ثقافتنا بين القومية والإنسانية

الحضارة فعل إنساني يقوم على مختلف ما يبديه الإنسان من نشاط ثقافي. فالثقافة بمختلف فروعها، هي مجموع الحضارة، فهي التي تحيل النظريات المجردة إلى واقع يلمسه التاريخ حين يتناول الحضارة بالدروس : النظريات الهندسية تتحول إلى جسور ومشاريع، والنظريات الفلسفية تتحول إلى نظم وقوانين تعطي المعنى الحقيقي لحرية البشر وسلوكهم، والنظريات العلمية تتحول إلى مخترعات، وهكذا. هذه التطبيقات الناشئة عن النظريات، يتناولها المؤرخ لحضارة ما، على أساس أنها وثيقة تشهد بالدور الذي لعبته هذه الحضارة في إطار الحضارة الإنسانية الشاملة. وإذن، فالثقافة عنصر هام في بناء الحضارة بشكليها : العام والخاص.
والواقع أنه منذ بدء التاريخ، والحضارات تتعاور عليها الأمم المختلفة : حضارة الصين، حضارة مصر القديمة، حضارة اليونان، حضارة الرومان، حضارة العرب، حضارة العالم المتمدن. وما دامت الحضارة فعل إنساني، فهي حق مشاع بين جميع الشعوب والأمم، وعلى هذا الأساس، لا نستطيع أن نحكم بجزم أن هذا الشعب دون المستوى الحضاري للآخر، فهذا شيء لم يحدث مطلقا في التاريخ، إذا أن كل شعوب الأرض ساهمت على قدر إمكانياتها في التنمية الحضارية العامة. والذي حدث أن شعبا سبق آخر في هذا العمل، وحينما اضمحلت حضارته، سلمها بطواعية وبتلقائية للآخر، حيث أضاف إليها الكثير وطبعها بخصوصياته.
ويمكن أن نجد بعض الشعوب الملونة قد تأخرت عن أن تسهم في بناء الحضارة، وذلك يرجع إلى ظروف تاريخية قاسية، عاشتها هذه الشعوب، هذه الظروف عاقت ذكائها ومفاهيمها للحضارة عن التفتح. والآن، وبعدما أتيح لها الانطلاق، فإنها لم تتقاعس عن تحمل دورها في معركة البناء.
والعرب كغيرهم قد أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية، وكان هذا الإسهام محل نقاش عنيف بين كثير من الأجانب الذين كتبوا عن هذه الحضارة، فهناك من يحاول إثبات حضارة إسلامية، لأن مختلف الأقليات التي انصهرت في الأكثرية العربية، حملت معها مفاهيمها الحضارية، وإمكانياتها الذكائية، وأفرغتها في القالب العام للتاريخ الإسلامي، هذا الفرق أكثره من المستشرقين، فبعضهم اقتنع بالفكرة لإيغاله في مسيحية متعصبة(1) وبعضهم الآخر، أخذ بنفس الفكرة، ليسير في دراسته على مقتضى منهاج، وذلك أن الحضارة الإسلامية متشابكة في مظهرها الفارسي والعربي والرومي والتركي، فهناك كثير من المؤلفين القدامى تركوا تراثا ازدواجيا، أي أنهم كتبوا بالعربية وبلغتهم الأصلية، كالخيام صاحب الرباعيات مثلا. وهناك مسائل معقدة في الحضارة الإسلامية، لا يمكن أن تدرس إلا عند شعبين، فنحن عند دراستنا للصوفية، لابد أن ندرسها في وجهها الفارسي والعربي، بل والتركي أحيانا، إذا أردنا دراسة صوفي كجلال الدين الرومي. وهناك قضية التاريخ العثماني الذي كتب باللغتين : العربية والتركية، إذ أن بعض متقدمي مؤرخي الدولة العثمانية من الأتراك، كتبوا تاريخ دولتهم بلغتين، وخصوصا أولئك الذين تأثروا بمقدمة ابن خلدون : كحاجي خليفة 1609-1657. صاحب كشف الظنون. وهناك مثلا التراث الفلسفي العربي، الذي بقي بين أيدي (الموريسك) حال سقوط الحضارة الإسلامية في الأندلس، هذا التراث ترجمه اليهود إلى العبرية، خوفا عليه من اسبانيا المسيحية، عدوة الفكرالعربي الإسلامي آنذاك. فلقراءة هذا التراث، لابد من تعلم العبرية. والعربية نفسها نتاج القريحة السامية، فلتعلمها، لابد من ثقافة سامية ضليعة، وهكذا، فالحضارة الإسلامية مرتبطة قبليا بالساميات، وارتباطا بعديا بحضارة الأقليات التي انصهرت فيها.
والخلاصة أن هذا الفريق الثاني من المستشرقين ارتأى أن يطلق تعبير الحضارة الإسلامية، كما فعل أدام ميتز، في كتابه : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع، وديمومبين، في كتابه : النظم الإسلامية، ودي بور، في كتابه : تاريخ الفلسفة في الإسلام، وغيرهم(2) ليشمل ذلك تاريخ جميع الشعوب التي عاشت في كنف الإسلام، ولهذا فحين يطلق تعبير الدراسات الإسلامية، يهدف ذلك إلى تاريخ حضارة الشعوب التي عاشت مع الإسلام مؤثرا فيها، أو قبله مؤثرة فيه.
والواقع أن هناك طائفة من العرب المسلمين تروقهم هذه الفكرة، لأنهم يعتقدون أن شفاء مضمونا من هذا التردي، هو في وحدة إسلامية شاملة، وهذا يتمشى مع منطقهم العام. كما أن الشعوب المسلمة غير العربية، تعطف على هذا الاتجاه. ومن المهم أن نشير هنا إلى كتابات صهيونية متأخرة في هذا المضمار، نفت نفيا باتا أن هناك حضارة عربية، فقد ظهر في فرنسا قبل سبع سنوات، كتاب ليهودي فرنسي، تحت عنوان : دولة إسرائيل، والبلدان العربية. سار فيه مؤلفه في هذا الاتجاه. ولم يكن السير في هذا الاتجاه بالنسبة إلى اليهود إخلاصا في تقرير حقيقة تاريخية، ولكنه اتجاه قصد منه طمس معالم الدور الذي أسهم به العرب في بناء الحضارة العامة، فهم يهدفون بنتائج هذا الاتجاه إلى توسيع شقة الخلافة وبث الحقد الأعمى في القلوب.
وهناك فئة من المتأخرين العرب، ممن اقتنعوا بدسائس أولائك وهؤلاء، قامت تؤطر تفكيرها وتحاول تعميمه، هذه الفئة، تبنت اتجاه الحضارة العربية، فكانت كل أعمالها الإنتاجية تنعكس على هذا الإطار فقد بدأنا نرى كتبا تتناول الماضي على انه ماض عربي بحث، وذلك ككتاب (تاريخ الفلسفة العربية) لحنا الفاخوري وخليل الجر، وكتاب : (معالم الفكر العربي في العصر الوسيط) لكمال اليازجي، وكتاب (تاريخ العرب) لفيليب حتى وجرجي جبور.
والحق أن العرب برزوا في تاريخ الحضارة العام بروزا منقطع النظير، ولا مجال هنا لإظهار ذلك البروز في جميع مرافق الحضارة حتى اللغوية منها، إنما المهم أن نذكر هنا أن الفرس والروم والقبط والسريان والترك، وكل الأجناس التي عاشت مع العرب، أنتجت إنتاجا حضاريا بأدوات عربية محض : الفكر واللغة، أما مادتهم الخام تلك المتأثرة بمحليتهم، والتي تتجلى في الميراث المنحدر إليهم عبر أجدادهم، فقد بدأت تفقد خاصياتها كلما ازدادوا اقتناعا بسلطة الفكر واللغة العربيين.
إن هذه الفئة التي تجد من أجل إبراز دور العرب في الحضارة، قد ركزت جانبا مهما من قواها في البحث عن الماضي، باعتبار أنه يولد في الجيل الحاضر حاسة الاقتناع بالدور الحضاري الذي لعبته أمته، ومن ثم يكون وجوده استمرارا لذلك الدور. على أنها لم تهمل الجانب البعدي في حركتها، ولكي تجعل هذه الحركة في انسجام مع النزعات الحالية، وعلى الخصوص منها تلك النزعات التي تخدم المجتمعات المتخلفة، كالاشتراكية في صورتها المعتدلة، أو التي تخدم الفكر في مفهومه الفلسفي البحث، كالوجودية في دعوتها الإنسانية للحرية وتحقيق الذات عن طريق الاختيار الحر الواعي. ولهذا جاءت الدعوة العربية اليوم، مجموعة من آراء وأفكار قبلية وبعدية، اتحدت لتضع الأسس لبناء حضاري جديد، كل هذا، ليستطيع الفكر العربي اليوم، ان يؤكد استمرارية عطائه وخصوبته. ولكي نبين هذا، ينبغي أن نشير إلى الموجة الجديدة التي تكتسح دعاة الحضارة العربية اليوم : فهي (شوفينية)(3) من ناحية الاعتزاز بالجنس وبالماضي، واشتراكية من ناحية أهدافها الاجتماعية والسياسية، ووجودية من ناحية منهاج تفكيرها وتقييمها للإنسان : إننا نجد اتجاها وجوديا في الإنتاج الذي تطلع به علينا مجلة الآداب البيروتية، كما أننا بدأنا نطالع لسارتر، ولسيمون دوبو فوار، ولكافكا، بناء على ترجمات لبنانية، بعضها لرئيس تحرير المجلة الآنفة الذكر، كما أن موجة كاسحة من «الضياع والقلق» بدأت تطغى على شعر شعراء الموجة الجديدة وقصاصيها : أن (خليل حاوي) يفصح عن وجودية صريحة في ديوانيه : (نهر الرماد) و(الناي والريح)، كما أن (مطاع صفدي) يفسر التمزق الذي يعانيه الجيل العربي الحالي تفسيرا وجوديا، بل يتعدى ذلك إلى أن يفلسفه، وذلك في قصتيه : (الآكلون لحومهم) و(جيل القدر). كما أننا بدأنا نقرأ قصصا (ساجانية) بلغة عربية صريحة : (كوليت سهيل : أيام معه، وليلة واحدة) و(ليلى بعليكي : أن أحيا، والآلهة الممسوخة).
أما في المجال السياسي والاجتماعي، فقد قامت بعض الأحزاب بالدعوة إلى الاشتراكية، وبذلت في ذلك وسعها لتجعلها تنسجم مع مجتمعاتنا المتخلفة.
كل هذا يصلح أن يكون مدخلا لما نحن بصدده، ولكني أحب أن أشير إلى مفهوم القومية والإنسانية، قبل أن يتاح لي أن اقترح الحلول التي ينبغي أن تنتهجها ثقافتنا.
إن القومية عند (ماركس)، هي مجموع الوطن والجنس واللغة والتاريخ، وإن كان هذا المفهوم الآن، لم يعد مستقرا، فهناك قوميات متحدة، تتحدث عدة لغات، كما أن الهجرات المتكررة من البلدان المتخلفة، إلى البلدان التي تطفو بالفئ، قد جعلت من العسير أن تكون قومية ما، ذات أصل سلالي واحد، ويظهر أن الأرض هي التي تلعب دورها في تقنين وتحديد هذه القومية وتأطيرها في كثير من الخاصيات والامتيازات. وعلى هذا الأساس، فالقومية العربية وجدت نفسها أمام هذا التصدع التطوري، فلم تشترط لذلك نقاوة الأصل السلالي، بل جعلت كل من يعيش في أرض عربية التاريخ عربيا. هذه القومية قومية بالمعنى الواسع، وهناك قومية بالمعنى الضيق لشعب واحد من الشعوب، ويمكن أن ترادفها كلمة : (محلية أو مغربية). والحق أن المحلية أيضا لها خصائصها وطابعها بالنسبة إلى الأقطار الأخرى التي تندرج جميعا في قومية بالمعنى العام، وفي هذا المجال، يمكن أن تضيق المحلية إلى محليات كل منها ذو خصائص وميزات. فأي القوميتين نريد لثقافتنا ؟ انكتب أدبا يعكس آمال العرب باعتبار القومية العامة، وفي هذا الوقت نتنازل عن تلك الخصوصيات التي تجعل إنتاجنا محليا فقط، أم ننتج أدبا يهدف إلى إبراز خصوصياتنا كشعب في إطار قومية كبيرة تضم عدة شعوب ؟ الواقع أن الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية في العالم، يؤكدان على محلية فنون وآداب الأقليات المنصهرة في الأكثريات، على شرط أن تنسجم هذه الفنون وتلك الآداب رغم محليتها مع الدعوة الاشتراكية، أي أنها تستطيع إبراز الماضي في شكل طيبوبة مستغلة، والحاضر في شكل تفاؤل في الغد. فنحن نشاهد الرقص المختلف لمختلف شعوب الاتحاد اتلسوفياتي، خاضعا لعبقرية وتقاليد الشعب الذي وضعه، كما أننا نرى أن الاتحاد السوفياتي يشجع لغات الأقليات المنضوية تحته، وذلك بتدريسها وتسهيل مهمة التأليف بها، وهذا يعني أن الاشتراكية وحتى في صورتها المتطرفة عند الاتحاد السوفياتي، لا تجد مانعا من التأكيد على الخصوصيات المحلية، إذا استطاعت أن تدفع التيار الإنساني العام إلى الأمام، فإذا تناقض اتجاه المحلية مع الاتجاه الإنساني، بحيث كان الإنتاج نازيا آو استعماريا أو فاشيا، فإن الاشتراكية لن تفتح له المجال في كنفها للظهور.
وهكذا، فالإنتاج الفني الإنساني، يسمو عن الفردية، ويتجه إلى الإنسان ليجعل منه موضوعه الأبدي، وها مفترق الطرق بين كل من الوجودية والشيوعية، فالوجودية تسمي الأدب إنسانيا ولو كان مجرد خطرات إنسانية تصلح لأن تكون تجربة حياتية ينتفع منها الآخرون، بينما تؤكد الشيوعية على المعنى النضالي للإنسان من أجل إسعاد نفسه وإسعاد الآخرين.
فإذا اخترنا أن تكون ثقافتنا إنسانية، فأي الاتجاهين نفضل ؟ إلى هنا، فقد طرحنا سؤالين ! ومن خلال الجواب عنهما ننفذ إلى موضوعنا.
إننا نود لثقافتنا (أنسنة) شاملة تظهر للآخرين عبقريتنا ومدى إسهامنا في بناء الحضارة الحالية، ولكننا نرى من الإجحاف لفكرنا أن نجعله يسير وفق مناهج خطها غيرنا، مع أنه في إمكاننا أن نعطي لإنتاجنا لونا خاصا بنا، لا يتعارض مع خطة (أنسنة) ثقافتنا فنحن شعب له عبقريته كبقية الشعوب الأخرى، وفي إمكان هذه العبقرية نريد أن تبرز لتحدد مدى مسؤولياتنا اتجاه الحضارة الإنسانية، ولا يمكننا أن تبرز إلا إذا زودنا بطاقات محلية، تكون مع طاقات المحليات الأخرى التي تتفرع عن قوميتنا العامة، نصيبنا الوافر في دفع عجلة الحضارة إلى الأمام.
إذن، ما هي السبل الصحيحة التي تؤدي إلى إبراز عبقرية ثقافتنا المحلية ؟ وما هو علاج هذا الركود الذي يكتسح بلادنا رغم أنها في فترة مخاض ؟.
الواقع أن تبني أحياء التراث المغربي، هو إسهام منا في إبراز عبريتنا المغربية والعربية على السواء، لكن هذا الاتجاه، لا ينبغي أن يستوعب كل أعمالنا، إذ أن المبالغة فيه (شوقينية) غير واعية، فنحن لا نحيى ثراتنا إلا لنصل بين ما نقطع من حلقات الحضارة العربة في بلدنا، وبالتالي، بين بلدنا وبين العام، فقد عشنا فترة غموض جهلنا فيها التاريخ، لأننا كففنا عن العطاء الحضاري. هذه الفترة الغامضة بالذات، نريد أن نجلوها خدمة لماضي الحضارة، وحين يتم لنا ذلك، فسنتجه بعمق إلى المستقبل. وإذا كان لي أن أوجه بعض ملاحظات إلى بعض الذين تخصصوا في بعث تراثنا، فإنني أقسمهم إلى قسمين : قسم يستغل المناهج العلمية، فيغدقها على أبحاثه، وهؤلاء أتيح لهم أن يتصلوا بالفكر الغربي، هذا القسم يفهم مهمته خير الفهم، أما القسم الآخر، فهو وإن أتيح له أن أعماله ينقصها الربط بين موضوعاته وبين الحضارة، فأصحابه يزاولون أبحاثهم بحيادية غربية، هذه الحيادية إنتاجهم رغم وفرته، عقيم القيمة. هذه الحيادية تتخلص في أنهم يجمعون الأخبار، أخبار الأفراد، ويلقونها في تناسق أو عدمه، من غير أن يلتفتوا إلى قيمة الفرد الذي يؤرخون له، ومدى إسهامه في حضارته التي عاشها، ومن هنا، ينبغي أن نؤكد أنه على أساس القيمة الحضارية لتراثنا يجب أن يبنى كل تنقيب.
على أن إنشاء أدب مغربي بكل فنونه، امن أول الواجبات علينا لمغربة ثقافتنا مغربة لا نبعد بها عن جوهرها العربي العام. وهذا الاتجاه لا يقل أهمية عن بعث التراث المغري، إذ فيه تأكيد لشخصيتنا الحاضرة، ولاستمرار عبقريتنا الماضية. وهذا يتم بقيام الدولة بتشجيع الطبع والنشر، ومد الناشرين والمؤلفين بمختلف الإعانات التي من شأنها أن تساعدهم على الاستمرار في أداء رسالتهم.
وإن المادة الخام لحركة أدبية فنية، هي البحث بدون انقطاع عن الوسائل التي من شأنها أن تدفع بالناشرين إلى الميدان، وذلك بخلق جوائز ومسابقات تهدف إلى إبراز العبقريات التي يكاد يعلوها الصدا، وهي مغمورة في هذا النسيان الكساح، على أن هذه الجوائز وتلك المسابقات، لا ينبغي أن تكون تعبيرا عن مناسبات، أو دفعا لإنتاجنا لأن يسير في ركاب تقليديات مدحية، وأن اتحاد أدباء المغرب العربي، ليتحمل مسؤولية عظمى في هذا السبيل.
والواقع أن المشكلة في مجموعها، مشكلة إنتاج، ومشكلة إظهار ذلك الإنتاج، ويتم هذا الإظهار بتعاون الطابع والناشر والقارئ، فإذا استطعنا أن ندلل الإنتاج والطبع والنشر، وذلك باتباع الوسائل التي قدمت، فإن مشكلة القراء، نستطيع التغلب عليها إذا عرفنا أن ندعو إليها بطريقة اجتماعية : أي أننا ملزمون بالقيام بدعاية واسعة النطاق للكتاب وللقراءة، فصحفنا ومجلاتنا وإذاعاتنا، عليها أن تفتح في أعمدتها وبرامجها. بابا لنقد الكتب الحديثة الصدور، والتعليق عليها، على أن يكون هذا التعليق وذلك النقد يتناول الكتب التي صدرت في جميع اللغات، وينبغي أن نفهم حاجتنا الاستهلاكية، فلا نقدم إلا الكتب التي من شأنها أن تفتح أمام ثقافتنا آفاق الازدهار والتفتح. وأن وزارة الشؤون الاجتماعية تستطيع أن تسهم في هذا المضمار بنصيب وافر، وذلك باستغلال الأدوات الفنية التي تملكها. على أننا يجب أن نلاحظ أن الإنتاج الأجنبي الذي يغزو المغرب في صورة كتب وصحف ومجلات، يجد إقبالا عند بعض المغاربة، مما يؤكد أن النية (الحسنة) متوفرة فقط، يجب أن نقدم إليهم شيئا دسما. وتبقى المشكلة الاقتصادية للقراء، فإن الجبايات والجمارك، إذا استطاعت أن ترفع أيديها عن الكتاب، فسيكون آنذاك في استطاعة القارئ العادي أن يشيع نهمه إلى الكتاب، ويبدو لي بناء على هذا، أن مشكلة القراء إنما هي مشكلة اقتصادية فقط.
يبقى شيء واحد، وهو : تخفيض ثمن المطبوعات في المغرب، وهذا شيء تستطيع الدولة أن تنفذه، كما أن جشع الناشرين، إذا استطاع أن يكبح جماح نفسه لو لمدة قليلة، ريثما يتم لنا وضع اللبنة الأولى، فإن المغرب سيعرف نهضة ثقافية شاملة.
(1) كالمستشرق الأب لامانس.
(2) كبروكلمان في كتابه : تاريخ الشعوب الإسلامية.
(3) CHAUVINISME