انتشار الأمن والسلام في الشرق الأوسط بفضل الإسلام.

عندما ننظر عبر التاريخ نلاحظ أن المناطق التي حكمها المسلمون وجد فيها التسامح والسلام. وسلوك الحكام المسلمين في البلاد التي فتحها الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أمثله واضحة وهامة جدا، ونجح العادلون منهم، الذين اتبعوا سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والتزموا بها في تأسيس مجتمعات مسالمة. وقد وصف عهد هؤلاء الحكام في القرآن بالعدل والصلاح والاستقامة، لذلك فهم مثال جيد للنجاح لكي تتبعه الأجيال.
وتعتبر أرض فلسطين وعاصمتها القدس، حيث تجتمع الأديان الثلاثة مثالا مهما جدا يبين كيف يجلب المسلمون السلام والاستقرار إلى الأرض التي يحكمونها. وحقا ، لأكثر من 1400 عام عم السلام القدس وفلسطين تحت الحكم الإسلامي.

الأمن والعدل اللذان أوجدهما عمر رضي الله عنه في فلسطين
كانت القدس عاصمة اليهود حتى عام 71 م، وفي هذا العام اعتدى الجيش الروماني على اليهود ونفاهم بوحشية شديدة. وعندها بدأ تشتت اليهود في العالم، وأصبحت القدس وما حولها أرضا مهجورة.
بعد فترة من الزمن عادت القدس لتصبح مركز اهتمام بعد اعتناق الرومان المسيحية في عهد الإمبراطور قسطنطين، وبنى المسيحيون الرومان الكنائس فيها ومنعوا اليهود من الاستقرار فيها منعا تاما. وبقيت فلسطين منطقة رومانية (بيزنطية) لأكثر من سبعة قرون. وقد احتل الفرس المنطقة لوقت قصير، ولكن بعدها عاد البيزنطيون لحكم المنطقة.

دخل تاريخ فلسطين منعطفا هاما عام 637 م وذلك عندما دخلتها جيوش المسلمين. وهذا التاريخ يمثل منعرجا مهما في تاريخ فلسطين، فقد كانت لقرون عديدة مكانا للحروب والنزاعات والنهب والقتل. وشهدت حوادث ظلم متكررة في كل وقت. وكان مجيء الإسلام حقبة جديدة استطاع فيها الناس من مختلف الأديان العيش معا في سلام وتآلف.
فتح سيدنا عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني للمسلمين بعد الرسول عليه الصلاة والسلام فلسطين. وبدأ العهد الجميل بدخول الخليفة للقدس الذي أظهر التسامح والحكمة والرحمة تجاه جميع أصحاب الديانات والمعتقدات المختلفة. ويصف المؤرخ البريطاني وخبير شؤون الشرق الأوسط كارين ارمسترونج فتح عمر بن الخطاب للقدس في كتابه "الحرب المقدسة" قائلا:
"دخل الخليفة عمر القدس على ظهر فرس أبيض، مرافقا حاكم المدينة، البطريرك اليوناني سفرونياس. وعندها طلب الخليفة أن يذهب إلى المعبد حيث سجد وصلى في نفس المكان الذي أسري فيه بصاحبه النبي محمد (عليه الصلاة والسلام ). وكان البطريرك يراقب ما يحدث في رعب ويتصور أن هذا ربما يكون الغزو المدمر الذي سيتعرض له المعبد كما تنبأ النبي دانيال أو قد يكون المسيح الدجال الذي تنبؤوا به. وطلب عمر أن يزور الأماكن المسيحية، وبينما كان بكنيسة الضريح المقدس، وجب وقت صلاة المسلمين، وعرض البطريك بكل تواضع على عمر أن يصلي حيثما يقف، وبأدب شديد رفض عمر أن يصلي في الكنيسة، وفسر ذلك بأنه يخشى أن يتخذ المسلمون من هذه الكنيسة مسجدا لهم ويدمرونها باعتبارها مكانا للمسيحيين. وبدلا من ذلك خرج عمر ليصلي خارجها على مسافة قريبة منها، وما زال هناك حتى الآن مسجد صغير مقابل للكنيسة تماما سمي مسجد عمر بن الخطاب.

مسجد عمر رضي الله عنه وخلفه المسجد الأقصى

يذكر جامع عمر الذي بني بجوار الكنيسة بفتح المسلمين، إلى جانب المسجد الأقصى الذي يحيي دائما ذكري إسراء ومعراج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولسنوات طويلة اعتبر المسيحيون مكان الهيكل اليهودي خرابا لنفايات المدينة. ولكن عمر شارك بنفسه المسلمين في رفع النفايات من هذا المكان حيث شيد المسلمون مزارين لتوطيد الإسلام في ثالث أكثر المدن قدسية في العالم الإسلامي" 21.

"تحت الحكم الإسلامي عاش كل من المسلمين والمسيحيين واليهود في تسامح وسلام"
وبقدوم الحكم الإسلامي للقدس، أصبحت جنة آمنة حيث تعايش أصحاب الديانات الثلاث في ود وسلام.
كتب جون اسبوزيتو : "عندما فتحت الجيوش العربية القدس عام 638م، احتلت الأماكن الرئيسية التي يحج إليها المسيحيون، وترك المسيحيون الكنائس والبيوت باختيارهم دون قهر أو إجبار. وسمح لليهود بالعودة، وقد منعهم المسيحيون من العيش بالقدس، وخصوصا في مدينة سليمان وداود" 22.
عندما دخل الخليفة عمر القدس وقّع الاتفاق التالي مع حاكمها:

"بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين ايلياء (بيت المقدس) من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ساكنيها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها، ولا من صليبهم ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم" 23.
باختصار، جلب المسلمون الحضارة للقدس وكل فلسطين، فبدلا من نظرة عدم الاحترام التي تواجدت تجاه الديانات الأخرى، وقتل أصحابها لمجرد اختلاف العقيدة، أتى الإسلام ليحكم بالعدل والتسامح والرحمة. فبعد فتح عمر لفلسطين، عاش فيها كل من المسلمين والمسيحيين واليهود في سلام وانسجام. ولم يحاول المسلمون استخدام القوة لتحويل الناس عن دينهم، وعندما رأى الناس حقيقة الدين الإسلامي، اعتنقوه بكل إرادتهم.
ساد السلام والتآلف فلسطين طوال فترة الحكم الإسلامي هناك. ولكن في نهاية القرن الحادي عشر أتت قوة خارجية لتحتل المنطقة، وسلبت تلك المنطقة المتحضرة من القدس بكل وحشية وبربرية، وبشكل لم يحدث من قبل ولم ير مثله. وكان أصحاب هذه البربرية هم الصليبيون .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وحشيية الصليبيّين
بينما كان أصحاب الأديان الثلاثة يعيشون معا بسلام في فلسطين، قرر مسيحيو أوروبا تنظيم حملة صليبية. وبناء على نداء البابا أوربان الثاني في 27 نوفمبر عام 1095م في مجلس كليرمونت، حُشد أكثر من 100.000 شخص من جميع أنحاء أوروبا لتحرير الأرض المقدسة واسترداد كنوز الشرق الأسطورية. وبعد رحلة طويلة ومرهقة، والكثير من المذابح على طول الطريق، وصل الصليبيون للقدس عام 1099م . وسقطت المدينة بعد حصار دام حوالي خمسة أسابيع، ودخلها الصليبيون وقاموا بأعمال وحشية قلّ أن شهد العالم مثيلا لها. وتعرض جميع المسلمين واليهود في المدينة للقتل والتنكيل.
في هذه المذبحة البشعة، تم القضاء على السلام والوئام الذي دام في فلسطين منذ عهد عمر بن الخطاب. وانتهك الصليبيون كل القيم الأخلاقية للمسيحية، دين الحب والرحمة، ونشروا الرعب باسم الدين.

