دور الثقافة في الإنحياز الغربي لإسرائيل

وجیه  حسن علی قاسم
 
مقدمة:
قد يكون ثيودور هرتزل مؤلف كتاب "الدولة اليهودية" عام 1896 هو مؤسس الصهيونية السياسية في نهاية القرن التاسع عشر، والداعي للمؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، إلا أنه لم يكن أول من دعا الى إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين. فقد سبقه الى ذلك بعدة قرون، شخصيات يهودية وغير يهودية ، من أبرزهم نابليون بونابرت أثناء غزوه للمنطقة في 1798، وهو الذي دعا يهود العالم للهجرة الى فلسطين (أرض أجدادهم) لإحياء إسرائيل الثانية في ظل الإمبراطورية الفرنسية. ولم يأت المؤتمر اليهودي الأول لخلق الصهيونية عام 1897 إلا بعد جهود كبرى قام بها الغربيون من غير اليهود ومن اليهود الذين طوروا الأفكار والبرامج لما أصبح يعرف بالصهيونية السياسية . فاللورد شافتسبري البريطاني هو أول من إبتدع مقولة "فلسطين أرض بلا شعب يجب أن تعود لشعب بلا أرض هو الشعب اليهودي" منذ عام 1834، كما أن كتاب " الدولة اليهودية " لهيرتزل كان مسبوقاً بكتاب موسى هيس "روما والقدس" عام 1862 والذي كان يدرس في مدارس الإتحاد الإسرائيلي الذي أنشأه روتشيلد عام 1860 و بتأييد من " أرنست لاران "سكريتير نابليون الثالث، كما أن هيرتزل نفسه في لقاءاته مع زعماء أوروبا والسلطان العثماني كان مدفوعاً من قبل القنصل البريطاني في النمسا آنذاك "وليم هشلر" الذي التقى هيرتزل وقدمه لعدد كبير من زعماء أوروبا، بعد أن قرأ كتاب "الدولة اليهودية" من أجل الدعوة للفكرة الصهيونية. كما أنشأت بريطانيا صندوت استكشاف فلسطين في عام 1865. ولم تكن الثقافة والجهود الغربية ، والحماس لعودة اليهود الى فلسطين بتأثير من النصوص التوراتية التي تجذرت في الوعي البروتستانتي أولاً والمسيحي الغربي عموماً وحسب، وإنما جرى استغلال ذلك استغلالاً دينياً وثقافياً وسياسياً لينسجم مع التطورات التاريخية في أوروبا القرن 19، ومنها حركة الإستعمار الغربي للعرب والمسلمين، للأسباب الإقتصادية والإستراتيجية المعروفة، هذا الإستغلال الذي بدأ فرنسياً في عهد نابليون الأول، ثم بريطانياً في عهد "بالمرستون" (رئيس وزراء بريطانيا) عام 1840، ثم فرنسياً في عهد نابليون الثالث ثم بريطانيا و من ثم أمريكياً فيما بعد، لتحقيق سياسة إستعمارية بأفكار مسيحية غربية وبأدوات يهودية .

ولم تات نهاية القرن التاسع عشر حتى كانت اسطورة "فلسطين وطن الأجداد لكل اليهود" " وعودة شعب إسرائيل لارض إسرائيل" تمهيداً لعودة المسيح المنتظر، وفكرة "الوعد الإلهي" و " شعب الله المختار" قد تجذرت في الوعي الأوروبي وتنتظر نهاية الدولة العثمانية " الرجل المريض " لإقتسام تركتها و وضع هذه القناعات موضع التنفيذ العملي في القرن العشرين. ولا تزال هذه القناعات واضحة في تأييد الغرب للسياسات الإسرائيلية، وعلى الأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الرئيس جيمي كارتر (صانع كامب ديفيد الأولى) خاطب الكنيست الإسرائيلي في مارس 1979 بقوله: " لقد آمن وأظهر سبعة رؤساء أمريكيون أن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة ، لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة ، وهي علاقة لا يمكن تقويضها لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه".

كما قال " جو بايدن " نائب الرئيس الأمريكي الحالي قبل أيام مخاطباً الشعب الإسرائيلي أن والده علمه "أنه "ليس من الضروري أن يكون يهودياً لكي يكون صهيونياً"، وذلك عندما كان يتحدث عن نشاطه في خدمة الصهيونية منذ نعومة أظفاره.

وهكذا فإن قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لا ترجع الى حسن التنظيم وإختيار الوسائل (المشروعة وغير المشروعة) لدعم إسرائيل، وممارسة الضغوط الهائلة على صانع القرار السياسي الأمريكي فقط، ولكن ما لم يحظ بالدراسة الكافية، هو المناخ الروحي والثقافة الدينية والتاريخية التي تمهد لقبول هذا الضغط الذي يجعل السياسة الأمريكية تتكيف مع المتطلبات الإسرائيلية. فالثقافة السياسية وصنع السياسة يكملان بعضهما بعضاً، و الثقافة تعبر عن نفسها بأنماط سلوكية ثابتة، توجه السلوك الحالي لصانع السياسة الغربي بشكل عام و الأمريكي على وجه الخصوص. فاللوبي الصهيوني لا يخلق الثقافة السياسية المؤيدة لإسرائيل، ولكنه يقوم بجهود جبارة لإستغلالها ولإبتزاز أصحاب القرار للحصول على مواقف وسياسات قد لا تكون في مصلحة الشعب الأمريكي وعلاقاته الدولية، خاصة وأن وجهة النظر الأخرى (العربية) غير ممثلة بشكل فعال في الثقافة الغربية بشكل عام وفي الثقافة الأمريكية على وجه الخصوص. كتب "هارون ولدافسكي" العالم السياسي اليهودي الأمريكي في مجلة ميدل ايست ريفيو عام 1977 ما نصه: " أن اسرائيل من الغرب، ومن صنعه وله، سواء أحب الناس ذلك أم كرهوه، إنها ليست جزءاً من المحيط الخارجي للغرب، لكنها لبه ".

دور المثقف العربي في الثقافة العالمية المعاصرة:

بعد كل هذا الحديث عن دور الثقافة في تأييد الغرب لإسرائيل، يحق لنا أن نتساءل عن دور المثقف العربي في القضية الفلسطينية، و هل يكفي من المثقف العربي تمجيد الشهادة والشهداء؟ و هل يكفي التصفيق لأطفال الحجارة؟ هل يكفي أن يتمحور الكتاب والمثقفون والمفكرون حول هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك؟ أين دورنا في الساحة الدولية؟ وهل يكفي إقتناعنا السلبي بعدالة قضيتنا لتغيير العالم من حولنا؟

إنطلاقاً من هذه الخلفية الثقافية والفكرية والسياسية، فإنه من المستبعد أن يكون الحل الذي يقدمه الغرب لقضيتنا عادلاً، ما لم يقتنع العالم والغرب على وجه الخصوص بالطبيعة الحقيقية للصهيونية التي قدمت على أرض الشرق الأوسط ممارسات تتناقض تناقضاً جذرياً مع القيم الإنسانية التي تدعمها الحضارة الغربية، و ما لم يتوضح لكل ذي نظر أن جرائم اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا تجعلها بأي حال من الأحوال مجتمع الفضيلة الذي يمهد لعودة المسيح المنتظر. إن توضيح الصور الإجرامية البشعة التي لا تستطيع وسائل الإعلام الغربية تجاهلها، من هدم البيوت وقتل الأطفال وممارسة الإبادة العرقية ضد شعب بأكمله، والصلف الذي تتعامل به إسرائيل مع الرأي العام العالمي، والطغيان الذي أجبر حتى الرئيس الأمريكي الجديد على التراجع المهين عن الوعود التي قطعها على نفسه في خطابه الموجه للعالمين العربي والإسلامي من القاهرة منذ سنة، والتحدي الصهيوني للعالم بمواصلة تهويد الأرض الفلسطينية بما فيها القدس، وتجاهلها لجميع قرارات الشرعية الدولية الداعية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والإستهزاء بها، لا بد أن تدفع العالم الغربي في النهاية إلى المقارنة بين الصهيونية في التراث الثقافي و الديني و بين جرائمها على أرض الواقع.

ألا يصلح كل ذلك مادة خصبة للخروج بها نحو العالم ليرى حجم الخطر الذي يمثله هذا السلوك المتوحش على القيم والأفكار والتقدم والسلام في القرن الحادي والعشرين؟ نعم هناك قصور بل تراجع في الثقافة والفكر الفلسطيني الذي تمحور حول المقاومة الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، والذي كان يبشر بثقافة تتمحور حولها الثقافة العربية للخروج بها الى العالم، بهدف إنساني يرمي الى تصحيح المسار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للعالم أجمع. إلا أن الثقافة الفلسطينية لم تتجاوز صراعها الآني مع الصهيونية، وذلك لحاجة الفلسطينين الملحة لصيانة هويتهم الوطنية، وإستعادة كيانهم الممزق، ووطنهم السليب. فلم تتعمق ثقافتهم السياسية لأبعد من وعد بلفور، ولم تتسع أهدافهم لأكثر من الإعتراف بهم على جزء صغير من أرضهم، وقصر بهم الطموح عن خلق حملة عالمية مساندة على قواعد القيم الحضارية، والنضال العالمي المشترك للتقدم الإنساني. وشايعهم في ذلك المثقفون العرب، درءاً للخطر الصهيوني الذي يهدد أنظمتهم و بلدانهم دون أن يتم الإلتفات للفكر الآخر ومرتكزاته التاريخية والثقافية.
وترك التاريخ الفلسطيني نهباً للصهاينة وإشياعهم من الغربيين، يمعنون فيه تقطيعاً وتزييفاً لصالح دولة إسرائيل، ومستقبل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وذلك بإستثناء بعض المؤلفات النادرة مثل كتاب "الأستشراق" للراحل د.ادوارد سعيد، الذي انبرى للرد على المؤرخين التوراتيين والصهاينة الذين مسحوا التاريخ الفلسطيني واختلقوا وعظموا الدولة اليهودية القديمة، التي لم تكن إلا خيطاً رفيعاً في النسيج التاريخي والحضاري الفلسطيني الكنعاني الغني، لأنه أدرك أن الربط المباشر بين الدولة اليهودية القديمة وإسرائيل الحديثة، ما هو إلا محاولة لتبرير الجريمة التاريخية الصهيونية بإغتصاب فلسطين، وتجريد الفلسطينين من تاريخهم قبل وبعد تجريدهم من أرضهم. و كذلك الباحثة "ريجينا الشريف" في كتابها " الصهيونية غير اليهودية و جذورها في التاريخ الغربي"، والتي تتبعت تغلغل الثقافة التوراتية في الثقافة الغربية، والجهود الغربية لإختلاق الأيديولوجيا الصهيونية منذ حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر حتى قيام اسرائيل عام 1948، و هو كتاب الذي لم تسلط عليه الأضواء رغم صدوره باللغة الإنجليزية ورغم ترجمته ونشره في سلسلة "عالم المعرفة" منذ عام 1985.

بوادر الصحوة العالمية على خطر السياسة الإسرائيلية على السلام العالمي:

إن الجرائم التي قامت إسرائيل بتنفيذها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة، على مدار أكثر من ستين عاماً من تاريخ الصراع العربي الصهيوني من دير ياسين 1948 الى غزة 2009 وما بينهما ، واتساع رقعة الوعي بين الشعوب على خطورة هذا المسار الدموي العنصري على الحضارة والقيم العالمية والسلام العالمي، قد دفع العديد من الكتاب الغربيين وبعض الإسرائلييين في العقدين الآخيرين الى إماطة اللثام عن طبيعة وتفاصيل المؤامرة التي حيكت ضد الشعب الفلسطيني، والجرائم التي واكبت إنشاء إسرائيل ومسيرتها الى الآن، وقام البعض بتأليف الكتب لكشف حقيقة هذا الكيان ومبررات وجوده في التاريخ الحديث، ودشنوا بداية المقاطعة له (كما حصل في الجامعات البريطانية)، بل و مقاطعة المنتجات الإسرائيلية القادمة من المصانع المقامة على الأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1967، وبدأنا نرى تنظيم الحملات ضد جدار الفصل العنصري بمساهمة متطوعين غربيين وإسرائيلين ، وتنظيم حملات الإغاثة للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. هذا و لم يبق كتاب "الإستشراق" للدكتور إدوارد سعيد وحيدأً في الميدان الثقافي الغربي لتفنيد التشويه الصهيوني للحضارة العربية، والرد على المؤرخين التوراتيين، إذ ظهر في فرنسا كتاب " الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية " للفيلسوف " روجيه جارودي " والذي فند المبادئ التي قامت عليها السياسة الإسرائيلية ، وتصدى للإبتزاز الإسرائيلي للغرب في موضوع المحرقة النازية.

وهناك كتاب " إختلاق اسرائيل القديمة" و إسكات التاريخ الفلسطيني" للكاتب " كيث وايتلام " الذي يرد الإعتبار للتاريخ الفلسطيني ويكشف التزييف والتزوير الذي لحق بالتاريخ القديم للشرق الأوسط، من خلال إختلاق سيرة مزيفة و وهمية ومضخمة للدولة اليهودية القديمة. هذا الكتاب الذي نال إعجاب الدكتور "ادوارد سعيد " واعتبره أعظم كتاب وأصدقه في الرد على الإقصاء والتهميش الذي لحق بتاريخ الشعب الفلسطيني في الثقافة الغربية .وكذلك الحال بالنسبة لكتاب " سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية " ل " جايمس بتراس" وكتاب " هيمنة اللوبي الإسرائيلي على الحياة السياسية الأمريكية " للمؤلفين : "جون ميرشايمر" "وستيفن والت" الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة في العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها ،ولكن هذه الضجة ما لبثت أن خبت بتأثير الهيمنة الصهيونية على ميدان التأليف والنشر في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي إسرائيل نفسها:

وحتى في إسرائيل نفسها، التي تقوم سلطاتها بجهود مستميتة لتغيير الوقائع على الأرض، ويتكفل فيها قادة الجيش بالإشراف على الحفريات تحت مدينة القدس الشريف، وفي جميع أنحاء الأراضي المحتلة، كمكمِل للأعمال العسكرية، ولإخفاء كل ما يمت للتاريخ العربي الفلسطيني بصلة، ولتثبيت المزاعم التاريخية الصهيونية. فقد وجد من جيل المؤرخين وعلماء الآثار الجدد، من أعترفوا بعدم وجود أية آثار للدولة اليهودية القديمة في فلسطين، كما وجد بعض أساتذة الجامعات ممَن يحترمون علمهم، ويدحضون بشكل علمي ورصين المسلمات التي ارتكزت عليها الأسطورة الصهيونية من أمثال "شلومو ساند" الذي ألف كتاباً أسماه " بعثرة أسطورة قومية" (chattering a national mythology)الذي أنكر وجود أمة يهودية في إسرائيل أو في الشتات، أنكرفيه وجود تاريخ موحد أو أصل واحد للشعب الموجود في إسرائيل حالياً، وقال إن هؤلاء وأجدادهم لم يهاجروا من فلسطين، وإنما إعتنقوا الديانة اليهودية في أوطانهم وبين أقوامهم، وفي فترات متباعدة من التاريخ و في مناطق متباعدة في الجغرافيا، وذلك بعد زوال مملكة إسرائيل القديمة بقرون عديدة. فهؤلاء لم يخرجوا من فلسطين، ولا علاقة لهم بها سوى الإرتباط الديني فقط. وقد ترجم هذا الكتاب إلى الفرنسية تحت عنوان "متى وكيف اكتشف الشعب اليهودي".
كذلك الحال بالنسبة لمواطنه المؤرخ المعاصر " إيلان بابي" الذي أماط اللثام عن التخطيط الصهيوني المبرمج مسبقا للمجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، تطبيقاً لسياسة إسرائيلية رسمية بهدف تفريغ فلسطين من الفلسطينيين، لمحاولة إقناع العالم أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب جاء الإسرائيليون من أجل تعميرها وخلق النموذج الحضاري الغربي الوحيد في المنطقة العربية المتوحشة، وألف كتاباً بالوقائع والتواريخ والأسماء، يدمغ الصهاينة و يكشف أكاذيب إدعائهم أن اللاجئين الفلسطينين هاجروا عام 1948 بمحض إرادتهم. كما يثبت مسؤلية إسرائيل عن النكبة الفلسطينية برمتها، و ألف كتابا ترجم للغة الإنجليزية بعنوان "التطهير العرقي في فلسطين" (The ethnic cleansing of Palestine) وهو يجهر برأيه في إسرائيل نفسها ويطوف الدول الغربية بمحاضراته في هذا الموضوع الهام الذي يثبت حق العودة للاجئين الى بيوتهم وممتلكاتهم .

وبعد ذلك يحق لنا أن نتساءل:

هل نحن مقبلون الآن على عالم بلا صهيونية ؟

هل انفصمت عرى التحالف الصهيوني الغربي بما يؤذن بتخلي الغرب عن إسرائيل ؟

هل يحق لنا الرهان على تطرف السياسة الإسرائيلية في تعاطيها مع السياسة الدولية ؟

لا بد لنا أن نقر هنا أن الأصوات التي تنفلت من سياق السياسة الغربية الداعمة للصهيونية هنا وهناك، والنقد المباشر لجرائم إسرائيل وتغولها في المنطقة العربية، لا يعني إطلاقا تحولا جذريا باتجاه إعادة النظر في المشروع الصهيوني بأكمله، وإنما هي صحوات ضمير فردية لازالت في بداياتها، علينا استثمارها و تغذيتها حتى نصل بها إلى أن تغدو تيارا فكريا وثقافيا منسجما مع القيم الحضارية الانسانية، و مناهضا للعنصرية الصهونية.
وأغلب ما نسمع ونرى لا يخرج على الإحتجاج من بعض المثقفين على همجية الجرائم التي تمارسها إسرائيل، وعلى إمعانها في " الاستخدام المفرط للقوة" ضد شعب أعزل، ترى إسرائيل في وجوده عائقا أمام مخططاتها التي تسابق الزمن في استكمالها بشكل فج، واستفزاز صارخ للضمير الإنساني ووسائله المتحضرة.
ولا بد من القول كذلك أن الأساطير التي تسللت منذ قرون إلى العقائد الدينية والمفاهيم الاجتماعية الغربية، لا تنتهي بهذه السرعة وفي جبل واحد، وما يسمى بالضغط الغربي على إسرائيل الآن، لا يزيد عن كونها محاولة من ولي أمرها لتهذيب وسائلها وترسيخ وجودها، وتأهيلها لتكون ركيزة سياسية عسكرية واقتصادية للغرب في المنطقة العربية، بعد أن اكتمل الاعتراف بها كدولة من دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر.

وهنا يأتي واجب المثقفين والمفكرين العرب لأخذ دورهم في الاشتباك والاندماج في المعركة الحضارية، باستمرار إثارة المشكلة كنقطة توتر ساخنة تعيق السلام العالمي، وتفوض القيم والركائز التي تستند عليها المساعي الدولية لتوحيد الجهود لبناء حضارة كونية واحدة، تنسجم مع التقدم الهائل للعلوم والمواصلات، وحوار الحضارات، والتبادل الثقافي والفكري بين الشعوب. و ترسيخ دورهم الفاعل على الساحة الدولية، لتوسيع رقعة الوعي على لا إنسانية عدونا الصهيوني، المعيق لسعي البشرية نحو التوحد والتقدم.

وكما و لا بد من التساؤل أيضا: هل نحن أحرار في تصدينا الفكري والثقافي للمبادئ والممارسات الصهونية؟ وما علاقة كل ذلك بمنع التحريض الذي التزمت به دولنا في اتفاقياتها مع إسرائيل؟

مع من نتحاور؟ و بمن نبدأ أولا؟ بأوروبا، أمريكا، بأصدقائنا في العالم، أم بإسرائيل؟ وما علاقة كل ذلك بالعامل البشري في نجاح أو فشل المشروع الصهيوني؟؟؟

ماذا تعني مقاطعة إسرائيل؟ وماذا يعني التطبيع معها؟ هل يشمل ذلك شعبنا في إسرائيل وهل من الحكمة مقاطعة القدس والشعب الفلسطيني تحت الاحتلال؟

كل هذه الأسئلة وغيرها تصلح لأن تكون موضوعات للبحث وتنظيم ورش عمل ثقافية للإجابة عليها، و تحليلها والتعاطي معها بما يلزم من الجدية والالتزام.


 
المصدر : وکالة معا الأخباریة
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك