نحو ثقافة إسلامية

واقعنا الاجتماعي:
إن الأمة التي تريد أن تبني كيانها يجب أن تقيم من نفسها رقيبا على سلوكها وتصرفاتها وناقدا لأساليبها في الحياة ووسائلها، والنتائج التي انتهت إليها، إذ بدون نقد ذاتي لا تستطيع أن تبتر عوامل التعويق لنهضتها وتعويضها بعوامل دافعة وفعالة لحركتها وتسديدها نحو الأهداف بكل دقة وإتقان وسرعة، ولكي تكون كذلك، لابد أن تتصف بنوع من الصراحة والجرأة والثقة بالنفس لتقدم على تجريد نفسها ووضعها في معمل النقد والاختبار والتحليل والمحاسبة لتحدد مكامن الضعف من جسمها وتحلل أسبابه وتتبع أعراضه لتصل إلى منابعه الأصلية التي توزع سمومها في أعضاء جسم الأمة، وبذلك تضمن لنفسها القضاء على المرض وبالتالي التمتع بالعافية والقوة.
وليس من علامة الحياة السليمة، أن تنصاع الأمة لعقدها فتتجاهل المشاكل التي تتخبط فيها، وتدبر عن معرفة معالجة الأمراض التي تمزق أوصالها وتعتور كيانها، خوفا من (الفضيحة) أو الظهور (بالنقص) أمام الأمم الأخرى، مثلما يفعل المريض (المعقد) أمام الأمم الأخرى، مثلما يفعل المريض (المعقد) حينما يخفي مرضه عن الطبيب بدافع عقده، ويتظاهر بالسلامة وأخيرا يكون المرض قد استشرى، فقضى عليه أو كون فيه عاهة مستديمة، وتلك الأمة تضطر إلى أن تلجأ إلى تعويض النقص بتكديس الأشياء والتعلق بالأشكال والمظاهر، وبذلك تتيح لتلك الأمراض الاستفحال والتأصل فتجعل من حياتها سلسلة من الأمراض والشقاء والعجز، وتعرقل حركتها ونهضتها وتطرحها أرضا عندما يكون الأصحاء يلحقون في الأجواء.
فالنقد الداخلي ضروري إذن، ليس فقط لاستمرار الحركة بل لضمان سلامتها وفعاليتها وتزويدها بعوامل القوة والسرعة والسداد للحصول على أعظم النتائج من اقرب طريق وأيسرها، ولذلك فسأتحدث أولا عن واقعنا الاجتماعي وسأكون صريحا في هذا الحديث.
لقد استلمنا شؤون أنفسنا، وأصبحنا نحن – لا الاستعمار- المسؤولين عن تلك الشؤون فهل استطعنا أن نخطط لإيجاد مجتمع سليم من الأمراض، أي مجتمع مثقف، أن الصفوة التي كان الأمل يعلق عليهم لتحقيق هذا الأمر قد امتصتهم عوامل وإطارات أبعدتهم عن معالجة المشاكل لاجتماعية، وكان يمكنهم ذلك أكثر قبل هذا الأوان، ولكن الفرصة ضاعت كما ضاعت وتضيع كثير من أخواتها، بل أني أرى أنه قد برزت في المجتمع المغربي ظواهر خطيرة، كما اختفت منه أو كادت ظواهر طيبة كان من الواجب استغلالها وتنميتها لإيجاد المجتمع الذي نريد. وأن أهم ظاهرة برزت في مجتمعنا وسيطرت عليه وأصبحت عنوانا لهذه الفترة من حياتنا هي أن ((المثل العليا)) قد ضمرت في حياتنا الاجتماعية وتوارت إشعاعاتها فوجدت الظلام فرصة سائحة لينشر علينا رداءه ويتجاوب مع الشهوات.
وإذا انعدمت ((المثل)) أو ضمرت فإن ذلك يعني تغييرا في طبيعة العلاقات الاجتماعية وتركيبا جديدا للمجتمع.. مما يفسح المجال الواسع للشهوات والأغراض الخاصة أن تسيطر على تلك العلاقات وتنحو بها مناحى خطيرة وتدفع بها إلى مهاوي التأخر والسقوط، لتضارب المصالح الفردية ولتحكم منطق الشهوات في الحياة الاجتماعية، واختفاء قيادة الروح التي تختفي بوجودها أخطر المشاكل، ولا ننكر أن المجتمع الإنساني المثالي لا يخلو من تضارب المصالح الفردية، ولكن السيطرة الروحية التي تنتظم جميع أفراد المجتمع وترتبط بضمائرهم وأخلاقهم وأفكارهم كفيلة بحل تلك المشاكل على نحو مرض وجميل بصفة عامة.
فمجتمعنا يسوده التفكك في العلاقات الاجتماعية لأنها لم تعد تستند على مثل عليا مشتركة وإنما أصبح كل فرد يسعى لتحقيق ما يشبع (شهوته) وأغراضه الخاصة، ولا أعني انعدام كل نزعة اجتماعية وإنما هذه النزعة لم تعد قوية بحيث يكون لها تأثير بارز وشامل، فالمجتمع أصبح مكونا من وحدات فسنجدها خاضعة لسحر ((الأشياء)) وصارفة طاقاتها في مختلف الميادين للاستيلاء على ((الأشياء)) وتحقيق ((المثل)) المادية التي فرضتها علينا حضارتنا الشيئية – حسب تعبير مالك بن نبي- لإشباع حاجات محدودة لا تسهم في نهضة الأمة ولا تنشط حركتها، وإنما تكثر من سلعها الاستهلاكية وتكدس من تلك السلع هنا وهناك.
وهكذا أصبح للتنافس ميادين مادية صرفة وأصبحت المواهب مشدودة بتحقيق نوع من الحياة الخاصة يشبه من ناحية الشكل تلك الحياة الخاصة التي نشاهدها – من الخارج- عند الأوربيين المترفين.
ومن الواقع الذي لا مفر منه وجود حيرة وبلبلة في الاتجاهات والأهداف وأن المسيطر علينا هو لاتجاه الغربي الذي يحارب كل مسعى نحو تهيئ الفرص للتفكير الجدي في إيجاد تيار مغربي ينبثق من ضمير الشعب وتاريخه وعناصره النفسية، ولهذا الاتجاه بعض العذر.
وبسبب تلك الحيرة أصبحنا نرى أنماطا مختلفة من السلوك والحياة، وتفككا اجتماعيا سائدا، واختلالا في المقاييس واختلافا في المشارب.. وما تزال وضعية المغرب التعليمية والاجتماعية والسياسية تساعد مساعدة قوية على نمو هذه المظاهر وترعرعها. وذلك كله طبع مجتمعنا بالسلبية وأصبحت هذه السلبية تواجهنا في كل أمر من أمورنا، ولا نستغرب إذن أن وجدنا النوايا الطيبة والمشاريع الخلابة تموت فور وجودها لأنها تفتقر إلى شروط الحياة، إلى محيط خاص وهو محيط الثقافة.
وبروز تلك الظاهرة كان تماما على حساب ظاهرة طيبة كانت تسود أيام الاستعمار، والظاهرة هي السيطرة الروحية التي كانت القاسم المشترك بين المواطنين، مما دفع الأمة إلى التضامن والتعاون والثقة وتحقيق الأهداف التي رسمت لهم.
ولولا بعض عوامل التمزيق الداخلية التي كانت تصاحب وجود تلك الظاهرة وتؤثر عليها وتجزئها لأعطت نتائج أعظم من التي رأيناها أيام كفاحنا مع الاستعمار، ولكتب لها النمو والاستمرار ولكن هذه الظاهرة لفظت نفسها أو كادت عندما رزئت (بالهوى) وبما خيب الآمال وصدم الأماني والأحلام.
ولكن هذا لا يمسنا إلى قبضة اليأس وسجن القنوط فليس من شيم المومنين ذلك، وما ينبغي لهم أن ييأسوا من رحمة الله، ولنا في الخميرة الروحية التي ما تزال مستقرة في أعماق الشعب المومن خير مشجع على ضرورة تلمس طريق الخلاص وتخطي هذا الحاضر نحو مستقبل يحقق للأمة ما كانت تصبو إليه من قبل.

الخلاصة هو الثقافة:
فما الحل إذن، لنصل إلى المستوى الذي نريد، ونحقق الآمال التي من أجلها كنا نسعى، فنوحد المشاعر والعواطف والأفكار، ونمتن الروابط على أساس حضاري يكون لنا الإطار العام الذي يغذينا بكل نزعة خيرة وميل كريم، ويتعهد بطبع الأجيال الصاعدة بطابع الثقة والوفاء والإصرار على البناء؛ والضمير الحي وبالمعاني السامية والإحساسات الجميلة؟ إن الحل في الثقافة.. أي أن نصبح مثقفين.. ولعل البعض يرد فور قراءته هذا السطر بقوله: أننا مثقفون.. أو على الأقل عندنا طبقة مثقفة لا بأس بها، ومع ذلك فإن الخلاص ما يزال بعيدا.. بل قد يزيد قائلا: أن معظم البلاء جاءنا من هؤلاء المثقفين. ولقائل ذلك عذره ما دامت الثقافة في عرفه هي العلم وقراءة الصحف وحيازة الشهادات..
مع أن الثقافة ليست علما ولا شهادة فكم من حامل شهادة ليس مثقفا.. وليست تحذلقا ولا رطائة أجنبية وإنما الثقافة (مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولى في الوسط الذي ولد فيه..) وهي المحيط الذي يعكس حضارة معينة (1)، وهذا المحيط ليس خاصا بالرجال المتعلم والطبيب والمحامي دون رجل الشارع والزارع والعامل، وإنما الجميع يشترك في تلك القيم فتكون الروابط الاجتماعية يشترك في تلك القيم فتكون الروابط الاجتماعية متقاسمة بين جميع أفراد الأمة وتمنح الجميع حصانة حضارية ضد التقهقر والسقوط وتزودهم بإحساسات متشابهة متجانسة وبالتالي بسلوك متميز بطابع خاص.
وقد شهد التاريخ ثقافات كثيرة كانت متسمة بطابعها القومي والعنصري فلم تستطع أن تتخلص من شوائب الذات، والنسبية، ولهذا رأى بعض الكتاب أن الثقافة متعددة، وبأن الثقافة القومية هي: التجلي العلمي لعبقرية شعب في شغله ونظريته في الحياة وتصرفاته  (2) ولكن الثقافة ما دامت في طبيعتها قومية فإنها لن تكون الثقافة ما دامت في طبيعتها قومية فإنها لن تكون شاملة للقيم الإنسانية جميعها لأنها حينئذ تكون مرتبطة بجنس معين وبدم خاص، وبذلك لا يمكن لها أن تكون الإطار العام الذي يسع في رحابه الإنسانية كلها.
والثقافة لن تكون إنسانية إلا إذا كانت تحمل في طبيعتها القيم الإنسانية المثلي وأولها احترام الإنسانية والمحافظة على كرامته وتعزيزها، وتكريم الإنسان معناه، ضمان العدل والمساواة، وصيانته من العدوان والتحكم، وتحريره وجدانيا واجتماعيا من العبودية للبشر مثله، وأن تكفل له الحياة في رغد وأمن في سربه وأهله، وأن تهيئ الفرص له لكي يسمو نحو الكمال ويزود بوسائل هذا الكمال الإنساني.
والثقافة التي تحقق هذه المعاني للبشر هي التي أختارها الله لهم وهي: الثقافة الإسلامية لأنها تضم في كيانها جميع عناصر الخير التي تحقق السعادة الروحية والمادية لم تخالط قلبه بشاشتها، ولا أعني بالثقافة الإسلامية معلومات تلقن، ولا قواعد تلقى، ولا فروعا تدرس، ولكن إحساسات ومشاعر تضم بين حناياها تعاليم السماء وتفيض على الجوارح سلوكا كريما وخلقا رفيعا لتقديم القدوة الصالحة.
فالإنسان في الثقافة الإسلامية مكرم يعهد من ربه الذي كرمه قبل أن ينزل للأرض فأمر الملائكة بالسجود له احتراما، وخلقه في صورته، وأنزله للأرض لتحقيق معاني السماء وصرح له بقوله تعالي: (ولقد كرمنا بني آدم). ولقد أشاع الله هذا التكريم في ثنايا تعاليمه، فجعل المساواة للحياة الإنسانية فلا تفاضل في جنس ولا في لغة ولا عائلة وإنما في التقوى والصلاح (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، ومن خطبة نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام: أيها الناس إن ربكم واحد وأن أباكم واحد كلكم لآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.  
والفرد كريم في الإسلام عزيز على الله ولذلك يكون الاعتداء عليه اعتداء على الناس جميعهم لأن المجتمع الإنساني في نظر الإسلام كل متماسك يشعر بشعور واحد ويكون جسما واحدا إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى يقول رب العالمين: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
ولقد كان الإسلام كريم حتى مع الحيوان فكان قاسيا على المرأة التي عذبت هرة.. وكان كريما مع أمريء أنقذ حياة كلب وادخر الجزاء لأمثال هؤلاء ولهذا رأينا أوقافا خاصة بالبر بالحيوان.. ولتكريمه للإنسان جعل العلاقة بين أفراده مودة ورحمة وليس في وقت عادي ولكن في ظروف متوترة وجعل من صفة المؤمنين أنهم يدرؤون بالحسنة السيئة، وجعل الدفع بالتي هي أحسن خلق المؤمن اتجاه عدوه: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ولا يلقاها إلا الذين صبروا ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
والدارس للإسلام يقف على المنابع الثرية لتكريم الإنسانية واحترامها في كل ناحية من نواحيه.
ومن تكريم الإسلام للإنسان تحريره من عبودية البشر والأحجار والسمو بكرامته عن أن تمتهن بهذه العبودية المزرية وذلك عن طريق الإيمان بالله وحده خالق كل شيء وما أجمل هذا النداء الرباني: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله..
أما تحقيق العدل للإنسانية في الإسلام فهو سمة بارزة في هذا الدين وليست العدالة وقفا على المومنين به بل تشمل الناس كافة ممن يقعون تحت مسؤوليته، والكلمة الخالدة التي قالها عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، كانت بمناسبة ظلم وقع من ابن حاكم مصر عمرو بن العاص على قبطي مصري. والإسلام ليس دين العدالة فحسب بل هو فوق ذلك دين الرحمة والعفو والتسامح ولكن في دائرة واقعية تطبيقية لا مثالية خيالية.. وإذا كانت القيم الأخلاقية عنصرا جوهريا في الثقافة فإن الإسلام رسالة أخلاقية قبل كل شيء ولهذا كان رسول الله موصوفا من لدن ربه بالخلق العظيم، وبعث ليتمم مكارم الأخلاق أي ليعمم القيم الإنسانية على الناس جميعا وليتمم النقائص الموجودة في ثقافتهم البشرية بثقافة مختارة من لدن خالق الإنسان، ومتفقة مع كيانه البشري وفطرته السليمة التي خلق عليها.
فالأخلاق في الإسلام ليست ذات أشعاع داخلي ومغلق كما نرى في الثقافة الأوربية التي هي البنت الشرعية للثقافة الإمبراطورية الرومانية، وإنما تشع أنوارها نحو الجميع (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وما أروع أسلوب القصر هنا..
وبذلك تكون مكارم الأخلاق قد شملت الجميع ولم تعد وقفا على علاقات أمة معينة كاليهود الذين يرون أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل، ويفرقون بين اليهود – شعب الله المختار- وبين الجريبم أي الحيوانات التي خلقها الله على صورة إنسان لتخدم شعب الله المختار، وهذه النظرة المنحرفة قد تجلت في الثقافة الاستعمارية كما نشاهد ذلك مطبقا في المستعمرات.. وفي أمريكا أيضا بين البيض والسود.
فمثل هذه الثقافة تحتوي على عنصر أخلاقي ولا شك، ولكن في دائرة ضيقة وذات إشعاعي داخلي مغلق لا ينفذ منه خيط من شعاع نحو الخارج، فالأخلاق هناك في إطار علاقة أفراد أمة معينة أما خارج ذلك الإطار فتتحول طبيعة العلاقات إلى نوع آخر وعلى أسس غير إنسانية وغير أخلاقية، وهكذا يكون الأوربي مثقفا من ناحية علاقته بأخيه، ومنحطا من ناحية علاقته بأفراد البلاد المستعمرة (بالفتح) أما الثقافة الإسلامية فهي بطبيعتها لا تعرف التفرقة بين الناس، فالخلق كلهم عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعياله، لأن هذه الثقافة تستهدف خلق مجتمع إنساني متماسك، وهذا التماسك لن يوجد في ظل ثقافة عنصرية، أو قومية وإنما في ظل ثقافة إنسانية تجمع بين مقتضيات المادة والروح ولكن تجعل المادة خاضعة للروح (وأن قوة التماسك الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام.. وقوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا حضارتنا المنشودة وفي يدها ضمانا لذلك تجربة عمرها ألف عام وحضارة ولدت على أرض قاحلة وسط البدو، ورجال الفطرة والصحراء  (3))
والثقافة الإسلامية لا تؤمن بالسيطرة والتحكم والإكراه.. لا إكراه في الدين.. لان في ذلك فساد للعلاقة بين المثقف الإنساني (المسلم) وغير المثقف وتنفيرا لهذا الأخير عن الارتباط بالإنسانية عن طريق الإسلام ولذلك جعل الله الدار الأخير عن الارتباط بالإنسانية عن طريق الإسلام ولذلك جعل الله الدار الآخرة لمن يريدون الإصلاح لهذا البشر بالتي هي أحسن: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.
والثقافة الإسلامية من طبيعتها تمتين الروابط وتقويتها بين أفراد المجتمع، ولا تفوتها فرصة دون أن تبث تعاليم لخدمة ذلك الهدف ونظرة الإسلام للجوار خير دليل على ذلك، والثقافة الإسلامية ليست ذات اتجاه مادي ولا اتجاه روحي ولكنها ذات اتجاه فطري بسيط واقعي، لا تنساق مع المادة ولا تشايع الروح وإنما تستجيب لهذه وتلك في إطار من الانسجام والتعاون بشرك أن تكون الروح قوامة على المادة ولكن في غير ظلم ولا تعسف..
والثقافة الإسلامية تكون وحدة متناسقة منسجمة لا تقبل التجزئة أو التنازل عن بعض عناصرها والتضحية بطبيعتها في سبيل اتحادها مع غيرها وإدخالها في إطار مزدوج لأن الذي خلق الثقافة الإسلامية جعل وجودها وحياتها في وحدتها فلا ينبغي الإيمان ببعض والكفر ببعض، وما يقال عن ترقيع في الثقافات فإنما هي محاولة لإيجاد سقط مشوه يقال له الثقافة، لأن هذه الثقافة ستكون فاقدة لعناصرها الحيوية وجامعة لعناصر سلبية تتبادل بينها عوامل النفور والعدم ولكنها لا تتبادل عوامل الحياة والانسجام.
وإذا كنت أوليت العنصر الأخلاقي من الثقافة عناية أكثر من العنصر الفني والجمالي فلأن الإنسانية لفي أشد الحاجة إلى الأخلاق لتعيد لها الأمن والطمأنينة وليستعبد الإنسان في ظل هذه الأخلاق كرامته التي خسرها في ظل العلم كما فقد راحته في ظل الصناعة والفن. إذ أصبح العلم مسخرا للضمائر المتعفنة التي جنت شهواتها وأصاب غرائزها السعار وأصبحت تندفع في رعونة نحو خراب الأرض.
والموضوع – أخيرا – أكثر من أن يحيط به مقال ولذلك اكتفيت بإعطاء فكرة عامة عن الثقافة الإسلامية وبينت في إيجاز بعض عناصرها، واعتمدت على أهم مصادرها: (القرآن والحديث) وعسى أن نجد في المغرب من يؤمن بضرورة هذه الثقافة فيدخلها في حيز التطبيق لتغيير هذا الواقع الاجتماعي المريض.

وأحب أن أقول كلمة أخيرة قبل أن أغادر الموضوع:
إن الاستعمار يراقب سير المغرب من البلاد الإسلامية – مراقبة واعية ودقيقة ويعمل جاهدا على إبقائنا في واقعنا المتعفن لأن في ذلك تحقيقا لأهدافه ويستعين في تقوية وتركيز هذا الواقع وتغذيته بالغذاء اللازم بخبراء يبنهم في مراكزه وقواعده الثقافية ليحولوا بيننا وبين ثقافتنا الإسلامية عن طريق تزييف الحقائق، تلك الثقافة التي أن طبقت في واقعنا ستكون القضاء على الاستعمار ليس فحسب في المغرب بل في إفريقيا المتعطشة للإسلام، والاستعمار لا يهمه أن كان المغرب أكبر مصدر للخمور لأفريقيا ولكن الذي يهمه أن يكون المغرب مصدر المومنين والدعاة المخلصين بالثقافة الإسلامية في أفريقيا.
ولهذا كانت دعوتنا لوجوب الآخذ بالثقافة الإسلامية لأنها ستخلصنا من الكارثة الاستعمارية وستحلنا مقعد القيادة الروحية والفكرية في إفريقيا وتجعلنا نسهم في إنقاذ الإنسان المعذب وتزويده بعناصر الحياة: بالدين القيم.

 (1) شروط النهضة 79-80 ط 1
 (2) التربية الوطنية عدد – 1 – 1959- الثقافة الوطنية والحضارة الإنسانية للدكتور عزيز الحبابي.
 (3) شروط النهضة ص 7-8- ط1

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/991

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك