العالم مشغول بنا ونحن مشغولون بانفسنا
قاسم قصير
المتتبع لأوضاع المسلمين في العالم، من خلال التقارير والدراسات والأخبار، يكتشف بشكل واضح أن الإسلام والمسلمين هم الشغل الشاغل للعالم دولاً ومؤسسات ومراكز دراسات وعلماء اجتماع وباحثين.
فالفاتيكان يعمل من أجل دعم انتشار المسيحية لمواجهة ازدياد عدد المسلمين، وفي ألمانيا تنطلق حصص لتدريس الإسلام في محاولة لاستيعاب المهاجرين المسلمين، وفي فرنسا تجري الإحصاءات والدراسات حول موقف الفرنسيين من الإسلام والمسلمين وتوضح النتائج ازدياد خوف الفرنسيين من الإسلام، وفي روسيا تُعقد المؤتمرات حول الإسلام والدراسات الإسلامية.
أما في بورما (ميانمار) فالمسلمون يتعرضون مجدداً للاضطهاد والقتل والتهجير، فيسقط العشرات قتلى ويُهجر عشرات الألوف، وتؤكد المنظمات الدولية هذه التقارير، فيما لا يزال العالم الإسلامي يتفرج على هذه المجزرة ولا نسمع سوى أصوات إدانة ضعيفة أو دعوات لاجتماعات وزارية دون اتخاذ أية خطوات عملية.
وخلف الصورة، نجد المؤسسات الإسلامية ومراكز الدراسات الإسلامية وبعض الهيئات العلمائية الإسلامية مشغولة بالخلاف المذهبي التاريخي وباستعادة الخلافات المذهبيّة والقومية والعرقية، حيث يتم إعادة طباعة كتب قديمة أو عقد المؤتمرات لمهاجمة بعض المذاهب، أو الطلب من حجاج بيت الله الحرام الدعاء على دولة إسلامية أو أتباع حزب سياسي، بسبب الخلاف حول قضية سياسية أو دينية لا تقدم ولا تؤخّر، بل تزيد الانقسام عمقاً والأزمات استفحالاً.
إذاً هناك مسافة كبيرة بين هموم العالم وهمومنا، العالم يفكر بالمستقبل ويخطط لكيفية التعاطي مع الإسلام والمسلمين بلا تفريق بينهم عرقياً وقومياً ومذهبياً، ونحن غارقون في التاريخ والخلافات التاريخية.
وكل همنا: أن نقسِّم المسلمين مذهبياً وعقائدياً وفكرياً، والبحث يدور: من يدخل في الجنة ومن يدخل في النار، ومن يكفِّر من؟ ويتم القتل والتهجير والذبح على أساس هذه القواعد الرهيبة.
لقد أتاح الله عز وجل لنا فرصة جديدة لكي نصل إلى الحكم، وبفضل تحركات الشعوب العربية وصلت بعض الحركات الإسلامية إلى مواقع متقدمة في السلطة، وأصبح الإسلاميون في البرلمانات والحكومات وأتيح لهم أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم بصراحة، لكن للأسف نجد أنهم انشغلوا بالصراعات الداخلية وبهدم قبور الأولياء، وبكيفية تقييد الحريات ومواجهة فئات المجتمع الأخرى التي يختلفون معها، أما قضايا الإسلام الكبرى فهي لم تعد من الأولويات والمستقبل متروك للمجهول!.
وبدل البحث عن القواسم المشتركة بين الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية، نجد البعض غارقاً في البحث عن نقاط الخلاف والتقسيم.
فأين هموم العالم؟ وأين هي همومنا؟
وهل نستيقظ من سُبات التاريخ والخلاف المذهبي، ونستفيد من الفرص المتاحة لنا لتقديم نموذج إسلامي للحكم والإدارة والاقتصاد والتنمية والعلوم ننافس به الأمم العريقة، أم سنظل نتفرج كيف يذبح الإسلام والمسلمين بعضهم البعض الآخر على أيدي أصحاب فتاوى التكفير وسهام العصبيّة؟.