الاقتصاد والسياسة: جدلية مستمرة
الاقتصاد والسياسة: جدلية مستمرة
جدلية العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، وسببية أحدهما في الآخر، لم تزل قائمة من قديم، واختلفت الجهات المفسرة والمحللة بحسب الزوايا التي تنظر منها إلى المسألة..
ولكن هذا الاختلاف في هذه الجدلية وتوزيع الأدوار فيها لا يمنع أن يكون هناك اختيار لوجهة نظر معينة تختارها الإدارة السياسية لكل دولة، وقد تكشف الإدارة عن توجهها الاقتصادي والسياسي، وقد تخفيه أيضا، ولكن لا شك أنه يمكن الاستدلال عليه من خلال المواقف والتشريعات والتراتيب المختلفة للدولة.
وإذا نظرنا - على سبيل المثال – إلى السوق الأوروبية المشتركة نرى الاقتصاد هو القائد للسياسة فيها غالبا، مما أدى إلى قيام الاتحاد الأوروبية ككيان سياسي في فترة لاحقة وتابعة للوحدة الاقتصادية والجمركية..
أما الولايات المتحدة الأمريكية فالغالب فيها هو العكس.. فإن السياسة هي من تحرك الاقتصاد في كثير من الأحيان (وإن لم يكن دائما)..
وهذا يفسر كثيرا من المواقف التي قد لا ندرك أساسها أو بعدها أو باعثها أو الداعي لها..
وبالنسبة للتوقيت المناسب للإعلان عن الأزمات الاقتصادية والمالية الأمريكية فهي بلا شك لها أوقات سياسية مدروسة بدقة وعناية؛ لتخدم الأهداف من وراء هذه الحملات الإعلامية لآلة الإعلام الأمريكية الضخمة عن هذه الأزمات..
وإن نظرنا في السابق فلكل أزمة تم الإعلان عنها موقف تريد دعمَه.. أو موقف تريد إخفاءَه وشغلَ الداخل الأمريكي عنه.. أو موقف تريد طمسَ الرأي العالمي عنه.. وغيرها من الأهداف المتعددة..
وهناك دراسات موثقة حول هذه الأمور يمكن الرجوع إليها في مظانها..
وأما الأزمة الأخيرة هذه.. وأعني بها أزمة الديون الأمريكية ومخاطر إعلان إفلاس أكبر كيان اقتصادي في العالم، والتي يروَّج لها أن تكون قاصمة للعالم أكثر من الأزمة المالية عام 2008م، فلها أسبابُها السياسية بكل شك..
ومن هذه الأسباب (وليس كلها):
1. سبب خارجي متعلق بربيع الثورات العربية، حتى ينشغل العالم العربي والإسلامي بدل التخطيط في أزماته وحلولها، أن يفكر بأزمة أميركا وحلولها..
2. شفط الموارد المالية العربية الإسلامية وحرفُها عن التوجُّه لدعم بعض الثورات على عملاء أمريكا المزروعة في بعض الدول العربية.. إلى دعم أمور أخرى كأزمة الديون الأمريكية وغيرها.
3. سبب داخلي أمريكية وخارجي أمريكي، وهو أن أمريكا التي تدعي عدم العنصرية قد سمحت لرئيس أمريكي أسود أن يحكمَها لمدة رئاسية وتريد إحراجَه وإخراجَه وعدم تكرار التجربة.. فهي بذلك قد أخذت الصيت العالمي بأنها غير عنصرية وانتهى الأمر.. وأدى المهمة المطلوبة لتحسين صورة أمريكا وتشريعاتها وديمُقراطيتها المزعومة.. وبعدها ينتهي دوره بحجة أزمة اقتصادية ومديونية كبيرة لم يستطع إخراج أمريكا منها..
ولا شك أن هناك أسبابا أخرى أيضا فهم لا يضربون عصفورين بحجر، بل يحرصون أن لا تقل عن حديقة من العصافير بحجر..
وتبقى الظواهر الإنسانية والاقتصادية شائكة تختلف باختلاف الرؤى والزوايا..
وأسأل الله أن يبصِّرَنا أمورنا ويلهمنا مراشد أمورنا.. ويجعل عواقبها دوماً إلى خير..
· المشرف على موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي.
المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1232