هل هناك أزمة ثقافة عربية بالفعل؟

وللإجابة على ذلك لابد أن نحدد أية ثقافة عربية نعني؟ نعم هناك بغير شك الثقافة العربية التي يبدعها العرب ويتم التعبير عنها باللغة العربية، لكن داخل هذه الثقافة، تيارات واتجاهات ونزاعات ثقافية وفكرية مختلفة. فأيها هو الذي يمكن أن نطلق عليه صفة الأزمة؟
إن أي نظام سياسي لا يحكم ولا يهيمن بقوة القمع الإداري والعسكري فقط، وإنما يحكم ويهيمن بالأيديولوجيا، أي بالثقافة والفكر ولهذا فكل سلطة سائدة حاكمة، لها ثقافة سائدة، ولها أفكارها التي تسعى إلى تسييدها من خلال، وسائل الإعلام والتعليم والثقافة وفي مواجهة هذه الثقافة السلطوية، هناك تيارات ثقافية وفكرية معارضة ومختلفة تسعى هي بدورها إلى أن تسود، فأي هذه الثقافات هي الثقافة المأزومة؟ الرسمية أم ثقافة المعارضة؟ في تقديري أن الثقافة المأزومة أساسا هي الثقافة الرسمية، ذلك أنها ثقافة متناقضة مع نفسها خالية من الاتساق والمصداقية، فهناك تناقض صارخ بين ما تعبر عنه، وبين واقع الممارسات والسياسات الرسمية فهي تتحدث عن الاستقلال لتغطية تبعية وطفيلية سياسية أو اقتصادية تزداد وتتفاقم، كل يوم تتحدث عن مشروعات ومنجزات وارتفاع في مستوى المعيشة لتغطية الفساد المستشري والإفقار المتزايد والعجز عن التنمية الشاملة، تسعى إلى إشاعة ثقافة الغفلة والامتثال والخضوع والعاطفية الجوفاء، بينما تهمل أو تغفل ثقافة الوعي الموضوعي بحقائق الأشياء وواقع المجتمع وواقع العصر الذي نعيش فيه.
هذا هو توصيف الأزمة أما جوهرها فليس ثقافيا، بل هو سياسي يتمثل في طبيعة أنظمة الحكم العربية، إنها أنظمة غير مؤهلة بل وغير راغبة في حل المشكلات الأساسية التي تتمثل في التخلف والتبعية والتمزق القومي.
الثقافة والمثقفون الواقع والطموح
الحديث حول الثقافة والمثقفين، حديث جميل وصعب في آن واحد، جميل لأنه مرآة الحياة إلى الحقائق وجواهر الأشياء، وصعب لأن وظيفة الثقافة الحقة تقوم عليها حضارات وتتجذر بها عادات وممارسات تحكم سلوكيات الأمم وتحدد مصيرها بين سائر الأمم الأخرى.
فالثقافة الحقة هي التي تبقى وتظل مخالفة للواقع السيء والمتخلف، بل وتسعى لتغييره وإصلاحه نحو واقع آخر أفضل تسود فيه القيم والمناقب السامية.
وهناك نوعان رئيسيان من الثقافة :
أولاً: الثقافة السياسية أو التي تهتم بأمور الناس وقضاياهم المصيرية، وبالذات فيما يرتبط بالحريات، كحرية الرأي والتصويت أو كحرية ممارسة الطقوس المذهبية والدينية وما أشبه.
وتندرج الثقافة وفق مفهومها هذا إلى قسمين:
أ - ثقافة تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعي الجاد للتغيير والإصلاح.
ب - ثقافة تشد الناس نحو الأرض وتكرس فيهم روح التبعية والخوف والتراجع والخلود إلى الدعة والراحة.
ثانياً: الثقافة الاجتماعية، التي تتخلص في الأعراف والتقاليد التي يبني عليها المجتمع حياته بما يضمن سعادته ورفاهيته في ظل قوانين يتمسك بها الجميع من دون وصاية من أحد، وهناك أيضاً نوعان من الثقافة الاجتماعية:
أ - ثقافة تدعو وتحث باتجاه تحكيم القيم والمثل النبيلة كالتعاون والترابط والألفة.
ب - ثقافة تشد الناس نحو السلبية والتفكك والانعزال وزرع روح الهزيمة في النفوس.
ولكي تكون الثقافة الإسلامية عنصراً هاماً وبناء فعّالاً لابدّ من أن تكون متكاملة بمعنى أن تكون ثقافة سياسية واجتماعية للعلاقة الجدلية التي تربطهما، وأن تدفع الناس باتجاه القيم والمناقب الرسالية السامية وتحرك فيهم روح المسؤولية والعطاء من أجل تغيير الواقع الفاسد والمتردي، وإصلاحه، فالإصلاحات الاجتماعية عادة لا تتجذر إلاّ عندما تحركها ثقافة صادقة نشطة.
وعلى ضوء ذلك فإن المثقف الذي يحمل رسالة كالمرآة التي تعكس تفاصيل الأمور بسلبياتها وإيجابياتها، ولذلك غالباً ما يحدث تعارض بين المثقف والسلطة القائمة التي تعتمد التضليل والتعتيم لوجودها غير المشروع أو الفاسد، ومن هنا تكون الأزمة.
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...