محاولات أولية لاصلاح الفكر الشيعي

محاولات أولية لاصلاح الفكر الشيعي

 

إن ما يخشى منه على العالِم المسلم هوخطر الانحراف عن العقيدة السليمة، حيث أن خطر هذا الانحراف لا يضره وحسب وإنما سيكون له آثارا ًسلبية على التابعين له أومن يوصفون بالمقلدِين له (حسب المصطلح الشيعي). لذلك فان سلامة منهج العالِم تأتي من سلامة عقيدته وما يقدمه هذا العالِم من علوم سواء فقهية كانت تلك العلوم أوأدبية أوثقافة عامة لا يخشى منها طال ما أنها محكومة بعقيدة سليمة.

 

لذا نجد أن سبب انبثاق الفرق والحركات البطانية الهدامة إنما جاء بسبب الانحراف الذي أصاب عقائد مؤسسي هذه الفرق والحركات. فلولا حدوث تلك الانحرافات العقائدية لما ظهرت علينا فرق الخوارج والسبئية والقرامطة والنصيرية والصفوية والبهائية والقاديانية وغيرها. وكما هومعلوم فان هذه الفرق والحركات كانت قد ألحقت وما تزال تلحق الأذى بالمسلمين. وحجم هذه الأذى لا يقل عن حجم الأذى الذي ألحقه ويلحقوه الصليبيون والصهاينة بأمتنا الإسلامية.

 

ومن هنا فان البحث عن تهذيب العقيدة من الشوائب والادران كانت الهدف الأساس لدى الكثير من الباحثين والعلماء المهتدين في الطائفة (الشيعية) وقد استطاع هؤلاء المهتدين أن يكتشفوا الخلل الذي أصاب أفكارهم السابقة ويصححوها بتخليهم عنها ونقدها. وقد توصلوا بهداية من الله تعالي ورحلة بحث علمي إلى الخروج من القلق الذي في داخلهم نتيجة للتضارب الفكري والعقائدي الذي كان يصاحبهم. وقائمة هؤلاء المهتدين طويلة وقد عمل بعضهم "وعلى الرغم من تعرضه للأذى والمحاربة من قبل المغالين" على توثيق وكتابة تجربته ورحلته العلمية التي قادته إلى المعرفة الحقيقية التي ضمنت له سلامة الفكر والمنهج. وقد أصبحت تجارب هؤلاء الرجال مرجعا لمن أعقبهم ودليلا لمحاججة من بقي متمسكن بجاهليته الفكرية والعقدية.

 

وهنا نحاول أن نلقي الضوء على بعض الشخصيات الإصلاحية التي بزرت على الساحة الشيعية خلال القرن الميلادي المنصرم والتي تركت أثراً واضحةً في الطائفة ومازال بعضها يواصل مسيرة التصحيح والإصلاح على الرغم مما يتعرض له من اضطهاد ومحاربة من قبل المرجعيات الطائفية المغالية التي تخشى من أي حركة تصحيحة وتعدها خطراً يهدم قدسيتها ويهدد وجودها اكثر من خشيتها على العقيدة ذاتها.

 

وإذا ما راجعنا مسيرة التصحيح الشيعية نجد أن الوجوه البارزة في هذه الحركة قد خرجت من ايران عقر دار الطائفة ومن حوزة قم الدينية منبت الغلوتحديداً. فمن بين الذين كسروا الطوق وتحدثوا في الإصلاح العقائدي والفكري في الطائفة (الشيعية) هوالشيخ "شريعت سنغلجي" المتوفى عام 1943م والذي تناول في كتابيه "الإسلام والرجعة/ فارسي" و"مفتاح فهم الإسلام / فارسي" وبشجاعة وجرأة غير مسبوقة رواية خروج المهدي الموعود مفنداً ما تقوله الروايات الشيعية من أن المهدي تصاحب خروجه ثورة مسلحة يضع فيها السيف على رقاب خصومه.(والخصوم دائم حسب الرواية الشيعية هم أهل السنة) مؤكدا أن خروج المهدي سيأخذ طابعا نهضوي جماعي واجتماعي يلاقي فيه قبولا عالمي. مقدما بذلك تصورا جديداً لمسألة المهدي تتلاءم مع الرؤية الإسلامية العامة ومخالفة للرواية الشيعية التي تظهر المهدي وكأنه سياف لا هم له سوى القتل والانتقام.

