رؤية نقدية لحوار الحضارات

مدخل

سلطان العامر

في الدورة الثالثة والخمسين للأمم المتحدة في يوم 1998/9/21 تقدم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي باقتراح تخصيص عام ٢٠٠١ عاما لـ”حوار الحضارات”(١). وفي نفس هذه الدورة، في الرابع من نوفمبر من نفس العام، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاقتراح بالإجماع وتم تعميد عام ٢٠٠١ عاما لـ”حوار الحضارات”(٢). ومنذ تلك اللحظة، تأسست على هذه الأطروحة – أطروحة حوار الحضارات – مجموعة متكاثرة من المؤسسات، كمؤسسة “الحوار بين الحضارات” التي أسسها خاتمي في جنيف عام ٢٠٠٧م(٣). وقبلها منظمة” تحالف الحضارات” المقترحة عام ٢٠٠٥ من قبل الرئيس الأسباني خوسيه لويس زابارتو والمؤسسة عام ٢٠٠٦م ومقرها نيويورك(٤). وغيرها العديد من المؤسسات والندوات وسيل من الكتب والمقالات التي تحلل وتناقش هذه الأطروحة.

 

يمكن بسهولة، ملاحظة أن هذه الأطروحة جاءت كردة فعل على مقولة “صراع الحضارات” التي طرحها الأمريكي صاموئيل هانتنغتون في مقالة كتبها عام ١٩٩٣م طورها فيما بعد إلى كتاب. ملخص هذه النظرية التي تقدم بها هانتنغتون أن الهويات الثقافية والدينية ستكون منبع الحروب والصدامات في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وبالتالي تم تقسيم العالم إلى مجموعة من الحضارات- متنبئ لها بالصراع- بناء على قواسم ثقافية متمايزة عن بعضها البعض، فهذه حضارة غربية، وتلك حضارة إسلامية، والأخرى حضارة كونفوشوسية…إلخ. أعلن هانتنغتون في أطروحته تحول الصراعات الدولية في العالم من كونها صراعات مبنية على عوامل اقتصادية وسياسية وأخلاقية، إلى صراعات منبعها الخلافات الحضارية والثقافية والدينية. هكذا إذن، وضدا على هذه الأطروحة جاءت أطروحة “حوار الحضارات” لتحاول رسم رؤية مغايرة للعلاقات بين الحضارات.

 

نالت هاتان الأطروحتان والمناقشات التي ولدتاها قسطا وافرا من المقالات والكتب والأبحاث، قسطا لم يكن الفكر العربي مستثنى منه، خصوصا أنه مصنف ضمن الحضارة الإسلامية المتهمة بأنها حضارة شديدة الخطورة على الحضارة الغربية. في الفكر العربي، تم قبول هذه الأطروحات الجديدة وتوظيفها من قبل كافة تيارات هذا الفكر. فالتيار الممثل لرؤية الحكومات العربية رأى في هذا المفهوم “مخلصا” له من المأزق الذي أفاقت هذه الدول على نفسها محاطة به. فالتطورات الدراماتيكية التي طرأت على المشهد الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب العالمي الذي أتهمت البلدان العربية بأنها أحد المنتجين له، وكذلك وقوعها فريسة النظرية القائلة -والتي تبنتها حكومة جورج بوش- أن هناك ثم علاقة طردية بين غياب الديمقراطية وتنامي الارهاب. كل هذا جعل الدولة العربية في موقف ضعيف جدا، يسوقها سوقا نحو “الإصلاح” الذي يعني تأثر مصالح الفئات المتحكمة بمفاصل هذه الدولة والمستنفعة من وراءها. جاء “حوار الحضارات” والمساهمة الفاعلة والمتحمسة فيه ليمثل أحد المخارج المهمة من إنجاز الاصلاح المطلوب منها… فكان الضخ الإعلامي الهائل لترويج هذه الأطروحة والتطبيل لها وعقد المؤتمرات العالمية والاقليمية فقط من أجل تورية حقيقة المشاكل وتغطيتها بهذه الأطروحة.

 

بهذه الطريقة إذن، “وظف” التيار الحكومي هذه المقولة، التوظيف الذي سنجد مثله عند التيار الإسلامي لكن لأغراض وبطرق مختلفة. فهذا التيار الذي تمت “شيطنته” بعد عمليات ١١ سبتمبر، وتحويله إلى مصدر كل الشرور، من قبل جهتين: الإعلام الغربي أولا من أجل تبرير الهيمنة والحروب التي ستخاض ضد دول كأفغانستان والعراق؛ ومن قبل الحكومات العربية ثانيا لتوصل رسالة ضمنية للغرب أن الديمقراطية لن تأتي بغير هؤلاء… خصوصا أن الضغط الأمريكي باتجاه الديمقراطية لم يأت إلا لصالح حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان والإخوان في مصر..إلخ. هذا التيار وأمام هذا الهجوم الإعلامي قام بتوظيف أطروحة “حوار الحضارات” نفيا لتهمة الإرهاب عنه، ومستغلا ارتكازها على العامل الديني ليطرح نفسه الممثل الوحيد والشرعي للحضارة الإسلامية. وهكذا بدأت الرحلات المكوكية لرجال الدين المسلمين بوصفهم الممثلين للحضارة الاسلامية في كافة ندوات ومؤتمرات حوار الحضارات. إن النظرة للصراع مع الغرب، على أساس أنه صراع على الوجود وصراع له محركات دينية وثقافية، هي نظرة قديمة جدا في الأدبيات الإسلامية، أقدم بكثير من أطروحة هانتنجتون نفسه. وذلك لأن هذا التيار تشكل ونمى في بؤر كان الاستعمار الغربي فيها مستحكما، فكان جانب مهم من تشكيلها عبارة عن ردة فعل عليه. ودائما كان الاتكاء على هذه النظرة للصراع مع الغرب يصور التيار الإسلامي بأنه الند المقابل له، مما يكسبه الكثير من الشعبية والقبول لدى عامة المسلمين. لكن الفارق الذي أحدثه تبني التيار الإسلامي لحوار الحضارات وتخليه جزئيا عن مقولة الصراع، هو اعتراف الغرب به رسميا بأنه ند مقابل له، مما يزيد من تثبيت تلك الصورة النمطية للعلاقة بين الإسلام والغرب . وعموما تباينت اراء هذا التيار حول “حوار الحضارات” من الذين يعتبرونه مجرد خدعة (٥)، مرورا بالذين يضعون له شروطا تفرغه من معناه كاشتراط عدم التنازل وعدم الموالاة… وغيرها(٦)، انتهاء إلى الحديث باسم المسلمين في المحافل الدولية وإعلان عدة مبادئ باسمهم(٧)، وبحث نظرة الاسلام للحضارات والاديان الأخرى…إلخ (٨). لكن بشكل عام، تم قبول هذه الإطروحة وتوظيفها لمصارعة الصور الإعلامية النمطية التي تم تصوير هذا التيار بها.

 

إن كان التيار الحكومي والإسلامي قد وظفا “حوار الحضارات” من أجل نفي تهمة الارهاب عنهما، فإن التيار اللبرالي قد وظف هذه المقولة من أجل غرض آخر. يمكن ملاحظة هذا الغرض في خاتمة مقالة هاشم صالح المعنونة بـ“هل حوار الحضارات ممكن وكيف “، حيث يضع شرطين لإنجاح حوار الحضارات: “الاول هو ان يتراجع الغرب عن كرهه الشديد والمتأصل للاسلام، وان يعترف بالارث الحضاري العربي ـ الاسلامي ومدى تغذيته للحضارة الاوروبية. وهذا الشيء ابتدأ يتحقق أخيرا على يد بعض المفكرين المتحررين من الاحكام المسبقة والعدائية ضدنا…. واما الشرط الثاني فهو ان يتغلب التيار العقلاني في العالم العربي على التيار المتطرف والمخطئ في فهمه لرسالة الاسلام السمحة. وهذه هي المهمة المطروحة على المستقبل”(٩). من هذين الشرطين، والثاني على وجه الخصوص، نستطيع ملاحظة كيف تم توظيف هذا المفهوم ضمن برنامج “عقلنة” العالم الاسلامي و”علمنته” حتى يتمكن المفكرون من أمثال هاشم صالح أن يكونوا هم الممثلين في مثل هذا الحوار للحضارات، لا رجال الدين المستأثرين بهذا المجال.

 

ماذا نلاحظ من هذه الجولة السريعة؟ إن الملاحظة المهمة والأساسية من هذا الاستعراض هو أن مختلف التيارات في الفكر العربي قامت بـ”توظيف” مقولة “حوار الحضارات”، وتقبلتها دون أي محاولة تعاط نقدي معها. هذه الملاحظة صحيحة فقط في كل الكتابات المنتمية لهذه التيارات الثلاثة، لكنها لا تنطبق على بعض الكتابات المستقلة… ككتابات جورج قرم المتنوعة في نسف أصل مقولة حوار الحضارات وكذلك كتابات عزمي بشارة وبرهان غليون وغيرهم من المفكرين.

 

إن الأمر الذي فات هذه التيارات والذي سيحاول هذا البحث إثباته، هو أن مقولة “حوار الحضارات” مقولة واهية، تستند على أسس معرفية هشّة، وأن استعمالها كمقولة سياسية يمارس نوعا من التعمية والإخفاء للأسباب الحقيقية للصراع والمشاكل التي نعيشها في هذا العالم. هذا النوع من التعاطي النقدي، هو الذي سنحاول القيام به في هذا البحث، عبر التنقيب والحفر في عدد من المفاهيم المختلفة التي يتم المرور عليها سريعا دون تبيين الأثر السيء الذي يمارسه اختزالنا لها في تسطيح رؤيتنا للعالم من حولنا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(١) قرم، جورج. المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين. بيروت: دار الفارابي، ٢٠٠٧. ص ٣٤٨.

 

(٢) لكريني، إدريس. (٢٠٠٩).” الإسلام والغرب ومعيقات الحوار”. (on-line). معهد الوارف للدراسات الإنسانية. <http://www.alwaref.org/arabic/2009-03-01-17-51-49/82-2009-03-09-20-11-12>

 

(٣) <http://www.dialoguefoundation.org>

 

(٤) <http://www.unaoc.org>

 

(٥) القصاص، محمد جلال.(١٤٢٧). “الحوار مع الآخر… خدعة عصرية”. (on-line). موقع المسلم. <http://almoslim.net/node/83644>

 

(٦) القاسم، خالد عبدالله. (٢٠٠٦). “الحوار بين الحضارات”. (on-line). الإسلام اليوم. <http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-7788.htm>

 

(٧) القرضاوي، يوسف. “الحوار بين الإسلام والنصرانية”. (on-line).الإسلام أون لاين <http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/arts/2001/article9.shtml>

 

(٨) المصعبي، عبدالملك. (٢٠٠٩). “الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى… الخلفيات والآفاق”. (on-line). جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات. <http://www.atida.org/makal.php?id=67>

 

(٩) صالح، هاشم. “هل حوار الحضارات ممكن، وكيف؟”. الشرق الأوسط، ٢٢ مارس ٢٠٠٢.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84/#sthash.SOPOEBdr.dpuf

 

 

حضارات أم دول؟

هل أصبح العالم أعمى؟ (١)

 

إن السؤال البديهي الذي يطرح على كافة هذا السيل الجارف من الكتابات التي تتناول “صراع الحضارات” أو حتى “حوارها” هو التالي: هل فعلا توجد مثل هذه الحضارات المتنوعة في عالمنا هذا؟

 

إن أبسط نظرة للخارطة السياسية للعالم تبين لنا أنه مقسم لعدد هائل من الدول المبنية على نموذج الدولة-الأمة (الدولة القومية)، الذي تشكل في أوروبا الغربية وانتشر منها إلى كافة أرجاء العالم على مدى قرن ونصف من الزمان. دول لا يصل درجة الاختلاف فيما بينها إلى مستوى الحديث عن “حضارات مختلفة” يأتي من يدعي أن مجرد الاختلاف الثقافي والديني بينها محرض صراع أو دافع حوار يهدف تفادي هذاالصراع. إنه لأمر غريب جدا هذه الخفة في تجاهل هذا الواقع، واستسهال قبول تقسيم العالم إلى حضارات تصور على أنها كتل مصمتة مستقلة عن بعضها البعض. وباعتقادي أن هناك جانبين رئيسين يعود إليهما هذا الاستسهال: الأو ل عدم وضوح النقلة التي أحدثها تعميم نموذج “الدولة القومية” في كافة أرجاء العالم، وتمييز هذا النموذج عن غيره من النماذج. أما الجانب الثاني، هو تعاظم أطروحات تداعي الدولة القومية، والتبشير بقرب زوالها لصالح الانضواء في كيانات أعظم أو عابرة للقارات، وهي النتيجة التي تم التنبؤ لها كنتيجة طبيعية للعولمة.

 

كانت الدول القديمة تتردد بين نموذجين تقليدين: إما دولة-مدينة، كآثينا والبندقية، أو دولة امبراطورية تمتد على رقعة شاسعة من الارض كالامبراطورية العباسية والرومانية. سيطر هذان النموذجان- خصوصا الأخير- على الوعي البشري العام، وأثقل كاهل اللغة بحيث أصبحت دلالات لفظ كلفظ “دولة” شديدة الارتباط بهذه النماذج. حتى جاءت اللحظة التي اكتمل فيها تشكل “الدولة-الأمة” (أو الدولة القومية)، ليحدث نوع من الانقطاع والفصل مع تلك النماذج القديمة.

 

بدأ هذا النموذج بالتشكل في أوروبا الإقطاعية بعد انهيار الجانب الغربي من الامبراطورية الرومانية، وتحديدا عندما بدأ الملك محاولة اضعاف سيطرة أمراء الاقطاعيات المنضوية تحت مملكته. كانت كل إقطاعية تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي- إن جاز استعارة هذا التعبير- وقصة الدولة القومية، هي بالتحديد قصة سيرورة محاولات الملك مَركزة كافة السلطات في نفسه هو ونزعها عن أمراء الاقطاعيات وتحويلهم لمجرد وكلاء له. كان لانتشار المسيحية وبداية تشكل الأفكار اللاهوتية السياسية الكنسية حول السيادة وغيرها، وكذلك حاجة الاقطاعايات لتقوية الحكومة المركزية عن طريق انشاء مؤسسات قضائية مستقلة ومؤسسات جباية تقوم بجمع المال من أجل الدفاع الخارجي، كان كل هذه الأحداث – وعبر سيرورة هادئة وفي ظل هدوء سياسي نسبي- ممهدات طبيعية للتحول نحو نموذج جديد من الدول.(١٠)

 

لعل من المفارقات أن يكون بداية التشكل الحقيقي للدولة في أوروبا الغربية هو نتيجة غير متوقعة لمحاولة “مركزة النظام الكنسي في أوروبا”. فقبل القرن الحادي عشر كانت العلاقة بين أمراء الاقطاعيات والكنائس متداخلة بحيث كان للأمير صفة شبه دينية ويتدخل في عزل وتعيين موظفي الكنيسة، ولكن ومنذ القرن الحادي عشر رأى البابا أنه من أجل إصلاح المسيحية وجعل أوروبا مسيحية، كان لابد من تحرير الكنائس من السلطة العلمانية (سلطة أمراء الاقطاعيات)، وأن عليها أن تتمركز تحت سلطة البابا. أدى هذا الانفصال الكنسي عن المؤسسات الدنيوية إلى الحاجة لتوضيح حدود هذا الانفصال بين المؤسسة الدينية والسلطات العلمانية، خصوصا أن الكنيسة كانت بحاجة للأمراء الاقطاعيين للقيام بباقي الوظائف السياسية. كان انقسام العالمين – الديني الموحد والمركزي والمسيطر والسياسي المتشرذم والمنضوي تحت الديني- إلى تمهيد الطريق إلى تشكل الدولة الحديثة. كانت المهمة المنوطة بالأمير العلماني هو تحقيق العدل حسب المفهوم الكنسي له. وكان على الأمير من أجل تحقيق هذا العدل أن يطور مجموعة من الشرائع والقوانين وتحسين المستويات القضائية. وبشكل عام كان تطور المؤسسات القضائية والجبائية الداخلية في الممالك الأوروبية يلعب دورا هاما في زيادة سيطرة مركزية الملك على أمراء الاقطاع، خصوصا أن تعقد الاجراءات البيروقراطية وازدياد الموظفين التابعين للملك أدى إلى نشوء مؤسسات مركزية لها فروع في كافة الاقطاعيات بالاضافة لأدوار أخرى لهذه المؤسسات المركزية في تعاملها مع الممالك الأخرى والكنيسة. (١١)

 

بعد أن توسع نفوذ الملك ومؤسساته في كافة الاقطاعيات، وأصبح ولاء الفرد للدولة أكثر من حاكم الاقطاعية وغير ذلك من التطورات، بدأت الخطوات الأخيرة لاستئثار الملك بالسيادة المطلقة على مملكته، عبر الصراع مع المؤسسة الدينية… وذلك عبر عدة قضايا حساسة: كفرض الضرائب على الكنائس دون موافقة البابوية، ومحاكمة رجال الكنيسة واتهامهم بالخيانة، خصوصا أنهم لم يكونوا يشاركون في الدفاع عن تراب المملكة. أدت مثل هذه القضايا إلى تزايد نفوذ وسيادة الدولة على المؤسسات الكنسية، ومع سيرورة تاريخية طويلة من الحروب الدينية، انتهت في النهاية إلى معاهدة وستفاليا، التي أقرت مبدأ الناس علي دين ملوكهم، الذي أنتج تحركات ديمغرافية كبيرة خلقت نوعا من التجانس المذهبي في كل مملكة، بالاضافة إلى تركز السلطات بيد الملك.

 

تنامي سيادة الملك، بالاضافة إلى التجانس العرقي والثقافي واللغوي المتصاعد للموظفين، وزيادة قوة تنظيم الجهاز البيروقراطي… كل هذا أدى إلى نتيجتين: السيادة المطلقة للملكية والتي بدأت تستند على نظرية الحق الإلهي في الحكم، وكذلك إلى تنامي الحس القومي. بعد هذا، لم يتبق إلا خطوة واحدة لتتحول الممالك الأوروبية إلى دول قومية، وكانت هذه الخطوة عبر خلع الملك وإحلال الأمة مكانه. هذا ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية أولا، وبشكل دموي في الثورة الفرنسية ثانيا.

 

في هذا النموذج الجديد كفت الدولة عن أن تكون مجرد سلالة متحكمة في مجموعة مختلفة من الأجناس، لا تتداخل معهم إلا من خلال جبي الضرائب والحروب. تحولت الدولة إلى نوع من الإطار القانوني المنبثق من الأمة نفسها، والذي يتدخل في كافة تفاصيل حياة الفرد. هذا النموذج من الدول ليس له مثيل في السابق ويختلف اختلافا جذريا عن كل ما عرفته البشرية سابقا من تنظيمات سياسية.

 

عندما تشكلت الدول القومية في أوروبا الغربية على هذا الشكل، دخلت على الفور في صراع مع الامبراطوريات الكبرى الموجودة حولها، كالامبراطورية العثمانية، والامبراطورية الجرمانية والقيصرية الروسية…إلخ. أدى هذا الصراع وما شهده من حروب متوالية، إلى تعميم نموذج “الدولة- الأمة” وتنامي الحس القومي في كافة الأجزاء التي استعمرتها هذه الدول أو دخلت في نطاق تأثيرها. ولم تنقضي الحرب العالمية الثانية، إلا والعالم السياسي مقسم على أساس وحدات سياسية هي الدولة القومية، التي بناء عليها تشكلت منظمة الأمم المتحدة.

 

بعد انهيار الكتلة الشرقية ونهاية الحرب الباردة، تعرض هذا النموذج من الدول لنوع من المراجعات التي تنبأت بانهياره في زمن العولمة. وذلك بسبب تعاظم دور الشركات العابرة للقوميات، وتعاظم منظمات القطاع الثالث العابرة للقوميات، وتعاظم دور المنظمات الحكومية الدولية والتي تحررت من سلطة الدولة القومية وبدأت تقوم بأعمالها من فوقها. أدى التركيز على أدوار هذه المؤسسات إلى التنبؤ بانتهاء عهد الدولة القومية، بل إن أكثر الآراء تحفظا يستنتج نوعا من التكامل في الأدوار بين هذه المؤسسات والدول القومية. (١٢)

 

بعد هذه الجولة الطويلة في الخوض بتفاصيل الدولة القومية وتوضيح مدى تمايزها البنيوي عن غيرها من الدول القديمة، وعلى محوريتها في النظر إلى عالمنا السياسي اليوم، نستطيع أن نفهم لماذا هذا الحديث عن الحضارات بدلا من الحديث عن الدول. إن المسألة برمتها ذات أبعاد سياسية واقتصادية. فالدولة القومية التي كانت في ما مضى مقدسة الحدود، أصبحت اليوم بعد وصول الرأسمالية للطور العولمي عائقا في وجه الشركات المتعددة الجنسيات للوصول لأسواق جديدة. من هنا ظهرت أيديولوجية العولمة، والقرية الصغيرة والتركيز على المؤسسات العالمية كمنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات التي توفر لهذه الشركات مسوغات للإفلات من سلطات الدول القومية وسياداتها. إن كل هذا الحديث عن الحضارات والعولمة، يخفي في داخله هذه المحاولات لتهميش دور الدولة القومية ومفاهيم سيادتها.

 

في الخريطة هناك دول قومية، ولا مسوغ لمن يغمض عنها عينيه ليرى عوضا عنها مجموعة من الحضارات سوى أحد أمرين: إما استبطان رغبة في تهميش وجود ودور هذه الدول القومية من أجل مصالح وأطماع عولمية، أو الانطلاق من تصور تسطيحي لمفهوم الثقافة التي تبنى عليها هذه التقسيمات الحضارية المتجاوزة للدول القومية. لهذا كان لابد من مراجعة هذا المفهوم الأساسي والجوهري في كل الأطروحات التي تتناول أي حديث عن حوار الحضارات وصراعها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(١٠) شتراير، جوزيف. الأصول الوسيطة للدولة الحديثة. ترجمة محمد عيتاني. بيروت: دار التنوير، ١٩٨٢: ص١١-٢٠.

 

(١١) المصدر نفسه. ص:٢٥-٥٦.

 

(١٢) ناي، جوزيف. دوناهيو،جون. (محررون). الحكم في عالم يتجه نحو العولمة. ترجمة محمد شريف الطرح. الرياض: العبيكان، ٢٠٠٢.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d9%85-%d8%af%d9%88/#sthash.G8MIDmA4.dpuf

 

 

الثقافة… الحكاية كاملة؟ (٢)

 

سلطان العامركما لاحظنا قبل قليل، فالرؤية التي تقسم العالم إلى مجموعة من الحضارات، تعاني الكثير من الضعف، وذلك لافتقارها للأساس المادي الذي يوضح حدود هذه الحضارات على الخارطة. لكن منذ أن تم التنظير لهذه الرؤية سواء على أساس صراعي بين الحضارات أو على أساس حواري، فإن المستندات التي تستند عليها في تقسيماتها الحضارية كانت مبنية حصرا على الاختلافات الثقافية. فصحيح أن أوروبا مقسمة إلى مجموعة من الدول، لكنها “حضارة” واحدة، انطلاقا من “الثقافة” الواحدة التي تحكم هذه الدول. هكذا، وعبر الاتكاء على البعد الثقافي، يتم تقسيم العالم إلى حضارات. فالسؤآل الذي يبرز أمامنا الآن: إن نحن استطعنا رفض تقسيم العالم إلى حضارات انطلاقا من انعدام الجوانب المادية التي يستلزمها مفهوم الحضارة، فكيف سنتعامل مع التنوع الثقافي الذي بالامكان- اعتمادا عليه – تقسيم العالم إلى مجموعات كبرى؟ وللإجابة على هذا السؤال الإشكالي، والذي يعتبر مرتكزا أساسيا لكافة الاطروحات التي تقسم العالم السياسي إلى حضارات، فإن علينا أن نتفحص وبشكل نقدي مفهوم “الثقافة”.

يعود مصطلح “الثقافة” بجذوره إلى فرنسا، ولأنه تولد في عصر الأنوار، العصر الذي آمن بأن هناك قيما كونية تشمل الجنس البشري كله، فإن المصطلح كان دائما يأتي بصيغة المفرد، إذ لا توجد “ثقافات” وإنما هناك ثقافة واحدة، تشمل البشرية جمعاء… باعتبارها الخاصية الأساسية التي يتميز بها الانسان مقابل ما هو طبيعي فيه. كانت الثقافة في اللسان الفرنسي قريبة جدا في دلالتها من مصطلح “الحضارة”، وكان بالامكان استخدام واحدة مكان الأخري. ولكن، عندما انتقلت هذه المصطلحات إلي اللسان الالماني، فقد تم التمييز بين الحضارة والثقافة، ووصفت بالاولى الطبقة الارستقراطية في المجتمع الالماني باعتبارها طبقة متحضرة، لكنها ليست مثقفة، لأن الثقافة التي تمثل الاصالة والإغناء الفكري والروحي كانت سمة الطبقة البروجوازية. من هذا التمييز الطبقي نشأ أول افتراق بين الكلمتين، ليتحول من المستوى الطبقي إلى المستوى القومي عندما بدأت فرنسا في عصر الأنوار بترويج أيديولوجيتها التي تدعي أنها كونية، فما كان من الألمان الذين لم تنشأ دولتهم القومية بعد، وكانوا متخلفين عن الدول “الحضارية” كفرنسا وبريطانيا؛ ما كان منهم إلا أن واجهوا كونية الأنوار بادعاء وجود “ثقافة ألمانية” تختلف عن الثقافة الفرنسية، وتم التأكيد على خصوصية الثقافات مقابل دعوى كونية أيديولوجيا الأنوار. هكذا بدأ مصطلح “الثقافة” يشق طريقه كمصطلح نضالي تم من خلاله مقاومة فرض أى هيمنة فكرية من قبل الدول “المتحضرة”.(١٣)

ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، وبعيدا عن توظيفه أيديولوجيا، بدأ مصطلح الثقافة مسيرته نحو العلمية. فكانت استخداماتها الأولى عندما حاول علماء الاجتماع والاثنولوجيا تفسير وجود الاختلافات بين البشر رغم عودتهم جميعا إلى وحدة واحدة. ولأن علماء هذه العلوم رفضوا تفسير هذا الاختلاف انطلاقا من المقولة العرقية، فلم يجدوا أفضل “الثقافة” كأداة مفهومية يمكن استخدامها لمعالجة هذه المسألة، لكن بعد تفريغها من كل ما كانت تحمله من دلالات معيارية في الصراعات الأيديولوجية السابقة. لم تعد المسألة ماذا ينبغي أن تكون عليه الثقافة، بل أصبحت تتعلق بالاكتفاء بالوصف التفصيلي لثقافة ما. بدأت الدراسات الاثنولوجية بمحاولة دراسة ثقافات الشعوب البدائية، بغية التعرف من خلالها على الثقافة الانسانية الأصلية، وإثبات أنه لا توجد فروقات طبيعية بين الانسان المتحضر والانسان المتوحش- كما كان رائجا في تلك الأيام؛ وإنما كل الاختلاف هو في درجة التقدم الثقافي. كما أنه بمفهوم “الثقافة” قام علماء الاثنولوجيا بنقض كل الاطروحات المتعلقة بالعرق واعتباره أداة تفسيرية للاختلافات بين البشر، وأهمية هذا النقض هو فتح الباب أمام التكيّف الثقافي، وفتح الامكانية أمام انتقال الانسان من بيئة ثقافية إلى أخرى. (١٤)

إن كان مفهوم “الثقافة” تولد في فرنسا، وتم تحويله لمصطلح نضالي وعلمي في ألمانيا وانجلترا، فإن عليه أن ينتظر الانتقال لأمريكا ليستحيل محورا للعديد من الدراسات الأنثروبولوجيا المدعوة “الانثروبولوجيا الثقافية”. والسبب في ازدهار هذه العلوم في الولايات المتحدة إنما يعود لطبيعة هذه الدولة التي تعتبر أمة مهاجرين متنوعين تلعب التمايزات الثقافية بينهم دورا مهما يماثل الدور الذي تلعبه العلاقات الطبقية في المجتمعات الأوروبية. ومن هناك ابنثقت ثلاث تيارات رئيسية: أولها يتعامل مع الثقافة من زاوية التاريخ الثقافي، و”يحرص الثاني على إيضاح العلاقات بين الثقافة (الجماعية) والشخصية (الفردية) ويعتبر الثالث أن الثقافة نسق اتصالات بين الأفراد”(١٥).

ولأن الدراسات تمحورت حول الثقافات التي تدعى بدائية، باعتبارها ثقافات “شبه نقية” وبالتالي تفتح دراستها المجال إلى التعرف على الطبيعة الأصلية للثقافة البشرية والوصول إلى هذه الوحدة التي تجمع كل هذه الثقافات المتنوعة. ما إن تجاوزت الدراسات الثقافية هذه الفرضية، حتى أبدعت مصطلح “التثاقف” باعتباره مبحثا في العلاقة بين الثقافات المختلفة. وفي هذا المجال درست كيفية تداخل الثقافات وكيف تتفاعل مجموعة ثقافية ما مع ثقافة جديدة عليهم، وحاولت هذه الدراسات التحرر من دراسة التثاقف من وجهة نظر تحيزية لصالح الثقافة الغربية باعتبارها غاية التقدم الثقافي، مما حدى بالعلماء لتبيين أن التثاقف ليس قبولا غير مشروط لثقافة جديدة، بقدر ما هو تفاعل حيوي بين الثقافة الأصيلة والجديدة ينتج عبر إعادة تأويل كلتا الثقافتين نوعا من المزيج الحيوي بين الثقافات. أدت هذه الدراسات حول التثاقف إلى تجديد مفهوم الثقافة باعتباره مفهوم ديناميكي، وبأنه لا توجد ثقافة صافية باقية على حالها منذ الأزل، وأن الثقافة لا يمكن أن تفهم إلا من خلال دراسة علاقاتها مع الثقافات الأخرى، لا العكس.(١٦)

هذه لمحة سريعة حول تطور مفهوم “الثقافة” في الفكر الغربي، ويمكن ملاحظة بعض المشاكل التي يعاني منها جراء استخدامه في الدراسات الانثروبولوجية الثقافية وسنكتفي هنا بالتعرض لمشكلتين اثنتين. أول هذه المشاكل هي “الجوهرانية” أي افتراض أن لثقافة ما وجود ماهوي مستقل متعال عن الأفراد أنفسهم، حيث يؤدي هذا التصور عند دراسة العلاقات الثقافية إلى إلغاء الأفراد وابتسار الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى ظواهر ثقافية، واعتماد الثقافة كأداة تعليلية وتفسيرية لبعض الأحداث والظواهر. ثاني تلك المشاكل هو النظر للثقافة باعتبارها ساكنة وجامدة مما يستسهل الحكم على ثقافة حالية بأحكام استصدرت قبل قرون.

ولأن كان علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع قد حاولوا تجاوز هذه المشاكل التي يعاني منها مفهوم الثقافة، فإن كافة الكتابات التي تناولت موضوعة “صراع الحضارات” وحوارها، إنما تنطلق من هذه المشاكل نفسها التي تعاني منها الثقافة لتبرير الأطروحة النظرية المقدم عليها. فلكي تصبح هذه الأطروحات مبررة، يتم الانطلاق من نظرة للثقافة مشيئة، نظرة تتعامل معها على أنها كل مستقل عن الأفراد الذين يفكرون ويتنقلون ويتحدثون. بعد ذلك يتم التعامل مع هذا الكل المستقل باعتبارها كل مصمت، جامد وثابت، محكوم بمنطق واحد منذ مئات السنين، لم يتغير ولا يتغير. وانطلاقا من هذه الرؤية يستسهل الفرد النظر لخارطة العالم باعتبارها خارطة للثقافات المتنوعة.

إن رفض هذه النظرة للثقافة، لا يعني رفض كون الثقافة عابرة للدول. ولكن يعني بالضبط أن انتشار ثقافة ما في أكثر من دولة، لا يعني التطابق التام أولا، كما لا يبيح استخدامها كأداة تفسير، لأن الدول ومجتمعاتها ظواهر اجتماعية واقتصادية وسياسية في الأساس، وأن التحركات هي تحركات أفراد تتوزعهم المصالح والتضحيات. وفي نص مركز في نقد هذا الاستخدام لمفهوم الثقافة للترويج لأيديولوجية “صراع الحضارات” يقول جورج قرم:

“إن هذه الأيديولوجية التبسيطية هي أيديولوجية منحرفة، لأنها تدل على تخيل للواقع هو زائف ومحدود في آن. صحيح أن الثقافات الغازية تنتشر في النظام العالمي بفضل أحداث سياسية كبرى، مجسدة ظواهر قوة. لكنها ما إن تخرج من قاعدتها الإقليمية والقومية حتى تشهد تحولات تتوقف على درجة قبول هذه الثقافات من قبل حضارات الأمم الأخرى. وغالبا ما يؤدي استعمال ثقافة لأخرى إلى انتاج أنواع من الاختلاط الخاصة، حتى على المستوى اللغوي البحت… لذا فإن الكلام عن حرب حضارات، وتاليا على حرب ثقافات، ليس له أي معنى، منذ أن يدّعي هذا المفهوم، كما هو الحال اليوم، أن العلاقات بين الثقافات على المدى الطويل هي من النوع الجوهراني، أي الذي لا يتغيّر…. إن الاستعمال الكثيف لهذا المفهوم في الخطاب الغربي الراهن هو إذا سياسي إلى حد كبير، فهو يفيد إضفاء الشرعية على الانتشار العسكري وما يرافقه من التدابير السياسية، وهو يسوّغ الحروب الاستباقية/الوقائية الممنوعة في القانون الدولي. إلى ذلك، تتسم إيديولوجية حرب الحضارات بميزة الانطواء على تضمين انفعالي شديد. فمنذ الحربين العالميتين فقدت الحروب التي تثيرها المصالح القومية شرعيتها، فصار الدفاع عن “الحضارة” و”القيم” الغربية بديلا مناسبا جدا…”(١٧).

وفي معرض نقد عزمي بشارة لتبريرات هانتنغتون لازدواجية المعايير داخل الحضارة، حيث يبيح للحضارة أن تتعامل مع موقف من داخلها تعاملا مناقضا لآخر مماثل له من خارجها، وبالتالي يصبح مبررا جدا أن تتعامل الحضارة الغربية مع قضية البوسنة تعاملا مختلفا مع قضية فلسطين، فقط لأن الأولى داخل الحضارة والأخيرة خارجها… أقول: في معرض نقده لهذه الأطروحة، التي يستمر صاحبها بتأكيد أنه لا وجود لأي قيم كونية وأن “الحرية” و”الفردية” وغيرها كلها مفاهيم غربية، بل أكثر من ذلك يقوم هانتنتغتون بوصف المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي وغيره بأنها “أدوات تفرض مصالح الغرب الاقتصادية على الأمم الأخرى”، وأن جميع دعاواها بأنها مؤسسات كونية للبشرية جمعاء ليس سوى “غطاء أيديولوجي”، يتسائل بشارة هنا أمام هذا التصريح المباشر:

“ولكن ما المهم هنا؟ المهم أنه لا يقوم بمهمة فضح علمية لمقولات أيديولوجية وأدوات سيطرة يقدمها الغرب كأنها مصطلحات كونية، بل عملية تباه وتفاخر، بمعنى أنه لا يرى حتى الحاجة إلى الغطاء الأيديولوجي… وهذه تعبيرات عن ثقة بالنفس. الثقة الإمبريالية بالنفس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تسمح بنشوء تيارات من داخلها تعترف صراحة بأن ما قدم حتى الآن كتعابير كونية هو في الواقع غطاء أيديولوجي. ويقوم هانتنتغتون بإزالة هذا الغطاء ليس في خدمة العلم كما يدعي، بل لأن الإمبريالية في مرحلة الثقة بالذات لم تعد بحاجة إلى أقنعة، وتصوير الصراع كصراع سافر بين حضارات هو مبرر نزع الأقنعة حتى عن ازدواجية المعايير. والسؤال الذي لا يفطن إليه هناتنتغتون هو: ألا يصح أن تكون عبارة “صراع الحضارات” كمقول نظرية، هي أيضا غطاء مثل “صندوق النقد الدولي” و”المجتمع الدولي” و”المجتمع الحر” وغيره لتغطية صراعات نفوذ وقوة واقتصاد. بحيث لا تصح هذه كغطاء إلا إذا اقتنع الناس بها؟ والمقصود هو: ألا يصح أن يقال إن نظرية صراع الحضارات ذاتها هي غطاء أيديولوجي جديد لصراعات مصالح وسيطرة واقتصاد وهيمنة عسكرية؟”(١٨)

وقبل أن نختم هذه الفقرة، نشير إلى ملاحظة طريفة، وهو هذا التحول للثقافة التي بدأت كوسيلة تحمي خلالها الأمم المتخلفة ذاتها من الهيمنة الثقافية التي تفرضها الأمم المتحضرة مؤكدة أصالتها وتمايزها، لتنتهي إلى وسيلة سلطوية بيد الأمم المتحضرة التي تدعي أن قيمها التي هي سبب تفوقها قيم خاصة بها لا يمكن تعميمها، وسيلة سلطوية توصم بها الأمم النامية، وتعاق تنميتها وتحاصر دون تحقيق مصالحها. إن هذا الرواج العالمي لهذه الأطروحات وتقسيم العالم إلى ثقافات وتحليل الظواهر السياسية والإجتماعية بناء على هذه التقسيمات، لهو أمر شديد الخطورة على كل محاولات التجانس والتواصل بين الأفراد، إذ أن كل هذه الأطروحات يجعل الفرد سجينا لهويته الخاصة، هويته التي تمت تنميتها وشحنها وتسييسها من قبل سدنة أطروحات صراع الحضارات ومدارس التفسير الثقافي للحوادث السياسية والاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(١٣) كوش، دنيس. مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية. ترجمة منير السعيداني. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ٢٠٠٧: ص١٥-٢٧.

(١٤) المصدر نفسه: ص٢٩-٥٢.

(١٥) المصدر نفسه: ص٥٥.

(١٦) المصدر نفسه: ص٨٩-١١٨.

(١٧) قرم، جورج. المصدر نفسه: ص ٣٢٤.

(١٨) بشارة، عزمي. في المسألة العربية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠٠٧. ص:١٠٩.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9%e2%80%a6-%d8%a7/#sthash.1vk0MNTl.dpuf

 

 

في الهوية… هل نرث معانينا؟ (٣)

 

سلطان العامركما أن أطروحة “حوار الحضارات” تقوم علي تصور سطحي وواه لكل من “الحضارة” و“الثقافة”، فهي كذلك تتبنى تصورا سطحيا إضافيا لمفهوم الهوية. ولإن كان الحديث عن الحضارات والثقافات هو حديث نظري في الغالب، إلا أن آثاره وانعكاساته على مفهوم الهوية، لشديد الأثر في حياتنا المعاصرة. إن تبني الآلة الإعلامية الضخمة لأطروحة “حوار الحضارات” أو صراعها بكافة مسلماتها الواهية، أحدث نوعا من الغبش في رؤية وتحليل المشاكل الاجتماعية والسياسية بإرجاعها لإشكاليات في الهوية، وكذلك إلى تسويغ مبطن لكافة أشكال التمييز السياسي المبني على الهوية. من هذا المنطلق، يصبح لزاما علينا أن نفتح ملف مفهوم “الهوية” محاولين دراسته وتبيين الفروقات الهائلة بين الاستخدام الإعلامي السطحي له، والاستخدامات المتنوعة له في العلوم الاجتماعية.

ما هي “الهوية”؟ هذا السؤال تتحدد إجابته بطبيعة تصورنا لمفهوم الثقافة نفسه. فالإجابة الأولى التي تنطلق من كون الثقافة طبيعة ثانية مستقلة وجوهرانية ومحددة بشكل واضح، تعتبر الهوية سابقة على وجود الفرد وحاكمة عليه، باعتباره يرثها وراثة بمعالمها المحددة في الثقافة التي ولد هذا الفرد فيها. إلى هذه الإجابة تنتمي كل الأطروحات التي تستسهل الحكم على إنسان من خلال “أصوله” و”جذوره”، بهذا المعنى تتحول الهويّة الثقافية وكأنها نوع من العرق، أو نقش في الشفرة الوراثية للفرد لا انفكاك له عنها. وهذه الإجابة هي التي تبنتها أطروحة “حوار الحضارات” في تمييزها بين الأفراد بإرجاعهم لهويات يتم التعامل معها على أنها محددة ونهائية. (١٩)

أما الإجابة الثانية فهي ترفض تماما هذا التصوير “الموضوعوي” للهوية باعتبارها معطى مسبق على وجود الفرد ذا صفات محددة ونهائية لا يملك هذا الفرد إزاؤه سوى التسليم. وإزاء رفضها له، قامت بطرح تصور آخر للهوية، تصور “ذاتوي”، باعتبارها “شعور بالانتماء أو تماه مع جماعة متخيلة” (٢٠). ومن هنا تصبح الهوية من صنع الفرد وتالية لوجوده بل إنها تصل لمرحلة تصبح فيها مجرد مسألة “اختيار فردي اعتباطي”(٢١).

وكمحاولة لتجاوز التسطيح والاختزال في هاتين الإجابتين، تأتي الاجابة الثالثة باعتبار الهوية ليست معطى مسبق بقدر ما هو انتماء تتم صناعته، لكن ليس بطريقة عشوائية وعبثية، بل داخل إطار اجتماعي يستهدف تحديد الأنا مقابل الآخر. إن بناء الهوية هو فعل تماه مع المجموعة المتخيلة بنفس المقدار الذي هو فعل تمايز عن المجموعات المحيطة. هي إذن “بناء يبنى في علاقة تقابل فيها مجموعة مجموعات زخرى تكون في تماس معها” (٢٢).

لم تكن مسألة الهوية شديدة الأهمية في المجتمعات التقليدية السابقة على تعميم نموذج “الدولة القومية”، وذلك لاعتبارين أساسين: الأول هو بطء التحولات الديموغرافية في تلك المجتمعات لدرجة لا تسبب صدمات للعلاقات بين المجتمعات المختلفة تضطرها لإعادة تصوراتها لهويتها. أما الإعتبار الثاني، فهو طبيعة الدول القديمة التي لم تكن تهتم بتحديد “هوية” مواطنيها.

لكن ومنذ أن بدأت الدولة القومية بالتشكل باعتبارها فضاء قانونيا وسياسيا تتحقق فيه سيادة أمة ما، فإن تحديد هوية هذه الأمة أصبح أمرا ضروريا، سواء باعتماد هوية واحدة للأمة، كما هو الحاصل في فرنسا، أو الاعتراف بتعددية الهويات مع ترتيبها ترتيبا مستندا لهيمنة هوية بعينها على باقي الهويات، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية. في الدولة القومية، أصبحت مسألة تحديد الهويات مسألة حساسة، بحيث تصبح “الهوية الوطنية” الوثيقة الأهم التي بها تعترف الدولة بمواطنيها، وبهذا لم يعد الأفراد والجماعات هم من يحددون هوياتهم، وهكذا أصبحنا نرى أكرادا ذوي جنسيات تركية، وعربا يحملون الجنسية الفرنسية…إلخ. إن هذا التدخل المتصاعد من الدولة في التحديد الأحادي لهوية مواطنيها، أدى إلى جانب تنامي المدن المليونية وعملية تذرير الأفراد وتفكك المجتمعات الوشائجية التقليدية، إلى نشوء أزمة الهوية عند الفرد المعاصر وتناميها بشكل أكبر بكثير من السابق. (٢٣)

ومن هذه الملاحظة، يمكن استنادا إلى ما سبق الإشارة إليه من تبيين محاولة تهميش وجود الدولة القومية في أطروحة حوار الحضارات، أقول يمكن القول أن التأكيد على الهويات الثقافية- والدينية تحديدا- في هذه الأطروحة جزء من منازعة الدول القومية في تحديدها لهوياتها الوطنية. إن محاولة الدولة القومية لصياغة هوية أحادية لشعبها، أنتج مفهوم “الأقليات”، وهم المجموعات البشرية الموجودة في هذه الدول لكن لا تنطبق عليها حدود الهوية المدعومة من قبل السلطة. وهذا المفهوم ذو طبيعة صراعية مع الهوية المهيمنة التي تبنتها السلطة، قد يصل الصراع إلى حد التطهير والتهجير والإبادة.

وعلى الرغم من كون محاولات الدول القومية في تحديد هوية أحادية للأمة ذات آثار سلبية على الأقليات وعلي الدول المحيطة به، إلا أن أطروحة “صراع الحضارات” وحوارها، باعتمادها قائمة من الهويات فوق القومية، تزيد من تعقيد أزمة الهوية لدى الأفراد. ونجد هذه الأزمة كأفضل ما يكون عند العرب. فالعرب هم أكبر أمة في التاريخ المعاصر لم تنل حق تقرير المصير، وهي الأمة التي تشرذمت إلى عدد من الدول التي لم تستطع توليد هوية خاصة بها، مما أوقع مواطنيها فريسة أيديولوجيات شمولية -كالإسلاموية- عابرة للدولة، والتي ما إن يثبت فشلها حتى تحدث لديهم نوع من العودة إلى الهويات الوشائجية من قبلية وعائلية وطائفية…إلخ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(١٩) دنيس، كوش. المصدر نفسه: ص ١٤٩-١٥١.

(٢٠) المصدر نفسه: ص ١٥٢.

(٢١) المصدر نفسه: ص ١٥٢.

(٢٢) المصدر نفسه: ص ١٥٣.

(٢٣) المصدر نفسه: ص ١٥٨-١٦٢.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9%e2%80%a6/#sthash.njjYbCTT.dpuf

 

 

خاتمة: في البحث عن السلام والحوار

 

سلطان العامرسرنا في هذا البحث في ما يشبه حقل الالغام من المفاهيم الملتبسة والتي يتم تناولها وتسطيحها بسهولة، شبكة من المفاهيم يتم عبر تركيب بعضها فوق بعض تسويغ أطروحة “حوار الحضارات” أو صراعها. يمكن الآن بعد تبيين عدد من المفاهيم كالحضارة والثقافة والدولة القومية والهوية، أن ننظر لمثل هذه الأطروحات باعتبارها “أيديولوجية” أكثر منها دعوة أو نبوءة سياسية. واعتبارها أيديولوجية يعني أنها بناء مفاهيمي يهدف إخفاء مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي عالمي، يتمثل هذا المشروع بمحاولة فرض هيمنة غربية- أمريكية تحديدا وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي- على العالم، ومحاولة تهميش وإضعاف العقبة الأساسية أمام فرض هذه الهيمنة تحت مظلة العولمة، وهي “الدولة القومية”.

قد تكون هذه النتيجة مصادمة ومحبطة للمتحمسين للحوار والساعين إلى السلام عبر المؤتمرات والندوات العالمية، لكن يمكن مواساة هذا الإحباط عبر مسألتين: الأولى، أن هذه النتيجة لا تعني أن السلام مستحيل التحقق في هذا العالم، وإنما فقط البحث عنه عبر هذا الطريق هو تضييع للجهود ومخادعة للنفس. إن السعي من أجل تحقيق السلام في العالم يبدأ من فهم هذا العالم، فهمه بطريقة واضحة تكشف شبكة المصالح والقوى الفاعلة فيه والمؤثرة سلبا على تحقيق هذا السلام. إن العالم ليس مثاليا، وبالتالي لا يذعن للحق بقدر ما يذعن للمنفعة والقوة. والاقتناع بهذا، يفتح الطريق نحو التفتيش عن صيغة تمنع أي تعارض بين الحق والمنفعة، وتطوع القوة لخدمتهما.

أما المسألة الثانية، وهي متعلقة بمسألة الحوار. فالحوار يكون بين أفراد يحملون مجموعة من القناعات والرؤى الخاصة بهم، لا بين ثقافات أو حضارات لا وجود موضوعي لها إلا من خلال هؤلاء الأفراد. والحوار ثانيا لا يشترط أرضية مشتركة، أو إطارا مرجعيا موحدا حتى يكون مثمرا أو ناجحا. وهذه هي الأطروحة التي تناولها يوما الفيلسوف الألماني كارل بوبر.

ينطلق بوبر في مقالته “أسطورة الإطار” (٢٤) من انزعاج من اللاعقلانية التي تبرر نفسها باعتماد النسبية، أي اعتبار الحقيقة بالنسبة لمرجعيتنا ممكنة كما هي ممكنة بالنسبة لمرجعية أخرى. والتي تشترط شروطا لإمكانية التفاهم بين البشر، شروط تتشكل كإطار مرجعي بالاتفاق عليه يكون التفاهم ممكنا. يسلم بوبر ابتداء بأن الحوار سيكون عسيرا عندما تختلف الأطر، وأنه سيكون سلسلا ولطيفا ان كانت كمية الأمور المتفق عليها عالية. لكن ما يجادل فيه بوبر هو أنه كلما كانت الأطر المشتركة متباعدة ومختلفة كان هذا محرضا على نقاش مثمر.

ينطلق بوبر في تقريره إمكانية تجاوز الهوة بين الثقافات المتباعدة والمتحاورين ذوي الأطر المتباعدة في رحلة في أعماق الفكر الغربي، والذي يرجعه إلى مجموعة من الصدامات بين أنساق حضارية وفكرية مختلفة أشد الاختلاف: يونانية ورومانية وفينيقية ويهودية واسلامية وجرمانية…إلخ. وكذلك يتتبع الصدامات التي انبثقت منها ما يدعوها “المعجزة الاغريقية”. يريد بوبر من هذا التتبع التاريخي تأكيد أن الصدامات بين الأنساق المتباعدة، قد يؤتي ثمارا بحجم المعجزة الإغريقية.

إن العلم مبني على المناقشة النقدية، والمناقشة النقدية لا يستفزها إلا الصدام مع الأطر المختلفة. يكرس بوبر عددا من الصفحات لإثبات هذه القضية، التي تحول الإختلاف والتباعد من كونه مانعا للتفاهم إلى أحد أهم منابع المناقشة النقدية، التي هي بدورها أهم سمات العلم.

يصف بوبر المناقشة النقدية بقوله: “المناقشة النقدية بهذا المغزى نادرة الحدوث، لكنها مثل أعلى هام، ويمكن أن نتعلم الاستمتاع بها.إنها لا تهدف الارتداد عن المعتقد، وتوقعاتها متواضعة: يكفي جدا، وفوق الكفاية، إذا شعرنا أننا نستطيع رؤية الأشياء في ضوء مستجد أو أننا اقتربنا قليلا من الصدق/الحقيقة”(٢٥).

وفي مرافعته الطويلة ضد النسبية التي ترفض وجود حقيقة موضوعية، وإنما مجموعة من الحقائق مرتبطة بالاطار المرجعي للفرد أو الجماعة يشير بوبر إلى أن التعلم من الآخرين والاستفادة من تجاربهم في القضايا التي تهمنا جميعا، كقضايا العدالة والحرية وغيرها، لهو أمر شديد الأهمية، ولا يوجد أي معنى لإهمال ما لدى الآخرين انطلاقا من كونه حقيقة أخرى نسبية مخالفة لحقيقتنا.

وأخيرا، يتحدث بوبر عن تجربته الخاصة في النقاش مع طلابه القادمين من مختلف أجزاء العالم. وفي معرض حديثه يؤكد على أن النقاش النقدي لن يكون مثمرا طالما أن هناك طرف يعتقد أنه أعلى من الاخر، إن مساواة المتحاورين لهي أمر ضروري لإمكانية التفاهم بين طرفين ينطلقان من أطر وخلفيات متباينة.

في المقالة جوانب كثيرة من اللفتات الرائعة، لكن لماذا أقوم باستعراضها الآن؟

والجواب على هذا السؤال هو أن هذه الروح والرغبة الشديدة في كسر كل العوائق التي تمنع التواصل بين البشر والتفاهم والنقاش النقدي، هي الروح التي لابد لكل حوار أن يتزيّا بها. فلا معنى لأي حوار يبدأ من مسلمة الاختلاف والتمايز، إن الحوار يقوم أصلا على أساس أنا هناك ثم ما يجمع البشر، وبالتالي مهما كان الاختلاف ومهما احتد، فإن هذا الذي يجمعنا سيساعدنا على أن نفهم بعضنا البعض، وعلى أن نصل للحد الأدنى من التعاون والتعاضد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(٢٤) بوبر، كارل. أسطورة الإطار. ترجمة يمنى الخولي. الكويت: عالم المعرفة،٢٠٠٣.

(٢٥) المصدر نفسه: ص ٧١.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%ae%d8%a7%d8%aa%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8/#sthash.F8sXMiQb.dpuf

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك