هل حوار الأديان حقيقة أم خرافة؟

أحمد بن عبد العزيز العامر

مازلنا نعيش في زمن الحوار بأشكال مختلفة ومتجددة، وبين الفينة والأخرى ينظر لنا، أسلوب جيد ووسيلة مبتكرة في الحوار تزيد من إمكانية التلاقي مع إدراك وجود الاختلاف[1]. ولقد فطن لهذا كثير من الباحثين حتى من غير المسلمين فهذا جيمس بيسكاتوري يتحدث في كتابه (الإسلام ومعجزة التعايش السلمي) يوضح أن الإسلام بتعاليمه الإنسانية صنع معجزتين:

أولاً: الوصول إلى تكيف المسلمين في الحياة حينما قسم العالم إلى قسمين مسلمين وغير مسلمين.

ثانياً: اعتبار المهادنة والسلام بين العالمين الأمر الأساس للتعايش[2].

وهذا يتضح بتقرير الإسلام أنه لا إكراه في الدين وأهمية الحوار والجدال مع أهل الكتاب بالحكمة وبالتي هي أحسن فقد خلق الله البشر مختلفين عقدياً وما يزالون كذلك، فقد قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَـجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود: 118]، ولذلك لا يمكن بحال جمع الناس على دين واحد وعقيدة واحدة، فتلك محاولة بعيدة المنال، وهذا يحتم ضرورة الحوار والمناقشة الموضوعيين للوصول إلى الحقيقة التي هي رائد الجميع ما أمكن ذلك، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم الذي وضع قواعد الحوار بين الأديان في عدة مواضع في القرآن ومنها على سبيل المثال قوله تعالى في سورة العنكبوت: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، ولقوله تعالى في آل عمران: {فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإن تَوَلَّوْا فَإنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 20]، وقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. ودعا القرآن أيضاً إلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وقد حاور الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب في عصره ودعاهم إلى اتباع الحق والدخول في الإسلام: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 46]. ففي صيف السنة السابعة من الهجرة، وجّه صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى حكام عصره ومنهم هرقل إمبراطور الروم فقد كتب له كتاباً وأرسله مع صاحبه دحية الكلبي وجاء في الكتاب الذي رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم والسلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين... ولما وصلت الدعوة إلى هرقل وقرأها أو قرئت عليه أوشك أن يستجيب لها ويسلم لكنه آثر ملكه وسلطانه فرفض الدعوة. وقد ذكر الإمام البخاري الحوار معه والذي يتضمن ما يأتي:

1 - ألَّا يُعبد إلا الله وحده.

2 - عدم الشرك معه غيره من المخلوقين.

3 - ألَّا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله.

ولإصرار القوم على خلاف ذلك فشل الحوار. وهذا السبب في فشل الحوارات بين المسلمين وغيرهم عبر العصور وحتى هذا العصر لمواقفهم غير الموضوعية من الإسلام حتى الآن.

هل الحوار المعاصر بدأ من الفاتيكان؟

 

ليس الأمر كذلك، فقد قال أحد الكتاب مدعياً ذلك أن مبادرة الفاتيكان للحوار كانت منذ أربعة عقود ونتج عنها علاقة إيجابية بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة العبرية بعد طول جفاء بين الطرفين[3].

وهذا ما توهمه قبله كاتب معروف له اهتمامه بالشأن النصراني هو الدكتور رؤوف شلبي في كتابه: (رسالة إلى البابا) والمعني بذلك بابا الفاتيكان السابق بولس السادس، وقد طبع الكتاب ونشرته دار المختار الإسلامي في القاهرة، وقال الكاتب إن هذا خطأ منه، فأول حوار معاصر بين الأديان كان بواسطة دعوة الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق في رسالة له إلى مؤتمر حوار الأديان العالمي عام 1963م وقد ألقى الكلمة شقيقه الشيخ عبد العزيز المراغي أستاذ الشريعة الأسبق في الأزهر، بينما نداء البابا السابق لحوار الأديان كان عام 1964م حين دعا إلى علاقات ودية مع أصحاب الديانات الأخرى من الغرب والشرق.

الحوار السعودي مع الغرب:

 

كان الحوار مع الغرب محل اهتمام المسؤولين في هذا البلد على النحو التالي:

أولاً: الحوار مع علماء من أوروبا الذي نظمته وزارة العدل السعودي برئاسة فضيلة الشيخ محمد الحركان - رحمه الله - بناء على الرغبة التي أبداها بعض كباررجال القانون والفكر في باريس للاجتماع بعلماء من المملكة للنقاش حول مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام، فعقدت ثلاث ندوات لهذا الغرض في باريس بتاريخ 7/2/1392م الموافق 22/3/1972م.

وكان الوفد السعودي مكون من عدد من العلماء والمفكرين منهم:

1 - الشيخ راشد بن خنين.

2 - الشيخ عمر المرك.

3 - الشيخ محمد بن جبير.

4 - الدكتور منير العجلاني.

5 - الدكتور معروف الدواليبي.

6 - الدكتور محمد المبارك - رحمهم الله جميعاً -.

وقد اجتمع الوفد مع ثلة من رجال الدين النصارى وعلى رأسهم (سين مايك برايد) أستاذ في جامعة دبلن، ووزير الخارجية الإيرلندية الأسبق، والرئيس السابق لاتحاد المجلس الأوروبي (السكرتير العام السابق في اللجنة التشريعية في الدولة)، والأستاذ (ك. فأساك) أستاذ القانون العام في كلية يوزنسون في فرنسا ومدير قسم حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي آنذاك، والمستشرق (لاوست) الأستاذ في كوليج ديفيرانس. وحصل حوار ساخن بمناقشات علمية عن إنسانية الشريعة الإسلامية وشرعية حقوق الإنسان وفي ختام الحوار أعلن رئيس الوفد الأوروبي (برايد) إعجابه بالإسلام، وما فيه من حقائق تشريعية وحقوق للإنسان وقال: من هنا من هذا البلد الإسلامي يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره، وإن على علماء الإسلام إعلان هذه الحقائق المجهولة عن الرأي العام العالمي حيث إن الجهل بهذه الحقائق سبب تشويه سمعة الإسلام والمسلمين عن طريق من يجهلونه. وقال عالم آخر في الحوار: إني بصفتي النصرانية أعلن أنه من هنا من هذا البلد يُعبد الله حقيقة، وأن على السادة العلماء إيضاح ذلك خاصة الجانب الذي يتعلق بحقوق الإنسان[4].

وكان الملك فيصل - رحمه الله - قد تلقى في 24/4/1974م رسالة من بابا الفاتيكان بولس السادس حملها إليه أمين سر الفاتيكان الكاردينال بينادولي داعياً لإرسال وفد من العلماء السعوديين للحوار معه وعقدت عدة جلسات وندوات إيجابية لتعميق الحوار بين الديانتين في الرياض وروما ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فقد اغتيل الملك فيصل - رحمه الله - عام 1975م ومات بابا الفاتيكان في ظروف غامضة[5] ولم يكشف النقاب عن ذلك حتى الآن. وجاء بعد ذلك (بيندوكتوس السادس عشر) والذي كان عدائياً مع الإسلام بشكل جلي فضلاً عن صعود التيار اليميني النصراني المحافظ في الغرب وكان ذا عقلية استبدادية معادية للإسلام وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وها هم أتباعه اليوم يثيرون الروح العدوانية ضد الإسلام بعد نجاحه المنقطع النظير بإسلام العديد من رجالات الغرب الكبار من العلماء والمفكرين والسفراء، بل وحتى القسس في الغرب أو الشرق على حد سواء، وثارت ثائرة القوم ودفعوا وسائل إعلامهم لمعاداة الإسلام، وأثيرت عقدة ما يعرف بـ (الإسلام فوبيا) ومع أن بعض عقلاء الغرب رفضوا هذه العقلية المريضة وخطأها، ومنهم (جون اسبيزتو) في كتابه الشهير عن (التهديد بالإسلام) وما زالوا يكيدون العداء للإسلام عبر الرسوم الساقطة المسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي أعادوا نشرها من جديد إساءة واستفزازاً للإسلام والمسلمين، ومنهم النائب الهولندي  المتطرف الذي أنتج فيلمه المسمى بـ «الفتنة» حيث هاجم فيه الإسلام ورسوله الكريم، ووصمهم بالعنف والتطرف حتى إن قومه في هولندا استنكروا ذلك ووجدوا أنه لا يمت لصالحهم بصلة بل يكرس روح الكراهية بشكل لا نظير له.

 ما زال المسلمون يرون في الحوار أسلوباً حضارياً للتعريف بدينهم، ولرفع الكثير من الشبهات عنه التي يطرحها غلاة الغرب المتطرفون الذين يخشون الإسلام دون وجه حق. وأحسب أن الدعوات التي تمت مؤخراً للحوار الحضاري مع الأديان ستبقى غير ذات جدوى؛ لأن كثيراً من علمائهم ومفكريهم يكفرون بديننا ولا يعترفون به ذكر فضيلة د. جعفر شيخ إدريس أنه حضر في أحد مؤتمرات دراسات الأديان بالغرب، وبحث عن الإسلام في الأديان السماوية فلم يجده وبعد لأي وجدهم قد وضعوه في الأديان الوثنية!

هذه حال القوم مع الإسلام وصدق الله العظيم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

بل إن البابا شنودة زعيم أقباط مصر الهالك الذي أثنى عليه بعض إخواننا عفا الله عنهم، هل يجهلون حال الرجل وموقفه المعادي للإسلام أم لأسباب أخرى الله أعلم بها، فالنصارى يجعلون الإسلام مع الأديان الموضوعة كراهية له، وأنّى لهم الإنصاف وهم يكفرون بعضهم بعضاً، فهذا (بيندوكتوس السادس عشر) يقول في إحدى محاضراته الأخيرة أنه لا كنيسة للمسيح! إلا الكاثوليكية؛ لذلك هناك عداء كبير بين هذه الفئة من النصارى وإخوانهم الأرثوذكس ولا يغيب عن الذهن خلافهم الشهير في بريطانيا، فهم في شقاق كبير فكيف يكون حالهم معنا!

وحينما زار بابا الفاتيكان الحالي مصر مؤخراً رفض بابا الأرثوذكس الأقباط الهالك شنودة استقباله أو اللقاء معه، ثم ألا يتحاورون مع إخوانهم في الدين ثم يعودون للحوار مع الإسلام، وحينما نرى أمثال هذه العقول المتحجرة والأفكار المستبدة والرؤى المقصية لغيرها نتمنى أن يكونوا على كلمة سواء فيما بينهم، وضرورة تصحيح مواقفهم المعادية للإسلام أولاً حتى نثق في دعاواهم.

لقد عمل نفر من المسلمين في مسألة الحوار مع النصارى في مصر في دوائر لتفعيل الحوار معهم ولكن  دون جدوى، وفي لبنان هناك لجنة الحوار الإسلامي النصراني ويرأسها الباحث اللبناني الشهير محمد السمّاك لم تصل لجنته إلى أي توافق إيجابي يشار له بالبنان، فكيف نثق بالقوم وهم يكفروننا ويعتقدون أن ديننا دين وثني مع أن كتبهم المقدسة صدقّت برسولنا وأشادت به وألفت في ذلك كتب ودراسات معروفة لا يتسع المقام لذكرها مع العلم أنه سبق عقد مؤتمر الحوار الإسلامي النصراني في السودان من 18 - 20/5/1428هـ حضره (42) من علماء الإسلام والنصرانية وتحدثوا عن أهمية الحوار بين الطرفين وتعزيز الوحدة الوطنية وأصدر المؤتمر (18) توصية بدأت بالاعتراف بالآخر وخاصة الأديان السماوية والمطالبة بكتابة ميثاق التعايش الديني ونبذ الاختلاف والتطرف وإيجاد آليات وآواصر الحوار الديني[6].

وبعد تهجم بعض الغربيين على نبينا الخاتم عليه الصلاة والسلام دعا بعض المسلمين ومنهم د. طارق السويدان والدكتور عمرو خالد وغيرهما مع نفر من علماء شمال غرب أوروبا دعوا للحوار بين الطرفين؛ لإيجاد تقارب وتفاهم من أجل خير الإنسان، واتفقوا على احترام الأديان، ودعوا لوضع قوانين دولية تحارب الإرهاب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال، والتهجم على الأديان السماوية من بعض السفهاء والمتطرفين[7].

لكن موقفهم من الإسلام هو نفسه من العداء، والعمل بالتواصل لتنصير المسلمين بكل الوسائل والاغراءات، فهل نعي موقف القوم من ديينا أم ما زلنا نصدق أخاديعهم والحال ما ذكر، فقبل اعترافهم بديننا وكف شرورهم من تنصير إخواننا الذي يعملون له ليل نهار، وحتى نصدق رغبتهم في الحوار الصحيح الذي نتيجته المحتمة إيمانهم بإسلامنا، وحينها سيكون الحوار حقيقية لا خرافة.

وهذا ما لا يمكن لهم أن يفعلوه إلا أن يشاء الله.

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.albayan.co.uk/Uploads/img...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك