التعددية أو الفوضى
ايمان شمس الدين
كاتبة وباحثة(الكويت)
لعل الجغرافيا السياسية في الداخل اللبناني تخلق حتميات عمل على الساحة يصبح اختراقها مداناً حد التكفير في ظل تجاذبات سياسية ليست من عيار الخلاف الداخلي المعهود في داخل الدولة، وإنما عيارها مدفعي يحول الخروج على هذه الحتميات بمثابة خيانة عظمى على ضوء قراءتها في سياقاتها التاريخية وضمن أحداث الزمن السياسية التي ترسمها صراعات قوى ونفوذ عالمية في بقعتنا الجغرافية الصغيرة لبنان.
ان الجدل الذي حصل مؤخرا في بعض الاوساط الشيعية يكشف عن صراع حقيقي له جذوره التاريخية في الذهنية الشيعية، لكن حراكه التراكمي معرفيا كان مكبوتا سياسيا نتيجة الأحداث التي مر فيها لبنان في صراعاته الداخلية والخارجية.
فالطائفة الشيعية اليوم ككيان طائفي ومكون من مكونات المجتمع اللبناتي تتمثل غالبا بجهتين من الناحية السياسية والعقدية بكل ما تحمل هذه من أبعاد داخل وخارج دينية: الأولى «حزب الله»، والثانية حركة «أمل».
ومن الطبيعي المفروض وليس الواقع في ظل الظروف السياسية التي مر فيها لبنان خلال العقود الأخيرة وفي ظل شبه غياب للدولة أن تنشأ أحزاب تشكل حصانة لطوائفها أو لإيديولوجيتها.
وفي البين وفق تراكم المعرفة وتطور الفكر في ظل عولمة فتحت فضاءنا العربي على فضاء الغرب المعرفي، خاصة أن يكون لأفراد من هذه الطوائف أو من تلك الإيديولوجيات صوت مغاير خارج ثقافة الأحزاب، وبغض النظر عن تقييمنا لحراكهم ومدى صوابيته من عدمه، يبقى حقاً لكل فرد أن يكون له رأيه وخياراته حتى لو خالفت رغباتنا ومواقفنا السياسية.
فحينما نطالب بقيام دولة وفق مبدأ ثلاثي هو الدولة والجيش والشعب فنحن نقر بالتعددية والتعايش، وهو ما يفرض علينا أن نكون تعدديين في داخل طوائفنا وأحزابنا تحت سقف مواطنة يحفظ الجميع وحقوقهم.
وتبقى أي خصومات سياسية خارجة عن التجاذبات الشخصية والاتهامات بالخيانة التي تضرب كينونة الأشخاص الاجتماعية التي تتعداهم لأسرهم.
فوجود مجموعة من أبناء الطائفة الشيعية خارج إطار الحزب والحركة هو حق علينا عدم التعدي عليه، وأي اعتراض على منهجية هؤلاء لا يتم إلا بالحوار إذا كان الخلاف فكرياً، والقانون إذا كان الخلاف متعلقاً بالأمن وانتهاك الحقوق، وحتى مع ذلك يبقى المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، ومقاضاته يجب أن تتم بعيدا عن سمسرة ومزايدات الاعلام التي أصبحت مهنتها التكسب بسبق صحافي على حساب الاستقرار الداخلي وصون الكرامات.
ومع تحفظاتنا الشديدة على حراك البعض من أبناء الطائفة الشيعية، إلا أن التحفظ شيء والاختلاف حق، ومحاولة التخوين الذي هو في ثقافتنا بمقام التكفير شيء آخر.
فلا يحق لمن ينادي بقيام دولة من أي حزب أو طائفة أن يمارس ما هو خلاف منطق الدولة وخلاف منظومة القيم التي باتت في آخر أولوياتنا في عرفنا السياسي.
ولست أشك أبدا في أن سماحة السيد حسن نصرالله يرفض الاختلاف ولا الرئيس نبيه بري، لكن المشكلة ليست في القيادات بقدر ما هي في بعض الكوادر أو ما يسمى بالصقور الذين يديرون أحيانا معارك في كواليس العمل السياسي ظنا منهم أنهم حماة الطائفة الذين يمنعون التعدد في جسدها بحجة الأمن والعدو الصهيوني. وهو ما قد يفهم محاولة لضرب بل قتل أي ولادة شيعية جديدة خارج منظومة الحركة والحزب في مهدها.
برغم اختلافنا مع منهج هؤلاء المعنيين بالجدل الدائر، لكن الإنصاف يتطلب عدم سلبهم حقهم في اختيار منهجهم السياسي الذي يريدون لأننا نحيا في بلد لا يمكن أن يستمر إلا بقبول التعددية السياسية والفكرية والتعايش ضمن هذه التعدديات كي نضمن الاستقرار الاجتماعي وإلا فالبديل هو الفوضى التي يعتمد عليها العدو الصهيوني في تفتيت الداخل اللبناني.