الكلام وتحاشي الإسهاب " فإن الزلل مقرون بالإكثار" .
د- أولوية تحديد لغة الحوار :
إن لتحديد مدلول المصطلحات المراد استعمالها في موضوع الحوار مع المخالف أولوية خاصة، سيما إذا علمنا أن وثيرة الأداء في المناظرة والجدال تتوقف – إلى حد بعيد – على التحديد الواضح للمصطلحات المتداولة بين المتناظرين باعتبار تلك المصطلحات لغة التواصل بينهما، وعلى قدر وضوح هذه اللغة وجلائها تتوقف فائدة الجدال وثمرة الحوار بين أهل الخلاف.
لذلك فإن أي غموض في هذه اللغة المشتركة بين المتناظرين نتيجة عدم تحديد المصطلح سيؤدي – لا محالة – بالحوار إلى متاهات من النقاش لا طائل من ورائها، فيذهب الجهد والوقت هدرا.
ولذلك كان علماؤنا يولون العناية الكبيرة بالقضية الاصطلاحية حيث كانوا يتحدثون عن الحدود قبل أن يتكلموا عن المحدود في مجادلاتهم العلمية ومؤلفاتهم الجدلية الخلافية .
ثانيا: الضوابط التفصيلية
وهي جملة من الإجراءات المنهجية التي تنظم تفاصيل النقاش بين أطراف الحوار والخلاف في أهم جوانب الجدل ومراحل المناظرة , صنفتها على الشكل التالي :
أ- ضوابط الاستدلال :
إن ضبط الاستدلال في مناظرة الآخر، وصيانته من التناقض والاضطراب فيه ضمان لسلامة المنهج المتبع في الاستدلال وصحة ما يترتب عنه من نتائج ويمكن ضبط العملية الاستدلالية من خلال الضوابط التالية :
1) ارتباط الاستدلال بمرجعية المستدل :
والمقصود بذلك أن يكون الاستدلال تعبيرا عن موقف المستدل واعتقاده، لان كل استدلال لا ينبع من اقتناع واعتقاد صاحبه وثبت تناقضه مع مذهبه يعد إخلالا بقانون الجدل ويصح الاعتراض عليه بذلك، لأنه كما قال الباجي :" لا يجوز أن يثبت الحكم من طريق وهو يعتقد بطلانه" .
واستدلال المستدل بما لا يقول به قد يكون في قضية دينية، كأن يستدل ملحد بآية قرآنية أو حديث نبوي بغرض إفحام الخصم المسلم في قضية ما، فهذا من الناحية الجدلية استدلال ساقط الاعتبار، لأنه استدل بما لا يؤمن به، وقد يكون في مسألة علمية كاستدلال من ينكر إفادة التواتر العلم بالتواتر في مسألة قطعية، وهو استدلال بما لا يقول به، وهو مردود.
2) مراعاة مرجعية المخالف في نقض دليله :
يستلزم نقض دليل الخصم استعمال طرق النقض التي تصح عنده، إذ ليس للمستدل أن ينقض دليل السائل المخالف بما يقول هو به، ولا يقول به السائل.
فالمطلوب من المستدل أن يبني نقضه على ما يوافق مذهب السائل ويقول به وألا يكتفي بالنقض من وجهة نظره الخاصة، وبذلك يصح نقضه ويلزم به الخصم.
وفي مسألة النقض يجب التمييز بين أمرين: نقض الدليل بما ينفرد به الخصم صاحب الدليل، ونقضه بما ينفرد به الناقض.
فالنقض الأول يبطل دليل الخصم ويوقف الاحتجاج به عند الباجي ، لأن فيه بيان فساد الدليل على أصل من احتج بها، ويترتب على هذا إلزام صاحب الدليل بعدم الاحتجاج بما ظهر فساده على أصله ، أما النقض الثاني فلا يصح كما سبق.
3) منع قلب القلب :
للطعن في دليل الخصم حدود يتعين الوقوف عندها، فالدليل إذا اعترض عليه بالقلب لا يصح أن يعترض على ذلك القلب بقلب آخر، لأن " القلب نقض والنقض لا يصح أن ينقض" . كما أن قلب القلب لن يؤدي من الناحية الجدلية إلى نتيجة، وإنما سيعيد النقاش إلى بدايته بعد حالة سقوط الاستدلال التي يؤول إليها التباحث بسبب قلب القلب.
4- منع الخروج عن الموضوع :
من أوجه ضبط العملية الاستدلالية في مجادلة الآخر، ضرورة التقيد في الاستدلال بأرضية النقاش والحوار وعدم الخروج عنها إلى ما سواها، وهذا ما يقتضي الالتزام بعدم الانتقال في الاستدلال من دليل إلى آخر بدون موجب من السائل ، لأن ذلك يعد انقطاعا عند أهل الجدل، لذلك يشترط الباجي في الانتقال أن يكون معلنا في بداية الاستدلال، وإلا كان خروجا عن الموضوع وانقطاعا.
ومن مظاهر الخروج عن الموضوع المؤدي إلى الانقطاع أن يلجأ المستدل إلى فرض الدلالة في غير شعبة من شعب المسألة : موضوع النقاش ، أو أن يبني المسألة على غيرها مع اختلاف طرقها ، إلى غير ذلك من مظاهر الانقطاع.
من خلال القضايا السابقة تتبين أهمية ضبط وتقنين العملية الاستدلالية أثناء مجادلة المخالف، وذلك من أجل تفادي الفوضى في الاستدلال وبناء أصول ثابتة موحدة للاحتكام إليها.
ب- ضوابط السؤال والجواب :
إذا كان السؤال والجواب هما العملية التي يدار بها الحوار العلمي في قضايا الخلاف، فإن ضبط هذه العملية وترتيبها وفق أولوية منهجية جدلية إنما يتم من خلال الخطوات التالية:
1) - إثبات مذهب المخالف:
إن أول ما ينبغي البدء به في الحوار البحث عن موقف الخصم ومذهبه في المسألة – موضوع النقاش – وذلك عن طريق توجيه السؤالين التاليين : مساءلته مباشرة عن إظهار مذهبه في المسألة، أو مطالبته ببيان موقفه من اختلاف مذاهب مرجعيته في الموضوع.
وتتوقف إجابة المسؤول عن مدى التزام السائل في بيان مراده من السؤال الوضوح وتحاشي الإجمال والإبهام، , والسؤال عما لا يشتبه على عاقل، وإطلاق السؤال فيما ينقسم عند السائل والمسؤول أو عند أحدهما.
غير أن الباجي لا يرى مانعا من السؤال عما فيه تفصيل عند المسؤول بإطلاق، لأن للمسؤول في هذه الحالة الخيار في أن يجيب مباشرة وفق تفصيله وتقسيمه، أو يطالب بتدقيق السؤال، وتعيين القسم المقصود ، بعد ذلك يصبح لزاما على المسؤول أن يرتب للسؤال جوابه بالإعلان عن مذهبه وبيان اختياره ويسلك في ذلك مسلك الوضوح .
ويرى إمام الحرمين أن مما يطعن في جواب المسؤول المناظر أن يأتي عاما في مورد سؤال ملخص في موضع النزاع ، أو يتضمن زيادة لا تعلق لها بالسؤال.
2 ) - البحث عن دليل الخصم :
البحث عن الدليل الذي استند إليه الخصم في ما ذهب إليه مرحلة غاية في الأهمية تصب في اتجاه استكمال جوانب أرضية النقاش، فبالدليل يتميز القول الساقط من القول المعتبر، وقد علمنا القرآن الكريم أن نتحاكم مع المخالف في محاورتنا إلى الدليل والبرهان، مصداقا لقول الله تعالى في أكثر من سورة : " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " وقوله سبحانه: " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي " ، وقوله عز وجل: " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " .
وانطلاقا من هذا التوجيه القرآني صاغ علماؤنا القاعدة الحوارية المشهورة: " إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل ".
ومن الناحية الجدلية فإن للمستدل أن يختار بين أن يدل على صحة قوله، وبين أن يدل على فساد قول خصمه، وكلا الأمرين جائز.
3) - البحث عن وجه الدلالة :
بعد معرفة دليل الخصم تأتي خطوة البحث عن وجه ذلك الدليل ليكتمل بذلك بناء شروط البحث الجدلي ومقدماته الأولية، غير أنه لا يتصور اللجوء إلى هذا الإجراء الجدلي إلا في حالة غموض وجه دليل الخصم، وذلك كاستدلال المخالف على دعوة الإسلام للإرهاب بقول الله تعالى: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة... ترهبون به عدو الله وعدوكم " .
فوجه الدليل في هذا الاستدلال يحتاج إلى من يكشف عنه، ولذلك حسن السؤال عنه حتى يتبين المسؤول أن وجه الدليل هنا لا يخدم غرض الاستدلال، إذ المقصود الأمر بإعداد القوة الردعية، وليس المعنى المتداول الآن سياسيا وإعلاميا للإرهاب.
ومراعاة منطق الترتيب بين الأسئلة الجدلية السابقة وتسلسلها أمر لازم إجمالا، غير أن ذلك لا ينفي إمكان وجود حالات خاصة قد يستغني فيها المناظر الجدلي عن خطوة من تلك الخطوات بحسب الموجب، لأن كل خطوة إنما يتم اللجوء إليها عندما يقتضيها سياق البحث والجدل، ومعرفة السائل مثلا لمرجعية مخالفه تعفيه من خطوات البحث عن إثباته، كما أن وضوح وجه الدلالة في دليل الخصم يغني السائل عن السؤال عنه. وهكذا.
وذهب الجويني في تأكيد هذا المعنى إلى أن جمهور أهل النظر على أن " السائل إن كان عالما بمذهب المسؤول، وكان مذهبه مشهورا عنده - لا شك فيه - كان له أن يبتدئ بالسؤال عن الدلالة، وإذا كان يعلم أن دليله في ذلك المذهب أمر معلوم لا يتعداه كان له الطعن ابتداء في دلالته" .
ج- ضوابط القدح في الدليل :
تمثل ضوابط القدح في الدليل المرحلة الفكرية التي يتطور فيها النقاش الجدلي و يتفاعل بحيث يصبح تركيز البحث فيها على عملية التصحيح والتحرير لما تم إثباته في المرحلة التمهيدية السابقة ( ضوابط السؤال والجواب )، مع اختبار مدى إمكانية قيام ذلك دليلا معتبرا يعتمد في إنتاج المعرفة الصحيحة، ويتم ذلك من خلال القوادح التالية :
أولا : المطالبة :
تشكل المطالبة الحلقة الأولى في سلسلة وجوه القدح في الدليل، وذلك ضمن السياق العام لعملية التصحيح والاختبار لدليل المخالف.
وقد عرف الجويني المطالبة بأنها " مؤاخذة الخصم بتبيين حجته" ، بينما الباجي عدل عن تعريفها تعريفا مجردا عاما واكتفى في تعريفها بذكر وجوهها وأنواعها، وقال :" فأما المطالبة فهي المطالبة بتصحيح الأخبار وإثبات أسانيدها، والمطالبة بتصحيح الإجمال وإثباته،والمطالبة بإيجاد العلة وتصحيحها، وغير ذلك من وجوه المطالبات .
فلئن تحدث علماؤنا عن المطالبة وغيرها من القواعد الجدلية في سياق أصولي، فمن باب ارتباط المنهج بالموضوع، وإلا فهذه القواعد الجدلية تمثل منهج تدبير الخلاف بصفة عامة، سواء كان خلافا داخليا أو خارجيا.
أما الوظيفة الجدلية لقادح المطالبة فتتمثل في ناحيتين :
أ- الناحية السلبية :
وفيها يمنع ما استدل به المستدل من أن يدخل ضمن الأدلة، وهي الحالة التي يكون فيها استدلال المستدل عاجزا عن الصمود أمام وجوه المطالبة التي ترد عليه.
ب- الناحية الإيجابية :
وهي الحالة التي يسلم فيها ما استدل به المستدل من وجوه المطالبة، ويدخل في جملة الأدلة، في انتظار بحث سلامته من قوادح أخرى جدلية.
ثانيا : الاعتراض :
1- مفهوم الاعتراض:
للاعتراض معنيان أحدهما عام والآخر خاص أما المعنى العام، فهو كل ما يقدح به في دليل الخصم من أوجه القدح ، ويدخل في ذلك المطالبة والاعتراض - بمعناه الخاص – والمعارضة.
