عقبات الحوار وعوامل فشله في العصر الحديث

عقبات الحوار وعوامل فشله في العصر الحديث
التجربة الكوسوفية مع الصرب نموذجًا

من اعداد

الدكتور:خيرالدين خوجة

أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد – قسم العلوم الإنسانية و تقنياتها –كلية المجتمع جامعة طيبة – المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية
البريد الألكتروني: drhafezi68@yahoo.co.uk
الجوال: 00-966-50-4870-15

الحوار و عوامل فشله في العصر الحديث – العقبات والحلول
التجربة الكوسوفية مع الصرب نموذجًا

مقدمة
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم تنزيله:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (النحل:125)، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد، الذي حاور وجادل الكفار والمشركين والمنافقين فأقام عليهم الحجة والبينة إلى يوم الدين، وعلى آله وأصحابه الكرام، الطيبين الطاهرين الذين ضربوا أروع المثل في كيفية مخاطبة ومجادلة المعاندين والمتكبرين، كل ذلك لهدف توصيل رسالة الله إلى الناس، فرضي الله عنهم وأرضاهم ما تعاقب الليل والنهار وسار بهدي القرآن الأخيار..أما بعد:
إن مما دفعني إلى اختيار هذا البحث هو؛ التجربة المؤلمة التي عايشتها ورأيتها، ولم أكن أتوقعها أن أعايشها و أن أراها من جيران لنا " كرام "، عايشناهم فترة من الزمن غير قصيرة. فأحببت تنبيه وتحذير الناس بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وأديانهم على خطورة ذلك النوع من الجيران الكرماء !!؟؟
إن الحديث والكتابة عن تجربة الحوار الفاشل بين المسلمين الألبان في كوسوفا مع جيرانهم الصرب الأرثودكس، والحديث عن تجربة التسامح والتعايش الديني المزعوم بين هؤلاء، والوقوف على عوامل وأسباب ارتكاب المذابح الدامية من قبل الصرب تجاه الشعب الألباني المسلم الأعزل، له أهمية كبرى في تاريخ الحوار بين الحضارات والشعوب والأديان في العصر الحديث. ولقد ساهمت في فشل هذا الحوار وهذا التعايش السلمي الذي دعانا إليه قرآننا و سنة نبينا محمد  في هذه المنطقة الأوربية في جزيرة البلقان عدة عوامل. فقد كان موقف رجال الفكر والمعرفة من المستشرقين الصرب موقفاً سلبياً وعاملاً أساسياً في إفشال هذا الحوار وإفساد العلاقة بين هذا الشعبين، و ذلك من خلال كتاباتهم ودراساتهم الاستشراقية المسمومة والمليئة بالأكاذيب والخرافات التاريخية، والتي مهدت للاحتلال والغزو الصربي للبوسنة ولكوسوفا. علاوة على ما ذكر، فقد لعب رجال الدين في الكنيسة الأرثودكسية الصربية أيضاً دوراً كبيراً في إثارة هذه الحروب والمجازر الدامية ودفع عجلة البغض والكراهية باسم الحرب المقدسة بين الصليب والهلال و القرآن والإنجيل، وباسم فكرة إنقاذ الشعوب الأرثودكسية في جزيرة البلقان من الاحتلال العثماني. ومما زاد الطين بلة أيضاً موقف رجال السياسة المتعصبين والحاقدين من الصرب في تأجيج نار الفتنة بين الشعوب الإسلامية في جزيرة البلقان. فقد مهد رجال الفكر والمعرفة و رجال الدين والكنيسة الطريق أمام قادتهم السياسية، وهونوا عليهم الأمر في إصدار القرارات والأوامر العسكرية بالحرق والقتل والتشريد والتدمير لتحقيق مطامعهم الشخصية وأهدافهم السياسية.
لقد مر الشعب البوسني والألباني المسلم بأصعب مراحل التاريخ وأحلك الظروف السياسية والاجتماعية والدينية والإنسانية في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية. حيث القتل والتشريد والهتك والحرق والتمثيل والطرد للأبرياء من الناس، رجالاً ونساء شيوخاً أطفالاً. كان هؤلاء المجرمون من الصرب لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، و ما نقموا منهم إلا أن يقولوا ربنا الله وإلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. كل ذلك تم على أيدي القوات والمليشيات وفرق الموت الصربية الخاصة التابعة للنظام الاشتراكي الشيوعي الصربي، المدججة بالسلاح والسكاكين، والدبابات و المدرعات والمدافع.
إن هؤلاء الجيران " الكرام والأوفياء "، ما كانوا لينقلبوا على جيرانهم الألبان المسلمين في كوسوفا والبوسنيين في البوسنة، لو لا أنهم أطاعوا طاعة عمياء السفهاء و المتشددين والمتطرفين والحاقدين من قادتهم السياسية ورجالات الفكر والدين. فهؤلاء الأقطاب الثلاثة وذلك المثلث الحديدي المركب من هؤلاء الأقطاب الثلاثة، هم الذين وقفوا وراء هذه العمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. ولقد صدق في كبيرهم و رئيسهم قول الله عز وجل على لسان فرعون لقومه: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر:29).
بهذا الأسلوب الدكتاتوري الساخر والغاشم خاطب الرئيس الصربي الهالك سلوبودان ميلوشوتش Slobodan Milloshevic قومه وحاشيته في أكثر من مناسبة على صعيد أرض كوسوفا ، فحدث ما حدث. فأمثال هؤلاء يعتبرون عوائق وعراقيل صعبة في إنجاح الحوار وتفعيل دوره في حياتنا العامة والخاصة، وليس أمامنا خيار وحل إلا إقصاء وعزل تلك الشخصيات الفكرية والدينية والسياسية المتعصبة والمتطرفة من الساحة السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية، والبحث عن شخصيات معتدلة ومنصفة، التي تتمتع بالجدية والوسطية والحيدة والموضوعية والروح الإنسانية الكريمة، التي تستشرف مستقبلاً كريماً وحياة آمنة مطمئنة، يسودها السلام والوئام، والاحترام المتبادل بين الناس بغض النظر عن معتقده.
و لعل من خلال استعراضنا لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن خلال رجوعنا إلى مصادر التاريخ الألباني والأوربي الحديث والقديم، سنتمكن من الوقوف على معالم تلك العقبات السياسية والدينية والفكرية، لكي نتجنبها، ولعلها تكون عبرة وعظة للناس أجمعين.
والأسئلة التي سيحاول الباحث الإجابة عليها في هذه الورقة العلمية المقدمة في هذا المؤتمر المبارك هي:
1. إلى أي مدى كانت جزيرة البلقان في أوربا الشرقية مضرب المثل ومهد التواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة أيام الدولة العثمانية ؟
2. ما دور الدول النصرانية المجاورة بشقيها – الأرثودكسي والكاثوليكي – في أوربا الشرقية في تأجيج الحروب الطائفية والدينية وإعاقة الحوار بين المسلمين الألبان والصرب الأرثودكس ؟
3. ما دور رجال السياسة والفكر والدين الصربي الأرثوكسي في تقويض الحوار وإفشال عملية السلام بين الصرب الأرثودكس والمسلمين الألبان ؟

أسأل الله سبحانه و تعالى أن يمن علي بفضله و جوده وكرمه، وأن ييسر علي إكمال كتابة هذه الورقة المباركة لتقديمها في مؤتمر جامعة الشارقة إن شاء الله ببركة الجوار لنبيه المختار في طيبة الطيبة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام، إنه تعالى سميع قربي مجيب والحمد لله رب العالمين.

الفصل الأول: الجزيرة البلقانية اجتماعيًا ودينيًا في العصر الحديث

المبحث الأول: الجزيرة البلقانية – جزيرة التواصل بين الحضارات والثقافات أيام الدولة العثمانية
إن الأحداث والحروب الدامية التي شهدتها الجزيرة البلقانية عموماً والأراضي البوسنية والألبانية في كوسوفا وماكدونيا في العقد الأخير من القرن العشرين، جلبت أنظار واهتمام الباحثين الغربيين والشرقيين، المسلمين منهم وغير المسلمين. يقول الأستاذ الدكتور محمد موفق الأرنؤوط : " يبدو للوهلة الأولى أن الاهتمام العربي بشبه جزيرة البلقان قد ازداد بشكل واضح في العقد الأخير من القرن العشرين، وبالتحديد من خلال الحروب والمآسي التي لحقت بجمهوريات وشعوب يوغسلافيا السابقة خلال 1991- 1999. وهكذا من خلال المآسي التي نقلتها بكل بشاعتها وسائل الإعلام، وخاصة المرئية والفضائية بشكل خاص، أخذ الاهتمام العربي يتزايد بتلك المنطقة ليكتشف على نحو مغاير شعوب وثقافات المنطقة التي لم تكن معروفة بما فيه الكفاية، ويكفي على سبيل المثال أن نستعرض الاهتمام العربي بالبوسنة، بالتاريخ والتراث والتواصل الثقافي لها مع العرب والمسلمين، حيث صدر في اللغة العربية خلال التسعينات حوالي ثلاثين كتاباً عن البوسنة بينما لم يصدر أي كتاب عن البوسنة خلال ثلاثين سنة سابقة.." . وحول أهمية هذا النوع من الدراسات والبحوث وتقديمها للمكتبة العربية و إخواننا القراء من العرب، يضيف الأستاذ قائلاً: " وبالاستناد إلى كل هذا يبدو أنه قد آن الأوان لتأسيس مرجعية معرفية جديدة في اللغة العربية حول دول وشعوب البلقان وعلاقاتها التاريخية والثقافية والسياسية مع المناطق المجاورة، بالتحديد مع المنطقة العربية التي ليست جديدة على كل حال... وقد دخلت العلاقات بين الطرفين في منعطف جديد خلال القرنين السادس والسابع للميلاد مع ظهور وانتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا وقدوم وانتشار السلاف في شبه جزيرة البلقان، حيث أصبحوا يمثلون غالبية الشعوب هناك.." .
وأما عن كيفية بدء العلاقات للشعوب السلافية البلقانية مع العرب قبل الدولة العثمانية وأثناءها، فيضيف الأستاذ الدكتور محمد الأرنؤوط: "... وهكذا بدأت العلاقات السلافية البلقانية- العربية في الإطار البيزنطي- الإسلامي أولاً، في ساحات الحروب والمعارك، ثم في إطار العلاقات بين الكيانات الجديدة في البلقان (بلغاريا وصربيا الخ) والكيانات الجديدة في المنطقة العربية (الدولة الفاطمية والدولة المملوكية الخ)، لتتسع أكثر حين دخل الطرفان في إطار دولة مشتركة- الدولة العثمانية. ولا شك في أن هذا الإطار المشترك والتعايش الطويل الذي استمر حوالي 400 سنة يمثل الامتداد الأطول والأحدث والأغنى في العلاقات بين الطرفين. ويعود هذا دون شك إلى تطور مهم يتمثّل في انتشار الإسلام في شبه الجزيرة البلقانية خلال عدة قرون، والذي انتهى إلى أن يصبح الإسلام دين الأغلبية لبعض الشعوب (الألبان والبشانقة) ودين الأقلية لدى بعض الشعوب الأخرى (البلغار والصرب والكروات واليونان). وفي مثل هذا الوضع، حيث أصبح حوالي نصف سكان البلقان من المسلمين وحيث نشأت حوالي مئة مدينة بطابع شرقي مسلم، أن تمتد حدود "الشرق" حتى شمال البلقان حيث أصبحت بلغراد تسمى "بوابة الشرق" حتى مطلع القرن التاسع عشر لأن القادمين من أوروبا الوسطى والغربية كانوا يشعرون مع دخول بلغراد بعبور الحاجز بين الغرب والشرق.." . وأما عن طبيعة التراث الشعبي والثقافة الشعبية البلقانية وأهم مميزاتها، فضيف الأستاذ قائلاً: " يتميز التراث الشعبي البلقاني، وخاصة البلغاري واليوغسلافي والألباني، بحضور ملفت للنظر للعرب/ السود، وهو ما يطرح قضايا كثيرة حول الطابع الميتولوجي- التاريخي لهذا الحضور. وقد اهتم بهذا الموضوع عدد من الباحثين والمستشرقين. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى رسالة الدكتوراه للمستشرق الصربي/ اليوغسلافي راده بوجوفيتش Rade Bogovic " العربي في الأغاني الشعبية الشفوية في اللغة الصربو كرواتية " التي نشرت في بلغراد سنة 1977، ورسالة الدكتوراه للباحث المصري د. جمال الدين سيد محمد " العرب والمفردات العربية في النثر باللغة الصربوكرواتية "، كما وتناول كاتب هذه السطور هذا الموضوع في رسالته للدكتوراه " الصلات الأدبية الألبانية- العربية "..." .
و أما عن تسامح الدولة العثمانية مع أتباع الأديان والثقافات الأخرى في الجزيرة البلقانية، فقد أجمع المؤرخون، المسلمون وغيرهم على هذه الحقيقة التاريخية العثمانية الإسلامية، ولم يشذ عنها إلا من لا عبرة بشذوذه. فقد عاش في ظل هذه الدولة المباركة الألبان والصرب والبوسنيون والأكراد والأتراك والعرب والأرمن والبربر والتشراكسة والسلاف..الخ، وأتباع كافة الفرق والطوائف الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، السنية وغير السنية والقاديانيون والبهائيون والمندائيون والبهرة...الخ، بأمن وأمان، "..ولم تسجل تاريخ الدولة الإسلامية على اختلاف عهودها حادثة اضطهاد ديني واحدة.." ، وأن الدولة العثمانية كانت تتبنى " نظام الملة " العثماني، الذي كان يستمد أحكامه من حقوق أهل الذمة في التشريع الإسلامي، وكانت دولة معارضة للفكرة القومية ولم تكن دولة تركز على العرق التركي الطوراني ،. ولعل هذا الشاهد التاريخي كاف على هذه الحقيقة المشرقة. يقول أ.د.محمد الأرنؤوط في هذا الصدد: " في سنة 1496م ذكر المؤرخ مجير الدين الحنبلي في " الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل " لأول مرة "باب دير السرب" ضمن أبواب القدس، وهو ما يذكره أيضاً في سنة 1701م الشيخ عبد الغني النابلسي في " الحضرة الانسية بالرحلة القدسية". وبين هذين التاريخين لدينا معطيات مهمة تتعلق بأديرة وأوقاف الصرب خلال القرن الأول للحكم العثماني (1516- 1616)..." .
ونظراً لما لهذا التواصل الحضاري والثقافي من الأهمية في حياتنا العامة والخاصة ونشر روح الأمن والسلام والتفاهم بين الناس، فقد أمرنا الإسلام بالحوار والتفاهم والتعارف والتعاون والتواصل الإنساني على اختلاف أجناسه بالأساليب المختلفة، من دعوة ومناظرة ومناقشة ومراجعة ومجادلة. ونظراً لأهمية الحوار في حياتنا الاجتماعية والدينية والسياسية في هذا العصر فإن المحللين يقررون بأن الحوار: "...بأشكاله ومسمياته ومصطلحاته المتعددة يصبح من لوازم الحياة وضمان استمرارها.." ....إذا أحسنوا العرض والحوار والاستدلال والبيان فبذلك تُصقَل الملكات وتُوضَّح المشكلات ونتقدم خطوة إلى الأمام..." . و هذا التقارب بين الطرفين، في نظر البعض الآخر يكفي على: " اتفاقهم على قاسم مشترك أعظم يلتقون عليه.." ، ".. والانطلاق من نقاط الاتفاق لا نقاط الاختلاف، والانطلاق من المقاصد لا من الوسائل..." .
و يؤكد د.عبد الرزاق المقري:"... أن الاتفاق الكامل غير ممكن..." . و حتى تتحقق هذه الثمار الإنسانية المشترك، فهناك من يعتقد بوجوب تفعيل دور العلماء والباحثين في قيادة الأمة، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والعلمية؛ وإشاعة الحديث عن المصلحة العامة..و أن الحوار إذا قام في جو من الاحترام المتبادل والنقاش العلمي والبحث عن الحق دون إتباع الهوى أو تعصب للرأي فإنه سيثمر بإذن الله تعالى ، وأن:"...حالة التأزم، وفكر التأزم والتعصب والتمذهب والتقليد والانغلاق والحجر على العقل وازدياد الطائفيات، يستدعي المراجعة وإعادة النظر ووضع الخطط والبرامج لكيفية عودة الأمة إلى ذاتها، وحوارها مع ذاتها، وإعادة مد الجسور بين أوصالها ورؤاها المبعثرة ... وهنا قضية نعتقد أنها على غاية من الأهمية، وهي أن ننطلق في الحوار من معرفتنا (بالآخر) بكل مكوناته والتعامل معه من خلال ذلك وليس من خلال ما نريد ونتمنى، ولا يمكن أن يكون الحوار مع عدم الاعتراف (بالآخر)؛ وذلك أن الاعتراف به وبخياره ووجوده كواقع شيء، وإقراره على ما هو عليه شيء آخر... .
إن من يتصفح صفحات السيرة النبوية سيجدها مليئة بالشواهد والنماذج على حوارات الرسول  مع غيره من الأعداء "... بل لقد توصل بنتيجة التفاوض والحوار إلى معاهدات ووثائق وبناء نقاط مشتركة، وما وثيقة المدينة مع يهود بطوائفهم جميعاً، وما صلح الحديبية مع المشركين ، وما المعاهدات الأخرى، إلاّ اعتراف بهذا الواقع وعدم إلغائه ونفيه وإقصائه، ولم يقتصر الأمر على الاعتراف وإنما تجاوز إلى مد جسور الحوار أيضاً... ، ولكن لا يكون مد هذه الجسور على الطريقة التي اختارتها بعض المسلمين في بعض البلاد العربية المتحضرة في المغرب العربي بتعاون و تنسيق مع الفرق الموسيقية التبشيرية الأميركية على أن الموسيقى هي لغة الحوار لجميع الفرق والطوائف الدينية دون استثناء.. ؟!
وقد صدق في حق الصرب الأرثودكس المتعصبين قول القائل: ".. فأصحاب الرؤية الأحادية، الذين لا يمتلك تراثهم وقيمهم حق التنوع والاختلاف غير مؤهلين ثقافياً وحضارياً لتقنية الحوار، ولو ادعوا ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن الصراع هو السبيل الوحيد للقضاء على (الآخر)، وترويضه وتعبيده للسيد المهيمن.." ، وأنهم قد أغرتهم المواجهة مع البوسنيين والألبان المسلمين وظنوا أنها ستحقق نتائج قريبة، دون أن يعلموا أن هذه المواجهة تخفي وراءها العواقب الوخيمة؛ والعبرة دائماً بالعواقب.