عدل صلاح الدين الأيوبي
اتخذ الجيش الصليبي البربري من القدس عاصمة له، وأسست المملكة اللاتينية التي بدأت من فلسطين. وبالرغم من ذلك لم يدم وجود الصليبيين الذين جلبوا الوحشية معهم إلى فلسطين. فقد جمع صلاح الدين كل الممالك المسلمة تحت راية الجهاد، وهزم الصليبيين في معركة حطين عام 1187 . وبعد المعركة أسر قائدي الجيش الصليبي، أرنولد والملك جودفري، وأحضرا أمام صلاح الدين. وقام صلاح الدين بقتل أرنولد الذي اشتهر بمذابحه الفظيعة ضد المسلمين، ولكنه أطلق سراح الملك جودفري الذي لم يرتكب الجرائم نفسها. وعرفت فلسطين مرة أخرى المعنى الحقيقي للعدل.

بعد معركة حطين، وفي نفس تاريخ ليلة الإسراء والمعراج، دخل صلاح الدين القدس وحررها بعد 88 عاما من الاحتلال الصليبي. وكان الصليبيون قد قتلوا كل المسلمين في المدينة خلال هذه الأعوام، لذلك فقد خافوا أن يفعل بهم صلاح الدين الشيء نفسه. ولكن على العكس، لم يؤذ صلاح الدين أي مسيحي داخل المدينة. بل والأكثر من ذلك أنه أمر الكاثوليك بترك المدينة، وسمح للمسيحيين الأرثوذكس، الذين لا ينتمون للصليبيين بالبقاء في المدينة وممارسة شعائر دينهم بكامل حريتهم.
ومن كلمات جون اسبوزيتو : "كان الجيش المسلم شهما في نصره كما كان متماسكا في المعركة. فقد احترم المدنيين، ولم يمس الكنائس أو الأضرحة … وكان صلاح الدين صادقا في كلمته، رحيما تجاه المدنيين" 24.
وصفت كارن ارمسترونج الغزو الثاني للقدس بهذه الكلمات:
"في الثاني من أكتوبر عام 1187م ، دخل صلاح الدين وجيشه القدس فاتحين، وبقيت القدس بعد ذلك مدينة مسلمة لمدة 800 عام، ووفى صلاح الدين بعهده، وحكم المدينة طبقا لمبادئ الإسلام السامية . ولم ينتقم لمذبحة عام 1099م، تماما كما أمر القرآن "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ" (النحل : 127)

 

وقد انتهى القتل بمجرد انتهاء الحروب:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (البقرة: 193-194)
فلم يكن هناك سلب ونهب ولم يقتل مسيحي واحد . وتعمد أن يخفض الفدية … ." وقد حزن وتأثر صلاح الدين من انفصال العائلات بعضها عن بعض بسبب الأسر، لذلك أطلق حرية العديد منهم، تماما كما أمر القرآن الكريم، وذلك بالرغم من معاناة أمناء صندوقه الصبورين. وبالمثل حزن أخوه العادل لحال السجناء الألف الذين طلبهم من صلاح الدين لقضاء احتياجاته الخاصة فأطلق سراحهم فورا. وقد ذهل كل الزعماء المسلمين برؤية أثرياء المسيحيين وهم يهربون بثرواتهم، وقد كان بإمكانهم افتداء كل السجناء. حتى البطريرك هيراكثيوس، دفع عشرة دنانير فدية شأنه شأن البقية. والأكثر من ذلك أنه زود بمرافق خاص لحراسة كنزه خلال رحلته إلى بلده" 25.

باختصار عامل صلاح الدين وجميع المسلمين، وهم في أوج انتصارهم، المسيحيين بالرحمة والعدل وبلا حدود، حتى أنهم اظهروا نحوهم رحمة أكثر من زعمائهم أنفسهم. وإلى جانب المسيحيين، عاش اليهود أيضا في سلام وأمن بعد فتح المسلمين للقدس. وقد عبر الشاعر اليهودي الأسباني المعروف يهودا الهاريزي عن مشاعره في أحد فقال:
"شاء الله بأن لا تبقي القدس بأيدي أبناء يسوع، وهكذا في عام 1190، استحث الله روح صلاح الدين، ذلك الرجل العاقل الشجاع الذي أتى في جيش مهول، وحاصر فلسطين وفتحها وأعلنها صريحة مدوية أنه سيستقبل ويقبل كل أبناء إبراهيم، من أي مكان يأتوا منه. وهكذا فقد أتينا من كل ركن في العالم لنعيش هنا. ونحن الآن نعيش في ظل السلام "26.
بعد القدس، استمر الصليبيون في همجيتهم والمسلمون في عدلهم في مدن فلسطين الأخرى. وفي عام 1194م ، أسر ريتشارد قلب الأسد، الذي صور كبطل عظيم في تاريخ بريطانيا، والذي نفذ حكم الإعدام في ثلاثة آلاف مسلم ومسلمة ومن بينهم أطفال بكل وضاعة وحقارة. ورغم رؤية المسلمين لهذه الوحشية، إلا أنهم لم يردوا بنفس الطريقة، فقد التزموا بقول الله تعالى:


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة : 2)

ولم يلجأوا أبدا للعنف ضد المدنيين الأبرياء، حتى في حالات الضرورة القصوى، بل وحتى ضد الجيوش الصليبية المنهزمة".

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وذكرت همجية الصليبين وعدالة المسلمين كحقيقة تاريخية: الحكم الذي بني على تعاليم الإسلام مكن أصحاب الديانات المختلفة من التعايش معا. واستمرت هذه الحقيقة لمدة 700 عام بعد صلاح الدين، وخاصة خلال الحكم العثماني.

"أعدم الملك ريتشارد قلب الأسد، بلا رحمة 3000 مسلم من المدنيين، من بينهم العديد من النساء والأطفال".

حكم الإمبراطورية العثمانية العادل والمتسامح

في عام 1514م ، فتح السلطان سليم القدس والمناطق المحيطة بها، وبدأت 400 سنة من الحكم العثماني في فلسطين. وكما في الممالك العثمانية الأخرى، تمتعت فلسطين بالسلام والاستقرار وتسامح أصحاب الديانات المختلفة فيما بينها.
وقد أديرت الإمبراطورية العثمانية بما يسمى بـ"النظام القومي"، وكانت الميزة الأساسية لهذا النظام أنه سمح لذوي الديانات المختلفة التعايش معا طبقا لمعتقداتهم وبما لا يتعارض مع النظام القانوني. وقد وجد أهل الكتاب، المسيحيون واليهود، كل الأمان والحرية في الأراضي العثمانية.
والسبب الأكثر أهمية لذلك هو رغم أن الإمبراطورية العثمانية كانت دولة إسلامية حكمها المسلمون إلا أنهم لم يحاولوا إجبار المواطنين على اعتناق الإسلام. وكان هدف الدولة العثمانية توفير الأمن والأمان لغير المسلمين، وأن يشعروهم بالرضا والارتياح في ظل الحكم الإسلامي العادل.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"كانت الإمبراطورية العثمانية تمثل دولة الإسلام، ورغم ذلك منحت الحريات الدينية. وقد وجدت فسيفساء لثقافات متعددة مسالمة داخل الأراضي العثمانية. وكما نرى في هذه الصورة ، حكمت الدولة مواطنيها طبقا لتعاليم الإسلام، وساعدت الفقراء منهم بغض النظر عن دينهم".

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"بالرغم من انتساب الكاثوليك والبروتستانت إلى الدين نفسه فقد حدثت عداوات كبيرة بينهما خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومازالت هذه العداوات متواصلة إلى حد الآن، وأكثر الفئات تضررا من هذه النزاعات هم الأطفال الأبرياء"
في نفس الوقت كانت هناك دولة عظمى أخرى وكانت تعج بمشاهد الظلم والقسوة والتعصب. إنها مملكة أسبانيا التي لم تتحمل وجود المسلمين واليهود على أرضها وأوقعت في كلتا الجماعتين ظلما شديدا. وفي العديد من البلدان الأوربية الأخرى اضطهد اليهود فقط لأنهم يهود (على سبيل المثال فقد سجنوا في أحياء اليهود) وفي أحيان أخرى كانوا ضحايا مذابح جماعية "مدبرة"" . وحتى المسيحيون لم يتمكنوا من التعايش مع بعضهم البعض: فقد وقعت أوروبا في حمام من الدم في القرنين 16 و 17 نتيجة القتال بين الكاثوليك والبروتستانت. وقد حولت حرب الثلاثون عاما من 1618 إلى 1648م أوروبا إلى ساحة للقتال. وفي ألمانيا وحدها قتل ثلث السكان البالغ عددهم 15 مليون شخص.

"تعايش الثقافات المتعددة، رغم اختلافها، في الدولة العثمانية مثال واضح على السلام في الشرق الأوسط، حيث أسس الحكم على تعاليم القرآن الداعية للعدل والتسامح. ونرى في هذه الصورة بعض القصاصات من الأخبار والصحف والجرائد التركية حول الطبيعة المسالمة للحكم العثماني".
في الحقيقة، في مثل هذه البيئة كان حكم الدولة العثمانية بلا شك حكما إنسانيا فريدا.
وقد لفت العديد من العلماء والمؤرخين السياسيين الانتباه لهذه الحقيقة. واحد من هؤلاء هو العالم المشهور خبير الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا الأستاذ إدوارد سعيد، وهو في الأصل من القدس من عائلة مسيحية. وقد أكمل دراسته بعيدا عن موطنه في الجامعات الأمريكية. وفي مقابلة مع صحيفة هاإيرتز الإسرائيلية أوصى باتباع "النظام القومي العثماني" إذا ما أرادوا بناء سلام دائم في الشرق الأوسط، فقال:
" يمكن أن تعيش الأقلية اليهودية وسط العالم العربي كما تعيش أقليات أخرى. وقد نجح هذا التعايش في الإمبراطورية العثمانية في ظل "النظام القومي" حيث أظهروا إنسانية أكثر مما نظهره نحن الآن" 27.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"إدوارد سعيد، خبير مشهور في أمور الشرق الأوسط"

يشهد التاريخ بأن الإسلام هو النظام العقائدي الوحيد الذي تظهر حكوماته في الشرق الأوسط عدلا وتسامحا ورحمة. وحتى الآن ليس هناك بديل عن الدولة الإسلامية العثمانية التي انتهت بانتهاء الحكم العثماني من المنطقة.

لهذا السبب فان الطريق لإحلال السلام بالشرق الأوسط هو اتباع نموذج الحكم العثماني الذي تميز بالتسامح والتآلف، وتلك هي التعاليم الأساسية للقرآن. فالإسلام هو حقا الحل الوحيد لكل أنواع العنف والنزاع والحروب والإرهاب وهو الضامن للسلام والعدل والتسامح.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 
"...وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" (آل عمران : 30)
 
الجذور الحقيقية للإرهاب : الدارونية والمادية

يعتقد معظم الناس أن شارلس دارون هو أول من وضع نظرية التطور، وأنها ترتكز على الدلائل العلمية والتجارب والملاحظات. ولكن في الحقيقة لم يكن دارون هو منشؤها ولم ترتكز هذه النظرية على البرهان العلمي. فهي مبنية على مبدإ التكيف مع الطبيعة المأخوذ من الفلسفات المادية القديمة. فهي تستند، وبشكل أعمى على الفلسفات المادية ولا تُؤيّد بأي اكتشافات علمية .
( يمكن الرجوع لكتاب هارون يحيى: "خداع نظرية التطور").

وهذا التعصب جلب على العالم العديد من الكوارث. وبانتشار الدارونية والمادية معا تغيرت إجابة السؤال عن "ماهية الإنسان" ؟ فقد بدأ الناس في الاعتقاد أن "الإنسان خلق بالصدفة، وهو حيوان يتطور من خلال الصراع من أجل البقاء" وهذا بعد أن كان الناس يعتقدون أن "الله هو الذي خلق الإنسان وبالتالي عليه أن يتبع تعاليم الله السامية". وقد دفع ثمنا باهظا نتيجة هذا الخداع الكبير. فقد استندت العديد من الأيدلوجيات المدمرة وآراء العالم البربري إلى النظرية المضللة "الصراع من أجل البقاء"، مثل العرقية والفاشية والشيوعية. سنناقش في هذا الجزء من الكتاب الكارثة الداروينية التي ظهرت للعالم ونكشف ارتباطها بالإرهاب، أحد أكبر المشاكل العالمية الهامة في وقتنا الحاضر.

كذبة دارون : "الصراع من أجل البقاء"
اعتمد دارون في نظريته على قاعدة أساسية واحدة: يعتمد تطور الكائنات الحية على الصراع من أجل البقاء. والبقاء للأقوى، والفناء والزوال للأضعف.
وطبقا لنظرية دارون هناك صراع ونزاع عنيف من أجل بقاء أبدي في الطبيعة حيث يتغلب القوي على الضعيف دائما، مما يمكن من حدوث التطور. والعنوان الفرعي الذي أعطاه لكتابه "أصل الأنواع" يوجز رأي دارون وهو "أصل الأجناس بالاختيار الطبيعي أو بحماية الأجناس الأقوى في الصراع من أجل البقاء".

علاوة على ذلك ، فقد افترض دارون أن "الصراع من أجل البقاء" قد طبق بين المجموعات الانسانية العنصرية. وطبق عليها الزعم الأسطوري، وكانت الأجناس الأقوى والأسمي منتصرة في هذا الصراع . والأجناس السامية المفضلة في نظر دارون هي الاجناس الاوروبية البيضاء. أما الأجناس الأفريقية والآسيوية فقد تخلفت في الصراع من أجل البقاء.
وذهب دارون بعيدا عندما افترض بأن هذه الأجناس ستفقد رغبتها في الصراع من أجل البقاء، وهكذا تختفي إلى الأبد:
"في المستقبل القريب إذا ما قيس بالقرون، بلا شك ستنقرض الأجناس البشرية المتحضرة وستحل مكانها الأجناس الهمجية في العالم كله. وفي نفس الوقت ستفنى القرود البشرية بالتأكيد. وستتسع الفجوة بين الإنسان وأقرب أشباهه..." 28
يوضح عالم الإنسانيات الهندي لاليتا فيديارذي كيف أن نظرية دارون للتطور فرضت العرقية على العلوم الاجتماعية :
"رحب علماء اليوم بحرارة بنظرية البقاء للأصلح لدارون، ويعتقدون أن البشرية قد أنجزت مستويات متعددة من التطور والتي توجت في حضارة الرجل الأبيض . وقد قبل أغلبية العلماء الغربيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حقيقة العرقية" 29.
مصادر إلهام دارون : نظرية عدم الرحمة عند مالثيس
كان مصدر الهام دارون في هذا الموضوع هو كتاب الاقتصادي البريطاني توماس مالثيس "مقال في قواعد الانفجار السكاني". وطبقا لحساباته الخاصة قال مالثيس إن الزيادة في السكان سيكون سريعة، ومن وجهة نظره الخاصة فالمؤثرات الرئيسية التي حافظت على توازن زيادة السكان هي الكوارث مثل الحروب والأمراض والمجاعات. وباختصار ، وطبقا لهذا الرأي القاسي، كان يجب أن يموت بعض الناس ليعيش الآخرون. فجاء الوجود ليعني حربا دائمة. وقد قبلت أفكار مالثيس في القرن التاسع عشر بشكل واسع. وقد دعم أفكاره مثقفو الطبقة الراقية من الأوربيين بالتحديد. وفي مقال "الخلفية العلمية للنازية (التطهير العرقي) " وصف جيري بيرجمان أهمية اعتناق أوربا في القرن 19 لأفكار مالثيس حول الزيادة السكانية:
توماس مالثيس

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"في أوائل القرن التاسع عشر، اجتمع أفراد الطبقات الحاكمة من كامل أوربا وذلك لمناقشة "مشكلة السكان" وابتكار الطرق اللازمة لتطبيق اقتراح مالثيس، بزيادة معدل وفيات الفقراء: "بدلا من توصية الفقراء بالنظافة يجب أن نشجع العادات المضرة. ويجب أن نجعل الشوارع أضيق في مدننا، ونحشد الناس في المنازل لنساعد على انتشار الطاعون. ويجب أن نبنى القرى في بلادنا بجوار برك راكدة، ونوصي بالاستقرار خاصة في أماكن المستنقعات المضرة بالصحة الخ " 30.
وكنتيجة لهذه السياسة القاسية سوف يفنى الضعفاء الذين فقدوا الرغبة في الصراع من أجل البقاء ، وهكذا سيتوازن ذلك التزايد السريع في عدد السكان. وقد نفذ ما يسمي بـ"اضطهاد الفقراء" في القرن 19 في بريطانيا.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 

"تطبيق نظرية مالثيس في القرن 19 بضرورة الصراع مدى الحياة جلب البؤس للأطفال والفقراء العاجزين في إنجلترا. والدين وحده هو الذي يضمن حماية الأطفال. ويمكن العيش في حياة طيبة فاضلة خالية من البؤس والألم فقط إذا ما اتبعنا تعاليم الدين السمحة ومارسناها"

وعندما بدأت المتطلبات الصناعية بدأ عمل الأطفال ذوي الثمانية والتسعة أعوام لمدة ستة عشر ساعة يوميا في مناجم الفحم، حيث مات الآلاف نتيجة ظروف العمل القاسية. وهكذا أدت دعوة مالثيس إلى الصراع من أجل البقاء إلى حياة مليئة بالألم لملايين من البريطانيين.
طبق دارون فكرة الصراع علي الطبيعة كلها متأثرا بهذه الأفكار، واقترح بأن الأقوى والأصلح هو المنتصر في هذا الصراع من أجل البقاء. وعلاوة على ذلك ، فقد ادعى بأن الصراع من أجل البقاء هو قانون مبرر وثابت في الطبيعة. ومن ناحية أخرى دعي الناس لترك معتقداتهم الدينية وإنكار الخلق، وهكذا تُهدم كل القيم الأخلاقية التي ربما تكون عائقا أمام الصراع المرير من أجل البقاء.
في القرن العشرين دفعت الإنسانية ثمنا باهظا لانتشار هذه الأفكار التي قادت الناس إلى العنف والقسوة.
دور نظرية دارون في التحضير للحرب العالمية الأولى
بدأ ظهور تأثير نظرية الصراع من أجل البقاء على التراث الأوروبي نتيجة الهيمنة الدارونية. وبدأت الدول الأوربية المستعمرة بالتحديد في وصف الدول التي يريدون استعمارها بأنها "دول متخلفة" مبررين ذلك بالنظرية الدارونية.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وقد كانت الحرب العالمية الأولى عام 1914 هي التأثير السياسي الأكثر دموية للدارونية .

"أوروبا منذ 1870 ، لأستاذ التاريخ الإنجليزي جيمس جول"

في كتابه " أوروبا منذ 1870" ، يوضح أستاذ التاريخ البريطاني الشهير جيمس جول أن واحدا من أهم العوامل التي أعدت العالم للحرب العالمية الأولى هو إيمان حكام أوروبا في ذلك الوقت بنظرية دارون.
ومن المهم أن ندرك كيفية اعتناق زعماء أوروبا لنظرية الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصح في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وكمثال على ذلك، كتب البارون فرانز كونراد، رئيس هيئة الأركان المجري في مذكراته بعد الحرب:
"بالتأكيد تعمل الأديان المُحبة للبشر والتعاليم الأخلاقية والمذاهب الفلسفية على إضعاف ذلك الصراع البشري المتوحش من أجل البقاء، لكنهم لن ينجحوا في إضعافه ما دام موجودا كدافع ومبرر. وطبقا لهذا المبدأ وقعت الحرب العالمية الأولى كنتيجة للقوى المحفزة في حياة الدول والناس، تماما مثل العاصفة الرعدية التي يجب أن تنطلق بمحض طبيعتها" .
وفي ظل هذه الأيدلوجية، أصبح مفهوم إصرار كونراد على الحاجة لحرب وقائية للحفاظ على الحكم الملكي المجري.
وقد رأينا أن هذه الآراء لم تنحصر فقط في الميادين العسكرية، فقد اهتم ماكس ويبر كثيرا بالصراع الدولي من أجل البقاء . ومرة أخرى كتب كورت ريزلير المساعد والمستشار الشخصي للمستشار الألماني يثوبالد فون بيثمان ، في عام 1914 :
"إن العداوة الدائمة المطلقة الملازمة لطبيعة العلاقات بين الناس، والتي نلاحظها في كل مكان، ليست نتيجة إفساد الطبيعة البشرية، لكنها جوهر العالم ومصدر الحياة نفسها" 31.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ربط الجنرال فريدريك فون بيرناردي بين الحرب وقوانين الصراع في الطبيعة. فقد أعلن أن الحرب "ضرورة بيولوجية" وهي "ضرورية تماما مثل صراع عناصر الطبيعة" وهي "لا تعطي قرارا بيولوجيا صحيحا حيث ترتكز قراراتها على طبيعة الأشياء" 32.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"استحوذت نظرية دارون "الصراع من اجل البقاء" على فلاسفة وزعماء وسياسيو أوروبا في العقد الأول من القرن العشرين. وكان حماسهم بداية لحرب كبرى، تلك الكارثة العظيمة التي أودت بحياة 10 ملايين إنسان".

وكما رأينا، فقد اندلعت الحرب العالمية الأولى بسبب المفكرين والحكام والرؤساء الأوربيين الذين رأوا الحرب وإراقة الدماء والمعاناة نوعا من التطور، واعتقدوا أنها قانون الطبيعة الثابت. والمذهب الفكري الذي أدى بكل هذا الجيل إلى ذلك الدمار لم يكن سوى مفاهيم دارون "الصراع من أجل البقاء" و "البقاء للأصلح".
تركت الحرب العالمية الأولى خلفها 8 ملايين قتيل، ومئات من المدن المخربة، وملايين المشردين والعاطلين والمعوقين والمصابين. والسبب الأساسي للحرب العالمية الثانية، التي اندلعت بعد ذلك بواحد وعشرين عاما وخلفت 55 مليون قتيل كان مستندا أيضا على الدارونية.
الطريق الذي مهدت له الداروينية: الفاشية

في القرن التاسع عشر، تغذت العنصرية على الدارونية وشكلت قاعدة عقائدية متطورة أغرقت العالم في بحر من الدم في القرن العشرين وهي: النازية.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"الفاشية التي بنيت على مفاهيم دارون، كانت السبب في قتل ملايين الأبرياء. وقد جرت هذه العقيدة المروعة العديد من بلدان العالم إلى دوامة الدمار والبؤس".

يمكن أن نرى تأثير دارون القوي في المذهب النازي. فعندما ندرس تلك النظرية التي اعتنقها هتلر وألفريد روزنبيرج، سنصادف مفاهيم مثل "الاختيار الطبيعي" و"القتل الانتقائي" و"الصراع بين الأجناس من أجل البقاء" والتي تكررت مئات المرات في أعمال دارون. وعندما سمى كتابه "كفاحي" نرى أن الصراع الدارويني من أجل البقاء ومبدأ البقاء للأصلح هما الذان ألهما هتلر. فهو يتحدث في هذا الكتاب خاصة عن الصراع بين الأجناس فيقول:
"سيتوج التاريخ إمبراطورية الألفية الجديدة بالعظمة والتميز، العظمة التي تستند على التسلسل العنصري والذي حددته الطبيعة نفسها" . وفي عام 1933 خلال اجتماع حزب نورمبرج صرح هتلر قائلا: "يجب أن يخضع الجنس الأدنى للجنس الأسمى، وهذا هو ما نراه في الطبيعة وهو ما نعتبره الشيء الوحيد المعقول" 34.

 

تأثر النازيون بالدارونية هي الحقيقة التي قبلها كل المؤرخين والخبراء تقريبا. بين بيتر كرسب، مؤلف كتاب "صعود الفاشية"، هذه الحقيقة كالتالي :
"في بداية نشرها سخر الناس من نظرية دارون التي تدعي أن أصل الإنسان قرد، ولكنها انتشرت وقبلت بعد ذلك. وقد حرف النازيون نظرية دارون واستعملوها لتبرير الحروب العرقية" 35.
يصف المؤرخ هيكمان تأثير الدارونية على هتلر كالتالي:
"كان هتلر شديد الإيمان بالتطور . ومهما كان غامضا ومعقدا ومختلا عقليا، إلا أنه كان متأكدا من أهمية مفهوم الصراع، وقد عرض بوضوح عددا من أفكاره التطورية في كتابه "كفاحي"، خاصة تلك التي تؤكد الصراع والبقاء للأصلح وإبادة الضعيف ليصبح المجتمع أفضل" 36.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

"النازية ، وهي مزيج من الدارونية الاجتماعية والوثنية الجديدة، قتلت الملايين ونشرت الرعب في قلوب الآخرين"

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"تسببت الحرب العالمية الثانية في قتل 55 مليون إنسان، وجرح ملايين آخرين، وشردت أعداد كثيرة أخرى. وتسببت في دمار المدن وانهيار الاقتصاد ".

هتلر، الذي ظهر بهذه الآراء، قاد العالم إلى عنف لم يسبق له مثيل في أي مكان. وقد تعرضت العديد من المجموعات العرقية والسياسية، وخاصة اليهود، للقسوة والمذابح البشعة في معسكرات الاعتقال النازية. وقد قضت الحرب العالمية الثانية والتي بدأت بالغزو النازي على حياة 55 مليون شخص. وكان مفهوم الدارونية "الصراع من أجل البقاء" هو السبب وراء تلك المأساة الكبرى في تاريخ الإنسانية.

التحالف الدموي: الدارونية والشيوعية
إذا كانت الفاشية هي الجناح الأيمن للدارونية الاجتماعية، فإن الشيوعية قد مثلت الجناح الأيسر لها . وقد كان الشيوعيون دائما من أعنف المدافعين عن النظرية الدارونية.
ترجع العلاقة في الأصل إلى مؤسسي هذه المذاهب. فقد قرأ كل من ماركس وانجليس كتاب "أصل الأجناس" لدارون عندما ظهر مباشرة، واندهشوا من فكرة المادية الجدلية. وتوضح المراسلات بين ماركس وانجليس رأيهما في نظرية دارون على أنها "تحتوي أساس الشيوعية في التاريخ الطبيعي". وفي كتابه "جدل الطبيعة" الذي كتبه نتيجة تأثره بدارون، كان انجيلس كثير الإعجاب به. وحاول أن يضيف مساهمته الخاصة إلى النظرية في فصل "دور العمال في التحول من قرد إلى إنسان" .
الشيوعيون الروس الذين اتبعوا خطوات ماركس وانجليس، مثل بليخانوف ولينين وتروتسكي وستالين، اتفقوا كلهم مع نظرية دارون للتطور. بليخانوف ، الذي اعتبر مؤسس الشيوعية الروسية، اعتبر الماركسية مثل "الدارونية في تطبيقها لعلم الاجتماع" 37.
قال تروتسكي "اكتشاف دارون هو أهم نصر للجدل في موضوع الأصل" 38.
وقد كان لتعاليم دارون الدور الرئيسي في تشكيل كوادر الشيوعية. فعلى سبيل المثال، يلاحظ المؤرخون حقيقة أن ستالين كان شابا متدينا، ولكنه أصبح ملحدا بعد قراءته كتب دارون.
ماو تسيتونغ، مؤسس الحركة الشيوعية في الصين، والذي قتل الملايين من الناس، صرح علنا قائلا: "تأسست الاشتراكية الصينية على نظرية دارون للتطور" 39.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"زعماء الشيوعية، الذين بنوا أفكار المجتمع الانساني استنادا على الدارونية، سيسقطون من ذاكرة التاريخ لما سببوه من ألم شديد بسياساتهم القاسية ".

جيمس رييف، المؤرخ بجامعة هارفارد، يناقش في بحثه "الصين ودارون" بالتفصيل تأثير الدارونية على ماو والشيوعيين الصينيين.
باختصار، هناك صلة وطيدة بين نظرية التطور والشيوعية. تدعي النظرية بأن خلق الحياة والأحياء كان نتيجة الصدفة، وتدعم ما يسمى بالمساندة العلمية للإلحاد. والشيوعية عقيدة ملحدة، ولهذا السبب فهي ترتبط بشكل قوي بالدارونية. وعلاوة على ذلك تقترح نظرية التطور أن التطور في الطبيعة يعزى إلى الصراع "الصراع من أجل البقاء"، بل وتدعم مفهوم الجدل الذي يمثل أساس الشيوعية.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إذا نظرنا في مفهوم الشيوعية "الصراع الجدلي" والذي قتل بسببه 120 مليون إنسان خلال القرن العشرين على أنه ماكينة قتل، عندها فقط يمكن أن نجيد فهم أبعاد الكارثة الدارونية التي حلت بالعالم.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"طبقت الشيوعية الفكرة الدارونية للصراع على صراع الطبقات، وهكذا قبلت القتل وإراقة الدماء كطرق شرعية للسيطرة"

الصراع الجدلي لم يطوّر المجتمعات بل دمرها
وكما رأينا سابقا، فإن الدارونية تفترض أن الصراع بين الكائنات هو سبب تطورها وهذا ما أكسبها ما يسمي بالانتشار العلمي لفلسفة المادية الجدلية.
كما يمكن أن يفهم من اسمها، المادية الجدلية ترتكز على فكرة الصراع. وقد أذاع كارل ماركس مؤسس هذه الفلسفة تلك الفكرة :"إن لم يكن هناك صراع ومعارضة، ظل كل شيء كما هو". وقال أيضا: "القوة المولدة لكل مجتمع قديم تحمل معها مجتمعا جديدا" 40.
وبقوله هذا فإنه يدعو الناس للعنف والحرب وإراقة الدماء من أجل التطور.
كان لينين أول من طبق نظرية ماركس في المجال السياسي. وقد كان لينين يؤيد فكرة مفادها أنه: "يحدث التقدم كنتيجة لصراع الأضداد" ويدعي أن الناس ذوي الأفكار المختلفة يجب أن يكونوا في صراع دائم. وقد ذكر لينين مرارا أن هذا الصراع يتطلب إراقة دماء، أي الإرهاب. وقبل الثورة البلشيفية بأحد عشر عاما، نشر لينين مقالا بعنوان "حرب العصابات" في البروليتاري عام 1906، وهي توضح الطرق الإرهابية التي تبناها:

" تلك الظاهرة التي نهتم فيها بالكفاح المسلح، قادتها الجماعات الصغيرة. حيث ينتمي البعض منها إلى المنظمات الثورية، والبعض الآخر (وهو يمثل الأغلبية في بعض أنحاء روسيا) لا ينتمي إلى أي منظمة ثورية. ويتبع الكفاح المسلح هدفين مختلفين، يجب أخذهما في الاعتبار: يهدف هذا الكفاح بالدرجة الأولى إلى اغتيال الأفراد والزعماء ورجال الشرطة والجيش. وفي المرتبة الثانية، يهدف إلى مصادرة الأموال النقدية من كل من الحكومة والأفراد. حيث تذهب تلك الأموال المصادرة إلى خزينة الحزب وتخصص للتسليح والإعداد للتمرد وتدريب الأفراد الذين يقومون به" 41.
في القرن العشرين، كانت هناك واحدة من أشهر المعتقدات التي قبلت بها الشيوعية، وهي الفاشية. المهم في الموضوع، أنه برغم إعلان الفاشية معارضتها للشيوعية، إلا أنها آمنت تماما مثل الشيوعية بمفهوم الصراع. آمن الشيوعيون بضرورة الصراع الطبقي، وببساطة غير الفاشيون مجال الصراع حيث ركزوا على الصراع بين الأجناس والدول. ويعتبر المؤرخ الألماني هينريتش تريتشك، واحد من أهم مصادر الأفكار النازية ومن أبرز العنصريين، فقد كتب يقول: "لا يمكن أن تزدهر الأمم بدون صراع قوي، تماما مثل نظرية الصراع من أجل البقاء لدارون" 42.

وقال هتلر أيضا معتمدا على مفاهيم دارون للصراع:
"في كل معالم الطبيعة صراع هائل بين القوة والضعف ونصر أبدي للقوي على الضعيف. وكان من الممكن انهيار الطبيعة كلها لو لم يكن الأمر كذلك، فمن يحيا يجب أن يقاتل. ومن لا يرغب في القتال في هذا العالم، حيث الصراع هو قانون الحياة، ليس له الحق في الوجود" 43

وقد آمنت هذه المعتقدات الدارونية الاجتماعية بضرورة الصراع وإراقة الدماء من أجل إنشاء مجتمع قوي، وما فعلوه وسببوه في القرن العشرين لا يخفي على أحد. فق قتلت أعداد لاحصر لها من الأبرياء، وجرح وعوق آخرون، وانهارت اقتصاديات وطنية، وأنفقت الأموال التي كان يجب أن تصرف على الصحة والأبحاث والتكنولوجيا والتربية والفن، على الأسلحة وتضميد الجراح التي سببتها، وإعادة بناء المدن المخربة. وأصبح واضحا بمرور الوقت أن ذلك الصراع والإرهاب لم يرق بالتطور الإنساني بل على العكس أدى إلى دماره.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بالتأكيد هناك تناقضات في العالم. كما في الطبيعة هناك نور وظلمة، ليل ونهار، حر وبرد ، لذا فهناك اختلافات في طرق وممارسة وتطبيق الأفكار المختلفة. ولكن التناقض في الأفكار لا يستوجب الصراع. بل على العكس، إذا ما قوبلت هذه التناقضات بالتسامح والسلام والتفاهم والحب والرحمة فإنه من الممكن إنجاز نتائج جيدة جدا. فكل شخص يقارن فكرته الخاصة بأفكار الآخرين ربما يطور فكرته أو يرى نقائصها فيعالجها. فهؤلاء الذين يدافعون عن الآراء المعارضة يتمكنون من تبادل الأفكار أثناء الحديث أو ينشغلون بالنقد البناء. لذا فإن الشخص المتواضع المتسامح المسالم المخلص الذي يتبع تعاليم القرآن الكريم هو فقط من يستطيع تطوير هذا التقارب والتفاهم.

من الطبيعي أن توجد الآراء المختلفة، لكنها لا يجب أن تكون سببا للنزاع والحروب بين الناس. فالاحترام والتسامح المتبادل يمكن أن يضمن الاتفاق والمشاركة بين الفئات المختلفة. وتوضح تعاليم القرآن الكريم للناس حياة السعادة والطمأنينة، فالصراع الجدلي لا يجلب إلا الشقاء الدائم والموت والدمار".

أن تقتل إنسانا أو تسيء إليه بسبب أفكاره المختلفة، أو لأنه يؤمن بدين مختلف أو حتى لأنه ينتمي إلى جنس مختلف، عمل قاس وغير مقبول. لهذا السبب وحده، نرى على مر التاريخ وفي جميع أنحاء العالم كيف أن أبناء نفس الأرض يتصارعون مع بعضهم البعض حتى الموت ويقتل كل منهم الآخر بلا رحمة. ونرى أناسا من بلدان وجنسيات مختلفة يذبحون، بمن فيهم النساء والأطفال ، بشكل عشوائي. إن الشخص الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك هو الذي يخلو قلبه من أية إنسانية. فهو عنده مجرد حيوان مفكر. وهو الشخص الذي لا يراعي الله في أعماله أو حتى لا يعتقد في وجوده.
ويكشف لنا القرآن الكريم أفضل المواقف التي يمكن أن نتخذها نحو الأفكار المعارضة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الخلاف الذي حدث بين موسى وفرعون. وبالرغم من قسوة وعدوانية فرعون، فقد أرسل الله موسى يدعوه لدينه عز وجل، ووضح لموسى الأسلوب الذي يتعين اتباعه فقال تعالى:

"اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه : 43-44)

وقد أطاع موسى أوامر الله وشرح لفرعون الدين الحقيقي بصبر عظيم، وذلك لكي ينهي فرعون إنكاره لوجود الله وقسوته على الناس. وبالرغم من ذلك، اتخذ فرعون موقفا عدائيا نحو موسى الصبور النبيل وهدد بقتله هو ومن يتبعه. ولكن في النهاية خاب فرعون وخسر سعيه، فقد غرق واتباعه بينما انتصر موسى ومن معه.
وكما يوضح هذا المثال، انتصار رأي أو فكر من أجل التطور لا يأتي أبدا من خلال العداوة أو العدوان. ويعرض الخلاف بين موسى وفرعون درسا من دروس التاريخ العظيمة: فالمنتصر ليس من يتبع الصراع والظلم، ولكن المنتصر من يتبع طريق السلام والعدل. لذا فإن ممارسة المبادئ والأخلاقيات الرفيعة تظهر حسناتها في الدنيا والآخرة.
الدارونية والإرهاب

وكما رأينا حتى الآن، فإن الدارونية هي أصل كل معتقدات العنف التي تسببت في كوارث للبشرية في القرن العشرين، فالمفهوم الأساسي وراء هذه المعتقدات والأساليب هو "قتال من ليس منا". وهناك اعتقادات وآراء وفلسفات مختلفة في العالم. ومن الطبيعي جدا أن تتميز هذه الأفكار المتنوعة بمعارضة بعضها البعض. و يمكن أن تنظر هذه الاختلافات في الآراء إلى بعضها بإحدى طريقتين :[LIST=1][*]احترام وجود المعارضة ومحاولة تأسيس حوار معها. وتلك هي الطريقة الإنسانية. وتتوافق هذه الطريقة مع تعاليم ومبادئ القرآن الكريم. [*]قتال الآخرين ومحاولة الاستفادة من تدميرهم، بمعني آخر، التصرف مثل حيوان طائش. وتلجأ المادية إلى هذه الطريقة التي تعتمد على الإلحاد. [/LIST]فذلك الرعب الذي نسميه الإرهاب هو نتاج للطريقة الثانية.
وعندما نأخذ في الاعتبار ذلك الخلاف بين الطريقتين يمكن أن نرى مدى تأثير فكرة كون :"الإنسان حيوان مقاتل"، تلك الفكرة التي فرضتها الدارونية على الناس بشكل لا شعوري.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"قد يكون هناك خلاف بين الدول أو المجتمعات، ولكن الصراعات والحروب لا تحل المشاكل. ويعلمنا القرآن الكريم أنه يجب حل هذه الخلافات بالصبر المتبادل والتسامح والرحمة والتفاهم".
ربما لم تسمع تلك الجماعات ويسمع أولئك الأفراد الذين يلجئون للعنف والصراع عن الدارونية شيئا، ولكن في النهاية هم يتفقون تماما مع المبادئ الفلسفة الدارونية. وما يدفعهم للإيمان بصحة هذه الآراء هو تلك الشعارات التي تستند عليها الدارونية مثل "البقاء للأقوى " و "الأسماك الكبيرة تبتلع الصغيرة" و "الحرب هي الفضيلة" و "يتقدم الإنسان بشن الحروب". وعند إبعاد الدارونية نجد أن هذه الشعارات قد بقيت كلمات فارغة.

وفي الحقيقة، بإبعاد الدارونية، لن نجد أي فلسفة تؤيد الصراع. فالأديان الثلاثة المقدسة التي يعتنقها معظم سكان العالم وهي الإسلام والمسيحية واليهودية ترفض العنف وتحض على السلام والوئام وتحرم قتل الأبرياء أو تعريضهم للمعاناة والظلم والتعذيب. فالعنف والصراع والمفاهيم الشاذة والمنبوذة، تنتهك المبادئ الأخلاقية التي أرشد الله تعالى الإنسان إليها. وبالرغم من ذلك تظهر الدارونية الصراع والعنف والقتل على أنها مفاهيم

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مبررة وصحيحة وطبيعية ولابد من وجودها.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"إن تعاليم القرآن الكريم ومبادئه وأخلاقياته هي السبيل الوحيد لضمان حياة اكثر استقرارا للأجيال القادمة"
لهذا السبب يرتكب البعض أعمال الإرهاب تحت اسم الدين مستخدما مفاهيم ورموز الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، ولكننا على يقين بأن هؤلاء لا ينتمون إلى أي من تلك الأديان. بل هم دارونيون حقيقيون. فهم يختبئون تحت عباءة الدين، ولكنهم ليسوا مؤمنين حقيقيين حتى وإن ادعوا أنهم يخدمون الدين، ولكنهم في الحقيقة أعداء للدين والمؤمنين، وذلك لانهم يرتكبون جرائم يشدد الدين على تحريمها، بل ويسيئون للدين أمام الناس.
لهذا السبب، فإن جذور الإرهاب التي ابتلي بها عالمنا ليست في أي من الأديان المقدسة، ولكنها من الإلحاد والذي نسميه في وقتنا الحاضر: "الدارونية والمادية".
كل من يرغب في السلام والطمأنينة عليه إدراك خطر الدارونية
حل هذه المشكلة يعتمد بشكل أساسي على الحرب بوجه خاص ضد الأكاذيب والتخلص من تلك الأفكار. فعلى سبيل المثال قد يسعى الشخص بجد لتنظيف البيئة المحيطة به من خلال جمع النفايات في صناديق، ولكن ستظل رائحة صناديق النفايات كريهة. مما يعني أن الحلول ستكون قصيرة الأجل. ويكمن الحل الحقيقي في التنظيف الشامل لمصدر النفايات وإزالتها بالكامل. بمعني آخر، فهذا الأمر يشبه قضاء سنوات في تنظيف مزرعة من الأفاعي السامة، وتركها تهرب، ثم نتعجب من رؤيتنا لهذه الأفاعي تضر الناس من حولنا مرة أخرى. فالشيء المهم هو أن نقضي على تلك الأفاعي بالدرجة الأولى.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ولذلك، في الحرب على الإرهاب يتم البحث عن الإرهابيين واحدا تلو الآخر لمعاقبتهم، ولكن هذا الحل غير مؤثر و غير ناجح و غير دائم. و الطريق الوحيد لاستئصال الإرهاب كليا من على وجه الأرض هو أن نحدد المصادر الأساسية التي تصنع الإرهابيين والقضاء عليها. ومن ناحية أخرى، تعتبر المعتقدات الخاطئة والتربية السيئة التي تمارس في ضوئها مصدرا مهما من مصادر الإرهاب.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة"إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل : 90)

في وقتنا الحالي، تعتبر الداروينية مادة أساسية في المناهج التعليمية في أكثر بلدان العالم. وهي تدرس باعتبارها حقيقة علمية.
فالصغار لا يدركون أن الذي خلقهم هو الله، وهو من وهبهم الروح والحكمة والضمير. ولا يخبرهم أحد أنهم سيحاسبون يوم القيامة على أعمالهم ويعاقبون بجهنم أو يكافئون بالجنة والخلود. بل على العكس فهم يلقنون أنهم أحفاد مخلوقات كانت حيوانات، وأنها جاءت إلى الوجود عن طريق المصادفة العشوائية.
وفي ضوء هذا التلقين يعتبر هؤلاء الصغار أنفسهم مخلوقات ضالة غير ملتزمة أمام الله ويرون أن بقاءهم ونجاحهم في المستقبل لا يأتي إلا من خلال الصراع. وبعد هذه المرحلة، يصبح من السهل غسل دماغ هؤلاء البشر، والذين لقنوا تلك الأفكار بالفعل خلال دراستهم وتحويلهم لأعداء للإنسانية يملكون ما يكفي من القسوة لقتل الأطفال الأبرياء. ويسهل لأي عقيدة مضللة جذب مثل هؤلاء الصغار. بل ويمكن أن يقوموا بأفعال قاسية وعنيفة تحت تأثير هؤلاء الإرهابيين. فالفاشية والشيوعية والعنصرية هي جماعات إرهابية تواجدت منذ القرن التاسع عشر كنتاج لمثل هذا المنهج في التربية.
وتتمثل الخسارة الكبرى الثانية لمثل هذا النظام في التربية في البعد تماما عن الدين، فقد انحصر العلم بالدين بين غير المتعلمين. وهكذا أصبح المتعلم بعيدا تماما عن الدين بفعل الدارونية المادية، وأصبح الدين شيئا مقترنا بغير المتعلمين. وذلك هو سبب تطور الأفكار الخاطئة المؤيدة للخرافات والتي سمحت لمن يناقضون الدين بالسيطرة بسهولة تحت اسم الدين.
إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأخيرة هي أوضح مثال على ذلك. فلا يمكن لمن يخاف الله ويحبه ويتوقع حسابه على أعماله أن يرتكب مثل هذه الأعمال التي تترك خلفها آلاف الجثث لأبرياء وآلاف الجرحى واليتامى من الأطفال. فالمؤمن يعلم أنه سيحاسب أمام الله على كل ضرر ألحقه بإنسان وأن كل ذنب سيصبح مصدرا لعذابه في جهنم.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ونستنتج من هذا أن السبيل الأمثل للقضاء على الإرهاب هو إنهاء التربية الدارونية المادية، وتربية الصغار على مناهج مستندة على الاكتشافات العلمية الحقيقية وأن نغرس فيهم الخوف من الله والرغبة في التصرف بحكمة وتأن. وستكون ثمار مثل هذه التربية جماعة شعارها التسامح والسلام وبالتالي يكونون جديرين بالثقة.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة"هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤوفٌ رَحِيمٌ" (الحديد : 9)
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك