ثقافة الإرهاب وجنوحها عن روح الإسلام

ثقافة الإرهاب وجنوحها عن روح الإسلام
د. مصطفى محمد الفار
الإرهاب كلمة تبعث في النفوس شعور الرعب والفزع، وهذا ما يدعونا إلى التساؤل:ما الإرهاب؟ وما المعنى الذي تحمله هذه الكلمة التي شقت طريقها في عالمنا المعاصر، مخترقة الإطار المحافظ لمفردات اللغة، مثلما يخترقها صوت الانفجار المدوي جدران المنازل العالية ليصل إلى آذان الجالسين داخلها؟ هل الإرهاب ثقافة؟ فما محددات هذه الثقافة؟ وما إيحاءاتها وأهدافها و دوافعها؟ وكيف يمكن للعقل الإنساني أن يتعامل معها؟ وما رأي الإسلام في هذا النوع من الثقافة التي تستهدف فرض رأي أو مطالب أو عقيدة ما؟ وهل هناك فارق بين المقاومة والإرهاب؟
الواقع أن هناك فارقاً مهماً بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ذات النهج الواضح، فإذا كانت المنظمة الإرهابية تفرض نفسها فرضاً لتحقيق هدف معين، فإن الثانية تستطيع بفضل جذورها القوية المتشعبة في صفوف الشعب أن تفرض إرادتها على العدو، سواء أكان هذا العدو هو الحكم القائم أم حكماً استعماريا ًأجنبياً، بسهولة أكبر إذ إنها تظهر أمام الرأي العام بمظهر المنظمة الجماهيرية التي تتكلم وتعمل وتطالب باسم الشعب، وتستطيع هذه المنظمة الجماهيرية أن تستغني عن استخدام الإرهاب، فإذا لجأت إليه في مرحلة من مراحل نشاطاتها، تصبح التسمية المتفق عليها لهذا الشكل من النضال هي «الكفاح المسلح» أو الحرب التحريرية.
وفي هذه الحال لا يعدو أن يكون الإرهاب سوى استخدام السلاح خارج نطاق الشرعية، وما حرب التحرير أو المقاومة، أو الكفاح المسلح سوى عمل مسلح مشروع.
من هنا، فقد كانت ثقافة الإرهاب تحمل في طياتها عملاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً، بينما تحمل ثقافة المقاومة بين أهدافها إرادة الشعب ودوافعه وأهدافه.
في ظل ما نشهده من تجن على ثقافة المقاومة وخلطها بثقافة الإرهاب، فإن هناك من يتهم الإسلام بالإرهاب والدعوة إلى العنف، وهو ما يتناقض تماماً مع روح الإسلام السمحة، وما عرفت واشتهرت به من الدعوة إلى السلام أو التسامح.
فالإسلام دين الحق، أنزله الله سبحانه وتعالى رحمة للبشرية، وخيراً للناس.”ليهديهم إلى الطريق السوي ويرشدهم إلى مسالك الخير وسبل السعادة ،وينهاهم عن الأذى والشر والإضرار بالغير، وعن كل ما يسيء إلى الإنسان ما ظهر منه وما بطن.
إن الإسلام يدعو إلى الوفاق والمحبة والإخاء، وينهى عن الحقد والضغينة وأعمال العنف والهدم والتخريب، فهو يدعو إلى البناء، بناء الأوطان وتثبيت مجدها، والإخلاص لها والسعي في الخير والمنفعة.
قام الرسول الحكيم محمد - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام - بنشر دعوة الخالق العظيم، قام بنشر دعوة الإسلام الكريم لتنظيم العلاقات بين الناس أجمعين والعمل على تكوين المجتمع الصالح وبنائه، الذي يهيئ الحياة الطبيعية والمعيشة السعيدة ، ودعا عليه الصلاة والسلام؛ تنفيذاً لأمر ربه، إلى المحافظة على الأمن ونشر الطمأنينة بين الناس؛ ليطمئن كل فرد على نفسه وعشيرته وعلى حياته ورزقه وعياله«فينصرف إذا اطمأن حاله إلى عمله بكليته، فيحسن عمله ويزيد إنتاجه، وبذلك يفيد أمته وبلاده.
أمرنا الله بالإخلاص في العمل والوفاء للوطن، ومن مظاهر الإخلاص للوطن: المحافظة على كيانه، وتدعيم أركانه، والعمل على استتباب الأمن بين ربوعه، والقضاء على الشائعات الضارة به والأفكار المسممة، والمبادئ الهدامة.
إن الإنسان الذي لا يخلص لبلاده أو لا يكون وفياً لوطنه، ويعمل في الظاهر ، أو الباطن على الإضرار به، أو الحدّ من كيانه، يعاقبه الله على أعماله ويحاسبه على جحوده وكفرانه، ومثل هذا الإنسان لا يكون مسلماً حقاً بل هو كافر بنعم الله، جاحدٌ بأفضال وطنه لا يقدر له جميلاً ولا يرعى له جانباً.
أما نظرة الإسلام إلى غيره من الأديان، فإن دعوة الإسلام لم يكن فيها إكراه، إذ يقول الله في كتابه العزيز:«لا إكراه في الدين«.
وفي تفسير هذه الجملة الكريمة مجال للإفهام، نتابعها في هواذة.«لنقف على ما نحب من الصواب فالإكراه هو العنف، والجبر، لحمل الإنسان على شئ لا يريده من قبيل المخادعة، والاستدراج إلى غير صراحة، إلى الشيء الذي تكون الدعوة إليه، والله سبحانه يحدثنا بأن الدين لا إكراه فيه، وهو ما يعني أنه لا عنف ولا مخادعة في الدعوة إليه.
وقد فهم الكثيرون أن هذه الجملة متعلقة برسالة الإسلام خاصة ، ثم توسعوا في الآراء حول هذه باجتهادهم ، وذكروا توجيهات محتملة في فهمها.
والمعنى الذي نطمئن إليه :أن الله يحدثنا عن الدعوة العامة إلى الدين كله، وفي عصور الأنبياء جميعاً، فإنه يقول:« لا إكراه في الدين« ولم يقل في الإسلام بخصوصه، والجملة خبر من جانب الله وفي ضمنها نهي، كما يقول أهل العلم: خبرية لفظاً، إنشائية معنى.
وبيان الخبر أولاً: أن الله تعالى – يخبرنا أن الدعوة إلى دينه مطلقاً، لم يكن فيها إكراه، ولم يشرع فيها إكراهاً، وما كان أحد من رسله في دعوته يحاول إكراه الناس بالعنف، ولا خداعهم الذي يعتبر إكراهاً ملفوفاً.
بل كل الأنبياء يحسنون، ويترفقون، ويؤكدون لقومهم: أنهم نصحاء أمناء إلى الخير رحمة بهم، ورعاية لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم.
ومن هنا نفهم أن دين الله لا يكون بالإكراه، ولا يكون بالخداع، يقو ل تعالى:«أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير، أم من أسس بنيانه على شفا جرف هاوٍ، فانهار في نار جهنم«
أي هل الإيمان الخالص والعمل المبني على إيمان صحيح وعلى رضوان من الله يكون خيراً، أم الإيمان المصطنع، والعمل الذي يثبته البناء على حافة رمل متناثر، لا ثبات له، وهو ساقط بصاحبه في جهنم حتماً؟
والله تعالى يوصي رسوله محمداً في كثير من الآيات أن يكون مقتدياً بهدي الله للرسل الأولين:«أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتد»، « قل ما كنت بدعاً من الرسل”.
وجملة لا إكراه في الدين تتعلق بالإسلام كذلك من ناحية الإفادة بأن الإكراه ونحوه غير مشروع فيه، كما لم يكن شئ من هذا مشروعاً في الأولين.
وقد سارت الدعوة إلى الإسلام في رفقها وملاينتها واحتمالها لصنوف الأذى، ثلاثة عشر عاماً ما قبل الهجرة، ثم لم تهدأ عداوة الكفار للإسلام ولا لرسله والمؤمنين به، بل أسرفوا، وأسرفوا كثيراً، حتى تربصوا بالمسلمين كل سوء، وحاولوا بكل وسيلة حبس الدعوة الإسلامية عن تقدمها، وحاولوا غير مرّة طرد المسلمين من مكة إلى الحبشة، وأخيراً هيأ الله للمسلمين وطناً جديداً، هو المدينة المنورة، وهيأ لهم من أهل المدينة أنصاراً يجاهدون بحق، في سبيل الله، مع محمد وأصحابه، فأذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وبالجهاد ومقاتلة عدوهم:« أذن للذين يقاتَلون – بفتح التاء – بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير» أي لم يكن القتال مأذوناً فيه، وقد أذن الله فيه بعد ذلك دفعاً للظلم.
فهل بعد تشريع القتال بهذه الآية تكون الدعوة قد تحولت من المسالمة إلى الإكراه؟
لا، ولا يصح أن يفهم هذا، فإن هذا قتال دفاعي، أراد الله منه أن تكون للإسلام صولة في نفوس الكفار الذين يستذلونهم ويتحكمون فيهم وفي دينهم ،ولذلك يقول الله فيها،«بأنهم ظلموا» بسبب ظلمهم من الكفار.
إننا ونحن نواجه الخطاب الديماغوجي الذي يتهم الإسلام بالإرهاب، لا بد من تأكيد حقيقة أن الإسلام يرفض العنف، ويدعو إلى السلم ويؤسس لقبول الآخر تأسيساً عملياً وواقعياً، فهو يرفض كل أشكال العنصرية تجاه الآخر، كما أنه يرفض تصنيف الآخر بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الاعتقاد، أو لغيره من المسببات غير الاختيارية، وبالتالي لا يمكن أن ينشأ في ظل التصور الإسلامي موقف يرفض الآخر ويؤدي إلى تسويغ العنف ضده لسبب لوني، أو لسبب عرقي، أو لسبب ديني عقائدي أو مذهبي.
وهكذا تنتفي دائماً في الإسلام، كل الأسباب حماية العنف أو الإرهاب ضد الآخر لإذلاله أو لإقصائه، أو محوه محواً مادياً من الوجود ما دام سيتأسس في ضمير الإسلام التلقائي والمنطقي المؤصل كل أشكال قبول الآخر عوض كل أشكال رفضه، وقد أمرنا الله تعالى بعدم مجادلة أهل الكتاب. إلا بالتي هي أحسن، بقوله تعالى«ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» وكما أمرنا بذلك أيضاً في قوله تعالى للنبي، صلى الله عليه وسلم:«ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»
وهنا التفاتة لطيفة عندما نلاحظ أن الموعظة تكون حسنة، أما الجدال فيكون أحسن، لأن الموعظة تكون للموافق، في حين أن الجدال يكون مع المخالف، وإذا أُمر المسلمون بأن يحسنوا خطابهم مع الموافق، فقد أُمروا بدرجة أعلى من التحسين مع المخالف ، حيث يكون المحاور عرضة للانفلات والانزلاق إلى العنف المادي أو الرمزي، فيحتاج إلى الاحتياط وضبط النفس، وإلى مستوى عالٍ من التحكم في الاندفاعات العصبية عند الإنسان لمواجهة المحاور بغير خشونة حتى يواجهه الاختلاف متحلياً بالأحسن ليكون حواره مقبولاً.
والحوار الثقافي بين الحضارات يتفق مع الرؤيا الإسلامية ، فالحوار الثقافي حوار يتطلع إلى تحقيق الإحسان، فإن دعوت إلى خير فليكن ذلك على أساس من الإحسان وإن نهيت عن شر فكذلك، وفي النهاية نحن أمام معادلة: إحسان في الحوار + إحسان في الثقافة (التطبيق) = إقناع و إبداع. وصدق الله القائل:«ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»
الإسلام إذن يوافق على الحوار القائم على أسس إنسانية محضة ويرفض ثقافة الإرهاب القائمة على العنف و الاستحواذ والقوة و القهر بغير وجه حق.
ولكن،هناك فارق بين الإرهاب وثقافة المقاومة الهادفة إلى تحرير الأوطان، ومن يستعرض تاريخ الإرهاب، منذ مولده في القرن التاسع عشر حتى أيامنا هذه، يشهد نموه متوازياً مع حركة التحرير الثورية سائراً جنباً إلى جنب مع الكفاح الوطني لتحرير الشعوب، ففي الجزائر، بلد المليون شهيد، اضطرت فرنسا أمام ضربات المقاومة إلى الاعتراف بالدولة الجزائرية.
وفي بداية عهد الانتداب البريطاني لفلسطين، وفي ظل أقسى الظروف نشأت حركة المقاومة، لنقف في وجه الحلول السلبية، وفي الفترة ما بين 1936- 1948 قامت المقاومة الفلسطينية بشن هجماتها ضد الاحتلال البريطاني، والأعمال الوحشية التي قامت بها المنظمات الإرهابية الصهيونية: الأرجون والهجانة وشيترن، التي تمثلت بتلك الغارات والعمليات التي نسفت المنازل العربية والمحال التجارية ودمرتها وقتلت العرب الآمنين، وتصاعدت هذه الأعمال لتبلغ حد المذابح الجماعية، كما حدث في قبية ودير ياسين وناصر الدين والدوايمة واللد، أفلا يحق أن تتكون نتيجة لذلك فرق المقاومة لتتصدى لهذه العمليات الإرهابية؟
لا أحد يتحدث عن أيديولوجيا القتل لدى الأرجون وشيترن و الهاجاناة، هذه الجماعات الإرهابية التي كانت تضع في رأس كل فرد منها أن يقتل ألف عربي، تسويف ومماطلة وتنكر للقرارات الدولية، ومن بعدها القرارات المبرمة مع الجانب الفلسطيني ومروراً باستمرار الاستيطان والقتل والتشريد، وانتهاءً بسياسة الاغتيالات التي شرعتها وأقرتها الحكومة الإسرائيلية وتنفذها علانية في ظل دعم أمريكي مطلق، وصمت عالمي مطبق، ومع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية ومعها الدعم الأمريكي المطلق، تتهم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وبغض النظر عن الممارسات الإسرائيلية الإرهابية تصفها بالمحافظة على الأمن، وبدورنا نتساءل: متى يتوصل ساسة إسرائيل وحلفاؤها إلى حقيقة وقناعة مفادها أن الأمن الذي ينشدونه لا يمكن أن يأتي عن طريق القتل والاغتيال والتدمير الذي يمارس كل يوم على الشعب الفلسطيني!
إننا و إن كنا نشجب الإرهاب ونؤيد الحوار الثقافي والحضاري باعتباره رؤية إسلامية، فإننا في الوقت نفسه نطالب بتحديد واضح لمفهوم الإرهاب لنفرق بينه وبين المقاومة لتحرير الأوطان. وإننا ونحن نقر بأن الحوار بين الحضارات هو السبيل المناسب والطريق الإنساني الأمثل للتعايش الإنساني، فإنما نؤكّد أن الحضارات ذات الدلالة الإنسانية لا تتصادم ولا تتصارع ما دامت تسعى إلى إقرار منهج إنساني لصالح الشعوب.
ليس ثمة خلاف أن الإسلام دين الحوار، وأن أي مسلم هو مع الحوار, فمن طبيعة هذا الإنسان المسلم أن يكون ميالا للحوار مع الآخر. وإذا كان مفهوم الحوار قد اتخذ لدى غير العرب والمسلمين نافعاً مكتسباً, فإن القرآن الكريم الذي امتزج في وجدان العربي والمسلم وشخصيته جعل من الميل الى الحوار واقعا طبيعيا تأصل وتجذر مع مرور الوقت.
وعلى أية حال, فإذا أردنا أن نطرح الحوار كحلّ من الحلول لما يجري بين الشرق والغرب، فعلينا أن نضعه على المحك الحقيقي، فكيف يتحقق حوار ما، والشعب الفلسطيني واقع تحت نير الاحتلال، والإبادة والفصل العنصري؟
كيف يحقق الحوار وهناك دول عظمى تهدّد بقطع المساعدات عن الشعوب ومحاصرتها وتجويعها، فقط لأنها تجرأت واختارت من يمثلها في البرلمانات والحكومات؟
كيف يتحقق الحوار وهناك تطاول على الإسلام والرسول العظيم محمد, صلى الله عليه وسلم – كما حصل في الدانمارك والنرويج، يصبّ في إطار موجة معاداة الإسلام التي بدأت تنتشر في الغرب منذ الحادي عشر من أيلول عام 2001.
كيف يتحقق الحوار وسيف العولمة مسلط على رقاب الضعفاء، ولا يعنى إلا ببسط السيطرة، وفرض الإرادة على الشعوب، والانفراد بنشر نموذج واحد ونمط بعينه في الاقتصاد والثقافة والاجتماع؟
إننا إذ نؤكّد أن كلّ صراع إنساني مهما كانت أسبابه يمثل جرحاً في جسم الإنسانية تجب مداواته، والتقليل من آلامه، إلا أن هناك صراعات مثل الصراع الإسلامي العربي الصهيوني ما لم نجد حلاً له يكفل الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه، فإنّ أيّ حوار مع بقائه على حاله يجعل من أي حوار مع الحضارة الغربية عقيم الجدوى، ويبقى الحديث مع ثقافة الإرهاب غير ذي جدوى، إذ كيف يتحقق هذا الحوار وهناك خلط للمفاهيم وطمس للحقائق؟!
http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=30988

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك