“مجددون”: هل ينزل الدين الى السوق؟

“مجددون”: هل ينزل الدين الى السوق؟
بقلم د.ديمة طارق طهبوب
عندما نرى إعلان برنامج (مجددون) و اللقطات المنتقاة و ديكورات التصوير يحضر الى البال برنامج آخر بنفس الصورة و الفكرة الا انه لا ينطق بلغة الضاد و لكن بلغة ال A B C و لا يبحث عن الدعاة و المصلحين و لكن عن الاقتصاديين و رجال الأعمال الذين ينزلون الى الميدان و يتنافسون كالحيتان حيث الغاية تبرر الوسيلة ،و الفوز هو المهم و لو على أشلاء الآخرين، فما الفرق بين برنامج The Apprentice (المستخدَم أو الموظف) الذي قدمه أباطرة المال و الأعمال مثل دونالد ترامب في نسخته الأمريكية و الملياردير الان شوجر في النسخة البريطانية و بين برنامج (مجددون) الذي سيقدمه الداعية عمرو خالد، و هل نزل الدين الى السوق ليخضع لمنطق الترويج و الدعاية و الربح و الخسارة و الاستخدام و الاستبدال و العرض و الطلب؟
و بالرغم أن البرنامج لم يُعرض بعد الا انه لاقى تغطية اعلامية واسعة قدمته كأحد أشكال تلفزيون الواقع الذي يهدف الى البعد عن التنظير الديني البحت و تطبيق التعاليم في برامج و مشاريع مجتمعية و التنافس في مجال الأفضلية في الفكرة و التطبيق و النتائج
إن فكرة البرنامج إشكالية بعض الشيء، فالعالم العربي كان مستوردا لبرامج تلفزيون الواقع لا منتجا لها و أغلب الاستيراد كان في مجال التسلية و الترفيه، و قد أحدث استيراد بعض البرامج كالأخ الأكبر Big Brother، و الرابح الأكبر The Biggest Loser، و سوبر ستار المشابه لAmerican Idol ، و الحلقة الأضعف The Weakest Link، و من سيربح المليون Who Wants to be a Millionaire? ردة فعل متباينة في مجتمعاتنا تجاه ما حاولت هذه البرامج تمريره من أفكار و أخلاق و ممارسات قوبل بعضها بالرفض التام في بعض البلاد كما حصل في البحرين فما أن وصل فريق برنامج الأخ الأكبر الى البلاد حتى قامت المظاهرات و الاحتجاجات المطالبة بطردهم و ايقاف البرنامج
و قد نختلف أو نتفق على صلاحية برامج المسابقات و تلفزيون الواقع للعالم العربي، و لكن السؤال هو هل تناسب هذه النوعية من البرامج الطابع الديني و الوعظي و الارشادي؟ و الى أي درجة و ميدان قد يذهب الدعاة لاجتذاب الشباب و محاكاة واقع الحياة أم أن هناك حدودا و سمتا يجب أن يلتزم به الداعية و العالِم؟ و كيف نفهم في هذا السياق نصيحة سيدنا علي بن أبي طالب أن خاطبوا الناس على قدر عقولهم؟ هل يعني ذلك تبسيط الخطاب الديني أم تنويع أشكاله أم مسخه الى صورة ليست له على أسوأ الأحوال؟ و ما معنى كلمة تجديد الممدوحة في الحديث النبوي “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها”؟ و هل التجديد يبني على ما سبق أم يقوضه؟ يأتي بالجديد أم يقلد الموجود؟
هل البحث عن المؤهلات الظاهرة هو الفيصل في اختيار من يصلح ليدخل مسابقة برنامج (مجددون)؟ ماذا عن المؤهلات غير الظاهرة و القلبية التي جعلها الاسلام شرطا لقبول و نجاح الأعمال، و هذه لا يطلع عليها ملك فيكتبها و لا شيطان فيفسدها، و انما هي محل نظر المولى سبحانه ،و هي ما جعلت أبا بكر يسبق كل الصحابة في ميدان العمل للاسلام حتى أن صاحب النفس المتوثبة الفاروق عمر أعلن استسلامه أمامه و قال” و الله لا أسابق أبا بكر أبدا” و مدحه المصطفى صلى الله عليه و سلم قائلا “ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة و لا صيام و لكن بشيء وقر في قلبه” فكانت مؤهلاته الباطنة هي التي أثرت و نمّت مؤهلاته الظاهرة ،و ما كان يخرج الى ميدان العمل الا بعد أن يأخذ نصيبه من ميدان العلم و التزكية، فكان يأخذ الايات من سورة البقرة يحفظها و يعمل بها ثم ينتقل الى غيرها، فمُدح و صحبه فقيل عنهم جيل التلقي للتنفيذ كانوا يتعلمون العلم و العمل معا.
و هل يكفي التقييم البشري و علوم القيادة و الإدارة الحديثة في تحديد من ينفع و من لا ينفع؟ إذا كان التقييم بشريا فقد ضحك الصحابة من دقة ساقي عبد الله بن مسعود و هو يصعد الشجرة، فكان تقييم النبي الذي لا ينطق عن الهوى أن ساقي ابن مسعود تعدل في ميزان الله ثقل جبل أحد. و هل يجب على الداعية المجدد أن يكون صاحب شخصية متكاملة لا يقصر و لا يخطأ؟ إذن كيف نقيم سيدنا نوح عليه السلام الذي دعى قومه ليلا و نهارا و سرا و جهارا و لم يستجب له الا قلة قليلة؟ هل الفشل في أداء مهمة أو مشروع بتقييم البشر يعني فشل الداعية و الدعوة؟
هل إذا فشل الداعية نقول له كما يقال للخاسرين في برنامج رجال المال و الأعمال أنت مطرود you are fired؟ و من يملك أن يقيل نفسه أو يقيل غيره من دعوة و بيعة مرضية بايع عليها أجدادنا بدمائهم فقالوا “لا نقيل و لا نستقيل”؟ و ماذا عن التعلم من الخطأ و ضرورة تكامل الخبرات و أن المجتهد المخطأ مأجور مشكور كما المجتهد المصيب؟
أسئلة كثيرة تستبق عرض البرنامج القريب و توقعات نأمل خيرها من داعية كان له بأمر الله دور في إعادة الشباب و الشياب الى ربهم و بيان ان الاسلام دين و دنيا، جامع و جامعة، سجادة صلاة و مبضع جراح و مسطرة مهندس
كتب الداعية عباس السيسي رحمه الله في كتابه الدعوة الى الله حب “الدعوة عرض و كلما كان العرض جذابا أقبل الناس على الشراء”
نعم بحاجة نحن الى التغيير و التجديد، و لكن يجب أن يبقى للاسلام و دعاته امتيازهم و تميزهم فالحق أحق أن يُتبع مهما كان شكله، و ليس كل ما يلمع ذهبا يُشترى و ليس كل نور قمرا