المبحث الثاني: إطلالة على الأحداث السياسية في جزيرة البلقان – ملامح عقبات الحوار

ولعلنا من خلال هذه الإطلالة التاريخية على بعض التطورات السياسية والاجتماعية والدينية في جزيرة البلقان وأوربا الجنوبية الشرقية، سنتمكن من إلقاء الضوء على جملة من العوامل الداخلية والخارجية والتي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إفشال عملية الحوار بين الشعوب البلقانية، لأننا إذا لم نسترجع ملف الماضي لن نتمكن بحال من الأحوال أن نتعرف على مواطن الضعف والخلل والعقبات التي حالت بين الشعوب الإسلامية في البلقان والشعوب الأخرى غير الإسلامية، ولا سيما الصرب.. فحتى لا تتكرر أخطاء الماضي في هذا العصر أحببنا أن نشير إليها باختصار شديد.
تشير المصادر التاريخية الألبانية والأوربية الحديثة إلى مسألة مهمة، والتي عبروا عنها بـ:أزمة أوربا الشرقية: ( ( Eastern Europe Crisis( (1875-1878 و هذه المسألة فحواها:"..الأحداث البلقانية وأهداف الاحتلال من قبل الدول الأوربية الكبرى وخططهم لتقسيم الأراضي البلقانية المحتلة فيما بينها، والمفاوضات الدبلوماسية العالمية عن الأتراك..." ، ومحاولاتهم الجبارة في إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية.
و من خلال دراستنا وتتبعنا للأحداث والتطورات التاريخية في منطقة البلقان في القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين، استطعنا أن نلاحظ جملة من العوامل والأسباب الرئيسة، التي كان لها دورها الفعال والمباشر في تأجيج النزاعات وإشعال الحروب بين الشعوب الإسلامية والشعوب السلافية الأرثودكسية. و يحسن بنا في هذا الصدد أن ننقل كلام الأستاذ المؤرخ الكبير محمد على الصلابي بشيء من التصرف، حيث يقول:
"..قام سكان الجبل الأسود والصرب بتحريض بلاد الهرسك للخروج على الدولة العثمانية، وكان ذلك عام 1876 م، واستطاع العثمانيون إخمادها، ورغب السلطان عبد الحميد الثاني في منع الدول الأوربية من التدخل، فأصدر قراراً بفصل القضاء عن السلطة التنفيذية، وتعيين القضاة بالانتخاب عن طريق الأهالي، والمساواة في الضرائب بين المسلمين والنصارى...و لم يرض بذلك السكان، فعادوا إلى الثورة التي قمعت أيضاً، ولكن النمسا التي كانت تقف وراء الثورة وترغب في ضم البوسنة والهرسك إليها، استمرت في تحريض السكان ضد الدولة العثمانية، فعملت النمسا مع روسيا وألمانيا وفرنسا وأنجلترا على الطلب من السلطان بالقيام بإصلاحات فوافق عليها السلطان، ولكن نصارى البوسنة لم يتقبلوا بذلك...كما قامت ثورة البلغار في نفس الوقت الذي قام فيه نصارى البوسنة والهرسك بثورتهم بدعم من النمسا والدول الأوربية وخاصة روسيا، فقد تأسست جمعيات في بلاد البلغار لنشر النفوذ الروسي بين النصارى الأرثودكس والصقالبة وكانت تدعمها روسيا وتمدها بالسلاح، وتبذل هذه الجمعيات بدورها جهدها لإثارة سكان الصرب والبوسنة والهرسك...فأخذت الدول الأوربية تثير الشائعات عن المجازر التي ارتكبها العثمانيون ضد النصارى والعكس هو الصحيح...وقام الروس والألمان والنمساويون بدفع الصرب والجبل الأسود للقيام بحرب ضد العثمانيين، كانت روسيا ترغب في توسيع حدودها من جهة بلغاريا، والنمسا تريد توسيع حدودها من جهة البوسنة والهرسك، و وعدت هذه الدول أمير الصرب أمير الصرب والجبل الأسود بالدعم. وشرع الروس بالتدفق على بلاد الصرب والجبل الأسود وتمكنت الدولة العثمانية من الانتصار على الصرب وحلفائهم، فتدخلت الدول الأوربية و طلبت وقف القتال وإلا فالحرب واسعة. واجتمع مندوبو الدول الأوربية في استانبول وقدموا اقتراحات للدولة من أهمها: تقسم بلاد البلغار إلى ولايتين ويكون ولاتها من النصارى، وأن تشكل لجنة دولية لتنفيذ القرارات، وأن تعطى هذه الامتيازات لإمارتي البوسنة والهرسك أيضاً، وأن تتنازل الدولة عن بعض الأراضي للصرب و الجبل الأسود.." .
أما دور رجال الدين الأرثودكس من الروس في تحريض الشعوب السلافية الأرثوكسية ضد الإسلام والمسلمين وتقويض الحوار و نشر الظلم و البغض والكراهية، فحدث ولا حرج. يضيف الأستاذ محمد الصلابي قائلاً:
".. و كانت روسيا ترغب في الوصول إلى المياه الدافئة بسبب عوامل دينية واقتصادية وجغرافية، و قد نص البطرس الأكبر ( 1627-1725م) في وصيته للروس على ضرورة الصراع الحضاري ضد العثمانيين إلى أن تنتهي الدولة العثمانية من الوجود، حيث يقول في الفقرة التاسعة من وصيته: نقترب من القسطنطينية و الهند بقدر الإمكان، فمن يملك القسطنطينية فقد ملك العالم. بناء على ذلك ينبغي ملازمة الحرب مع العثمانيين...نشارك النمسا فيما قصدناه من إخراج العثمانيين من أوربا...وبعد التسلط على الممالك العثمانية نجمع جيوشنا و تدخل أساطيلنا بحر البلطيق و البحر الأسود و نشرع في التفاوض مع فرنسا و دولة النمسا في قسمة العالم بيننا..." .
وقد هتم القادة الروس بهذه الوصايا في عصر السلطان عبد الحميد الثاني، حيث كثرت الثورات بدعم منها والدول الأوربية في البلقان، وسعت روسيا على قيام الدول النصرانية مثل رومانيا وبلغاريا و صربيا واليونان، و يدل على ذلك معاهدة سان ستفانو 15 فبراير 1878م مع العثمانيين، حيث جاء في بنود هذه الاتفاقية: 1- تعيين حدود للجبل الأسود لإنهاء النزاع وتحصل هذه الأمارة على الاستقلال، 2- تستقل إمارة الصرب و تصاف إليها أراض جديدة، 3- تستقل بلغاريا استقلالاً ذاتياً إدارياً، و يكون موظفو الدولة و الجند من النصارى، 4- تحل دولة رومانيا على استقلال تام، 5- يتعهد الباب العالي بحماية الأرمن و النصارى من الأكراد و الشركس، 6- تدفع الدولة العثمانية غرامة حربية قدرها 250 مليون ليرة ذهبية.. ، وأيضاً يدل على ذلك التوصيات والقرارات الناجمة عن مؤتمر برلين عام 1887م، حيث اتفق المؤتمرون على تعديل بعض القرارات الناجمة عن اتفاقية سان ستفانو لأنها لم تعجب الأوربية و لم تتفق مع مصالحها.
ومما يثير العجب والغرابة أنه في كلتا الاتفاقيتين لم يرد ذكر المسلمين الألبان أبداً على لسان هؤلاء الحاضرين من الروس والعثمانيين، و أن "... تشكيل الدويلات الأخرى النصرانية الأرثودكسية المجاورة لألبانيا مثل صربيا، واليونان، والجبل الأسود، و بلغاريا، كانت تشكل تهديداً أمنياً ودينياً حول المصير الألباني المسلم.. " .
وهذا المشهد التاريخي المؤسف و المخزي كاف لإبراز تلك الموقف المحايدة و اللاموضوعية واللاإنسانية من قبل الدول الأوربية الكبرى تجاه الشعوب الإسلامية عامة، والألبان والبوسنيين خاصة. ولا شك أن هذه المواقف المخجلة تعتبر في هذا العصر من أهم العقبات التي تحول بيننا وبين تحقيق الأمن والسلام والتعيش السلمي والوئام .

المبحث الثالث: من الآثار السلبية الناجمة عن تلك المواقف المشينة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين.. انهيار الدولة العثمانية وتأثير ذلك على المسلمين الألبان في جزيرة البلقان

إن تاريخ وقضية المسلمين الألبان مرتبطة شديدة الارتباط بتاريخ الدولة العثمانية. لقد ثبت تاريخياً أن عدداً كبيراً من الشخصيات الألبانية مارسوا وظائف مرموقة واحتلوا مناصب عالية في جهاز إدارة الدولة العثمانية . فكان منهم الوزير ورئيس الوزراء، وعلماء الدين – المراجع الدينية - وقد أطلق على هؤلاء الشخصيات السياسية والدينية المرموقة أيام الدولة العثمانية بـ: ( الصدر الأعظم ) ، و( شيخ الإسلام ) في الدولة العثمانية ..الخ. وحسب دراسات وإحصائيات بعض الباحثين الكبار أن خلال العهد العثماني، حوالي أربعون شخصية ألبانية كبيرة قد شغلت هذه المناصب والوظائف العالية في الدولة العثمانية. فلأجل ذلك فإن أي تطور أو تغيير يحدث في الدولة العثمانية سلباً أو إيجاباً، كانت تعكس نتائجها على الألبان بنفس المردود، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الديني.
الجانب الآخر والأهم الذي يكمن في هذا المبحث هو أن حركة التمرد والعصيان التي قامت ضد الدولة العثمانية بقيادة بعض الشخصيات الدينية الإسلامية الألبانية بلغت ذروتها في هذه المرحلة، أي مرحلة ظهور ملامح الضعف والانهيار. إن ضعف الدولة العثمانية كان يزداد يوماً بعد يوم، وكذلك وضع الألبان وألبانيا كان ينهار ويضعف تبعاً لانهيار وضعف الدولة العثمانية. الدول المجاورة الكاثوليكية والأرثودكسية السلافية مثل اليونان والمملكة الصربية والجبل الأسود ، كانت تسعى على استقلاليتها وانفصالها من الدولة العثمانية بمساعدة الدول المجاورة، وأيضاً فإن تلك الدول كانت تسعى على توسيع نطاق وحدود أراضيها على حساب الأراضي الألبانية من الشمال والجنوب والشرق . و بسبب الموقف المحايد والجائر من قبل تلك الدول الأوربية، وسعيهم الحثيث لإسقاط الدولة العثمانية بكل الوسائل المتاحة، فقد نجحوا ف من قبل تلك ي تحقيق أهدافهم وأطماعهم. و لا شك أن تلك الجهود المبذولة من قبل تلك الدول لهي وسمة عار على جبين الشعب الأوربي إلى قيام الساعة، و لا شك أن هذه المحاولات إذا ما تكررت في هذا العصر أنها ستشكل عقبة كبرى أمام الحوار المنشود.
إذا عرفنا هذه الحقيقة يحسن بنا أن نتعمق قليلاً لكي نصل إلى جذور هذه المشكلة، وهو البحث عن العوامل التي أدت بهذا الكيان العملاق الشامخ ( الدولة العثمانية ) أن ينهار وينسف نسفاً، بعد أن عاش مدة من العمر غير قصيرة، ستمائة سنة إلا ستين عاماً وكيف كان موقف المسلمين الألبان أمام هذا التحدي الكبير – تحدي زوال الدولة العثمانية وسقوطها - نرى من الفائدة أن نبدأ بكلام الأستاذ المؤرخ الكبير الدكتور عماد الدين خليل في هذا الصدد إذ يقول:
" ..إن التدهور لا يعني - بالضرورة - السقوط النهائي، والانسحاب من الميدان..و أن التدهور لا يحدث فجأة أو عبر فترات زمنية قصيرة، وإنما تتجمع روافده من هنا وهناك خلال أزمان متطاولة قد تستغرق في أغلب الأحيان القرون الطوال. هذا إلى أن التدهور لا ينفرد به عامل واحد، و إنما هو وليد جملة من العوامل التي يتداخل بعضها مع البعض الآخر بحيث يصعب – أحياناً –فك الارتباط بينها من أجل تبين الحجم الحقيقي لكل منها. إن ظاهرة التدهور الحضاري تتشكل ببطء و على مكث، وتسهم في صنعها عوامل و مؤثرات شتى: عقدية وسياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية وجغرافية وأخلاقية..". ومن خلال تتبعنا حول عوامل هذا الموضوع في مختلف المصادر و المراجع نستطيع أن نجمل هذه العوامل في النقاط الآتية:
يرى البعض أن التخلف العلمي والصناعي للدولة العثمانية كان من أهم العوامل . بينما يرى الآخرون أن الاعتزاز والافتخار الوطني القومي، الذي بدا في أوساط الشعوب المسيحية في الدولة العثمانية كان من أهم الأسباب، حيث أنهم كانوا يرون لأنفسهم فضلاً على غيرهم من المسلمين، وهذه النزعة القومية بدأت مع الثورة اليونانية عام 1821م .
وذهب البعض الآخر إلى أن التوسع العسكري والسياسي والديني الروسي، أو الحركة الروسية الدينية الأرثودكسية: Russian Orthodox Panslavism))، قد لعبت دوراً كبيراً في إسقاط الدولة العثمانية، وذلك بهدف إنقاذ و تحرير نصارى البلقان، وبالأخص النصارى الذين كانوا تحت حكم و قبضة الدولة العثمانية .
إن تورط بعض الولاة والأمراء المحليين في المحرمات مثل أكل الرشوة و غيرها ، وفقدان الخلق والجهاد الإسلامي وإهمال تطبيق الحدود الشرعية، من السلاطين المتأخرين كان ذلك من أكبر العوامل.. .
فقدان السيطرة التامة على أمن الشعوب في الدولة العثمانية بسبب فتوحاتها وحروبها المتتالية، والتوسع السياسي والعسكري للدولة في القارات العالمية الثلاثة، آسيا وأوربا وأفريقيا، كان ذلك أيضاً من العوامل المباشرة، حيث كلفهم ذلك كثيراً في العتاد والعدة. وتاريخ الدولة العثمانية كله حروب وفتوحات، ما عدا ثمان وعشرين عاماً فقط من مجموع القرون الخمسة كانت بلا حروب.. .
إن تقليد بعض السلاطين لنمط الحياة الغربية في حياتهم الشخصية الخاصة، والترف والإسراف الزائد وغيرها كان أيضاً من جملة العوامل، مما أغرق ذلك الدولة العثمانية في الديون الثقيلة، وأدى ذلك إلى إفلاس الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد المجيد.. .
إن التطفل الإداري والانشغال عن الواجبات الدينية والإدارية والتقاعس عن النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل العلماء والمشايخ ورجال الدين.. كان ذلك أيضاً من جملة الأسباب والعوامل الخفية التي أدت بالدولة العثمانية إلى الهاوية.
وعلى رأي بعض الباحثين فإن بداية مرحلة التدهور وانحطاط الدولة العثمانية.. كانت مع موت السلطان المجاهد سليمان القانوني المعظم سنة 1566م.
ويرى بعض العلماء أن القوميين في الدولة العثمانية في مرحلتها الأخيرة تبنوا الفكرة القومية الطورانية وسياسة التتريك، والتي كانت من ورائها يهود البلقان الموجودون في داخل الدولة العثمانية والذين تسموا بأسماء إسلامية. هذه الفكرة كانت بمثابة فنبلة فجرت في جسم الدولة العثمانية فأدت إلى تفكيكها و تقطيعها إلى أوصال و أشلاء، لا يزال المسلمون في عصرنا الحاضر يعانون من آثارها..
وأخيراً يبدو للباحث أن الإعلان والتبني الرسمي لإدخال الإصلاحات الإدارية والتنظيمات الدستورية في دستور الدولة العثمانية، والتي تولدت من بعض العثمانيين المثقفين والمتعلمين في الدول الغربية . يعتبر ذلك من كبرى بدايات العوامل التي أدت إلى ضعف و انهيار الدولة العثمانية. و قد جمع المؤرخ الدكتور محمد على الصلابي أسباب سقوط الدولة في هذه النقاط نرى من الفائدة ذكرها مختصراً: 1-من لوازم الإيمان الصحيح الولاء و البراء، 2-انحصار مفهوم العبادة، 3-انتشار مظاهر الشرك و البدع و الخرافات، 4-الصوفية المنحرفة،5-نشاط الفرق المنحرفة، 6-غياب القيادة الربانية، 7-رفض فتح باب الاجتهاد، 8-انتشار الظلم في الدولة، 9-الترف و النغماس في الشهوات، 10-الاختلاف و الفرقة..
ويمكن اعتبار هذه الإصلاحات من الناحية السياسية والاجتماعية والدينية أيضاً، أنها كانت تهدف إلى غرس الفكرة الأوربية الغربية في الدولة العثمانية عموماً وفي نفوس المسلمين خصوصاً، وأن المخططات الصهيونية اليهودية والنصرانية الصليبية كانت من وراء ذلك، وعلى قمة تلك الأسباب والعوامل التي أدت بالدولة العثمانية إلى السقوط.
أما عن الأضرار الناجمة من جراء تلك الإصلاحات الإدارية و أثر تلك الإصلاحات على المسلمين الألبان، فيذكر الباحثون أنها أنجبت أضراراً بالغة لهم، منها:
أن:" الإدارة المدنية والعسكرية إلى ما قبل إعلان الإصلاحات الإدارية كانت تقريباً كلها بيد الألبان، ومع حلول الإصلاحات بدأ يتوافد الموظفون من مركز الدولة العثمانية ومن جنسيات وشخصيات أجنبية غير ألبانية.." ، مما سبب ذلك إحراجاً على الألبان وردة فعل سلبي لديهم، و أدى ذلك إلى اندلاع المنازعات والخصومات مع هؤلاء الولاة الأجانب الوافدين إلى الديار الألبانية.
ومن الآثار السلبية الأخرى التي لحقت بالألبان أيضاً أن:"..فكرة ومنهج الإصلاحات الإدارية أضرت للغاية بالطبقة الفقيرة والعاملة من الألبان. حسب القانون الجديد فإن الأجرة المالية التي كان يتقاضاها الألبان قد ألغيت من الخدمة العسكرية، بينما قبل هذا القانون كانت الخدمة العسكرية بالأجرة... وقبل إصدار القوانين الجديدة كانت الخدمة مؤقتة، وحسب مدة الحروب، بينما في عصر الإصلاحات كانت الخدمة تطول من سبع سنين إلى اثنا عشرة سنة .." .

الفصل الثاني: تآمر القوى السياسية والدينية الأرثودكسية والكاثوليكية على إبادة المسلمين

المبحث الأول: الحركة الدينية الروسية والصربية الأرثودكسية وموقف الدول الأوربية المحايد تجاه القضية الألبانية المسلمة – عقبة أخرى من عقبات الحوار في هذا العصر

أما بالنسبة للحركة الروسية السلافية الدينية الأرثودكسية:(Russian Orthodox Panslavism ) ، فإن هذه الحركة الدينية السياسية كانت تهدف لتحرير و إنقاذ النصارى الأرثودكس من الحكم العثماني الإسلامي ومن الحكم النمساوي الكاثوليكي، وكانت تعتقد أن سكان روسيا وبولاندا وتشكوسلوفاكيا وصربيا وكرواتيا وبلغاريا وسلوفينيا ، يعتبرون قومية واحدة وينحدرون من نسل وعرق مشترك .
كما اعتقد هؤلاء جميعاً أن أوربا قد أصيبت بداء عضال وأنه قد حان وقت هلاكها وزوالها، وأن في ذلك إيذاناً بميلاد إمبراطورية كبرى يكون مركزها في استانبول. و عندما اندلعت الحرب الروسية - العثمانية سنة 1853م-1856م ، ظن الروس الأرثودكس أنه قد حان موعد تشكيل وتأسيس تلك الإمبراطورية الكبرى المنتظرة .
و تشير المصادر التاريخية أنه عندما تم اتحاد ألمانيا الشرقية والغربية سنة 1871م، حرك ذلك الاتحاد مشاعر الروس نحو تحقيق مطامعهم وأحلامهم الدينية. هذا يبدو واضحاً وجلياً من كلام أحد أبرز المستشرقين الروس، و هو نيكولاي ياكولوتش دانيلسكي :(Nikolaj Jakovlevic Danilevskij) ، حيث ذكر في كتابه المشهور: ( روسيا و أوربا ) – Russia and Europe): ".. إن المسألة والقضية الشرقية في القرن التاسع عشر ما هي إلا حلقة حرب طويلة بين روما واليونان – باعتبار اليونان نصارى أرثودكس، وباعتبار روما نصارى كاثوليك، وأن الألمان الآن يعتبرون أهل روما، وأن الروس يعتبرون أهل بيزنطة، أي أرثودكس-.. .
وكما يظهر واضحاً من كلام هذا المستشرق الروسي أن التعصب والحقد الديني الروسي تجاه غيرهم و المسلمين خاصة ظاهرة أصيلة في قلوبهم إلى أن تقوم الساعة، لأن " ... دراسة الشرق العربي ـ المسلم، جاءت بقرار كنسي، ونتيجة من نتائج الحروب الصليبية، التي كانت أيضاً بقرار ديني ولئن كانت دوافع الدراسات العربية الإسلامية، في حقيقتها دوافع استعمارية، فإن هذه الدوافع انبثقت من رحم الحروب الصليبية، التي كانت أول تجربة استعمارية خاضتها أوروبا خارج حدودها، حيث أسقط الغرب الأوروبي ضعفه على الشرق العربي الإسلامي، وحاول إيجاد حل لمشاكله المتفاقمة دينياً واجتماعياً واقتصادياً في هذه الحروب التي اجتاحت جيوشها الشرق العربي المسلم، فبعد أن تفشى الفساد في الكنيسة والمجتمع، رأى البابا أربان الثاني (1088 ـ 1099م)، أن من الضروري القيام بمغامرة مثيرة تضع العالم المسيحي بأجمعه أمام عمل وهدف مشترك، وكان خطابه في المجمع الكنسي في كليرمونت والذي دعاه لجلسة استثنائية في تشرين الثاني (1095م)، تعبيراً صريحاً عن الواقع المتصدع الذي يعيشه الغرب المسيحي، والرغبة الواضحة في وضع هذا الغرب أمام هدف عام واحد، فقد قال في خطابه أمام المجمع المذكور (انهضوا وأديروا أسلحتكم التي كنتم تستعملونها ضد إخوانكم، ووجهوها ضد أعدائكم، أعداء المسيحية، إنكم تظلمون اليتامى والأرامل، وأنتم تتورطون في القتل والاغتصاب، وتنهبون الشعب في الطرق العامة، وتقبلون الرشاوى لقتل إخوانكم المسيحيين، وتريقون دماءهم، دونما خوف أو وجل أو خجل، فأنتم كالطيور الجوارح آكلة الجيف، التي تنجذب لرائحة الجيف الإنسانية النتنة، ضحايا جشعكم، انهضوا إذن، ولا تقاتلوا إخوانكم المسيحيين بل قاتلوا أعداءكم الذين استولوا على مدينة القدس، حاربوا تحت راية المسيح، قائدكم الوحيد، افتدوا أنفسكم، أنتم المذنبون المقترفون أحط أنواع الآثام وهذه ((مشيئة الله)). وأربان الثاني هو خليفة البابا غريغوريوس السابع اليهودي الأصل، والذي هو صاحب فكرة الحملة الصليبية لتحرير القدس.."
بعد هذه الأحداث قامت صربيا والجبل الأسود مندفعين من الحركة السلافية الأرثودكسية الروسية معلنين حرباً على الدولة العثمانية في سنة 1/7/1876م. هذه الحركة الروسية الدينية السلافية يوماً بعد يوم بدأت تظهر ملامحها و ضخامة شأنها و خطورة أمرها، فتحولت القضية إلى أمر حاسم: الإسلام أم النصرانية، أو المسلمون أم النصارى، أوربا أم آسيا ؟؟ وفي الوقت ذاته إنكلترا هي الأخرى أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، فتفاقمت الأمور للغاية ، و هكذا نرى أن القوى العالمية الصليبية قد تجمعت ضد الدولة العثمانية.
وقد ظهرت إلى الوجود حقيقة هذا الكره والتعصب الديني والقومي وهذا الكره للإسلام والمسلمين الألبان في مؤتمر برلين 23/12/1876-20/01/1877، حيث أعدوا وثيقة ومذكرة مشتملة على مطالب قاسية من الدولة العثمانية متعمدين إخراج القضية الألبانية المسلمة من برنامج أعمال المؤتمر. و إن نظرة سريعة على توصيات وبنود هذه المذكرة الجائرة لكافية على فهم وإدراك خطأ وظلم و عدم موضوعية و نزاهة تلك الدول الكبرى للقضية الألبانية المسلمة، فنذكر منها ما يلي:
1. نزع سلاح المقاومة من مسلمي بلغاريا و البوسنة والهرسك،
2. إبعاد الموظفين المسلمين من هذه المناطق،
3. تشكيل الشرطة من الأفراد و العناصر النصرانية فقط،
4. الجنود العثمانيون يسمح لهم بالبقاء في القلاع المرتفعة فقط،
5. إلغاء العُشْر،ِ و هي الجزية التي كانوا يدفعون للدولة العثمانية،
6. فرض استخدام اللغة السلافية الأرثودكسية في المحاكم والدوائر الحكومية،
7. تعيين الولاة في الدول الإسلامية من النصارى فقط، كما كان الحال مع والي لبنان،
8. تعذيب هؤلاء المسلمين الذين اشتركوا في الجرائم ضد النصارى، وإجبارهم على دفع تعويض مالي لهم لتلك الأضرار.. .
فكما رأينا أن في هذه الوثيقة الجائرة، أن قضية الألبان المسلمين كانت منسية تماماً ولم يرد ذكر الألبان على لسان الدبلوماسيين الغربيين .
و لحسن الحظ، فقد خرج المشاركون والحاضرون من هذا المؤتمر خائبين خاسرين، و غير متفقين على بنود تلك المذكرة، و أن الممثلين الدبلوماسيين من الدولة العثمانية رفضوا جملة وتفصيلاً قبول تلك البنود، فما كانت من روسيا إلا أن تعلن حرباً على الدولة العثمانية سنة 26/6/1878م. و في هذه الظروف الصعبة، أعلنت صربيا والجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية، لأنهم استغلوا انشغالها بروسيا، وظنوا أنها لن تتمكن من السيطرة عليهم .
ولكن نظراً لضعف الدولة العثمانية في العَدد والعُدّة، لم تر من مصلحتها خوض حرب خاسرة مع روسيا. وفي تاريخ 3/3/1878م، فقد صالح العثمانيون هؤلاء الروس موقعين على اتفاقية ذات البنود التسع والعشرين، كان جلها ضد مصالح الألبان و مستقبلهم السياسي و الجغرافي والعرقي والثقافي .
ونظراً لهذه التطورات السياسية الجائرة التي شهدتها الساحة العالمية والأراضي الألبانية، فما كان من الألبان إلا أن يؤسسوا منظمة ورابطة ألبانية: Albanian League of Prizren سنة 1878م –1885م، وذلك لمقاومة الخطر الذي كان يداهمهم. وهذه الرابطة الألبانية كانت بمثابة الثورة الألبانية العامة ضد تصرفات الدولة العثمانية في حقهم، وضد القرارات الجائرة من الدول الكبيرة المستعمرة. و أما العوامل التي أدت إلى تأسيسها، ومعرفة دورها وهدفها وعناصرها التشكيلية ، فيرى المؤرخ الكبير أ.د. الألباني الكوسوفي اسكندر رزاي (Skender Rizaj) أن هناك أربعة عوامل خارجية وداخلية ساهمت في تأسيس هذه الرابطة:
خلافات و نزاعات الدول الكبرى الأوربية على حساب و مصالح الألبان،
1. الإصلاحات السياسية والاجتماعية والإدارية في الدولة العثمانية ضد مصالح الألبان،
2. تهجير وطرد لعدد كبير من الألبان المسلمين من ديارهم إلى الدول المجاورة
3. الحاجة الماسة والملحة للحصول على استقلال ذاتي ، كما أعلنت صربيا والجبل الأسود استقلالها من الدولة العثمانية.
وأما سبب خروج هذه الرابطة و طلائعها إلى الساحة، فيتضح من خلال كلام الباحث التركي الذي ذكره الأستاذ الكبير Skender Rizaj : " [ كان من نتيجة الحرب التركية الروسية سنة 1877م أن دول البلقان المجاورة أرادت أن توسع من دائرة حدودها على حساب الألبان وأراضيهم. هذا الوضع دفع بالألبان إلى التفكير في مستقبلهم، وكيف سيكون وضعهم إذا ما انهارت الدولة العثمانية. أيُعْقَل أن يقبلوا حكم الإغريق أو الصرب ويعودون إلى الأسر و العبودية من جديد ؟!! فلأجل ذلك شكلوا و أسسوا الرابطة الألبانية حتى يكون لهم مجلس قومي في ألبانيا، ومن ثم ينفصلوا عن الدولة العثمانية].." .
وأخيراً في الحرب البلقانية 1912- 1913 عندما دق ناقوس الخطر، قاموا وهم في هذه المرحلة الحرجة، حيث التهديد للهوية الدينية والقومية والتقسيم الجائر لأراضيهم من قبل الدول السلافية المجاورة، قاموا وأعلنوا استقلال ألبانيا في تاريخ 28/11/1912م .
ويبدو للباحث أن الدولة العثمانية لو أحسنت في تعاملها مع الألبان وحافظت على كيانهم وقامت بتلبية بعض مطالبهم، لوجدوهم خير معين وأفضل نصير لهم، لأنهم تاريخياً أثبتوا تفانهيم وإخلاصهم ووفاءهم تجاه الدولة العلية، حيث لم تكن هناك بعثة عسكرية أيام الدولة العثمانية إلا وعلى رأسها قائدٌ ألبانيّ، شجاعٌ محنكٌ، و ما ذلك إلا للمؤهلات القيادية والحربية التي كانوا يحملونها ويتمتعون بها دون غيرهم والله أعلم.

المبحث الثاني: موقف الدول الأوربية المخزي من تنفيذ مشروع التطهير العرقي الصربي للمسلمين الألبان والبوسنيين

إن الأراضي الألبانية في العصر الحديث قد شهدت أنواعاً مختلفة من التطورات والتغييرات والحروب، ومن جملة هذه التطورات الاجتماعية والدينية والسياسية كانت قضية الهجرة وتهجير المسلمين الألبان، أو بعبارة أخرى التطهير العرقي للمسلمين الألبان، حيث أجبروا كرهاً إلى الهجرة إلى أماكن نائية ومجهولة، فارين بدينهم و أرواحهم وأموالهم. القوات الروسية والصربية والبلغارية بتعاون وتنسيق مع قادة الدول الأوربية المجاورة، بحثوا فيما بينهم على كيفية تحقيق هذا الغرض، وقد تحقق فعلاً هذا المشروع وفقاً على الطريقة التي خططوا له وسعوا لأجله. فقد هاجر عدد كبير من المسلمين، وتخلوا عن أوطانهم وأموالهم ليحل محلهم النزلاء الصرب والروس والبلغار وأهل جبل الأسود.
و في مؤتمر برلين 13.04.1878 تمت الصفقة التجارية الكبرى، حيث تم إعطاء الأراضي الألبانية للصرب من قبل الدول الكبرى الأوربية، ووصل الأمر بأعضاء المؤتمر إلى عدم اعتراف بالوفد الرسمي المرسل من كوسوفا لحضور فعاليات المؤتمر، بل لم يسمح لهم حتى بالدخول إلى قاعة المؤتمر..وهكذا علنا أنكروا وجحدوا حقوق الألبان، حتى أنهم لم يعترفوا بوجودهم أصلاً، و اعتبروا الألبان من المواطنين الأتراكً.إن الأسباب والعوامل التي من أجلها اضطر الألبان المسلمون إلى مغادرة أوطانهم، كانت بعضها دينية، و بعضها اقتصادية وسياسية. على رأس تلك الأسباب الدينية كانت الخدمة العسكرية الإجبارية في صالح الصرب النصارى الأرثودكس، حيث كان يكره الجنود المسلمون أن يتقيدوا باللباس والزي العسكري الصربي وأن يشاركوا الجنود الصربيين في نمط حياتهم و أكلهم و شربهم .

وتذكر لنا مصادر التاريخ جرائم هؤلاء. فقد قاموا بعمليات إكراه النساء المسلمات على الزنا، وسرقة واغتصاب أموال المسلمين وممتلكاتهم وثرواتهم، ومحاصرة و تجويع المسلمين. كما أنهم قاموا بحرقهم أحياء في المساجد و المحلات التجارية و الأماكن العامة، و غيرها من أنواع التعذيب و الإبادة مما يعجز اللسان عن وصفها .
إن حذر الألبان من تغيير الهوية القومية والعرقية والدينية، جعلهم يحسبون لذلك حسابها إن هم وقعوا أسرى في أيدي الصرب وأهل الجبل الأسود واليونان الحاقدين المتعصبين ، فكان ذلك من الأسباب الرئيسة التي دفعتهم إلى الهجرة .
وأيضاً خوف مسلمي البلقان عامة من الردة إلى النصرانية الأرثودكسية السلافية، دفعهم ذلك إلى أن يفكروا بالهجرة، كما كان الحال مع مسلمي بلغاريا حيث إن كثيراً منهم ارتدوا إلى النصرانية، لأن الذين كانوا يتنصرون كانوا يسلمون من المذابح و المجازر الصربية والبلغارية .
ومن الأسباب التي دفعت المسلمين الألبان عامة إلى الهجرة، هو الظلم الشديد والضغوط القاسية التي كانت تمارس في حقهم من قبل الروس والصرب وأهل الجبل الأسود ، وذلك بحجة الدفاع عن الديانة النصرانية السلافية.
ومن الباحثين من يرى أن الأسباب الاقتصادية أيضاً دفعت الألبان إلى الهجرة. هذا العامل وإن كان صحيحاً نسبياً في حق فئة قليلة من الألبان النصارى الأرثودكس، ولا يعمم ذلك على جميع الألبان المسلمين وهم الغالبية العظمى. و علل صاحب هذا الرأي كلامه بأن"..التطورات الاقتصادية و الاجتماعية في القرن التاسع عشر جلبت معها موجة الهجرة الجماعية إلى استانبول، حيث أصبح مأوى لأكثر من: 60.000.00 ( ستون ألفاً) من المهاجرين الألبان. و من استانبول كانوا يتجهون نحو اليونان ومصر ورومانيا وروسيا الجنوبية وإيطاليا وأخيراً إلى أمريكا وأستراليا..." .فكما قلت أن الألبان من جنوب ألبانيا و هم نصارى أرثودكس، هم الذين غادروا بلادهم للأسباب الاقتصادية و المعيشية .
إن القادة السياسيين من الصرب كانوا يطيعون رجال الفكر والمعرفة من المستشرقين الصرب طاعة عمياء، حيث كان يتم تهجير الألبان المسلمين وإخراجهم من أراضيهم بتنسيق وتعاون كبير فيما بينهم. والمستشرقون الصرب هم الذين مهدوا الطريق أمام قادتهم. جاء ذلك على لسان أحد المستشرقين الصرب، وهو صاحب فكرة التطهير العرقي؛ أن صربيا إذا ما أرادت أن تكون آمنة ومطمئنة، فعليها أن تطهر أرضها من كل العناصر الغريبة ما عدا العنصر والعرق السلافي الصربي، مدعياً أمامهم أن هجرة الألبان و المسلمين عموماً تمت برضا وطواعية من عند أنفسهم، ولم يكن هناك إكراه أو إجبار روسي أو صربي أو بلغاري على الهجرة.. !!!
إن التاريخ يحدثنا بأن ظاهرة التهجير الجماعي للمسلمين الألبان كانت تتم باتفاقيات سرية بين السلطات التركية واليوغسلافية، وذلك خلال السنوات 1939م–1944 م ، حيث كان لهم دور كبير و بارز في إعداد وتخلية الأراضي الألبانية للمستوطنين الجدد من الصرب. فقد قدرت السلطات اليوغسلافية في ذلك الوقت أن تهجر أكثر من ثمانية آلاف أسرة ألبانية مسلمة عنوة وبالقوة، كما حدث ذلك في المدن التابعة لولاية كوسوفا، والتي حالياً أصبحت من المدن الصربية المعروفة والمشهورة (Pirot, Kurshumli, Vranje, Prokuple, Leskovc ) ، وذلك إما بحرق بيوتهم أو مصادرة ممتلكاتهم وتدمير وقصف قراهم وغير ذلك من الأساليب اللانسانية والوحشية. وتم تدمير وحرق: 182 ( اثنان وثمانون ومائة ) قرية ألبانية مسلمة في بدايات النصف الأول من القرن العشرين. .
فقد قامت الجيوش الروسية بتسليح البلغار وتحريضهم على خوض حرب مقدسة دينية أرثودكسية، وحرضوهم على ارتكاب المجازر والمذابح ضد المسلمين الموجودين. على صعيد آخر قامت السلطات النصرانية في الجبل الأسود بتهديد المسلمين المحليين، وذلك إما أن يقبلوا التسلح والنفير العام والخروج معهم لقتال المسلمين ، وإما أن يهاجروا و يغادروا قراهم .
تشير الإحصائيات إلى أنه قد تم تهجير أكثر من: 1.000.000 ( مليون واحد من المسلمين ) من منطقة البلقان إلى الدول الأخرى بين السنوات 1877م- 1879 م .
أما كيفية النقل ووسائل التسفير لهؤلاء المهاجرين، فهذا شيء يثير العجب والغرابة من تصرفات الدولة العثمانية في لحظاتها الأخيرة. فقد كانت تستأجر السفن والبواخر من أنكلترا وفرنسا والنمسا ومصر وروسيا، وتولت هي مهمة دفع أجور النقل لهؤلاء، وكانت قد خصصت لجاناً خاصة تتولى شؤون الهجرة. و من أهم محطات المهاجرين في تركيا كانت هذه المدن: Edirne, Istanbul, Qanakalaya, Samsun, Izmir) ) .
وتذكر المصادر التاريخية أن كثيراً المهاجرين المسلمين من البلقان اتجه نحو الأناضول سوريا وقبرص والجزيرة العربية وحلب ودمشق وأضنا وديار بكر ومدينة سلانيك اليونانية وغيرها من المدن ، و أن عدد المهاجرين فقط من ولاية كوسوفا بلغ 200.000 (مئتا ألف مهاجر ) .
ونرى من الفائدة العلمية أن نذكر تقرير أحد قادة الصرب المتعصبين، وحامل لواء التهجير والطرد للمسلمين، واصا تشوبرلويتش Vasa Cubriloviq)) حين قال: " إن عملية طرد الأتراك ( الألبان والبوسنين والأتراك والتشراكسة) من قراهم ومدنهم، وتوطين تلك الأراضي بالسكان الجدد المستقدمين من صربيا والجبل الأسود ، تم في أسرع وقت مما كنا قد قدرنا وخططنا له...الصربيون المضطهدون من الألبان والذين هربوا إلى المناطق الجبلية الوعرة، نزلوا إلى تلك القرى الخاوية. وبالتدرج وصل سكان الجبل الأسود إلى هذه القرى وهذه المدن، التي تطهرت وخلت من الألبان والمسلمين، وهكذا فإن القرى الصربية الجديدة بدأت تنبت من الأرض بعد أن لم تكن موجودة .." .
ومن الآثار السياسية والاجتماعية السلبية والناجمة عن إجبار الألبان والمسلمين عموماً على الهجرة، أن هذه الظاهرة أحدثت فجوة كبيرة بين الألبان المسلمين والصرب من حيث الحقد والكراهية بينهم إلى قيام الساعة .

المبحث الثالث: موقف رجال الفكر والسياسة والدين الصربيين المحايد والجائر من القضية الألبانية المسلمة – أكبر عقبة للحوار التعايش السلمي

أما فيما يخص الجذور التاريخية لهذه الفكرة والعقدة القومية الصربية لتشكيل صربيا الكبرى وكره وبغض غير العنصر والعرق الصربي، ولا سيما الألبان المسلمون، فيرى الأستاذ الكبير الؤرخ الدكتور موسى غاشي Dr.Musa Gashi أن: " رجال الفكر والمعرفة من الصرب غذوا شعبهم بسموم الخرافات والأساطير والأكاذيب والوعود الخيالية على محاولاتهم والقيام بتشكيل صربيا الكبرى غير مقهورة و ذات قوة و نفوذ كبير في البلقان، منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين. كما أنهم كانوا يحرضون الشعب الصربي أن بعد زوال الدولة العثمانية حان الوقت لإحياء مملكة صربيا الكبرى من جديد حتى تنتقم من الإسلام و المسلمبن وأن تتسلم هي زمام الأمور في الجزيرة البلقانية. ومن رواد هذا الفكر المسموم والخبيث الذين برزوا في منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا نذكر:
1- إليا غراشانن Ilija Garashanin ، 2-جهان سويتش Johan Cvijic، 3- جهانوتش Jovanovic، 4- رادوانوتش Radovanovic،5- جرجوتش Gjorgjevic، 6-دتشش Ducic، 7- مولوتش Molevic ،8- دراجو مهايلوتش Drazho Mihajlovic،9- واصا تشوبرلوتش ( صاحب الفكرة للتطهير العرقي ووزير الداخلية السابق) Vasa Cubrilovic،10- سلوبودان ميلوشوتش ( الريئس الصربي الذي هلك ) Slobodan Miloshevic، 11-ويسلاف ششل(من أشد الناس تعصباً للعرق الصربي و القومية الصربية الحالي) Vojislav Sheshel،12- وُق كراجتش،(وزير الداخلية الحالي) Vuk Karaxhic،13- ستفان مليوتش Stefan Moljevic،14- ميلوراد أكمتشش Milorad Ekmecic،15- واسيليو كرستش Vasilijo Krestic،16- مهايل ةاركووتش Mihajl Markovic، 17-إيوو آندتشش Ivo Andricic ،18- دوبرتسا تساستش Dobrica Casic، بيتار غراتشانن Petar Gracanin، 19- راتقو ملادتش( من كبار المجرمين في حرب البوسنة و لا يزال في قائمة المطلوبين للمحاكمة إلى يومنا هذا) Ratko Maldic، رادوان كراجج) من كبار المجرمين في حرب البوسنة و لا يزال في قائمة المطلوبين إلى يومنا هذا)Radovan Karaxhixh..فهم الذين كانوا يقفون وراء الخرافات و الأساطير بأن صربيا كانت ضحية حرب ومعركة كوسوفا المشهورة سنة 1389 ،حيث خسروا فيها خسراناً كبيراً، ولكن هذه الخسارة عند الصرب تعتبر نصراً ؟؟؟!!! و بناء على هذه الخرافة فشعب الصربي شعب مضطهد !!؟؟!، شعب الله ؟؟!!، دمه مقدس ؟؟!!، تاريخه مقدس؟؟!!، أرضه مقدس؟؟!!، حدودها مقدسة؟؟!!..الخ، و بناء على تلك الخرافات فإنهم كانوا يجدون دعماً معنوياً ومادياً من الكنيسة الصربية الأرثودكسية إلى يومنا هذا، و أن الكنيسة بتشجيعها وتحريضها أشعلت نيران الفتنة و الحروب و النزاعات و الكره و البغض بين الشعوب البلقانية المسلمة و الشعوب السلافية الأرثودكسية، إلى حد أن الصرب أنفسهم شهدوا على أنهم كانوا السبب الرئيس في إشعال نيران الحرب العالمية الأولى و الثانية. بمثل هذه السياسة الخبيثة واللاأخلاقية واللاإنسانية دفعوا الشعوب البلقانية الإسلامية إلى مستنقع الحروب و المجازر في أوربا في هذا القرن..." .
هذه شهادة المؤرخين المعاصرين عن الدور السلبي الذي لعبه رجال الفكر والعلم والمعرفة و السياسة في العصر الحديث، وعن الدور السلبي التي لعبته الكنيسة الصربية الأثودكسية قديماً وحديثاً. و الأمر لا يخفى على أولي الألباب أن مثل هذا النماذج من الشخصيات الدينية والسياسية و المعرفية لو وجدت في هذا العصر، لا شك أن أمثال هؤلاء يعتبرون من العقبات الكؤودة والعراقيل الصعبة و الموانع الحديدية أما طاولة الحوار المتبادل والمنشود. فمع أمثال هؤلاء لا يستقيم أمر الحوار ولا يتحقق هدفه.
ومن الوثائق الصربية السرية للغاية والتي فيها بيان للسياسة الصربية الداخلية والخارجية، والتي نشرت ولأول مرة سنة 1906، كان كلام أحد الشخصيات والقيادات الصربية في بدايات القرن التاسع عشر 1844، والمشهورة بالتعصب والحقد والكراهية للعرقيات الأخرى كان وزير الداخلية للصربيا Ilija Grashanin إليا غراشانن. محتوى هذا المشروع أنه دعا إلى استعادة مملكة القيصر الصربي القديمة Car Dushan والتي دمرتها الدولة العثمانية في القرن الرابع عشر الميلادي. وحسب الخطة السياسية المرسومة من قبل Ilija Grashaninوالتي سماها بـ: خطة "Nacertanija " فقد ذكر فيها أن دور الصرب في البلقان وجنوب شرق أوربا هو حماية وتوحيد نصارى الأرثودكس السلافيين الموجودين في ظل الدولة العثمانية Serbian pan-Slavism، وهذا التوحيد لن يتم إلا باستعادة الملك والزعامة الصربية، وتوسيع حدود أراضيها على حساب الأراضي الألبانية، والإكثار من أعداد الصربيين المستوطنين، والذين في ذلك الوقت لم يكن يتجاوز عددهم 1.400.000 نسمة، ولتحقيق هذا المشروع الخبيث، يشير المؤرخون إلى أن الفترة 1870-1880 من القرن التاسع عشر عرفت بفترة صياغة المناهج الدراسية التاريخية الصربية مزورة من أولها إلى آخرها، ومبنية على الخرافات والأساطير، فأطلقوا على أرض الألبان في كوسوفا اسم : Stara Serbija-Old Serbia ( الصربيا القديمة )، والدليل على خرافة هذا الاسم هو أنك لن تجد ذكراً لهذا الاسم في المصادر التاريخية الأوربية والتركية القديمة. وهذا الذي دفع أمير صربيا Milan Obrenovic أن يعلن عام 1876 أن صربيا مضطرة إلى إعلان حرب دفاعية عن نفسها، والشيء الذي عجزنا عن الوصول إليه عن طريق المال فسنحصل عليه بالقوة... وشرع الإداريون الصرب في ماكدونيا وبلغاريا والبوسنة والجبل الأسود بتحريض الناس إلى القيام بأعمال الشغب و التمرد و العصيان وإعلان الحرب ضد الدولة العثمانية في 30 حزيران سنة 1876. و في 24 نيسان سنة 1877 أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية .
أما عن دور المؤسسات التعليمية الصربية، فحدث و لا حرج، فهي الأخرى أيضاً لم تألو جهداً في إفساد العلاقة و زرع بذور الفتنة و الحقد والكراهية بين المسلمين ( الألبان و البوسنيين ) و الشعب السلافي الصربي الأرثودكسي. يقول الباحث عبد الباقي خليفة في بحث له مهم جداً بهذا العنوان: التأصيل لمركزية أوروبية متعالية وعدوانية - قراءة في كتب المستشرقين الصرب ونظرتهم للثقافة العربية والإسلامية، حيث يقول:
" أخذت بلغراد لنفسها الحق في غضون نصف قرن تقريبا، منح درجة الماجستير والدكتوراه في مجال الاستشراق في يوغوسلافيا كلها. ولا شك أن عاصمة يوغوسلافيا السابقة وعاصمة صربيا حاليا بلغراد كانت تحاول بهذه الطريقة أن تؤثر حتما وفعلا في توجيه المستشرقين ايديولوجيا...وفقا لحقيقة أن الاستشراق في بلغراد كان وما زال متجها اتجاها شديدا نحو الأيديولوجيا، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولأن ذلك الاستشراق كان وما زال متمسكا بالمركزية الأوروبية، فقد وصل في اتجاهه إلى وضع يقوم فيه بالتحضير والتبرير بصورة ايديولوجية منظمة للابادة الجماعية للآخر في شكله الثقافي بل والمادي، كالذي تم أثناء العدوان على البشانقة المسلمين في البوسنة والهرسك – وفي كوسوفا مؤخرا عام 1997-1999 - من قبل صربيا والجبل الاسود وكرواتيا (1992 ـ 1995) وهذا فقط لكونهم مسلمين...
لقد تأسس قسم الاستشراق في كلية اللغات والآداب بجامعة بلغراد في سنة 1925 ويعود على يد نهيم بايراكتاروفيتش Naim Bajraktrovic ... وبالرغم من أن بايراكتاروفيتش قد توفي منذ زمن بعيد، إلا أن نفوذه ما زال حيا في أنشطة طلابه وأتباعه الذين يتمسكون في أيأمنا هذه بالاهداف التي عينها أستاذهم... في الحقيقة يبذل ممثلو هذه المدرسة الاستشراقية أقصى جهودهم في تصوير الاسلام بالالوان الاشد قتامة، وبالمناهج اللاعلمية مهتمين كل الاهتمام بنشر البغض والكراهية إزاء الاسلام والمسلمين في البلقان... فلذلك ـ حسب رأيهم ـ لا بد أن يقدم الغرب لهم كل التأييد في سبيل إبادة المسلمين في البلقان لأن هذه الطريقة ـ في رأيهم ـ لدفاع الغرب عن نفسه... وفقا لهذا الاعتقاد فإنهم يطلبون من العالم أن يسمح لهم باستخدام كل الوسائل في سبيل إزالة هذا التهديد ولو كانت بين تلك الوسائل الإبادة الجماعية، وإزالة ثقافته بأكملها أيضا... وكان المستشرقون الصرب يلعبون دورا قذرا في تلك الدعاية... فقد أصدر تاناسكوفيتش Drako Tanaskovic مجموعة من النصوص بعنوان «الاسلام ونحن» وهذه المجموعة تضمنها كتابه الأخير. إن المؤلف في كتابه هذا والذي يصر بعنوانه على التقسيم والاصطدام ـ يحاول أن يبرر بكل الوسائل الابادة الجماعية للمسلمين، فيقول مثلا أنه فوجئ بعدم التفهم والتأييد من جانب «المجتمع الدولي» بالنسبة للعدوان الصربي على البوسنة والهرسك. وبعدم الاقتناع بأن الصرب ينقذون الغرب كله من «الخطر الاسلامي وذلك لأنهم يبيدون المسلمين في البوسنة... هذا الذي يعد أشهر المستشرقين الصرب يقول ـ « إن الصرب هم ضد الاسلام حقا ولا بد أن يكونوا ضده».
وبجانب تاناسكوفيتش هناك مستشرق صربي مشهور أيضا ـ Miroljub Jefticميرولوب يفيتش ـ وهو أستاذ ذو نفوذ في جامعة بلغراد والذي يكتب خلال سنوات عديدة نصوصا مثقلة بالبغض إزاء الاسلام...«هناك حقيقة معروفة وهي أن الاسلام لا يقبل التعايش مع الغير» ونظرا لأن هذا «الباحث» يكتب لاستثارة العواطف وبالمنهج اللاعلمي فهو يوضح إيضاحا تفصيليا، مثلا، أن تقديم قرابين العيد في عيد الاضحى المبارك غايته فقط أن يتعود المسلمون في صغرهم على سفك الدماء وأن هذا الواجب الديني يعد المسلمين لذبح الناس... وانطلاقا من هذه الاتهامات والتخرصات واجه شعب أوروبي صغير هو الشعب البوشناقي المسلم في أوروبا هجمة هائلة من جانب الجيش اليوغوسلافي القوي..." . وقد أكد هذا المعنى الباحث والمستشرق الأميركي المعروف بدراساته عن الجزيرة البلقانية، الباحث و الأستاذ نورمان سيغار Norman Cigar، في كتابه بعنوان: The Role of Serbian Orientalists in Justification of Genocide Against Muslims of the Balkans (دور المستشرقين الصرب في تبرير مذابح ومجازر مسلمي البلقان )، فيقول الأستاذ أن الصرب بدلاً من القيام بعمليات التشجيع و تهيئة الأجواء الإنسانية للتعايش السلمي، هم كانوا يصبون الزيت على النار وعمقوا شعور البغض والكره بين المواطنين، حيث حاولوا عزل المجتمع الإسلامي والمسلمين، متهمين المسلمين المواطنين بالسلبية والانعزالية والعنف، و أن المسلمين ينتمون إلى الطبقة الثانية أو الطبقة الدونية، متعمدين تشويه الإسلام وصورته، قائلين بأن الإسلام رجعي ومتخلف واللا أخلاقي، واللا إنساني. هذا الوصف المنهجي للمسلمين في يوغسلافيا من قبل المستشرقين الصرب بلغ ذروته في السنة 1980. .

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الصلاة والسلام على أشرف الخلق والمخلوقات رسول الهدى والبركات سيدنا ونبينا محمد  وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبات الطاهرات..و لقد توصلنا بحمد لله و توفيقه إلى نهاية مطافنا في هذا الورقة المباركة والمعدة للندوة العالمية في جامعة الشارقة. ولا يخفى على قارئ ومدقق هذه الورقة صعوبة وطبيعة الموضوع السياسية والتاريخية والنقدية، والذي حاول الباحث أن يتناوله، من وجهة النظر العصري النقدي التاريخي الوصفي، للوقوف على أهم عقبات الحوار التي حالت دون تحقيق الوئام و السلام بين الشعوب البلقانية المسلمة و النصرانية. هذه العقبات تمثلت والعراقيل بدت في تلك المواقف المخزية والمشينة، سواء من قبل الدول الأوربية الكبرى تجاه المسلمين في الجزيرة البلقانية، أو من قبل الصرب والروس والبلغار أنفسهم تجاه المواطنين المسلمين.
وإسلامنا يأمرنا أن نقرأ التاريخ بهدف العبرة والعظة و ليس بهدف التسلية و إضاعة الوقت. إنني على يقين تام بأن أزمة المسلمين في الجزيرة البلقانية ( البوسنة و كوسوفا وبلغاريا واليونان وأوربا الشرقية والغربية وفي أميركا) لن تحل أبداً و لن يرى العالم النور والسلام والتعايش السلمي بين الطوائف الدينية المختلفة، بنفس تلك المواقف المخزية التي كانوا عليها أجدادهم من الإنكليز والألمان والنمسا والروس و قل الآن الأميركان...لا بد من الموضوعية، و لا بد من الجدية، و لا بد من النزاهة، و لا بد من إعطاء كل ذي حق حقه، أياً كان بغض النظر عن دينه، أو عرقه أو جنسه..بمعنى آخر لا بد من العدل و التسوية المعتدلة بين الطرفين المتنازعين، هذا صلى الله على سيدنا ونبينا محمد و على آله أصحابه و سلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المدينة النبوية، ضحوة يوم الإثنين، 22 صفر 1428 هـ، الموافق 12.03.2007

المصادر و المراجع العربية

1. الأرنؤوط، محمد موفاكو: 2000، مداخلات عربية – بلقانية في التاريخ الوسيط و الحديث، اتحاد الكتاب العرب، ط1، ، دمشق
2. الأرنؤوط، محمد موفاكو. 1993. الإسلام في يوغسلافيا من بلغراد إلى سرايفو.( عمان: دار البشير، ط.د).
3. موفق بني المرجة، 1999، صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد الثاني والخلافة الإسلامية، مؤسسة الريان – دار البيارق، ط9،، بيروت
4. حرب، محمد، 1996، السلطان عبد الحميد الثاني – آخر السلاطين العثمانيين الكبار 1842-1918 م، دار القلم – دمشق، ط2
5. حرب، محمد، 1999، العثمانيون في التاريخ والحضارة، ط2، دار القلم – دمشق.
6. الصلابي، علي محمد،2001، الدولة العثمانية –عوامل النهوض و أسباب السقوط، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة.
7. بك حليم، إبراهيم، تاريخ الدولة العثمانية العلية –المعروف بكتاب: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، ط1، ت.د. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت-لبنان
8. أوغلي، عثمان. 1991. مذكرات الأميرة عائشة، والدي السلطان عبد الحميد الثاني. نقلها إلى العربية: د. صالح سعداوي صالح، ( م.د، دار البشير، ط1،).
9. الجندي، أنور.1407. تصحيح أكبر خطأ في التاريخ الإسلامي، السلطان عبد الحميد الثاني و الخلافة الإسلامية، ( القاهرة: دار الكتب السلفية، ، ط1).
10. وصفي، صفوت: مأساة مسلمي كوسوفا و واجبنا نحوهم. مجلة البيان، إسلامية شهرية، ع 138، يونيو 1999.
11. اسمايتش، عبد الله. 1992. الصراع في يوغسلافيا ومستقبل المسلمين.( معهد الدراسات السياسية، ترجمة: صائب علاوي ( إسلام آباد: ط1).
12. الأصور،خالد. 1416 هـ. البوسنة حقائق و أرقام، كتاب شهري يصدر عن رابطة العالم الإسلامي: ( ع 166، س)
13. الهيتي، عبد الستار إبراهيم «الحوار.. الذات، والآخر»في سلسلة «كتاب الأمة» التي يصدرها مركز البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر على الانترنت: http://www.islamweb.net/ver2/Library/ummah
14. العودة، سلمان، أدب الحوار، كتاب الكتروني على الانترنت: http://www.islamtoday.net
15. إيكيهارد، شولتس، حوار الحضارات.. مصالحة أم مصالح:
16. http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/02
17. الأمير الحسن بن طلال، حوار الحضـارات.. نظرات وخطرات: http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/02
18. صابان، سهيل:2000، المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، ط1.
19. خليل، عماد الدين: 2000، حول عوامل تدهور الحضارة الإسلامية، في : التجديد: مجلة فكرية نصف سنوية محكمة تصدرها الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، ع 8،
20. عبد الفتاح، فاطمة، 2000، إضاءات على الاستشراق الروسي، من منشورات اتحاد الكتّاب العرب، ط1، ، دمشق.
21. محمد عبد النبي، موانع الحوار..بين عقيدة الضعف وعقدة القوة..سنة الحوار..و المزاج المنحرف.. ، جامعة الجزائ
22. خليفة، عبد الباقي، الاستشراق الصربي- التأصيل لمركزية أوروبية متعالية وعدوانية - قراءة في كتب المستشرقين الصرب ونظرتهم للثقافة العربية والإسلامية - http://www.asharqalawsat.com/print/default.asp?did=278895
المصادر و المراجع الإنكليزية

1. As – Sibaa’ie, Mustafa, , 2004,The Life of prophet Muhammad – Highlights and Lessons, International Islamic Publishing House, 1st
2. Karcic, Fikret, The Bosniaks and the challenges of modernity, late Ottoman and Hapsburg times;
3. Journal Of Islamic Studies, Vol. 5, No.2, July 1994, Oxford University Press; Islam in the Balkans.
4. Biberaj, Elez. 1990. Albania a socialist Maverick. USA.(n.p.h.).
5. Cigar, Norman. 2003. The role of Serbian orientalists in justification of genocide against Muslims of the Ballkans. Logos-A, Shkup.
6. Fikret, Karcic. 1999. The Bosniaks and The Challenges of Modernity - Late Ottoman and Hapsburg Time. Sarajevo: El-Kalem.
7. Justin McCarthy. 1999. Death and Exile - The Ethnic Cleansing of Ottoman Muslims 1821-1922. 3rd Edit. USA.
8. Maksudoglu, Mehmet. 1993. Ottoman History Based Mainly on Ottoman Sources. Malaysia: International Islamic University.
9. Malcolm, Noel.1994.Bosnia-A short History.New York University Press.
10. Malcolm, Noel. 1998. Kosovo - A Short History. New York University: Harper Collins Publishers.
11. Norris, H.T. 1993. Islam in The Balkans-Religion and Society Between Europe and the Arab World. London: Hurst & Company.
12. Poullton, Hough. & Farouki, Suha Taji. 1997. Muslim Identity and the Ballkan State. London: Hurst & Company.
13. Swire, John. 1971. Albania - the rise of a Kingdom. Arno Press. New York: The New York Times.
14. The Truth on Kosova.1993. The Academy of Sciences of the Republic of Albania. Institute of History. Tirana: Encyclopaedia publishing house.
15. Expulsion of Albaniansans and Colonisation of Kosova
http://www.ess.uwe.ac.uk/kosovo/chap1.htm
16. Erik,Siesby, Kosova, part of the former Yugoslavia, http://www.witnesspioneer.org/vil/Articles/politics/kosova
17. Zamir, Shtylla, The Deportation of Albanians in Yugoslavia after the second world war 1950-1966
18. Cubrilovic, Vaso, The Problem of Minorities in the new Yugoslavia, The truth on Kosova,
19. Plana, Emin, On the deportation of Albanians from the territory of Sandjak of Nish of Kosova 1877-1878. The truth on Kosova ,
20. Bajrami, Hakif, 1988, (Ilija Garašanin and His State Policy between 1844-1874),(Annual), XIV, AK, Prishtina,
21. Bajrami, Hakif, 2005, Peticioni qe I shpetoi Shqiptaret ne Shqiperine Kontinentale nga Fashizmi Serb, Dokument 1930, Gjon Bizaku, Shjetfen Kurti, Luigj Gashi, Prishtine
22. A Building Bridges between Islam and the West, The Wilton Park Seminar, Wilton Park, West Sussex, December 13,1996 http://www.bbcworld.com,
23. Building Bridges Between Christianity and Other Religions..
http://www.intervarsity.org/ism/article/105
23. George, Thomas, Building a Bridge between Faiths in Highly Muslim Nation; http://www.cbn.com/CBNNews/News/050510
24. Gashi, Musa,1997, Some Facts About Kosova, Logos-A, Shkup
25. Verli, Marenglen, 1999, Kosova – 20/21, Prishtine,

المصادر والمراجع الألبانية

4. Rizaj, Skender, Lidhja shqiptare e Prizrenit,
5. Rizaj, Skender, Historia e pergjithshme, Koha ere 1453-1789, Prishtine, Universiteti I Kosoves ne Prishtine, bot.II, 1983.
6. Alpan, P. Nexhip-Kaci, Nesim, Shqiptaret ne perandorine Osmane,
7. Cana, Zekeria, Gjenocidi i Malit te Zi mbi popullaten Shqiptare 1912-1913, Dokumente, Instituti Albanologjik i Prishtines, Prishtine, 1996
8. Ajdini, Azem, Masakra e Tivarit Serbo-Malazeze, Edlor, Tirane, 1998.
9. Bajrami, Hakif, Kosova - njezet shekuj te identitetit te saj-argumente historike, Era, Prishtine, 2001
10. Kola, Harrila, Gjenocidi Serb ndaj Shqiptareve ne viset e tyre etnike ne Jugosllavi 1941-1967, Elton,Tirane, 2000
11. Castellan, Georges. 1991. Historia e Ballkanit, shek XIV-XX, Tirane: Cabej - Libra per nje shoqeri te hapur,
12. Feraj, Hysamedin. 1997. Skice e Mendimit Politik Shqiptar. Shkup: Logos-A.
13. Frasheri, Mehdi. 2000. 2nd Edi. Historia e Lashte e Shqiperise dhe Shqipetareve, Tirane: Phoenix.
14. Gjenocidi Serb ne Kosove. 1999. Instituti Shqiptar i Mendimit dhe Qyteterimit Islam, Sesion shkencor: Tirane.
15. Historia e Popullit Shqiptar. 1967. 3rd Edit. Universiteti Shteteror i Tiranes. Tirane: Instituti i Gjuhesise dhe i Historise.
16. Historia e Shqiperise. 1984. Akademia e R.P.S. te Shqiperise. Tirane: Instituti i Gjuhesise.
17. Kola, Harrila. 2000. Gjenocidi Serb ndaj Shqiptareve ne viset e tyre etnike ne Jugosllavi 1941-1967. Tirane: Elton.
18. Mufaku, Muhamed. 1990. Shqiptaret ne Boten Arabe. Prishtine: Rilindja.
19. P.Alpan & Kaci, Nesim. 1997. Shqiptaret ne Perandorine Osmane. Tirane: Albin.
20. Pirraku, Muhamed. 1989. Kultura Kombetare Shqiptare deri ne Lidhjen e Prizrenit. Prishtine: Instituti Albanologjik i Prishtines.
21. Rexhepagiq, Jashar. 1999. Dervishet, rendet dhe teqet ne Kosove ne Sanxhak dhe ne rajonet perreth. Peje: Dugagjini.
22. Rizaj, Skender, 1982. Kosova Gjate Shekujve XV-XVI-XVII, Administrimi, ekonomia, shoqeria dhe levizja popullore. Prishtine: Rilindja.
23. Shehu,Bedrush. 1990. Qeshtje Shqiptare ne vitet 30 te shek.XIX . Prishtine: Instituti Albanologjik
24. Skendi, Stavro. 1967. Zgjimi Kombetar Shqiptar, Tirane: Phoenix.
25. Thengjilli, Petrika. 2001. Historia e Shqiperise. Prishtine: (n.p.h).

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك