الحوار وثمراته الإيجابية في الرؤية الإسلامية

ومن هنا، فلا شكّ أنّ للحوار ثمرات عظيمة للبشريّة، لأنّها دعوة -جاءت- من خالق البشر، وهو العارف بقلوبهم وعقولهم ونفسيّاتهم، وقد أثمرت الكثير من الحوارات عبر التاريخ الإنسانيّ في مجال الدعوة والتربية والثقافة في إجلاء الكثير من الحقائق والتبصير بها والاهتداء للحق والصواب، وإيجاد المؤمن الصالح والمتواضع والمتوازن في حياته، وأوجدت المثقف المنفتح المبدع والمعرفة الحقّة والكلمة الصّادقة النافعة، وهناك الكثير من الثمرات في هذا الصدد يمكن سردها في الآتي:
1 ـ ثمرات الحوار في الدّعوة
ثمرات الحوار في الدّعوة كثيرة قد لا نستطيع أن نوافيها حقّها من الشرح والتبيان، لكنّنا سوف نوجز بعضها في هذا الجانب، فالقرآن الكريم والسنة النبوية يمتلئان بالحوارات الإيجابية وثمراتها في الدّعوة بين الرسل -عليهم السّلام- وأقوامهم، وكيف كان الحوار هو الدافع إلى عودة الكثيرين منهم إلى الحقّ والاهتداء إلى الإيمان، فالدّعوة في الأساس حوار، والقرآن الكريم - كما يقول الكثير من أهل العلم كتاب حوار بين الحقّ والباطل، بين أهل الإيمان، وأهل الضلال، بين الكلمة الصادقة النافعة والكلمة الخبيثة المنحرفة. وقد سرد لنا الكتاب الكريم في العديد من آياته كيف تمّ الحوار بين الأنبياء وأقوامهم وهو في الأساس دعوة إلى الحق، وإلى الطريق القويم. والحقّ أنّ الكثير من الخلافات التي تدور بين الناس مردّها إلى عدم فهم موضوع الخلاف من كلّ جوانبه، والنّقص، أو الاستقصاء في القضيّة المطروحة بصورة متكاملة، أو إلى التقليد الأعمى، أو التّعصب الذميم، أو إلى الانقياد للهوى والمنافع الخاصّة وغيرها من الأسباب، لكن بالحوار الإيجابيّ، وطرح مضامين ثاقبة وعادلة في الحوار سوف تتّضح الكثير من الحقائق الغائبة - حتّى وإن لم يستجب لها في تلك اللحظة، فإنّ حكمة الحوار ستجعل المتحاورين يراجعون أنفسهم بعد ذلك. وهكذا تتحقّق ثمرات الحوار في الدّعوة بالتدريج.
فالدّعوة من خلال الحوار ثمراتها كثيرة، ولعلّ الأمر الإلهيّ إلى أنبيائه باتخاذ الحوار طريقاً ومسلكاً مع أقوامهم لتبصيرهم بطريق الحوار إلى سبيل الحقّ القويم، هو النموذج الذي يجب أن يُحتذى في الدّعوة لتحقيق ثمراتها الخيّرة، ولذلك انفتح هؤلاء الرّسل على الحوار حول ما يطرحونه، وما يفكّر به النّاس، والردّ على شبهاتهم وظنونهم، والخلل في تفكيرهم، فكان الحوار أقوى الثمرات الإيجابيّة عند من يودّ أن يتجاوب مع الحقّ ويتجرّد من أنانيّته وغروره، وكان هدف الأنبياء -عليهم السلام- في دعوتهم الحواريّة مع الإنسان الضالّ بالكلمة الطيبة الوديعة كيف ينتصر على نفسه، من خلال الانتصار على رواسب الجريمة في داخله.. فيصبرون ليعلّموه كيف يكون الصبر في موقع الصّراع، الصّبر على النوازع الذاتيّة وعلى التّحدّيات المضادّة وعلى الوقوف مع الحقيقة بقوّة، وعلى روحيّة الحوار التي توحي له بالانفتاح الرّحب على كلّ ما في الحياة من قضايا ومشاكل.
* ومن ثمرات الحوار في الدعوة ما نجده من خلال آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى التدبّر والتأمّل والحوار والجدل بالحسنى، ولذلك حثّ الإسلام على الحوار والدعوة إليه بكلّ السبل، والدفع بالمسلمين إلى طرق أبواب المعرفة الحقة بكل وسيلة معقولة ومقبولة، والمتتبع لآيات القرآن الكريم يعرف كيف دعا كتاب الله المؤمنين إلى اتّباع سلوك طريق الحسنى في حوارهم، وبيّن لهم حصاد ذلك من أنّه يقلب العدو صديقاً والخصم الألد وليّاً حميماً. ولهذا حرص القرآن الكريم على أنّه يجب على كلّ من يحاور أو يجادل، أن يكون حواره دحضاً للباطل وإحقاقاً للحقّ، حتّى يصل المجتمع الإنساني إلى الغاية التي رسمها - سبحانه وتعالى- له.
ومن خلال تتبّع حوار الأنبياء المرسلين: نوح وهود وصالح وشعيب وإبـراهيم -عليهم السلام-، ومواقفهم من أقوامهم في محاوراتهم وتساؤلاتهم، ومقابلتهم كلّ غلظة وقسوة وجفوة وشدّة في الخطاب بكلّ أدب رفيع، وسلوك كريم، وتوجيه صادق سليم، وتسامح ورحمة. نرى أنّها جديرة بأن تحوّل كلّ عناد إلى انقياد، وأن تردّ كلّ غواية إلى أدب وهداية، لو كانوا يعقلون. تلك من الدروس المستفادة، التي يجب أن ترتفع إليها مستويات الإنسانيّة اليوم، في المعاملة وفي التفاهم والمخالفة، وفي كلّ ميادين الحياة الزاخرة.
* كما أنّ الدّعوة بالحوار تثمر للداعية الكثير من الإيجابيّات من خلال حواره مع الآخرين، سواءً الموافقون له أو المختلفون معه، ومن هذه الثمرات أنّ الداعية في دعوته الحوارية يكتسب قوّة وثقة ومعرفة وعلماً ووعياً بالآخر المختلف ونقاط ضعفه، والاستفادة من تجارب الآخر، واستخراج الرؤى الإيجابيّة منها. ومن هنا فإنّ الدعوة بالحوار تثمر انطلاقاً إيجابيّاً للإصلاح والتّجديد، فعن طريقه يتحوّل إلى الاتّجاه الصّحيح، وبسببه تستجمع الطاقات قواها التنافسيّة، لمزيد من الاستجابة والتّفتّح للأفكار والأطروحات القيّمة والنافعة.
* ولا شكّ أنّ ثمرات الحوار في مجال الدّعوة يصعب حصرها، لكونها واسعة باتّساع الدعوة التي انطلقت منذ بدء الخليقة، وقام بها الأنبياء والرسل -عليهم السلام- فهي في الأساس استراتيجيّة قامت عليها الرسالات السماوية في جدلها المستمرّ مع الآخرين، فالحوار كان رمز قوّتها من أجل إقناع الآخرين، وبذلك فإنّ قوّة منطقها كان أساس نجاحها في الحوار الدعويّ، واستقطاب المؤمنين، فأصبحت خالدة بخلود أفكارها التي رسخت في الأذهان".
* ومن إيجابيات الدعوة بالحوار، وثمراتها الطيبة كذلك أنّها تشيع المنظور الدينيّ للإنسان والكون والحياة، حيث إنّ الداعية في حواره مع الآخرين يبرز الأفكار ويوضح القضايا التي قد لا تكون مطروحة بشكل أدقّ وأوضح للكثيرين، كما أنّها تثبت الإيمان الحقّ في القلب من هذا المنظور الحواريّ بتبيان قدرة الله - سبحانه وتعالى- وعظمته، وتوحيده وقدرته، فالدّعوة في هذا الجانب لها الكثير من المآثر والثمرات، ولعلنا نذكر قصّة الهجرة إلى الحبشة، وكيف أنّ الحوار بالدّعوة الصّادقة أثمر فشل وفد المشركين إلى النّجاشيّ، وكان على رأس وفد المشركين عمرو بن العاص، واستعان وفد المشركين على النّجاشيّ برجال حاشيته، بعد أن ساقوا إليهم الهدايا...
والأسلوب الدعويّ الحواريّ يؤدّي دوراً إيجابيّاً في مراجعة الشّخص لأفكاره وتعامله مع الآخرين، حتّى إنّ المراجعة قد تتأخّر بعض الوقت، لكن فنّ الحوار وأسلوبه وطريقته يؤثّر كثيراً، لكنّه يحتاج إلى صبر وحكمة، ولنا في الأنبياء والمرسلين النموذج والقدوة في هذا المضمار.
ومن هذه المنطلقات الإيجابية فإنّ المحاور يجني ثماراً كثيرة منها على سبيل المثال: التمتع بلباقة القدرة على فهم الآخر، والقدرة على تقليب الأمور والأفكار، والقدرة على خلق الاحتمالات التي يمكن أن يقصدها هذا الرأي أوذاك الموقف - والقدرة أيضاً على توجيه الكلام الآخر توجيـهاً حسـناً... إلخ.
ومن ثمرات الحوار في الدعوة أن الداعية يبعد عن التعصب بحكم إدارة الحوار مع المخالفين، ولذلك تجد الداعية المحاور ينفتح كثيراً مع الآخرين من خلال الحوار، والآخر أيضاً ينفتح هو الآخر على الرأي المقابل، ويتقبّل رأيه وربّما يتوافق معه، ولأنّ الانفتاح الإيجابيّ على الآخر يقرّه النظام الكونيّ والتشريعيّ والاجتماعيّ...
وإذا انتقلنا إلى الغرب وتابعنا انتشار الإسلام في القارة الأوروبية لوجدنا أنّ الدعوة كانت السبب الأساسي في الانتشار العظيم للإسلام في الغرب ولا يزال، وعلى الرغم من الحملة الشّعواء عليه، ووصمه بالإرهاب، والشرّ الكامن فيه، وظلم المرأة و..و.. إلخ، فإنّ الدعوة بالحوار أثمرت دخول الآلاف سنوياً إلى الإسلام بفضل الله، ثم بجهد الدعاة الذين لا يملكون إلّا الكلمة الصادقة والمحاورة الأمينة والقدوة الحسنة..
2 ـ ثمرات الحوار في التربية
ثمرات الحوار في التربية في اعتقادي هي أكثر الثمرات رسوخاً وتأصلاً ونجاحاً، باعتبار أن التربية هي الأقوى في مرحلة التأسيس والنشأة، والتربية الحوارية عظيمة وهي الأجدى في ترسيخ مفاهيم الحوار، وقبوله عندما نربي المجتمعات على الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر وقبوله عند ظهور علامات الحق بين المتحاورين...إلخ.
وإذا استقرأنا الكثير من آيات القرآن الكريم والصور المتعددة للحوار: بين الأنبياء وأممهم أو بين أهل الجنّة وأهل النّار، بعضهم مع بعض، أو بين أهل الجنّة والنار وبين أصحاب الأعراف، وما قام به الرسول – صلى الله عليه وسلم- ما أجراه من حوار، وما حكاه لنا من صور المناجاة بين العبد وربّه عند قراءة القرآن، لخرجنا بمعان متعدّدة مختلفة للحوار القرآنيّ والنبويّ، يصعب احتواؤها بتعريف يجمع كلّ معانيها، وأشكالها؛ لأنّها ليست على نمط واحد، ولكنّها من حيث المغزى والمرمى تؤدّي أهدافاً مشتركة"...
وفي عصرنا الرّاهن ومع مجيء تطبيقات العولمة وآثارها العديدة فإننا أحوج ما نكون إلى الحوار بالتربية للاستعداد لهذه المرحلة الجديدة التي أصبح الاختراق فيها مسألة قسرية وفرضية لا خيار لنا فيها، وهذا بلا شك يجعل من هذه القضية في مقام الضرورة لتنشئة جيل جديد يؤمن بالحوار مع الآخر ويبصر إيجابيات الانفتاح من سلبياته حتى يستطيع على الأقل أن يتفاعل مع القيم الصالحة، ويحتاط للقيم المنحرفة أوالسلبية، التي ستدخل علينا اقتحاماً وليس اختياراً، ونحن لا نتحدث عن توقع أوخيال وإنّما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجياً على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه في كافة الشؤون الأخرى في الوقت الذي يصبح فيه العالم النامي عديم الحيلة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل وأساليب الدعايات العديدة.
وسوف تضطر هذه الدول إلى فتح أبوابها على مصراعيها أمام هذا التطور المفروض بمنظمة التجارة العالمية "الجات" تحت مسميات دعم التفاهم بين الشعوب وتقديم الثقافة والفكر لبلورة حوار الحضارات والتواصل الإعلامي الجديد وتعميم التكنولوجيا والمعلوماتية "الإنترنت" عبر الفضاء.
فلا مفرّ من التعامل مع هذا الواقع الفضائي وهذا الاختراق الثقافي الجديد بكل إمكاناته الرهيبة.
* ومن ثمرات الحوار في التربية أنّها تصنع الإيجابية وحسن التعامل مع الآخرين، وتبعد التفكير السلبي.. وقد طلب منا – سبحانه - عند الحديث مع الآخر المختـلف أن نحاوره (بالتي هي أحسن)وهي تربية إلهية عظيمة، وفي آية أخرى ﴿ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾. هذه الآية الكريمة دعوة للإيجابية، فالله - سبحانه وتعالى يقول لك: كن إيجابياً في الطريقة التي تتصرف بها وتتعامل فيها مع الآخرين. كن إيجابياً في مشاعرك تجاه الآخرين، وفي الحديث معهم وفي مواقفك تجاههم، كن إيجابياً لدرجة أنّ الذي بينك وبينه عداوة ليس فقط مثل الصديق، بل يصبح مثل الصديق الحميم جداً، والقريب من النفس. لكن مَنْ يمكنه الوصول إلى هذه الدرجة العالية والمستوى الرفيع من التعامل والأخلاق؟ إنّه الذي يصبر ويحتسب، ويفتح عقله وقلبه للآخرين. ومثل هذا الإنسان رزقه الله -سبحانه وتعالى- حظاً عظيماً على أخلاقه العالية وصبره واحتسابه. ويقدم لنا رسولنا –صلى الله عليه وسلم- قدوة رائعة في التفكير الإيجابي والنظرة الإيجابية إلى الأمور...
3 ـ ثمرات الحوار في الثقافة
الثقافة هي الوعاء الذي تصب فيه كل التجارب والخبرات وطرائق العيش، والمخزون الفكري والعطاء الإبداعي...إلخ، ولذلك فإنّ الثقافة من أبرز مكونات حركة الحياة في المجتمعات الإنسانية بوصفها الذخيرة المشتركة لأي أمة من الأمم تنتقل بها من جيل إلى جيل عبر تاريخ طويل من الأفكار والعادات والسلوكيات والمعتقدات وغيرها من المعطيات في هذا المضمار(29).
لذلك فإن ثمرات الحوار في الثقافة كبيرة وهامة بقدر ما للثقافة من أدوار وتأثيرات في كل الأنساق الفكرية والسلوكية في المجتمعات عبر العصور، لكن الذي يكسب الحوار الثقافي إيجابياته وبعده الإنساني القويم هوالتعدد الثقافي والقبول به. فالتعدد في الثقافات البشرية عبارة عن تعدد في مسارات مختلفة " يسلكها بمجرد سعيه لسبر أغوار العالم، ومحاولة التعرف على حقيقته. إن هذه الحركة تشبه حركة الماء المراق على الأرض عندما يأخذ بالانتشار بكل الاتجاهات الممكنة ما لم يمنعه مانع؛ فالفكر يتحرك في الفضاءات التي تواجهه ما لم تحد من حركته موانع، كما أنه قابل لأن يتوجه وجهة خاطئة إذا ما تم فرض هذا التوجه عليه، وإذا وضعنا في اعتبارنا علاقة هذا الفكر بحركة الواقع، وكونه القوة التي تجر الحياة البشرية وراءها بأي اتجاه سارت، عرفنا خطورة وأهمية عملية تشكيل الأفكار وخطورة الأغلاط التي يقترفها الوعي وهويحدد علاقته بموضوعاته".
من هنا تبرز ثقافة التفاعل والتنوع كنتيجة للحوار في مقتضياته العديدة، وكثمرة للقبول بالآخر ومحاورته بهدف توطيد جسور التواصل، وفي غياب الحوار الثقافي نفتقد بالتالي إيجابياته وثمراته الكبرى، وتثمر في مقابله ثقافة الاستبداد بحديث يقود المجتمع إلى حالة سلبية من عدم التوازن وعدم الترابط، وبالتالي وضع المجتمع في إطارين ؛ إمّا التصادم بين الأفكار والاتجاهات المتعارضة والوصول للصدام المادي، أواضمحلال الكل في فكر واحد واتجاه تسلطي منفرد؛ مما يعني انقراض الإبداع، وموت التنوع، وإقصاء الاجتهاد، والتوقف التام عن الحركة الحيوية المستمرة.
أيضاً فإن الاستبداد(يتناقض) مع الحوار، فمع وجوده(يتراجع) الحوار؛ لأنه يمثل اعترافاً بالآخر، ومن ثم إذعاناً للتعددية والتنوع، وهذا أمر ترفضه الدكتاتورية، وفي الوقت نفسه فإن قطع الطريق أمام الحوار يقود تدريجياً إلى تسلط الرأي المنفرد، وإقصاء الرأي الآخر...
من هنا فإن ثمرات الحوار أيضاً أكسبت الصحابة في العصر الأول الإسلامي ممارسة الحرية في الاجتهاد وطرح الأفكار والآراء المتعلقة بالشؤون العامة، وهي ممارسة أقرها الإسلام ودعا إليها، فكان الصحابة - رضوان الله عليهم- يتحاورون ويتناقشون مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في قضايا عديدة منها ما يتعلق بالاجتهادات الدنيوية وشؤون الحرب " حتى النساء، كما في قصة خولة بنت ثعلبة في شأن حكم الظّهار، وقصة الحباب بن المنذر بشأن موضع النزول في معركة بدر الكبرى، في موقع قريب من الماء، ومنع المشركين الوثنيين من الاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجي، وهناك أمثلة كثيرة مع النبي–صلى الله عليه وسلم-...
لذلك يجب الاتفاق على ترسيخ فكرة النقد في المجتمع، وأن لا عصمة للأفكار التي تطرح من الأشخاص -أيّ كانوا- عدا ما اتفقت عليه الأمة بعصمته في دستورها وقوانينها المرعية - كالرّسالات السماوية والأنبياء. ولذلك فإنّ غياب النقد معناه أننا نسير إلى الخلف، ومن ثم فإن تصحيح الأخطاء لن يتم في ظل غياب النقد، ومستلزماته التقويمية، وهذه إشكالية ثقافية وفكرية خطيرة مع الوقت، وما أصاب الأمة في عصرنا الراهن من نكسات وتراجعات وانتكاسات كان بسبب غياب النقد، والشورى والديمقراطية والحرية...إلخ:
ومن هنا تأتي ضرورة النقد وتفعيله في المجتمع، وهذه مسؤولية تقع على الأمة كلها لأجل "تحقيق الذات" والوصول بها إلى الكمال المطلوب، وتتعمق المسؤولية بالنسبة للجيل الواعي من مثقّفي الأمّة وكتّابها الفاعلين في الوسط الاجتماعيّ، من أجل إخراج المجتمع من دوامة المشاكل، وأنفاق العزلة الفكرية المقتصرة على البعد أو الاتّجاه الواحد؛ ولتحقيق ذلك نحتاج إلى شجاعة من نوع خاصّ في ممارسة النقد البناء، لفهمنا للمفاهيم الإسلامية المرتبطة بالعمل الاجتماعي ومدى اقترابها وملاصقتها للفهم الواقعي خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها عالمنا الإسلامي -الغزوالثقافي المعولم وعلاقات التطبيع المختلف مع العدو الصهيوني- وهذا يلفت أنظارنا إلى ضرورة تفكير جميع القوى والفاعليات المنتشرة على الساحة الإسلامية العريضة، لأجل القيام بعملية شحذ الهمم واستنفار الجهود والقيام بعملية مسح شاملة للأفكار وبعض المسلمات والمواقف من الآخر ونظرتنا للواقع، من حيث الطوباوية والواقعية وفهمنا للموروث الثقافي والنصوص الدينية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية ومع الفرقاء والمنافسين...
الحوار الثقافي ثمرة عظيمة في حياة المجتمعات وأثره يمتدّ إلى كلّ مجالات الحياة، بحكم ما تمثله الثقافة من تأثير وامتداد لكل مناحي النشاط الإنساني، المهم أن تصدق النيات، وتتبلور المواقف، وتلتقي الأفكار والأطروحات حول الهدف الأسمى للخير والرقي والتقدم.. وهوفي النهاية ضرورة إنسانية، يجب انتهاجها وقبولها كصيغة إيجابية لكل المشكلات والتوترات والانسدادات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية.
والحمد لله في المبدأ والمنتهى.
المصدر: مجلّة التسامح