المسلمون والثقافة.. تخاذل وخنوع
من صور تخاذل المسلمين وخنوعهم التبعية الثقافية والإعلامية التي ألقت بظلالِها، بل امتزجت بتراث المسلمين وثقافتهم، فغيَّرت وبدَّلت وأرعدت وأزبدت، كثير من الأمثال التي نتداولها في حياتنا اليومية ويتداولها مثقفونا هي منقولة عن الغرب وثقافة الغرب، ولعلي أستعرض جزءًا يسيرًا منها:
ما كل ما يلمع ذهبًا all is not gold that glitters، الحب أعمى love is blind، السكوت علامة الرضا أو يعني الرضا silence gives consent، للجدران آذانwalls have ears، عندما تغيب الهرة يلعب الفأر when the cat is away the mice play، الغريق يتعلق بقشة a drowning man will clutch at a straw، وغيرها كثير كثير، ولا شكّ أن في ثقافتنا الإسلامية المعنى والمغني، لكن الانجراف الكبير لبعض من بهرهم الغرب قادهم إلى تقديس المثال الغربي في كل ما تقع عليه أعينهم أو تسمعه آذانهم, ولست أعترض على أي مثل فيه حكمة وفائدة. فالحكمة ضالة المؤمن، لكني أسوق في هذا السرد افتتان بعض المسلمين بالغرب ومحاولة إسقاط ثقافتهم على موروثنا العظيم.
إن البرامج الإعلامية تزخر بالكثير من صور التقليد والتبعية البلهاء العمياء الصمَّاء في تعطيل كامل للأفكار المحلية أو قل "تشتيت" إن شئت، فالثقافة الإسلامية لا تقبل الانسلاخ أو الانعتاق من موروثها فيما يتعلق بوحدانية الله وربوبيته وألوهيته, فهذه مضامين ومفاهيم لا تقبل القسمة على اثنين، وليست مثار جدل أو تحديث أو تغيير، وبعض الذين بهرهم الغرب يقول: "ليس هناك ثبات مطلق لأي شيء، أي أن كل فكر أو اعتقاد أو منهج أو دليل أو معلومة أو دين قابل للتغيير، وهذا كلام مردود على من قاله جملة وتفصيلًا"، فالتبعية أو الانهزامية للغرب في المجال الإعلامي ظاهرةٌ في كثير مما يعرض من برامج، إما في إطارها العام وطريقة إخراجها وإما في المحتوى، وهذا هو الأهم.
كثير من برامج التليفزيون العربي تميل إلى الترفيه والتسلية، وقليلًا ما تجد برامج هادفة تحتوي على فكرة أو أفكار تحفِّز الأذهان وتعود بالنفع على مشاهديها.
يدسّ السمَّ في الدسم كما يقال في المضمون، فلا يكتفي بالمشاهد التي تخاطب الغرائز، بل بالطرح أو السيناريو الذي يحتوي على نقد ساخر ممجوج مكذوب في كثير من فصوله للمشهد الإسلامي، وكأن الإسلام أصبح عِبئًا لا دينًا قيِّمًا ملة إبراهيم.
التطرف والإرهاب مرفوض جملةً وتفصيلًا على أي الطرفين كان، فالتطرف والمغالاة في الفهم القاصر للدين يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه والتطرف في انتقاد كل ما هو إسلامي يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، والوسطية مطلوبة كمنهج إسلامي أصيل، فلا معصوم ولا إنسان فوق النقد، لكن النقد الذي يقوّم المعوج لا النقد الساخر الذي ينال من الأشخاص ولا الممارسات.
إن هناك ثوابت معلومة من الدين بالضرورة لا يمكن المساس بها أو التطاول عليها، وهذا هو الفرق بيننا وبين الإعلام الغربي الذي يسرح ويمرح في فضاء مفتوح لا يحركه دافع من خوف أو دين أو ضمير في الغالب الأعمّ.
فالتبعية الثقافية في بلاد المسلمين واضحة ناصعة في كثير من الإصدارات التي تحمل في طياتها طرحًا ممجوجًا يقوم على روافد مختلفة منها التشكيك في وجود الله عز وجل، وهذا المنهج الخطير تراه في بعض المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية أو في بعض الإصدارات الممنوعة من التداول، وهي نتاج نفسية مريضة متشككة متخبطة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، وهناك الغزل الفاحش الخارج عن حدود الأدب والشرع, وهو بلا شك نتيجة انحراف في الرؤية واجتراء على ثوابت الأمة، وهناك الإعجاب والانبهار بالغرب في الاقتصاد، أو في الفنون أو السياحة، والملاحظ أن معظم تلك الكتب تُكتب في فضاء رحب فسيح لا يدلّل على انتماء كاتبها لدين قيِّم قويم، فالدين وأحكام الدين ورأي الدين وفلسفة الدين تجد ذلك كله منحًى أو مبعدًا في كثير من تلك الطروحات.
ومما نأسف له أن بعض مفكرينا أو كتابنا يستمرئ فكرة "ما لله لله, وما لقيصر لقيصر", فالدين عنده طقوس تؤدّى في المساجد، وليس حاكمًا على تصرفاتنا وحياتنا، وهو بلا شك رأي فيه من الخلل الشيءُ الكثير، فهل الإسلام جاء ليفرض علينا طقوسًا ويتركنا نسرح ونمرح دون ضوابط أو موانع؟! هل هذا هو الدين الذي جاءت به الرسل عليهم السلام؟! بالتأكيد لا.
إن الانبهار بالنموذج الغربي في الفكر العلماني أو الليبرالي أو غيره من الأفكار تجده مجسَّدًا في طروحات عمت وطمت في بلاد المسلمين تحاول فرض منهجها على أناس يدينون بدين الإسلام ولا يؤمنون بهذه الأفكار التي تتناقض بالتأكيد مع أبسط أبجديات دين الإسلام.
المصدر: http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-42-129272.htm