السلطنة تطلق خطة وطنية لتحالف الحضارات .. تسامح وتعايش سلمي بين الحضارات والأديان

عاصم الشيدي
كشف مصدر مختص بمركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية أن الخطة الوطنية العمانية لتحالف الحضارات باتت جاهزة للتطبيق بعد أن حظيت باعتماد المقام السامي ومباركته، وبعد أن تم اعتماد موازنة تنفيذها. وبدت الخطة التي حصلت "شرفات" على نسخة منها مؤكدة على رسالة " التسامح والتعايش بين الحضارات والأديان"، مرتكزة في ذلك على سماحة الدين الإسلامي.
ويعتبر مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية نقطة اتصال السلطنة مع العالم فيما يتعلق بتحالف الحضارات.
وتأتي الخطة التي تنشر "شرفات" تفاصيلها والتي سوف تطبق على مدى أربع سنوات، متواكبة مع توصيات المنتدى الثاني لتحالف الحضارات والذي عقد في مدينة إسطنبول عام 2009، والذي كانت السلطنة قد شاركت فيه. وكانت مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان قد شاركت ضمن وزارات ومؤسسات حكومية وخاصة بإعداد خطة السلطنة لتحالف الحضارات.
وتتمحور أهداف الخطة الوطنية العمانية حول أربعة محاور هي التعليم، والشباب، والهجرة، والإعلام. ومن بين أبرز أهداف المحاور السابقة التعريف بحضارات العالم وانجازاتها التاريخية وتعزيز مبادئ الحق والعدل والمساواة والاحترام المتبادل بين الشعوب. وتوظيف الأنشطة الشبابية في المجالات الثقافية والدينية والفكرية في تنمية الوعي بأهمية تعزيز روح الحوار بين الحضارات والأديان محليا وإقليميا وعالميا. واحترام خصوصية الهوية الثقافية والدينية للعاملين غير العمانيين والمقيمين بالسلطنة والزائرين لها. وتوظيف وسائل الإعلام في تنمية الوعي بأهمية الحوار والتقارب الحضاري بين الشعوب المختلفة في تقدم المجتمع الإنساني واستقراره.
ومن بين أهم البرامج التي سوف تتبنى الخطة الوطنية خلال الفترة من 2011 إلى 2014 تنفيذها، برنامج تواصل الثقافات في سلطنة عمان، والذي يستهدف فئة الشباب ويهدف إلى ترجمة الاهتمام الدولي بموضوع الحوار بين الثقافات بصورة علمية، وتصحيح النظرة السلبية التي ينظر لها الغرب إلى الشرق والعكس. وبرنامج النادي الطلابي العالمي على الشبكة العالمية، والذي يهدف أيضا إلى إتاحة الحوار الإيجابي البناء حول مختلف القضايا الإنسانية والعالمية كحوار السلام والتربية المواطنة والتربية البيئية. وملتقى مسقط السنوي للشباب، ويهدف إلى إيجاد مساحة مشتركة للحوار بين الشباب من مختلف الجنسيات لمناقشة مختلف القضايا الدولية. إضافة إلى مشروع انتاج ودبلجة الأفلام الوثائقية التي تتناول تجارب التواصل العالمي بين الحضارات والشعوب، سواء ما كان منها تاريخيا أو معاصرا وستقوم بتنفيذ هذا المشروع وزارة الإعلام ممثلة في تلفزيون سلطنة عمان. كما ستتبنى الخطة العشرات من البرامج والمشاريع الحضارية القائمة والتي تتميز بها السلطنة في سياق تحالف الحضارات.
***
ويأتي موضوع التحالف بين الحضارات والحوار بين الأديان في مقدمة اهتمامات سلطنة عمان إيمانا منها بأهمية السلام والتعايش بين دول العالم لتوفير التنمية والتطور والتقدم لشعوبها. وحرصت السلطنة على الانضمام كعضو في مجموعة أصدقاء مبادرة تحالف الحضارات المنبثقة من منظمة الأمم المتحدة، داعمة للأهداف والمبادئ التي تدعو إليها والمتمثلة في تعزيز وتحسين أواصر التفاهم والتعاون بين الشعوب والأديان والثقافات المختلفة.
وتمثل الخطة الوطنية الخاصة بتحالف الحضارات استعداد السلطنة لتفعيل أهداف مبادرة تحالف الحضارات وذلك من خلال إبرازها للجهود المبذولة في السلطنة فيما يتعلق بتعزيز التواصل والتفاهم بين الثقافات المختلفة ودعم التعايش السلمي بين شعوب العالم.
وتتضمن الخطة الوطنية لتحالف الحضارات العديد من المشاريع والبرامج التي كانت تنفذها المؤسسات الحكومية والخاصة في السلطنة، إضافة إلى مشاريع جديدة.
ومن بين المشاريع والمبادرات المستمرة والتي ضمنت الخطة، مشروع كراسي السلطان قابوس في الجامعات العالمية، والتي تعد منابر للمعرفة، وتعكس جهود السلطنة في دعم الدراسات العلمية والبحثية العالمية بما يسهم في تطور التراث العالمي الذي ينتفع منه كل البشر.
إضافة إلى مشروع التبادل الطلابي الثقافي، والذي لا يقتصر التبادل الطلابي على العملية التعليمية المنهجية، وإنما يرافق ذلك نقل للثقافة والتاريخ وكافة أوجه التنوع، والتبادل الثقافي بين شعوب العالم. ويتم ذلك من خلال الزيارات الثقافية التي يقوم بها الطلبة المجيدون والمتفوقون من جامعة السلطان قابوس وكليات العلوم التطبيقية إلى عدد من دول العالم سنويا. إضافة إلى مشروع التبادل الطلابي الأكاديمي، وارتباط المؤسسات التعليمية العمانية بالجامعات الدولية. وضمنت الخطة كذلك مشاريع وتوجهات كتلك التي تتعلق بتضمين المناهج والمقررات الدراسية مفاهيم ومبادئ التسامح والاحترام المتبادل وأسس ثقافة الحوار مع الآخر.
وثمة مشروع آخر تم تضمينه من ضمن مشاريع الخطة وهو برامج تعليم اللغات للناطقين بغيرها، والذي يهدف إلى مد جسور التواصل وتبادل المعارف والخبرات، وتستهدف برامج هذا المشروع الطلاب الناطقين بلغات أخرى غير لغاتهم الأم. وتنفذ السلطنة في هذا السياق الكثير من البرامج منها برنامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في كلية العلوم التطبيقية بالرستاق، وتنظيم دورات صيفية لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها والذي ينظمه مركز السلطان قابوس للثقافة بواشنطن سنويا، وتدريس اللغة العربية لعدد من ضباط الشرطة اليابانيين. إضافة إلى الجهود التي يقوم بها المركز العماني الفرنسي.
وفي نفس السياق هناك مشروع من المنتظر تطبيقه في العام بعد الماضي، وهو مشروع دراسة طلاب من جامعات أمريكية وأوروبية وآسيوية في جامعة السلطان قابوس، وتتلخص فكرة البرنامج في التنسيق مع جامعات أمريكية وأوروبية وآسيوية لترشيح طلبة مجيدين بها في تخصصات علمية وأدبية مختلفة للدراسة بجامعة السلطان قابوس لمدة فصل دراسي كامل، كنوع من برامج التبادل التربوي والثقافي.
وفي المحور الثاني من محاور الخطة الوطنية وهو محور الشباب، فإن الخطة تستعرض الكثير من المبادرات والمشاريع التي تخدم مبادرة تحالف الحضارات. ومن بين تلك المشاريع مشروع رحلات سفينة شباب العالم، إضافة إلى مشروع رحلات سفينة شباب عمان. والسفينة الشراعية العمانية صحار، واليخت السلطاني "فلك السلامة" ومشروع دراسة طريق الحرير، المشروع الذي تبنته السلطنة بعد الدعوة العالمية التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونسكو" لدراسة طريق الحرير والتجارة القديمة التي كانت تتبادلها القوافل التجارية البرية والبحرية بين شعوب العالم. وشملت دراسة طريق الحرير رحلات برية وبحرية. ومن بين الرحلات في هذا السياق مشروع رحلة السفينة الشراعية "جوهرة مسقط"، الرحلة التي أبحرت من ميناء السلطان قابوس في فبراير من العام الماضي وعلى متنها 18 بحارا متجهة إلى سنغافورة مرورا بالهند وسريلانكا وماليزيا في رحلة شراعية تاريخية مسافتها 3 آلاف ميل بحريا.
وفي مجال الشباب أيضا هناك مشروع تواصل الثقافات، وهو ملتقى شبابي يتم خلاله تنظيم ملتقيات للشباب من دول عربية وأوروبية، ليجتمعوا في مكان تنعدم فيه وسائل الاتصال الحديثة، ليستمتعوا بالطبيعة الخلابة ، ويشتركوا في عديد من الفعاليات المعدة لهم، وليدور فيما بينهم حوار ثقافي وفكري يعد بمثابة نموذج للتعليم اللاصفي، إضافة إلى التعليم المصاحب الخفي، والذي يرمي إلى مقاصد وغايات نبيلة.
وقد تم اختيار مشروع "تواصل الثقافات" مرتين من قبل منتدى التحالف بين الحضارات التابع للأمم كأحد أفضل مبادرات المجتمع المدني ريادة. ويهدف إلى ايجاد حوار ثقافي بين الشباب من الدول العربية والأوروبية.
ومن بين أبرز البرامج ملتقى مسقط للشباب وهو ملتقى نظمته وحدة إدارة الهوية التسويقية للسلطنة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم ومنظمة اليونسكو وعدد من الشركاء من القطاع الخاص.
وفي المحور الثالث من محاور الخطة الوطنية لحوار الحضارات وهو محور الهجرة، فإن السلطنة قامت في هذا السياق بتنظيم أوضاع غير العمانيين من خلال قوانين الهجرة والإقامة والعمل ومكافحة الاتجار بالبشر، وإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وتكفل السلطة في هذه السياقات حرية العبادة، حيث يتمتع غير المسلمين بحرية العبادة التي يكفلها الدين الإسلامي وكذلك النظام الأساسي للدولة.
وفي مجال الإعلام، المحور الرابع من محاور الخطة الوطنية، فتقوم السلطنة بتنفيذ عدد من المشاريع التي عرضتها الخطة في مجال الإعلام والتي تتصف بالاستمرارية، منها مشروع تطوير بيت الإسلام " القرية العمانية" بهولندا، وهو جزء من متنزه متحف الشرق للثقافة والأديان الذي يقع في مدينة نيميخن الهولندية، ويحتوي على نماذج مصغرة لثلاث قرى تمثل الديانات السماوية الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليهودية. ويتمثل المشروع في تطوير بيت الإسلام " القرية العمانية" بإعادة تصميم أجزائه وتحديث مكوناته، ومحتويات كل جزء فيه، بهدف توضيح الصورة الصحيحة للإسلام وسماحته مع معتنقي الديانات الأخرى، إضافة إلى إبراز نقاط التقائه مع تلك الديانات.
وسوف تتبنى الخطة الوطنية خلال سنواتها الأربع، أربعة مشاريع كبرى، يأتي في مقدمتها برنامج تواصل الثقافات في السلطنة.
يعتبر المشروع الذي يستهدف فئة الشباب، أحد أفضل المشاريع القائمة الداعمة لموضوع التنوع الثقافي والتقارب والحوار بين الثقافات في العالم. ويتماشى هذا المشروع ـ الذي تم اختياره مرتين حتى الآن من قبل منتدى التحالف بين الحضارات كأحد أفضل مبادرات المجتمع المدني ريادة على المستوى العالمي ـ مع توجهات المنظمات العالمية وذلك في إطار دعم الحوار العربي الأوروبي وعقدي الأمم المتحدة للتنوع الثقافي والتربية من أجل التنمية المستدامة والسنة الدولية للتقارب بين الثقافات.
وقد قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 2008 بالاعتراف بهذا المشروع ودعمه بشكل رسمي، كما قامت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بدعم المشروع في عام 2009، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات العالمية والمحلية.
والمشروع الثاني الذي سوف تتبناه الخطة هو مشروع النادي الطلابي العالمي على الشبكة العالمية "الانترنت". ويقوم هذا المشروع على تشكيل نادٍ طلابي الكتروني على الشبكة العالمية يضم طلبة من السلطنة وطلبة من دول العالم المختلفة، وهو عبارة عن برنامج عالمي يركز على التبادل المعرفي والعلمي لكافة العلوم التطبيقية منها والإنسانية. ويستهدف هذا البرنامج فئتين من التلاميذ: الفئة الأولى تتمثل التلاميذ الصغار، بينما تمثل الفئة الثانية الطلاب المراهقين. ونظرا لما تمثله هذه الفئة العمرية من استعداد فطري أكبر للتعلم ممن هم في ذات المرحلة (الأقران)، فإن البرنامج كذلك سوف يركز على التعلم التبادلي عن طريق الاستعانة بأصدقائهم الآخرين من طلبة دول العالم الأخرى، بالإضافة إلى توفير الفرصة للطلبة من مختلف الأعمال لإجراء حوار ثقافي مفتوح لمناقشة أهم القضايا العالمية المشتركة لتعزيز التقارب بين الثقافات والشعوب المختلفة.
أما المشروع الثالث فهو، ملتقى مسقط السنوي للشباب. ويهدف ملتقى مسقط للشباب إلى الاستفادة من الشريحة الأهم والأكبر في المجتمع وهي شريحة الشباب التي تشكل طاقة كبيرة ينبغي الاستفادة منها في استكمال متطلبات التنمية الشاملة في المجالات المختلفة الاقتصادية منها والثقافية والاجتماعية وفي مجال البحث العلمي والتقدم التكنولوجي والفني وغيرها من المجالات ذات الاهتمام العالمي.
وكان ملتقى مسقط قد لاقى قبولا كبيرا في دورته الأولى عام 2009 ومن قبل مختلف الجهات والمشاركين في الملتقى، الأمر الذي جعل نسخته الثانية العام الماضي تظهر بشكل اكثر تميزا، وفي الكثير من الابتكار والتركيز على مواضيع ذات أبعاد تنموية تناقش مختلف القضايا البيئية والاقتصادية والتنموية المعاصرة بطريقة تحاكي اهتمامات الشباب وطموحاتهم، كما تم تطوير فكرة الملتقى من خلال توسيع نطاق المشاركة واشراك طلبة من مختلف الجنسيات من داخل السلطنة وخارجها وإضافة محاور جديدة وذلك في إطار تفعيل دور الشباب في المجتمع وإبراز أهمية نشر الوعي بمختلف القضايا التي تهم هذه الفئة.
ومن بين البرامج التي سوف تتبناها الخطة أيضا انتاج ودبلجة الأفلام الوثائقية، حيث تقوم فكرة هذا المشروع على إنتاج أفلام وثائقية تتناول تجارب التواصل العالمي بين الحضارات والشعوب، سواء منها ما كان تاريخيا أو معاصرا، لتُبَث عبر القنوات الفضائية.
وينقسم هذا المشروع إلى قسمين، الأول يعنى بإنتاج أفلام وثائقية جديدة لم تطرح موضوعاتها من قبل، وتدعم هذه الموضوعات المنتقاة أهداف مبادرة تحالف الحضارات.
أما الثاني فيعنى بدبلجة الأفلام المتوفرة والتي سبق إنتاجها في تلفزيون سلطنة عمان وتلفزيون الدول الأعضاء إلى عدة لغات عالمية، معتمد على المادة الوثائقية التي تتماشى أو تقترب من روح مبادرة تحالف الحضارات
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.omandaily.om/files/imagec...