دراسة عن "حياة المسلمين في ألمانيا": الاندماج بدل الانعزال

إن هذا الإسقاط على أساس سؤال مباشر عن الانتماء الديني قاد إلى نتيجة مفادها أنّ قرابة أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا. وبذلك فإنّ المسلمين يشكّلون جزءاً مقداره نحو خمسة في المائة من سكّان ألمانيا وقرابة ربع الأشخاص المنحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا. أمّا أكبر طائفة منهم فهي من السنّة بنسبة 74 في المائة، يليها العلويون بنسبة 13 في المائة، ومن ثمّ الشيعة بنسبة 7 في المائة.
أرقام وحقائق
وتُشير الأرقام إلى أنّ قرابة 45 في المائة من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا وينحدرون من أصول مهاجرة يحملون الجنسية الألمانيّة. وما يقرب من 2.6 مليون منهم ينحدرون من تركيا، بينما يبلغ تعداد المنحدرين من دول جنوب شرق أوروبا كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وألبانيا 550 ألف شخص. أمّا ثالث أكبر جالية مسلمة في ألمانيا فيبلغ تعدادها 330 ألف مهاجر من بلدان منطقة الشرق الأوسط كلبنان والعراق ومصر وسوريا.
وعدد المهاجرين المنحدرين من بلدان شمال أفريقيا، من المغرب في المقام الأوّل، فيصل إلى 280 ألف مسلم يعيشون في ألمانيا. أمّا الجزء المتبقي فيشكّله المسلمون المهاجرون من دول آسيا الوسطى/ رابطة الدول المستقلّة وإيران وجنوب وجنوب شرق آسيا وباقي الدول الأفريقيّة.
إضافة إلى ذلك، يتّضح أنّ الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة من هذه البلدان هم من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال لا ينتمي 40 في المائة من المهاجرين من إيران إلى أيّ من الديانات. ومن بلدان أخرى تسكنها أغلبية مسلمة كالعراق، كانت هجرة الأقليات الدينية كبيرة. ولذلك السبب، لا يمكن الاستدلال بشكل تلقائيّ على دين المهاجرين المقيمين في ألمانيا من التركيبة الدينية لبلدانهم الأصليّة.
الدين في الحياة اليوميّة
الغالبية العظمى من المسلمين متديّنون إلى حدّ كبير، فالتديّن يميّز بشكل خاصّ المسلمين من أصول تركيّة أو أولئك المنحدرين من بلدان أفريقيّة. وفي ممارسة الشعائر الدينيّة اليوميّة كالصلاة والاحتفال بالأعياد الدينيّة والالتزام بالتعاليم الدينيّة المتعلّقة بالأطعمة والصيام، توجد هناك اختلافات كبيرة بحسب المنطقة التي ينحدر منها المهاجرون المسلمون، وبحسب الطائفة.
وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تؤم المسجد بشكل متكرّر، والثانية بشكل نادر، والثالثة لا تقصده على الإطلاق. وعلى الرّغم من أنّ التديّن والممارسات العباديّة واضحة بشكل كبير عند المسلمين، إلا أنّ عضويّتهم في الاتّحادات والروابط الدينيّة نادرة نسبيّاً (20 في المائة).
اندماج هيكليّ
والغالبيّة العظمى من المهاجرين من بلدان إسلاميّة (بنسبة 80 في المائة) يمتلكون دخلاً مكتسباً خاصّاً بهم كدخل أساسيّ. أمّا النسبة العالية جدّاً من المستقلين وظيفيّاً، التي تتراوح بين 20 و 34 في المائة ــــــ بحسب سياق الأصل ـــــــ، فتظهر استعدادهم لتكفل نفقاتهم الحياتيّة بأنفسهم.
ولكن يبقى من غير النادر أن تكون نسبة المسلمين المستفيدين من مساعدات العاطلين عن العمل والمساعدات الاجتماعية، والمنحدرين من دول جنوب وجنوب شرق آسيا (باكستان وأفغانستان) بين 32 و28 في المائة. إنّ الاعتماد على المساعدات الحكوميّة يظهر بشكل خاصّ في مستويات التعليم العالية والمنخفضة جدّاً. لكن في الوقت نفسه يتّضح أنّه حتّى المهاجرين من دون شهادة دراسيّة مندمجون في سوق العمل بشكل كبير.
اندماج اجتماعيّ
وبشكل عام، لم يُلحظ لدى المسلمين المستطلعة آراؤهم تهميش عرقيّ أو بين الأديان، فلدى كلّ المسلمين على مختلف أصولهم لا تبلغ نسبة أولئك الذين ليس لديهم اتّصال يوميّ بالألمان أو لا يريدون هذا النوع من التواصل أكثر من واحد في المائة. ولا يمكن القول بوجود اتّجاه صريح للانعزال. إنّ العلاقات الاجتماعيّة تُشكّل أساس تماسك المجتمع. لذلك فإنّ العضويّة في الاتحادات والروابط تعدّ مورداً للاندماج في المجتمع المستقبلي. وأكثر من نصف المسلمين أعضاء في روابط واتحادات ألمانيّة، في أغلبها نقابات وأنديّة رياضيّة.
إنّ تكرار العلاقات الاجتماعيّة اليوميّة للمستطلعة آراؤهم بأشخاص من أصل ألمانيّ مرتفعة نسبيّاً، كما يظهر المسلمون على اختلاف بلدانهم الأصليّة استعداداً عالياً لمزيد من الاتّصال بالألمان.
تطور الاندماج
ويمكن للمرء أن يلحظ أنّ الاندماج بدأ يحقق بعض الخطوات. فبالنسبة للمهاجرين المسلمين من أصل تركيّ في ألمانيا، أوضحت مختلف الدراسات أنّهم بالنسبة إلى اندماجهم في المجال الهيكليّ، كالحصول على تحصيل دراسيّ والمكانة في سوق العمل على سبيل المثال، يأتون بعد جاليات المهاجرين من قوميّات أخرى من دول العمال الضيوف من منطقة جنوب أوروبا أو المهاجرين من هذه الدول.
لكن نتائج الدراسة تظهر بشكل تكميليّ أنّ المهاجرين من أصول تركيّة يحتلّون مرتبة سيّئة نسبيّاً في مجال التعليم أيضاً مقارنة بالمهاجرين من دول يُشكّل المسلمون غالبيّة سكّانها. ويتّضح هذا الأمر بشكل خاصّ من خلال التقديرات السيّئة للغاية للنساء التركيات من جيل المهاجرين الأوّل. ومع مرور الأجيال، يبرز بشكل عام ارتقاء مستوى التعليم بشكل واضح، بين النساء في المقام الأوّل. كما أنّ فرصة استخدام المؤهّلات المكتسبة في سوق العمل موجودة لدى جزء ليس بالقليل من المهاجرين.
الفرص في سوق العمل
كلّما كان مستوى التعليم عالياً، كانت فرص التوظيف في سوق العمل أكبر، هذه البديهيّة تنطبق أيضاً على المسلمين من المهاجرين في ألمانيا. لكنّ الدخول إلى الحياة الوظيفيّة لا يكون فعّالاً في كلّ حال، لذلك تظهر معدلات البطالة لدى المهاجرين من أصل تركيّ بشكل كبير. كما توضح الدراسات أيضاً مؤشرات على أنّ هذه المعدلات تنطبق على المؤهّلات نفسها. وكثيراً ما تظهر البطالة بين المهاجرين في إطار التغييرات الهيكليّة في المجال الصناعيّ، وتكون بذلك نتيجة لتوظيف العاملين في قطاع الإنتاج الصناعيّ قبل ما يُقارب الخمسين عاماً على سبيل المثال. إنّ التوظيف المقصود للعاملين من الشرائح غير المتعلمة ما يزال يؤثّر حتّى يومنا هذا على توظيف أبنائهم في مجال التعليم وفي ممارسة الأعمال.
اندماج شامل
إنّ نتائج الاندماج الهيكليّ يجب أن تكون باعثاً للمزيد من الجهود الحكوميّة في سياسة الاندماج التي تنتهجها، فاندماج المسلمين وغيرهم من المهاجرين من الدول الإسلاميّة يجب أن يقتصر على المجاميع الدينيّة المستهدفة فحسب، بل يجب أن يستمرّ ويُستثمر في إطار أوسع.
إلى جانب دعم المجهود في مجال تعليم اللغة من خلال دورات الاندماج في كلّ أنحاء ألمانيا، يكمن هنا جانب مهمّ في الاندماج من خلال التّعليم. فعلى الرّغم من التطوّر الملحوظ عموماً في زيادة نسبة المتعلمين في الأجيال اللاحقة، يُشير المعدل المرتفع نسبياً إلى الذين لم يتمّوا تحصيلهم الدراسيّ من المهاجرين الذكور من بعض الدول الإسلامية إلى استمرار النقص في تعليم المهاجرين.
أهمية التعليم
تبقى مسألة التعليم بين الأجيال اللاحقة حقل عمل محوريّ لسياسة الاندماج. وهنا يجب أنّ تطبّق الجوانب التي تمّت مناقشتها علنيّاً والمتعلّقة بتشجيع تعليم المهاجرين بشكل حازم في مرحلة ما قبل الدراسة والمرحلة الدراسيّة، إضافة إلى خارج إطار الدراسة. ويجب أن يكون لجميع الأطفال فرصة مبكرة بقدر الإمكان لتعلّم اللغة الألمانيّة. ومن المنطقيّ أيضاً أن يتمّ رفع حصّة الكوادر التعليميّة من ذوي الأصول المهاجرة وتوظيف العمل الاجتماعيّ المدرسيّ بشكل أكبر، من أجل تخفيف العبء عن الكوادر التعليميّة المتخصّصة وتحسين ظروف التعلّم والتغلّب على المشاكل المتعلّقة بالطبقة الاجتماعيّة والخلفيّات للتلاميذ في المجال الدراسيّ.
وإلى جانب الجهود الحكوميّة يجب أيضاً دعم جيل الآباء في تحمّل مسؤوليّته المتعلّقة بتعليم الأطفال. إنّ إشراك الظروف العائلية بشكل أكبر في التعليم في مرحلة ما قبل الدراسة والمرحلة المدرسية وخارج نطاقها يمكن أن يكون هنا وسيلة مناسبة لدعم المستقبل الدراسي والمهنيّ لأطفال المهاجرين بشمل أكبر.
ويجب هنا إطلاع الوالدين بشكل أوسع على عمليّة اكتساب اللغة لدى أطفالهم وتشجيعه، كما يجب تشجيعهم على تمكين أطفالهم من الاكتساب الاختياريّ للّغة الألمانيّة. ومثال على ذلك دورات اندماج الوالدين، التي تقام في جميع أنحاء ألمانيا، والتي توضع عليها آمال لمعالجة مواضيع مثل تربية الأطفال وتعليمهم وتدريبهم، إضافة إلى الهدف الرئيس المتمثل في المعارف اللغويّة.
وثمّة نقطة أخرى تكمن في دعم القدرات التربويّة لدى الوالدين وتكثيف التعاون بين الآباء المهاجرين والمؤسّسات التعليميّة.
المصدر: قنطرة