أما المعنى الخاص للاعتراض – وهو المقصود في هذا المطلب – فهو أحد وجوه القدح الثلاثة الذي يمثل المرحلة الفكرية الجدلية الثانية بعد مرحلة المطالبة في منهج تدبير الاختلاف من أجل تحرير الدليل وبناء المعرفة الصحيحة.
ويتأكد هذا المعنى الخاص للاعتراض من خلال تقسيم الباجي لوجوه القدح في الدليل إلى مطالبة واعتراض ومعارضة في غير ما مناسبة ، ويميز كل وجه من تلك الوجوه عن غيرها، ويقول في شأن الاعتراض :" وأما الاعتراض فهو الاعتراض في نفس الدليل بما يبطله" .
ويمكن القول – تأسيسا على المفهوم الخاص للاعتراض- إن قادح الاعتراض وسيلة جدلية تصلح للدفع لا للإثبات، بمعنى أن الواجهة التي يوظف فيها الاعتراض واجهة سلبية، تتمثل في إبطال دليل الخصم، ووقف الاستدلال به، وليس الاعتراض دليلا مستقلا يعتمد عليه في إثبات الأحكام، وهذا ما تؤكده عبارة الباجي السابقة :" الاعتراض في نفس الدليل بما يبطله" .
والواجب جدليا على المستدل أمام كل اعتراض من الاعتراضات التي ترد على استدلاله أن يجتهد في ردها وإبطالها ليسلم له دليله، ويخرج من محطة الاعتراض دليلا صحيحا ليمر إلى آخر محطة جدلية لاختبار مدى سلامته من قادح آخر.
ثالثا : المعارضة :
يعد قادح المعارضة آخر محطة فكرية جدلية من محطات تدبير الاختلاف ضمن إطار البحث عن المعرفة الصحيحة بين المتناظرين المختلفين، وذلك بعد محطتي المطالبة والاعتراض السابقتين.
1- مفهوم المعارضة:
يتحدد مفهوم المعارضة عند الباجي بقوله :" مقابلة الخصم للمستدل بمثل دليله أو بما هو أقوى منه " ، ويعرفه الجويني بقوله: " ممانعة الخصم بدعوى المساواة أو مساواة الخصم في دعوى الدلالة " .
فإذا كان الجويني يربط المعارضة بالمناقضة ، ويرى أن بينهما علاقة عموم وخصوص " فكل مناقضة معارضة، وليس كل معارضة مناقضة" ، فإن الباجي قدم لنا الصورة واضحة عن الفعل الجدلي لكل من الناقض والمعارض حين قال :" الناقض لا يثبت حكما من جهته بالنقض، وإنما يبين فساد العلة على أصل من احتج بها، وليس كذلك المعارض، فإنه محتج بما عارض به مثبت به لمذهبه " .
وبناء على ذلك فإننا نصبح أمام عمليتين فكريتين:
إحداهما سلبية ترتبط بدليل الخصم وتعمل على إثبات عدم صحته لوقف الاستدلال به كما رأينا في الاعتراض.
ثنتاهما إيجابية تدفع في اتجاه إثبات موقف علمي مقابل لموقف الخصم كما هو حال المعارضة.
وإذا كان مناط البحث الجدلي في محطة الاعتراض صحة دليل الخصم، فإن مجرد اللجوء إلى المعارضة تصبح معه تلك الصحة محل تسليم واعتراف ويتحول النقاش إلى موضوع البحث عن الدليل الأولى بالاعتماد في إنتاج المعرفة.

الخاتمة
نعرض في خاتمة هذا البحث ما خلصنا إليه من نتائج علمية على النحو الآتي:
• قدم لنا القرآن الكريم منهجا متكاملا حيويا في تدبير الخلاف مع الآخر، فأرسى القواعد والأسس، وقدم نماذج تطبيقية رائعة في إدارة الخلاف بين أنبياء الله ورسله.
• قدمت لنا السيرة النبوية صورا رائعة في تدبير الخلاف مع الآخر، يستطيع المسلمون وغيرهم أن يتخذوها دليلا لهم في إدارة مختلف القضايا الخلافية.
• استطاع علماؤنا في الأصول والكلام والجدل أن يؤسسوا منهجا علميا تفصيليا لتدبير الخلاف ضمن المنهج العام الذي رسمه القرآن وفصلته السنة.
• المنهج الجدلي الأصولي منهج علمي حيوي يصلح تطبيقه في أي مجال من مجالات الخلاف المعرفي مثلما صلح تطبيقه في إدارة الخلاف على مستوى الفقه والأصول والكلام.
• الجدل الخلافي إذا ما قيدناه بضوابطه بالصورة التي قدمنا، نستطيع أن نوظفه في توجيه محاوراتنا وإدارة اختلافاتنا بنجاح، وذلك بنقل العلاقة بين أطراف الخلاف من علاقة صراع إلى علاقة حوار وتعاون.
• بامتلاكنا وتشبعنا بالمنهج الإسلامي الأصيل في تدبير الاختلاف الفكري، نتأهل بامتياز لمحاورة مختلف الثقافات والحضارات، وقيادة أهلها للتعاون في بناء المشترك الإنساني، وتمحيص المعرفة الإنسانية.
والحمد لله رب العالمين.

لا ئحة المصادر والمراجع
* القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأزرق.
* آداب الشافعي ومناقبه لأبي محمد بن أبي حاتم الرازي تحقيق عبد الغني عبد الخالق ط.2 /1993م مكتبة الخانجي القاهرة مصر .
* إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي تحقيق عبد المجيد تركي دار الغرب الإسلامي ط 1 1987م.
* الإحكام في أصول الأحكام للآمدي تحقيق سيد الجميلي دار الكتاب العربي ط.2 . 1986
* إحياء علوم الدين للغزالي وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار للعراقي طبعة جديدة لدار الكتب العلمية بيروت.
* الإمام الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب في مذهب مالك في القرن السابع للصغير الوكيلي طبعة الأوقاف المغربي 1996م.
* تاريخ الأمم والملوك للطبري ط. 3 / 1991م دار الكتب العلمية بيروت.
* تاريخ الجدل لأبي زهرة ط. دار الفكر 1980 .
* تاريخ المذاهب الإسلامية والفقهية لأبي زهرة ط دار الفكر العربي 1987م
* تفسير القرآن العظيم لابن كثير طبعة دار الفكر 1401هـ بيروت لبنان
* الجامع لأحكام القرآن للقرطبي دار إحياء التراث العربي بيروت ط 2 بدون تاريخ.
* الجامع الصحيح للبخاري دار الكتب العلمية بيروت ط. جديدة بدون رقم ولا تاريخ.
* الجامع الصحيح لمسلم منشورات المكتب التجاري بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
* حاشية الصبان على آداب البحث لمنيلا حنفي طبعة تونس 1344 هـ.
* الحدود في الأصول للباجي تحقيق نزيه حماد ط1 مؤسسة الزعبي بيروت لبنان 1973م
* رسالة الكرخي مع تأسيس النظر للدبوسي المطبعة الأدبية بمصر بدون تاريخ.
* رسالة في الجدل بمقتضى قواعد الأصول لابن البناء تحقيق الباحث ط. 1 /2002 م مؤسسة الندوي وجدة المغرب.
* الرسالة للشافعي تحقيق أحمد محمد شاكر دار الفكر بدون تاريخ الطبعة ولا مكانها.
* الكافية في الجدل تحقيق فوقية حسين مطبعة عيسى الحلبي القاهرة 1979.
* المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي.
* المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي تحقيق عبد المجيد تركي دار الغرب الإسلامي ط2، 1987م.
* المعونة في الجدل للشيرازي تحقيق عبد المجيد تركي دار الغرب الإسلامي 1988 بيروت لبنان.
* مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للشريف التلمساني تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. مكتبة الخانجي بمصر 1962م.
* الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي تحقيق دراز الطبعة الثالثة / 2003م دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
* قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام دار المعرفة بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
* سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا بن هشام تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط. 1981م بدون رقم دار الفكر بيروت .

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك