لله أسلم

إن أهم الروابط الاجتماعية، رابطة العقيدة ورابطة اللغة ورابطة القوانين والأحكام المشتركة وما ينشأ عن كل ذلك من توحيد في المشاعر والأهداف والغايات الحميدة من الحياة.
ومن العلوم في التاريخ أن الحضارات البشرية يلقح بعضها بعضا حتى تتماسك حلقاتها وتبلغ المدى الذي قدر لها في كل أمة.
ولا ينكر منصف أن العقيدة والشريعة الإسلامية بعثت روحا جديدة في الفرس والروم وغيرهم كما اقتبس العرب أصحاب الدعوة الإسلامية الأولون من حضارات أولئك ومزاجهم ما ساعد على تكوين مدنية جديدة مطبوعة بطابع الإسلام من جهة وطابع الفرس والروم واليونان وغيرهم من جهة أخرى، تكونت تلك المدينة في ظل الإسلام ورعايته من علوم وفنون على اختلاف أنواعها مما لا يزال لها وجود أو صدى يرن في أذن التاريخ.
وإن مغربنا من الأمم القوية التي ساهمت بنصيبها الوافر في هذا الميدان ولا يزال فيه ما يشهد بازدهار ماضيه، ولكنه أصابته غفوة في التاريخ، تأخر فيها عن ركب الأمم السباقة. فاستفاق الآن واخذ يسترجع شخصيته بفضل مساعي أبنائه المخلصين، من قوة عقيدة ولغة ومكانة عملية ودولية. فقد كان المغرب في فترة الاحتلال محجرا عليه في نشر عقيدته وتعميم الأحكام الإسلامية بين أهله في قبائل الشلوح والبربر، وكذلك لم يكن المحتلون يسمحون للمسيحيين واليهود باعتناق الإسلام، إلا بعد بحث وإجراءات يصعب على الكثيرين اجتيازها. ولكن بعد أن أخذ المغرب استقلاله رجعت الشريعة الإسلامية إلى محاكم البربر وأمر سيدنا نصره الله بأبطال تلك الإجراءات التعسفية وبقبول الدخول في الإسلام من كل أحد يريده، فأصدرت وزارة العدل منشورا بذلك لسائر القضاة. بالرغم من عدم قيام العلماء المسلمين بمهمة التبشير بالإسلام بين غير المسلمين من الساكنين بالمغرب، فقد دخل عدد مهم منهم في دين الإسلام مما يبشر بمستقبل زاهر لعقيدة الإسلام من جديد.
وبما أن شهادات ورسوم الداخلين في الإسلام تتوارد من المحاكم على وزارة الأوقاف فإني أزف بشرى للمسلمين بأن عدد الداخلين في الإسلام منذ استقلال المغرب فقط يناهز الستمائة 600 من الأشخاص من مختلف الطبقات بما في ذلك الدكاترة والمؤلفين والأساتذة.
وبما أننا في مستهل سنة ميلاد المسيح عليه السلام، أريد أن أوجه كلمة للمسيحيين الذين اسلموا ولليهود الذين اسلموا تتعلق بشهادات الإسلام التي بأيديهم كما أوجه كلمة أخرى لقضاة المحاكم الذين يكتبون وثائق شهادات الإسلام لمن يكرمه الله بهدايته، ذلك أن تلك الشهادات يرد فيها في حق المسيحي الذي أسلم، أنه نبذ دين النصرانية، وفي حق الموسوي الإسرائلي الذي أسلم أنه نبذ دين اليهودية، والحقيقة أن هذا التعبير غلط من كاتبه وملقته، فالذي أسلم من المسيحيين، وإنما زاد على إيمانه بعيسى الإيمان بحمد، وترك غلو أهل الإنجيل في حق عيسى.
كما أن من أسلم من اليهود زاد على إيمانه بموسى بدخوله في الإسلام الإيمان بمحمد والإيمان بعيسى كرسول من عند الله، لأن هذا الاعتقاد في حق عيسى هو الذي جاء به نبينا، أما ما يدعى من نسخ بعض الشرائع، فكما وقع في الشرائع قبل نقول شريعتنا وقع في نفس شريعتنا، والأدلة على ما نقوله تفوق الحصر وإن أطبق كتاب الوثائق في المحاكم علميا على عبارة نبذ الدين السابق، فقد ورد وصف القرآن بكونه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، وهذا صريح في الاعتراف به وفي ضمنه استمرار المؤمنين على هذه العقيدة فيه، وقال تعالى : آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، لا نفرق بين أحد من رسله. «وفي صحيح مسلم» ثلاثة يوتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن يبنيه وأدرك النبي ص فآمن به اتبعه وصدقة فله اجران الحديث. وفي شراح مسلم : أخرج الدار قطني من سبعة طرق كلها ثبتت عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ص (إذا أسلم الكافر وحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة أسلفها، ومحا عنه كل سيئة عملها) فعمل الخير السابق لا يزيده العمل الخيري اللاحق إلا قوة ونبوتا ولا معنى لنبذه بل كان المرء على غير دين وإنما كان يعمل بعض الأعمال الصالحة، ثم أسلم فإن أجره فيها يثبت ولا يبطل ولا ينبذ بحال، وفي صحيح مسلم أن حكيم بن حكيم بن حزام قال لرسول الله (ص) أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله (ص) : أسلمت على ما أسلفت من خير.
على أن قضية الخلاف بين العلماء هل شرع من قبلنا شرع لنا تتصل بموضوعنا من جهة الجماعة المقرة لذلك اتصالا مباشرا.
ويشير إلى موضوعنا ما روى في الصحيح عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويقرأونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقالوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وما أوتي موسى وعيسى وما أتى من ربهم ـ الآية. وفي رواية الطحاوي عن أبي علبة الأنصاري زيادة توضيح للحديث السابق وهي قوله الأنصاري زيادة توضيح للحديث السابق وهي وقوله عليه السلام : فإن كان حقا لم يكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم. وهذا يشير إلى أن في كتابتهما الحق الذي لا يجوز تكذيبه. وقد قال الله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله). فكيف مع كله يكتب نبذ دين موسى ودين عيسى.
وليعلم كل داخل في الإسلام أن الإسلام عقد بينه وبين ربه لا تتوقف نجاته في العالم الأخروي على شهادة شاهد ولا كتابة كاتب وإنما هذه إجراءات أحدثت لتوقف العمل في الدنيا عليها لمعاملته معاملة المسلمين في الحقوق والواجبات والإرث، تحقيقا للقول المأثور من أسلم فله ما لنا وعليه ما علينا، ولما صح عن رسول الله (ص) من قوله : المسلمون كإنسان المشط تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. وقد نبه الحافظ أبو بكر بن العربي عند قوله تعالى (وإذا جاءك المعومنات يبايعنك إلى آخر الآيات على ذلك حيث قال المسألة الرابعة عشر في صفة البيعة لمن أسلم من الكفار وذلك لأنها كانت في صدر الإسلام مقبولة وهي اليوم مكتوبة إذ كان في عصر النبي (ص) لا يكتب إلا القرآن وقد اختلف في السنة على ما بيناه في أصول الفقه وغيرها وكان البني لا يكتب أصحابه ولا يجمعهم له ديوان حافظ اللهم إلا أنه قال يوما أكتبوا لي من يلفظ الإسلام لأمر عرض له، فأما اليوم فيكتب إسلام الكفرة كما يكتب سائر معالم الدين المهمة والتوابع منها لضرورة حفظها حيث فسد الناس وخفت أمانتهم ومرج أمرهم ونسخة ما يكتب : بسم الله الرحمن الرحيم لله أسلم فلان بن فلان من أهل أرض كذا وآمن به وبرسوله محمد (ص) وشهد له بشهادة الصدق وأقر بدعوة الحق لا الاه إلا الله محمد رسول الله والتزم الصلوات الخمس بأركانها وأوصافها وأداء الزكاة بشروطها وصوم رمضان والحج إلى البيت الحرام إذا استطاع إليه سبيلا ويغتسل من الجنابة ويتوضأ من الحدث وخلع الأنداد من دون الله، وتحقق أن الله وحده لا شريك له، وإن كان نصرانيا قلت وإن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه. وإن كان يهوديا قلت وإن العزيز عبد الله إلى أن يقول وكذلك من كان على مذهب من الكفر اعتمدته بالبراءة منه بالذكر ويقول في الالتزامات، والتزم أن لا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يسرق ولا يزني ولا يشرب الخمر ولا يتكلم بالزور ويكون مع أخوانه المؤمنين كأحدهم لا يسلمهم ولا يسلمونه ولا يظلمهم ولا يظلمونه وأعلم أن للدين فرائض وشرائع وسننا فعاهد الله على أن يلتزم كل خصلة منها على نعتها بلقب سليم وسنن قويم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وشهد أنه من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. شهد على أن فلان بن فلان من أشهد عليه وهو صحيح العقل هو أن آية مبايعة النساء التي اعتمدت أيضا في حق الرجال تبين لنا بوضوح أنه لم يكن فيها نبذ دين نصرانية ولا نبذ غيره وإنما فيها زيادة على معالم الأمر في إسلام الكفار دون وظائف النهي.
فعلينا معشر المسلمين إلا نجرح عواطف وشعور من أسلم من المسحيين واليهود بأنهم نبذوا دين النصرانية واليهودية، فإننا نعتقد أن موسى وعيسى أنعم الله بهما على البشرية رسولين هاديين من أولى العزم ومن أعظم هداة البشر وإن كلا منهما أدى رسالته وبلغ الأمانة، وبشر بخاتم النبيئين وإن أهل الكتاب مطلوبون بالإيمان بمحمد كرسول من عند الله تحقيقا لبشائر أنبيائهم به، وهناك مهمة كبرى أمام علماء الدين وهي تعليم هؤلاء الذين أكرههم الله بهداية الإسلام فروض الدين وشرائعه وآدابه حتى يعرفونها ليمكنهم القيام بها خير قيام. وفق الله جمعيات علماء الدين لبيان علموه من كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.