الخوف المرضي والتخويف المقصود من الإسلام في أوروبا

معركة المتطرفين مع المتطرفين على حساب المسلمين في البلدان الأوروبية
نبيل شبيب
إنّ ما نرصده على مستوى المناوئين لمسيرة اندماجية قويمة من داخل أوساط غير المسلمين في مواقع عديدة لصناعة القرار في أوروبا، نجد ما يقابله، أو بدايات انتشار ما يقابله في بعض الأوساط الإسلامية، ولا يمكن الجزم أين كانت البداية وكيف انتقلت بين الطرفين، وكأنّها من قبيل العدوى أو الفعل ورد الفعل.
على الصعيد الإسلامي أيضا لا نجد فقط من يتحدّث لتعليل هذه الظاهرة عن عنصر الجهل وحده، أو عن الإرث الثقافي التاريخي، أو ما شابه ذلك من أمور يمكن علاجها وينبغي علاجها فعلا، بل نجد تعليلات أخرى قائمة على اتهامات مضادة، من بينها القول إنّ ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام هي حصيلة جهود مقصودة من ورائها، لتسويغ مختلف خطوات التضييق على المسلمين، وهنا لا يُقصد "بعض" من يكتبون في هذا الاتجاه، كما سبق الحديث، أو "بعض" من يصنعون القرار السياسي، بل تأتي هذه الاتهامات أيضا في صيغة التعميم، لنجد أنّ ما يُعرف بدوامة العنف والعنف المضاد، وتصاعدهما اللوبي، أصبح يتكرّر بصورة أخرى على صعيد المواقف أو ما يمكن وصفه بالعنف الكلامي.
الواقع أنّ المعركة الجارية حول مستقبل الإسلام والمسلمين في أوروبا معركة مصنوعة من جانب فريقين، وتدور بينهما، كلاهما أصوليّ، وكلاهما يمثل قلّة محدودة، ونسبة متدنية. ولكنّ ساحتها أو الميدان المتأثر بها، هي ساحة عموم عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا، وغالبيتهم من أهل البلاد أصلا أو المولودين فيها، ومن المستوطنين فيها بصورة نهائية.
ويوجد فارق جوهري، ففي الطرف الأول، الرسمي وشبه الرسمي في أوروبا، تصدر المواقف المتطرّفة من داخل مواقع صنع القرار أو من جانب المؤثّرين عليه، أمّا على الطرف الآخر فإنّ المواقف المتطرّفة في جانب المسلمين لا تصدر أصلا عن جهة تملك صلاحية صناعة القرار، السياسي ولا سواه، بل هي لا تصدر عن الجهات الإسلامية المنظمّة التقليدية، إنّما عن أفراد وجهات لا يوجد لهم ولها مفعول كبير في أوساط المسلمين.
رغم ذلك مَن يريد التصعيد المتبادل يعمد إلى إبرازها، بالتركيز عليها، وكأنّها "نموذج" يمكن تعميمه. وسبق لهذه الطريقة أن سادت في فترة انطلاقة ما سمي الحرب على الإرهاب، فآنذاك أيضا كانت تؤخذ أقوال فردية، للتضخيم من شأنها إعلاميا وكأنّها تمثل المسلمين في أوروبا عموما، أو هي نماذج معبرة عنهم.
المعركة -إذا صح الوصف- تدور في نهاية المطاف بين فريقين متطرفين، ومن أخطر جوانبها التعامل معها وكأنّها معركة بين عموم المسلمين وعموم المجتمعات الأوروبية التي ينتمون إليها، ولا يزالون بانتظار أن يصل مستوى التعامل معهم فيها إلى حقيقة الحوار والتعايش والاندماج الإيجابي، بدلا من الحديث عن هذه الشعارات كلاما فقط.
حتى في إطار أصحاب الفكر والقلم من النخب الأوروبية، لا يمكن تعميم تلك الصورة المتطرّفة، إلا أنّ المشكلة تكمن -على ما يبدو- في أنّ مراكز صنع القرار الفكري والثقافي، وليس السياسي فقط، ما تزال بغالبيّتها الكبرى في أيدي الفريق الأكثر تشدّدا في نظرته المتوارثة تجاه الأديان عموما، والإسلام تخصيصا، والذي تُعتبر فترة السبعينات والثمانينات من القرن الميلادي العشرين فترة انفتاح الأبواب لوصوله إلى تلك المراكز، نتيجة ما سمّي ثورة الطلبة أو الثورة الجنسية في الغرب عام 1968م.
هذا الفريق يضمحلّ مفعوله وتأثيره يوما بعد يوم، على مختلف المستويات في الحياة الغربية، مثله في ذلك مثل اضمحلال مفعول الفريق المتطرّف الآخر في الأوساط الإسلامية، وما توارثه من نظرات متشددة سابقة. ولا بدّ أن يشمل هذا التطوّر الجانب المتعلّق بالتعامل مع مستقبل الوجود الإسلامي في أوروبا، وهنا يمكن اعتبار ظاهرة الخوف المرضي والتخويف المقصود من الإسلام، ظاهرة مرحلية، قابلة للزوال، شريطة ألاّ يتمكّن الفريقان المتطرّفان من تحقيق أهدافهما عبر استخدامها أداة استغلالية، وبالتالي زيادة العراقيل المنصوبة على طريق قويم يحقّق المصلحة للطرفين، مع ملاحظة أنّهما طرفان في مجتمع مشترك واحد.
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.midadulqalam.info/midad/u...