''فنون'' الإسلام في اللوفر.....رسائل في التسامح والتصالح
قسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر
أضاف متحف اللوفر إلى أقسامه قسمًا جديدًا خاصًا بالفنون الإسلامية، وبذلك يتجلى المتحف أكثر بوصفه متحف فنون العالم. هذا المشروع الناجح الذي أنجز تحت رعاية ثلاثة رؤساء فرنسيين يتجاوز التطرف، كما يوضح يوزيف هانيمن.
واليوم وبعد تشييد المبنى الرباعي "قسم الفنون الإسلامية" وسط فناء داخلي في الجناح الجنوبي وجعله يقترب متحف اللوفر من طموح مؤسسيه قبل مائتي عام، أي أنْ يكون متحفًا لفنون العالم. هذه الفكرة المتوارثة منذ القرن الثامن عشر لا تسعى لتقسيم المتاحف بناءً على أسس جغرافية-ثقافية، إنما تهدف إلى المزاوجة والتماري (من مرآة) بين الفنون بناءً على مفهوم كونية الإبداع الفني. ويأتي قسم الفنون الإسلامية الجديد ليستكمل هذا المفهوم ضمن توسيعٍ معاصرٍ بديعٍ للمتحف.
يملك المتحف منذ أواخر القرن التاسع عشر مجموعة مقتنياتٍ أثرية من العالميين العربي والإسلامي ولطالما أشترى قطعًا أخرى إضافية. لكنَّ هذه المجموعة لم تـُعرض كاملةً أبدًا وظلت محفوظة في المخازن. لذا كان في طليعة اهتمامات مدير متحف اللوفر الحالي هنري لويرِت ومنذ توليه منصبه في عام 2011 أن يُنشأ قسمًا خاصًا من مجموعة اللوفر التي تشمل خمسة عشر ألف إناء فخار وأجزاء معمارية وسجاد ومخطوطات إضافة إلى ثلاثة آلاف قطعة أثرية من القرون الأخيرة والتي تم جمعها في متحف الفنون الزخرفية الباريسي.
البعد الديني للفنون الإسلامية
إنَّ في الاسم المختار للقسم الجديد برنامجًا، حيث يصعب فصل البعد الديني من الفنون الإسلامية بالقدر الذي يمكن فعله بالنسبة للفنون المسيحية. وبالرغم من ذلك لا يُعنى متحف اللوفر بقطعٍ فنيةٍ إسلامية بالمعنى الضيق للكلمة، إذ أنَّ مقتنيات الحياة اليومية تـُشكِّل القسم الأكبر من المجموعة التي تعد ثلاثة آلاف قطعة. الأعمال الفنية المتأثرة بالإسلام المعروضة على طابقين تشمل تطور الفنون بين القرنين السابع والتاسع عشر وتغطي المساحة الجغرافية الواقعة بين الأندلس والهند وتشملهما. والقطع المعروضة تعبر فقط عن ذاتها من خلال قيمتها الفنية الخاصة ولكنها تروي بفعل التراكم (والتراكم الشديد أحيانًا) تاريخًا ثقافيًا بين السطور عنوانه التزاوج والتأثر المتبادل، أي نقيض استحواذ نقاء الأسلوب تمامًا.
أفاريز مزخرفة من أواخر العهد الروماني تتناثر على لوحات أرابيسك، وقناديل زيت يُكتب عليها بحروفٍ عربية، وأوانٍ فخارية في مصر القرن التاسع عشر تأخذ منحى الأشكال الهندسية المجردة. بهذا يرى الزائر في خزائن العرض الزجاجية تفاصيل كثيرة، ويتبين في نفس الوقت أنَّ رسم الحيوان والإنسان استمر فترة طويلة. تشتهر في هذا السياق فسيفساء رسوم النباتات والقصر في الجامع الكبير في دمشق التي يملك متحف اللوفر جزأين مستنسخين عنها. وهناك أوانٍ بديعة رُسم عليها صورة تنين في القرن الثالث عشر في مدينة الفن البوذية بميان التي تقع اليوم في أفغانستان حيث تم تفجير التماثيل الضخمة قبل سنين.
الاطلاع عن كثب على ثلاثة عهود إسلامية حديثة
كان واضحًا للمهندسين المعماريين ماريو بيلليني ورودي ريتشيوتي أنَّ تشييد سقفٍ كبيرٍ فوق فناء القسم الذي يحوي مقتنيات صغيرة الحجم لن يجدي النفع الحاصل في أقسام متحف اللوفر الأخرى حيث تـُعرض منحوتات ضخمة جدًا. لذا فضل المهندسان الزجاج المتموج والشباك المعدنية المرفوعة على دعامات مائلة تشبه الخيمة لبناء السقف وحافظا على مسافةٍ بين القسم المبني حديثًا وواجهات المبنى الداخلية المطلة على الفناء، فنتج عن ذلك تضادٌ بين القديم والجديد أظهر حسن الزخرفة على الواجهات.
أبهة مضمرة
كما يتجلى الدمج الناجح بين الفضاءات الجديدة ضمن طوبوغرافيا متحف اللوفر القائمة. حيث يجد الزائر مسارين يفضيان إلى الجهة الشمالية حيث قاعات الآثار الإغريقية ومسارًا يفضي إلى الجهة الشرقية حيث تـُعرض الفنون القبطية المصرية. أما في الجهة الجنوبية فقد تمت إعادة تشكيل مجموعة الآثار الرومانية الشرق متوسطية في سياق البناء الجديد.
تتجلى هنا للمرة الأولى بأبهى أشكالها قطع الفسيفساء من أنطاكيا التي تخضع اليوم لتركيا أو من الكنيسة في قبر حيرام من بدايات المسيحية في مدينة صور القديمة الواقعة اليوم في لبنان. وقاعات عرض آثار الإمبراطورية الرمانية الوسيطة والأخيرة تزخم بتلاقح الثقافات وتداخلها. كما نجد تمثالاً برونزيًا لحورس إله الشمس عند المصريين القدامى إلى جانب تمثال إله الأيروسية الطيني وتمثال باخوس الرخامي إله الخمر الإغريقي.
تحت إدارة هنري لويرِت تحول متحف اللوفر إلى متحفٍ عالمي بإدارة تعتمد المناهج الأكثر حداثة. وقد تم ترميم سقف مصري مملوكي مقوس من القرن الخامس عشر وأجزاء مشربية من القرن الثامن عشر بكلفة ستمائة ألف يورو تم تمويلها من برنامج متبرعين أفراد. وجديرٌ بالذكر أنَّ القائمين على متحف اللوفر لا يتقنون بيع اسمه بمبالغ مرتفعة لإمارة أبي ظبي وحسب، إنما أيضًا جمع التمويل الخارجي السخي من دولٍ أخرى لصالح المتحف في باريس.
هكذا كلـَّف إنشاء قسم الفنون الإسلامية مائة مليون يورو غطت الدولة الفرنسية ثلثها، أما باقي المبلغ فقد حصل متحف اللوفر عليه من مداخيل المتحف ومن متبرعين أفراد، كما حصل على أكثر من ربع المبلغ من ملك المغرب وأمير الكويت وسلطان عُمان ومن جمهورية أذربيجان. ما يبدو للوهلة الأولى تشابكاً بين مؤسسة ثقافية واستراتيجيات تسويق صورة حسنة عالميًا يبقى مقبولاً في هذه الحالة لأن متحف اللوفر يحافظ على استقلاليته، ولأن سياسة المتحف صارت تعبر السياسة اليومية، والنتيجة البائنة مقنِعة وتـُظهِر تداخلاً رائعًا بين العالمين الغربي والإسلامي يتجاوز التعصب.