 

وفي كتابه "مفتاح فهم الإسلام" والذي هوتفسير للقرآن في مجلدين، فقد قال عنه الكاتب والباحث الإيراني ناصر الدين صاحب زماني في کتابه "ديباچه اي بررهبري" صفحه 134، أن "الشيخ شريعت" قدم رؤية عصرية للإسلام في ايران استحق أن ينال عليها لقب المصلح الأكبر من قبل اتباعه. كما شبه الكثير من الباحثين الإيرانيين حركة الشيخ "شريعت سنغلجي" التصحيحية بأنها أشبه ما تكون بحركة "لوتر وتوماس منتسروكالون" الذين كانا يريدان العودة بالمسيحية إلى أصولها الأولية وتخليصها مما اُلحق بها من خرافات وبدع.

 

ويقول هؤلاء الباحثون، أن "شريعت" كان يعمل عن وعي كامل في مواجهة الخرافات التي كان ينتقدها بانتظام في مجالسه وكتاباته ومنها على سبيل المثال خرافة "الرجعة" وظهور "الدجال" و"الشفاعة" وقصة "ظهور المهدي" وغيرها من الخرافات الشيعية الأخرى،. وبخصوص "الرجعة" فقد جمع "الشيخ شريعت" الروايات والأخبار والدلائل النقلية وأضاف إليها استدلالات عقلية لدحضها، محذراً الناس من تصديق هذه الخرافة التي تصور الأمر وكأنه فيلم سينمائي لتاريخ الإنسان يظهر عملية إعادة الأنبياء والأئمة إلى عالم الدنيا من جديد. وكان المستمعون والقراء المتابعون "للشيخ لشريعت" يوافقونه على استدلالاته وآرائه العقلية ولكن أصحاب "البازار- تجار طهران" الذين كانوا يميلون إلى مشايخ الغلوكانوا يشنون حملات تحريضية ضده محاولين ثنيه عن مسيرته التصحيحية.

 

علما أن العديد من مشايخ الشيعة الكبار لا يعد "الرجعة" من أصول أوفروع الدين لكن عدد الأخبار والروايات التي وضعت بشأن هذه الخرافة جعلت انتقادها خط احمر لا يمكن المساس به وقد تحولت "الرجعة" مع مرور الزمان إلى عقيدة راسخة في المذهب الشيعي لا يسمح لاحد نكرانها.

 

وعلى الرغم من أن محاولة "شريعت سنغلجي" كانت محاولة أولية في حركة التصحيح الشيعي إلا أنها فتحت آفاقا مستقبلية واسعة ساعدت في ظهور مصلحين آخرين كانوا اكثر جرأة في الطرح واكثر شمولية في التصحيح. ومن بين هؤلاء المصلحين يمكن ذكر أسماء لامعة أمثال "الأستاذ علي اكبر حكمي زادة" و"الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي" و" لأستاذ حيدر علي قلمداران" والدكتور علي شريعتي وغيرهم. وقد ترك كل واحد من هؤلاء المصلحين أثراً قيماً في الساحة الشيعية على الرغم من الحرب التي تعرضوا لها من قبل المغالين الذين لم يجدوا سوى كلمة "الوهابية" لأطلاقها عليهم وذلك بعد أن عجزوا عن مناقشتهم بطرق علمية. و"الوهابية" كما هومعروف أصبحت في الأدبيات الشيعية المغالية تهمة توجه لك من يرفض الاعتقاد بالخرافات والبدع التي تلازم الفكر الطائفي.

 

ومن بين الوجوه الإصلاحية التي خلقت هزة مدوية في وسط الحوزة بعد تناوله للأفكار العقدية الشيعية هوالأستاذ " علي اكبر حكمي زاده بن الشيخ مهدي پائين شهري القمي "الذي نقاش في رسالته المسماة" أسرار هزار ساله – أسرار ألف عام والتي جاءت في 38 صفحة ونشرت في عام 1943م"، دحض فيها مسألة "عصمة الأئمة" التي تشكل أحد أهم أركان العقيدة الشيعية. كما هاجم بشدة المرجعيات الشيعية وسلطتها على العوام من الناس مما استفز حوزة قم ومرجعيتها التي رأت في مثل هذه الأفكار خطرا يحدق بها. وبعد كيل الاتهامات له قام الخميني الذي كان يتزعم الحركة الدينية المعارضة لشاه آنذاك ومن أجل كسب مزيداً من الشهرة قام بوضع كتابه "كشف الأسرار" لرد على حكمي زاده لكنه لم يكن موفقا بالدرجة التي بلغها كتاب "أسرار هزار ساله" الذي خلق هزة حقيقية في الوسط الحوزوي خاصة والشيعي عامة.

 

لقد فتحت خطوات، الشيخ شريعت والأستاذ حكمي زاده، الباب أمام أصحاب الأفكار النيرة وشجعتهم على طرح آرائهم في إطار الحركة التصحيحية التي كانوا يأملونها في مذهب التشيع وقد جاء كاتب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي " لدكتور علي شريعتي (توفي عام 1978م) ليكون رافدا جديدا لحركة التصحيح التي هزت المغالين وكشفت خرافاتهم وانزعت عن مرجعياتهم جزء كبيراً من الهالة والقدسية التي هم عليها.

 

ورغم أن "الدكتور علي شريعتي" هوابن أحد مراجع الحوزة الشيعية البارزين في مدينة مشهد وكان ذوتوجه إسلامي معتدل ومعارض شديد لحكم النظام البهلوي إلا أن ذلك كله لم يشفع له وقد شنت عليه حملة عشواء دفعت به للخروج من ايران تحت ضغط النظام والحوزة الشيعية ليقتل مسموما في العاصمة البريطانية لندن أواخر السبعينيات ويعتقد أنصاره أن مقتله على يد السافاك (المخابرات الإيرانية آنذاك) جاء إرضاء للزعامات الشيعية التي كانت مؤيدة لحكم الشاه.

 

لقد اصبح كتاب "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" وغيره من كتب وخطابات الدكتور علي شريعتي مرجعا هاما لكل من أراد التعرف على حجم الخرافات والبدع التي أحدثها الصفويون بالإضافة إلى الكم الهائل من الأخبار والأحاديث المفتعلة التي نسبوها إلى أهل البيت عليهم السلام زورا وبهتانا.

 

وبالرغم من أن شريعتي يعد الصانع الحقيقي للثورة في وجه الشاه إلا ان نظام الجمهورية الإيرانية حارب أفكاره ولاحق اتباعه ومازالت اغلب كتب شريعتي ممنوعة الطبع والتداول في ايران كما تعرض الكثير من اتباعه إلى الملاحقة والسجن أوالقتل. وما تعرض له مؤخرا اثنان من ابرز المفكرين الإيرانيين السائرين على خط شريعتي وهم المفكر البارز الدكتور عبد الكريم سروش والدكتور هاشم آغاجري له دليل كافي على حجم الخطر الذي ينتاب زعامات الحوزة ومراجع الغلومن أفكار شريعتي وتيار التصحيح الشيعي عامة.

 

ولعل في الكلام الذي جاء على لسان أحد مدرسي حوزة قم الدينية وهو"آية الله مرتضى جعفر العاملي" سوف يتبين لنا مدى عمق الكراهية التي يكنها هؤلاء المغالون لعلي شريعتي وكتاباته القيمة.

 

وهنا نص كلام العاملي: بالنسبة للسؤال عما يقال من تشيع صفوي وتشيع علوي.. أقول:إن التشيع هوحقيقة دين الله تعالى الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله.. فمن تمسك به كان من المهتدين، ومن حاد عنه كان من الضالين.. ولا حاجة إلى اللجوء إلى مثل هذه المهاترات التي لا تفيد شيئاً، لا في إحقاق الحق، ولا في إبطال باطل، بل هي سلاح العاجز المهزوم في ساحة البرهان والحجة..على أن اتهام جيل من الناس بأن تشيعه ليس علوياً لهوأمر بعيد عن أخلاقيات الإسلام، وهويحتاج إلى كثير من الجرأة على الحق وأهله.. كيف وقد نشأ في تلك الحقبة، أعاظم علمائنا، وحفظة الدين، وحملة العلم، ومنهم العلامة المحقق المجلسي، والمحقق الكركي، وغيرهما من أساطين العلم الذين نشروا علوم آل محمد، وساعدوا في حفظ الإيمان وأهله. حينما كانت قوى التعصب المقيت تسعى للقضاء عليهم، واستئصالهم، وتقويض دولتهم، وخضد شوكتهم..نقول هذا، ونحن لا ننكر أن لكل حقبة سلبيات تطفوفيها على السطح لعوامل وأسباب مختلفة، ونحن نعتقد: أن من الذين يتحدثون عن تشيع علوي وصفوي، ويسعون إلى تصنيف أنفسهم في التشيع العلوي، من هوأضر على التشيع، بل على الدين كله، من السباع الضارية، والوحوش الكاسرة.. فإنا لله وإنا إليه راجعون..وفي جميع الأحوال نقول: إن هذه التصنيفات تسهم في تمزيق الأمة، وفي إيجاد العقد المستعصية على الحل فيها.. من خلال ادعاءات ترمي لتسويق ما يعجزون عن تسويقه في ظل الفكر المنفتح، والهيمنة العقلية، وسلطة البرهان والحجة، فيلجأون إلى مثل هذه الأساليب الملتوية لمحاصرة العقل، والفطرة، والوجدان ضمن أسوار الأحقاد والضغائن والإثارات اللاإنسانية.انتهى.

 

لقد تزامن تحرك شريعتي التصحيحي مع وجود شخصية علمية تسير على نفس الخطى وهو" الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي " أحد العلماء المجتهدين والمدرسين البارزين في الحوزة الدينية في قم واصفهان والذي عرض أفكاره الإصلاحية للمرة الأولى في كتابه " شهيد جاويد – الشهيد الخالد" الذي صدر في عام 1951م وعُـد من أهم الكتب التي تناولت حركة الإمام الحسين بن علي عليهم السلام وواقعة كربلاء بصورة علمية وتحليل استدلالي ناقش فيه ماهية الحركة الحسينية، مراحلها، هدفها، نتائجها، وأثارها. مقدما قراءة جديدة تتعارض كليا مع القراءة التي تقدمها الرواية الشيعية المغالية والقائمة على نظرة عاطفية بحتة.

 

لقد قدم الشيخ صالحي رأيه في هذه القضية بطريقة اعتمدت البحث العلمي متبعا المنهج الاستدلالي الذي أوصله إلى النتيجة التي تؤكد أن الإمام الحسين لم يخرج بهدف أن يقتل وينال الشهادة وإنما خروج الحسين كان بهدف، إقامة العدالة الإسلامية وتحكيم الإسلام في الأمة ولكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك، منتقدا بشدة الرواية الشيعية العاطفية التي تقول بعلم الحسين المسبق بمقتله وانه خرج ليقتل!.

 

وقد اعتبر اغلب الباحثين الإيرانيين كتاب " شهيد جاويد " من أهم الكتب المثيرة للجدل في تاريخ ايران المعاصر ومن أهم الكتب التي ناقشت قضية الحسين عليه السلام ببعديها السياسي والاجتماعي حيث صدر اكثر من ثلاثة عشر كتابا في الرد عليه من قبل الغلاة. وكان من ابرز المنتقدين له هم، آية الله صافي الگلپايگانى، آية الله رفيعى قزوينى، آية الله مرتضى المطهري وغيرهم من آيات الحوزة الكبار. وقد جمع الشيخ صالحي ردوده على منتقديه في كتاب اسماه " عصاي موسي يا درمان بيماري غلو– عصى موسى أوعلاج مرض الغلو". صدر هذا الكتاب في عام 1981م غير أن وزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية قامت بعد ذلك بجمعه من الأسواق ومنعت إعادة طبعه وتداوله.

 

توفي الشيخ صالحي العام الماضي (1427هـ - 2006م ) في مدينة نجف آباد من توابع محافظة اصفهان بعد حصار من الحكومة الإيراني دام اكثر من عشرين عاما وذلك نتيجة لأفكاره الإصلاحية بالإضافة إلى كونه من المحسوبين على خط الشيخ حسين علي منتظري الذي كان خليفة للخميني ثم تم عزله وفرضت عليه الإقامة الجبرية. وعلى غير عادته في نعيه للآيات الذين يموتون فان مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي لم ينعى الشيخ صالحي الذي كان عالما مجتهدا وحاصل على لقب آية الله وكان أستاذا يدرس البحث الخارج وله كتاب في هذا المجال بعنوان " ولايت فقيه، حكومت صالحان- ولاية الفقيه، حكومة الصالحين ". كما أن الإعلام الرسمي الإيراني تجاهل نشر خبر وفاته.

 

ومن الشخصيات اللامعة الأخرى التي برزت في ساحة الإصلاح الشيعي في ايران هوالأستاذ والباحث الإسلامي القدير" حيدر علي بن إسماعيل قلمداران القمي 1409– 1330 هـ " الذي كرس جهدا كبيراً في سبيل إثبات الحقيقة وتصحيح الأفكار ونقد العقائد الخرافية السائدة. وكان "الأستاذ قلمداران " قد تأثر في بادئ أمره بالأفكار الإصلاحية للشيخ محمد الخالصي بن الشيخ محمد مهدي المرجع العراقي المعروف الذي قامت قوات الاحتلال البريطاني في العراق في منتصف عشرينيات القرن الماضي بأبعاده إلى ايران نتيجة جهاده ضد الاحتلال. وقد تطور الوعي الإصلاحي عند " قلمداران " بعد ذلك الأمر الذي جعله يجمع أفكاره الإصلاحية وينشرها في عدد من الكتب التي حملت العناوين التالية.

 

1/ الإمامة والولاية / فارسي.

 

2/ جواب مختصر على سؤالين مهمين حول الإمامة والخلافة / فارسي.

 

3/ طريق النجاة من شر الغلاة/ فارسي.

 

4/ زيارة القبور بين الحقيقة والخرافة / فارسي.

 

5/ الخمس / فارسي. وهوبحث روائي رجالي فقهي ضخم أثبت فيه عدم وجوب أداء خمس أرباح المكاسب، مخالفا للفكر الشيعي.

 

وغيرها من الكتب الأخرى. كما قام بترجمة كتابين لصديقه الشيخ محمد خالصي الأول " أخلاق محمد " والثاني " المعارف المحمدية – الفلسفة الإسلامية العليا ". ومن ابرز كتب الأستاذ " قلمداران" في نقد العقائد الخرافية كتاب " شاهراه اتحاد - طريق الاتحاد أوتمحيص روايات النص على الأئمة " وهوالأثر الوحيد الذي تم تعريبه وطبعه بعد وفاته. وقد قام بهذا العمل الجبار مشكورا الأستاذ " سعد رستم " الذي بذل جهدا كبيرا في إخراج هذا الكتاب إلى النور.

 

وقد جاء في مقدمة الطبعة المعربة مايلي : (ترى عقيدة الإمامية أن الأئمة الاثني عشر من آل البيت عليهم السلام، منصوبون ومعينون من قِبَلِ الله تعالى لإمامة المسلمين، مفترضوالطاعة على العالمين بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فالإيمان بهم ومعرفتهم أصل من أصول الدين يساوي أصل الإيمان بالله وباليوم الآخر وبنبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، مما يعني بالنتيجة الضرورية، وبدون لف ودوران، أنه لن تكون هناك نجاة أخروية لأي مسلم أولأي إنسان دون معرفة أولئك الأئمة والإيمان بعصمتهم وإمامتهم!

 

فأراد (قلمداران) أن يمحص صحة هذه العقيدة ويرى سندها، فتبين له أن مستندها مجموعة من الأحاديث الواهية الموضوعة من قبل الغلاة التي لا تقوم بها أي حجة رغم كثرتها، ثم تبين له أن القرائن الخارجية من آيات القرآن ووقائع التاريخ وسير الأئمة أنفسهم تؤكد عدم صحة تلك الأحاديث والرويات وبالتالي عدم صحة العقيدة التي انبنت عليها، فضمَّن نتيجة بحثه هذا الكتاب، مبتغيا بذلك إزالة السبب الرئيسي لتباعد الشيعة الإمامية عن سائر المسلمين، وسماه: "شـاهراهِ اتحاد": أي طريق الاتحاد الواسع، ولكنه لم يستطع طباعته بشكل رسمي ونشره لحساسية الموضوع البالغة بالنسبة للعلماء التقليديين، بل اكتفى بعض زملائه ومحبيه بأن يطبعوا الكتاب سنة 1978 م. على الآلة الكاتبة اليدوية ثم مرة ثانية على آلة كاتبة إلكترونية I.B.M. ـ (وكلا الطبعتين كانتا مليئتان بالأغلاط المطبعية بالإضافة لعدم التنسيق) ـ ويصوروا منه بضع مئات من النسخ سرعان ما نفدت).

 

توفي الأستاذ " حيدر علي قلمداران" في يوم الجمعة 28 من رمضان عام 1409 هـ في مدينة قم عن عمرٍ ناهز 79 عاما قضاه في البحث والتوثيق والتأليف غايته تقديم ما يخدم الإسلام ويصحح الأفكار والعقائد السائدة في مجتمعه. وكان قد تعرض إزاء ذلك شأنه شأن غيره من المصلحين إلى حرب ظالمة شنت عليه من قبل مراجع الحوزة وأرباب الفكر الطائفي المغالي.

 

الساحة العراقية

 

إذا كنت الساحة الإيرانية هي الساحة الرئيسية للجدل الذي دار وما يزال يدور بين حركة الإصلاح وتيار الغلوالشيعي لكونها (ايران) منبت هذا الفكر والمركز المغذي له، فانه يجب علينا عدم إغفال وجود الأصوات التصحيحية في الساحات الشيعية الأخرى ومنه الساحة العراقية والأحوازية على سبيل المثال.

 

فعلى صعيد الساحة نجد إن حركة الإصلاح الشيعي ظهرت على يد الشيخ محمد بن الشيخ محمد مهدي الخالصي (1383- 1306 هـ) الذي تمثلت حركته بمحاربته الشعواء للبدع والخرافات التي سادت بين الشيعة والعمل على تنزيه العقيدة الإسلامية من الانحراف، فكانت هذه هي النقطة الأصعب في حركته رحمه الله، لان تنزيه الدين من البدع والخرافات التي يظنها الجهال إنها من اصل الدين يحتاج إلى شجاعة ونكران للذات في الله، وهوما ألّب عليه اقرب أصدقائه فضلاً عن مرجعية الحوزة النجفية ومراجع حوزة قم الإيرانية الذين قاما بدفع الرعاع إلى مهاجمته بألسنتهم وأقلامهم وسائر وسائلهم الخبيثة.

 

وكانت من آثاره القيمة في مجال الإصلاح ونبذ الخرافات والطائفية هي.

 

1- أحياء الشريعة في مذهب الشيعة / رسالته العلمية في عدة أجزاء.

 

2- الوقاية من أخطار الكفاية.

 

3- النيروز / في بدعة عيد النيروز.

 

وكتابات قيمة أخرى تركت آثرها في الساحة العراقية والإيرانية. وكان الخالصي الذي أسس مدرسة دينية علمية في مدينة الكاظمة في بغداد باسم " مدينة العلم " أول مرجع شيعي يجرأ على رفع شاهدة " اشهد أن عليا ولي الله من الآذان " وهي الشاهدة التي أمر بوضعها إسماعيل الصفوي يوم استيلائه على مدينة تبريز في إقليم أذربيجان في بداية القرن العاشر الهجري والتي قتل دونها اكثر من مائتي ألف مسلم من أهل السنة لرفضهم " الآذان باشهد أن عليا والله".

 

مدرسة الخالصي التصحيحية ماتزال مستمرة ولها اتباع وان كانوا أقلية إلا انهم يعبرون عن أفكارهم بشكل صريح. ولعل من آثار مدرسة الخالصي، التي يقودها اليوم أبنائه الشيخ جواد والشيخ محمد مهدي، هوتحالف أنصار هذه المدرسة مع أهل السنة في العراق والنأي بأنفسهم عن المليشيات والمرجعيات الطائفية في قم والنجف.

 

ومن بين الوجوه الإصلاحية العراقية الأخرى التي يمكن ذكرها على سبيل المثال، الشيخ الدكتور "موسى الموسوي" حفيد مرجع الشيعة البارز في منتصف القرن الماضي أبوالحسن الموسوي الأصفهاني.

 

لقد أدرك "موسى الموسوي"، الذي عاش في الوسط الحوزوي وفي أسرة المرجعية الشيعية، عمق التخلف والخلل الفكري والعقائدي الذي تعيشه هذه الحوزة بالإضافة وما يدور فيها من تخطيط وتآمر على الأمة ولذا انتفض على هذا الواقع وقال كلمته التي أفحمت الطائفيين. وقد دون أفكاره هذه في اكثر من كتاب اهمها الكتب التالية:

 

1- يا شيعة العالم استيغضوا / عربي – فارسي.

 

2- الشيعة والتصحيح / عربي – فارسي.

 

3- الخميني في الميزان / عربي – فارسي.

 

وهناك كتب ورسائل ومحاضرات هامة أخرى كشف فيها وهن وضعف الأفكار العقدية للصفويين واتباعهم.

 

والى جانب موسى الموسوي يمكن ذكر اسم الشيخ "حسين الموسوي" صاحب كتاب " لله ثم للتاريخ " هذا الكتاب الذي يعد من أهم وانجح ما قدمته المدرسة التصحيحية الشيعية في العراق وذلك لغزارة المعلومات والأدلة التي قدمها الموسوي في كتابه والتي لم تترك شاردة أوواردة من الأفكار والعقائد الخرافية إلا وذكرها وناقشها بتمعن ومنهجية علمية رائعة.

 

ومن الشخصيات العراقية الأخرى التي تركت لها أثراً في التصحيح وهي ماتزال مستمرة في عطائها فيمكن ذكر" الأستاذ احمد الكاتب " وأثره القيم كتاب " (تطور الفكر الشيعي) الذي نقض فيه نظرية الإمامة الشيعية بأدلة قوية غير قابلة للدحض.

 

أما الشخصية الأخرى التي يمكن ذكرها هنا فهوفضيلة الشيخ "طالب السنجري" صاحب كتاب (التشيع كما افهمه) والذي أكد فيه ان الرجوع إلى الخليفة عمربن الخطاب كم الرجوع إلى الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنهما كون الاثنين يستقيان علمهما من منبع واحد وهوالقرآن والسنة.

 

وكانت هذه الكلمة كفيلة لكي يقوم المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله بطرد السنجري من حوزته الكائنة في منطقة السيدة زينب في سوريا حيث كان فيها الأخير أستاذا للفقه. وقد حورب السنجري على رأيه هذا وحوصر من جميع الجهات الأمر لذي دفعه للقيام بفتح محل لبيع الأحذية بعد ان أغلقت جميع الحوزات الشيعية أبوابها في وجهه وقطعت جميع مكاتب المرجعيات الشيعية رواتبها التي كانت تقدمها لطلبة وأساتذة الحوزات عنه. ولكن ذلك لم يثنيه عن مواصلة مشواره الإصلاحي وقد نشر العديد من الكتب في هذا الشأن ومنه كتاب تذكرة المسلم وغيرها. وهواليوم يعمل إماماً لأحد المراكز الإسلامية في مدينة فلوريدا بالولاية المتحدة الأمريكية يواصل من خلاله الإصلاح في الفكر الشيعي وقد اصبح له مناصرون واتباع كثيرون.

 

الساحة الأحوازية

 

في هذا الساحة العربية الإسلامية المغتصبة من قبل الدولة الإيرانية والتي يعاني أهلها من الحرمان التعليمي والاضطهاد بجميع أشكاله فان عملية الإصلاح الفكري والعقائدي قد شقت طريقها في السنوات الأخيرة بشكل واسع متأثرة بالخطابات والندوات التي تبث من خلال القنوات التلفزيونية العربية والخليجية منها تحديدا وذلك بسبب قرب الأحواز من الدول الخليجية. كما ان تردد الأحوازيين على الدول الخليجية ونقلهم للكتب والأشرطة التي تحتوي على خطب وندوات فكرية إسلامية قد ساهم بشكل كبير في توسع حركة الإصلاح الفكري الأمر الذي رفع من نسبة أهل السنة في الأحواز في السنوات الأخيرة بشكل كبير جدا. علما ان شيعة الأحواز وعلى خلاف شيعة ايران وباقي الشيعة لا يرون التشيع اكثر من مجرد مدرسة فقهية وهم يسمون أنفسهم بالجعفرية ( نسبة للإمام جعفر بن محمد الصادق ) ويقفون من الصحابة وأمهات المؤمنين ذات الموقف الذي يقفه منهم أهل السنة. ولا يؤمنون بالخرافات والطقوس الصفوية التي نشاهدها تمارس في ساحات شيعية مختلفة ولهذا فهم اقرب لاهل السنة منهم للشيعة. وإذا أردنا الحديث عن شخصيات فكرية إصلاحية احوازية فيمكن ذكر أسماء من أمثال الشيخ عبد الحميد النواصري والشيخ عباس البوشوكة الموسوي والشيخ عقيل الهاشمي ولا استبعد نفسي عن هذه الثلة الخيرة.

 

ختاما ما تقدم أعلاه كان محاولة أولية لالقاء الضوء على مسيرة الإصلاح الفكري التي قام بها أناس أنار الله قلوبهم بالإيمان وكشف عن بصيرتهم الغشاوة فأدركوا ما توصلوا إليه نتيجة للبحث والمطالعة كونهم يمتلكون كفاءة عقلية وعلمية مكنتهم من التوصل إلى الحقيقة وفهمها. يقودهم إلى ذلك أيمانهم بان الإسلام لا يقبل الازدواجية العقائدية.

 

ومما يجدر ذكره أيضاء ان عدم تطرقنا للساحات الأخرى ( الخليجية أواللبنانية أوالأفغانية،،،،) لا يعني خلوتلك الساحات من شخصيات إصلاحية، أوان الأسماء التي ذكرت في هذه المقدمة لا يوجد غيرها، ولكننا اخترنا هذه النماذج من الشخصيات والساحات على سبيل المثال فقط لنقدمها للقارئ الكريم. متمنين لحركة الإصلاح الشيعي التوسع والتوفيق في عملها.
 

 

المصدر: http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=24112

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك