آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي

آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي
عرض ونقد
إعداد
الدكتور/إدريس حامد محمد

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد: فإنّ من أخطر القضايا التي تناولها المستشرقون بالبحث والدراسة، قضية الوحي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته، فلم تكن لدى معظمهم القناعة ولا الإيمان بهذه النبوة، ونزول الوحي عليه؛ ذلك أنّ في إثبات الوحي إثباتا لها، وفي نفيه نفيًا لها، لذا فإنّ من مسؤولية الباحث المسلم أن يجمع الأقوال المتناثرة عن (مفهوم الوحي) في مؤلفات المستشرقين الكثيرة: المؤيدة منها والمعارضة؛ ليقف كل مثقف على انطباعات المستشرقين وآرائهم حول هذا الموضوع؛ لأنه يترتب عليه ما بعده من إثبات النبوة ومصدرية القرآن، مع تأكيد أن الفكر الإسلامي لا يمكن أن يكون يوما ما في موقف الاستجداء بحثاً عن أقوال المستشرقين، ولا طلباً لمدائحهم، كما أنه لا يمكن أن يكون في موقف الضعف والهزيمة تجاه شبهاتهم ومطاعنهم.
وسوف تعرض الدراسة مواقفهم الإيجابية، والمعتدلة، والسلبية بمنهج المتتبع للآراء، والمستنتج للحقائق، عازية كل قول إلى قائله، وناسبة كل نقل إلى مصدره. ومن أجل بيان ذلك فقد اشتملت الدراسة على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
المقدمة وفيها: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، وحدود الدراسة.
الفصل الأول: الوحي، مفهومه، أنواعه، تاريخه، الوحي في نظر المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثاني: الاستشراق، مفهومه، انتماءات أهله، موازينهم، الوحي في نظرهم.
الفصل الثالث: آراء المستشرقين حول (مفهوم الوحي). وتناولتها بعرض مجمل الرأي ومناقشته، رد المستشرقين على الرأي، رد العلماء المسلمين عليه.
تساؤلات الدراسة:
س1: ما دوافع المستشرقين لما تبنوه من آراء حول ( مفهوم الوحي)؟
س2: ما الأدلة التي اعتمدوا عليها في آرائهم تلك؟ وما قيمتها العلمية؟
س3: ثم إلى أي مدى نثق بالمعلومات الواردة عنهم في موضوع الوحي؟
أسباب اختيار الموضوع:
اختير من بين الموضوعات الكثيرة التي طرحها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف على مائدة البحث والدراسة؛ لأهميته وخطورته وتشعباته؛ لأن إثبات الوحي تثبت به أمور كثيرة: مصدرية القرآن وأنه من عند الله تعالى، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات الرسالة له، حيث أوحى الله إليه الشرع وأمره بتبليغه، وبانتفائه تنتفي الشريعة بكاملها.
لذا كان موضوع الوحي من أوسع وأدق الموضوعات التي تناولها المفكرون المسلمون والمستشرقون بالبحث والدراسة والتحليل على السواء.
ونظراً لعدم وجود القناعة العلمية لدى بعضهم، ولا الإيمان الراسخ بالنبوة ونزول الوحي، تعددت آراؤهم حوله، مما استدعى عرضها ومناقشتها.

أهمية الدراسة:
لا يمكن إغفال دور المستشرقين في حياتنا العلمية وإنكاره، فقد درس عليهم كثير من الأساتذة والكتاب والعلماء، حيث أرسلت كثير من الجامعات العربية والإسلامية بعثاتها إلى جامعات الغرب، التي كان يشغل فيها المستشرقون كراسي الدراسات العربية والإسلامية والشرقية، كما دعي بعض المستشرقين إلى الجامعات العربية، وترجمت بعض كتبهم إلى العربية، وأصبح بعضهم أعضاء في المجامع العربية والعلمية، فقاموا بتدريسنا وتدريس قضايانا المختلفة، وقاموا بتقديمها للعالم الآخر بالطريقة التي يريدونها، وبالتالي فقد كان منهم إسهام في مسيرة الفكر الإنساني في مختلف الزوايا التاريخية والعقلية والاجتماعية وغيرها، وكان مما تناولوه موضوع (مفهوم الوحي) الذي كان من أخطر القضايا التي تناولها المستشرقون بالبحث والدراسة، ولأنهم نشؤوا على أديان أخرى، ونفذوا بشيء من العداء للنبوة، وسعوا لتجريد النبي صلى الله عليه وسلم من صفاتها، وبخاصة من جمع منهم بين اليهودية والنصرانية.
فتأتي هذه الدراسة باستطلاع آرائهم حول الوحي، لبيان مناهجهم التي سلكوها، وأصولهم التي اعتمدوا عليها، مع مناقشتهم فيما ذهبوا إليه من رأي، للخروج منه بما يسنده البرهان الساطع.
الدراسات السابقة:
إن الدراسات التي تحدثت عن الاستشراق كثيرة جدا، وأكثر منها الدراسات التي تحدثت عن الوحي وبيان مفهومه، أما الدراسات التي تناولت الوحي من المنظور الاستشراقي فأقل النوعين، ومنها:
1- الوحي المحمدي: للسيد محمد رشيد رضا.
الكتاب يقع في (368) صفحة من القطع المتوسط، نصيب موضوع الوحي وردُّ شبهات المستشرقين يقع في حدود (80) صفحة، تناولها في ثلاثة فصول، تحدث عن آراء بعض المستشرقين مثل الأخذ عن بحيرا، وورقة، واليهود، والنصارى، وإنكار أمّية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو لم يتناول جل آراء المستشرقين كما لم يورد معظم من أثار الشبهات منهم على موضوع الوحي، لكن الردود التي ذكرها على شبهاتهم كانت قوية وجريئة ومركزة، حيث تميز بترتيبها وتنسيقها على شكل نقاط، فأبطل النتائج التي توصلوا إليها بإبطال المقدمات التي بنوا عليها آراءهم؛ لأنها تقوم على الخيال والدعاوى الباطلة، التي لا يسندها دليل ولا يثبتها تاريخ ولا واقع.
2- الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده: لمحمود ماضي.
جعل كتابه في مقدمة وخمسة فصول، عرض في الفصل الأول مفهوم الاستشراق وأهدافه ومناهجه، أما الفصل الثاني والثالث والرابع فبَّين فيها (مفهوم الوحي) وحقائقه ومظاهره، ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وتناول في الفصل الخامس شبهات المستشرقين حول الوحي وقام بتفنيدها، وتركزت هذه الشبهات على الأخذ عن الآخرين، كورقة، أو الأخذ عن اليهود والنصارى، ولإثبات هذا الأخذ تحدث عن إنكارهم لأميته ومحاولة إثبات التعلم له.
3- وحي الله، حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة، نقض مزاعم المستشرقين: لحسن ضياء الدين عتر، جعل المصنف موضوع بحثه من مقدمة وبابين: تحدث في الباب الأول عن نشأة الاستشراق ودوافعه وأنشطته وأهدافه.
أما الباب الثاني فقسمه إلى ثلاثة فصول، جعل الأول منها في بيان أهمية الوحي ومفهومه، والثاني خصصه لخصائص الوحي، أما الثالث فجعل عنوانه: مزاعم المستشرقين في الوحي، وتركز الموضوع حول شبهة الأخذ عن ورقة والرد عليها مشيراً إلى الشبهات والاعتراضات التي أوردها المستشرق مونتغمري واط، فكان الاقتصار على مستشرق واحد، ورأي واحد، درسه بتوسع، ورد على شبهاته في ذلك الرأي.
أما هذه الدراسة فقد توسعت في عرض معظم الآراء لجل المستشرقين مع الرد عليها.
حدود الدراسة:
ستتناول هذه الدراسة آراء المستشرقين حول (مفهوم الوحي) سواء أكانوا متعصبين من ذاتيين، وحاقدين منكرين للوحي، أم كانوا معتدلين لبقين في تناوله بأسلوب التعمية والتدليس، أم كانوا متعاطفين موضوعيين ساعين لإثبات الحقائق العلمية بحيادية، أم كانوا مؤمنين به مدافعين عنه، مع بيان أثر ذلك في الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم .

الفصل الأول
مفهوم الوحي، أنواعه، تاريخه، موقف المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم منه
مفهوم الوحي:
ورد لفظ الوحي ومشتقاته في القرآن (78) مرة( )، وباستعراض مادته بكافة اشتقاقاتها _وعلى ضوء معاجم اللغة_ يمكن القول بأنه يطلق في اللغة على: الإشارة والإيماء، كما يطلق على الإلهام الذي يقع في النفس، وهو أخفى من الإيماء.
قال ابن منظور: هو إعلام في خفاء، ولذلك صار الإلهام يسمى وحياً( ).
وقال الفيروزابادي( ): الوحي: الإشارة، والكتابة، والمكتوب، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، وأوحى إليه: بعثه وألهمه.
ويتناول الوحي بهذا المعنى اللغوي: -
1- الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى أم موسى: ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﮊ [القصص: ٧].
2- الإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى النحل: ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ [النحل: ٦٨].
3- الإشارة السريعة على سبيل الرمز كإيحاء زكريا عليه السلام: ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ [مريم: ١١].
4- وسوسة الشيطان وتزيينه الشر في نفوس الناس: ﮋ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮊ [الأنعام: ١٢١].
5- ما يلقيه الله إلى ملائكته من أمر( ): ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮊ [الأنفال: ١٢].
6- كما يطلق على الإعلام بالشيء في الخفاء، وهو أن تُعلِم إنساناً بأمر تخفيه على غيره، كما حكى الله تعالى: ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﮊ [الأنعام: ١١٢].
7- ووحي الله إلى أنبيائه هو ما يلقيه إليهم من العلم الضروري الذي يخفيه عن غيرهم.
إنّ إطلاقات اللغة على (مفهوم الوحي) أكدت أنَّ السرعة والخفاء من سمات الوحي ومزاياه( ).
الوحي في الشرع:
الوحي إنما سمي وحياً؛ لأن المَلَك أسرَّه عن الخلق، وخص به النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله إليه( )، وقد تعددت تعريفاتهم له، إلا أن أجمعها كان تعريف الزرقاني الذي عرفه بقوله: ((أن يُعْلِمَ الله تعالى من اصطفاه من عباده كلَّ ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر))( ).

مفهوم الوحي عند اليهود والنصارى:
جاء تفسير كلمة (وحي) في قاموس الكتاب المقدس ما خلاصته: تستعمل هذه اللفظة للدلالة على نبوة خاصة بمدينة أو شعب، فالوحي هو الرئيس، أي أنه آية للشعب. فيراد بالوحي الإلهام، فيكون بهذا المعنى: هو حلول روح الله في روح الكتّاب الملهمين؛ وذلك لإفادتهم بحـقائق روحية أو حوادث مستقبلة لا يتوصل إليها إلا به( ).
ويأتي الوحي عند اليهود: بمعنى الإلهام أو انبثاق الفكرة في ذهن النبي( ).
ولما كانت صفة الوحي للنبي الخاتم توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من الأنبياء أخبر الله في ذلك بقوله: ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ [الشورى: ٣].
أنواع الوحي:
إن ضروب تكليم الله للبشر حددته آية من كتاب الله، هي قوله تعالى: ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﮊ [الشورى: ٥١ ]، فقد كان الوحي إلى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع لا تخرج عنها، وهي:
1 - الإلقاء في القلب - يقظة أو مناماً - ويشمل النفث في الروع، والإلهام، والرؤية المنامية، وهذا الإلقاء في القلب يستيقن من ألقي إليه أنّه من الله، وهذا معنى قوله تعالى: ﮋ ﯿ ﰀ ﮊ [الشورى: ٥١ ]، أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم...))( ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن روح القدس نَفَثَ في رُوعِي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب))( ).
2 - تكليم الرب لعبده من وراء حجاب، كما كلم الله موسى عليه السلام، قال تعالى: ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ [النساء: ١٦٤].
3 - ما يكون بإرسال ملك من الملائكة فيبلغ ما أمر الله بتبليغه إلى من شاء من عباده، وهذا معنى قوله تعالى: ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [الشورى: ٥١].
وهذه الحالة الثالثة كان يأتي بها الملك على أساليب شتى:
فتارة يظهر للرسول على صورته الحقيقية الملكية، وتارة يظهر على صورة إنسان يراه الحاضرون ويستمعون إليه، كما في حديث عمر الذي أخرجه مسلم: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يُرَى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد...))( ).
وتارة يهبط على الرسول خفية فلا يرى، ولكن يظهر أثر التغير والانفعال على صاحب الرسالة، فيتصبب من جبينه العرق في اليوم الشديد البرد، وقد يكون وَقْعُ الوحي على الرسول كوقع الجرس إذا صلصل في أذن سامعه، وذلك أشد أنواعه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أحيانا يأتيني مثل صَلْصَلَة الجرس -وهو أَشَدُّهُ عليّ _ فَيَفْصِمُ عني وقد وَعَيْتُ عنه ما قال))( ). وربما سمع الحاضرون صوتًا عند وجه الرسول كأنه دوي النحل، لكنهم لا يفقهون كلاماً، أمّا -هو صلوات الله وسلامه عليه _ فإنه يسمع ويعي ما يوحى إليه، دون لبس ولا خفاء، ومن غير شك ولا ارتياب، فيجد ما أوحي به إليه حاضراً في ذاكرته، كأنما كتب في قلبه( ).
يتضح من هذه الأنواع أن الوحي حَدَثٌ مفاجئ طرأ على النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يتوقعه أو يتطلع إليه، كما زعمه بعض المستشرقين، حيث فاجأه الملك في غار حراء، وأخذ يعتصره بقوة حتى أجهده، فارتجف فؤاده وخاف على نفسه، فانطلق إلى زوجه مرتاعاً، فلما سكّنته سكن، ثم أخبرها الخبر وهو وجلٌ. وأثناء نزول الوحي عليه كانت تعتريه أعراض إلزامية كاحمرار الوجه، وتتابع الأنفاس، وثقل في الجسم، وتفصد العرق في اليوم الشديد البرد. ومع كل ذلك ما كان يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه، مما يؤكد أن الوحي أمر خارجي؛ خلافاً لما تشبث به كثير من المستشرقين بأنه أمر داخلي، حتى يتوصلوا إلى التشكيك في ظاهرة الوحي والنبوة التي هي أخص مزايا الرسول صلى الله عليه وسلم( ) .
تاريخ الوحي:
كان أول الوحي إلى البشر هو ما كان من كلام الله إلى آدم وتعليمه من الوصايا ما يميز به ما ينفعه مما يضره، ومن الوحي إلى خلقه ما كان عن طريق الرؤيا التي يراها النائم، فإذا استيقظ من نومه شعر أن رؤياه قد ملكت عليه كل نفسه، واطمأن بها قلبه، وعلم أن ذلك وحي من الله، كما حصل مع إبراهيم، وكانت الرؤيا هي سبيل الوحي لأغلب الأنبياء، مع أن أكثر وسائله أن تأتي الملائكة في صور مختلفة تخاطب الأنبياء بلغاتهم وتبلغهم وحي الله( ).
فقد أكدت كتب العهد القديم أن (رجال الله) الذين عاشوا قبل بني إسرائيل، وكذلك الذين ظهروا في الشعب الإسرائيلي من أنبياء ومرسلين قد تلقوا وحي الله بطرق مختلفة تتمثل في الوحي بالكلام شبه المباشر بين الله والإنسان، أي من وراء حجاب، في صور بشرية تارة، أو في صورتها الطبيعية النوارنية تارة أخرى، وقد تسمع أصوات الملائكة من بعد في خفاء وهي تلقي الوحي إلى الموحى إليه، كل ذلك كان من رحمة الله بخلقه أن اصطفى لهم أنبياءه ورسله.
كما تقرر أسفار العهد الجديد أن طرق الوحي إلى الأنبياء متنوعة كلها تهدف إلى تعليم الناس دين الله عن طريق رسله الذين كانوا أئمة البشر، وبذلك تعترف المسيحية بجميع طرق الوحي المشار إليها في أسفار العهد القديم( )، مما يؤكد أن تاريخ الوحي ومظاهره وحالاته ووسائله عند أهل الكتاب في أسفار العهدين لا تختلف عن بعضها فهي تؤكده وتؤمن به وتقره.
إن تأكيد هذا الكلام عند الكلام عن تاريخ الوحي يأتي لنناقش من خلاله جمهرة المستشرقين الذين يدينون بهذه الديانات؛ لأن معظمهم من أهل الكتاب:
إما يهود يجهدون أنفسهم لرد كل ما هو إسلامي إلى أصل يهودي.
أو نصارى يمثلون رجال الدين الذين تخرجوا في كليات اللاهوت، وكلهم لا ينكرون الوحي؛ لأنهم يعترفون بأنبياء التوراة والإنجيل.
لكن كل تفسير سلكوه لظاهرة الوحي عند محمد صلى الله عليه وسلم كان مغايراً لما يعتقدونه، فالتعنت والتعصب أدى بهم إلى التفريق بين المتساويين، ولذلك تضاربت تفسيراتهم له وذهبت مذاهب شتى، كما سيأتي بيانه عند عرض آرائهم.
نخلص من هذا العرض إلى أن الله أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى نوح أول رسله إلى أهل الأرض، وإلى النبيين من بعده، فوحيه إليه كوحيه إليهم، أي: مثله في جنسه وموضوعه والغرض منه؛ لأنه خاتمهم المكمل لهدايتهم. قال تعالى: ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﮊ [النساء: ١٦٣].
والله تعالى أرسل رسلاً كثيرين من بعد نوح وقبل محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﮊ [النساء: ١٦٤]، وأخبر أن وظيفة الرسل تعليم الناس ما به صلاح حالهم ومآلهم، بطريق التبشير لمن آمن وأصلح عملاً بحسن الثواب، وإنذار من كفر وأفسد عملاً بالعقاب، حتى تقام عليه حجة الله( ).
الوحي في نظر المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم:
أثار المشركون المعاصرون لنُزول الوحي شبهاتٍ شتى حول الوحي والرسول، زاعمين افتراء الرسولِ الكذبَ على ربه، حيث وضع القرآن بعلمه وثقافته المكتسبة ثم نسبه إلى الله، وتارة نسبوا القرآن إلى الإبداع الذاتي أو التعلم الخارجي.
وهنا تتضارب آراؤهم:
فمنهم من يزعم أنه من تأليفه وإنشائه، ولكنهم يستكثرون عليه أن يكون من إنتاجه وحده فقالوا: ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﮊ [الفرقان: ٤].
ومنهم من نفى أن يكون قد جاء بشيء منه من عنده، بل قالوا: ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [النحل: ١٠٣].
ومنهم من هَوَّن الأمر فقال: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽﮊ [الفرقان: ٥].
ومنهم من كان قوله سخرية للعقلاء، إذ قال: ﮋ ﯕ ﯖﮊ [الدخان: ١٤].
كما وصفوه بالكهانة، والجنون، والشاعرية، والسحر. وكل ذلك لإنكار نزول الوحي عليه.
أما اتهامهم إياه بالكذب على الله فتنفيه تقريراتهم عنه قبل البعثة، حيث وصفوه بالصادق الأمين. ولما قال لهم: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً))( ).
وفي استجواب هرقل لأبي سفيان بالسؤال عن حال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: لا.
وفي نهاية الحوار قال له: ((ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله))( ).
ونفى الوليد بن المغيرة بشدة احتمال كذبه وافترائه على الله بقوله: ((وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ فقالوا: لا))( ).
أما ما زعموا أنه (إفك افتراه) فلماذا لم يعارضه البلغاء والشعراء والحكماء وقد تحداهم وأمهلهم ثلاثاً وعشرين سنة؟ فعجزهم يدل على كذبهم، وتناقض أقوالهم، فقولهم السابق يجعل القرآن من إنشاء محمد صلى الله عليه وسلم بالاشتراك مع آخرين وقولهم: ﮋ ﭕ ﭖ ﭗﭘﮊ ينفي القول الأول. وقولهم: ﮋ ﰄ ﰅﮊ يثبت أميته وعدم معرفته للقراءة والكتابة.
أما الآراء الأخرى فلا تستحق المناقشة كما فعل معها القرآن، حيث أوردها ولم يردّ عليها لتفاهتها( )، ذلك أن منشأها هو العجز عن كبت دعوة الحق بالإنكار والسخرية، لجؤوا إليها كنوع من الحرب النفسية المنظمة:
قالوا عنه: كاهن، وهو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية؛ مستمدًّا لها من الجن. فهل يحتمل أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام كاهناً لأنه أخبر ببعض الغيب؟ ولم نسمع أن كاهناً وضع كتاباً _ لا قبله، ولا بعده _ فضلا عن أن يضع القرآن الكريم.
قالوا عنه: مجنون، ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ، والجنون: اختلال في العقل يحرم صاحبه من سداد التصرف.
فإن كانوا صادقين فلماذا حكّموه في أصعب مشكلة اجتماعية: وضع الحجر الأسود في مكانه عند بناء البيت، وهم يعلمون أن المجنون لا يتبعه عاقل يحترم نفسه؟ وهذا تناقض أثبتوه بقولهم إنه: ﮋ ﯕ ﯖ ﮊ ( ).
وقالوا عنه: شاعر، فهناك فروق جوهرية بين ما جاء به من القرآن وبين الشعر، ولو كان شاعراً لقرَّبَ إليه الشعراء وجالسهم، والذي حصل عكسه كما قال الله عز وجل: ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [الشعراء: ٢٢٤].
وقالوا عنه: ساحر، وهو خداع للأبصار بحركات لطيفة غريبة يأتي بها السحرة، وقد أجمع أئمة الكفر على هذا الوصف، واتفقوا عليه بعد أن نفوا عنه ما سبقه من أوصاف؛ لأنهم رأوا أنه يسعفهم أن يقولوا: يفرق بين المرء وأخيه، ثم إنه عليه الصلاة والسلام حمل على السحرة والكهنة والشعراء والشياطين، فلو كان متصلاً بهم وناقلاً عنهم لما صدر منه مهاجمتهم ولا تحقيرهم.
فتبين بهذا اضطرابهم في موقفهم من نزول الوحي على الرسول، فالذين رموه بالجنون والسحر والشعر والكهانة، هم أنفسهم الذين نفوا عنه هذه الأكاذيب.
هذه هي جل آراء المشركين المعاصرين للرسول عليه الصلاة والسلام حول الوحي والرسول. وهذه الآراء تناولها المستشرقون وتوسعوا فيها مُدَّعين أنهم ألبسوها ثوب البحث العلمي، مع أنها تكرار لآراء المشركين نفسها، كما سيتبين ذلك من خلال عرضها ومناقشتها.

الفصل الثاني
مفهوم الاستشراق، انتماءات أهله، موازينهم،
الوحي في نظرهم
المعنى اللغوي:
أصبح الاستشراق عِلْماً قائماً بذاته، له كيانه ومراكزه وفلسفته ودراساته، فكان لزاماً معرفة مفهومه.
لم ترد كلمة (استشراق) في قواميس اللغة القديمة، ولكنها مترجمة عن كلمة (Orient) وتعني الشرق باللاتينية( )، فكلمة الاستشراق مشتقة من مادة (شرق)، التي تعني شَرْق الشمس إذا طلعت( ).
ومعنى (استشرق): أدخل نفسه في أهل الشرق، وصار منهم.
المعنى الاصطلاحي:
عُرِّف الاستشراق عدة تعريفات منها:
_ دراسة يقوم بها الغربيون لتراث الشرق بما يتعلق بتاريخه ولغاته وآدابه وعلومه( ).
_ هو طلب علوم أهل الشرق ولغاتهم( ).
_ وأقرب تعريف وأشمله هو: دراسات غير الشرقيين لحضارات الشرق وآدابه ولغاته وتاريخه وعلومه واتجاهاته النفسية وأحواله الاجتماعية( ).
وبالتالي يصبح المستشرق: هو العالم المتمكن من المعارف الخاصة بالشرق ولغاته.
والمستشرقون: هم الباحثون الذين نذروا أنفسهم لدراسات الشرق القديم والمعاصر.
يتضح من هذه التعريفات أن الاستشراق معناه: الاشتغال بالدراسات الشرقية عامة، والدراسات الإسلامية والعربية خاصة.
لكن الذي ينبغي لفت الانتباه له مما يغفل عنه كثير من الباحثين أن الاستشراق هو: اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين، بغض النظر عن وجهتهم الجغرافية وانتماءاتهم الدينية والثقافية والفكرية، فهم يتكلمون ويكتبون عن دين لا يدينون به، فليس غريباً أن يدفعهم اختلاف الدين إلى التعصب الشديد والحملة عليه، وتحيُّن الفرص لبثِّ الشبه والدعاوى بلا تثبت ولا تحقق( )، إلا المنصف منهم، وهم قليل جدا.
انتماءات المستشرقين:
تفاوتت آراء المستشرقين حول (مفهوم الوحي) وتفسيراتهم له، كما تفاوتوا في تقويم الرسول والرسالة، حتى تباينت وجهات نظرهم تبايناً أوصلها حد التناقض، وسبب ذلك تأرجح مناهجهم بين الجحود والإنصاف، فمن انساق وراء التعصب انزلق في مهاوي الحقد، ومن تفهّم روح الإسلام وانجلت له حقائقه، اتصف بالنَّزاهة، وخالط نور اليقين شَغاف قلبه، فأعلن إسلامه( ).
وبين الفريقين توزعت مواقف واتجاهات شتى، إلا أن الغالبية العظمى من المستشرقين أنكروا الوحي وأنكروا النبوة، وأثاروا الشبهات حول الحقائق الإسلامية، وهذا يدفعنا إلى الحديث عن انتماءاتهم، فقد انقسموا في مواقفهم من الوحي والرسالة إلى: منصفين ومتعصبين:
فالمنصفون منهم انقسموا إلى: مسلمين، ومتعاطفين مع الإسلام، والمتعصبون انقسموا إلى: حاقدين أعداء، ومعتدلين في تهذيب الألفاظ وإبطان المكر والحقد.
إن الحاقدين على الإسلام من المستشرقين أنواع: منهم من كان حقده ناشئاً عن طريق عواطف الاحتقار والرفض الذي يحيط به الجهل، مثل: رايموند شارل، وكارل بروكلمان، ومنهم من كان حقده زعافاً( ) أمثال: لامانس( )، وأندري ميكال( ).
أما المعتدلون: فيقصد بهم الذين عدلوا عن أسلوب الهجوم الواضح والعداء الصريح إلى أسلوب التقدير والاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالعبقرية والعظمة والبطولة مع تجريده من النبوة، والإنكار للوحي تارة، وتفسيره وتأويله تارة أخرى بإسقاط المقاييس المسيحية عليه، وهذا الصنف هو الذي يدعي في أبحاثه الموضوعية والبحث العلمي المجرد من التعصب( ).
ولعل معظم المستشرقين المعاصرين من هذا الصنف الذي يستعمل أمكر الأساليب ألطف العبارات، ليخفي وراءها حقده، كأن يستخدم صيغ الشك عند التعبير عن الحقائق التاريخية والدينية، كقول بروكلمان: ((أعلن محمد ما ظن أنه سمعه كوحي من عند الله))( ).
أما المتعاطفون من المستشرقين: فقد برزت عواطف الود الصادق منهم تجاه الإسلام باعتباره ديناً، والمسلمين باعتبارهم أمة، فقاموا بخدمة العلم والتاريخ الحق دون تعصب معترفين بالإسلام، مقرين بالوحي، مثبتين للنبوة.
فمنهم من شرح الله صدره للإسلام أمثال ليوبولد فاس( )، ومارجريت ماركوس( ).
ومنهم من لم يعلن إسلامه رغم إدلائه بتصريحات هامة تدل على أنه مسلم في ضميره مثل برناردشو.
ومنهم من بقي على ما كان عليه من العقيدة لأسباب لم يعلنوا عنها( )، مثل هنري دي كاستري، ورينو حينوا، وتبتوس بركات، ودنيس ماسون، والذين بدوا على وشك الشهادة( ).
ولا شك أن هؤلاء قد أسهموا في تجلية صورة الإسلام للغربيين وقاموا بالدفاع عنه، رادين على طعون ومزاعم الذين أساؤوا الفهم، أو تعمدوا التلبيس من أترابهم، فهذا (توملين) يؤكد عجز المستشرقين عن فهم الثقافة الشرقية؛ وذلك لأنهم لم يتمثلوها ولم يعيشوها، فتعذر عليهم التعبير عنها بموضوعية وتجرد، ولو فعلوا ذلك لاستلزم الأمر أن يعتزلوا أوروبا كلها، ولبدؤوا الحياة من جديد كشرقيين( ).
إن الإفراط في الثقة بالمستشرقين أدى إلى نوع من الاضطراب لدى الكتاب المسلمين في نظرتهم تجاههم، فأحدث نوعا، من التباين في تقويمهم بين متعاطفين ومنصفين وحاقدين، فمن يراه بعض الكتاب منصفاً يراه آخرون حاقداً، ومن يراه البعض موضوعيا حيادياً، يراه آخر متزمتاً، فاختلفت وجهات النظر فيهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل في المستشرقين من يوصف بالموضوعية والحيادية والإنصاف؟
اختلفت إجابات الباحثين بين النفي والإثبات حسب مواقفهم تجاههم، وحسب آراء المستشرقين حول الإسلام، وأصحاب كل موقف لهم مسوِّغاتهم وبراهينهم.
لكن الذي ينبغي تأكيده هو الحذر والحيطة والتحفظ من الأقوال التي عرفت واشتهرت بالإنصاف والاعتدال؛ لأنه ليس ثمة ثبات ولا منهجية واحدة لكل مستشرق، فتجده يثبت الوحي هنا، وينكر نبوة الرسول هناك، أو يخصه بالعرب خاصة، أو يعترف له بأنه عظيم من العظماء، كما فعل توماس كاريل، لكنه وصف القرآن بأنه كتاب ممل مضطرب مختلط مشوش جاف معقد، غباء لا يطاق( ).
لذا أرى ألاَّ يفرح مسلم باعتراف مستشرق بالوحي، ويعدّ ذلك كسباً للعلم والتاريخ؛ لأنه قد يكون أسلوباً من أساليب المكر والخديعة كما فعله ( زويمر، ولامانس ) اللذان وصفا الرسول صلى الله عليه وسلم بالقدرة الفائقة على الإقناع والتأثير في الآخرين، وبالعبقرية، لكنهما وصلا إلى تجريده من النبوة، ومن مزية كون القرآن وحياً من عند الله تعالى( ).
وهكذا فإنّ معظم من وصفه بالعبقرية والتفوق والقيادة والإصلاح، سعى إلى إنكار نزول الوحي عليه.
والحقيقة أني لم أجد مستشرقاً يستحق التقدير في كل مواقفه -على الأقل فيما وقفت عليه- في موضوع (مفهوم الوحي)، فقد تجد لأحدهم موقفاً جيداً من مسألة كالوحي، لكن يأتي بما يناقض ذلك في غيره من مسائل الدين، مما يجعلني أقرر أن كتابات جلِّ المنصفين منهم تحمل في طياتها النظريات الفاسدة، التي تمثل هجوماً في صورة مسالمة، وتعصباً في صورة إنصاف، كما هو عند كارليل، ولورا، وواط وغيرهم، وهذا الأمر يستدعي دراسة جادة تعتمد على التتبع والاستقراء؛ للخروج بحكم موضوعي صائب، تجاه كل مستشرق وآرائه ودراساته.
ويخرج من هذا التعميم معظم المسلمين منهم وبعض المتعاطفين، وهم قلّة.
موازين البحث عند المستشرقين:
دأب كثير من المستشرقين في تحرير أبحاثهم عن الدراسات الإسلامية على ميزان غريب في ميدان البحث العلمي:
يضعون في أذهانهم فكرة معينة، ويسعون إلى تصيد الأدلة لإثباتها، بحيث لا يهمُّهم صحة الدليل بمقدار ما يهمُّهم إمكان الاستفادة منه لدعم آرائهم الشخصية، فيقومون بجمع المعلومات التي ليس لها علاقة بالموضوع من كتب الديانة والتاريخ والأدب والشعر والرواية والقصص، أو المجون والفكاهة، فيقدمونها بعد التمويه بكل جراءة، ويبنون عليها نظرية لا وجود لها إلا في نفوسهم وأذهانهم( )، فيستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية( )، كما فعلوا ذلك في موضوع الوحي، يتصيد كل منهم حادثة فيبني عليها، ويجودها ما أمكنه لتمكينها في النفوس، مثل حادثة لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل، أو بحيرا، أو الحداد الرومي، ويزعمون أنه أخذ منهم أو تتلمذ عليهم.
كما يعتمدون على الوهم المجرد لتفسير الأمور، فقد فسروا ظاهرة الوحي بحديث النفس وإلهاماتها تارة، وبالنوبات الانفعالية أخرى، وبالتنويم الذاتي أو التجربة الذهنية المرضية كالصداع الهستيري، وكثير منهم كان يدس مقداراً معيناً من السم، ويحترس في ذلك، حتى لا يستوحش القارئ وتضعف ثقته بنَزاهة المؤلف، فهذا المستشرق (مونتغمري واط) الذي ادعى أنه أكثرهم حيادية، وقف من الوحي الذي تلقاه محمد صلى الله عليه وسلم، مواقف غريبة ومريبة لأبعد الغايات، فمن بادئ الأمر أعلن أنه لن يجزم بأن القرآن وحي من عند الله، ولا أنه من وضع محمد صلى الله عليه وسلم وقال: (لذلك فلن تجد في بحثي عن القرآن: قال الله، ولا قال محمد؟ بل سأقول: قال القرآن؟) يريد أن يخدع القارئ بأنه رجل محايد، لكنه غير بعيد من هذا الموضع بدأ يشكك في أن القرآن وحي من عند الله، ورجح أنّ القرآن بشري المصدر وليس وحياً نزل من عند الله( ).
يتضح من هذا أن موازين البحث عند المستشرقين تتلخص في الآتي:
1 - تحكيم الهوى ونزعات العداء للإسلام والمسلمين، مع التعصب لما ينتمون إليه.
2 - وضع الفكرة مقدماً ثم البحث عن أدلة تؤيدها مهما كانت ضعيفة واهية.
3 - تفسير النصوص والوقائع تفسيرات لا تتفق مع دلالاتها الحقيقية، ولا مع نتائجها المثبتة تاريخياً.
4 - تجميع الهفوات التي لا تخلو منها أمة -مهما عظمت كمالاتها- وتقديمها على أنها تمثل الإسلام.
5 - تصيد الشبهات، والإكثار من الفرضيات، والاعتماد على الضعيف والشاذ من الأقوال.
6 - رفض الحق، ومنه إثبات الوحي، بالنفي المجرد الذي لا يدعمه دليل صحيح مقبول في المنهج العلمي السليم( ).
نستطيع أن نخلص من هذا كله إلى أنه ليس بمقدور أي مستشرق على الإطلاق مهما كان اتساع ثقافته واعتدال دوافعه، وحياديته ونزوعه الموضوعي، إلا ارتطم بالواقع ومارس التزييف متعمداً أو غير متعمد.
الوحي في نظر المستشرقين:
إن استطلاع آراء المستشرقين في الوحي المحمدي يحددها النظر إلى بداية الصلة الثقافية بين الشرق والغرب، أو ما يعرف ببداية الاستشراق، وهي بداية دراسة الغربيين للغات الشرقيين وظروفهم العامة التي بدأت في إسبانيا، ثم انقطعت لسقوط غرناطة عام 1492م، ثم عادت بعد توحيد الكنيستين الغربية والشرقية في القرن السادس عشر.
إن دراسات المستشرقين ومواقفهم من الوحي تأثرت بالفكرة التي رسختها الدراسات السابقة، من الطعن في الإسلام، واختلاق العيوب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إرضاء للشعوب الأوروبية التي كان يرضيها أن تسمع الشتائم عنه، فوصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر وخدَّاع وشهواني، وأنه عدو للمسيحية، منقادين إلى ذلك بمحض خيالهم، دون الرجوع إلى مصادر مكتوبة، أو اطلاع على دراسات سابقة حتى أصبحت هذه الدراسات مرتكزاً لهم، فأصبحت تمثل صخرة عاتية ليس من السهل أن تكسر( ).
وحتى يتحقق لهم هذا الإنكار للوحي أصبحوا يرددون أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ما هو إلا إبداع ذاتي، أو إشراق روحي، أو إنجاز أدبي، أو مشروع محمدي، أو توصل فكري، أو إملاء إنساني.
إن من يناقش المستشرقين في موضوع الوحي يحتاج إلى صبر طويل.
أما نظرتهم حول مَنْ نزل عليه الوحي فإنها تتمثل في الآتي:
1- بعضهم عده قائدًا وزعيما فذًا.
2- وبعضهم جعله في مصاف المصلحين الاجتماعيين.
3- وبعضهم عدّه أحد عباقرة العالَم الذين يندر أن يحظى العالَم بمثلهم، وهؤلاء الأصناف الثلاثة يرتكز إنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم على أساس ديني.
4- وقلة من أبرز شخصيته رسولاً.
5- وأقل منهم من وصفه أنه نبي أوحي إليه بالإسلام.
6- ومنهم من أنكر النبوة؛ لأنهم ينحون بتفكيرهم نحو المادية والعلمانية، فينكرون الوحي جملة وتفصيلاً، وسيأتي عرض آرائهم في ( مفهوم الوحي) مجملاً ومفصلاً.
أهدافهم من إنكار الوحي:
على الرغم من أن جمهرة من المستشرقين لا ينكرون الوحي في الواقع الإنساني لأنهم يصدقون بأنبياء التوراة والإنجيل، فهم إما يهود أو نصارى، وكل تفسير سلكوه لمفهوم الوحي عند محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يفسّر به الوحي عند أنبيائهم الذين يعترفون هم بنبواتهم، إلا أن تعنتاً مبعثه التعصب الديني هو الذي جعلهم يفرقون بين أمرين متساويين تماماً، فيعترفون بأحدهما ويجحدون الآخر؛ عصبية عمياء.
إن غالبيتهم ينكرون أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا أوحى الله إليه كتابه، بل تضاربت تفسيراتهم لهذه القضية الغيبية، وذهبت التخمينات في تحليلها مذاهب شتى، أجمعُها: رفض حدوث الوحي، وبث الشبهات حوله، زاعمين بأن الوحي والقرآن ما هو إلا مشروع محمدي، أو عمل من أعمال الشعوذة.
وكانوا يهدفون من إنكاره إلى:
1- الإيحاء بأن الإسلام ليس من عند الله، بل هو من أفكار محمد صلى الله عليه وسلم التي تشبعت بالأفكار اليهودية والنصرانية.
2- محو الشخصية الإسلامية.
3- محاولة إيجاد جذور للنصوص الدينية الإسلامية من النصوص النصرانية واليهودية.
4- التشكيك في النصوص وصحتها واستعمال الخلافات الفكرية أداةً للتشكيك.

الفصل الثالث
آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي
هناك حصر ما يزيد على أكثر من ثلاثين رأياً من آرائهم حول الوحي، ويمكن تناول هذه الآراء بعد عرضها على النحو الآتي:
أ – بيان مجمل الرأي. ب- عرض كل رأي ومناقشته.
ج- رد المستشرقين عليه. د- رد العلماء المسلمين على الرأي.
مجمل آرائهم حول الوحي:
1- اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب، وأنه افترى القرآن من عند نفسه.
2- أن الوحي حالة نفسية ( الوحي النفسي ) أي: حديث النفس وإلهامها.
3- أنه الانفعال العاطفي ( النوبات الانفعالية ).
4- أنه عبارة عن التنويم الذاتي.
5- أنه عبارة عن التجربة الذهنية.
6- أنه من إملاءات الكهنة والمنجمين.
7- أن ما جاء به إنما جمعه من البيئة المكية التي كانت تعج بالرهبان والقسيسين.
8- أنه حالة مرضية كالصرع الهستيري.
9- أنه كلام عربي نَظَمه محمد صلى الله عليه وسلم شعراً.
10- كان محمد ساحراً لَبِقاً، والقرآن ما هو إلا سحر من كلامه.
11- أن القرآن أساطير الأولين.
12- أن الديانة اليهودية والنصرانية كانتا الينبوع الذي استقى منه محمد صلى الله عليه وسلم أصل الديانة الإسلامية وفروعها.
13- أن عبقرية محمد، وحدَّة ذكائه، ونفاذ بصيرته، وشدة فطنته هي التي مكنته من وضع القرآن على هذه الهيئة.
14- كان محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى حالات الصحة النفسية والجسمية والعقلية، وكان الوحي هو الحادثة الخالدة التي تجلت فيها رحمة الله بعباده.
15- لإنكار الوحي رأى مونتيه إرجاع القرآن إلى ثلاثة مصادر: يهودية، ونصرانية، ومصدر جاهلي أفاد منه محمد عن طريق الروايات الشفوية.
16- يرى المستشرق ساقاري أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أبدع في تأليف قرآنه، مستخدماً ما في البلاغة والشعر من ثروات فنية.
17- الوحي: عبارة عن حدس يتم فيه الإدراك المباشر.
18- الوحي: عبارة عن الإشراق الذي يتم فيه تحويل الأفكار بأكملها من شخص لآخر. . . .
19- أن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست وحياً، وإنما هي فكرة بشرية تتطور في نفس صاحبها.
20- أن الوحي عبارة عن مناجاة روح الخداع والحماسة التي لا تقطن السماء، وإنما تسكن عقلَ النبي صلى الله عليه وسلم .
21- لا يكتفي جوستاف لوبون بإنكار الوحي، بل يتجاوز ذلك إلى اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مهووس بقوله: (وإذا عددت هوس محمد _ككلِّ مفتونٍ_ وجدته حصيفاً سليم الفكر).
22- أصحاب دائرة المعارف الإسلامية زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم اصطنع القصة التي تقول بأن الرسول السماوي (جبريل) يتحدث إلى الأنبياء، واعتقد أنه تلقى رسالته ووحيه منه.
23- اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه تلقى القرآن من عند غيره، وهذا الغير مختلف فيه:
أ‌- تارة يكون الحدادَ الرومي.
ب‌- تارة يكون بحيرا النصراني.
ج - تارة يكون ورقةَ بن نوفل العربي.
د - تارة يكون اليهودَ والنصارى.
ﻫ - تارة يكون المؤمنين من أهل الكتاب.
24- لإنكار الوحي ذهبوا إلى أنّ الإسلام دين بشري من صنع عبقرية فردية، أو ظروف اجتماعية أو اقتصادية، ولإثبات ذلك اعتمدوا تفسيرات معينة تتمثل في:
أ‌- أنه تطوير لعبادة وثنية: منهج تاريخي.
ب‌- أنه ظاهرة تفسر في ضوء المتغيرات الاقتصادية.
ج- أنه وليد فئات بشرية مدينية متحررة. . .
د- أنه ظاهرة نفسية عبرت عن عظمة طموح فردي.
25- استعمل المستشرقون مناهج متعددة في دراسة مسألة الوحي؛ لأنه بالنسبة لعلوم الروح كالرياضيات بالنسبة لعلوم الطبيعة.
26- كما تعددت لدى المستشرقين الفروض المفسرة للدين فهو ظاهرة مصدرها اجتماعي أو نفسي.
27- قالوا: إن كلمة الوحي لا تعني إلقاء النص من الله، بل تعني اقتراحاً أو إشارة أو التكلم الذهني.
28- أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس رسولاً من عند الله، وإنما هو رجل ذكي أتى بنوادر الأعمال الإنسانية، ثم انتحل صفة الرسالة والرسول.
29 – القرآن صياغة عربية جديدة لما ورد في التوراة والإنجيل، وليس وحياً من عند الله تعالى.
30 – شددوا في إنكارهم لأمّيته؛ لإثبات أنه نقل القرآن عن الديانات السابقة.

تصنيف آراء المستشرقين حول ( مفهوم الوحي):
بعد النظر والتأمل في آراء المستشرقين يتضح اختلاف نظرتهم حوله، فالذين يتشبثون بالماديات لا يرون إمكان الوحي، وبعض من يؤمن بوجود الله يبحث له عن مصادر استقى منها كل نبي معلوماته، ويرجعونها إلى تاريخ الأمم التي اتصل بها كل نبي.
والبعض الآخر يثبته للأنبياء السابقين وينفيه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يرى أنه إلهام يفيض من نفس الموحى إليه لا من الخارج، ومنهم من يرى أنه يأتيه من خارج مع اختلافهم في ذلك الأمر الخارجي.
وبناء عليه يمكن تصنيف آرائهم حول ( مفهوم الوحي) إلى أربعة أصناف، كل صنف يشتمل على مجموعة متماثلة ومتشابهة من الآراء:
أولاً: إبطال الوحي ونفي الرسالة عن الرسول الخاتم بدعوى تكذيب الرسول، والادعاء بأنه افترى القرآن من عند نفسه.
وقد أنكر الغالبية العظمى من المستشرقين النبوة ( )، وشككوا أن مُنَزِّلَ القرآن هو الله سبحانه وتعالى، بل ادَّعَوا أن هذا الكتاب من وضع محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم: (القرآن ليس من عند الله)( ) و(محمد هو الذي صنع القرآن)( ) و(القرآن من عند محمد: من تأليفه)( ).
ولما قيل لهم: كيف أتى محمد بهذا القرآن من عند نفسه، وأنتم تقرون أن أسلوب القرآن في الذروة من البلاغة، والفصاحة وعلو الأفكار، وقوة التعبير، فلا يوجد فيه لفظ ركيك، ولا فكرٌ سخيفٌ، بالإضافة إلى تناوله أكثر القضايا من العلوم والمعارف المختلفة في الماضي والحاضر والمستقبل؟
قالوا: إن محمداً كان عنده عبقرية خارقة، وحِدَّة في الذكاء، ونفاذ في البصيرة، كل ذلك مكَّنَه من وضع القرآن على هذه الطريقة.
- ومنهم من قال: كان ساحراً لَبِقًا فجاء به، فما هو إلا سحر من كلامه.
- ومنهم من قال: إنما جمعه من البيئة المكية التي كانت تعج بالرهبان والقسيسين.
- ومنهم من قال: إنه كلام عربي نَظَمه محمد شعراً.
- ومنهم من يرى أن إبداع محمد في تأليف القرآن يرجع إلى استخدامه ما في البلاغة والشعر من ثروات فنية.
خلاصة هذه الآراء: أن محمداً بعبقريته الفذة، وفطرته السليمة، كان المصدر الوحيد للقرآن، جاء به من عند نفسه، بطريق الإلهام، أو من تأثير البيئة التي نشأ فيها، وليس وحياً إلهياً من عند الله؛ اعتماداً على القول بعبقريته وصفاء نفسه( ).
إن هذه الدعوى التي تبنَّاها جمٌّ غفير من المستشرقين بتكذيب صاحب الرسالة وإلصاق كل التهم به، بأنه افترى القرآن من عند نفسه، آراء لا تستند إلى حجج ولا براهين ساطعة، وقد رد عليها الخصوم قبل الأتباع، وإليك بعضاً من ردود المستشرقين على المستشرقين:
رد المستشرقين على هذه الآراء:
يقول المستشرق إدوارد مونتيه: ((كان محمد نبيًّا بالمعنى الذي يعرفه العبرانيون القدماء، ولقد كان يدافع عن عقيدة خالصة لا صلة لها بالوثنية))( ).
ويقول: ((كان محمد نبيًّا صادقاً، كما كان أنبياء بني إسرائيل في القديم، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحَى إليه))( ).
كما تصدّت المستشرقة الإيطالية لورا( ) للأقلام المغرضة ودافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتفنيد الأكاذيب التي كانت تشاع عنه في القرون الوسطى( ).
ووقف المستشرق السويسري حنا مواقف نبيلة في دفاعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد دراسته الوثائق التاريخية، ومن جانبه أكد المستشرق جون وانتبورت أن الدراسات التاريخية تسقط كل الأكاذيب التي أشاعها أعداء الإسلام بقوله: ((بقدر ما نرى صفة محمد الحقيقية بعين البصيرة والتروي في المصادر التاريخية الصحيحة. . . وقد جاء بشرع لا يسعنا أن نتهمه فيه))( ).
يقول المستشرق كارل( ): ((لقد أخطأ من قال إن نبي العرب دجال أو ساحر؛ لأنه لم يفهم مبدأه السامي، إن محمداً صلى الله عليه وسلم جدير بالتقدير، ومبدأَه حري بالاتباع، ليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وإن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال، كما أننا لا نرى أن الديانة الإسلامية بعيدة عن الديانة المسيحية))( ).
وممن دحض هذه المزاعم: المستشرق الروسي جان ميكائيليس (1717م-1791م)، وكذلك المستشرق الفرنسي دينيه، كما اعترف بصدق رسالته وتأكيد نزول الوحي إليه كل من: توماس كارليل، ولامارتين ماري لوي دي، والكونت كاستري، والباحث الأوروبي سنكس، والفيلسوف الروسي تولستوي، والبروفيسور ليك، والإنجليزي توماس آرنولد.
هؤلاء وغيرهم من المستشرقين المنصفين كانت لهم اعترافات بنُزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وصرحوا بصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعد دراسة عميقة، بعدل وإنصاف؛ لأنهم وجدوا في شخصه كل ما يدل على صدق نبوته وصحة رسالته( )، ثم قاموا بنشرها في بلادهم ضد مفاهيم مجتمعهم، على حساب مصالحهم الخاصة.

رد العلماء المسلمين على هذا الصنف من الآراء:
خلاصة هذه الآراء مفادها:
أولاً: أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم فهو ينسب إليه، ثم اختلفوا في كيفية تأليفه، تارة يقولون نظمه شعراً، وأخرى جمعه من البيئة العربية، ويقولون كان ساحراً وكلامه سحر، ومن قال بعبقريته وذكائه استخدم الثروات الفنية في البلاغة واللغة حتى أبدع في تأليفه.
إن هذه الآراء قديمة في ثوب جديد، رددها المشركون المعاصرون لنُزول الوحي، وقد تكفل كتابُ الله بالرد عليها، وقبل بيان ذلك يمكن أن يشار إلى أمور تعدّ من البدهيات في هذا الأمر:
قالوا: القرآن نتاج عربي، والرسول صلى الله عليه وسلم هو مؤلفه. يقال لهم: لو كان محمد هو مؤلف القرآن بما فيه من مبادئ وأفكار لماذا كان ذلك بعد (40) سنة من عمره، أكان يسكت طوال الأربعين السنة الأولى من حياته عن الدعوة ثم ينشط فجأة بعد الأربعين؟! إن هذا لو صح لكان شاذاً غريباً( )، فكيف وهو كلام لا أساس له من الصحة؟!
والشيء نفسه يقال عن القرآن بوصفه أدباً، فلا وشيجة تربط بينه وبين الأدب الجاهلي، اللهم إلا اللغة التي كتب بها، فلا الموضوعات هي الموضوعات، ولا الروح هي الروح، ولا الجو الذي يسود سوره هو الجو الذي يسود ذلك الأدب، بل إن السجع نفسه في النثر العربي يختلف عنه في القرآن، ولماذا نذهب بعيداً فأحاديث الرسول مختلفة عن القرآن، أسلوباً ومذاقاً وروحاً وألفاظاً وتراكيب، برغم أن الموضوعات والأفكار والمبادئ التي تدور حولها هذه الأحاديث هي نفس ما جاء في القرآن( ).
ويضاف إلى ذلك: لو كان الوحي من عند محمد ومن ابتكاره لجعله يوافق هواه، ولو كان من إنشائه، فلماذا لم يضمنه أحاديثه؟ ولماذا لم يسرد فيه قصة حياته؟ وكيف يمكن أن يكون القرآن من عنده وهو يخالف رأيه في بعض المواقف، بل يعاتبه ويلومه على أفعاله وبعض تصرفاته؟ كل ذلك وغيره يؤكد أن الوحي أمر غيْبِي أتى من جهة غير إنسانية، خارجٌ عن مجال إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه واجتهاده.
إن الناظر في مزاعم المستشرقين، وفي حال الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الله الذي أوحى به إلى نبيه يتبين له بطلان هذه المزاعم من عدة وجوه:
1- القرآن نفسه ينفي أن يكون من صنع البشر وتأليفهم، وإنما هو كلام الله المنـزل على رسوله صلى الله عليه وسلم لهداية الناس وإصلاحهم بعدة أمور:
أ- من ناحية أسلوبه البليغ المعجز المغاير لأسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صدر عنه من أقوال غير القرآن، فالحديث يختلف عن القرآن من جهة أسلوبه، وكل من يفهم العربية يدرك الفرق الشاسع بين الأسلوبين، فلو كان القرآن من عنده لما اختلف الأسلوبان، وبذلك بطل هذا الزعم.
ب- من ناحية ما تضمنه القرآن من إشارات علمية دقيقة، ونبوءات غيبية، وأخبار القرون الماضية، وأمور التشريع، وغير ذلك من العلوم والمعارف التي يزخر بها القرآن، كل ذلك ينفي بشريته، فمن أين لمحمد الحقائق العلمية؟ ومن أين له أخبار الأولين؟ ومن أين له النبوءات الغيبية؟ فمهما بلغ الإنسان من العبقرية لا يستطيع كشف حجب الغيب، فدل على أن القرآن من عند الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
ج- ثم إن القرآن لا يعكس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في أفراحه وأحزانه، فقد توفي عمه وزوجه في عام واحد فحزن عليهما شديداً، ومع ذلك لم توجد في القرآن أي إشارة إلى ذلك.
د- في بعض المواقف كان القرآن يخالف رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان يأتيه عتاب ولوم على أفعاله، فقد عاتبه القرآن على موقفه من عبد الله بن أم مكتوم الرجل الأعمى بقوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ  ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ [عبس: ١ ، ٢].
وعاتبه في مسألة أسرى بدر بقوله: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ [الأنفال: ٦٧ ، ٦٨].
ﻫ - واجه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من المواقف الشديدة التي كان يحتاج فيها إلى القرآن لحسمها، مثل ما حلّ به عندما رماه المنافقون في أهل بيته، فلم يستطع أن يفعل شيئاً مدَّة شهر حتى جاءه الوحي ببراءتها وقطع ألسنة الخائضين بالإفك، فلو كان القرآن من عنده لقطع بالبراءة من أول وهلة( ).
يضاف إلى ذلك هبوط الوحي لأول مرة على الرسول وأثره في شخصيته، وكيفية التوفيق بين انقطاع الوحي ثلاث سنين، وشوق الرسول إليه، وسر بقاء القرآن محفوظاً منذ جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لم يثبت في تاريخ البشرية أن ظل كتاب كما هو، دون زيادة ولا نقصان، أو تحريف أو تبديل، فإذا قدر محمد عليه السلام على الحفاظ عليه طوال حياته، فما الذي حال دون ضياع جزء منه بعد وفاته، كما حرّفت وبدّلت كتب أهل الكتاب، وما سبقها من كتب الله المنَزلة؟!( ).
إن القرآن أجاب عن سر بقائه وخلوده، قال تعالى: ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر: ٩].
إن رد القرآن على الشبهات القديمة التي أثارها العرب في نفي الوحي وإنكار النبوة هو الرد نفسه على آراء المستشرقين، باعتبار أن هذه الآراء ما هي إلا صدى لتلك الشبهات؛ فقد قالوا: القرآن سحر ومحمد ساحر، فحكى الله ذلك عنهم بقوله: ﮋ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ  ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮊ [الصافات: ١٤ - ١٥]، وبقوله تعالى: ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﮊ [ص: ٤].
وقالوا: القرآن شعر ومحمد شاعر، قال تعالى: ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮊ [الأنبياء: ٥]. وقوله: ﮋﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮊ [الصافات: ٣٦].
وقالوا عنه: إنه مجنون، قال تعالى: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [الحجر: ٦]. فرد الله عليهم بقوله: ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ  ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ  ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ  ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ [الحاقة: ٤٠– ٤٣]، وقوله ﮋ ﮩ ﮪ ﮫﮊ [التكوير: ٢٢ ].
وقد أكد الله سبحانه أمام افتراءات المكذبين أن القرآن وحي من كلام الله في كثير من آياته، منها:
قوله تعالى: ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الفرقان: ٦].
وقوله تعالى: ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ  ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ  ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ [الشعراء: ١٩٢ – ١٩٤].
وقوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ  ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [السجدة: ١ – ٣]، وغيرها من الآيات.
إن الحقائق التي تسقط دعوى كون القرآن ليس وحياً من عند الله لا تقع تحت حصر، ولكثرتها لا يمكن أن يحصيها الاستقراء، وفيما ذكر من ردود على هذه الفرية غنىً عما لم يذكر منها.
ثانياً: إنكار الوحي واتهام الرسول بأنه تلقى القرآن من عند غيره، مع اختلافهم في هذا الغير من يكون؟
فتارة يقولون إنه: 1- الحداد الرومي 2- بحيرا النصراني 3- ورقة بن نوفل القرشي 4- تلقاه من اليهود والنصارى 5- أخذه عمن أسلم من اليهود والنصارى.
إن المستشرقين يرددون ما ردده أسلافهم من المشركين واليهود والنصارى من قبل أثناء نزول الوحي بالقرآن، وذلك في القول: بأن القرآن من صنع محمد صلى الله عليه وسلم وكَذِبه، وساعده على ذلك قوم آخرون، وقد حكى كتاب الله ذلك عن الأوائل بقوله تعالى: ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ [الفرقان: ٤].
فالقوم الآخرون قيل: بلعام، وقيل: يعيش، وقيل: جبر، وقيل: يسار، وقيل: سلمان( )، وقيل: قوم من اليهود، وقيل: عبيد كانوا للعرب من الفرس، أمثال أبي فكيهة مولى الحضرميين، وعداس وغيرهم( ).
لقد افترى قوم فقالوا في عهده: إن محمداً كان يعلمه بشر، وتلقف هذه الشبهة المستشرقون بعدهم فرددوها كما رددها أسلافهم، فمن هو؟ ومن سمعه؟ ومتى وأين كان ذلك؟ وهل هم جادّون فيما قالوا؟
الحقيقة أنه ما كان يعنيهم أن يكونوا جادين فيما يقولون بقدر ما كان يعنيهم أن يدرؤوا عن أنفسهم معرّة السكوت والإفحام، ولذلك اجتهدوا في البحث عن تعيين هذا البشر من يكون؟ فحدّدوا له صفتين:
الأولى: أن يكون من سكان مكة لترويج دعوى ملاقاة الرسول صلى الله عليه وسلم والإملاء عليه بكرة وأصيلاً.
والثانية: أن لا يكون من جلدتهم ليمكن أن يقال: إن عنده علم ما لم يعلموا. فالتمسوا هذه الصفات ـ لا في أهلها الموسومين بها من الربانيين والأحبار، ولا من القسيسين والرهبان ـ فزعموا أنهم وجدوها في حداد رومي، ولذلك قصم القرآن ظهرهم، فأبان عوار حججهم، وحوَّلها حجة دامغة عليهم، قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ [النحل: ١٠٣].
فإذا كان قوم من الذين كانوا أحرص الناس على خصومته، وأدراهم بأسفاره، وأحصاهم لأحواله، عجزوا أن يقدموا أي صلة علمية بينه وبين أهل العلم في عصره، فما بال المستشرقين وأذنابهم من الملحدين يبحثون عن تلك الصلة بعد مضي أربعة عشر قرناً وربع من الزمان؟ فلو وُجِدت لأثبتها سلفهم، وكَفَوهم عناء البحث، فليريحوا أنفسهم وليشتغلوا بغير هذه الشبهات( ).
إنّ بطلان زعم المشركين العرب بهذه الدعوى يبطل دعوى المستشرقين في هذه القضية؛ لأنهم يرددون ما ردده أسلافهم.
وقالوا: إن القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل، فهاتان الديانتان كانتا الينبوع الذي استقى منه محمد أصل الديانة الإسلامية وفروعها، فأكثر القضايا الشرعية فيه مقتبسة من كتاب التوراة، وجميع القصص كذلك مقتبس من التوراة، فإذا أخرجنا ذلك منه لم يبق فيه إلا ما لا يستحق الذكر.
قالوا: إن الدعوة المحمدية كانت في العهد المكي كتابية إنجيلية توراتية مسيحية يهودية، وإن القرآن نسخة عربية من الكتب السماوية السابقة المنَزلة على الأنبياء السابقين، ومقتبس منها، وإنه كتاب توراتي إنجيلي يهودي نصراني في موضوعه ومصادره وقصصه وجدله( ).
يقول جولد زيهر: ((فتبشير النبي العربي، ليس إلا مزيجاً من معارف وآراء دينية عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها، والتي تأثر بها تأثراً عميقاً ورآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني وطنه))( ).
وقال كارل بروكلمان: ((اقتبس النبي عن التوراة فكرة الخطيئة الأصلية. وإنما ترجع معتقداته فيما يتعلق بالعالم الآخر إلى مصادر يهودية))( ).
ويقول غوستاف لوبون: ((وإذا أرجعنا القرآن إلى أصوله أمكننا عدّ الإسلام صورة مختصرة عن النصرانية. . . ))( ).
ويقول ريتشارد: ((إن الرسول صلى الله عليه وسلم استمد من الكتاب المقدس كثيرا مما جاء في القرآن وبخاصة القصص. . .))( ).
وكثير من المستشرقين ذهب إلى هذا الرأي أمثال: دانييل، وس. جويتين، وأديسون، وتايلور، وجورج سيل( ) أدلتهم فيما ذهبوا إليه من استمداد الرسول صلى الله عليه وسلم من كتب أهل الكتاب:
استندوا إلى أمور زعموا أنها أدلة تؤيد آراءهم ومنها:
1- استشهادهم ببعض نصوص القرآن عن طريق الخطأ وسوء الفهم، فاستدلوا بقوله تعالى: ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﮊ [يونس: ٩٤].
فهموا منها خطأ أن محمداً أُمِر أن يسأل الذين يقرؤون الكتاب -وهو قد سألهم- فرسالته مستوحاة منهم( ).
واستدلوا بقول الله تعالى: ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [مريم: ٢٨].
يقول أحد المستشرقين: إن محمداً كان دارساً مبتدئاً للكتاب المقدس، فظن أن مريم أم عيسى هي مريم أخت هارون مع أن بين عيسى وهارون زمنا طويلا( ).
2- ادعاؤهم وجود تشابه بين القرآن والكتب المقدسة في بعض الأمور، يقول المستشرق س. د. جوتيين: ((وإن أمعان النظر في النصوص الدينية الموجودة في القرآن لَيَدُلُّ على التشابه المدهش بينها وبين الأدب اليهودي والمسيحي، ولا يمكن أن يفسر هذا إلا بالاتصالات الشخصية الطويلة والقريبة، وكذلك على مدى الأثر البعيد المدى الذي تركه النشاط التبشيري في الأدب العربي حتى قبل الإسلام))( ).
3- كما استدلوا بموقف العرب من الرسول صلى الله عليه وسلم وادعائهم أن رجلا رومياً كان يعمل حدادا بمكة قد علّم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، زعم ذلك كل من رودلف دلهلم، والفريد جيوم، وجوتيين، وعبارة الأخير: ((من النِّزاع الذي كان قائماً بين النبي وبين الذين رفضوا الإيمان برسالته إشارة إلى أن المصدر الأصلي لمعلومات محمد هو بعض رجال بني إسرائيل، كما هو واضح من أقوال أهل مكة))( ).
4- كما استدلوا بنفي أمية الرسول صلى الله عليه وسلم، لإثبات تلقيه القرآن من عند غيره ليتمكنوا بذلك من إنكار الوحي، فأقاموا شبهتهم هذه على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى العلم عن علماء أهل الكتاب، وأنه كان دارساً لكتابهم المقدس، حيث تم له الإتيان بالقرآن، ومن أجل هذا يعملون جاهدين على نفي الأمية عنه وإثبات التعلم له.
يقول الفريد جيوم: ((إنه كان تاجراً ولابد للتاجر أن يقيد حساباته))( ).
ويقول مونتغمري واط: ((إن الإسلام التقليدي يقول بأن محمدا لم يكن يقرأ ولا يكتب، لكن هذا الزعم مما يرتاب فيه الباحث الغربي الحديث؛ لأنه يقال لتأكيد الاعتقاد بأن إخراجه للقرآن كان معجزاً، وبالعكس لقد كان كثير من المكيين يقرؤون ويكتبون، ولذلك يفترض أن تاجراً ناجحاً لا بد أن يكون قد عرف شيئاً من هذه الفنون))( ).
إن معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين، أو من المتخرجين من كليات اللاهوت، ولذلك يحاولون رد الموضوعات الإسلامية إلى أصل نصراني، وقد أثبت هذه العلاقة الدكتور علي النملة، وأكدها بقوله: ((إن الارتباط الثقافي بين الاستشراق والتنصير لا يزال قائماً، وسيظل كذلك مهما جرت المحاولات لفك هذا الارتباط، إذ لا يزال هناك مستشرقون منصرون( )، وسيظل هناك منصرون مستشرقون))( ).
كما أن هناك طائفة من المستشرقين اليهود تحكمت فيهم الصهيونية يجهدون أنفسهم لرد كل ما هو إسلامي إلى أصل يهودي( ).
ولعل أولئك الذين ذهبوا إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استفاد من المصادر اليهودية والنصرانية، كان أغلبهم يدعي الإيمان بالرسالات، والإيمان بالوحي الإلهي، وأن الله يصطفي رسلاً من خلقه لتبليغ شرائعه، اعترفوا بذلك لأنبيائهم وأنكروا ظلماً وعدواناً لنبي الإسلام الخاتم صلى الله عليه وسلم( ).
رد المستشرقين على من زعم أن محمداً كان له معلمٌ من البشر:
إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن ممن رجع بنفسه إلى كتب العلم ودواوينه، وذلك باعتراف المستشرقين أنفسهم( )؛ لأنه ولد أمياً ونشأ أمياً وعاش أمياً، فما تلا يوماً من الأيام كتاباً في قرطاس ولا خطه بيمينه، كما أنه لم يكن له معلمٌ من قومه الأميين، ولا أحسب أن أحداً بحاجة إلى الاستدلال عليه بأكثر من اسم (الأمية) الشاهدة عليهم، بأنهم خرجوا من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون من أمر الدين شيئاً، وأكدته الجاهلية التي كانت أخص الألقاب بعصر العرب قبل الإسلام( ).
كما أنه لم يكن له معلم من غيرهم من اليهود والنصارى ممن نسب إلى العلم أو وسم به من الربانين والأحبار أو القسيسين والرهبان. ولو حصل شيء من ذلك لذكره التاريخ، ولما تورط خصومه في نسبة ذلك إلى حداد رومي بمكة.
وقد اعترف توماس كاريل بنفي تلك الأستاذية من أحد له بقوله: ((ثم علينا أن لا ننسى شيئاً وهو أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يتلق درساً عن أستاذ أبداً، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمداً عليه السلام لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلمه هو عيشة الصحراء وأحوالها. وعجيب والله أمية محمد صلى الله عليه وسلم، نعم إنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسر له أو يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه))( ).
ويشير إلى من علمه بقوله: ((الرجل العظيم الذي علمه الله العلم والحكمة)) ويقول أيضاً: ((وماكلَّمه إلا صوت صادق صادر من السموات العلى))( ).
إن هذه الاعترافات صدرت عن دراسة وعلم وإنصاف لخدمة الحقيقة، وتدل على جرأة الكاتب وشجاعته النادرة التي خالف فيها رجال دينه وبني جلدته الذين حادوا عن الحق وتجردوا عن الإنصاف فقالوا ما قالوا من تهم وإجحاف في نبي الإسلام.
يقول المستشرق الإنجليزي لايتنر: ((بقدر ما أعرف من دين اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد عليه السلام ليس اقتباساً، بل قد أوحي إليه من ربه، ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم.
وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية المصالح الذاتية، وأمانة المقصد. . من العلامات الظاهرة الدالة على نبوَّة محمد عليه السلام أنه قد أوحي إليه))( ).
ويقول هنري كاستري: ((ثبت إذن أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يقرأ كتاباً مقدساً، ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه))( ).
رد العلماء المسلمين بطلان القول بتلقيه عن الحداد الرومي:
أما القول بأنه صلى الله عليه وسلم تَلَقَّى القرآن عن الحدَّاد الرومي فقد ملَّ العرب المعاصرون لنُزول الوحي مِنْ ترداده، فكيف ممَّن يأتي بعدهم من المستشرقين أن يقول به دون حجة؟ ولقد كان ردّ القرآن في ذلك واضحاً جلياً.
قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [النحل: ١٠٣].
بطلان القول بتلقيه عن بحيرا:
وأما قولهم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم اتصل بـ (بحيرا) فأملى عليه معلومات، ثم لما رجع إلى مكة تبناها وزعم أنها من عند الله.
يقال لهم: إن لقاءه ذلك كان محدوداً وبحضور زعماء قريش، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر عاماً، فطبيعة اللقاء تنفي أن يكون قد حصل تعلم لمحمد عليه السلام من بحيرا؛ لأنه لقاء قصير عابر لا يكفى للدرس والتحصيل، وسن النبي إذ ذاك صغيرة لا تؤهِّله للتلقي، ولا توجد رواية تذكر ذلك التعليم، ثم إن اللقاء حضره عدد من رجال القافلة، فلم يذكروا شيئاً من ذلك، وقد كانوا أحرص الناس على إحباطها بعد إعلانها.
وتؤكد الروايات أن بحيرا رأى علامات النبوة على ذلك الفتى، وأخبر عمه أبا طالب بأنه سيكون له شأن عظيم، وأوصاه بالمحافظة عليه( )، فمن أين للمستشرقين القول بالأخذ عنه من التاريخ؟
وهل يعقل أن بحيرا كلم هذا الطفل بهذا الدين المتكامل الذي تعجز البشرية جمعاء أن تأتي بمثله؟ ولماذا اختياره من بين جهابذة الرجال أمثال أبي طالب وغيره؟ ثم لماذا لم يقم هو بنفسه بالتعليم والإصلاح والتوجيه؟ ولِمَ تأخَّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نشر ذلك الخير بعد تلقيه وسماعه من بحيرا أكثر من ثمان وعشرين سنة؟( ).
إنهم يعلمون الحقيقة ولكنهم يكابرون، فهذا الدين لو اجتمع أعظم مقنني العالم لعجزوا أن يأتوا بمثله، قال تعالى: ﮋﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [الإسراء: ٨٨].
إن كل هذه الروايات تؤكد أن دلائل نبوة محمد عليه السلام وعلاماتها كانت ظاهرة منذ صغره، حتى لاحظها الرهبان وغيرهم.
والله تعالى يقول: ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ [الأنعام: ٣٣].
بطلان دعوى التعلم عن ورقة:
إذا كان نفر من المستشرقين أمثال درمنغام ومونتغمري وغيرهما يدعيان ذلك، فإنه لم يثبت تاريخياً أن ورقة كان يدعو إلى النصرانية، وأن جميع الروايات الصحيحة أكدت عدم اتصال الرسول صلى الله عليه وسلم بورقة إلا بعد مجيء الوحي إليه، وعدم وجود أي صلة سابقة بين محمد عليه السلام وورقة، حتى إنَّ فكرة الاتصال به لم تطرأ على باله سعياً لإزالة الإشكال عن نفسه، بل كانت الفكرة من اقتراح خديجة، فلو كانت هناك صلة سابقة كما زعم (واط) من غير دليل؛ لتبادرت إلى ذهن الرسول لسؤاله عما حدث له( ).
ثم إن موقف ورقة من ذلك اللقاء كان موقف المستفسر لما حصل مع الرسول في غار حراء، فلما سمع ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم آمن به وشهد على صدقه، ووعده أنه سينصره نصراً مؤزراً، بعد أن أخبره أن قومه سيؤذونه ويخرجونه، ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحي( ). فمن أين لمحمد عليه السلام بعده تلك العلوم المتتابعة أكثر من عشرين سنة( )؟
فهذه دعوى مرفوضة من ناحية المنهج العلمي في إثبات الحقائق، ومن ناحية العقل في إدراك الوقائع.
بطلان دعوى الأخذ عن أهل الكتاب:
لم يكن بين يدي محمد عليه السلام توراة ولا إنجيل باللغة العربية ليأخذ عنهما؛ لأن الكتاب المقدس باللغة العربية لم يظهر إلا في القرن التاسع والعاشر، كما وضحه (لوبلوا)، وأكده الدكتور (جراف). ثم إن الشخص الوحيد الذي كان يعرف بعض المعلومات الكتابية الوثيقة في (مكة) كان ورقة ابن نوفل، وقد يتبادر إلى الأذهان أنه هو الذي علَّم محمدا القرآن، ولكن ورقة توفي قبل أن يُكَلَّف محمد صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة كما تقدم.
كما أن القرآن لم يظهر دفعة واحدة، إنما اكتمل بعد ثلاث وعشرين سنة معالجاً لأحداث حياتية، وحالات إنسانية، مجيباً عن تساؤلات، ومعلقاً على مواقف نبوية أو صحابية أو كتابية أو شركية لم تحصل إلا بعد وفاة ورقة بسنين، وقد سبق إبطال دعوى الأخذ عن ورقة.
ولو علم أهل مكة وجود اتصال مابين النبي صلى الله عليه وسلم وورقة، لكشفوه على الملأ، واتهموه في صدقه، ولكن ذلك لم يحدث، مما يدل على عدم وجود أية رابطة علمية بينهما( ).
يضاف إلى هذا أن اليهود كانوا يقطنون المناطق الخصبة ـ يثرب، وخيبر، واليمن ـ فاتصاله بهم كان نادراً أو منعدماً، ثم ما عسى أن يفيده اليهود الذين اشتهروا بكتم العلم ليغُرُّوا به الناس، ولاعتقادهم أنهم شعب الله المختار، ومع هذا فكانوا يترقبون خروج الرسول الخاتم من بينهم، حتى كانوا يستفتحون على العرب بذلك، قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ [البقرة: ٨٩].
وقد كان اليهود يتحدَّون الرسول بعدة أسئلة ويطلبون منه الإجابة عنها -لأنه لا يعلمها إلا نبي- ولو كانوا يعلمون أنهم قاموا بتعليمه لما تحدَّوه بذلك( ).
بل كشف النبي صلى الله عليه وسلم خياناتهم وتزويرهم وتحريفهم لكتبهم، ووصفهم بنقض العهود والمواثيق، وكتم العلم، مفنداً أغلاطهم بما جاء به في هذا الكتاب، وإليك نموذجاً من ذلك( ):
قال تعالى: ﮋ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [آل عمران: ٦٥].
وقال تعالى: ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [آل عمران: ٩٦].
كان ذلك جواباً عن قولهم قبلتنا قبل قبلتكم( ).
وقال تعالى: ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [آل عمران: ٩٣].
كان ذلك رداً على دعواهم أن الإبل كانت محرمة على يعقوب( ).
وقال تعالى: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [ق: ٣٨]. وهذا تكذيب لقولهم: إن الله بعد أن خلق الخلق في ستة أيام استراح في اليوم السابع( ).
فلم يكن علماء أهل الكتاب يبذلون العلم لطالبيه، بل كان حرصهم عليه أشد من حرصهم على حياتهم، حتى ضنوا به على أبنائهم استيفاء لرياستهم أو طمعاً في منصب النبوة الذي كانوا يستشرفون له.
وقد ذمهم الله بقوله: ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﮊ [البقرة: ٧٩].
فهل بعد هذا يصح أن يقال: إنّ هناك يداً علميةً كانت من أهل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!
أما الذين لقوه بعد النبوة فقد سمع منهم وسمعوا منه، لكنهم كانوا له سائلين وعنه آخذين، وكان هو لهم معلماً وواعظاً ومبشراً( ).
وأما الذين آمنوا به من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره فلا يعقل أن يعلموه وهم الذين أسلموا على يديه، وسلَّموا بنبوته، إذ كيف يسلم أولئك الأحبار دون أن يروا صدقه ويتحققوا من نبوته وهم علماء بالكتاب؟!( ).
ثالثاً: وصف الوحي بالظواهر النفسية وتوابعها:
يعنى هذا الصنف من تفسير الوحي بـ (الوحي النفسي) مع الاضطراب في تحديده ويعنون به: أن القرآن فيض من خاطر محمد صلى الله عليه وسلم أو انطباع لإلهامه، أي أنه ناتج عن تأملاته الشخصية، وخواطره الفكرية وسبحاته الروحية( ).
كيف صوروا الوحي النفسي؟ ومن أين استنبطوا ذلك التصور؟
قالوا إنهم استنبطوه من تاريخ محمد وحالته النفسية والعقلية، وحالة قومه ووطنه، وما تصوروا أنه استفاده من أسفاره وخلواته وتحنثه وتفكيره، من كل ذلك نبع الوحي النفسي.
وبيان ذلك: أنهم يقولون إن عقل محمد الهيولاني( ) قد أدرك بنوره الذاتي بطلان ما كان عليه قومه من عبادة الأصنام، وأن فطرته الزكية قد احتقرت ما كانوا يتنافسون فيه من جمع الأموال بالربا والقمار، وأن فقره وفقر عمه قد حال دون انغماسه فيما كانوا يسرفون فيه من الاستمتاع بالشهوات( )، فطال تفكيره في إنقاذهم من ذلك الشرك القبيح، وتطهيرهم من تلك الفواحش والمنكرات، فعكف على التأمل العميق فيما حوله من هذا الكون المحيط، منقطعاً إلى عبادة الله في غار حراء، حتى سما وجدانه واتسع محيط تفكيره، فاهتدى عقله الكبير إلى الآيات البينات في ملكوت السموات والأرض على وحدانية مبدع الوجود. . بما صار به أهلاً لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومازال يفكر ويتأمل وينفعل، حتى أيقن أنه هو النبي المنتظر الذي يبعثه الله لهداية البشر، فتجلى له هذا الاعتقاد في الرؤى المنامية، ثم قوي حتى صار يتمثل له الملك يلقنه الوحي في اليقظة( ).
وقد اضطربوا في تحديد حالة النبي صلى الله عليه وسلم النفسية التي صدر عنها القرآن، فاختلفوا في ذلك إلى أقوال متباينة( ) يمكن إجمالها في الآتي:
1- الإلهام السمعي.
2- الانفعالات العاطفية.
3- التنويم الذاتي.
4- التجربة الذهنية.
5- حالة الكهنة والمنجمين.
6- حالة الصدع والهستيريا.
7- حالة شعر أو جنون أو أضغاث أحلام.
أقوال المستشرقين في تبنِّي هذا الرأي وعرضه:
ممن ذهب إلى القول بالوحي النفسي من المستشرقين: درمنغام جب، وجولد زيهر، وجوستاف لوبون، ومونتغمري واط، وغيرهم( ).
يقول واط: ((ولا يلزم من صدق الإنسان أن يكون مصيباً فيما يقول، بل يمكن أن يكون صادقاً ومع ذلك مخطئاً، إذن محمد صلى الله عليه وسلم مخطئ في ظنه أن القرآن وحي يأتيه من الخارج بوساطة ملك، وإذن فالقرآن صدر من جهة من جهات نفسه، وتلك الجهة اللاشعور الجماعي))( ).
يقول جوستاف لوبون: ((ويجب عدُّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كأكبر مؤسسي الديانات...))( ).
كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
ويقول جولد زيهر: ((ففي العصر المكي جاءت المواعظ التي قدَّم بها محمد الصورة التي أوجبتها إليه حميته الملتهبة في شكل وهمي خيالي حاد تلقائي ذاتي...))( ).
والمستشرق درمنغام ذهب يصور الحالة النفسية للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء تحنثه في غار حراء، والانطباعات النفسية التي تركتها مشاهداته وتأملاته، إلى أن قال: ((فلما كانت سنة 610م كانت الحالة النفسية التي يعانيها محمد صلى الله عليه وسلم على أشدها. . . ووجد في وحدة غار حراء مسرة تزداد كل يوم عمقاً. ..))( ).
يريد درمنغام أن يقرر أن القرآن فيض وجدان محمد صلى الله عليه وسلم وصورة من انطباع نفسه مما كان يدور حوله وأمام عينيه، والوحي في رأي هذا المستشرق ليس إلا وحياً من داخل نفس الرسول لا من مصدر خارجي، أي من العقل الباطن، لا من رب العالمين( ).
فأنزل النبوة منْزلة الهلوسة وحديث النفس؛ مردداً كلام الفيلسوف (أرسطو) الذي لا يؤمن بإله ولا نبوة، وكان يعتقد أن الجسد سجن النفس، وأن أي إنسان إذا أجاع الجسد أو أمرضه، انطلقَتْ نفسه، وعنها تتصل بالعالم العلوي فتسمع أصواتاً وترى أشباحاً. . . هذه هي نظرية النبوة عند الإغريق، والمستشرق تبنى هذه الأفكار وأسقطها( ) على محمد صلى الله عليه وسلم( ).
وفي تفسير الوحي بتأثير الانفعالات العاطفية كما يزعم ذلك نولدكه حيث يقول: ((كانت نبوة محمد نابعة من الخيالات المنهجية والإلهامات المباشرة للحس، أكثر من أن تأتي من التفكير النابع من العقل الناضج))، ففسر (واط) ظاهرة الوحي تارة بسبب تأثير النوبات الانفعالية الطاغية التي كانت تسيطر عليه، كما فسَّرها بظاهرة التنويم الذاتي، والتي وصفها بالسبات الطبيعي الذي يعتري المرء( ).
كما يزعم (بل) و (واط) بأن الوحي عبارة عن تجربة ذهنية فكرية أدرك منها النبي صلى الله عليه وسلم ما أدرك نتيجة قدرته على التركيز على مستوى تجريدي لا يطيقه غيره، فكان يختار ساعات الليل لصفائها( ).
إن المستشرقين كلما وضعوا أيديهم على رأي لم يطيقوا أن يثبتوا عليه طويلاً؛ لأنه لم يحقق لهم ما يريدون، فهم غير مطمئنين إلى رأي صالح يرضونه من بين آرائهم. لذلك يدلون بكل الفروض والتقارير التي يرون أنها تثير غباراً أو تزرع أشواكاً في طريق السائر إلى الهدى.
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما فسروا ظاهرة الوحي بأنها حالة صرع كانت تصيب محمداً، فيغيب عن الناس وعمَّا حوله، ويظل ملقى بين الجبال لمدة طويلة يسمع له غطيط كغطيط النائم، حتى قال نولدكه: ((إن سبب الوحي النازل على محمد والدعوة التي قام بها هو ما كان ينتابه من داء الصرع))( ).
ويقول جوستاف فيل في كتابه عن محمد النبي: ((إن ما كان ينتاب الرسول مما يشبه الحمى، وما كان يسمعه من صوت كصلصلة الجرس ليس وحياً، وإنما هو نوبات صرع واضطرابات عصبية))( ).
ويقول المستشرق أليوس سيرتجر عن حياة محمد وتعاليمه: ((إن محمداً كان مصاباً بالصرع والهستيريا معاً))( ).
دفع المستشرقين لآراء (الوحي النفسي ولوازمه):
إن الوقوف على حالة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وما كان يتمتع به من صدق وأمانة ليؤكد بطلان مزاعم المستشرقين في أنه جاء بالقرآن من وحي نفسه، وهذا ما أكده بعض المستشرقين أنفسهم، يقول المستشرق لوازون: ((إن محمداً بلا التباس ولا نكران كان من النبيين والصديقين، وهو رسول الله القادر على كل شيء...))( ).
ويقول المستشرق إداورد مونتيه صاحب الفكر المستقل متحدياً بني جنسه، نافياً عن الرسول صلى الله عليه وسلم الوحي النفسي، والانفعالات، والتنويم، وحالات الصرع، ومثبتاً الوحي الصحيح والرؤيا السليمة والإلهام الصادق: ((كان محمد نبياً صادقاً كما كان أنبياء بني إسرائيل في القديم، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه، وكانت العقيدة الدينية وفكرة وجود الألوهية متمكنتين فيه كما كانتا متمكنتين في أولئك الأنبياء أسلافه....))( ).
وفي نفي تهمة الانفعال العاطفي، والنوبات، والتنويم الذاتي وحالة الصرع والهستيريا عنه، يقول المستشرق الفرنسي ماسينيون: ((إن محمداً كان على تمام الاعتدال في مزاجه))( ). ويقول ماكس: ((لقد أراد بعضهم أن يرى في محمد رجلاً مصاباً بمرض عصبي، ولكن تاريخ حياته من أوله إلى آخره ليس فيه شيء يدل على هذا، كما أن ما جاء به فيما بعد من أمور التشريع والإدارة يناقض هذا القول))( ).
ويقول بلاتونوف: ((وغاية مانقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض))( ).
فهذه أقوال وردود بعض من وصف ببعض الإنصاف -ولو في هذه القضية-من بني أولئك القوم، قالوا بها بعد أن ضاقوا ذرعاً بالأكاذيب والاتهامات التي وجهت إلى الحقائق الإسلامية الناصعة؛ لتـزييفها وإسقاط منْزلتها بين الناس.
رد العلماء المسلمين هذا الصنف من الآراء:
لما عجزت عقول المستشرقين ومختبراتهم العلمية أن توصلهم إلى كنه ظاهرة الوحي( ) وحقائقه، أصبحوا يروّجون ـ باسم البحث العلمي ـ لما يعرف بالوحي النفسي، زاعمين أنهم جاؤوا برأي علمي جديد، وما هو بجديد بل هو الرأي الجاهلي القديم لا يختلف عنه، صوروا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ذو خيال واسع وإحساس عميق فهو إذاً شاعر، ثم قالوا: إنّ وجدانه يطغى كثيراً على حواسه حتى يخيل إليه أنه يرى ويسمع شخصاً يكلمه، وما ذاك الذي يراه ويسمعه إلا صورة أخيلته فهو إذاً الجنون أو أضغاث أحلام( ).
إن دعوى المستشرقين هذه في الوحي النفسي تشاكل دعوى المشركين في اتهامهم الرسول بالجنون؛ لأن المشركين زعموا أن بعض الجن يتراءى له فيوهمه أنه رسول( )، والمستشرقون لم يبعدوا النجعة عن قولهم، والظاهر أنهم قد ولّدوا رأيهم من رأيهم ولم يختلفوا عنهم بشيء، فهؤلاء عبّروا حسب مفاهيمهم بـ(الوحي النفسي والرؤى والخيالات)، وأولئك عبروا وفق مفاهيمهم أيضاً بـ(الجن والشياطين) وكانوا يسمون التابع من الجن (رَئِيًّا)، وقد ألزمهم الله الحجة( ) بقوله تعالى: ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ * ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ * ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﮊ [الشعراء: ٢١٠– ٢١٢].
إن الأدلة النقلية والعقلية أكدت انتفاء أن يكون الوحي من داخل نفس محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأعراض الوحي الظاهرة عليه، والتي لا دخل له بها تؤكد أن الوحي خارج عن ذاته، ولو كان الأمر كذلك لكانت طوع بنانه، يأتي بشيء جديد من الوحي في أي وقت يشاء بهذه الطريقة، والكل يعلم أنه كان يمر بظروف معينة أحوج ما يكون فيها إلى شيء من الوحي( ) فلا يأتيه( ).
فمن الأدلة النقلية: قوله تعالى: ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ  ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ [النجم: ٣ – ٤].
وقوله تعالى: ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﮊ [النساء: ١٦٣].
وقد وصف بنفسه صلى الله عليه وسلم كيفية إتيان الوحي إليه عندما سأله الحارث بن هشام قال: ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول...))( ).
وكما باينت حالة الوحي: (الوحي النفسي)، باينت كذلك (حالة النائم)، في كل أوضاعها وأوقاتها وأشكالها؛ لأنه كانت تعتريه قائماً أو قاعداً أو سائراً أو راكباً ليلاً أو نهاراً، فالنبوة لا تخضع لمثل هذه الدراسات لأنها ليست كسبية، وليست نتيجة فيضان نفسي، والإنسان مهما ركز بكامل قواه العقلية لا يمكن أن يصبح نبياً ولا يصل إلى مرتبة النبوة؛ لأنها لا تتحقق نتيجة إجهاد ذهن، أو طول تفكير، في ساعات الليل لصفائها( )، فهي اصطفاء واجتباء من الله تعالى، قال تعالى: ﮋﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ [الحج: ٧٥] فلم تكن أمراً توقعه محمد صلى الله عليه وسلم ولا رجاه، ولو كان كذلك لما خاف على نفسه لما رأى الملك أول مرة فعاد إلى زوجه؛ ليجد منها التطمين والتهدئة، بل صرح القرآن بأنه لم يرج هذا ولم يؤمله، قال تعالى: ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﮊ [القصص: ٨٦].
وأما ما قالوه عنه من نوبات أو انفعالات أو غيرها: فيردُّه النظر في سيرته، فقد عاش طوال حياته في صحة نفسية، وعصبية، وعقلية جيدة، لم يطرأ عليه أي خلل في عقله أو أعصابه، بل كان كمال عقله مضرب الأمثال.
يقول عبد الكريم الخطيب: ((أمجنون مصروع يبني دولة، وينشئ نظاماً، ويقيم ديناً، ويعيش في أجيال الناس، منذ قام إلى اليوم دون أن يصاب بنكسة أو خلل))( ).
ذلك أن صاحب الصرع الذي زعموه تصيبه نوبات فلا تذر عنده أي ذكر لما مر به أثناءها، بل ينسى هذه الفترة من حياته بعد إفاقته من نوبته نسياناً تاماً، ولا يذكر شيئا مما صنع أو حلّ به خلالها، مما يؤكد أن الوحي رباني المنشأ، ملائكي النقل، بشري التبليغ. فالوحي أمر غيـبي آت من جهة غير إنسانية، خارجٌ عن مجال إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه واجتهاده، بل كان مبلغاً إياه بكل أمانة وصدق عن رب العالمين.
رابعاً: تفسيرات الوحي بالتفسيرات المادية
لم يفلح أصحاب الفكر المادي في استيعاب النبوة وفهمها حق الفهم؛ لأن الفهم يتطلب تجرداً من الميول المختلفة والقناعات السابقة، مع تطبيق منهج يستعد الباحث لقبول نتائجه أياً كانت، والماديون تصوروا أن الأنبياء (انبعثوا) ولم (يبعثوا) بتأثير وضغط الحاجة الفكرية والنفسية والاقتصادية التي عاناها أفراد مجتمعاتهم، وقد كان أولئك الأنبياء مرهفي الإحساس، شديدي الذكاء، قادرين على استغلال تلك الحاجة في النفوس بتحريك أصحابها وقيادتهم.
ويرون أن دعوة الأنبياء جاءت نتيجة عاطفتهم الإنسانية أو ميلهم نحو الإصلاح.
يقول توماس كارليل أثناء مدحه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم : ((القرآن لو تبصرون ما هو إلا جمرات ذاكيات قذفت بها نفس رجل كبير السن بعد أن أوقدتها الأفكار الطوال في الخلوات الصامتات، وكانت الخواطر تتراكم عليه بأسرع من لمح البصر وتتزاحم في صدره)) إلى أن يقول: ((وقد أتخيل روح محمد الحادة النارية، وهي تتململ طول الليل الساهر يطفو بها الوجد ويرسب، وتدور بها دوامات الفكر، حتى إذا أسفرت لها بارقة رأي حسبته نوراً هبط عليها من السماء وكل عزم مقدس يهم به يخاله جبريل ووحيه))( ).
كما يفسرون النبوة بالاستجابات الخلاقة في النفوس الإنسانية.
ولا شك أن هناك فروقاً واضحة بين الأنبياء والمصلحين: فالنبي: إنسان حر من بني آدم أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه، فهم جاؤوا بأفكار جديدة تخالف ما كان عليه ثقافة أقوامهم، وأتوا بقيم أخلاقية واجتماعية غير متأثرة بما كانت عليه أممهم، مما يدل على ربانية ما جاؤوا به من علم أو كتاب.
ولقد ظهر لكل منصف أن ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعائر العبادية والقيم الأخلاقية، وقواعد السلوك لم يكن نابعاً من بيئته، بل كان غريباً عن ثقافتهم مبايناً لأعرافهم، كما قرره جعفر بن أبي طالب، أمام ملك الحبشة، مظهراً المفارقة بين مظاهر الواقع، ومعطيات الوحي، قال: ((كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار. . . حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه. . . فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده...))( ).
فوصف لنا الحالة التي كانوا يعيشونها، ثم بَيَّنَ صفات النبي الموحى إليه، ثم بين ما أمرهم به مما يخالف ما كانوا عليه، وما نهاهم عنه من الأوزار، ثم عدد أمور الإسلام الأخرى.
فدل هذا على أن الوحي يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قِبَلِ الله؛ لإعادة الناس إلى فطرهم الأصلية التي انصرفوا عنها بفعل عوامل كثيرة اقترفوها مع عامل الزمن.
كما يرى الماديون أنّ الوحي عبارة عن حدس، وتارة هو عبارة عن إشراق، ويرون مناقضته للوعي.
لا شك أن الوحي يختلف عن هذه الأمور التي وصفوه بها، فقد زعم برجسون أن الحدس هو الوسيلة الوحيدة لإدراك الحقيقة، وادعوا أنه أرقى أنواع المعرفة، وهذا الزعم تكذبه الآيات القرآنية التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، وكثير من الأحاديث بينت اتصال الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي كما قال عن نفسه: ((وإنما الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي))( ).
وإذا كان الإشراق يتم فيه تحويل الأفكار بين إنسان وآخر، بمعنى أن الدراسات أكدت أن الإشراق يتم بين شخصين، في حين أن الوحي يقع بين ملك وإنسان اختاره الله لتبليغ رسالته، فالوحي يختلف عن الإشراق، كما يختلف عن الحدس وهو لا يناقض الوعي كما ادعاه الماديون، الذين استخدموا خيالهم في إنكار الوحي، ونفي النبوة عن الأنبياء عموماً وعن النبي الخاتم خصوصاً، لكن بعد شنشنة طويلة أظهر الله الحق من بين فلتات لسانهم حتى لا يشتبه الحق بباطل الناس وشكوكهم.
وبعد استعراض هذه الآراء ومناقشتها يتبين اتفاق غالب المستشرقين على هدف واحد، هو الوصول إلى ما يؤيد اعتقادهم بأن الإسلام دين بشرى من صنع عبقرية فردية أو ظروف اجتماعية أو اقتصادية، كل ذلك لرفض حدوث الوحي وبث الشبهات حوله.

الخاتمـــــة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
بعد هذا التطواف بين كتب المستشرقين واستقراء آرائهم حول (مفهوم الوحي) تبين الوصول إلى النتائج الآتية:
1) إن موضوع الوحي من أوسع الموضوعات التي تناولها المفكرون المسلمون بالبحث والدراسة وأدقها كما تناولها فريق كبير من المستشرقين في أبحاثهم.
2) الوحي أمر غيـبي آتٍ من جهة غير إنسانية، خارجٌ عن مجال إرادة الرسول وعلمه واجتهاده.
3) هناك تلازم بين الوحي والنبوة، فإثبات أحدهما هو إثبات للآخر؛ لأن الوحي من أخص خصائص النبوة.
4) ظهر الإخلال العلمي في معظم كتابات المستشرقين حول مفهوم الوحي، وتمثل ذلك في تشويه الحقائق وتزييفها، وغياب الأمانة العلمية، ببتر النصوص تارة، وبوضعها في غير مواضعها تارة أخرى، مع تحميلها ما لا تحتمل.
5) إن جمهرة المستشرقين لا ينكرون ظاهرة الوحي في الواقع الإنساني، إنما يثبتونها لأنبياء التوراة والإنجيل وينكرونها تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعصباً، فيفرقون بين متساويين.
6) إن معظم من وصف الرسول بالقيادة والعبقرية والإصلاح والذكاء، سعى إلى ذلك لقصره على البشرية، ونفي نزول الوحي عليه.
7) ينبغي الحذر والحيطة من الأقوال التي اشتهرت بالإنصاف والاعتدال؛ لأن أهلها يكتبون عن دين لا يدينون به، أمَّا التي عُرِفت بالتعصب والانحراف فلم يصبح لها وزن ولا قيمة، حتى لدى المنصفين منهم.
8) اضطراب آراء المستشرقين حول الوحي يدل على عدم اطمئنانهم إلى رأي مناسب يرضونه من بينها، يفزعون إلى رأي فيرونه أبعد عن مقصدهم فيفزعون إلى غيره فيرونه ليس أمثل من سابقه، وهكذا لا يستقرون على حال.
9) تضمنت الدراسة عرض أكثر من ثلاثين رأياً حول (مفهوم الوحي) تم تصنيفها إلى أربعة أصناف، تحت كل صنف مجموعة من الآراء:
1- إبطال الوحي ونفي الرسالة عن الرسول الخاتم بدعوى تكذيبه والادعاء بأنه افترى القرآن من عند نفسه.
2- إنكار الوحي واتهام الرسول بأنه تلقى القرآن من عند غيره.
3- وصف الوحي بأنه ظواهر نفسية انفعالية عاطفية مرضية هستيرية.
4- اللجوء إلى مناهج متعددة في دراسة ظواهره، أو تفسيره بالتفسيرات المادية، وباستعراض هذه الآراء يتبين اتفاقهم على هدف واحد، وهو: الوصول إلى ما يؤيد اعتقادهم بأن الإسلام دين بشرى من صنع عبقرية فردية أو ظروف اجتماعية واقتصادية، كل ذلك لرفض حدوث الوحي وبث الشبهات حوله.

المصادر والمراجع
1. آراء المستشرقين حول القرآن الكريم دراسة ونقد، عمر بن إبراهيم رضوان، دار طيبة، الرياض، 1413ﻫ.
2. الأدلة على صدق النبوة المحمدية ورد الشبهات عنها، هدى
عبد الكريم مرعي، عمان، دار الفرقان، ط 1411ﻫ.
3. الاستشراق: أهدافه ووسائله، محمد فتح الله الزيادي، دار قتيبة، ط1426ﻫ.
4. الإسلام في مواجهة الاستشراق، عبد العظيم المصطفى، المنصورة، دار الوفاء.
5. الإسلام والمستشرقون، عبد الجليل شلبي، القاهرة، دار الشعب، ط سنة 1977م.
6. الإسلام والمستشرقون، نخبة من العلماء المسلمين، عالم المعرفة، جدة، ط1، سنة 1405ﻫ.
7. أصول علم النفس، أحمد عزت راجح، القاهرة، دار الكتاب العربي، ط7 1968م.
8. أضواء على مواقف المستشرقين والمبشرين، شوقي أبو خليل، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس، الجماهيرية الليبية، ط1، 1984م.
9. افتراءات المستشرقين على الإسلام عرض ونقد، عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413ﻫ.
10. افتراءات المستشرقين على الإسلام والرد عليها، يحيى مراد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1425ﻫ.
11. افتراءات المستشرقين على الإسلام والرد عليها، محمد علي، بيروت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1425ﻫ.
12. الباحث، مجلة فكرية سنة12عدد 3 سنة 1993م مقال ((كيف نزل القرآن؟)) محمود الخالدي.
13. تاريخ الشعوب الإسلامية، كارل بروكلمان، ترجمة نبيه أمين فارس، ومنير البعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، ط5، 1968 م.
14. التبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي، القاهرة، المطابع الأميرية، 1397ﻫ.
15. حضارة العرب، غوستاف لوبون، دارإحياء التراث العربي، بيروت، ط3، سنة 1979م.
16. دائرة المعارف الإسلامية، في بحث التعريف بكلمة (الله) قدمه المستشرق ماكدونالد، ترجمة محمد الفندي، مصورة عن طبعة عام 1933م.
17. الدراسات الاستشراقية في ضوء العقيدة الإسلامية، زيد أحمد العبلان، رسالة علمية غير منشورة، نوقشت في كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1406ﻫ.
18. رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد غراب، لندن، المنتدى الإسلامي، ط1 سنة 1411ﻫ.
19. الرسول في الدراسات الاستشراقية، محمد شريف الشيباني، دار الحضارة، بيروت.
20. الرسول في كتابات المستشرقين، نذير حمدان، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة.
21. سيرة ابن هشام، تحقيق محمد عبد الحميد، مصر، المكتبة التجارية الكبرى.
22. صحيح ابن خزيمة، للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، طبعة 1400ﻫ.
23. صحيح الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، الرياض، دار السلام، ط1، 1417ﻫ.
24. صحيح الإمام مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، الرياض، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
25. العقيدة والشريعة في الإسلام، جولد زيهر، ترجمة محمد يوسف وآخرين مصر، دار الكتب، ط2.
26. العقيدة والشريعة، جولد زيهر، مصر، دار الكتب الحديثة، ط1.
27. علوم القرآن، عدنان زرزور، المكتب الإسلامي، دمشق، 1980م.
28. القاموس المحيط، الفيروزابادي، بيروت، دار الجيل، د. ت.
29. القرآن والمستشرقون، محمد دروزة، المكتب الإسلامي، بيروت.
30. لسان العرب، محمد بن منظور الإفريقي، طبعة1، بولاق، 1302ﻫ.
31. الـمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن عطية الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413ﻫ.
32. محمد في مكة، مونتغمري واط، تعريب شعبان بركات، بيروت، المكتبة المصرية 1952م.
33. مدخل إلى القرآن، ريتشارد بل، ومونتغمري واط، جامعة أدنبره، 1977م.
34. المستشرقون بين الإنصاف والعصبية، محمد علوي المالكي، جدة، مطابع سحر، ط 1402ﻫ.
35. المستشرقون والإسلام، نخبة من العلماء، عالم المعرفة، جدة، ط1، سنة 1405ﻫ.
36. المستشرقون والتنصير، علي إبراهيم النملة، الرياض, مكتبة التوبة، ط1، سنة 1418ﻫ.
37. المستشرقون والدراسات القرآنية، محمد حسين الصغير، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط1، 1403 ﻫ.
38. المستشرقون والقرآن الكريم، محمد أمين حسن محمد بني عامر، أربد، الأردن، دار الأمل للنشر، ط 2003م.
39. المستشرق نيكولسون ومفترياته على الإسلام، الجيلي محمد الكباشي، رسالة علمية غير منشورة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
40. مصادر المعلومات عن الاستشراق والمستشرقين استقراء المصادر، علي إبراهيم النملة، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، سلسلة 12، 1414ﻫ.
41. معالم تاريخ الإنسانية، المستشرق ﻫ.ج. ويلز، ترجمة عبد العزيز جاويد، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، ط3، 1967م.
42. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، ط2، 1401ﻫ.
43. مفردات ألفاظ القرآن، العلامة الراغب الأصفهاني، دار القلم والدار الشامية، دمشق وبيروت، ط1، 1412ﻫ.
44. مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، مجموعة من الباحثين، الرياض، مكتب التربية العربية لدول الخليج طبعة 1405ﻫ.
45. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، طبعة دار الفكر، د.ت.
46. النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز، تحقيق عبد الحميد الدخاخني، الإسكندرية، دار المرابطين، ط1، سنة 1417ﻫ.
47. النبوة في ضوء العلم والعقل, محمد رشدي عبيد، العراق, مكتبة تموز، ط1، سنة 1986م.
48. نبوة محمد في الفكر الاستشراقي المعاصر، لخضر شايب، الرياض، م العبيكان، ط1، 1422ﻫ.
49. نور اليقين، الخضري، القاهرة، المطبعة الأزهرية، طبعة 1966م.
50. الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده, محمود ماضي، الإسكندرية، دار الدعوة، ط1، سنة 1416ﻫ.
51. وحي الله حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة، نقض مزاعم المستشرقين، حسن ضياء الدين عتر، دعوة الحق، مكة المكرمة، عدد28، 1404ﻫ.
52. الوحي المحمدي أنواع الوحي وآراء المستشرقين، عبد الجليل شلبي، بحث مطبوع ضمن بحوث المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية الشريفة، تحت رعاية الأزهر، ص (186-205).
53. الوحي المحمدي، محمد رشيد رضا، مؤسسة عز الدين، بيروت، ط2، 1352ﻫ.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك