الإسلام الوسطي مستهدف غربياً

الإسلام الوسطي مستهدف غربيا

الخوف المرضي من الإسلام على خلفية تعاقب الحضارات

نبيل شبيب

تعاقب الحضارات سنة تاريخية انسيابية
الهجمة خارج الحدود والضعف داخليا
تفكيك مقولة الخوف المرضي من الإسلام
منطلقات لتواصل حضاري

انعقدت الدورة التاسعة عشرة (2009م) للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في اسطنبول، بدلا من مقره الرسمي أو في لندن كما كان ينعقد سابقا، وأشار رئيسه، فضيلة الشيخ القرضاوي، إلى أن الدول الأوروبية باتت تضيق به.. ويأتي هذا رغم أن ما صدر عنه حتى الآن يساهم إسهاما كبيرا في تحقيق هدف اندماج المسلمين في مواطنهم الأوروبية، وهو الهدف الرسمي المعلن أوروبيا، وليس مجهولا أن المجلس يمثل النهج الوسطي الإسلامي، أي "نهج الاعتدال" وفق التصنيفات الغربية الحديثة.
وتزامن انعقاد المؤتمر مع حادثة قتل صارخة بمختلف المقاييس، ضحيتها مسلمة من عامة المسلمات، مروة الشربيني -رحمها الله- التي كانت مسلمة مثقفة عاملة (صيدلية) لم يُعرف عنها تشدد أو تطرف، إنما كان حجابها يدل على إسلامها، فتعرضت للإهانة، ثم القتل داخل قاعة محكمة، وهذه في الأصل حادثة فردية، إنما لا تنفصل العنصرية العدائية لدى مرتكب الجريمة عن أجواء عدائية عامة في الغرب، أوجدها إرث طويل وصعّدتها موجة الافتراءات والإساءات البالغة خلال السنوات الماضية تجاه الإسلام والمسلمين.
القاسم المشترك بين هذا وذاك (وكثير من الشواهد الأخرى) هو ما يدفع إلى التساؤل:
هل النهج الوسطي الإسلامي الذي ينعكس في واقع الغالبية الكبرى من عامة المسلمين ومن علمائهم ودعاتهم وتنظيماتهم هو المستهدف رغم ما يوحي به حجم ما يصنع تحت عناوين الحرب ضد الإرهاب والتطرف والتشدد، ضد المسلمين وبلدانهم بزعم استهداف "فريق" منهم فحسب؟..
ألا يعني ذلك أن ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام (إسلامفوبيا.. كما شاعت تسميتها نقلا عن اللغات اللاتينية) في الغرب تسري في حقيقتها ومظاهر التعبير عنها، على وسطية الإسلام، التي لا غنى عنها في قيام بناء حضاري إسلامي إنساني؟..
ما هي الأسباب وراء ذلك الخوف المرضي؟..
الأسئلة المطروحة جديرة بالمتابعة الدقيقة والبحث العلمي والتحليل المنهجي، فالإجابة عليها بالغة الأهمية في وضع أي صيغة شمولية/ استراتيجية، ضرورية لتنبثق عنها -أو لتنضبط بمقتضياتها- جهود التوعية إسلاميا، والحوار مع الآخر، وتحديد المواقف من التطورات والأحداث، وتطوير التعامل مع ما يطرأ من تبدل في الشكل غالبا وفي الجوهر نادرا على صعيد تعامل الغرب عموما، وعبر تعدد النظرات فيه تخصيصا، مع الإسلام والمسلمين.
ليس من طبيعة هذه الأسئلة أن توصل إلى إجابات قاطعة، إنما الحاجة إليها ماسة وحيوية، تفرض البحث والمتابعة، وهو ما يتجاوز بطبيعة الحال مجرد إشارات مبدئية تقدمها الفقرات التالية في إطار جانب واحد من تلك الأسئلة، يرتبط بوجود الإسلام والمسلمين في الغرب نفسه.  

تعاقب الحضارات سنة تاريخية انسيابية

في البداية ملاحظات معدودة:
1- لا يوجد تاريخيا ولن يوجد مستقبلا ما يوصف بصدام حضارات ولا يوجد أيضا ذوبان حضاري، إنما هو تفاعل متواصل تاريخي، يفضي بين حقبة وأخرى إلى انتقال انسيابي لمقود المسيرة المتتابعة دون انقطاع في التطور العلمي والمدني وغيره، من طرف حضاري إلى آخر، أي من منظومة قيم فقدت مفعولها، إلى منظومة قيم أخرى، تمثل الحاضنة الحضارية لأمة أو مجموعة من الأمم، فتصبح هي المؤثرة على واقع الأسرة البشرية. ومع مراعاة الفوارق بين عصر وعصر، نجد الشواهد على هذه القاعدة كثيرة في محطات انتقال المقود الحضاري قديما، مثلما شهدناه في النقلة الحضارية إلى الدائرة الإسلامية قبل أكثر من ألف عام، ثم إلى الدائرة الغربية قبل بضعة قرون.
2- لم يسبق وقوع نقلة حضارية ماضية، ولن تقع في المستقبل، عبر مفعول القوة، ولا سيما المسلحة المتفوقة، فالسلاح يدمر ويهدم من خلال الحروب، أما الرسالة الحضارية فقد تبدأ مع اللحظة التاريخية للتدمير والهدم، فهما آخر ما يؤدي إلى السقوط الحضاري لمن يمارسهما، باهتراء منظومة القيم التي يزعمها لنفسه، وقد تهترئ ذاتيا لأسباب أخرى، هي ما يعبّر عنه مصطح الترف القرآني، فتبدأ النقلة الحضارية الانسيابية، وتكون غالبا في صالح الأمة الأضعف عسكريا، وهذا ما تشهد عليه ولادة الحضارات المتعاقبة جميعا، إذ كانت لحظة الولادة دوما لحظة ضعف تاريخي بمقاييس القوة المادية المحضة.
3- لا تحدث النقلة الحضارية بصورة فجائية، بل تأخذ وقتها من عمر التاريخ، ويزداد هذا الوقت قصرا مع ازدياد مفعول المنجزات التقنية البشرية على العنصر الزمني في التغيير، ونرصد هذه النقلة وتسارع وتيرتها في التاريخ المقارن لتعاقب الحضارات الماضية، كما نرصد حاليا إرهاصات نقلة حضارية جديدة، يشهد عليها مفكرو الغرب على تباين توجهاتهم ودوافعهم وغاياتهم، كصاحب نظرية صدام الحضارات، صموئيل هيننجتون من جهة، وما كتبه روجيه جارودي من جهة أخرى.
4- إن الهجمة العسكرية على العالم الإسلامي على امتداد عقود أعقبت الحقبة الاستعمارية المباشرة، والتي بلغت أقصى مداها منذ مطلع القرن الميلادي الحادي والعشرين، فجمعت بين عناوين الحرب ضد الإرهاب والحروب الاستباقية والحرب الشاملة.. هذه الهجمة لا يمكن أن تخنق إرهاصات حضارية تنذر الغرب بسقوط "صلاحيته لقيادة الحضارة البشرية الإنسانية" إضافة إلى معالم اهتراء منظومة قيمه ذاتيا، وهو ما أوجد فراغا يُحسب في الغرب حساب ملئه عبر منظومة القيم الإسلامية الحضارية.
يعتقد كاتب هذه السطور أن المخاوف الغربية الوهمية أو الحقيقية من الإسلام تدور حول هذه المحاور، وأن الحديث عن خطر إرهابي، مع التهويل من شأنه، يلعب دور التغطية على المخاوف من "خطر" حضاري مستقبلي، بغض النظر عن المنطلق الإسلامي القائل إن الحضارة الإسلامية تحقق المصلحة الإنسانية المشتركة، ولا تلحق ضررا بالإنسان الغربي.
ما يسمى الخطر الإسلامي -بمنظور غربي- لا يكمن قطعا في مظاهر تشدد وتنطع وتطرف، ولا في عمليات مسلحة، لا يمكن لها -مهما بلغ حجمها وحجم الإثارة المرتبطة بها في المستقبل المنظور- أن تقوض ترسانة الغرب من أسلحة فتاكة تكفي لتدمير الكرة الأرضية عشرات المرات، ولا أن تقوض شبكته المالية والاقتصادية التي يقوم وجوده العسكري والسياسي عليها، إنما الخطر الأكبر -بمنظور غربي- هو خطر منظومة قيم تمثلها وسطية الإسلام، وتطرحها فتكسب عنصر الإنسان من خلالها، لأن فيها ما يصلح للإنسان والأسرة البشرية والعلاقات الدولية، في كل زمان ومكان.
هنا يكمن الجواب على السؤال عن استهداف الإسلام الوسطي وليس ما يسمونه الإسلام الإرهابي.  

الهجمة خارج الحدود والضعف داخليا

إذا تجاوزنا ما ستسفر عنه الجولة الجديدة من الهجمة المتواصلة على الدائرة الحضارية الإسلامية ما بين إندونيسيا والمغرب -ولن تسفر كما يؤكد مجرى الأحداث عن تحقيق أهدافها- فقد كان ملاحظا من البداية كيف أضيفت إليها ساحة وجود الإسلام والمسلمين في الغرب، ولا حاجة هنا لتعداد الشواهد، فعناوينها معروفة، مثل ما سمي القوانين الاستثنائية، ومكافحة الجمعيات الخيرية، والرقابة على الأنشطة الإسلامية، ومحاولة اقتلاع بذور انعكاسات الالتزام الإسلامي من سن الطفولة في المدارس، بينما يتخذ مسلسل الإساءات في هذا الإطار -فيما يتخذ- موقع الاستفزاز في لعبة إثارة ردود الأفعال وتوظيفها ذريعة لأفعال مضادة.
إنما الأهم من المظاهر المباشرة موضع المتابعة عادة بسبب عنصر الإثارة الوقتية فيها، بات جوهر التحرك في الميدان الغربي نفسه هو بذل الجهود المتتابعة لعلمنة الإسلام والمسلمين، وإن حملت عناوين أخرى مختلفة.
على هذه الأرضية كانت -على سبيل المثال- أطروحات المفكر الفرنسي جيل كيبل عن "إسلام أوروبي" يمكن أن يكون مصدر تأثير على صعيد "تطوير الإسلام" في نظره في البلدان الإسلامية لاحقا، بما ينطوي على اندماجه -ولنقل: تدجينه- في منظومة القيم الغربية.
وهي نفسها التي التقطها لاحقا بعض معاهد البحوث الأمريكية مثل معهد "راند"، وقد أصبحت واقعيا مدار الجهود الغربية، ولا سيما الأوروبية، فيما يتعلق باندماج الإسلام والمسلمين في أوروبا، كما يؤخذ من الصيغة المعتدلة نسبيا تحت عنوان مؤتمر الإسلام في ألمانيا، ومن الصيغة المتطرفة عبر نظرة العلمانية الأصولية وتطبيقاتها في فرنسا، مقابل السعي للجمع بين الصيغتين في بريطانيا.
ويمكن الرجوع مثلا إلى ذلك وإلى تفاصيل أخرى في كتاب "الإسلام الأوروبي" الصادر عام 2008م عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي.
على أن وجود الإسلام والمسلمين في الغرب سجل عددا من التطورات في السنوات الماضية، أبرزها للعيان أن جولة الهجمات الغربية ولا سيما الأمريكية الجديدة خارج الحدود، وشمولها للساحة الغربية نفسها، أسفرت عن نقيض ما استهدفته في هذه الساحة، فازدادت الصحوة الإسلامية انتشارا، وتطورت -ولو جزئيا- أوضاع التنظيمات الإسلامية، وارتفعت نسبة المعتنقين للإسلام والمنفتحين على معرفته وفهمه بصورة مباشرة، لا سيما في جيل الشبيبة، بصورة توازي حجم ما نشر من خوف مرضي تجاهه، كما بدأ يزداد معدل الإنصاف والمنهجية في كتابات المفكرين الغربيين عن الإسلام.
بتعبير آخر:
- حيثما وقع الصدام بالقوة، في بلدان المسلمين، كانت الحصيلة إما ظهور مقاومة متصاعدة قد تؤدي إلى نتائج تتناقض مع الأهداف العسكرية الغربية، أو كانت الحصيلة تدميرا وهدما، أي "فوضى هدّامة"، لا تحسم نتيجة المواجهة أو التفاعل بمفهوم الكلمة حضاريا.
- وحيثما كان القول الفصل لمنظومة القيم، والتعرف المباشر عليها، دون توظيف قوة عسكرية، كانت الحصيلة في صالح منظومة القيم الإسلامية، وإن بقي ذلك حتى الآن على مستوى الأفراد والمظاهر والعلاقات العامة، ولم يصل إلى مستوى مفاصل صناعة القرار الفكرية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الغرب. ولأن وسطية الإسلام هي التي تعبر عن منظومة قيمه بصورة متكاملة شاملة، لا ينبغي استغراب استهدافها في الدرجة الأولى.
ولا تؤدي هذه المعادلة بشطريها إلى تغيير سريع، ولا إلى نقلة حضارية -فالأسباب الموضوعية الأخرى كثيرة ومطلوبة، وغير متوافرة حتى الآن- ولكن تؤدي المعادلة المذكورة في الوقت الحاضر إلى تعزيز القول إن جوهر المخاوف الغربية كامن في البعد الحضاري بخلفيته العقدية والثقافية والقيمية، وليس في موازين القوى الظاهرية تسلحا وقتالا وفرضا للإرادة السياسية عبر لعبة الهيمنة والتبعية، بل تؤكد أن اللجوء إلى عنصر القوة كامن في انتشار الاقتناع لدى المسيطرين في الغرب أنهم لا يملكون سوى هذا العنصر في مواجهة "خطر القيم"!..
تشهد على ذلك التساؤلات الحائرة مع اندلاع الحرب التدميرية ضد العراق، علام اندلعت إذا كان الحصول على ثروته النفطية الضخمة ممكنا.. دون حرب؟.. وهو سؤال تطرحه فرضية أن الغرب لا يتحرك إلا وفق موازين مصالحه المادية فقط!..
إن المخاوف في الغرب تتصاعد من أن توظيف التعامل مع الإسلام والمسلمين داخل حدوده، كحلقة في حلقات المرحلة الحالية من الهجمة الطويلة على الدائرة الحضارية الإسلامية، يوشك أن يمثل نقطة ضعف رئيسية، فهنا يغيب مفعول السلاح، ولا يبقى من أسباب القوة الغالبة، سوى ما سمي القوانين الاستثنائية، أو ما بدأ يُتخذ من قوانين تعسفية على صعيد مكافحة مظاهر الوجود الإسلامي، كالحجاب والتمسك بأخلاقيات الإسلام على صعيد بعض مظاهر الاختلاط المفرط في المدارس، وجميع ذلك يشهد على اهتراء ثوابت أساسية في منظومة القيم الغربية، واهتراء مصداقية الحديث عن اندماج إيجابي، فلا ينبغي إذن استغراب ما سبقت الإشارة إليه بصدد أن الدول الاوروبية لم تعد تتحمل "الدور الإيجابي للاندماج" الذي يضطلع به المجلس الأوروبي للإفتاء.  

تفكيك مقولة الخوف المرضي من الإسلام

لا يفيد التعميم في تحديد كنه ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام الوسطي حضاريا، فنشأته وتطوره واستمراره ظاهرة تجمع عوامل عديدة، من الموروث تاريخيا، والمصنوع حديثا، فكريا وثقافيا، والمتكامل مع استغلال أسباب معاصرة مرئية، مثل ما يطلق عليه وصف الإرهاب تحت عنوان إسلامي.
كما لا يفيد التعميم في القول إن هذه الظاهرة منتشرة على حد سواء، على مستوى العامة من الشعوب، وعلى الأصعدة الفكرية والثقافية، وعلى مستوى صناعة القرار الغربي في مختلف الميادين، فليس هذا واقع الحال.
إن عملية الدراسة والاستقصاء لهذه العوامل والعناصر عملية مضنية بطبيعتها، لا تسفر عن نتيجة حاسمة، فمن جوانب الظاهرة ما يصدر عن وقائع يُستشهد بها، ومنها ما هو مصطنع بقصد التخويف، كما أنه لا يوجد قطاع من القطاعات الغربية الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية، إلا ويوجد فيه طبقات متعددة تتأرجح بين أقصى درجات التعصب والتعنت الأصولي العلماني، ودرجة متقدمة من الفهم والاستيعاب للآخر والإنصاف على صعيد القضايا المتعلقة به.
إنما نقف عند جوهر الظاهرة انطلاقا من فرضية أنه كامن في الخوف من حدوث نقلة حضارية وفق السنن التاريخية الثابتة، فهنا يمكن التساؤل:
- هل يوجد ما يسوّغ الخوف المرضي الغربي من حضارة قائمة على النهج الوسطي الإنساني الإسلامي؟..
- أين التناقض فيما يراه هذا النهج من حرية المعتقد، والبحث العلمي، والتقدم التقني، والإنتاج المادي، مع ما يراه النهج الحضاري الغربي..نظريا على الأقل؟..
- هل يمكن أن تقوّض حضارة إسلامية إنسانية وسطية منجزات علمية وتقنية ومادية حققتها الدورة الحضارية أثناء استلام الغرب لمقود مسيرة التطور البشري على هذه الأصعدة؟..
بقليل من التدقيق العميق، دون الاستغراق في نقاش مستفيض، لا نجد الخوف الغربي متركزا على منجزات تقدم مطلوب بشريا دون جدال، بل على مواضع انحرافات شهدتها مسيرة الحضارة الغربية عموما، لا سيما في العقود الأربعة الماضية منها. وقد بدأ الانحراف واستفحل بقدر ما اضمحل مفعول القيم العقدية والروحية والخلقية لحساب مفعول عناصر سيادة المادة و"ثقافة" الجسد وتغليب قانون تفوق أسباب القوة (شرعة الغاب) باسم الواقعية على ما عداه.
وأوجد هذا الانحراف مراكز للسيطرة في الدائرة الحضارية الغربية، أبرزت الأزمة الرأسمالية الحديثة بعضها وبعض أفاعيلها للعيان، وما يزال كثير منها مستترا نسبيا، إنما هو قائم ومسيطر على ما تراه مراكز السيطرة "مكتسبات" لها، ويتركز عليها الخلل الأكبر بين التقدم المتحقق في مختلف الميادين المادية والتقنية، والتخلف الخطير فيما يتعلق بإنسانية الإنسان.  

منطلقات لتواصل حضاري

من حصيلة ما سبق:
1- إن جوهر الخوف المرضي القائم في الغرب تجاه الإسلام هو الخوف على مكتسبات مراكز القوى المسيطرة، وليس على منجزات التقدم..
2- محوره الحاسم هو الحرص على زمام السيطرة على المنجزات من جانب مراكز القوى المهيمنة فضياعه يعني العجز عن توظيفها لتحقيق مكتسباتها الذاتية..
3- يقابل ذلك التفاعل الاجتماعي مع الإسلام، المتزايد تدريجيا، خارج نطاق مراكز القوى المهيمنة، ورغم جهودها المضادة..
4- ينعكس هذا التفاعل مع الإسلام على أرض الواقع اعتناقا وانفتاحا وإنصافا داخل المجتمعات الغربية، حيثما تحرر التواصل المباشر من مفعول عنصر الهيمنة..
5- لا يمنع ذلك من استمرار وسائل الإعلام وبعض وسائل الفكر والثقافة، بتأثير مراكز القوى المسيطرة عليها، في ترويج مزيد من العداء والافتراءات والإساءات، كما لا يمنع استمرار مفعولها على مستوى قطاعات كبيرة من العامة، وهنا -فقط- يلعب عامل الجهل دوره في "حجم" الخوف المرضي من الإسلام على صعيد العامة أيضا..
6- هذا بدوره ما تقوم عليه -حتى الآن- تعبئة الرأي العام لتسويغ الهجمات المستمرة خارج الحدود وداخلها.
الجدير بالذكر بالمقابل:
لا يستهان بأمثلة التفاعل غير الرسمي من أعماق الغرب مع قضية كحصار غزة، لتقدير أن "الرفض" الشعبي الاجتماعي القائم جزئيا في الغرب، بدأ ينتقل من مستوى التعبير الكلامي الضيق النطاق، إلى مستوى التعبير العملي والمبادرات الأوسع نطاقا، ومن هنا لا ينبغي أن يستهان أيضا بقابلية التواصل الحضاري وتنميته رغم الأجواء العدائية وهيمنتها، ولهذا:
1- من الأهمية بمكان أن نرصد حقيقة أن استهداف عامةِ المسلمين وعموم المظاهر الإسلامية في الغرب، لا يصدر عن العامة من غالبية السكان غير المسلمين، إلا في حالات فردية، وهنا ينكشف دوما -كما في المثال المذكور في البداية عن مقتل مروة الشربيني- مفعول "التخويف" الذي تحققه حملات متوالية من جانب من لا يزالون يمسكون بمفاتيح صناعة القرار ويهيمنون عليها.
2- ومن الأهمية بمكان أيضا أن نرصد أن نسبة مشاركة العامة فيما تسيطر عليه مراكز القوى المتنفذة من مكتسبات التقدم الغربي، لا تتجاوز غالبا القدر الضروري للحفاظ على استمرار حركة عجلة التقدم، بينما بات ازدياد معدلات الفقر والمرض والحرمان داخل المجتمعات الثرية الغربية، ازديادا متصاعدا مفزعا.
3- وتحسن الإشارة هنا إلى عنصر لم يُذكر أعلاه لأنه ليس موضوع الحديث، وهو ما شاع وصفه بثقافة الصمود والمقاومة، وثقافة النهوض والبناء، داخل المجتمعات الإسلامية، فعلاوة على أهميتهما الذاتية على طريق التحرر والنهوض في البلدان الإسلامية، لا يغيب أثرهما على صعيد التفاعل داخل الغرب مع ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام.
4- لا ينبغي أن تستمر صدامات متطرفين مع متطرفين، ومهيمنين دوليين ومحليين مع الشعوب وقضاياها، دون مواجهتها بمزيد من التلاقي على مستويات أخرى، فكرية وثقافية وشعبية واجتماعية، يمكن أن نطلق عليها وصف التواصل الحضاري رغم الجهود المضادة، غير الحضارية بمختلف المعايير.
5- من شروط التواصل الحضاري توافر الرؤية الموضوعية التفصيلية للمجتمع الغربي ومكوناته، فهي بالغة الأهمية في البحث عن مواطن الالتقاء والحوار والتفاعل الإيجابي، خارج الهياكل الشكلية المرتبطة بهياكل السيطرة القائمة، فالمطلوب أن يكون التواصل الحضاري ممكنا مع قطاعات بدأت تواجه هذه السيطرة داخل الغرب أيضا.
6- هذا ما يمكن أن يساهم في العمل لتحويل عجلة الصدام المباشر، حروبا وفوضى هدامة في البلدان الإسلامية وحصارا وافتراءات في المجتمعات الغربية، إلى اتجاه التواصل والانفتاح، وبالتالي إلى علاقات تفاعل متوازنة على أرضية عادلة، بين منظومة قيم غربية ومنظومة قيم إسلامية، وبقدر ما تتحرر من مفعول الهيمنة القائمة، يظهر للعيان أنه لا يوجد من التناقضات إلا القليل على صعيد الأرضية التنظيرية، فالتناقض الأكبر يتركز على ما صنعه الانحراف على الصعيد التطبيقي، بدءا بما تعنيه كلمات الحقوق والحريات الإنسانية، انتهاء بما تعنيه كلمات التقدم التقني والمادي في المسيرة البشرية المشتركة على أرضية الحضارات المتعاقبة.

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.midadulqalam.info/midad/u...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك