قالوا سلاماً قال سلام

قالوا سلاماً قال سلام

منذر آل جعفر

 

 
للحرب عند العرب أسماء كثيرة . فقد سموها ذميمة وكريهة وقبيحة ، وروي قول الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته:
( وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم / وما هو عنها بالحديث المرجّم )
( متى تبعثوها تبعثوها ذميمة / وتضر إذا ضريتموها فتضرم )
رووا مفردة ذميمة وكريهة وقبيحة في هذا البيت . كذلك ينظر زهير إلى الحرب وهو يخلد في شعره السيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف ، لأنهما سعيا لإغماد السيوف وخفض الرماح ووقف إطلاق السهام وإعلان السلام بين عبس وذبيان . وتحمّلا تكاليف حرب داحس والغبراء . قال: يميناً لنعم السيّدان وجدتما .
وللشاعر دريد بن الصمة رأي شبيه برأي زهير إذ يطلب من قومه غزية في يوم من أيام العرب أن يجنحوا للسلم فقال:
( أمرتهم أمري بمنعرج اللوى / فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد )
( فلما عصوني كنت منهم وقد أرى / غوايتهم وإنني غير مهتـــــدي )
( وما أنا إلا من غزيّة إن غوت / غويت وان ترشد غزية أرشــــد)
أما الحارث بن عبادة فكان له رأي مماثل في حرب البسوس إذ أنه وقف داعية سلام وبعث ابنه (بجيرا) لإصلاح ذات البين ، إلا أن عدوه قتله وهو رسول للصلح ، والعرب لا تقتل الرسل في الجاهلية وفي الإسلام ، فقال الحارث حيئذ عن تلك الحرب:
( لم أكن من جناتها علم الله / وإنني بحرها اليوم صالي )
أما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقال في خطبة الوداع:( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) . وهو القائل أيضا ( سباب المسلم فجور وقتاله كفر ) ، وما أحكم القول السديد ( لا تدع إلى الحرب ولكن إذا دعيت لها فاستجب ) كذلك بلغنا الرسول الكريم أبلغ مثل فقال: ( لا تعودوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) .
ومن آذى كتابيا أو ذميا فقد آذى الرسول ، و( المسلمون تتساوى دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) ، والسلام من أسماء الله الحسنى ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها ) ، والملائكة المرسلون الذين مروا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام ( قالوا سلاما قال سلام ) فهم قالوا نسلم سلاما ، أي على التوقيت . أما أبونا إبراهيم فقال سلام : فهو يعني أن سلامي سلام أي على التأبيد ، فذلك السلام مؤقت وهذا مؤبد ، ويوم فتح مكة كان حامل الراية يحدو بالجيش المسلم الفاتح ( اليوم يوم الملحمة اليوم أذل الله قريشا ) فأمر النبي أن ينادي بالقول ( اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله قريش) . ( يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ).
وقد أقسم هرم بن سنان أن لا يسلم عليه زهير بن أبي سلمى إلا أجزل له العطاء ولجزل ما أعطاه شرع زهير إذا مر بقوم قال: عموا صباحا أو عموا مساء إلا هرماً وخيركم استثنيت . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب بن زهير: ( ما أعطاكم هرم إلا أسلابا تبلى وأموالا تفنى ، أما أبوك فقد أعطاه مدائح ومعلقة تبقى ) فانهض يا هرم بن سنان ينهض زهير بن أبي سلمى .

المصدر: http://www.alnaspaper.com/inp/view.asp?ID=10744

 

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك